Skip to main content

Full text of "○ذكريات الجنة"

See other formats




من روأ 
الاكتر 


مبيعا 


Es 5‏ الروا 
هك 


نداء الکوكو 


1 
نوفل 


ية 


غا 


ر 
4 ۳۹۱ 


t.me/ktabpdfF 


ملعي -391 


دودة الحرير 


روبرت غالبريث 


نقله من الإنكليزتة عمر سعيد الأيوبىئ 


0 > 
نوفر عكتبة 


٠.19 |" 17 مكتبة‎ 


صدرت عام 2018 عن نوفل؛ دمغة الناشر هاشيت أنطوان 


© هاشيت أنطوان ش.م-ل., 2018 

ص. ب. 11-0656, رياض الصلح» 2050 1107 بيروتء لبنان 
info@hachette-antoine.com‏ 
www.hachette-antoine.com‏ 
facebook.com/HachetteAntoine‏ 
instagram.com/HachetteAntoine‏ 
twitter.com/NaufalBooks‏ 


صورة وتصميم الغلاف: ١0ءازW‏ هتك 
Little Brown Book Group Limited 2015‏ © 
إقتباس الغلاف: معجون 
تصميم الداخل: ماري تريز مرعب 
تحرير: ناتالي الخوري 
طباعة: 531015 


ر.د.م.ك. (النسخة الورقية): 978-614-438-590-6 
ر.د.م.ك. (النسخة الإلكترونية): 978-614-438-591-3 


First published in Great Britain in 2014 by Sphere 
Copyright © 2014 Robert Galbraith Limited 
The moral right of the author has been asserted. 
All characters and events in this publication, other than those clearly 
in the public domain, are fictitious and any resemblance to real 
persons, living or dead, is purely coincidental. 


All rights reserved. 

No part of this publication may be reproduced, stored in a retrieval 
system, or transmitted, in any form or by any means, without 
the prior permission in writing of the publisher, nor be otherwise 
circulated in any form of binding or cover other than that in which 
it is published and without a similar condition including this 
condition being imposed on the subsequent purchaser. 


‘Oh Santa!’: Words and Music by Mariah Carey, Bryan Michael 
Paul Cox and Jermaine Mauldin Dupri © 2010, Reproduced by 
permission of EMI Music Publishing Ltd, London WIF 9LD / 
© 2010 W.B.M. MUSIC CORP. {(SESAC) AND SONGS IN THE KEY 
OF B FLAT, INC. (SESAC) ALL RIGHTS ON BEHALF OF ITSELF AND 
SONGS IN THE KEY OF B FLAT, INC. ADMINISTERED BY W.B.M. 
MUSIC CORP. © 2010 Published by Universal/MCA Music Ltd. 


‘Love You More’: Words & Music by Oritsé Williams, Marvin 
Humes, Jonathan Gill, Aston Merrygold, Toby Gad & Wayne Hector 
© 2010 BMG FM Music Ltd., a BMG Chrysalis company / 
BMG Rights Management UK Ltd., a BMG Chrysalis company / 
EMI Music Publishing Ltd. I All Rights Reserved. International 
Copyright Secured. / Reproduced by permission of Music Sales 
Limited / Reproduced by permission of EMI Music Publishing Ltd, 
London W1F 9LD 


t.me/ktabpdf 


دودة الحرير 
مَتعبة -391 
telegram @ktabpdf‏ 
telegram @ktabrwaya‏ 
تابعونا على فيسبوك 
جريد الكتب والروايات 


اللهم أنزل على قبرهها الضياء والنور 
والفسكة والسرور 

اللهم اقبلها قي عبادك الصاكين 
وامعليا عن ورتة هنة النعيم 


ذكرى ل نورسين 


إلى جينكنز, 
والذي لولاه... 
هو يعرف الباقي 


t.me/ktabpdfF 


«... الدم والثأر هما المشهد» والموت هو القصة. سيف مضرج بالدماء قلم 
يكتب. والشاعر شخص مأساوي رهيب» يعلو رأسه إكليل من عيدان الثقاب 
المشتعلة بدلا من الغار.» 

«الجندي الإسباني النبيل» 


توماس ديكير 


t.me/ktabpdfF 


سؤال: 
ما مصدر استمرارك؟ 
جواب: 
ليالي الأرق. 
توماس ديكير, الجندي الإسباني النبيل 


«آمُل بأنك تنوي زف خبر وفاة أحد النجوم يا سترايك». قال الصوت الأجش 
عبر الهاتف. إبتسم الرجل الضخم غير الحليق وهو يمشي متثاقلًا في ظلمة ما 
قبل الفجر, وهاتفه مشدود إلى أذنه. 

«لا؛ ولكتّه أمر من هذا القبيل.» 

«ولكنها السادسة صباحًا يا رجل!» 

«السادسة والنصفء لكن إن شئتٌ معرفة ما اكتشفثء فعليك أخذ 
عناء المجيء». قال كورموران سترايك» «لسث بعيدًا عن بيتك. هناك أحد 
ال....» 

«كيف عرفت أين أقيم؟», سأل الآخر بجفاء. 

أجاب سترايك وهو يكتم تثاؤبه: «أنت أخبرتني. فشقّتك معروضة 


للبيع.» 


10 روبرت غالبریٹ t.me/ktabpdf‏ 


«أوه», قال الآخر وقد سكنت ثائرتهء «تتمتّع بذاكرة جيّدة.» 

«هناك مقهى يفتح على مدار الساع...» 

«دعك من ذلك. نلتقي في مكتبك لاحقًا...» 

«لدي زبون آخر هذا الصباح» يا كالبيبر» وهو يدفع لي أكثر مما تدفعء 
أضف أنّني لم أنم طوال الليل. إن كنت تريد هذه المعلومة, فأنصحك بعدم 
التباطؤ.» 

تأوّه الآخرء وسمع سترايك حفيف شراشف. 

«يُستحسن أن تكون مشوّقة.» 

«مقهى سميثفيلد في لونغ لين»» قال سترايك وأقفل الخط. 

إزداد ترنّح خطواته وهو يسير إلى أسفل الطريق المنحدر نحو سوق 
سميثفيلد والشبيهة بكتلة متراصّة في ظلمة الشتاء. هيكل فكتوري مستطيل 
ضحم للحوم, تفرّغ فيه لحوم الحيوانات منذ الرابعة صباحًاء كل أيام الأسبوع 
باستثناء الأحد, كما هي الحال منذ عدَّة قرون. تكون اللحوم مقطعة وملفوفة, 
وتباع للجرّارين والمطاعم في كل أنحاء لندن. تناهت أصوات متنوّعة إلى 
مسامع سترايك في الظلمة؛ صيحات الأوامر المتصاعدة وهدير وصفير 
الشاحنات القلابة وهي تفرغ جيف الحيوانات... حالّ دخوله لونغ لين, إذا 
به ينضمّ إلى حشود أصحاب الملابس الثقيلة والذين يحنّون الخطى متّجهين 
إلى أعمالهم صباح يوم الاثنين. 

بسترات فسفورية, كان سعاة البريد يقفون تحت تمثال عنقاء حجريّة 
تحرس المكان عند زاوية مبنى السوقء حاملين بققازاتهم أقداح الشاي. 
وفي الناحية المقابلة من الشارع» ظهر مقهى سميثفيلد متوهّجًا وكأنّه موقد 
مكشوف مقابل العتمة المحيطة. إنه مقهى صغير يفتح على مدار الساعة, 
ويقدّم الدفء والطعام الغنيّ. 

لم يكن المقهى مزوّدًا بمرحاضء ولكن ثمَة اتفاق قائم مع مكتب 
المراهنات القريب لاستعمال حمّامه. غير أنَّ مكتب المراهنات لم يكن 
ليفتح أبوابه قبل ثلاث ساعاتء لذا انعطف سترايك إلى زقاق جانبيَ وأفرغ 


مكتبة دودة الحرير 11 


في مدخل مظلم محتوى مثانته التي امتلأت من شرب القهوة الرديئة بعد 
ليل طويل من العمل. كان منهكًا وجائعًاء فدخل المكان العابق بروائح البيض 
المقليّ مع اللحم المقدّد. وهو يشعر ببهجة لا ينعم بها إلا من استنفد طاقته 
البدنية. 

أخلى رجلان يرتديان سترتين صوفيّتين ومشمّعين إحدى الطاولات, 
فتحايل سترايك لدخول الحيّز الضيّق بجسمه الضخم وجلس مُطلِقًا زفرة ارتياح 
على كرسيّ من الخشب الصلب والحديد. وقبل أن يهم بالطلب» وضع صاحب 
المقهى الإيطالي أمامه الشاي في قدح أبيض طويلء إلى جانب مثلثات من 
الخبز الأبيض المدهون بالزبدة. في غضون خمس دقائق» حضر أمامه فطور 
إنكليزي كامل في طبق بيضويٌّ كبير. 

كان مظهر سترايك منسجمًا تلغاية مع الرجال الأشدّاء الذين يدخلون 
المقهى ويخرجون منه بصخب. كان ضخمًا ذا شعر أسود» أجعد» قصير 
وكثيف» منحسر قليلًا عن جبهة مرتفعة ومنتفخة فوق أنف ملاكم عريض, 
وحاجبين كثيفين مقطّبين. بدا وجهه متسحًا لظهور شعيرات لحيته النابتة, 
وعيناه الداكنتان واسعتين بسبب الدارات السوداء. تناول طعامه وهو يحدّق 
حالمًا في مبنى السوق المقابل وقد بدأ أقرب مدخل معقود - المدخل 
الثاني - يستعيد شكله مع انحسار العتمة: بادله التحديق من فوق المدخل 
وجه حجري متجهّم قديم وملتح. ترى هل كان هناك إله لجثث الذبائح؟ 

ما إن بدأ بالتهام النقانق حتى وصل دومينيك كالبيبر. كان الصحافيّ 
بطول سترايك تقريبًا ولكن نحيفًاء مع بشرة مماثلة لبشرة صبيّ في جوقة 
كنسيّة, وأمَا عدم التناسق الغريب في وجهه. كما لو أن أحدًا قد لواه بعكس 
اتجاه عقارب الساعة؛ فقد حال دون أن يتّسم بجمال أنثوي. 

«يستحسن أن يكون ما لديك مهمًا». قال كالبيبر وهو يجلسه ثم تزع 
قفازيه وأجال نظره بارتياب في أرجاء المقهى. 

سأله سترايك وفمه مليء بالنقانق: «أتريد بعض الطعام؟» 

«لا», أجاب كالبيبر. 


12 روبرت غالبریث t.me/ktabpdf‏ 


«أتفضّل الانتظار حتى تتمكن من الحصول على فطيرة؟» سأله سترايك 
وهو يبتسم. 

«دعك منيء يا سترايك.» 

كان من السهل جدًا إغضاب طالب المدرسة الحكومية السابق» والذي 
سرعان ما طلب كوبًا من الشاي بشيء من التحدّيء. مستعملًا في مناداة 
النادل غير المبالي كلمة «صديقي» (كما لاحظ سترايك بتندّر). 

«إذّاء ماذا لديك؟» سأل كالبيبر حاملًا الكوب الساخن بيديه الطويلتين 
الباهتتين. 

بحث سترايك في جيب معطفه» وأخرج مَغلْقًا ودفعه على الطاولة. 
فأفرغ كالبيبر محتوياته وأخذ يقرأ. 

«يا إلهي!»» قال بهدوء بينما انهمك في تقليب أوراق تعلو بعضها كتابة 
بخط سترايك» «من أين حصلت عليها؟» 

نقر سترايك بإصبعه» وفمه مليء بالنقانق» على إحدى الأوراق والتي 
كُتب عليها عنوان أحد المكاتب. 

«معاونته الحميمة... جدًا»» قال سترايك بعد أن ابتلع الطعام. 

«إِنّه على علاقة بهاء بالإضافة إلى الاثنتين اللتين تعرف بأمرهما. وقد 
أدركث الآن فحسب أنَّها لن تكون السيدة باركر التالية.» 

«وكيف عرفت أنت بكل ذلك؟» سأل كالبيبر وهو يحدّق في سترايك 
والأوراق ترتجف في يديه من فرط الحماسة. 

«هذا عمل المحقّقين»» قال سترايك بصوت منخفض وهو يمضغ لقمة 
أخرىء» «ألم تقوموا بالمثل أنتم يا معشر الصحافيين قبل أن تستهلوا الاستعانة 
بمصادر خارجية من أمثالي؟ لكنها قلقة بشأن فرص عملها في المستقبلء يا 
كالبيبر» لذا لا تريد أن تظهر في القضيّة, مفهوم؟» 

شخر كالبيبر مشمئ؛رًا. 

«كان عليها أن تفكر في ذلك قبل أن تسرق ال...» 

بحركة خاطفة انتزع سترايك الأوراق من بين أصابع الصحافي. 


مكتبة دودة الحرير 13 


«لم تسرقها. طلب منها أن تطبع له هذه الأوراق بعد ظهر اليوم. 
والخطأ الوحيد الذي ارتكبته هو أنّها أطلعتني عليها. لكتّني سأستعيد الأوراق 
حالًا إذا كنت تنوي نشر حياتها الخاصة على صفحات الجرائد, يا كالبيبر.» 

«أتركها»» قال كالبيبر وهو يحاول انتزاع البرهان على التهرب الضريبي 
من يد سترايك الشّعراء. «حسئاء لن نأتي على ذكرها. لكنّه سيعرف من أين 
حصلنا عليها. فهو ليس مغقّلّا تمامًا.» 

«ما عساه يفعل؟ هل يجرّها إلى المحكمة حيث تستطيع كشف 
المعلومات السرّية عن كل الاحتيالات التي شهدتها في السنوات الخمس 
الأخيرة؟» 

«هذا صحيح». قال كالبيبر متنهّدًا بعد لحظة من التأمّلء «أعد الأوراق 
إليّ. لن أذكرها في القضية؛ لكن يجب أن أتحدّث إليها. عليّ التحقّق من صحّة 
الأوراق.» 

«هذه الأوراق صحيحة. وليس عليك التحدّث إليها». قال سترايك 

لم يكن سترايك يرغب بترك المرأة المضطربة والولهانةء المرأة التي 
تشعر بمرارة الخيانة والتي هُجرت للتو» بمفردها مع كالبيبر. فقد ثلحق 
بنفسها وبمستقبلها ضررًا لا يمكن إصلاحه» لشذّة رغبتها في الاقتصاص ممن 
وعدها بالزواج وبإنجاب الأطفال. أمَا سترايك فلم يستغرق طويلًا لنيل ثقتها. 
إِّها في الثانية والأربعين» وكانت تتوهّم بأنّها ستحمل أبناء اللورد باركرء 
لكنّها الآن مأخوذة بشهوة الانتقام. كان سترايك قد جلس معها عدّة ساعات, 
واستمع إلى قصّة هيامهاء وشاهدها وهي تجوب غرفة الجلوس ذهابًا وإيابًا 
باكية, تتأرجح إلى الأمام والخلف على الأريكةء وتحك جبينها بأصابعها. لكي 
توافق أخيرًا على القيام بتلك الخطوة: إرتكاب الخيانة التي ستضع حدًا لكل 
آمالها. 

قال سترايك ممسكًا الأوراق بإحكام في يده التي يفوق حجمها يد 
كالبيبر بضعفين: «لن تُشركها في هذا الموضوع؛ مفهوم؟ مقالك سيظل سبقًا 
مدوّيًا بدون الإتيان على ذكرها.» 


14 روبرت غالبریٹ t.me/ktabpdf‏ 


بعد لحظة من الترددء إستسلم كالبيبر وقال مقطبًا حاجبيه: 

«حستاء كما تريد. أعطني الأوراق.» 

دس الصحافي الأوراق في جيب داخلي وشرب الشاي بسرعة. كما 
تلاشى غضبه الآني من سترايك أمام فرصة النيل من سمعة زميل بريطاني» 
وقال فَرِحًا بصوت منخفض: «أيها اللورد باركر من بنيويلء لقد قضي عليك 
رسميًا يا عزيزي.» 

«أعتقد أنَّ رب عملك سيدفع الفاتورة؟» سأل سترايك بعدما ؤضعت 
الفاتورة بينهما. 

«أجل؛ أجل....» 

رمى كالبيبر ورقة نقدية من عشرة جنيهات على الطاولة وغادر الرجلان 
المقهى مكًا. وما إن أغلق الباب خلفهما حتى أشعل سترايك سيجارة. 

«كيف أقنعتها بالاعتراف؟» سأل كالبيبر وهما يسيران في الصقيع 
أمام الدرّاجات النارية والشاحنات المتوافدة من وإلى السوق. 

«إستمعتٌ إليها وحسب»» قال سترايك. 

رمقه كالبيبر بنظرة جانبيّة. 

«كل المحقّقين الخاصّين الذين أستخدمهم يمضون وقتهم في 
التنضت على الرسائل الهاتفية.» 

«هذا غير قانونيّ». قال سترايك وهو ينفث الدخان في الظلمة 
المنحسرة. 

«إذًا كيف...؟» 

«عليك بحماية مصادرك. وأنا أتولى حماية مصادري.» 

مشيا صامتين حوالى الخمسين مترّاء ومشية سترايك العرجاء تزداد 
برورًا مع كل خطوة. 

«سيكون الخبر مدوّيًا. مدوّيًا», قال كالبيبر مغتبطاء «هذا العجوز 
المنافق يشكو جشع الشركات ولديه ثلاثون مصنءًا مسجلا في جزر الكايمن...» 

قال سترايك» «يسعدني إرضاؤك. سأرسل لك فاتورتي بالبريد 
الإلكتروني.» 


مكعتبة دودة الحرير 15 


رمقه كالبيبر بنظرة جانبية ثانية ثمّ سأل: 

«هل رأيت المقال عن ابن طوم جونز في الجريدة الأسبوع الماضي؟» 

«طوم جونز؟» 

«المغني الويلزي»» قال كالبيبر. 

«آه! تقصد المغتي»» قال سترايك بلا حماسة. «عرفثُ شخصًا يدعى 
طوم جونز في الجيش.» 

«هل قرأت المقال؟» 

«لا.» 

«إنها مقابلة طويلة ولطيفة. يقول إِنّه لم يلتق بوالده قط ولم ترده 
كلمة من هذا الأخير يومًا. أراهن أنه حصل على مبلغ أكبر ممًا ستطلبه في 
فاتورتك.» 

«لم تر فاتورتي بعد»» قال سترايك. 

«إِنْني أدردش ليس إلا. مقابلة صغيرة لطيفة واحدة وبإمكانك الاستغناء 
بضع ليالٍ عن مقابلة السكرتيرات.» 

أجابه سترايك: «عليك التوقّف عن هذه الإيحاءات, وإِلّا امتنعت عن 
العمل معك. يا كالبيبر.» 

«بالطبع»» قال كالبيبر» «يمكنني أن أروي القصة على أي حال. إبن نجم 
الروك المنعزل, وبطل الحرب لم يعرف والده البتّة. وهو يعمل كمحقق...» 

«سمعت أن طلب التنصّت على هواتف الآخرين غير قانونيّ أيضًا.» 

إذ بلغا أعلى لونغ لين. أبطاً المشيء والتفت كل منهما إلى الآخر. كانت 
ضحكة كالبيبر مرتبكة. 

«سأنتظر فاتورتك إِذا.» 

«ذلك يناسبني.» 

مضى كل منهما في اتجاهين مختلفين؛ وتقدّم سترايك نحو محطة 
المترو. 

ترذد صوت كالبيبر في العتمة خلفه. «هل ضاجعتها يا سترايك؟» 


16 روبرت غالبریٹ tme/ktabpdf‏ 


«أتطلّع إلى قراءة مقالتك يا كالبيبر»» صاحَ سترايك متعبًا بدون أن 
سار وهو يعرج عبر مدخل المحطة المحاط بالظلال, ثم غاب عن مرأى 
كالبيبر. 


2 


«كم سيطول بنا القتال؟ فأنا لا أريد 
ولا أستطيع البقاء! لدي الكثير من 

الانشغالات...» 
فرنسيس بومونت وفيليب ماسينجر 
«المحامي الفرنسي الصغير » 


كان قطار مترو الأنفاق قد بدأ يكتظّ بالفعل. إِنّها وجوه صباح يوم الاثنين: 
وجوه مرتخية» شاحبة» مُستنفرةء أو مذعنة. وجد سترايك مقعدًا مقابل شابّة 
شقراء متورّمة العينين لم ينفك رأسها يهدهده النعاس؛ يتأرجح على الجانبين. 
لكنّها كانت تنتفض من حين إلى آخر فتصحّح وضعيّتهاء وتتفرّس باضطراب 
في إشارات المحطات غير الواضحة, خشيةٌ أن تكون قد فاتتها محطّة وصولها. 

جلجل القطار وطقطقء؛ مسرعًا في نقل سترايك إلى شقّته الصغيرة 
المتواضعة والمكوّنة من غرفتين ونصف الغرفة تحت سقف رديء العزل. 
على الرغم من تعبهء وهو يرمق وجوه الركاب الخاوية وشبه المستسلمة؛ وجد 
نفسه يتأمَل في سلسلة «المصادفات» المذهلة التي أخرجتها إلى الوجود. 
فكل ولادة لا تعدو أن تكون مجرّد صدفة إذا نظرنا اليها كما ينبغي. كبيرة هي 
الفرص التي قد تحول دون أن يكونَ الإنسان» بوجود مئة مليون نطفة تعوم 
عشوائيًا في الظلام. تساءل سترايك؛ وهو يشعر بالدُوار من شدّة التعب» عن 


18 روبرت غالبریث t.me/ktabpdf‏ 


عدد الأشخاص في هذا القطار المكتظّ الذين ولدوا إلى هذه الدنيا نتيجة 
تخطيط؛ وعدد الذين جاؤوا بمحض الصدفةء شأنه هو. 

تذكرَ رفيقته الصغيرة في الصف الابتدائيّ والتي تحمل وحمة خمريّة 
اللون في وجههاء, لطالما شعر بوجود صلة قرابة سرّية بينه وبينهاء لأنَّ كليهما 
يحمل معه منذ الولادة وسمًا مختلفًا لا يُمحىء وسمًا غير ناجم عن خطأ 
ارتكباه. وسم لم يكن باستطاعتهما رؤيته, لكنّ كل الآخرين يرونه» ولا تفعل 
أخلاقهم الرديئة سوى تكرار ذكره. كان يظنَ وهو في سنّ الخامسة أنَّ انجذاب 
الغرباء إليه بين الحين والآخر على صلة بفرادته, لكته أدرك في نهاية المطاف 
أنّهم لا يعتبرونه سوى خلية أخصبها مغن شهيرء كما ودليل عَرَضيّ على خيانة 
ارتكبها أحد المشاهير. لم يلتق سترايك بوالده البيولوجيّ سوى مرّتين» وقد 
تطلّب إقناع جوني روكبي بأبوته إجراء فحص للحمض النووي. 

باستثناء بعض المصطادين في الماء العكر كدومينيك كالبيبر» والذين 
يأتون لإعادة تأجيج تساؤلات الجماهير وفضولها , لم يعد أحد اليوم تقريبًا 
ليربط بين الجندي السابق البائس ونجم الروك الهَرِم. أمَا إن حدتٌ وذلك في 
حالات نادرة أكثر فأكثرء فسرعان ما يتخيّل هؤلاء الصناديق الائتمانية والمنح 
المالية السخية, والطائرات الخاصضة والصالات المخصّصة لكبار الشخصيّات 
والهدايا الفخمة. ولكن حال اكتشافهم أوضاع سترايك المُزرية وسعيه خلف 
لقمة عيش مبللة بالعرق ومطبوعة بالجهد والتفاني» يسألون أنفسهم: ثرى 
ماذا فعل سترايك لتنفير والده؟ هل يتصتع الفقر للحصول على مزيد من المال 
من روكبي؟ وماذا فعل بالملايين التي استحصلت عليها والدته من عشيقها؟ 

في مثل تلك الأوقات. يحنّ سترايك إلى الجيشء إلى مهنة لا تحفل 
بالأسماء ولا تأبه لا بخلفيّتك ولا بنسبكء مقارنةٌ بقدرتك على أداء العمل. 
فخلال عمله السابق لدى فرع الاستقصاء الخاصّ, لم يكن السؤال الأكثر 
خصوصيّة الذي طرح عليه من باب التطفل » فقد اكتفوا بجعله يفصح عن 
شهرته ويكرّر اسمه غير التقليديّ الذي أطلقته عليه والدته, في نزوة غرابة 
وتكلّف قلّ مثيله. 


مكتبة دودة الحرير 19 


كانت حركة المرور كثيفة بالفعل على امتداد شايرينغ كروس رود 
عندما خرج سترايك من مترو الأنفاق. وكان فجر نوفمبر قد بدأ ينبلج بفتور, 
ملقيًا بظلاله الرماديّة على المكان. إنعطف سترايك نحو شارع الدنمارك وهو 
يشعر بالإنهاك والألم» ويتطلّع إلى إغفاءة قصيرة ربما يتمكن من استراقها 
قبل وصول زبونه التالي في الساعة التاسعة والنصف. بعد تلويحه للفتاة في 
متجر الغيتارات والتي غالبًا ما ترافقه في استراحات التدخين في الشارع, 
عَبرَ سترايك اليوابة الخارجيّة السوداء بمحاذاة ال12 بار كافيه, وبدأ يصعد 
الدرج المعدني الملتف حول المصعد المعطّل الشبيه بقفص الطيور. تجاوز 
مكتب مصمّم الرسومات في الطابق الأول ومكتبه هو ذو الباب الزجاجيّ 
المحفور, في الطابق الثاني» وصولًا إلى الطابق الثالث وأصغر منبسط حيث 
يقع منزله الآن. 

كان المستأجر السابق, أي مدير الحانة في الأسفل, قد انتقل إلى 
مسكن يلائم صحّته أكثر, فانتهز سترايك الفرصة لاستئجار المكان» مستفيدًا 
من هذا الحلّ السهل لمشكلة تشرّده؛ فهو ينام في مكتبه منذ بضعة أشهر. 
غير أنَّ الحيّز تحت السقف كان صغيرًا بكل المعاييرء وبخاصّة لرجل يبلغ طوله 
2 سنتيمترًا. هو لا يكاد يجد متّسعًا للاستدارة في الحمّام, وأمًا المطبخ 
وغرفة الجلوس فمدموجان على نحو غير مريح, وكان السرير المزدوج يحتل 
غرفة النوم بأكملها تقريبًاء بينما بقيت بعض مقتنياته معبّأة في صناديق على 
منبسط الدَرّج» على الرغم من إيعاز المالك له بوجوب إزالتها. 

كانت نوافذ منزله الصغيرة شرف على سطوح المباني» وعلى شارع 
الدانمارك في الأسفل. ولكن, غاليًا ما يطغى صخب موسيقاه الخاصّة على 
النوطات الجهيرة النابضة في حانة الطابق الأرضيّ. 

بدا ميل سترايك الطبيعيّ إلى النظام: جليًا في المكان: السرير مرتب» 
أواني الطعام نظيفةء وكڵ غرض في مكانه. حاليًاء هو بحاجة إلى حلاقة ذقنه 
والاستحمام» لكنّ الأمر قابل للإرجاء. ها هو يعلق معطفه» ويضبط المنبّه على 
التاسعة والدقيقة العشرين ويتمدّد على السرير وهو ما زال يرتدي ثيابه. 


20 روبرت غالبریٹث t.me/ktabpdf‏ 


ها هو يغفو خلال ثوانِ قليلة ليعود بعد ثوانٍ قليلة - أو هكذا خيّل 
إليه - للاستيقاظ. كان أحدهم يطرق بابه. 

«إنّني آسفة يا كورمورانء آسفة حقًا...» 

تجلّت أمارات الاعتذار على وجه معاونته» وهي شابّة طويلة ذات شعر 
أشقر طويل مائل إلى الأصهبء وقد بدت متأسّفة حين فتح لها الباب لكنّ 
الهلع استبدٌ بها عندما رأته. 

«هل أنتّ بخير؟» 

«كنت نائمًا. بقيت مستيقظا طوال الليل - ليلتين.» 

«آسفة». كرّرت روبن الاعتذارء «لكنّ الساعة الآن التاسعة والأربعون 
دقيقة وويليام بيكر هنا وأخذ...» 

«تبّا»» غمغم سترايك «لم أضبط المنبّه بدقّة - إمنحيني خمس 
دقائق...» 

«هذا ليس كل شيء»» قالت روبنء «ثمَة سيّدة هنا. وقد أتت بدون 
موعد. أبلغتها أك لا تستطيع قبول قضيّة أخرى, لكنّها ترفض المغادرة.» 

تثاءعب سترايك» وفرك عينيه. 

«إمنحيني خمس دقائق فقط. قدّمي لها الشاي أو غيره.» 

بعد ستّ دقائق» دخل سترايك المكتب الخارجي حيث كانت روبن 
تجلس إلى حاسوبهاء وهو يرتدي قميصًا نظيفاء وفاحت منه رائحة معجون 
الأسنان ومزيل الرائحة, لكنه لا يزال بدون حلاقة. 

«أن تأتي متأهًّوًا خير من ألا تأتي أبدًا». قال ويليام بيكر مبتسمًا 
ابتسامة باردة» «من حسن حظك أنّ لديك سكرتيرة جميلة جدّاء وإِلَّا لربما 
مللكڭ وغادرت.» 

شاهد سترايك روبن تحمرٌ غضبًا وتُعرض بوجهها متظاهرةً بترتيب 
البريد. فثمة شيء مسيء في الطريقة التي نطق بها بيكر بكلمة «سكرتيرة.» 
بدا مدير الشركة أنيقًا جدًا ببّته المخططة, وكان قد استخدم سترايك للتحقيق 
بشأن اثنين من زملائه. من أعضاء مجلس الإدارة. 

«صباح الخير يا ويليام»» قال سترايك. 


مكتبة دودة الحرير 21 


«ألن تعتذر؟» غمغم بيكر وعيناه تحدّقان في السقف. 
«مرحبًاء من أنت؟» سأل سترايك متجاهلا ملاحظته» ومتوجَها بدلا من 
ذلك إلى السيدة النحيلة في منتصف العمر والتي ترتدي معطفًا بنَيًا قديمًا 


وتجلس على الأريكة. 
«لیونورا کواین»» أجابت بلكنة بدت لأذن سترايك المتمرّسة. كلكنة 
الغرب الأميركيّ. 


قال بيكر: «أمامي صباح مثقل بالعمل يا سترايك.» 

ودخل المكتب الداخلي بلا استئذان. وإذ لم يتبعه سترايك. فَقَد قليلًا 
من دماثته. 

«أتخيّل أنَّ قادتك في السلك العسكري لم يكونوا معجبين بعدم دقّة 
مواعيدك, يا سيّد سترايك. فلنباشر العمل رجاءً.» 

تجاهل سترايك حديثه بالكامل. 

«ماذا تريدين منّي بالضبط, يا سيّدة كواين؟» سأل المرأة ذات الملابس 
الرثّة الجالسة على الأريكة. 

«الأمر يتعلّق بزوجي...» 

«سيّد سترايك» لديّ موعد بعد ساعة من الآن فقط»» قال ويليام بیكر 


«... قالت سكرتيرتك إِنّك لا تستطيع أخذ مواعيد إضافية لكتني 


«سترايك!» صاح ويليام بيكر وكأنّه يأمر كلبه بالانضباط. 

«روبن»» زمجر سترايك المنهك, فاقدًا هدوء أعصابه أخيرّاء «أعدّي 
فاتورة السيّد بيكر وأعطيه الملف. كل المعلومات فيه محدّثة.» 

«ماذا؟» قال بيكر مشدوهاء وتوجّه إلى المكتب الخارجي. 

«إنّه يطردك»» قالت ليونورا بارتياح جليّ. 

«لم ثنه مهمّتك». قال بيكر لسترايك: «لقد قلت إِنّ هناك المزيد 


من...» 


22 روبرت غالبریث t.me/ktabpdf‏ 


«يستطيع أحد آخر إنهاء عملك. شخص لا يمانع بأن يكون زبائنه 
حقيرين.» 

توتر الجوّ في المكتب. إستخرجت روبن ملف بيكر من الخزانة 
الخارجية وسلّمته لسترايك بدون أن يشي وجهها بأيّ تعبير. 

«كيف تجرؤ...» 

«ثمة الكثير من الموادٌ الجيّدة التي تصلح للمحكمة في هذا الملف», 
قال سترايك وهو يسلّمه للمديرء «وهي تستحقٌ النقود في المقابل.» 

«لم ثنه...» 

«لقد انتهى منك»» قالت ليونورا كواين متدحَلة. 

«هلًا صمتٌ, أيتها المرأة الحمقاء؟» بدأ بيكر بالكلام ثم تراجع فجأة 
خطوة إلى الوراء عندما تقدّم سترايك نصف خطوة إلى الأمام. 

ساد الصمت. بدا العسكري السابق فجأة وكأنّه يحتلٌ ضعفي المساحة 
التي كان يشغلها قبل ثوانِ فحسب. 

«تفضّلي إلى مكتبي يا سيّدة كواين»: قال سترايك بهدوء. 

ففعلت ما قيل لها. 

«أتظتها قادرة على تحمّل كلفة أتعابك؟» قال ويليام بيكر هازنًا وهو 
يتراجع إلى الخلف» ويده على مقبض الباب. 

أجاب سترايك: «أتعابي قابلة للتفاوض إذا أعجبني الزبون.» 

ثم تبع ليونورا كواين إلى مكتبه صافقًا الباب خلفه بشدّة. 

مكتبية 


t.me/ktabpdf 


توماس ديكيرء «الجندي الإسباني النبيل» 


«يا له من رجل سيىء! أليس كذلك؟» علّقت ليونورا كواين وهي تجلس على 
الكرسي المواجه لمكتب سترايك. 

«أجل»» وافقها سترايك وهو يرتمي في المقعد قبالتهاء «إِنّه كذلك.» 

على الرغم من بشرتها النضرةء الملساءء وشبه الخالية من التجاعيد, 
وزرقة عينيها المشرقة» بدت في قرابة الخمسين من العمر. كان شعرها الناعم 
والمتهدّل مرفوعًا عن وجهها بمشطين بلاستيكيين وعيناها تطرفان عبر نظارة 
عتيقة ذات إطار بلاستيكي سميك. ومع أنَّ معطفها نظيفء فهو يعود على 
الأرجح إلى أعوام الثمانينيات. فيه حشيتان للكتفين وأزراره بلاستيكية 
كبيرة. 

«إِذَا أنت هنا بشأن زوجك, يا سيّدة كواين؟» 

«نعم», قالت ليونورا. «إنّه مفقود.» 

«كم مضى على غيابه؟» سأل سترايك. ومد يده تلقائيًا إلى دفتر 
الملاحظات. 

«عشرة أيام», قالت ليونورا. 

«هل لجأت إلى الشرطة؟» 


24 روبرت غالبریث t.me/ktabpdf‏ 


«لا أحتاج إلى الشرطة»» أجابت بنفاد صبرء وكأنّها سئمت من شرح 
ذلك للآخرين. «إتصلت بهم مرّة من قبل وغضب الجميع متي بعدما تبيّن 
أنّه مع إحدى صديقاته. أوين لا يخرج إِلَا نادرًا. إنّه كاتب». قالت ذلك وكأنّه 
يوضح كل المسألة. 

«هل حدث أن اختفى من قبل؟» 

«إنه عاطفيْ»» قالت بكآبة. «يغادر عادة يومًا واحدّاء إِنّما مضى على 
غيابه عشرة أيام وأنا أعرف أنه مستاء حقًاء لكئّني أحتاجه في البيت الآن. 
هناك أورلندو, ولديّ أمور أقوم بهاء وهناك...» 

«أورلندو؟» كزر سترايك» بعد أن سافر عقله المرهق به إلى المنتجع 
الموجود في فلوريدا. لم يتسنّ له الوقت الكافي للتوجّه إلى أميركاء وليونورا 
كواين» بمعطفها القديم, لن تتحمّل حتمًا كلفة تذكرة سفر إلى هناك. 

«إبنتنا أورلندو». قالت ليونوراء «إنّها بحاجة إلى رعاية. وقد استقدمتٌ 
جارتنا لتجالسها الآن بينما أنا هنا.» 

طرق الباب وظهر رأس روبن الأشقر الجميل. 

«أتريد قهوة يا سيّد سترايك؟ وأنت, سيّدة كواين؟» 

وبعدما قدّما طلباتهما إلى روبن وغادرت, قالت ليونورا: 

«لن يستغرق ذلك وقنًا طويلاء إذ أظئّني أعرف مكانه؛ لكتني لا أستطيع 
إيجاد العنوان ولا أحد يجيب على مكالماتي. لقد مضت عشرة أيام»» قالت 
مكزرةء «ونحن بحاجة إليه في البيت.» 

بدا لسترايك أنَّ اللجوء إلى محقّق خاصٌ في هذا الظرف بمثابة إسراف 
عظيم؛ وبخاضة أنّ مظهرها يشي بفقرها. 

بادَرَها بلطف لعدم تنفيرها: «إن كانت مسألة بسيطة تقتضي إجراء 
مكالمة هاتفية, فيمكن لأيّ من أصدقائك أو...» 

«إدنا لا تستطيع القيام بذلك»» أجابت» فشعر سترايك بموجة عارمة 
من المؤاساة تجاهها (أحيانًاء يجعله الإرهاق حسّاسًا) إذ اعترفت ضمنيًا بأنّه 
ليس لديها إلا صديقة وحيدة. ولكنّها تابعت ببساطة» «طلب منهم أوين ألَا 
يفصحوا عن مكانه. أنا بحاجة إلى رجل ليجبرهم على الإفصاح.» 


مكتبة دودة الحرير 25 


«إسم زوجك اون أليس كذلك؟» 

أجابت» «نعم» وين كواين. إنه موف كتاب خطيئة هوبارت.» 

لم يعن الاسم ولا عنوان الكتاب أي شيء لسترايك. 

«وأنت تظنين أك تعرفين مكانه؟» 

«أجل. كنا في تلك الحفلة مع الكثير من الناشرين والأشخاص - لم 
يكن يريد أن يصطحبنيء لكتني قلثٌ له: وجدث جليسة أطفال» وسأذهب 
معك - وسمعتٌ كريستيان فيشر يخبر أوين عن ذلك المكان» خلوة الكتّاب. 
وفي ما بعد قلت ار «ما هو المكان الذي أخبرك عنه؟» فقال اون «لن 
أخبرك» فكل الهدف منه أساسًا هو الابتعاد عن الزوجة والأولاد.» 

كادت تدعو سترايك للاستهزاء بھا على غرار زوجهاء بسذاجة متفاخرة 
تمامًا كما قد تتباهى الأمّ في بعض الأحيان» بوقاحات طفلها. 

«من هو كريستيان فيشر؟» سأل سترايك مجبرًا نفسه على التركيز. 

«إِنّه ناشر شابٌ وعصريّ. » 

«هل حاولت الاتصال بفيشر وسؤاله عن عنوان تلك الخلوة؟» 

«أجلء إتصلت به يوميًا لمدّة أسبوع, وكانوا يجيبون بأنّهم دونوا 
رسالتي وسيعاود الاتصال بي, لكنّه لم يفعل. أعتقد أنَّ أوين طَلبَ منه ألا 
يكشف عن مكانه. لكن» يمكنك الحصول على العنوان من فيشر. أعرف أك 
بارع. فقد استطعت حل قضيّة لولا لاندريء في حين عجزت الشرطة عن 
ذلك.» 

قبل ثمانية أشهر, لم يكن لدى سترايك سوى زبون واحدء وكان عمله 
يلفظ أنفاسه الأخيرة وحظوظه المستقبليّة بائسة. ولكته سرعان ما أثبت أن 
مقتل الشابة الشهيرة إثر سقوطها من الطابق الرابع» لم يكن جرّاء انتحار بل 
جريمة قتل عن سابق تصوّر وتصميم؛ ما أرضى النيابة العامة, وأكسبه شهرة 
كبرى لدرجة أنَّ زبائنه باتوا يتدافعون أمام باب مكتبه. وفي أسابيع قليلة 
فقطء وجد نفسه أشهر محقّق خاصٌ في المدينة. لم يعذ جون روكبي سوى 
حاشية صغيرة في أسفل صفحات سيرته. أصبح سترايك اسمًا قائمًا بذاته, مع 
أنه اسم فهمه معظم الناس خطأ... 


26 روبرت غالبريث مه ا/ع ص 


«لقد قاطعتك»» قال وهو يحاول ألا يفقد تركيزه. 

«هل فعلت ذلك؟» 

«نعم»» قال سترايك, محدّقًا في خطوط كتابته المُزرية على دفتر 
الملاحظات. «قلت: هناك اوو ولديّ أمور أقوم بهاء وهناك...» 

«أوه, نعم هناك أمور مضحكة تحدث منذ أن غادر.» 

«من أي نوع؟» 

«براز»» قالت لیونورا مباشرةٌ» «في صندوق بریدنا.» 

سأل سترايك: «هل وضع أحدهم برازا في صندوق بریدکما؟» 

«نعم.» 

«بعد اختفاء زوجك؟» 

«نعم... الكلب»» قالت ليونوراء ومضى جزء من الثانية قبل أن يستنتج 
سترايك أنّ كلمة كلب التي قالتها تعود للبراز لا لزوجهاء «حدث ذلك ثلاث أو 
أربع مرّات حتّى الآن» وفي الليل. برأيي» ليس من اللائق أن تقع على براز في 
الصباح. وثمّة امرأة تبدو غريبة» قد وصلت حنّى باب البيت.» 

ثم توفت قليلا. متوقّعةًٌ أن يحنّها سترايك على الكلام. بدت مستمتعة 
بهذا الاستجواب. عديدون هم مَعارف سترايك الذين يعيشون في وحدة 
فيستمتعون بأن يكونوا محط اهتمام أحدهم ويسعون إلى إطالة هذه التجربة 
الجديدة. 

«متى قصدت تلك المرأة بابك؟» 

«في الأسبوع الماضيء وقد سألت عن أوين. وعندما أعلمتها بأنّه غير 
موجود» قالت: «أخبريه بأن أنجيلا توفيت»؛: وذهبت.» 

«وأنت لا تعرفينها؟» 

«لم أرَها قط من قبل.» 

«هل تعرفين أحدًا باسم أنجيلا؟» 

«لا. لكنّ بعض المعجبات يتصرّفن تصرّفات غريبة معه في بعض 
الأحيان»» قالت ليونوراء وقد تخلّت عن تحفّظها فجأة. «كتلك المرأة التي 
كتبت له رسائل ذات مرّة وأرسلت صورها وهي ترتدي ملابس إحدى 


مكتبة دودة الحرير 27 


شخصيّاته. يظنّ بعضهنّ بأنّه يفهم نفسيّتهنّ أو ما شابه فقط لأنّه يؤلّف كتبًا! 
هذا سخيفء أليس كذلك؟ لا تتضمّن كتبه شيئًا من الحقيقة.» 

«هل تعرف المعجبات عادةً أين يقيم زوجك؟» 

«لا», قالت ليونورا. «لكن, ربّما كانت إحدى طالباته تعرف. فهو 
يدرس مادة الكتابة أيضًا في بعض الأحيان.» 

في هذه الأثناءء قُتح الباب ودخلت روبن حاملةٌ صينية. وبعدما 
وضعت كوب القهوة السوداء أمام سترايك وكوب الشاي أمام ليونورا كواين, 
إنسحبت مغلقةٌ الباب وراءها. 

«هل هذه كل الأمور الغريبة التي حدثت؟» سأل سترايك ليونورا. 

«البراز في صندوق البريد والمرأة التي قدمت إلى البيت؟» 

«هناك أيضًا فتاة طويلةء بلباس أسودء مقوّسة الظهر بعض الشيء. 
أعتقد أنّها تتعقبني». قالت ليونورا. 

«وهذه امرأة مختلفة عن تلك...؟» 

«نعم» المرأة التي قدمت إلى المنزل كانت قصيرة وسمينةء وذات 
شعر طويل أصهب. أمَا هذه. فهي ذات شعر أسود وشبيهة بالمومسات.» 

«هل أنت واثقة من أنّها كانت تتعقّبك؟» 

«أجلء أظنّ ذلك. شاهدتها خلفي مرّتين أو ثلاث. ليست من سكان 
المنطقة, فأنا أقيم في لادبروك غروف منذ ثلاثين سنة ولم أرّها قط من قبل.» 

«حسئًا», قال سترايك ببطءء «قلت إِنَّ زوجك كان مستاءً. ما الذي أثار 


استياءه؟» 
«وقعت مشادة كبيرة بينه وبين وكيلته.» 
«ما السبب» هل تعرفين؟» 


«كتابه الأخير. أخبرته ليز - أي وكيلته - أنّه أفضل ما كتبء ثم بعد 
مضي يوم أو ما يقاربه. اصطحبته إلى العشاء وأكدت أنَّ الكتاب غير قابل 
للنشر.» 

«لماذا غيّرت رأيها؟» 


28 روبرت غالبريث tme/ktabpdf‏ 


«إسألها», قالت ليونورا مظهرةً الغضب للمرّة الأولى» «من الطبيعيّ أن 
يستاء بعد ذلك. أي شخص آخر قد يفعل. لقد عمل سنتين على ذلك الكتاب. 
عاد إلى البيت في حالة يُرثى لها. دخل مكتبه وأمسك به كلّه...» 

«أمسك ب...ماذا؟» 

«بكتابه, المخطوطة وملاحظاته وكل شيء» كان يصرخ غاضبًاء وصبٌ 
شتائمه على كل العالم. ثمّ دس كل الأغراض في حقيبة وخرج. ولم أرّهِ منذ 
ذلك الحين.» 

«هل لديه هاتف محمول؟ هل حاولت الاتصال به؟» 

«نعمء لكنه لا يجيب. لا يجيب البثّة عندما يغادر هكذا. لقد رمى 
هاتفه من نافذة السيّارة ذات مرّة». قالت ذلك متفاخرةً مجدّدًا وكالمعهود 
بنزوات زوجها. 

«سيدة كواين»» قال سترايك متنّدًاء فمهما قاله آنقًا لويليام بيكر, 
ثمّة حدود لحبّ العطاء «سأكون صريحًا معك: لن تكون أتعابي زهيدة.» 

«لا بأس», قالت ليونورا بثقةء «ليز ستدفع.» 

«ليز؟» 

«إليزابيث تاسل, وكيلة أوين. هي تتحمّل مسؤولية رحيله. وتستطيع 
أن تسحب كلفة أتعابك من عمولتها. إِنّه أفضل كتابها. وسترغب لا محالة في 
استعادته متى أدركت فعلتها.» 

لم يستقبل سترايك هذا التأكيد بالأهمية التي توقّعتها ليونورا. أضاف 
ثلاث قطع من السكّر إلى القهوة وشربها بسرعة محاولًا استنباط أفضل السبل 
للمتابعة. كان يشعر بنوع من الأسى لحال ليونورا كواين. هذه المرأة البسيطة 
والمتواضعة والتي اعتادت كما يبدو نوبات غضب زوج غريب الأطوار» بل 
وتجد بديهيًا ألا يجيب أحد على مكالماتهاء وأن تضطر إلى تسديد المال 
مقابل طلب المساعدة. صحيح أن سلوكها مستغرب بعض الشيء» ولكتها 
صادقة بالكامل. من جهة أخرىء ومذ هدّده الإفلاس؛ لم يعد سترايك ليقبل 
إلا القضايا المربحة. وقد خابت آمال بعض المفلسين والذين ظنّوا عن خطأ 


مكشة دودة الحرير 29 


بأنّه قد يتضامن مع بؤسهم ويساعدهم مجّانًا كونه قد عانى الكثير هو نفسه 
(هناء ربما بالغت الصحف في سرد ضائقته). 

لكنّ ليونورا كواين, والتي احتست الشاي بسرعة مماثلة لسرعة 
سترايك» نهضت وهمّت بالخروج كما لو أنهُما انّفقا على الشروط وسوّيا كل 
المسألة. 

«يجدر بي الذهاب, فأنا لا أحبَ أن أترك أورلندو مدّة طويلة. إِنّها 
تفتقد والدهاء وقد أخبرتها بأنني سأستخدم رجلا لإيجاده.» 

كان سترايك قد ساعد مِؤْخُرًا عدّة شابّات ثريّات في التخلّص من 
أزواجهنّ اللندنيين: بعدما تراجعت جاذبيّة هؤلاء منذ الأزمة الماليّة الشهيرة. 
وفي النهاية» قد يكون من الممتع إعادة زوج إلى زوجته على سبيل التغيير. 

«حسئا», قال متثائبًا وهو يدفع دفتر ملاحظاته نحوهاء «سأحتاج إلى 
عنوانك ورقم هاتفك يا سيّدة كواين. ومن المفيد أن أحصل أيضًا على صورة 
لزوجك.» 

كتبت عنوانها ورقم هاتفها بحروف مستديرة طفوليّة, إِنْما بدت 
متفاجئة من طلب الصورة. 

«لم تحتاج إلى صورة له؟ إِنّهِ في خلوة الكتّاب. ما عليك إلا أن تحمل 
كريستيان فيشر على إبلاغك بمكانها.» 

قالت ذلك وعبرت الباب قبل أن يتمكّن سترايك, المنهك والمتيبّس, 
من الخروج حتى من وراء طاولة مكتبه. ثم سمعها تقول لروبن برشاقة: «شكرًا 
وإلى اللقاء». وبعدها ارتج الباب الزجاجيّ وهو ينغلق خلفهاء لقد غادرت 
زبونته الجديدة. 


t.me/ktabpdfF 


4 


كم جميل أن تحظى بصديق داهية... 
ويليام كونغريف, «المخادع» 


ألقى سترايك بنفسه على أريكة مكتب روبن والذي كان أيضًا ردهة استقبال. 
فالكنبة القديمة التي ابتاعها من معرض الأغراض المستعملة في فترة انطلاق 
أعماله, قد لفظت أنفاسها مؤْخَرًا. حينهاء كانت مغطاة بجلد زائف فبدت 
أنيقة في المعرض» ثم تبيّن أنّها تصدر أصوانًا مشبوهة تذكر بالغازات المعويّة 
إن تجرأ أحدهم وجلس عليها بطريقة خاطئة. تفخصته معاونته - الطويلة 
والرشيقة» ذات البشرة الصافية الرائعة والعينين الزرقاوين الفاتحتين 
والبزاقتين - من فوق فنجان القهوة خاضتها. 

«تبدو في حال مزرية.» 

«أمضيتٌ الليل بأكمله أستخلص تفاصيل الشذوذ الجنسي والتجاوزات 
المالية لأحد أعضاء مجلس اللوردات إنطلاقًا من إفادة امرأة هستيرية»». قال 
سترايك متثائبًا بشدّة. 

«اللورد باركر؟» قالت روبن لاهثة. 

«هو بعينه»» أجاب سترايك. 

«هل لديه...؟» 


مكتبة دودة الحرير 31 


«علاقات جنسية مع ثلاث نساء في آن» وملايين مكدّسة في حساب 
مصرفيّ خارجيّ»»؛ قال سترايك» «إن كنت شجاعة بما يكفي, حاولي قراءة 
جريدة «أخبار العالم»» يوم الأحد. 

«كيف اكتشفتٌ كل هذه الأمور؟» 

«من مصادر متعدّدة»: أجاب سترايك. 

تثاءب ثانيةٌ ملء شدقيه لدرجة بدا مظهره موجعًا للغاية. 

«يجب أن تنام»» قالت روبن. 

«نعم» يجب ذلك»» قال سترايك, ولكنه لم يتحرّك. 

«ليس لديك أيّ موعد قبل مجيء غانفري في الثانية بعد الظهر.» 

«غانفري»., قال سترايك متنهّدًا وفرك عينيه. «لماذا كل زبائني 
مزعجون؟» 

«السيّدة كواين لا تبدو مزعجة.» 

نظر إليها ما بين أصابعه الغليظة وهو يكاد لا يراها. 

«كيف عرفت أنّني تولّيت قضيّتها؟» 

«عرفت أنَّك ستقبل»» قالت روبن راسمة على وجهها ابتسامة رضى 
عجزت عن كبتهاء «إِنّها من النوع الذي يروق لك.» 

«سيّدة متوسّطة العمر تنتمي إلى أعوام الثمانينيات؟» 

«النوع الذي يستهويك من الزبائن. ثم أنتَ تريد إغاظة بيكر.» 

«يبدو أنّني نجحتء أليس كذلك؟» 

رنّ الهاتف, فأجابت روبن وهي لا تزال تبتسم. 

«مكتب كورموران سترايك»» قالت. «أوه أهلا.» 

كان المتّصل خطيبها ماثيو. نظرت جانبيًا إلى رئيسها. كان سترايك قد 
أغمض عينيه وأمال رأسه إلى الخلف, ويداه مشبوكتان فوق صدره العريض. 

«إسمعي»» قال ماثيو لروبن» وقد اعتاد ألا يبدي الكثير من التودّد 
عندما يتّصل بها من مكتبه. «أريد أن أغيّر موعدنا من مساء الجمعة إلى 
مساء الخميس.» 

«آه» يا ماثيو»» قالت محاولةٌ ألا تظهر خيبة الأمل والغيظ في صوتها. 


32 روبرت غالبریٹ t.me/ktabpdf‏ 


إنها المرّة الخامسة التي تتغيّر فيها مواعيدهما. وروبن هي الوحيدة 
بين الأطراف الثلاثة المعنيين والتي لم تغيّر لا الساعة, ولا التاريخ, أو المكان, 
وإنما کانت تبدي استعدادها في کل ا 

«لماذا؟» سألت متأففة. 

صدر شخير مفاجئ من ناحية الأريكة. لقد غفا سترايك: ورأسه مائل 
إلى الخلف إزاء الجدارء ويداه لا تزالان مشبوكتين. 

«حفل كوكتيل في المكتب في التاسع عشر من الشهر» قال ماثيو. 
«سيكون موقفي سيّئًا إذا لم أحضر.» 

كتمت روبن غيظها محاولةٌ عدم الصراخ في وجهه. فهو يعمل في 
شركة كبيرة للمحاسبة. إِنّما أحياناء قد يظئّه المرء أحد كبار الديبلوماسيين 
لتشدّده في تلبية كل تلك الالتزامات الاجتماعيّة «المزعومة.» 

في الواقع, كانت تعرف أنّها مجرّد حجّة. حتّى سترايك طلب إرجاء ذلك 
الموعد ولثلاث مرّات على التوالي. بسبب عمل مهمّ استجدّ في المساءء ما 
أثار انزعاج ماثيو على الرغم من اعتذارات سترايك الصادقة. ومع أنّ ماثيو لم 
يجاهر بفكرته وهي أنَّ سترايك. بتأجيله المتكرّر, يعتبر وقته أثمن وعمله أهمّ 
من وقت ماثيو وعمله. فإنَّ روبن كانت تعرف ذلك. 

بالفعل. قد مضى حوالى ثمانية أشهر على عملها لدى كورموران 
سترايك؛ ولم يلتق رئيسها بخطيبها قط. لا بل لم يره حتى في تلك الليلة الشهيرة 
التي اصطحبها فيها ماثيو من قسم الطوارئ» حيث كانت قد رافقت سترايك, 
ومعطفها ملفوف بإحكام حول ذراعه المطعونة بعد أن حاول أحد المجرمين 
الإجهاز عليه. عندما خرجت مرتجفةٌ وملطّخة بالدماء من الحجرة التي كان 
الطبيب يقوم فيها بمعالجة وتقطيب جرح سترايك؛ رفض ماثيو عرضها بأن 
يقابل رئيسها المُصاب. أغضبه الأمر برمّته» مع أنَّ روبن طمأنته بأنّها لم تعض 
حياتها للخطر. 

لم يرغب ماثيو يومًا بأن تشغل وظيفة ثابتة لدى سترايك؛ وكان ينظر 
إليه بارتياب منذ البداية, ويكره فقره وتشرّده ومهنته التي وجدها سخيفة. 
اما المعلومات الضئيلة التي كانت روبن تفصح له عنها - محقق سابق في 


مكتبة دودة الحرير 33 


فرع الاستقصاء الخاصٌّء والذي يعمل أفراده بلباس مدني على الرغم من 
انتمائهم إلى الشرطة العسكريّة؛ يحمل وسام الشجاعةء مبتور الساق اليمنى 
ما تحت الركبةء وخبير في عدَة مجالات كان ماثيوء وهو الذي أراد الظهور 
كشخص لامع بنظر حبيبته, يجهلها تمامًا - فلم تساهم في مدّ الجسور بين 
الرجلين (كما أملت هي ببراءة) بل عرزت إلى حدّ ما الجدار الفاصل بينهما. 

لم تفعل شهرة سترايك المتصاعدة, وتحوّله المفاجئ من الفشل إلى 
النجاح سوى ترسيخ عداوة مائثيو له. أدركت روبن متأخّرة أنّها فاقمت الأمور 
أيضًا إذ لمحت إلى تناقض موقف ماثيو: «أنت لم تتقبّله عندما كان شريدًا 
وفقيرًا وترفض تقبّله الآن بعدما أصبح شهيرًا وازدهرت أعماله!» 

لک أسوأ جرائم سترايك في عيني ماثيو؟ ذلك الثوب الباهظ الضيّق 
الذي اشتراه رئيسها لها بعد مغادرته المستشفى, الثوب الذي أراده هديّة 
امتنان ووداع معًاء والثوب الذي لم تجرؤ على ارتدائه قطّ بعدما أرته لماثيو 
بكل فخر وسرورء وشاهدت ردّة فعله السلبيّة. 

كانت روبن تأمل بإصلاح الأمور وذلك بترتيب ل بين الرجلين, 
لكنَّ إرجاء سترايك المتكرر للقاء عمّق كراهية مائيو. حين تغيّبَ في المرّة 
الأخيرةء قبلت روبن عذره الواهي, وهو أنه اضطرٌ إلى تغيير وجهة سيره بغية 
التخلص من تعقّب زوجة أحد زبائنه والتي قرّرت تعقبّه بعدما أيقنت أنّه 
يراقبهاء لكنّ ذلك عزّز وجهة نظر ماثيو بِأنّ سترايك مجرّد متعجرف بائس 
يسعى إلى لفت الأنظار. 

واجهت روبن صعوبة في إقناع ماثيو بمحاولة رابعة لإنجاح موعد 
آخر. وقد اختار ماثيو الوقت والمكان بعدما ضمنت روبن موافقة سترايك مرّة 
أخرى. وها هو الآن يريد تغيير يوم اللقاء في محاولة للثأر ليُفهم سترايك بأنّه 
هو أيضًا صاحب التزامات مهمّة. 

«حسئًا»» قالت متنهّدة عبر الهاتفء. «سأسأل كورموران لأعرف إن 
كان يوم الخميس مناسبًا.» 

«لا تبدين مقتنعة.» 

«لا تبدأ ثانيةٌ يا ماثيو. سأسأله. إتّفقنا؟» 


34 روبرت غالبریٹث t.me/ktabpdf‏ 


«أراك لاحقًا إِذا.» 

أعادت روبن السمّاعة إلى مكانها. أصبح شخير سترايك شديدًا الآنء 
كصوت قاطرة جرّء کان فمه مفتوځاء وساقاه متباعدتينء وقدماه منبسطتین 
على الأرضء وذراعاه مشبوكتين. 

تنهدت وهي تنظر إلى رئيسها النائم. لم يُبدِ سترايك أي عدائية تجاه 
ماثيو, ولا أي تعليق وبأية طريقة. بل كان ماثيو من يطيل التفكير في أمر 
سترايك» ويكاد لا يفوت فرصة للتلميح بأنَّ روين كانت لتتقاضى أجرًا أهمّ لو 
قبلت أيّا من الوظائف الأخرى التي عُرضت عليها قبل أن تقرّر البقاء مع محقّق 
خاص مزعج» غارق في الديون» وعاجز عن تأمين الراتب الذي تستحق. كم 
ستكون حياتها أسهل لو تمكنت من إقناع ماثيو بمشاركتها رأيها في كورموران 
سترايك, أو بأن يتقبّله أو حتى يعجب به.. كانت روبن متفائلة: هي تحب 
الاثنين معًاء فلماذا لا يحب أحدهما الآخر؟ 

إستيقظ سترايك إثر شخرة مفاجئة. ففتح عينيه ونظر إليها رامشا. 

«كنت أشخر»». قال وهو يمسح فمه. 

«ليس كثيرًا»» قالت كاذبة. «إسمع يا كورموران» أيناسبك أن ننقل 


موعدنا من يوم الجمعة إلى الخميس؟» 

«موعدنا؟» 

«موعدناء أنتّء أنا وماثيو. أتذكر؟ كينغز أرمز» شارع روبل. كتبت لك 
ذلك»» قالت بقليل من المرح المتصنع. 


«صحيح. أجل, يوم الجمعة.» 

«لاء ماثيو لا يستطيع يوم الجمعة. أيمكن أن نجعله يوم الخميس بدلا 
من الجمعة؟» 

«نعم» لا بأس»., قال مترنحًا. «أعتقد أنْني سأحاول أن أنام قليلًا يا 


رولن.) 
«حسئاء سأدوّن ملاحظة بشأن يوم الخميس.» 
«ماذا سيحصل يوم الخميس؟» 


«الموعد مع لا عليك. إذهب واخلد إلى النوم.» 


تة دودة الحرير 35 


جلست تحدّق بدون تركيز في شاشة الحاسوب بعد انغلاق الباب 
الزجاجيّء ثم قفزت مذعورة عندما فتح ثانية. 

«روين» أيمكن أن تتّصلي برجل يدعى كريستيان فيشر»» قال سترايك. 

«أبلغيه باسميء وبأنني أبحث عن أوين كواين, وأحتاج إلى عنوان خلوة 
الكتاب.» 

«كريستيان فيشر... أين يعمل؟» 

غمغم سترايك قائلاء «تبّاء لم أسأل عن ذلك. أنا متعب جدًا. إِنّه 
ناشر... ناشر عصريٌّ.» 

«لا بأسء» سأجده. إذهب للنوم.» 

حالما أغلق الباب الزجاجيّ ثانيةٌ. ركزت روبن اهتمامها على موقع 
غوغل. خلال ثلاثين ثانية» ها هي تكتشف أنَّ كريستيان فيشر مؤسّس دار 
نشر صغيرة تُدعى كروسفايرء ومقرّها في إكسماوث ماركت. 

فكرت في دعوة الزواج الموجودة في حقيبتها منذ أسبوع وهي تحاول 
الاتصال بالناشر. لم تخبر سترايك عن موعد حفل زواجها من ماڻيوء ولم تبلغ 
ماثيو بأنّها تريد دعوة رئيسها. فقط لو يمضي لقاء يوم الخميس كما ينبغي... 

« کروسفایر »» ترڏد صوت حاذ على الهاتفء فعاودت روبن التركيز 
على مهمّتها. 


t.me/ktabpdfF 


ما من أداة تعذيب اسوأ من أفكارنا الخاصّة. 


جون ويبستر. «الشيطان الأبيض» 


في الساعة التاسعة والدقيقة العشرين من مساء ذلك اليوم» كان سترايك 
ممدّدًا فوق لحافه مرتديًا قميصًا رياضيًا قصير الكمّين وسروالًا داخليّاء 
وبقايا وجبة بالكاري في طبق على الكرسي المحاذيء يطالع صفحات الأخبار 
الرياضية؛ فيما تُذاع الأخبار على جهاز التلفزة الذي ثبّته قبالة السرير. كان 
القضيب المعدنيّ الفضّي البديل لساقه اليمنى يتوهج تحت ضوء مصباح 
المكتب الرخيص والذي أقامه على صندوق بجانبه. 

مساء يوم الأربعاءء ستجري مباراة ودّية بين إنكلترا وفرنسا في ملعب 
ويمبلي, لكنَّ سترايك مهتم أكثر بالديربي الوطنيّ بين فريق أرسنال وفريق 
توتنهام هوتسبرز, يوم السبت التالي. فهو أسوةٌ بزوج خالته تيد. من مشجّعي 
أرسنال منذ نعومة أظفاره. أمَا سبب تشجيع تيد لفريق الغانيرز. هو الذي 
عاش طوال حياته في مسقط رأسه. كورنوال» فيجهله سترايك حتى اليوم. 

كان بريق النجوم يجاهد لاختراق غشاء الضباب الليليّ. قيلولة 
منتصف النهار لم تنجح في خفض مستوى إرهاقه. لكنّه ليس مستعدًا بعد 
للاستسلام للنوم مجدّدًاء ليس بعد أن تناول طبق برياني كبير بلحم الضأن 
وشرب كوبا كبيرًا من الجعة. إلى جانبه على السريرء ملاحظة خطْتها يد روبن؛ 


مكتبة دودة الحرير 37 


كانت قد سلّمته إِيّاها قبل مغادرة المكتب مساء ذلك اليوم. وقد دؤنت فيها 


كريستيان فيشر, غدًا التاسعة صباحًاء دار نشر كروسفاير, إكسماوث 
ماركت إي سي 1. 


وكان سترايك قد سألها مدهوسًاء «لماذا يريد مقابلتي؟ لم أطلب منه 
سوى عنوان الخلوة التي أخبر كواين بها.» 

«أعرف»» أجابت روبن» «هذا ما قله له, لكنّه بدا توّاقًا حقًا للّقاء بك. 
وقال إته ينتظرك يوم غد في التاسعةء ولن يقبل أي اعتذار.» 

تساءل سترايك بانفعال وهو يحذّق في الملاحظةء «ما أحمقني!» 

كان منهكا في ذلك الصباح فأطلق العنان لغضبه وطرد زبونًا ثريًا يمكن 
أن يوفّر له مزيدًا من العمل. ثم سمح لليونورا كواين بأن تقنعه باستلام قضيّة 
مقابل وعد غامض جدًا بالدفع. والآن بعدما اختفت عن ناظريّهء بالكاد يتذكر 
مزيج الشفقة والفضول الذي دفعه إلى تولي قضيّتها في الأساس. أمّا الآنء 
في سكون غرفته الموحشة والباردة في العليّة. فقد بدت صفقة إيجاد زوجها 
الحرد. مبالغة في الشهامة وانعدامًا للمسؤولية. ألم يكن الهدف من محاولة 
تسديد ديونه استعادة جزء من أوقات الفراغ: بعد ظهر يوم السبت في مدرّج 
الإمارات؛ والاسترخاء يوم الأحد؟ أخيرّاء صار يجني المال ويجتذب الزبائن, 
بعدما كان يعمل على مدار الساعة لعدّة أشهر ومن دون توقف. ليس بفضل 
تلك الموجة الأولى من الشهرة الصارخة فحسب بل بفضل تناقل المعلومات 
مشافهة وبهدوء. ألم يكن بوسعه أن يتمهّل بشأن ويليام بيكر ثلاثة أسابيع 
أخرى؟ 

سأل سترايك نفسه. وهو ينظر إلى ملاحظة روبن الخطيّة ثانيةٌ عن 
سبب اهتمام كريستيان فيشر الشديد بمقابلته شخصيًا. هل يكون مهتمًا 
بسترايك نفسه, لأنه حل قضيّة لولا لاندري أو فقط لأنه ابن جوني روكبي 
(وذلك أسوأ بكثير)؟ من الصعب جدًا أن تقيس مستوى شهرتك. وكان سترايك 
قد افترض أنَّ موجة شهرته غير المتوقعة أخذت تتلاشى. كانت شديدة ما 


38 روبرت غالبريث tıme/ktabpdf‏ 


دامت الأضواء مسلّطة عليهاء لكنّ اتصالات الصحافيين انحسرت منذ أشهر 
ومؤْخَرًا لم يعد أحد يذكر لولا لاندري عند تعريفه عن نفسه في إطار محايد. لا 
بل عاد الغرباء إلى ما اعتاده في معظم حياته؛ أيء مناداته بتسمية «كامرون 
ستريك.» 

من ناحية أخرىء ربما عرف الناشر شيئًا عن أوين كواين المختفي 
ويتلهف لإطلاعه عليه» حتى ولو كان سترايك يجهل سبب رفض الناشر إحاطة 
زوجة كواين علمًا بذلك. 

كان الموعد الثاني الذي كتبته روبن تحت موعد فيشر: 


الخميس 18 نوفمبر, الساعة 6:30 بعد الظهر» ذا كينغز أرمز, 25 شارع 
روبلء إس إي 1. 


كان سترايك يعرف لماذا كتبت التاريخ بوضوح شديد: هي مصمّمة 
على أن يتم اللقاء هذه المرّة - هل هي المحاولة الثالثة أو الرابعة؟ - بينه 

كان سترايك ممتنًا لمجرّد وجود ماثيو. وللخاتم المرضع بالياقوت 
والألماس المتألّق في إصبع روبن. بدا ماثيو سخيقًا (قلّما فكّرت روبن كم يذكر 
سترايك بدقّة أحاديثها الجانبية العابرة عن خطيبها)» لكنّه فرض حاجرًا مفيدًا 
بين سترايك وفتاة يحتمل أن تُحدث اضطرابًا في توازن نمط عيشه. 

لم يكن سترايك قادرًا على تجنب مشاعره الدافئة نحو روبن والتي 
اقتحمت حياته عندما كان في أشدّ حالات الاكتئاب وساعدته في تغيير 
مصيره. بصره سليم لم يسمح له بالبقاء جامدًا أمام جمالها الأخّاذ. لا بل 
رأى خطوبتها بمثابة وسيلة ناجعة صدّت عنه تيّار اللهفة الرقيقة المستمرّة, 
والذي كان ليُقلق راحته؛ لو شمح له بالتدفق بكل حرّية. لقد اعتبر سترايك 
نفسه في مرحلة نقاهة بعد علاقة عاصفة انتهت مثلما بدأت, بالأكاذيب. 
لم يكن راغبًا في تغيير حالة العزوبية المريحة الملائمة» وقد نجح حتى الآن 
في تجئّب أي ارتباطات عاطفية أخرى, على الرغم من محاولات أخته لوسي 


مكتبة دودة الحرير 39 


لتعريفه بنساء بدّون وكأنهنَ من «حثالة» أحد المواقع الإلكترونية المختضة 
بتنسيق المواعدات بين النساء والرجال. 

من الممكن بالطبع» بعد زواج ماثيو وروبن, أن يستغلٌ ماثيو مكانته 
الجديدة لإقناع زوجته بترك الوظيفة والتي من الواضح أنه يزدريها (كان 
سترايك مصيبًا في تفسير تردّد روبن ومراوغتها في هذا الصدد). غير أن 
سترايك كان واثقًا من أنَّ روبن ستخبره في حال تحديد موعد الزواج؛ لذا فقد 
اعتبر هذا الخطر بعيدًا في الوقت الحاضر. 

مع تثاؤب كسول جديدء طوى الجريدة ورماها على الكرسيّء وحوّل 
انتباهه إلى الأخبار على الشاشة. كانت محطات البثٌّ الفضائيّ بمثابة إسرافه 
الشخصي الوحيد منذ انتقاله إلى الشقّة الصغيرة في العْلَيّة. كان تلفزيونه 
المحمول الصغير مستقرًا على جهاز الاستقبال وأصبحت صورة الشاشة 
واضحة بعد استغنائه عن الهوائي الداخلي الضعيف. كان كينيث كلارك 
وزير العدلء يعلن عن خفض 350 مليون جنيه من موازنة الإعانة القانونية. 
تفرّج سترايك المشوّش الذهن من شدّة التعب, على الرجّل المنتفخ والمحمرٌ 
وهو يبلغ البرلمان عن رغبته في «ثني الناس عن استدعاء المحامين كلما 
واجهوا مشكلةء وتشجيعهم على النظر في طرق أكثر ملاءمة لحل النزاعات.» 

كان يعني بطبيعة الحال أنه يجدر بالفقراء التخلي عن خدمات القانون. 
أا أمثال زبائن سترايك الميسورين» فبوسعهم الاستفادة من المحامين 
الباهظي الكلفة. فمعظم العمل الذي يضطلع به في هذه الأيام يصب في 
مصلحة أثرياء مرتابين يتعزضون للخيانة على الدوام. كانت تحقيقاته تغذّي 
محاميهم الأنيقين. وتمكنهم من الفوز بتسويات أفضل في قضايا الطلاق 
المريرة والنزاعات التجارية الحادّة. كان سيل مستمرٌ من الزبائن الأثرياء 
يتداولون اسمه مع أمثالهم من ذكور وإناث, ممّن يواجهون صعوبات شاقّة 
ممائلة. تلك طريقة عمل وكالات التحرّيات الخاصّة المزدهرة. مملّة في 
الغالب وإِنّْما جد مربحة. 

مع ختام الأخبار. نهض بمشقَّة من السريرء وأزال بقايا وجبته عن 
الكرسيّء ومشى بخطى عرجاء إلى مطبخه الصغير ليغسل الأطباق. لم يكن 


40 روبرت غالبريث t.me/ktabpdf‏ 


يهمل مثل هذه الأمور البئّة. ولم يتخل في أسوأ حالات بؤسه عن عادات 
احترام الذات التي تعلّمها في الجيشء حتى ولو لم تعد بأكملها إلى التدريب 
العسكري. فقد كان ولدًا مرنباه يقلد زوج خالته تيد والذي كان حبّه للترتيب 
جليًا في كل زاوية» من صندوق العدّة إلى منزله العائم» ما يتناقض تناقضًا 
صارخًا مع الفوضى العارمة المحيطة بوالدة سترايك: ليدا. 

في غضون عشر دقائق» بعد زيارة وجيزة أخيرة إلى المرحاض والمبلل 
دائمًا ببقع الماء بسبب قربه من الدسٌء وبعدما نظف أسنانه في حوض 
المطبخ كونه أكثر اتساعاء عاد سترايك إلى فراشه وأزال الساق البديلة. 

ختمت توقعات الأحوال الجوية للغد. نشرة الأخبار: درجات حرارة 
دون الصفر وضباب. فرك سترايك طرف ساقه المبتورة بالبودرة. لحسن 
الحظ, كان الألم هذه الليلة أخف مما كان عليه قبل بضعة أشهر. صحيح 
أنه تناول اليوم إفطارًا إنكليزيًا كاملا ووجبة جاهزة بالكاري لكنه خسر بعض 
الكيلوغرامات مذ أصبح قادرًا على الطهو مجدّدًا. ما ساعده على النحول قليلًا 
وخفّف من الضغط على ساقه. 

وجّه جهاز التحكّم عن بعد نحو شاشة التلفزة, فاختفت الفتاة الشقراء 
الضاحكة ومسحوق غسيلهاء واكتسح السواد الشاشة. ثم تحرّك بثقل ليدسش 
نفسه تحت الغطاء. 

إذا كان أوين كواين مختبئًا في خلوة الكتّاب» فسيسهل إخراجه منها 
بطبيعة الحال. فقد بدا له مُدعيًا مغرورًا أخفى نفسه غاضبًا في الظلمة برفقة 
كتابه الثمين... 

تراءى له لبضع ثوانِ مشهد رجل غاضبء هاربًا من منزله مع حقيبة 
ثقيلة على كتفه» ليعود فيختفي بالسرعة التي ظهر فيها. غط سترايك في نوم 
عميق خال من الأحلام» وما هي إلا لحظات حتى تصاعد شخيره الخشن فوق 
نبض الغيتار الجهير الآتي من الحانة البعيدة في الأسفل. 


6 


آه سيّد تاتل, نعرف تمامًا أنّه لا داعي للقلق 
وأنتَ حاضر. 
ويبليام كونغريف, «حبّ مقابل الحبٌّ» 


كان الضباب البارد لا يزال يكتنف مباني شارع إكسماوث ماركت عندما 
دخله سترايك في التاسعة إِلّا عشر دقائق من صباح اليوم التالي. لم يكن يبدو 
مثل أيّ شارع لندنيّء مع مقاعده العديدة على الرصيف وشرفات مقاهيه 
الملوّنة وواجهات الأبنية المطليّة بألوان الباستيل؛ والكنيسة القرميدية 
الشبيهة بالبازيليك يزيّنها الذهبيّ والأزرق: كنيسة المُخلّص الأقدس والتي 
يلها بخار دخاني. لو استطاع أن يضيف نكهة الماء المالح وزعيق النورس 
الكئيبء إلى الضباب الدخانيّ البارد. والمتاجر المليئة بالتحف, والطاولات 
والكراسي المنتشرة على الرصيفء لربما اعتقد أنه عاد إلى كورنوال. حيث 
أمضى معظم الفترات المستقرّة من طفولته. 

مجرّد لوحة صغيرة على باب جدّ عاديّ بمحاذاة مخبز متواضع, أشارت 
إلى دار كروسفاير للنشر. رن سترايك الجرس في التاسعة تماما ففُتح الباب 
ليجد أمامه درجًا مطليًا بالأبيض, إرتقاه ببعض الصعوبة مستعيئًا بالدرابزين. 

قابله عند المنبسط العلويّ رجل نحيل متأنّق في قرابة الثلائين من 
العمرء ذو شعر متموّج شبه طويلة يكاد يلامس كتفيه» وهو يضع نظارة, 


42 روبرت غالبریٹ t.me/ktabpdf‏ 


يرتدي سروالًا من الجينزء وصدارّاء وقميصًا متعدّد الألوان مع كمّين مزركشين 
بالدنتيلا عند المعصمين. 

«مرحبًا. أنا كريستيان فيشر. وأنتٌ كامرون, أليس كذلك؟» 

« كورموران»» صحّح سترايك الاسم تلقائيًاء «لكن..» 

أوشك أن يقول بأنّه يتقبّل اسم كامرون أيضًاء كرد فعل على سنواتٍ من 
مناداته به عن خطأء لكنَّ كريستيان فيشر أجاب على الفور: 

« کورموران - عملاق کورنوال.» 

«صحيح»» قال سترايك متفاجئًا. 

«نشرنا كتابًا للأولاد عن الفولكلور الإنكليزي في السنة الماضية»» 
قال فيشر وهو يفتح بابًا أبيض مزدوجًا ويقود سترايك إلى حيّز مفتوح تعتريه 
الفوضى, وتغطّي جدرانه الملصقات ورفوف الكتب غير المرتبة. وإذا بشابّة 
ذات شعر داكن, رثّة المظهر, تنظر بفضول إلى سترايك وهو يتجاوزها. 

«أتريد القهوة؟ الشاي؟» سأل فيشر وهو يقود سترايك إلى مكتبه؛ غرفة 
صغيرة منفصلة عن الحيّز الرئيسي, ذات مطل جميل على الشارع الهامد 
الذي يلفه الضباب. «يمكن أن أطلب من جايد أن تحضر لنا ما نشربه.» رفض 
سترايك قائلًا إِنّه احتسى القهوة للتوء لكنّه تساءل لمَا يبدو فيشر عازمًا على 
أن يكون الاجتماع أطول ممّا تبره الظروف. «كوب قهوة بالحليب فقطء يا 
جايد». نادى فيشر عبر الباب. 

«تفضّل بالجلوس»» قال فيشر لسترايك, وأخذ يتحرّك بخفّة حول رفوف 
الكتب التي تغطّي الجدران. «ألم يكن العملاق كورموران مقيمًا في جبل 


سانت مايكل؟» 
«أجل», قال سترايك؛ «ويُفترض أن يكون جاك قد قتله» كما جاء في 
قصة حبّة الفاصولياء السحريّة.» 


«إنّه في مكان ما هنا». قال فيشر وهو لا يزال يبحث في الرفوف, 
«قصص وأساطير الجزر البريطانية. هل لديك أولاد؟» 

«لا»» قال سترايك. 

«أوه»: قال فيشرء «إِذّاء سأك عن البحث.» 


كتبة دودة الحرير 43 


وجلس على الكرسيّ المقابل لسترايك مبتسمًا ابتسامة عريضة. 

«هل يمكنني أن أسأل من استخدمك؟ وهل يمكنني أن أخمَن؟» 

«على الرحب والسعة»» قال سترايك الذي لم يكن يرفض التخمين من 
حيث المبداً. 

«دانيال تشارد أو مايكل فانكورت»» قال فيشر» «هل أصبت؟» 

كانت عدستا نظارته تضفيان على عينيه مظهرًا خرزيًا شديد التركيز. 
ومع أنَّ سترايك فوجئ بالإجابة» فهو لم يحرّك ساكنًا. مايكل فانكورت كاتب 
شهير جدًا فاز مؤْخْرًا بجائزة أدبية كبيرة. فما الذي يدعوه بالضبط إلى الاهتمام 
بكواين المختفي؟ 

«لا». قال سترايكء «إِنّها ليونوراء زوجة كواين.» 

بدت على فيشر أمارات دهشة شبه هزلية. 

«زوجته؟» تساءل فيشر محتارًاء «تلك المرأة الخجولة التي تشبه روز 
ويست؟؟ ما السبب الذي دعاها لاستخدام محقق خاصّ؟» 

«إختفى زوجها. مضى على غيابه أحد عشر يومًا.» 

«إختفى كواين؟ لكن... لكن...» 

كان بوسع سترايك الاستنتاج أنَّ فيشر ينتظر حديئًا مختلقًا جدّاء حديئًا 
يتطلّع إليه بلهفة. 

«هي تعتقد أنّك تعرف مكان كواين.» 

«كيف يمكنني أن أعرف؟» سأل فيشرء وقد بدت عليه أمارات حيرة 
حقيقية» «ليس من أصدقائي.» 

«قالت السيّدة كواين إنهًا سمعتك تخبر زوجها عن خلوة للكتّاب في 
حفلة...» 

«أوه», قال فيشرء «بيغلي هولء أجل. لكنّ أوين لن يتواجد هناك!» 
وإذ ضحك. تحوّل إلى بوك وإِنّما بنظارة» أي إلى عفريت صغير طريف. وتابع 
يقول: «لن يسمحوا لأوين كواين بالدخول حتى ولو دفع لهم. إِنّه يستمتع 


.R0se West `‏ سقاحة بريطانية أدينت بارتكاب 10 جرائم في سنة 1995 - المترجم. 
3 إحدى الشخصيات في مسرحية شكسبير «حلم ليلة صيف» - المترجم. 


44 روبرت غالبریث t.me/ktabpdf‏ 


بإثارة الخلافات. وإحدى النساء اللواتي يُدرن المكان تكرهه كرهًا شديدًا. 
كتب آنقًا مقالة جارحة عن روايتها الأولى ولم تغفر له ذلك البّة.» 

«أيمكن أن تعطيني رقم الهاتف على أي حال؟» سأل سترايك. 

«لديّ الرقم هنا»» قال فيشرء وأخرج هاتقًا محمولًا من جيب بنطاله 
الخلفيء «سأتصل الآن...» 

فعل ذلك واضعًا الهاتف على المكتب بينهما وضبطه على مضحّم 
الصوت لكي يسمع سترايك الحديث. بعد دقيقة كاملة من الرنين» أجابت 
امرأة لاهثة: 

«بيغلي هول.» 

«مرحبًاء هل أنت شانون؟ هنا كريس فيشرء من دار كروسفاير.» 

«أهلًا كريس, كيف حالك؟» 

تح باب مكتب فيشر ودخلت الفتاة ذات الشعر الأسود. وضعت 
القهوة أمام فيشر وغادرت من دون أن تتفوّه بكلمة واحدة. 

«أتصّل يا شان», قال فيشر بعدما سمع صوت انغلاق البابء «لأتحقّق 
إذا كان أوين كواين من النزلاء عندكم. هل قدم إليكم؟» 

«كواين؟» 

تردّدت كراهية شانون المشوبة بالاحتقار, في أرجاء الغرفة الغارقة 
تحت الكتبء عبر الكلمة الأحادية المقطع التي تفوّهت بها بصوت رنينيّ 


قادم من بعيد. 

«نعم, هل رأيته؟» 

«لم أره منذ سنة أو أكثر. لماذا؟ هل يفكر في المجيء إلى هنا؟ لن 
يكون موضع ترحيب على الإطلاق.» 

«لا تقلقي يا شان, أعتقد أنَّ زوجته أساءت فهم ما قيل لها. سأتحدّث 
إليك لاحقًا.» 


قاطع فيشر عبارات الوداع المؤثّرة. حرصًا على العودة إلى سترايك. 
«أرأيت؟ قلت لك إِنّه لا يستطيع الذهاب إلى بيغلي هول حتى ولو 
رغب بذلك.» 


مكقرة دودة الحرير 45 


«ألم تستطع قول هذا لزوجته عندما انّصلت بك؟» 

«آه. كانت تتّصل باستمرار لهذا السبب إِذَا!» قال فيشر وقد أدرك 
الأمر فجأة. «ظننت أنَّ أوين طلب منها الاتّصال بي.» 

«ولماذا يطلب من زوجته الاتصال بك؟» 

«دعك من ذلك»» قال فيشر مبتسكًاء وإذ لم يبادله سترايك الابتسامةء 
ضحك وقالء «بسبب بومبيكس موري. ظننت أنّه من البديهيَ أن يحت 
زوجته على الاتّصال بي لاستمزاج رأيي.» 

«بومبيكس موري»» كرّر سترايك, محاولًا ألا يبدو مستفهمًا أو حائرًا. 

«أجلء ظننت أنَّ كواين يلحّ ليعرف إن كان هناك من فرصة لأنشرها. 
عادةٌ ما يقوم بذلك, يطلب من زوجته الاتّصال. لكنء إن كان هناك من أحد 
ليهتمّ ببومبيكس موريء فلستٌ أنا. نحن مؤسّسة صغيرة» ولا نحتمل دعاوى 


المحاكم.» 
قزر سترايك تبديل أسلوبه لأنّه لن ينتفع من التظاهر بأنّهِ يعرف أكثر 
مما لديه من معطيات. 


«أليست بومبيكس موري رواية كواين الأخيرة؟» 

«بلى»» قال فيشرء وأخذ رشفة من قهوته لمتابعة تسلسل أفكاره. 
«إذاء اختفى أليس كذلك؟ ظننته سيمكث ولن يفوّت على نفسه متعة متابعة 
المشهد كأول المتفرّجين. إعتقدتٌ أنّ تلك هي النقطة الأهمّ في المسألة. أم 
تراه فقد رباطة جأشه؟ لكنَّ ذلك ليس من شِيّم أوين.» 

«منذ متى تنشر لأوين؟» سأل سترايك. فنظر إليه فيشر بارتياب. 

«لم أنشر له البنّة!» 

«ظننت...» 

«لقد تعامل مع روبر تشارد في كتبه الثلاثة, أو ربما الأربعة الأخيرة, قال 
فيشرء لكنء انفق أنّني كنت في حفلة مع ليز تاسلء وكيلته قبل بضعة أشهرء 
وأخبرتني سرًا - لديها بعض الأسرار - أنّها لا تعرف حتّى متى سيحتملونه في 
دار روبر تشاردء لذا قلت إِنّه يسعدني أن ألقي نظرة على كتابه التالي. كواين 
ينتمي إلى الفئة المحبوبة نوعًا ما في هذه الأيام - وكان بوسعنا أن نقوم 


46 روبرت غالبریث t.me/ktabpdf‏ 


بدعاية غير اعتيادية على مستوى التسويق. على أي حال؛ لقد أصدر خطيئة 
هوبارت, وكان كتابًا جيّدًا. ظننته يحتفظ بمفاجآت أخرى في جعبته.» 

«هل أرسلّت ليز إليك بومبيكس موري؟» سأل سترايك متلمّسًا دربه 
ولاعنًا نفسه في سرّه لافتقاره إلى الدقّة في استجواب ليونورا كواين في اليوم 
السابق. ذلك ما يحدث عندما تقبل زبونًا وأنتَ بحكم الميت من شدّة الإرهاق. 
لطالما اعتاد الوصول إلى لقاءاته وفي جعبته معلومات تفوق معلومات الذي 
يستجوبه, لذا شعر بأنه حسّاس وأكثر عرضة. على غير عادة.. 

«نعم, أرسلت نسخة يوم الجمعة ما قبل الماضي»» قال فيشرء وقد 
ارتسمت على وجهه ابتسامة خبيثة» «وكان أكبر خطأ ارتكبته ليز المسكينة 
في حياتها.» 

«لماذا؟» 

«من الواضح أنّها لم تقرأها كما ينبغي, أو لم تقرأها حتى النهاية. فبعد 
نحو ساعتين من تسلمي المخطوطة, تلقّيت هذه الرسالة المشوبة بالذعر على 
هاتفي: «كريسء لقد حدث خطأء أرسلت المخطوطة غير المناسبة. أرجوك 
ألا تقرأهاء وأن تعيدها مباشرة. سأكون في المكتب لاستلامها.» لم أسمع 
ليز تاسيل تتحدث على هذا النحو طيلة حياتي. هي امرأة مخيفة جدًا عادة. 
تجعل الرجال يرتعدون ذعرًا.» 

«وهل أعدتها؟» 

«لا بالطبع»: قال فيشر» «أمضيت معظم يوم السبت وأنا أقرأها.» 

«و... إِذًا؟» سأل سترايك. 

«ألم يخبرك أحد؟» 

«يخبرني...؟» 

«بما تحتويه»» قال فيشر . «عمًا فعله.» 

«وماذا فعل؟» 

تلاشت ابتسامة فيشرء ووضع كوب قهوته على المكتب. 

«حذّرني بعض كبار المحامين في لندن من الكشف عن ذلك.» 


مكتبة دودة الحرير 47 


«من يستخدم المحامين؟» سأل سترايك. وإذ لم يُجب فيشرء أضاف. 
«هل هناك أحد غير تشارد وفانكورت؟» 

«تشارد فحسب». قال فيشر بعد أن وقع بسهولة في فح سترايك. «على 
أنه يجدر بي أن أقلق أكثر بشأن فانكورت لو كنت مكان أوين. فبإمكانه أن 
يكون وغدًا شْرّيرًا. لا ينسى ضغينة البنّة.» وأضاف بسرعة, «لا تنقل هذا 
الحديث عني.» 

«وتشارد الذي تتكلّم عنه؟» قال سترايك محاولًا شق دربه في العتمة. 

«دانیال تشارد» الرئيس التنفيذي لروبر تشارد»» قال فيشر بشيء من 
نفاد الصبر. «لا أفهم كيف اعتقد أوين أنه يستطيع تفادي إغضاب مَن يدير 
الدار التي تنشر كتبهء لكنء هذا هو أوين لمعلوماتك. أشدّ الأوغاد الواهمين 
الذين التقيتهم غرورًا. وأفترض أنّه سمح لنفسه بوصف تشارد على أنّه...» 

«لقد أفصحتٌ عن الكثير حتّى الآن. فلتقْل فحسب إنه يفاجئني أن 
يظنّ أوين بأنّه سيُفلت بفعلته. ربما خارت شجاعته عندما أدرك أنَّ الجميع 
فهموا ما الذي يلمح إليه بالضبط ولذلك هرب.» 

«إنّها رواية تشهيريّةء أليس كذلك؟» سأل سترايك. 

«الحدّ الفاصل غير واضح في الأسلوب الروائي إلى حدّ ماء لا؟» سأل 
فيشرء «إن قلت الحقيقة بطريقة هزلية»» وأضاف على عجلء «لا أوحي بأنّ ما 
يقوله هو الحقيقة. فلا يمكن أن تكون الحقيقة حرفيّة. لكن, يمكن التعرّف إلى 
هويّات الأبطال: تقد أعاد تصوير الكثير من الأشخاص بطريقة ذكيّة جدًا... 
وكما يبدوء ما أورده شبيه جدًا بأولى حكايات فانكورت في الواقع. الكثير 
من الرمزية العنيفة والغامضة... ولا يمكنك أن تفهم ما يشير إليه في بعض 
الأماكنء لكنّك ترغب في معرفة ما يوجد في المخبأ. ماذا يوجد في نار ال...؟» 

«ماذا يوجد في...؟» 

«دعك من ذلك - هو شيء ممّا ورد في الكتاب. ألم تخبرك ليونورا عن 
أي من كل هذا؟» 

«لا»» قال سترايك. 


48 روبرت غالبریٹث t.me/ktabpdf‏ 


«غريبء لا بدّ أنّها تعرف. أظن بأنَّ أوين من الكتّاب الذين يحاضرون 
عن عملهم أمام أسرتهم عند كل وجبة طعام.» 

«لماذا اعتقدت أنّ تشارد أو فانكورت قد يستخدمان محقّقًا خاضًاء 
وأنت لا تعرف أنّ كواين اختفى؟» 

«لا أدري. ظننتهما يحاولان اكتشاف ما يعتزم الكاتب أن يفعل 
بالكتاب» لكي يتمكنا من إعاقة إصداره» أو تحذير الناشر الجديد من إمكانيّة 
مقاضاته في حال إصداره. أو ربما يأملان بإيجاد مأخذ على أوين - ليكافحا 
النار بالنار.» 

«أذلك هو سبب عزمك الشديد على مقابلتي؟» سأل سترايك, «هل 
لديك مأخذ على كواين؟» 

«لا». قال فيشر ضاحكاء «أنا فضوليٌ فحسب. أردت أن أعرف ما 
يجري.» 

نظر إلى ساعته, وقلّب نسخة من غلاف كتاب أمامه» وتململ على 
كرسيّه قليلًا. ففهم سترايك المقصود. 

«شكرًا لك على وقتك»» قال سترايك وهو ينهضء «هل بإمكانك أن 
تخبرني في حال اتُصل أوين كواين بك ؟» 

ناول فيشر بطاقته, فحدّق هذا الأخير بها وهو يتقدّم من خلف مكتبه 


ليرافق سترايك إلى الخارج. 
«كورموران سترايك... سترايك... أعرف ذلك الاسم... بلى أظئني 
أعرفه...» 


ثم استدرك فيشر فجأة, فدبّت الحياة فيه كما لو أنَّ أحدهم أعاد شحن 
طاقته. 

ديا إلهي» أنت المحقق في قضيّة لولا لاندري!» 

عرف سترايك أنّه يستطيع الجلوس ثانيةٌ. وطلب قهوة بالحليب, 
والاستمتاع باهتمام فيشر الشديد لمدّة ساعة أخرى, لكنّه عوضًا عن ذلك, 


مكتبة دودة الحرير 49 


تملص من الموقف بموذة؛ وما هي إلا بضع دقائق حتى عاود الظهور لوحده 
في الشارع البارد يلفه الضباب. 


t.me/ktabpdfF 


7 


أقسم بأتّني غير مذنب لقراءتي كل هذا. 
بن جونسون, «لكلّ شخص مزاجه» 


شعرت ليونورا كواين بالقلق عندما أبلقت هاتفيًا بأنّ زوجها لم يكن في خلوة 
الكتّاب. 

«أين هو إذًا؟» تساءلت أكثر ممًا سألت سترايك. 

«إلى أين يذهب عادة؟» سأل سترايك. 

«الفنادق. ذات مرّة, نزل في أحدها مع امرأة ماء لكنه لم يعد على 
علاقة بها. أورلندو». قالت بحدّة بعيدًا عن سمّاعة الهاتف؛ «ضعيها مكانها, 
إنها لي. قلت إِنْها لي. ماذا؟» قالت صارخة في أذن سترايك. 

«لم أقل شيئًا. هل تريدينني أن أواصل البحث عن زوجك؟» 

«بالطبع أريدء مَن غيرك يستطيع أن يجده؟ لا يمكنني ترك أورلندو. 
فلتسأل ليز تاسيل عن مكانه. لقد عثرت عليه من قبل في فندق هيلتون, 
حيث كان مختبئًاء» قالت ليونورا على غير المتوقع. «كان في الهيلتون ذات 
مرّة.» 

«أيّ هيلتون؟» 

«لا أدريء اسأل ليز. هي التي كشفت مخبأه. وعليه. يجب أن تُساعد 
في إعادته. إِنّها لا ترد على مكالماتي. أورلندو. ضعيها مكانها.» 


مكتبة دودة الحرير 51 


«هل من أحد آخر تستطيعين التفكير ب...؟» 

«لاء وَإِلّا كنت لأسألهم بالطبع», صاحت ليونوراء «أنت المحقّق, جده! 
أورلندو!» 

«سيّدة كواين» يجب...» 

«نادني بليونورا.» 

«ليونوراء علينا التفكير في احتمال... أن يكون زوجك قد ألحق الأذى 
بنفسه. يمكننا أن نجده بسرعة أكبر...»» قال سترايك, رافعًا صوته فوق 
الصخب المنزليّ عند الطرف الآخر من الخطء «إذا ا الشرطة.» 

«لا أريد. إتصلت بهم عندما غاب أسبوعًا ثم تبيّن تبيّن أنّه عند صديقته, 
فأزعجهم ذلك. كما أنَّ أوين سيغضب إذا كرّرثُ ذلك. ل أي حال لن يقب... 
أورلندو دعيها!» 

«تستطيع الشرطة تعميم صورته و...» 

«أريده أن يعود إلى البيت بهدوء وسرية. لم لا يعود فحسب؟» 
أضافت بغضب. «ألم يكفه كل هذا الوقت ليهداً؟» 

«هل قرأت كتاب زوجك الجديد؟» e‏ سترايك. 

«لا أنتظر دائمًا ريثما تصدر كتبه ويمكنني عندئذ قراءتها مطبوعة 
ومجلّدة.» 

«هل أخبرك أي شيء عنه؟» 

«له هو لا يحب التحدّث عن عمله بينما - أورلندوء دعيها!» 

لم يكن واثقًا إن كانت قد أقفلت الهاتف متعمّدة أم لا. 

سرعان ما انقشع ضباب الصباح الباكرء وأخذ المطر ينهمر على نوافذ 
مكتبه. ثمّة زبونة توشك على الوصولء سيّدة أخرى تطلب الطلاق وتريد 
أن تعرف أين خبَاً زوجهاء والذي سيصيح زوجها السابق عمًا قريب. صكوك 
ملكيّاته. 

«روبن»» قال سترايك وهو في طريقه إلى المكتب الخارجي» «أرجوك 
أن تطبعي صورة لأوين كواين من الإنترنت, إذا استطعت العثور على واحدة, 


52 روبرت غالبریٹ t.me/ktabpdf‏ 


وأن تتصلي بوكيلته إليزابيث تاسيل» وتعرفي منها إن كانت مستعدّة للإجابة 
على بعض الأسئلة السريعة.» 

وفيما همّ بالعودة إلى مكتبه, راودته فكرة أخرى. 

«وهل يمكنك أن تبحثي لي عن معنى بومبيكس موري؟» 

«كيف تهجّئها؟» 

«الله أعلم», قال سترايك. 


وصلت المرأةء والتي ستصبح مطلقة عمًا قريب في الوقت المحدّد, 
في الحادية عشرة والنصف. كانت فوق الأربعين, ولكنّها تبدو نضرة بشكل 
مريبء تنضح سحرًا ويفوح منها عطر المسك الذي يجعل روبن تشعر دائمًا 
بأنّ المساحة ضاقت بها. أدخلها سترايك إلى مكتبه» حيث قبعا ما لا يقل 
عن الساعتين: وطيلة هذه المدّة لم تلتقط أذن روبن إِلَّا نبرات ترتفع ومن 
ثمّ تنخفض بلطف على إيقاع صوت المطر ونقر أصابعها على لوحة الطباعة. 
أصوات هادئة وساكنة. لطالما اعتادت روبن سماع نوبات بكاء فجائيّة, وأنّات, 
وأحيانًا صراخ, تصدر من مكتب سترايك. ربما يكون الصمت المفاجئ أكثر ما 
ينذر بالسوء» كما حدث عندما أغمي على أحد الزبائن ذات يوم (ليعلما لاحقًا 
أنه أصيب بنوبة قلبية طفيفة) بعدما شاهد الصور الفوتوغرافية التي التقطها 
سترايك لزوجته وعشيقها بعدسة مقرّبة. 

عندما غادر سترايك وزبونته المكتب أخيراء وحظيت بعبارات 
وداعه كاملة, سلّمت روبن رئيسها صورة كبيرة لأوين كواين, نقلا عن الموقع 
الإلكتروني لمهرجان باث الأدبي. 

«يا إلهي»» قال سترايك. 

كان أوين كواين رجلا ضخمّاء شاحبًاء سميئًا وفي الستّين من العمر 
تقريبًا. صاحب شعر مشعّث أشقر مائل إلى البياض» ولحية صغيرة على طريقة 
فان دايك. بدت عيناه متعدّدتي الألوان» ما منح نظرته حدّة غريبة. وقد لف 
نفسه في الصورة بعباءة غجريّة واعتمر قبّعة مزيّنة بالريش. 

«لا يوحي أبدًا بأنّه يستطيع البقاء خفيًا لمدّة طويلة»», علّق سترايك» 
«أيمكنك أن تطبعي منها عدّة نسخ يا روبن؟ ريما نضطر إلى عرضها في 


مكعتبة دودة الحرير 53 


الفنادق, فزوجته تعتقد أنّه أقام في أحد فنادق الهيلتون ذات مرّة. لكنها لا 
تذكر أي فرع» لذاء ألا استهلّيت الاتّصال بلائحة الفنادق للتحقّق إذا ما كان قد 
حجز غرفة في أحدها؟ لم يستعمل اسمه على الأرجح» لكنء يمكنك أن تحاولي 
وصفه... هل حالفك الحظ مع إليزابيث تاسيل؟» 

«أجل»» قالت روبن. «صدّق أو لا تصدّقء. كنت على وشك الاتّصال بها 
عندما اتصلت هي بي.» 

«هي من اتّصلت بنا؟ لماذا؟» 

«أخبرها كريستيان فيشر أُنَّكَ قابلته.» 

«وماذا أيضًا؟» 

«لديها اجتماعات بعد ظهر اليوم: لكنّها تريد مقابلتك غدًا عند 
الحادية عشرة في مكتبها.» 

«حقًا؟» قال سترايك مستمتعًا. «الأمر يزداد تشويقًا. هل سألتها إذا 
كانت تعرف مكان كواين؟» 

«نعم» وكان جوابها أن ليس لديها أدنى فكرة. لكنها أصّت مع ذلك 
على الاجتماع بك. إِنّها جدّ متسلّطة؛ صارمة وكأنّها مديرة مدرسة.» وأنهت 
كلامها قائلة: «وبالمناسبة» بومبيكس موري هو اسم دودة الحرير أو دودة 
القرّ باللاتينية.» 

«دودة الحرير؟» 

«أجل. أتعلم؟ لطالما ظننتها تنسج شباكها كالعناكبء لكن؛ هل تعرف 
كيف يستخرجون الحرير من الدود؟» 

«هذه معرفة لا أدّعيها...» 

«يسلقونها حيّة في الماء الغالي, لثئلا تُتلف شرانقها وهي تشقّها لتخرج 
منها. في الواقعء يُصنع الحرير من الشرائق. فعلة غير لطيفة البئّة, أليس 
كذلك؟ لماذا أردت الاستعلام عن دود الحرير؟» 

«أردث أن أعرف السبب الذي قد يدعو أوين كواين إلى تسمية روايته 
بومبیکس موري»» قال سترايك؛ «ولا يمكنني القول إِنّني ازددت معرفة.» 


54 روبرت غالبریٹ t.me/ktabpdf‏ 


أمضى سترايك بعد الظهر في دراسة ملف ممل - أيضًا قضيّة تعقّب 
- على أمل أن يتحسّن الطقس. هو بالفعل يحتاج إلى الخروج إذ ليس لديه 
ما يؤكل في البيت. بعدما غادرت روبنء استمرٌ سترايك في العمل بينما 
ازداد المطر المنهمر على نافذته حدّة. أخيراء تناول معطفه ومشى وسط ما 
تحوّل تدريجيًا إلى طوفان في شارع شايرينغ كروس المعتم والغارق بسيول 
المياهء بغية شراء الطعام من أقرب سوبر ماركت. فقد تمّ افتتاح متاجر كثيرة 
للأطعمة الجاهزة في الآونة الأخيرة. 

في طريق العودةء وهو يحمل أكياسًا منتفخة بيديه» ها هو يستدير 
فجأة ويدخل مكتبة خاضة بالكتب المستعملةء قبل موعد إقفالها بقليل. لم 
يكن الرجل الواقف خلف منضدة البيع أكيدًا من وجود نسخة من خطيئة 
هوبارت. أوّل كتب أوين كواين وأفضلها على ما يُفترضء لكنء بعد الكثير 
من التمتمة وقراءة سريعة للجدول الإلكترونيْ» عرض على سترايك نسخة من 

5 

كتاب «الإخوة بلزاك» للمؤلف نفسه. كان سترايك متعبًا ومبتلا وجائعًاء فدفع 
جنيهين مقابل النسخة المجلّدة البالية وحملها معه إلى شقّته. 

بعدما وضّب سترايك الحاجيّات والتهم طبق المعكرونة سريعاء تمدّد 
على السرير فيما كان الليل يشتدّ ظلامًا وبردًا خارج النوافذء وفتح كتاب 
المؤلف المختفي. 

كان الأسلوب منمَّقًا ومزخرفاء والقصّة قوطية وشريالية. حبس أخوان 
يدعيان فاريكوسيل وفاس في غرفة مقتبة بينما كانت جنّة أخيهما الأكبر 
تتحلّل ببطء في إحدى الزوايا. وما بين المناقشات تحت تأثير الشكرء حول 
الأدب, والولاء. والكاتب الفرنسي بلزاك, حاولا تأليف رواية عن حياة أخيهما 
المتعفّن. لم يفعل فاريكوسيل سوى الاهتمام بموقع حسّاس من جسده 
باستمرار» ما بدا لسترايك كناية غير لائقة تدلّ على شلل مخيّلة الكاتب» بينما 
بدا أنَّ فاس يقوم بمعظم العمل. 

بعد قراءة خمسين صفحة» ومع تمتمته عبارة «مُزر بالكامل!», ألقى 
سترايك الكتاب جانيًا وحاول جاهدًا أن يستسلم للنوم. 


مكتبة دودة الحرير 55 


بالفعل» فاتته نعمة الحَدَّر العميق الذي أحسٌ به في الليلة السابقة. 
كان المطر يقرع بشدّة على كوّة غرفته. بعد ليلة من أحلام مليئة بمشاهد 
كارثيّةء إستيقظ سترايك في الصباح شاعرًا بانزعاج يشبه أعراض الإسراف في 
شرب الكحول. كان المطر لا يزال منهمرًا على نافذته» وعندما شغل التلفزيونء 
شاهد خبر إعصار شديد يضرب كورنوال؛ أناس حُوصروا في سيّاراتهم: أو أخلوا 
من منازلهم وتجمّعوا في مراكز الطوارئ. 

تناول سترايك هاتفه واتّصل بالرقم الذي يعرفه عن ظهر قلب تمامًا 
كانعكاس صورته في المرآةء رقم البيت الذي جسّد له الأمان والاستقرار طوال 
حياته. 

«مرحبًا؟» قالت خالته. 

«أنا كورموران. أأنت بخير يا جوان؟ لقد شاهدت الأخبار للتو.» 

«نحن بخير حاليًا يا عزيزي؛ الأمور سيّئة على الساحل. المطر شديد 
وثمّة عاصفة, لكنها لا ثقارّن بما يجري في سانت أوستيل. كنا نشاهدها للتوّ 
في نشرة الأخبار. كيف حالك يا كورم؟ مضت فترة طويلة. ذكرناك أنا وتيد في 
الليلة الماضية, لم نسمع أخبارك منذ مدّة. كنا نريد استضافتك خلال عطلة 
عيد الميلاد بعد أن عدت وحيدًاء فما رأيك؟» 

لم يكن بوسعه ارتداء ثيابه أو تركيب ساقه البديلة وهو يحمل الهاتف. 
أمَا هي فتحدّئت لمدّة نصف الساعة؛ سيل لا يتوفّف من المسائل العائلية, 
وأسئلة مباغتة عن أمور شخصية حميمة يفضل ألا يكشف عنها. وأخيرًاء 
أفرجت عنه بعد نوبة استجواب ختامية عن حياته العاطفية» وديونهء وساقه 
المقطوعة. 

وصل سترايك إلى المكتب متأخرًاء تعيّاه ومنفعلًا. كان يرتدي بزّة 
داكنة وربطة عنق. تساءلت روبن عمًا إذا كان سيلتقي المطلقة ذات الشعر 
البني على الغداء بعد الاجتماع باليزابيث تاسيل. 


«سمعتٌ الأخبار؟» 


56 روبرت غالبریث t.me/ktabpdf‏ 


«عن الفيضانات في كورنوال؟» سأل سترايك, وهو يشفّل الغلاية 
الكهربائية لان كوب الشاي الذي يفتتح به نهاره قد برد بينما كانت جوان 
تثرثر. 

«خطوبة ويليام وكايت»» قالت روبن. 

«من؟» 

«الأمير ويليام»: قالت روبن ضاحكة. «وكايت ميدلتون.» 

«أوه»» قال سترايك ببرودة: «هنيئًا لهما.» 

هو أيضًا كان في عداد المخطوبين قبل بضعة أشهر. والآن لا يعرف 
شيئًا عن العلاقة العاطفيّة الجديدة لخطيبته السابقة ولكنّه يأمل فقط بألا 
تنتهي (أقلّه ليس كما انتهت خطوبتهما؛ لن تغرز أظافرها في وجهه بعد أن 
تكون قد أفصحت عن خيانتها. على العكس» خطوبتها ستنتهي بحفل الزفاف 
والذي لم يكن بإمكانه توفيره لهاء ويكون أقرب إلى زفاف ويليام وكايت 


والوشيك كما يبدو.) 
أدركت روبن أنّه من غير الآمن أن تكسر صمته الكئيب إلا بعد احتسائه 
نصف كوب الشاي على الأقل. 


«إتصلت لوسي قبيل مجيئك لتذكرك بعشاء عيد مولدك مساء السبت», 
ولتسأل إن كنت تنوي اصطحاب أحد.» 

هبطت معنويات سترايك عدّة درجات. لقد غاب عن باله تمامًا 
العشاء في منزل أخته. 

«حستا»» قال بكآبة. 

«هل يصادف عيد مولدك يوم السبت؟» سألت روبن. 

«لا», أجاب سترايك. 

«متى إِذَا؟» 

تنهّد. فهو لا يريد كعكة؛ أو بطاقة: أو هداياء لكنّ تعابير وجهها أظهرت 
التب 

«يوم الثلاثاء.» 

«في الثالث والعشرين.» 


مكتبة دودة الحرير 57 


«أجل.» 

بعد وقفة وجيزة, خطر بباله أن يبادلها السؤال. 

«ومتى يصادف عيد مولدك؟» بيد أنَّ تردّدها أفقده عزيمته. 

«لا تقولي اليوم.» 

ضحكت وقالت» «لا لقد مضى. في التاسع من تشرين الأول/أكتوبر. لا 
عليك» كان يوم سبت»» أضافت إذ لاحظت الخيبة التي ارتسمت على وجهه. 
«لا تقلق, لم أجلس قبالة حاسوبي طوال النهار في انتظار باقة أزهار منك.» 

إيتسم بدوره وقد شعر بأنَّ عليه بذل المزيد من الجهد, لأنّه فّت عيد 
مولدها ولم يفكّر قط في معرفة تاريخه, ثمّ أضاف: 

«الجيّد أنّك وماثيو لم تحدّدا موعد زواجكما بعد. هكذا على الأقل لن 
يقع في موعد الزواج الملكيّ.» 

«أوه»» قالت روبن وقد احمرٌ وجههاء «لقد حدّدنا الموعد.» 

«حدّدتماه؟» 

«أجل» في الثامن من كانون الثاني /يناير. وأحتفظ ببطاقة دعوة لك 
هنا»» قالت وانحنت بسرعة فوق حقيبة يدها (لم تكن قد سألت ماثيو عن رأيه 
في دعوة سترايكء وإِنّما فات الأوان الآن), «هاك.» 

«الثامن من كانون الثاني/يناير؟» قال سترايك وهو يتناول منها 
المغلف الفضيء «ذلك يعني به لم يتبق سوى... سبعة أسابيع.» 

«نعم»» قالت روبن. 

ساد صمت وجيز وغريب. نسي سترايك لوهلة ما أراد أن يطلب منهاء 
ثم تذكر. وبينما كان يتحدّث إليهاء أحذ يضرب بالمغلف الفضي على راحة 
يده. مبديًا شيئًا من الجذّية. 

«كيف تسير أمور البحث في فنادق الهيلتون؟» 

«إنّصلت ببعضهاء لم يجدوا اسم كواين في سجلهم, ولم يتعرّف 
أحد إلى أوصافه. لكنء هناك الكثير من فنادق الهيلتونء لذاء سأتابع العمل 
تبعًا للقائمة. ماذا تعتزم أن تفعل بعد لقاء إليزابيث تاسيل؟» سألت روبن 
بلامبالاة. 


58 روبرت غالبريث t.me/ktabpdf‏ 


«أتظاهر بأتّني أريد شراء شقّة في مايفير. يبدو أنَّ زوج إحدى النساء 
يحاول كسب مبلغ مالي لتحويله إلى الخارج قبل أن يتمكن محامو زوجته من 
منعه.» 

«حستًا»» قال وهو يدس دعوة حفل الزواج غير المفتوحة في جيب 
معطفه. «يجدر بي الذهاب. ثمّة كاتب رديء يجب أن أعثر عليه.» 


أخذث الكتاب فاختفى العجوز. 
جون ليلي, «إنديميون أو الرجل في القمر» 


بما أنَّ مكتب إليزابيث تاسيل لم يكن يبعد سوى مسافة محطة واحدة عن 
شارع الدانمارك. فضّل سترايك البقاء واقفًا داخل المترو (كان يتفادى الجلوس 
خلال الرحلات الوجيزةء ولكن للحفاظ على توازنه؛ يُجبّر على تسخير ساقه 
الزائفة.) مستغرب أنَّ روبن لم تتفوه بأيّ تعليق حول ملف كواين. صحيح 
أنه لا يحق لها من موقعها كأجيرة بأن تقزر أو تعلّق؛ بالنهاية هو رب العمل. 
لكنّه شعر بأته مدين لها بذلك على الأقلء كونها قد رفضت وظائف برواتب 
أعلى وربطت مصيرها بمصيره, وأضعف الإيمان أن تتوقع منه علاوة, الآن وقد 
نجح في تسديد معظم ديونه. كانت استثنائية في عدم انتقادها أو حنّى في 
انتقادها الصامت, لا تحكم عليه ولا تتذمّر كما أنها الأنثى الوحيدة في حياته 
التي لم ترغب في تحسين طباعه أو تصحيح سيّئاته, وكأنّ ذلك دليل حب 
واهتمام. 

إِذَاء ستتزوّج بعد سبعة أسابيع. لم يتبق إلا سبعة أسابيع قبل أن 
تصبح السيّدة مائيو... فقط لو يتذكر اسم عائلة خطيبهاء هذا إن كان يعرفه 
في الأساس. 


60 روبرت غالبريث t.me/ktabpdf‏ 


في شارع غودج.؛ وهو ينتظر المصعدء شعر سترايك بدافع فجائي 
مجنون للاتصال بزبونته ذات الشعر البنّي التي تعتزم الطلاق - كانت قد 
عبّرت بوضوح عن تطلعاتها العاطفيّة حياله - على أمل أن ينام الليلة في 
شقتها في نايتسبريدجء وتحديدًا في سريرها الذي تخيّله ناعمًا وعابقًا بالعطر. 
لكنّه استبعد الفكرة على الفور» فهذه خطوة مجنونة» أسوأ من قبول قضية 
شخص مفقود لن يتقاضى فيها أيّ مال على الأرجح... 

ولماذا يهدر وقته على أوين كلاين؟ تساءل وهو يحني الرأس اتَقاءً 
للمطر الشديد. إِنّه الفضولء أجاب في نفسه بعد بضع لحظات من التفكيرء 
وربما شيء آخر يصعب إدراكه. وبينما كان متوجّهًا إلى شارع ستور وهو 
يحاول تبيّن دربه عبر غشاء المطر المنهمر مجاهدًا للحفاظ على ثباته» على 
الأرصفة الزلقة. مع تقدّمه بحذر وحرص, كان يفكر في مستقبله المهنيّ. إن 
استمرٌ في اختيار زبائن أثرياء فحسب فقد يفقد حماسه واندفاعه بالكامل. 
قضايا الجشع والرغبة بالثأر وكڵ توابعها ستنتهي بإسقامه لا محالة. لقد مضى 
وقت طويل منذ تولّيه قضية شخص مفقود, أمَا إعادة كواين الفارٌ إلى أسرته 
فستشعره بالرضى. 

كانت إليزابيث تاسيل قد أقامت مؤسّستها الأدبية في إحدى المناطق 
السكنية الجميلة بمحاذاة شارع غووير. ممرّ غير نافذ, آمن وهادىء, تزيّنه 
منازل صغيرة من القرميد الداكن. ضغط سترايك على جرس الباب المحاذي 
للوحة نحاسية مبهمة. وسرعان ما سمع وقع خطوات خفيف مكتوم» وظهر 
عند أسفل درج مفروش بالموكيت الأحمر شاب شاحب اللون يرتدي قميصًا 
مفتوح الياقة. 

«هل أنت المحقق الخاص؟»» سأل بمزيج من الخوف والحماسة. تبعه 
سترايك ومعطفه يقطر ماءً على السجّادة الجرداء التي تغطّي الدرجء نحو باب 
من خشب الماهوغاني» ثم إلى مكتب فسيح. ربما كان في ما مضى قاعة 
منفصلة أو غرفة جلوس. 

في الواقع» تحوّل التصميم الأنيق السابق إلى ديكور من الأغراض البالية, 
بسبب نقص في الصيانة. كانت النوافذ مغشّاة بيخار الماء المتكبّف والهواء 


مكتبة دودة الحرير 61 


يعبق ببقايا كريهة من مخلّفات دخان السجائر . وعلى امتداد الجدران, أكوام 
من الكتب المكدّسة على رفوف خشبيّة تتنافس مع مخطوطات ورسومات 
لكبار المؤلّفين مدسوسة في أطر تكاد تحجب ورق الجدران الرتّ. وعلى 
سجّادة بالية. منضدتا مكتب ضخمتان الواحدة قبالة الأخرىء لا يجلس إليهما 
أحد. 

«أيمكن أن آخذ معطفك؟» سأل الشاتء وإذا بفتاة نحيلة تطل برأسها 
من وراء إحدى المنضدتين وكأنَّ أحدهم ضبطها بالجرم المشهود. كانت 
تحمل إسفنجة متّسخة في إحدى يديها وتنظر ما حولها بقلق. 

«لا أستطيع أن أنظّف يا رالف!» همست مذعورة للشاب الذي يرافق 
سترايك. 

«اللعين!»» غمغم رالف منفعلًا. «لقد تقيّأ كلب إليزابيث الهَرِم تحت 
منضدة سالي»» أسرٌ بصوت خفيض وهو يأخذ معطف سترايك المبتل ويعلّقه 
على مشجب فيكتوريّ الطراز خلف الباب, «سأعلمها بأنّك هنا. ما عليك إِلَا 
مواصلة الفرك», نصح زميلته وهو يتّجه نحو باب ثان بالكاد شقّه ليندسٌ إلى 
الداخل. ْ 

«السيّد سترايك يا ليز.» 

علا نباح مفاجىء, تلاه على الفور سعال بشري مجلجل يشبه ذاك الذي 
قد يصدر عن رئتّي عامل مناجم. 

«أمسك به»., قال صوت خشن. 

فُتح باب مكتب الوكيلةء فظهر رالف الذي كان يمسك بثبات بطوق 
كلب هرم من نوع الدوبرمان لا يزال مشاكسًا على ما يبدو, وسيّدة طويلة 
قويّة البُنية في الستّين من العمر تقريبًاء ملامحها واضحة وصارمة بشكل لا 
لبس فيه. منحها الشعر القصير الأشيب المتناسق تمامًاء والطقم النسائي 
الأسود ذات القصّة البسيطة: والحمرة القرمزية على شفتيهاء شيئًا من الأناقة 
والثقة. كانت من السيّدات الناضجات اللواتي يضفي النجاح عليهنَ هالة من 
المهابة والوقارء قد تحلّ وبسهولة مكان الجمال والإغراء. 


62 روبرت غالبريث t.me/ktabpdf‏ 


«يجدر بك أن تخرجه يا رالف»» قالت الوكيلة, وعيناها الخضراوان 
الداكنتان تراقبان سترايك. كان المطر لا يزال ينهمر على النوافذ. «ولا تنس 
أكياس البرازء لديه إسهال طفيف اليوم.» 

«أدخل يا سترايك.» 

ظهرت أمارات الاشمئزاز على سحنة مساعدها وهو يجرٌ الكلب الكبير» 
والذي يشبه خطمه الرفيع الرسوم الهيروغليفيةء إلى خارج مكتبها. عندما 
تجاوز سترايك الكلب زمجر هذا الأخير بشدّة. 

«القهوة يا سالي», صاحت الوكيلة بالفتاة التي بدت مذعورة وهي 
تخفي الإسفنجة في يدها. وبعدما قفزت واختفت عبر باب خلف مكتبهاء 
أمل سترايك بأن تغسل يديها جيدًا قبل أن تعدّها. 

كان مكتب إليزابيث تاسيل الملؤث الأجواء نوعًا من مصفّر للغرفة 
الخارجية: تفوح منه رائحة السجائر القديمة وإفرازات الكلب الهرم الكريهة, 
وثمّة فراش من قماش التويد للكلب تحت منضدة مكتبها. كانت الجدران 
مزيّنة بصور فوتوغرافية قديمة وصور مطبوعة. تعرّف سترايك إلى واحدة من 
أكبرها: مؤلّف كتب أطفال مُصوّرة شهير متقدّم في السنّ يدعى بينكلمان, 
لكنّه لم يكن واثقًا إن كان لا يزال حيًا. بعدما أشارت بصمت مطبق إلى سترايك 
بالجلوس على المقعد المقابل لهاء ما اضط»رّه لإزالة كومة من نسخ قديمة من 
مجلة بُوك سيليرء تناولت الوكيلة سيجارة من علبة على مكتبهاء أشعلتها 
بولاعة من العقيق, أخذت نفسًا عميقًا ثم نفثت نفثة مصحوبة بسعال أزيزيٌ 
حادٌ. 

«إذّا»» قالت بصوت أجش بعدما هدأ السعال وعادت إلى كرسيّها 
الجلديّ خلف المكتبء «أخبرني كريستيان فيشر أنَّ أوين مارس ثانية لعبة 
الاختفاء التي يشتهر بها.» 

«هذا صحيح». قال سترايك. «اختفى في الليلة التي تشاجرتما فيها 
بشأن كتابه.» 


مكقرة دودة الحرير 63 


بدأت بالتحدّث, لكنّ الكلمات استحالت مزيدًا من السعال على الفور, 
وصدرت أصوات تمرّق رهيبة من أعماق صدرها. انتظر سترايك صامئًا حتى 


تمر نوبة السعال. 

«يبدو بالقًا»» قال أخيرًا عندما عاد الهدوء إليهاء ثم ذهل بشدَّة عندما 
رآها تعود إلى تدخين سيجارتها. 

«الإنفلونزا»» قالت بصوت أجشّء «لا أستطيع التخلّص منها. متى 
زارتك ليونورا؟» 

«أول أمس.» 


«هل تستطيع احتمال تكاليفك؟ أظنّ أنَّ أتعابك ليست بزهيدة, أنت 
من حل لغز قضيّة لاندري.» 

«لمّحت السيدة كواين إلى أنّك ربما تتولّين التكاليف.» 

إحمرّت وجنتاها المتغضّنتان» وضاقت عيناها الداكنتان المترقرقتان 
من السعال الشديد. 

«يمكنك أن تعود مباشرة إلى ليونورا» - بدأ صدرها يتماوج تحت 
سترتها السوداء الأنيقة وهي تكافح رغبة السعال - «وتعلمها بأنّني لن أدفع 
قرشًا لإعادة هذا اللعين. لم يعد من زبائني. أخبرها... أخبرها...» 

وغلبت عليها نوبة سعال حادّ أخرى. 

فتح الباب ودخلت المساعدة النحيلة, وهي تعاني من ثقل الصينية 
الخشبية التي تحملها وقد وضعت عليها فنجانين وإبريق قهوة. نهض سترايك 
ليأخذها منهاء وبالكاد كان هناك من متّسع لها على منضدة المكتب. حاولت 
الفتاة أن تفسح مجالًا لهاء ولكنها أوقعت كومة من الجرائد لشدّة توثّرها. 

«كم أنت عديمة الجدوى أيّتها ال...» قالت إليزابيث تاسيل وهي تنرٌ. 

وضع سترايك الصينية على منضدة المكتبء متجاهلًا الجرائد التي 
تبعثرت على السجّادة. وعاد إلى مقعده. كانت الوكيلة من النمط المستبدٌ 
المألوف. من تلك النساء المتقدّمات في السنّ اللواتي يتسلَطنَ على الغير» 
بالاستناد - عن وعي أو لاوعي - إلى مقامهنْ كرات أسرة وصاحبات قرارء 
فيوقظن عند البعض مخاوف رسّختها والدة جدّ صارمة منذ الطفولة. كان 


64 روبرت غالبریث t.me/ktabpdf‏ 


سترايك محصّئًا أمام مثل هذا الترهيب. فأمّه» بغضٌ النظر عن أخطائهاء 
يتذكرها كسيّدة شابّة مرحة وشغوفة. هذا من ناحية؛ ومن أخرى, كان يستشعر 
بعض الضعف والرقّة تحت ستار الماردة الفظّة تاسيل. فالتدخين المتواصل, 
والصور الفوتوغرافية الشاحبة, وسلّة الكلب الهَرِم يوحيان بأنها امرأة أكثر 
حنانًا وأقلّ ثقة بالنفس مما قد يظنّه خادماها الشابّان. 

عندما هدأ سعالها أخيرًاء قدّم لها فنجان القهوة الذي صبّه بنفسه. 

«شكوًا لك». غمغمت بصوت خشن. 

«لقد طردت كواين إِذَا؟» سأل سترايك: «هل أخبرته بذلك خلال عشاء 
تلك الليلة؟» 

«لا أذكره فقد احتدمت الأمور بسرعة. وقف كواين يصيح في وجهي 
وسط المطعم: ثم انتفض غيظًا ليغادر بعدها وتركني أسدّد الفاتورة. ستجد 
الكثير من شهود العيانء إذا كنت مهتمًاء فقد حرص أوين على إظهار غضبه 
أمام الجميع.» 

تناولت سيجارة أخرى؛ ثم خطر لها ولكن بشكل متأخّر أن تعرض واحدة 
على سترايك. وبعد أن أشعلت الاثنتينء قالت: 

«بم أخبرك كريستيان فيشر؟» 

«لم يخبرتي بالکثیر»» أجاب سترايك. 

«آمل لمصلحتكما أن يكون ذلك صحيًا». قالت بغضب. 

لم يجب سترايك» لكنه دحْن وارتشف قهوته بينما انتظرته إليزابيث 
على أمل استقاء المزيد من المعلومات. 

ثم سألت: «هل أتى على ذكر بومبيكس موري؟» 

أومأ سترايك برأسه إيجابًا. 

«ماذا قال عنها؟» 

«قال إِنّ كواين أدرج فيها الكثير من الشخصيات التي تمثّل أناسًا 
موجودين في الحقيقة» من دون تمويه كافء ما يعني أنّهِ يمكن التعرّف إليهم 
بسهولة...» 

ساد هدوء وجيز مشحون. 


مكتبة دودة الحرير 65 


«أرجو أن يقاضيه تشارد. تلك هي فكرته لإرغامه على السكوتء أليس 
كذلك؟» 

«هل حاولت الاتّصال بكواين بعد خروجه من... أين تناولتما العشاء؟» 
سأل سترايك. 

«ريفير كافيه. لا لم أحاول الاتصال به. لم يعد هناك ما يُقال.» 

«ولم يتصل بك؟» 

«لا.» 

«قالت ليونورا إِنّكَ أبلغت كواين بأنَّ كتابه أفضل ما أنتج, ثم غيّرت 
رأيك ورفضت تبنّيه.» 

«ماذا قالت؟ ذلك ليس ما... ليس ما قل..» 

إنتابتها أسوأ نوبة سعال حتى تلك اللحظة؛ وشعر سترايك بدافع قوي 
لانتزاع السيجارة من يدها بعدما اشتدّ سعالها وعجزت عن الكلام. أخيرًا 
تلاشت النوبة» شربت نصف فنجان من القهوة الساخنة دفعة واحدة, وبدا أن 
ذلك خقّف عنها قليلًا. فكرّرت بصوت قوي: 

«لم أقل ذلك. أفضل ما كتب؟ هل أخبرَ ليونورا أنّني قلت له ذلك؟» 

«نعم. وما الذي قله إِدا؟» 

«كنت مريضة»» قالت بصوت أجش متجاهلة السؤالء «أصبث 
بالإنفلونزاء وانقطعتٌ عن العمل لمدة أسبوع. إتصل أوين بالمكتب ليخبرني 
أنّه فرغ من الرواية» فأبلغه رالف بأنني طريحة الفراش في البيت. لذا أرسل 
وين المخطوطة عن طريق مرسال إلى بيتي مباشرةء واضطررت إلى النهوض 
من الفراش للتوقيع على استلامها. هكذا هو أوين دائمًا. كانت حرارتي تناهز 
ال40 درجة مئوية» وأكاد لا أقوى على الوقوف. لكنّ كتابه انتهى, إِذَاء بالنسبة 
إليه. علي أن أقرأه على الفور.» 

شربث مزيدًا من القهوة وقالت: 

«رميتٌ المخطوطة على طاولة المدخل وتوجّهت إلى الفراش على 
الفور. وبدأ أوين يتصل بيء كل ساعة تقريبًاء للوقوف على رأيي. والح علي 
طوال يوميّ الأربعاء والخميس...» 


66 روبرت غالبریٹ tme/ktabpdf‏ 


«خلال ثلاثين عامًا من العمل في مجالي هذاء لم أقم يومًا بما قمت 
به», قالت بصوت أجش, «كان يُفترض بي أن أسافر في نهاية الأسبوع وكنت 
أتطلّع إلى ذلك. لم أشأ أن ألغي رحلتي كما لم أرغب في أن يتصل بي أوين 
كل ثلاث دقائق وأنا مسافرة. لذا... أنا.. كي أتخلص منه... وكنت لا أزال في 
حالة يُرئى لها... تصفّحتها بسرعة.» 

أخذت نفسًا عميقًا من سيجارتهاء وانتابها السعال كالعادة, ثم تمالكت 
نفسها وقالت: 

«لم تبدُ أسوأ من كتابيه الأخيرين. بل كانت أفضل. مقدّمتها مثيرة 
للاهتمام؛ وبعض صورها أخَّاذة. إنها قصّة خيالية قوطية, نسخة شبيهة بكتاب 
رحلة السائح وإِنّما أكثر رعبًا وحزنًا. 

«هل تعرّفت إلى أحد معيّن في الأجزاء التي قرأتها؟» 

«بدت الشخصيات رمزية في الغالب»» قالت بنبرة فيها مسحة 
دفاعية, «بما في ذلك سيرة القدّيسين. وتضمّنت الرواية الكثير من الجنس 
الشادً.» 

توقفت قليلًا لتسعل مجدّدًا. «ظننته المزيج المعتاد... لكنني لم أكن 
أقرأ بتمعّن, وأنا أوّل من يعترف بذلك.» 

بدا واضحًا أنّها لم تعتد الاعتراف بأخطائها. 

«لقد تصفحث الربع الأخيرء الأجزاء التي كتبها عن مايكل ودانيال. 
وألقيت نظرة على النهاية التي كانت غريبة وسخيفة قليلًا... 

لو لم أكن مريضة بشدَّةء لو قرأتها بعنايةء لأبلغته على الفور أنه لن 
يستطيع النجاة بفعلته. دانيال رجل غ... غريب وسريع الغضب - أخذ 
صوتها يتقطع ثانية» لكنها كانت مصرّة على إنهاء جملتها فتابعت وصوتها 
يئزّء «ومايكل هو الأكثر قسوة.. الأكثر قسوة...» ثم انفجر السعال من جديد. 

«لماذا يحاول السيّد كواين نشر ما قد يودي إلى مقاضاته؟» سأل 
سترايك عندما توقّف السعال. 


مكقرة دودة الحرير 67 


«لأنّ أوين يظنّ نفسه أعلى من القوانين التي تحكم المجتمع». قالت 
بفظاظة. «يظنّ نفسه عبقريّاء إِنّه كالطفل المدلّل المريع. يفاخر بالإساءة 
للآخرين. ظنًا أنه دليل شجاعة وبطولة.» 

«ماذا فعلت بالكتاب بعدما تفخصته؟» 

«إتّضلت بأوين»» أجابت وأغمضت عينيها مؤْقّنًا فيما بدا أنّها غاضبة 
من نفسها. «... وقلت له: نعم جيّدة جدًا»» ثم طلبت من رالف أن يأتي 
ليأخذ الرواية اللعينة من منزلي ويصنع منها نسختين» واحدة يرسلها إلى 
جيري والدغريف» محرر أوين لدى روبر تشارد» والأخرى» وليسامحني اللهء 
إلى كريستيان فيشر.» 

«لماذا لم ترسلي المخطوطة إلى مكتبك عبر البريد الإلكتروني؟» سأل 
سترايك مستغربًا. «ألم تحفظيها على ذاكرة فلاش أو ما شابه؟» 

أطفأت سيجارتها في منفضة زجاجية مليئة بأعقاب السجائر. 

«يصرٌ أوين على الاستمرار في استعمال الآلة الكاتبة الكهربائية 
القديمة التي طبع عليها خطيئة هوبارت. ولا أعرف إن كان يفعل ذلك عن 
تفئّن أو غباء. وإِنّما يمكنني القول إِنّه يرفض وسائل التكنولوجيا الحديثة. 
أظنّه لم يعرف يومًا كيف يستعمل الحاسوب المحمول. برأبي» هي فقط طريقة 
أخرى من ابتكاره لمضايقة الجميع.» 

«ولماذا أرسلت نسخة إلى ناشرّين مختلفين؟» سأل سترايك؛ مع أنه 
يعرف مسبقًا الإجابة. 

«لأنّ جيري والدغريف ربما يكون صالحًا كما وألطف شخص في مجال 
النشر» أجابت وهي ترتشف القهوةء «لكنّ صبره قد عيل من أوين ومن نوبات 
غضبه مؤحُرًا. ولآنّ آخر كتبه والصادر عن تشارد لم يحقّق مبيعات تُذكر, فقد 
رأيت أنه من المنطقي أن يكون لدينا مصدر آخر نلجاً إليه.» 

«متى أدركت بأنّ مضمون الكتاب قد يثير فضيحة؟» 

«في مساء الليلة المذكورة. إتصل رالف بي» وكان قد أرسل النسختين 
وتصفح النسخة الأصليةء وسألني: «ليز» هل قرأت الكتاب فعلًا؟» 


68 روبرت غالبریث t.me/ktabpdf‏ 


كان بوسع سترايك تخيّل الخوف الذي ألم بالمساعد الشاب الباهت 
اللون مع تلفي الاتصال» والشجاعة التي استمدّهاء والمداولات المضنية التي 
خاضها مع زميلته قبل أن يتوضّل إلى قراره بإخبار سيّدة المنزل. 

ثم غمغمت قائلة, «كان على الاعتراف بأنني لم أقرأ... أو لم أقرأ قراءة 
شاملة. تلا رالف علي بعض المقتطفات المختارة التي أغفلتها...» 

التقطت ولاعة العقيق وأشعلتها بدون انتباه قبل أن تنظر إلى سترايك. 

«إرتعبثٌ وانّصلت بكريستيان فيشرء لكنّ المكالمة توجّهت إلى البريد 
الصوتي مباشرة. لذا تركت رسالة أخبره فيها بأنّ المخطوطة التي أرسلتها إليه 
مسودة أولى, وأوصيته بعدم قراءتهاء واعترفت بأنني ارتكبت خطأ ورجوته أن 
يعيدها في أسرع وقت ممكن. بعدها إِنُصلت بجيريء لكنء لم أستطع بلوغه 
أيضًا. كان قد أخبرني بأنّه سيسافر مع زوجته للاحتفال بعيد زواجهما في 
نهاية الأسبوع, فتمئيت ألا يتسنّى له الوقت لقراءتهاء وتركت رسالة مماثلة 
لتلك التي تركتها لفيشر. ثمّ اتصلتُ بأوين.» 

أشعلت سيجارة أخرى. فتوسّع منخراها الكبيران عندما بدأت 
تدخينهاء وازدادت الخطوط المحيطة بفمها عممقًا. 

«بالكاد فهمت الكلمات التي تفوّه بهاء وما كان يهم لو فهمت. قاطعني 
مثلما كان هو وحده ليجيد ذلك؛ مسرورًا بنفسه. قال إِنّه يجب أن نلتقي 
لتناول العشاء والاحتفال بإنجاز الكتاب. 

هكذاء إرتديت ملابسي بصعوبة وذهبت إلى «ريفير كافيه» وانتظرت. 
ثم جاء أوين. 

حتّى أنه لم يصل متأخرًا كما جرت العادة. كان منتشيًا ويكاد يطير من 
شدّة الفرح. وكان يظنّ في الواقع أنّه قام بإنجاز شجاع ورائع. وبدأ يتحدّث 
عن تحويله إلى فيلم سينمائي قبل أن أتمكن حتى من التفوّه بكلمة.» 

عندما نفثت الدخان من فمها القرمزيّء التمعت عيناها السوداوان 
وبدت شبيهة بالتنين. 

«عندما أخبرته بأتّني أجد نتاجه دنيئًا وخبيئًاء ولا یمکن نشره» قفز 
مطيحًا بكرسيّه وبدأ يصيح. وبعد أن أهانني شخصيًا ومهنيّاء أبلغني بأنّه ما لم 


مكتبة دودة الحرير 69 


أكن أتحلى بالشجاعة الكافية لتمثيله. فسينشر الكتاب بنفسه.. ويصدره على 
شكل كتاب إلكتروني. ثم خرج غاضبًا تاركا لي الفاتورة. لم يك.. يكن.» قالت 
مزمجرة؛ «تصرَفًا غير مألوف... ف...» 

أطلق انفعالها نوبة سعال أسوأ من ذي قبل. ظنّ سترايك أنها تختنق 
فهمّ بالنهوض عن كرسيّه, لكنّها أثنته بإشارة من يدها. وأخيرًاء قالت بحشرجة 
ووجهها مزرقٌ وعيناها جاحظتان: 

«فعلت كل ما في وسعي لتصويب الأمور. أفسدت عطلة نهاية 
الأسبوع على الشاطىءء إذ قضيتها وأنا أحاول الاتصال بفيشر ووالدغريف عبر 
الهاتف. أخذت أبعث برسالة تلو أخرى» وأنا أجوب جروف الغويثيان» ذهابًا 
وإيابًا محاولةٌ تلقّي إرسال أقوى..» 

«هل تتحدّرين من هناك؟» سأل سترايك متفاجئًا بعض الشيء. لأنّه لم 
يسمع في لكنتها أي صدى لطفولته في كورنوال. 

«إِنّه المكان الذي تعيش فيه إحدى كاتباتي. أخبرتها بأنني لم أغادر 
لندن منذ أربع سنوات فدعتني لقضاء عطلة نهاية الأسبوع في ضيافتها. 
أرادت أن تريني الأماكن الجميلة التي تعدّ فيها كتبها. كانت من أجمل 
المناظر التي شاهدتها في حياتيء لكنء كل ما كنت أفكر فيه. كان كتاب 
بومبيكس موري اللعين وكيف لي أن أمنع الجميع من قراءته. جافاني النوم, 
وانتابني شعور رهيب... أخيرًا رد علي جيري ظهر يوم الأحد. لم يكن قد 
ذهب للاحتفاء بعيد زواجه في النهاية» وزعم بأنّه لم يتسلّم أي رسالةء وقد 
قرأ بالفعل الكتاب اللعين.» 

«كان مشمئرًا وغاضبًا. طمأنته بأنني سأبذل ما في وسعي لمنع 
نشره... لكتني اضطررت للاعتراف بأنني أرسلته إلى كريستيان» عندئذ أقفل 
الخطّ في وجهي .» 

«هل أخبرته بأنّ كواين هدّد بنشر الكتاب على الإنترنت؟» 

«لا لم أفعل»» قالت بصوت أجشٌّء «رجوت أن يكون ذلك تهديدًا أجوف, 
لأنّ أوين لا يعرف شيئًا عن الحواسيب. لكنني كنت قلقة في الحقيقة...» 

وما لبث أن اختفى صوتها. 


70 روبرت غالبریٹ t.me/ktabpdf‏ 


« كنت قلقة...», حنّها سترايك على الكلام. 

لكنْها لم ُجب. 

«هذه المحاولة لنشر كتابه بنفسه توضح شيئًا», قال سترايك عَرَضًا. 

«تقول ليونورا إِنَّ كواين أخذ نسخته من المخطوطة ومعها كل مدوّناته 
عندما اختفى في تلك الليلة. وقد تساءلت إن كان يعتزم إحراقها أو رميها في 
أحد الأنهار, لكنّه أخذها على الأرجح لتحويلها إلى كتاب إلكترونيّ.» 

لم تساعد هذه المعلومات في تحسين مزاج إليزابيث تاسيل» فقد 
أردفت وهي تتمتم متذمّرة: 

«ثمّة صديقة حميمة. إلتقاها في صف للكتابة كان يشرف عليه. في 
الواقع» هي تنشر كتبها بنفسها. أعرف ذلك لأنَّ أوين حاول أن يثير اهتمامي 
برواياتها اللعينة. روايات جنسية خيالية كريهة.» 

«هل اتصلت بها؟» سأل سترايك. 

«في الواقع أجل» حاولت الاتصال بها. أردت أن أرهبها وأنذرها بأته 
إذا ما حاول أوين استمالتها لمساعدته في إعادة تنسيق الكتاب أو بيعه على 
الإنترنت» فربما تعرّض نفسها للمقاضاة.» 


«وماذا قالت؟» 
«لم أتمكن من الوصول إليها. حاولتٌ عدة مرّات. ربما لم تعد تستعمل 
ذلك الرقم» لا أعرف.» 


«أيمكن أن آخذ رقمها وعنوانها؟» سأل سترايك. 

«بطاقتها موجودة لدى رالفء بالفعلء طلبتٌ منه الاستمرار في 
الاتصال بها. رالف!» صاحت بمساعدها. 

«ما زال في الخارج مع بو»» قالت الفتاة الخائفة من وراء الباب. فرفعت 
إليزابيث تاسيل ناظريها إلى الأعلى متأففة ونهضت متثاقلة على قدميها. 

«لن يجدي نفعًا أن أطلب منها العثور عليها.» 

عندما أغلق الباب خلف الوكيلة, نهض سترايك على الفور وتحرّك إلى 
خلف المكتب لتفخص صورة فوتوغرافية لفتت نظره على الجدار, ما استلزم 
إزالة صورة تظهر كلبّي دوبرمان. 


مكتبة دودة الحرير 71 


أمَا الصورة التي أثارت اهتمامه فكانت بقياس ال أ 4» ملوّنة وإِنّما 
باهتة, الّقطت قبل عشرين سنة على الأقلء نظرًا إلى أزياء الأشخاص الذين 
ظهروا فيهاء وتحديدًا عند مدخل هذا المبنى. 

كان من السهل تمييز إليزابيث؛ وهي المرأة الوحيدة في المجموعة, 
ضخمة البُنية وشعرها الأسود يتطاير في الهواء. ترتدي ثوبًا من الطراز 
الإمبراطوريّ, باللون الزهري الزاهي والزمرّدي. يضيف من عدم أناقتها. يقف 
بجانبها شابٌ نحيل فاتح الشعر شديد الوسامة» وفي الجانب الآخر رجل 
شاحب البشرة دميم الشكل يكاد رأسه يفوق جسده حجمًا. بدا مألوقًا بعض 
الشيء. بالفعلء ظنّ سترايك أنه ربما شاهده في إحدى المجلّات أو على شاشة 
التلفزيون. 

وإلى جانب الرجل المذكورء وقف أوين كلاين, وكان شابًاء كما تبيّن 
سترايك. كان الأطول بين الأربعة» يرتدي برّة بيضاء متغضّنة, وشعره قصير 
من الأمام وطويل من الخلف. لم يستطع سترايك أن يقاوم تشبيهه بالمغنّي 
ديفيد بووي. 

فُتح الباب على مصراعيه. فلم يحاول سترايك أن يخفي ما يفعله. بل 
التفت إلى الوكيلة التي كانت تحمل إحدى الأوراق. 

«إنّه فليتشر:» قالت وعيناها على صورة الكلبين في يده, «توقي السنة 
الماضية.» 

أعاد سترايك صورة الكلبين إلى موقعها فوق المكتبة. 

اما هي فتابعت «أوه. كنت تنظر إلى الصورة الأخرى.» 

إقتربت من الصورة الباهتة» فلامس كتفها كتف سترايك والذي لاحظ 
نَّ طولها نحو 180 سنتيمترًا. كان يفوح منها مزيج عطر من جون بلاير سباشلز 
وأر واربیج. 

«تمّ التقاط هذه الصورة يوم افتتاح مؤسّستي . وهؤلاء هم أول زبائني.» 

«من يكون؟» سأل سترايك عن الشاب الأشقر الوسيم. 

«جوزيف نورث. كان الأكثر موهبة بينهم على الإطلاق. توفي في سنّ 


شابّة للاأسف.» 


n 


72 روبرت غالبريث t.me/ktabpdf‏ 


«ومن..؟» 

«مايكل فانكورت, بالطبع»» قالت وقد بدت عليها الدهشة. 

«بدا لي مألوفًا. هل ما زلت تمئّلينه؟» 

«لا! إعتقدت...» 

سمع ما تبقّى من الجملة, حتى ولو لم تتلفّظ به: إعتقدث أنَّ الجميع 
يعرفون بالأمر. ربما تعرف كل لندن الشغوفة بالأدب لماذا لم يعد فانكورت 
الشهير من زبائنهاء لكتني شخصيًا لا أعرف. 

«ولماذا أوقفت تعاملك معه؟» طرح السؤال وهو يعود إلى كرسيّه. 

مرّرت الورقة التي تحملها بيدها إليه عبر المكتب. كانت نسخة 
مصوّرة عمًا بدا بطاقة عمل بالية ومتّسخة. 

«وجب علي الاختيار بين مايكل وأوينء قبل سنين. ولأنني حمقاء 
- بدأت تسعل يشدّة من جديد وتقطّع صوتها واستحال أجشٌ - إخترت 
أوين. هذا كلّ ما لديّ من معطيات عن كاثرين كينت»», قالت بحزم مغلقة 
أي نقاش إضافيّ بشأن فانكورت. 

«شكرًا لك»» قال وهو يطوي الورقة ويدسّها في محفظته. «منذ متى 
يتواعدان هي وكواين» هل تعرفين؟» 

«منذ مدّة. يُحضرها إلى الحفلات بينما تمكث ليونورا في البيت مع 
أورلندو. منتهى الوقاحة.» 

«أليس لديك أيّ فكرة عن مكان اختبائه؟ قالت ليونورا إِنْك عثرت 
عليه؛ في المرّة الماضية التي...» 

«أنا لم أعثر على أوين»., قالت بحدّة, «هو مَن اتَصل بي بعد أسبوع أو 
نحوه من أحد الفنادق ليطلب دفعة على الحساب - وهو ما أسماه بالمنحة 
المالية - لتسديد فاتورة مشروباته الإضافيّة.» 

«وقد سدّدتها؟» سأل سترايك بذهول. فهذه المرأة أبعد ما يكون عن 
شخص ساذج. فشر تجهّمها كاعتراف ضمني بضعفهاء لكنّ ردّها فاجأه أكثر 
فأكثر. 

«هل التقيتٌ أورلندو؟» 


مكتبة دودة الحرير 73 


«لا.» 
فتحت فمها لتتابع لكنّها لم تستحسن الفكرة كما يبدوء فاكتفت 
بالقول: 
«نعرف بعضنا البعض منذ مدّة طويلة. كنا صديقين مقرّبين... ذات 
يوم», أضافت معربةٌ عن مرارة عميقة. 
«ما هي الفنادق التي نزل فيها سابقًا؟» 
«لا أذكرها كلّها . كنزنغتون هيلتون ذات مرّة. ودانوبيوس في سانت 
جونز وود. e‏ تضم كل وسائل الراحة غير المتوفرة في البيت. 
أوين ليس من النوع البوهيميّ .. إلا في ما يتعلّق بأصول وقواعد النظافة.» 
«أنت تعرفين كواين ا برأيك» هل هناك أي احتمال في أن يقدم 
على...؟» 
أكملت الجملة عنه باستهزاء خافت. 
«... على أمر سخيف؟ بالطبع لا. إِنّه لا ينوي البنّة أن يحرم العالم من 
عبقرية ا لا بل هو في مكان ما يخطط ليثأر منّا جميعًاء مستنكرًا 
عدم إطلاق حملة وطنية للبحث عنه.» 
«وهل يتوقّع إطلاق عملية بحث منظمة مع أنّه اعتاد الاختفاء؟» 
«أجل. فكلّما أقدم على الفرار, توفّع أن يتصدّر خبر اختفائه الصفحات 
الأولى في الجرائد. والمشكلة أنّه نجح عندما فعل ذلك في المرّة الأولى» قبل 
عدّة سنوات؛ بعد مشادّة حادّة مع محرّره الأؤّل. حينهاء أبدت الصحافة بعض 
القلق وتناولت بعض زوايا الموضوع. أمَا هو فيحيا على هذا الأمل منذ ذلك 
الحين.» 
«تصرٌ زوجته على أنّه سينزعج إذا اتَصلَتْ بالشرطة.» 
«لا أعرف من أين أتت بتلك الفكرة»» قالت إليزابيث وهي تلتقط 
سيجارة أخرى» «يعتقد أوين أنَّ المروحيّات والكلاب البوليسيّة هي أقل ما 
يمكن أن يقدّمه الوطن لرجل بأهمّيته.» 
«شكرًا لك على وقتك»» قال سترايك وهو يستعدٌ للنهوضء «لفتة كريمة 
منك أن تستقبليني.» 


74 روبرت غالبریٹث t.me/ktabpdf‏ 


مدّت إليزابيث تاسيل يدها وقالت: 

«لاء أبدًا. أريد أن أطرح عليك سؤالا.» 

إنتظر سترايك عن طيبة خاطر. بدا واضحًا أنّها غير معتادة طلب 
الخدمات. دخّنت بضع ثوان بصمت, ما ولّد نوبة أخرى من السعال المكبوت. 

«إنّ... إنَّ مسألة ل موري ألحقت بي ضررًا كبيرًا». قالت 
بصوت أجش في النهايةء «لقد ألغيت الدعوة الموجّهة لي لحضور حفل 
ذكرى تأسيس روبر تشارد يوم الجمعة المقبل. وأعادت الدار المذكورة 
إليّ مخطوطتين بدون أيّ كلمة شكر. أنا قلقة بشأن آخر أعمال بنكلمان 
المسكين.» قالت ذلك وأشارت إلى صورة كاتب الأطفال المسنّ على الجدار. 
«ثمّة إشاعة بغيضة يتم تداولها عن تواطئي مع أوينء وحنّي له على إعادة 
إحياء فضيحة قديمة تتعلّق بمايكل فانكورت, وإثارة الجدل ومحاولة إشعال 
حرب مزايدات حول الكتاب.» 

«إن كنت ستقابل معارف أوين»» قالت مفصحةٌ أخيرًا عن مرادهاء 
«فسأكون شاكرة جدًا إن أبلغتهم - وبخاصة جيري والدغريفء في حال 
رأيته - أنّني كنت أجهل تمامًا ما تحتوي عليه الرواية. وفي الواقع» ما كنت 
لأرسلهاء ليس إلى كريستيان فيشر على الأقل, لو لم أكن مريضة للغاية. لقد 
كنتٌ...»» قالت متردّدة: «مُهملة في هذا الشأنء لكن ليس أكثر.» 

إِذَاء هذا سبب إصرارها الشديد على مقابلتي. حسئاء لم يبدُ طلبها غير 
معقول في مقابل عنوائي فندقين وعشيقة. 

«سأذكر ذلك بالتأكيد إذا ما سنحت الفرصة»», قال سترايك وهو ينهض. 

«شكرًا لك», قالت بصوت خشن» «دعني أرافقك إلى الخارج.» 

عند خروجهما من المكتب» استقبلهما وابلٌ من النباح. كان رالف 
وكلب الدوبرمان الْهَرِم قد عادا من نزهتهما. وكان شعر رالف المبتل ممسّدًا 
إلى الوراء وهو يجهد لكبح الكلب الأغبر, الذي كان يزمجر بشدّة على سترايك. 

«لطالما نفر من الغرباء»» قالت إليزابيث تاسيل من دون اكتراث. 

«عضٌ أوين ذات مرّة», قال رالف مُطاوعاء كما لو أنه أراد طمأنة 
سترايك بأنّه ليس المستهدف الوحيد. 


مككنة دودة الحرير 78 


«أجل»» أجابت إليزابيث تاسيل» «من المؤسف أنَّه...» 

بيد أنَّ نوبة أخرى من السعال المجلجل غلبت عليها مجددًا. إنتظر 
الثلاثة الآخرون بصمت إلى أن تهدأً. «من المؤسف أنّه لم يقض عليه». قالت 
أخيرًا بصوت أجشّء «لوفر علينا الكثير من العناء.» 

بدت الصدمة واضحة على وجهّي مُساعديها. أخيرًاء صافحها سترايك 
ملقيًا تحيّة وداع على الآخرين. وسرعان ما أقفل الباب على نباح الكلب 
الغاضب. 


t.me/ktabpdfF 


هل السيّد «نّزق» هنا يا سيّدتي؟ 
ويليام كونغريف, «قطار العالم» 


توفّف سترايك قليلًا في المحلّة السكنيّة الصغيرة غير النافذة والمبلّلة بالمطر 
ليتّصل بروبن» فوجد خطها مشغولًا. نكأ على جدار رطب وياقة معطفه مرفوعة 
إلى أعلىء وأخذ ينقر على زرّ «إعادة الاتّصال» كل بضع ثوان, وإذا بنظره يقع 
على لوحة زرقاء مثبتة على مبنى مقابل؛ تشير إلى أنّ السيّدة المرموقة 
أوتولين موريل» كانت قد أقامت صالونًا أدبيًا في ذلك الموقع آنقًا. لا شك في 
أنّ روايات محبوكة وفضائحيّة كثيرة قد أثارت الجدل بين هذه الجدران... 

«مرحيًا روبن»» قال سترايك عندما ردّت أخيرًا. «سوف أتأخّر بعض 
الشيء. هلا اتصلت بغانفري لإعلامه بأنّه لديّ موعد مؤكد مع الشخص 
المعنيّ غدًا. ومن فضلك أبلغي كارولين إنغلز أنه لم يتم تسجيل أي نشاط 
جديد, لكتني سأتّصل بها غدًا لأطلعها على المستجدّات.» 

بعدما فرغ من تعديل جدول مواعيده. أعطاها اسم فندق دانوبيوس 
في سانت جونز وود وطلب منها التحقّق ما إذا كان أوين كواين من نزلائه. 

«كيف يسير البحث في فنادق الهيلتون؟» 

«على غير ما يرام»» قالت روبن. «بقي لدي اثنان» ولم يفض بحثي إلى 
شيء حتى الآن. إن كان موجودًا في أي منهاء فهو على الأرجح يستعمل اسما 


مكنية دودة الحرير 7 


مختلفًا أو هو متنكر - أو أنّْ الموظفين غافلون. من الصعب ألا يلاحظوه لا 
سيّما إذا كان يرتدي تلك العباءة.» 

«هل حاولت الاتّصال بالفندق في كنزنغتون؟» 

«نعم» ولم أحصل على جواب.» 

«حسئاء لدي مفتاح آخر: صديقة له تنشر كتبها بنفسها تدعى كاثرين 
كينت. ربما أزورها لاحقًا. لن أتمكن من الردّ على الهاتف بعد ظهر اليوم, 
فأنا أتعمّب الآنسة بروكلهيرست. إبعثي لي برسالة نصيّة إذا احتجت إلى أيّ 
شيء.» 

«إتُفقناء حظا سعيدًا.» 

ولكن تبيّن بأته بعد ظهر ممل وعديم الجدوى» قضاه سترايك وهو 
يراقب مُعاونة إداريّة تتقاضى راتبًا ممتازًا يشك رئيسها وعشيقها المرتاب 
في آَنٍ بأنها لا تقدّم «خدمات» جنسية لأحد منافسيه فحسب.ء وإنما تمرّر 
له أسرار العمل أيضًا. لكنء في الواقع؛ تبيّن أنَّ الآنسة بروكلهيرست لم تكن 
تكذب عندما طلبت إجازة بعد الظهر لزيارة صالون التجميل وإزالة الشعر 
الزائد. وتقليم أظافرهاء وتسمير بشرتها بهدف إرضاء رئيسها وعشيقها. فقد 
انتظر سترايك وراقب واجهة المنتجع عبر نافذة مقهى نيرو المبرقشة بالمطرء 
لمدّة أربع ساعات تقرييًاء ما أثار حنق العديد من النساء ممّن يدفعن عربات 
أطفال ويبحثن عن مساحة شاغرة. أخيراء خرجت الآنسة بروكلهيرست, بسمرة 
ساحرة ملساء وناعمة من عنقها إلى ما دونه كما يُفترض. بعد ترصّدها مسافة 
قصيرة» شاهدها سترايك وهي تستقل سيارة أجرة» فتمكن وبشبه أعجوبة, 
نظرًا إلى شدّة المطرء من تأمين سيّارة أجرة أخرى قبل أن تبتعد الأخرى عن 
ناظريه. لكنّ المطاردة الهادئة عبر الشوارع المزدحمة والمبلّلة قد انتهت, 
مثلما توقع بحسب انّجاه سيرهاء عند شقّة رئيسها المشكك. عندئذ» وضضب 
سترايك كاميرته الجيبية والتي استعملها لالتقاط صور عديدة لتلك التي كان 
يتعقّبهاء وسدّد حسابه. وقرّر بأنَّ عمله أنجز بالنسبة لليوم. 

أوشكت الشمس على الغروب ولم تكد الساعة تبلغ الرابعة حتى, 
وأصبح المطر المتواصل أكثر برودة. قبالة مطعم إيطاليّ زيّنت واجهته الأضواء 


78 روبرت غالبریٹ tıme/ktabpdf‏ 


المتلألئة الملوّنة, إنزلق فكره إلى كورنوال» هي المرّة الثالثة على التوالي التي 
تغزو ذهنه تلك المشاهد الدافئة وكأنّها تدعوه وتتوسّل إليه ليعود إلى دياره. 

منذ كم من الوقت لم يطأ أرض تلك البلدة الساحلية الجميلة الصغيرة 
والتي أمضى فيها أكثر فترات طفولته هدوءًا؟ أربع سنوات؟ خمس؟ لقد 
اعتاد ملاقاة خالته وزوجها كلّما كانا «يصعدان إلى لندن»؛ وكانت أخته لوسي 
تستضيفهما في منزلهاء وذلك لكي يتمكنا من الاستمتاع بمزايا العاصمة. في 
المرّة الأخيرة إصطحب سترايك زوج خالته إلى مدرّج الإمارات لمشاهدة 


مباراة ضدّ فريق مانشستر سيتي. 
فجأة إهترٌ هاتفه في جيبه: بعثت روبن برسالة له بدلا من الاتصالء 
متّبعة تعليماته حرفيًا كعادتها. 


«السيد غانفري يطلب موعدًا آخر في مكتبه غدًّا عند العاشرة, لديّ 
المزيد من الأخبار. روبن.» 


«شكرًا لك»» أجابها سترايك برسالة نصية. 

لم يكن يضيف «قبلات» إلى الرسائل النضية البتةء ما خلا الموجّهة 
إلى أخته أو خالته. 

في نفق المترو العائد به إلى المكتب» فكر سترايك في ملف كواين. 
إختفاء هذا الأخير كان يق مضجعه أكثر من المطلوب. ذلك الكاتب خبير 
في فنَ التخفّي وشديد المراوغة وهذا ما يزعجه ويثير فضوله في آن. ها 
هو يخرج الورقة التي أعطته إِيّاها إليزابيث تاسيل من محفظته. تحت اسم 
كاثرين كينت دون عنوان برج سكنيّ في فولهام ورقم هاتف محمول كما 
وطّبعت على امتداد الحاشية السفلى كلمتان: مؤلّفة مستقلة. 

كان سترايك يعرف بعض الأماكن في لندن معرفة تامّة ومفصّلة شأنه 
شأن سائق سيّارة أجرة. مع أنّه لم يرتد المناطق الراقية إِلّا نادرًا خلال طفولته» 
فقد أقام في العديد من العناوين الأخرى حول العاصمة مع والدته الراحلة, 
تلك «البدويّة» بامتياز: المباني المهجورة أو المساكن الشعبيّة بشكل عام 
وفي بعض الأحيان, مساكن أرقى, هذا إذا كان صديقها الآنيّ يتحمّل تكاليفها. 


مكتبة دودة الحرير 79 


عنوان كاثرين كينت, في كليم أتلي كورت, لم يكن غريبًا عنه. هناك» نجد 
مساكن شعبيّة قديمة, وقد تمّ بيع الكثير منها إلى القطاع الخاض. أبراج 
باهتة بشعة طوابقها مزوّدة بممرّات خارجيّة ضيّقة, ومكدّسة كعلب الأحذية, 
على بُعد بضع مئات الأمتار. من منازل فولهام الباهظة الفخمة. 

لن يكون أحد بانتظاره في البيت» أضف أنَّ معدته مليئة بالقهوة 
والمعجّنات بعد قضاء كل فترة ما بعد الظهر في مقهى نيرو. لذاء بدلا من 
التوجّه إلى الخطّ الشمالي؛ ركب الخط المؤدّي إلى غرب كنزنغتون وشرع 
يمشي على امتداد طريق نورث أند رود؛ مارًّا بالقرب من المطاعم الهنديّة 
وعدد لا يحصى من الدكاكين الصغيرة ذات النوافذ المغلقة بألواح من الخشب» 
دكاكين أجبرت على الإقفال بسبب الإفلاس. لقد عصفت الأزمة الاقتصاديّة 
الشهيرة بالمنطقة لا محالة. عند بلوغه المجموعة السكنيّة المنشودة, كانت 
الشمس قد غربت. 

ستافورد كريبس هاوس هي المجموعة الأقرب إلى الطريق» تقع مباشرة 
خلف مركز طبّي حديث معتدل العلة. كان المهندس المعماري المتفائلء 
أو المتهور على الأرجح؛ معجبًا بالفكر الاشتراكيّ الطوباوي, إذ خص كل من 
الشقق بشرفته الصغيرة الخاصّة. ترى هل تخيّل مَن بناهاء سكانًا سعداء 
يخرجون إلى الشرفات وينحنون على الدرابزون لإلقاء التحية على جيرانهم؟ 
عمليًاء استخدم السكّان كل هذه المساحة الخارجية للتخزين: مراتب 
قديمة» عربات أطفال؛ أجهزة كهربائية للمطبخ. وأكوام من الملابس القديمة 
والمتروكة عرضة للعوامل الجؤية, وكأنّها خزائن مليئة بسقط المتاع وقد تم 
شفَّها عمدًا ليتفرّج العامّة على كنوزها! 

كانت مجموعة من الشبّان الذين يرتدون كنزات ببُرنس ويدخّنون, 
واقفة بمحاذاة مستوعبات النفايات المخصّصة لإعادة التدوير. عند مرور 
سترايك. ها هم يرمقونه بنظرات فضولية إذ ذهلوا أمام بنيته الضخمة. 

سمع سترايك أحدهم يقول «وغد ضخم» وهو يبتعد عن ناظریهم» 
متجاهلًا المصعد - المعطل على الأرجح - ومتّجهًا إلى السلالم الإسمنتيّة. 


80 روبرت غالبریٹث t.me/ktabpdf‏ 


كانت شقّة كاثرين كينت تقع في الطابق الثالث ويمكن الوصول إليها 
عبر شرفة من الطوب مكشوفة للرياح وتمتدّ على عرض المبنى. قبل أن ينقر 
نقرة خفيفة على الباب, لاحظ سترايك أنَّ كاثرين» خلاقًا لجيرانهاء قد علقت 
ستائر حقيقية على النوافذ. 

لم يجب أحد. لو كان أوين كواين في الداخل, فهو لا يريد الكشف عن 
نفسه: ما من أنوار مضاءة, أو أي حركة. لكنّ إحدى الجارات والسيجارة في 
فمهاء أخرجت رأسها من الباب المجاور بسرعة شبه كوميدية» وألقت على 
سترايك نظرة فاحصة موجزة, ثم انسحبت. 

هبّت الريح الباردة صافرةً على طول الشرفة. كانت حبيبات المطر 
تلمع على معطفه لكنّ مظهر شعر رأسه المكشوف لم يتغيّرء فقد كان قصير) 
وأجعد لدرجة تعجز المياه عن اختراقه. دس سترايك يديه في جيبيه فوجد 
الدعوة إلى حفل الزفاف التي سلمته روبن إيّاها. كان مصباح الضوء الذي 
يفترض به إنارة مدخل شفة كاثرين كينت» محطَمًاء لذاء تقدّم سترايك مسافة 
شقتين لإيجاد بصيص ضوءء ثمّ فتح المغلف الفضّي. 


يتشرّف السيّد والسيّدة مايكل إيلاكوت 
بدعوتكم إلى مشاركتهما فرحة زواج ابنتهما 
روبن فينيشيا 
من 

السيّد ماثيو جون كانليف 
وذلك في كنيسة السيّدة العذراء. ماشام 
يوم السبت 8 كانون الثاني/يناير 2011 

في الساعة الثانية بعد الظهر 
يلي الزفاف حفل كوكتيل 
في منتزه سوينتون 


كانت الدعوة تنضح بحسٌ العسكريّة الصارم: سوف يجري حفل الزفاف 


مكتبة دودة الحرير 81 


البثّة إلى حدّ إصدار دعوات على بطاقات قشديّة صقيلة تزيّنها كتابة بحروف 
سوداء لامعة متصلة. 

أعاد سترايك البطاقة إلى جيبه وعاد لينتظر أمام باب كاثرين الداكن, 
وهو يتأمّل في نفسه. ويحدّق في شارع ليلي رود الذي تعبره السيّارات 
المضاءة مسرعةً, وتنزلق انعكاسات مصابيحها على امتداده باللونين الأحمر 
والأصفر. عند مدخل المبنى» كانت مجموعة الشبّان بالبرانس» شديدة 
الانهماك. تتفرق تارةٌ لتعود وتتجمّع تارهٌ أخرى, من ثم ينضمّ إليها المزيد من 
الفتيان وهكذا دواليك... 

عند السادسة والنصف, إنطلق كل أعضاء الشلّة في آن. راقبهم سترايك 
إلى أن غابوا عن ناظريه تقريبًاء أي عندما تجاوزوا امرأة قادمة في الاتجاه 
المعاكس. وبينما كانت هذه الأخيرة تتقدّم تحت أنوار الشارع» شاهد كتلة 
كثيفة من الشعر الأحمر اللامع المتشعّث تحت مظلّة سوداء. 

كانت مشيتها شبه مائلة وهي تحمل بيدها الحرّة.» كيسين ثقيلين, 
لكنَّ الانطباع الذي أوحت به من بعيد وهي ترجع شعرها الأجعد إلى الوراء لم 
يفتقر إلى شيء من السحر. كان شعرها المتطاير مع الريح ملفنًا للنظر وساقاها 
الظاهرتان من تحت المعطف المتهدّل» شبه نحيلتين. كانت تدنو أكثر فأكثر» 
غير متنبّهة للعين الثاقبة والتي كانت تراقبها من علو ثلاثة طوابق» عبر السطح 
الإسمنتيّ. من ثم حال عبورها موقف السيّارات» غابت عن أنظار سترايك. 

بعد مرور خمس دقائق» ظهرت على الشرفة التي يقف فيها سترايك 
منتظرًا. عندما اقتربت, كشفت أزرار المعطف المشدودة حتى أقصى حل 
عن جذع مكتنز. لم تلاحظ المرأة وجود سترايك, إلى أن أصبحت على يُعد 
عشرة أمتار وذلك لأنّها كانت حانية الرأس» لكنء حالما رفعت رأسهاء برز وجه 
متورّم لامرأة أكثر تقدّمًا في السنّ مما كان يتوقّع. ما هي فتوفت فجأة, 
وشهقت. 

«أنت!» 

أدرك سترايك أنّها لم تشاهد منه سوى صورة ظلية مبِهَمّة. 

«أنت أيها الحقير اللعين!» 


82 روبرت غالبریٹث t.me/ktabpdf‏ 


فجأة. أوقعت الكيسين على الأرضيّة الإسمنتية بوقع ارتطام يشبه 
تكسّر الزجاج؛ وانقضّت عليه؛ وهي تهذده بقبضتيها المشدودتين. 

«أيها الحقيرء أيها الحقير لن أسامحك أبدًاء إبتعد عني!» 

اضطرٌ سترايك لتفادي عدّة لكمات عنيفة» وتراجع إلى الخلف عندما 
صرخت بأعلى صوتها ووجّهت إليه ضربات واهية؛ محاولةٌ التغلب على 
دفاعات الملاكم السابق. 

«إنتظر ... بيبا ستقتلك أيها اللعين... سترى...» 

فتحت الجارة بابها ثانية والسيجارة عينها ما زالت في فمها. 

قالتء «ماذا الآن..!» 

تدفق الضوء من المدخل على سترايك كاشفًا عن هويته؛ فتراجعت 
ذات الشعر الأحمر إلى الوراء مصدرة صونًا يتراوح ما بين الشهقة والصرخة. 

«ماذا يجري هنا؟» سألت الجارة. 

«أظتها تخلط بيني وبين شخص آخر»» قال سترايك بلطف. 

صفّقت الجارة بابهاء مغرقة المحمّق والمرأة التي هاجمته في الظلام 
من جديد. 

«من أنت؟» قالت الصهباء هامسة؛ «ماذا تريد؟» 

«هل أنت كاثرين كينت؟» 

«ماذا تريد؟» 

ثم انتابها ذعر مفاجئ وقالت: «إذا كنت مصيبة بشأن سبب مجيئك, 
فأنا لا أمارس ذلك العمل!» 

«المعذرة؟» 

«من أنتٌ إِذا؟» سألت بفظاظة. وقد بدا عليها الخوف أكثر فأكثر. 

«أدعى كورموران سترايك وأنا محقّق خاصّ.» 

كان معتادًا ردّ فعل الأشخاص الذين يجدونه على غفلة عند باب 
بيتهم. وجاء صمت كاثرين المُطبق» كما توفّع تمامًا. إبتعدت عنه وانحنت 
فوق كيسيها القابعين على الأرض. 


مكتبة دودة الحرير 83 
«ترى من الذي سلّط علي محقّقًا خاضًا؟ إِنّها هي, أليس كذلك؟» قالت 


«تمّ استخدامي لأعثر على الكاتب أوين كواين»» قال سترايكء «إنه 
مفقود منذ أسبوعين تقريباء وأنا أعرف أنّك صديقته...» 

«لاء لست صديقته». قالت وانحنت لحمل كيسيها ثانية, فأصدرا 
صوت خشخشة شديدةء «يمكنك أن تنقل ذلك لها عن لساني. فلتهناً به.» 

«ألم تعودي صديقته؟ ألا تعرفين أين هو؟» 

«لاأهتم البتة بمكانه.» 

كانت قطة متبخترة تتمشّى على امتداد حافّة الشرفة الحجريّة. 

«أيمكن أن أسأل متى رأيته لآخر...» 

«لاء لا يمكنك». قالت بحركة غاضبة: فتأرجح أحد الكيسين بشدّة, 
مهدّدًا توازن القطة. تشنّج سترايك؛ معتقدًا أنّها أصابت القطّة فأسقطتها عن 
الحافة. لكنَّ هذه الأخيرة تفادت الكيس في اللحظة الأخيرة وقفزت إلى الأرض 
وهي تطلق مواءًٌ عدائيًاء فوجّهت كاثرين رفسة سريعة حقودة نحوها. 

«قطة لعينة!» قالت, فهربت القطّة بعيدًا. «تنحّ جانيًاء أرجوك. أريد 
أن أدخل بيتي.» 

تراجع سترايك بضع خطوات عن الباب مفسحًا لها المجال. لكنّها لم 
تستطع العثور على المفتاح. بعد بضع ثوانٍ عصيبة من البحث في جيوبهاء 
عادت مضطرّة لتلقي الكيسين على الأرض. 

«السيّد كواين مفقود مذ تشاجر مع وكيلته بشأن كتابه الأخير»» قال 
سترايك؛ بينما كانت كاثرين تتحسّس معطفهاء ويداها ترتجفان. 

«سيّدة كينت...» 

«آنسة»» قاطعته. 

«آنسة كينتء تقول زوجة السيّد كواين إِنَّ امرأة جاءت إلى بيته تببحث 
عنه. وحسب أوصافها...» 

عثرت كاثرين كينت على المفتاح لكنّها عادت فأوقعته. إنحنى 
سترايك لالتقاطه» فانتزعته من يده. 


84 روبرت غالبريث مه ا/ع ص 


«لا أعرف عمًا تتحدّث.» 
«ألم تقصدي بيته في الأسبوع الماضي؟» 
«أبلغتك بأنّني لڍ أعرف أين هو لا أعرف أي شيء». صاحت وهي 


تُدخل المفتاح في القفل. 

من ثم التقطت الكيسين» فخشخش أحدهما مجدّدًا. لاحظ سترايك أنّه 
من متجر خردوات محلّي. 

«يبدو ثقيلا.» 


«تعطّل صنبور الحمّام»: قالت بحدّة. 
وصفقت بابها في وجهه. 


10 


فيردون: جئنا لنقاتل. 
كليرمون: وستقاتلون أيّها السادة, ستقاتلون 
ما يكفي» 
لكن لجولة قصيرة أو اثنتين... 
فرنسيس بومونت وفيليب ماسينجر, 
«المحامي الفرنسي الصغير » 


خرجت روبن من المترو في الصباح التالي» وهي تحمل مظلّة لا حاجة لها 
وتشعر بالتعرّق والانزعاج. فبعد أيام من انهمار المطر الذي جعل قطارات 
الأنفاق تفوح برائحة الملابس المبلّلة وبقّع نوافذها وحوّل أرصفتها إلى حلبات 
تزلّج» سحرها تبدّل الطقس إلى جاف ومشمس على حين غرّة.. ربما أدخلت 
هذه الاستراحة من المطر الغزير والغيوم المكفهرّة البهجة في نفوس الآخرينء 
ولكنها لم تكن تلك الحال عند روبن. فقد وقع شجار كبير بينها وبين ماثيو. 

تنفّست الصعداء إلى حدّ ماء عندما فتحت الباب الزجاجي الذي فر 
عليه اسم سترايك ومهنته, لتجد رئيسها يتحدّث عبر الهاتف في مكتبه؛ وبابه 
مغلقًا. إنتابها شعور غامض بِأنّ عليها التماسك قبل مواجهته. لأنَّ سترايك كان 
تحديدًا موضوع المشادّة التي وقعت ليلة أمس. 

«دعوته إلى حفل الزفاف؟» قال ماثيو بحدّة. 


56 روبرت غالبريث t.me/ktabpdf‏ 


خشيَتٌ روبن من احتمال ذكر سترايك بطاقة الدعوة, خلال اجتماعهم 
الثلاثيّ الوشيك. وكونها لم تخبر ماثيو أولًا بأنّها تنوي دعوته, فريّما سيضطر 
سترايك إلى مواجهة حنق ماثيو. 
«منذ متى أصبحنا ندعو الآخرين من دون أن يعلم أحدنا الآخر 
مسبقًا؟» سأل ماثيو. 
«كنت أعتزم إعلامك. وظننتني فعلت.» 
بعد تفوّهها بهذه الكلمات شعرت روبن بالاستياءء فهي لم تكذب على 
ماثيو قطّ. 
«إنّه رئيسي, ويتوقع أن يُدعى!» 
وهذا أيضًا ليس صحيحًاء فهي تشك في أن يهتمّ سترايك بالأمر على 
حال. 
«أريد أن يكون حاضرًا»» قالت روبن معيّرة بصدق عمّا يجول في فكرها. 
كانت تريد التوفيق بين حياتها المهنيّة وحياتها الشخصية للشعور بمزيد من 
الرضى, الأمر الذي يبدو صعبًا حاليًا. أرادت حضور سترايك إلى حفل الزفاف 
وذلك ليبارك (يبارك؟! ولكن لماذا؟!) زواجها من ماثيو. 
كانت تعرف أنَّ ماثيو لن يسرٌ بذلكء وإنّما في الانتظارء أمَلت بأن 
يلتقي الاثنان ويعجب أحدهما بالآخر. على أيّ حالء لم تكن هي المسؤولة 
عن عدم حدوث اللقاء حتى الآن. 
«بعد کل الجدل الحاد الذي قام عندما أردث أن أدعو ساره شادلوك»»ء 
بدأ مائيو.. فشعرت روبن بأنّها ضربة دنيئة موجّهة بكل خبث. 
«أدعها إِذَا!» قالت غاضبة. «لكنّ الأمرين مختلفان تمامًا - لم يحاول 
كورموران قط أن يدعوني إلى سريره - ثم ما الذي يُفترض أن يعنيه قولك 
هذا؟» 


ا 


(n 


كانت المشادّة في أوجها عندما اتصل والد ماثيو وأخبره بأ تشخيص 
مصدر التوعّك الذي أصيبت به والدته خلال الأسبوع, هو سكتة طفيفة. 


مكتبة دودة الحرير 57 


بعد تلك المكالمة شعرت هي ومائيو بأنّه من غير اللائق التشاجر بشأن 
سترايك» لذا توجّه كلاهما إلى الفراش وإِنّما غير راضيين عن تلك التسوية 
النظريةء وكانت روبن تعي أنَّ كليهما ما زال حانقًا. 

كان النهار في منتصفه, عندما خرج سترايك من مكتبه أخيرًا. لم 
يكن يرتدي برّته اليوم, وإِنّما كنزة قديمة متّسخة, وسروالًا من الجينزء وحذاءً 
رياضيًا. بدا وجهه غليظً لكثافة الشعيرات القاسية والتي لا تلبث أن تتراكم 
ما لم يحلق ذقنه كل أربع وعشرين ساعة. نسيت روبن مشاكلها وحدّقت 
فيه» فهي لم تر سترايك في مثل هذه الحالة البائسة حتى عندما كان ينام في 
المكتب. 

«كنت أجري مكالمات من أجل ملف إنغلز وأجمع بعض الأرقام من 
أجل لونغمان»» قال سترايك لروبن» وناولها الملفين الكرتونيين الأسمرين 
وقديمي الطراز. كان كل منهما يحمل رقمًا متسلسلًا مكتوبًا باليد على الجهة 
الخلفيّة. وهي من نوع الملفات التي اعتاد استعمالها عندما كان في قسم 
التحقيقات الخاصّة وقد ظلّت تلك الطريقة المفضّلة لديه لترتيب المعلومات. 

«هل هذا المظهر متعمّد؟» سألت وهي تحدّق في ما بدا كأنّه آثار 
شحم على ركبتيٌ الجينز. 

«نعم» لأجل غانفري. إنها قضَة طويلة.» 

وبينما كان سترايك يُعدَ الشاي لكليهماء بحثا تفاصيل ثلاث قضايا 
عالقةء وأطلع سترايك روبن على المعلومات التي حصل عليها والنقاط الإضافية 
التي تستوجب التحقيق. 

«وماذا عن أوين كواين؟» سألت روبن وهي تتناول فنجان الشاي من 
يد سترايك, «ماذا قالت وكيلته؟» 

جلس سترايك على الأريكة» والتي أصدرت صوتها المعتاد تحتهء 
وأطلعها على تفاصيل مقابلته مع إليزابيث تاسيل وزيارته لكاثرين كينت. 

«عندما رأتني» أقسم بأنّها ظنّتني كواين.» 

ضحكت روبن. 

«لستّ سميئًا لهذه الدرجة.» 


88 روبرت غالبریٹث tme/ktabpdf‏ 


«شکرًا یا روبن»» قال بجفاء. «عندما أدركت خطأهاء وقبل أن تعرف 
مَن أناء قالت لا أمارس ذلك العمل. برأيك, ماذا قصدت؟» 

«لا أعرف»» وأضافت بلا اكتراث: «لكنني تمكنت من جمع بعض 
المعلومات عن كاثرين كينت أمس.» 

«كيف؟» سأل سترايك مندهسًا. 

«قلت لي إنها كاتبة تنشر أعمالها بنفسها. لذاء قزرت أن أبحث على 
الإنترنت لأرى ما الذي يمكن أن أعثر عليه» - وبنقرتين سريعتين» عرضت 
الصفحة - «... وتبيّن أَنَّ لديها مدوّنة.» 

«جيّد!» قال سترايك ونهض مسرورًا عن الأريكة ودار خلف المكتب 
ليقرأ من فوق كتف روبن. 

كانت صفحة الإنترنت غير المتقنة تحمل تسمية «حياتي الأدبية», 
تظهر فيها صورة لكاثرين أجمل من الواقع» مزيّنة بريشة كتابة محترفة» وقد 
قدّر سترايك أَنّْها التقطت منذ عشر سنوات. كانت المدوّنة تتضمّن أيضًا 
سلسلة من المشاركات والتعليقات بترتيب تاريخيّ وكأنّها يوميّات. 

«بإيجازء هي تؤكد أنّ الناشرين التقليديين قد ضلّوا لدرجة لم يعودوا 
ليميّزوا الكتاب الجيّد ولو كان واضكا بوضوح الشمس»» قالت روبن وهي 
تتدرج ببطء إلى أسفل الصفحة حتی یتمگن سترايك من رؤیتها. «لقد کتبت 
ثلاث روايات تسمّيها بالملحمة الجنسيّة الخياليّة: «ملحمة ميلينا.» ويمكن 
للجميع تحميلها من موقع كيندل.» 

«لا أريد أن أقرأ مزيدًا من الكتب الرديئة» إكتفيت بالإخوة بلزاك», قال 
سترايك. «هل تذكر أي شيء عن كواين؟» 

«تذكر الكثير »» قالت روبن» «إذا افترضنا بأنّه الشخص الذي تسميه 
بالكاتب الشهير.» 

«أشك في أنّها تغازل كاين في آن»» قال سترايكء «لذاء لا بد أن يكون 
هو المقصود. لكنَّ صفة شهير مبالغ بها بعض الشيء. هل سمعتٍ عن كواين 
قبل أن تأتي ليونورا إلى هنا؟» 


مكتبة دودة الحرير 89 


«لا»» اعترفت روبن» «ها هو أنظر في قائمة الثاني من تشرين الثاني / 
نوفمبر.» 


محادثة مشوَقة طويلة هذا المساء مع الكاتب الشهيرعن مفاهيم الحبكة 
والسرد. يجدر عدم الخلط بينهما بالطبع. وللمعلومات: الحبكة ترتبط 
بسير الأحداث, أمَا السرد فبكيفيّة أو منهجيّة التقديم: كيف يتم عرض 
الرواية على القرّاء. 

مثال مأخوذ عن روايتي الثانيةء «تضحية ميلينا»: 

«عندما اقتربا من غابة هاردريلء رفع ليندور وجهه الوسيم» ليتبيّن كم 
بقي من المسافة للاجتياز. جسده الرشيق والذي صقله ركوب الخيل 
ومهارات الرماية بالقوس... 


«عودي إلى أعلى الصفحة»» قال سترايك. «فلنر إن كان هناك المزيد 
عن کواین.» 
فعلت روبن وتوقفت عند ملاحظة منشورة في 21 تشرين الأول/أكتوبر. 


ذا لقد اتصل الكاتب الشهير ولن يستطيع أن يراني (مرّة أخرى). مشاكل 
عائلية. ما عساي أن أفعل سوى القول إِذَني أتفهّم ذلك؟ علمثُ بأنّ الأمر 
سيكون معقّدًا عندما وقعنا في الحبّ. لا يمكنني أن أكون صريحة أكثر 
بهذا الشأن, لكن أكتفي بالقول إِنّه عالق مع زوجة لا يحبّهاء وذلك بسبب 
طرف ثالث. الذنب ليس ذنبه ولا ذنب الطرف الثالث. بل ترفض الزوجة 
إطلاق سراحه حتى ولو كان ذلك أفضل للجميع, لذاء كلانا عالق في ما 
يبدو أحيانًا كالمطهّر. 

تعرف الزوجة بأمري ولكنّها تتظاهر بالعكس. لا أعرف كيف تطيق العيش 
مع رجل يتمنّى أن يكون مع أخرى. آنا من جهتيء لا أستطيع. يقول 
الكاتب إنها تضع الطرف الثالث دائمًا قبل أيّ أمر أو شخص آخر, بمن 
فيهم هو. إنه لأمر غريب كيف يخفي دور الطرف «الراعي» أنانية شديدة 
في الغالب. 


90 روبرت غالبریث t.me/ktabpdf‏ 


يقول بعض الأشخاص إِنّ الذنب يقع عليّ, لأنني أحببت رجلا متزوجًا. 
أنتم لا تفيدونني يا أصدقائي, كما ولا تفيدني أختي أو أمي في معظم 
الوقت. والليلة, أنا أبكيه ثانيةٌ لسبب جديد؛ لقد أخبرني بأنّه يكاد يفرغ 
من رائعته, الكتاب الذي يصفه هو كأفضل ما كتب. «أرجو أن يعجبك. 
أنت موجودة فيه.» 

ماذا تقول عندما يكتب كاتب شهير عنك في ما يصفه كأفضل كتبه؟ أفهم 
ما منحني وبطريقة لا يستطيع سوى الكاتب أن يفهمها. ذلك يُشعرني 
بالفخر والتواضع في آن. نعم ثمّة أشخاص تُدخلهم نحن معشر الكتّاب 
إلى قلوبناء لكن. على صفحات كتبنا؟! ذلك أمرٌ مميّز.. ومختلف للغاية. 
لا يسعني إلا أن أحبٍّ الكاتب الكبير . فللقلب أسبابه. 


تلى ذلك تبادل سريع لبعض التعليقات. 


«ماذا تقولين لو أخبرتك بأنّه قرأ لي القليل منه؟» - بيبا 2011 
«إِنّك تمزحين يا بيب فقد رفض أن يقرأ لي أيّ شيء!!!» - كاث 
«تحلّي بالصبر .» بیبا 2011 ××× 


«أمز مثير للاهتمام»» قال سترايك. «مثير جدًا للاهتمام. عندما 
هاجمتني كينت ليلة أمسء أككدت لي أنَّ المدعوّة بيبا تريد قتلي.» 

«أنظر إلى هذه إِذَا!» قالت روبن بحماسة. وهي تتدرّج نزولًا إلى 9 
تشرين الثاني /نوفمبر. 


عندما قابلتُ الكاتب الشهير للمرّة الأولى, قال لي «لن تكتبي كما يجب 
ما لم ينزف أحدهم, وربما تكونين أنت.» وكما يعرف متتبّعو هذه 
المدؤنة فإنني فتحت عروقي مجازيًا هنا وفي رواياتي أيضًا. لكنني اليوم 
أشعر بأنني تلقيت طعنة قاتلة من شخص تعلّمت أن أثق به. 

أواه يا ماكبث! لقد سلبتني طمأنينتي - أن أراك معذّبًا سيبعث البهجة 
في نفسي. 


مكتبة دودة الحرير 51 


«أين ورد هذا الاقتباس؟» سأل سترايك. 

تراقصت أصابع روبن الرشيقة على لوحة المفاتيح. 

«أوبرا الشحًاذء لجون غاي.» 

«معرفة واسعة لامرأة تخلط بين أنت ولك وتستخدم الحروف العريضة 
اعتباطيًا.» 

«لا يمكن أن نكون جميعًا عباقرة في الأدب». قالت روبن بنبرة لائمة. 

«أحمد الله بعدما سمعت عنهما كل ذلك.» 

«لكن, انظر إلى التعليق ما تحت الاقتباس»» قالت روبن وهي تعود إلى 
مدوّنة كاثرين. نقرت على الرابط فظهرت جملة واحدة. 


سأوقع به أشدّ العذاب من أجلك يا كاث. 


هذا التعليق أوردته بيبا 2011 أيضًا. 

«تبدو بيبا مشاكسة» أليس كذلك؟» علق سترايك. «هل هناك أي 
معلومة هنا عمَا تعمله كينت لتكسب قوتها؟ أفترض أن رواياتها الخياليّة 
الجنسية لا تؤمّن لها كلفة مصاريفها.» 

«ذلك غريب بعض الشيء أيضًا. انظر إلى هذا المقطع.» 

في 28 تشربن الأول/أكتوبرء كتبت كاثرين: 


لديّ عمل أؤْدّيه في النهار, كما هي حال معظم الكتّاب. لا أستطيع قول 
الكثير عنه لأسباب أمنية. هذا الأسبوع تمّ تشديد الإجراءات الأمنية 

في مؤسّستنا ثانيةٌ, وذلك أتاح لزميلتي الفضولية (وهي متديّنة, تعظني 
باستمرار في ما يخصٌ حياتي الشخصية) عذرًا لتقترح على الإدارة مراجعة 
المدوّنات, في حال الكشف عن معلومات حسّاسة. من حسن الحظ أنَّ 


المنطق تفوّق ولم يُتخذ أيّ إجراء. 
«أمر غامض»» قال سترايك. «تشديد الأمن... سجن للنساء؟ أو 
«وألق نظرة على هذه في 13 تشرين الثاني /نوفمبر.» 


52 روبرت غالبريث t.me/ktabpdf‏ 


تدرّجت روبن نزولا إلى أحدث ملاحظة منشورة في المدونةء وهي 
المدخل الوحيد بعد ذلك الذي زعمت فيه كاثرين بأنها تعّضت لطعنة قاتلة. 


خسرث أختي الحبيبة معركتها الطويلة مع سرطان الثدي قبل ثلاثة أيام. 
أشكر لكم جميعًا تمنياتكم الطيّبة ومواساتكم. 


أضيف تعليقان تحت هذه الملاحظة, ففتحتهما روبن. كتبت بيبا 


22011 
آسفة لسماع ذلك يا كاث. أرسل لك كل المحبّة في العالم »تمد. 
وردّت كاثرين: 
شكرًا لك يا بيباء أنت صديقة حقيقية ××× 


كان شكر كاثرين المسبق لرسائل الدعم الكثيرة باررًا في أعلى 
المراسلات القصيرة. 

«لماذا؟» سأل سترايك متثاقلا. 

«عم تسأل؟» قالت روبن ورفعت رأسها نحوه. 

«لماذا يفعل الناس ذلك؟» 

«أتقصد يدؤنون؟ لا أدري... مَن قال: الحياة التي لا تخضع للفحص 
غير جديرة بأن تُعاش؟» 

«أفلاطون». أجاب سترايك: «لكنّ ذلك ليس فحصًا بل هو عرض 
للحياة.» 

«يا إلهي!» قالت روبن ساكبةً الشاي على ملابسها. «نسيت أن أخبرك» 
ثمَة شيء آخر! إِنُصل كريستيان فيشر عندما كنت أهمّ بالخروج من المكتب 
ليلة أمس. يريد أن يعرف إذا كنت مهتمًا بتأليف كتاب.» 


«ماذا؟» 


مكتبة دودة الحرير 53 


«كتاب»» قالت روبن وهي تقاوم رغبتها الشديدة في الضحك أمام 
تعبير الاشمئزاز الذي ارتسم على وجهه «عن حياتك. تجاربك في الجيش وحل 
قضية لولا لاندري...» 

«إِتّصلي به وأبلغيه بأنّني غير مهتم البنّة بتأليف كتاب.» 

أفرغ ما في فنجانه وانّجه نحو علاقة الملابس حيث سترته الجلدية 
القديمة تحاذي معطفه الأسود. 

«لا تنش الليلة»» قالت روبن وهي تشعر بانقباض في معدتها من 
جديد. 

«الليلة؟» 

«موعدنا مكًا». قالت يائسة, «أنا وماثيو في کنغز آرمز.» 

«لاء لم أنسّ»». قال وهو يتساءل لماذا بدت متوثّرة وبائسة» «سأغيب 
طوال بعد الظهر على الأرجح, لذاء أراك هناك. في الثامنة, أليس كذلك؟» 

«السادسة والنصف»» قالت روبن وازداد توثّرها أكثر من ذي قبل. 

«السادسة والنصف إذًا. سأكون هناك... يا فينيشيا.» 

« كيف عرفت...؟» 

«لقد ورد الاسم في الدعوة»» قال سترايك» «إسم غريب. من أين 
يأتي؟» 

«يبدوأنّني.. حستاء امي حملت بي هناك»» قالت روبن محمرّة الوجه. 
«في فينيشيا. وأنتَء ما اسمك الأوسط؟» سألت شبه متكدّرة أمام ضحك 
سترايك الشديد» «ك. ب. سترايك - إلامَ ترمز الباء؟» 

«عليّ أن أذهب»» قال سترايك» «أراك في الثامنة.» 

«السادسة والنصف!» صاحت مع انغلاق الباب. 


كان سترايك ينوي عصر ذلك اليوم زيارة محل صغير للتجهيزات 
الإلكترونيّة في كراوتش أند. كواليس المحل المذكور كانت مسرحًا لأنشطة 
مشبوهة بحيث تُكدّس فيها المعدّات المسروقة والهواتف والحواسيب. متى 
تم فتح ذاكرات الأجهزةء يصار إلى استخراج المعلومات الشخصيّة منها, ثم 


94 روبرت غالبریث t.me/ktabpdf‏ 


يعاد بيعها بعد إعادة برمجتها. أمَا في ما يتعلّق بالملقات المعلوماتية وغيرها 
من المعطيات المفيدةء فعديدون كانوا الشراة من هواة الصنف. 

كان مالك هذه «الشركة» الصغيرة المزدهرة ليضايق السيّد غانفريء 
زبون سترايك. والذي لا يقل احتيالًا ومكراء وإنّما على نطاق أوسع وفي مجال 
أكثر فخامةً لكنَّ غانفري ارتكب خطًا فادحًا إذ هاجم مَن هو شر منه. بات 
وضعه مزريًا إلى حدّ أنّ سترايك نصحه بالتنحي جانبًا لبعض الوقت. كان 
المحقّق يعي تمامًا ما يستطيعه ذلك الخصم العنيفء بما أنَّ لديهما صديقًا 
مشتركا. 

إستقبل الرجل سترايك في مكتب علوي كريه الرائحة تمامًا كمكتب 
إليزابيث تاسيلء فيما كان شابّان يرتديان ملابس رياضيّة متمدّدين في 
الخلفية وهما يقضمان أظافرهما. أصغى سترايك؛ الذي كان يلعب دور أحد 
قطَاع الطرق الباحث عن عمل - وقد أوصى به صديقهما المشترك - بينما 
أسرٌ له الرجل الذي ينوي استخدامه. بأنّه يعتزم استهداف ابن السيّد غانفريء 
وهو ما زال مراهقًاء مقدّمًا معلومات مخيفة عن تحركاته. عرض على سترايك 
تولّي المهمّة: خمسمئة جنيه لإلحاق الأذى بالفتى المراهق. («لا أريد قتلهء 
بل توجيه رسالة إلى والده فحسبء فهمت؟») 

شارفت الساعة على السادسة قبل أن يتمكن سترايك من مغادرة 
المكان. كان أوّل ما فعله» بعدما تحقّق من أنَّ أحدًا لا يتعقّبه الاتصال بالسيّد 
غانفري نفسه. أمَا صمت هذا الأخير المذعور فأنبأ سترايك بأنّه وعى أخيرًا 
ماذا ينتظره. 

بعدهاء إتصل سترايك بروبن. 

«آسف لأنني سأتأخّر.» 

«أين أنت؟» سألت وقد بدا عليها التوثّر. كان يستطيع سماع أصوات 
الأحاديث والضحك في الحانة خلفها. 

« كراوتش أند.» 

«يا إلهي», سمعها تقول بصوت خافتء «ستستغرق وقنًا طويلا...؟» 

«سأستقل سيارة أجرة»: قال مطّمئئًا. «سأحضر بأسرع ما يمكن.» 


مكتبة دودة الحرير 55 


تساءل سترايك عندما جلس في سيّارة الأجرة الهادرة على امتداد أبير 
ستريت لماذا اختار ماثيو حانة في واترلو؟ هل حرصًا على إطالة المسافة عليه؟ 
أو للانتقام من سترايك لأنّه هو مَن اختار الحانات في المحاولات السابقة؟ 
أمل سترايك بأن تكون كنغز آرمز من الحانات التي تقدّم الطعام. فقد شعر 
فجأة بجوع شديد. 

إستغرق الوصول إلى المكان أربعين دقيقة. كان الوقت ليكون أقصر لو 
أن الشارع الضيّق حيث تتواجد الحانةء والمزيّن عند جانبيه بأكواخ العمّال 
العائدة إلى القرن التاسع عشرء لم بكن مكتظًا بحركة السير الكثيفة. بعدما 
ضاق ذرعًاء آثر سترايك الخروج من السيارة وتابع طريقه مشيًا متسائلًا إن كان 
هذا العائق الأخير - التسلسل غير المنطقي لترقيم الشارع - قد أثّر في خيار 
مالو 

تبيّن أنَّ كنغز آرمز حانة جميلة فيكتورية الطرازء تقع عند ملتقى 
شارعين» يحيط بمداخلها مزيج من الموظفين الشباب المهندمين كما وبعض 
الطلاب وإِنّما بملابس عمليّة أكثر. وجميعهم يدخنون ويشربون. عند دنوه 
أفسح الحشد الصغير مجالًا أوسع مما يلزم. مع تجاوزه عتبة الحانة الصغيرة 
تساءل سترايك: يحدوه بعض الأملء إن ثمّة فرصة في أن يُطلب إليه المغادرة 
بحجّة ثيابه الرنّة. 

في غضون ذلك وفي القاعة الخلفية التي كانت بمثابة باحة ذات 
سقف زجاجيّء مليئة بالتحف, كان ماثيو ينظر إلى ساعته. 

«إنها السابعة والربع تقريبًا»؛ قال لروبن. 

كان أنيقًا ببرّته وربطة العنق» وأوسم رجل في القاعة - كالعادة - وقد 
اعتادت روبن أن تشاهد عيون النساء تلاحقه عندما يسير أمامهنّء بدون 
التمكن تمامًا من تحديد مدى إدراكه لنظراتهنّ السريعة المتّقدة. كان جالسًا 
على مقعد طويل أجبرا على تشاركه مع مجموعة من الطلاب الصاخبين, 
متميّرًا بطوله البالغ مئة وخمسة وثمانين سنتيمترّاء واأنقرة الظريفة في ذقنه, 
وعينين زرقاوين برّاقتين, فبدا وكأنّه جواد أصيل في حظيرة تضمٌ جيادًا صغيرة 
من المرتفعات الإنكليزيّة. 


96 روبرت غالبريث مه ا/ع ص 


«هذا هو»» قالت روبن وهي تجیش بالارتياح والتوجُس. 

بدا سترايك وكأنّه أصبح أكبر وأكثر خشونة مما كان عليه عندما 
غادر المكتب. تقدّم بسهولة نحوهما عبر القاعة المكتظة, وعيناه ترمقان 
رأس روبن الذهبي البرّاق» حاملًا بيده الكبيرة كوبًا من الشراب. فوقف ماثيو, 
وكأنّه يستعدٌ لموقف صعب. 

«مرحبًا يا كورموران - لقد وجدتٌ العنوان بدون عناء؟» 

«لا بدّ من أنّك ماثيو», قال سترايك مادا يده. «آسف لأنني تأخّرت 
كثيرًاء حاولت التملّص باكرًا لكتني كنت مجتمعًا إلى رجل لا يمكن أن تدير 
ظهرك له بدون استئذان.» 

رد ماثيو بابتسامة فارغة. لقد توقّع أن يكون سترايك ممّن يبالغون في 
وصف خصائصهم» ويحاولون أن يرسموا هالة من الغموض حولهم, لكنّ مظهره 
يوحي بأنه كان يستبدل عجلة العربة. 

«إجلس يا كورموران», قالت روبن متوثرة» وتحرّكت على طول المقعد 
حتى کادت تقع عن حافته. «هل أنت جائع؟ كنا نتحدّث الآن عن طلب 
طعام ما.» 

«إنهم يقدمون طعامًا شهيًا». قال ماثيو, «طعام تايواني» ليس مثل 
طعام ال«مانغو تري». لكنه جيّد.» 

إيتسم سترايك بفتورء فقد توقّع أن يكون ماثيو هكذا: مغرور يعدّد 
المطاعم الفخمة ليثبت أنه يعرف كل زوايا لندن في حين لم ينتقل للعيش 
فيها إلا منذ سنة ونيّف. 

«كيف كان عملك بعد الظهر؟» سألت روبن سترايك, ظنّا منها بأنّ 
ماثيوء إن تعرّف أكثر على مهام سترايك المشوّقة: لافئتن مثلها بمهنة التحرّي 
وتلاشى تحامله. 

لكنّ وصف سترايك الموجز والذي حذف كل التفاصيل الدالّة قوبل 
بعدم اكتراث ظاهر من جانب ماثيو. بعدهاء عرض عليهما سترايك شرابًاء إذ 
كانا يمسكان بكوبيهما فارغين. 


مكتبة دودة الحرير 57 


«يمكنك أن تُظهر قليلًا من الاهتمام». قالت روبن لماثيو بغضب 
مكبوت بعدما ابتعد سترايك سائرًا نحو بار المشروبات. 

«لقد اجتمع برجل في محل صغير يا روبن»» قال ماثيوء «أشك في أنَّ 
هوليوود ستطالب بحقوق تصوير الفيلم عمًا قريب.» 

بدا مسرورًا لمزاحه الظريف, ووجّه انتباهه نحو القائمة المكتوبة على 
اللوح على الجدار المقابل. 

عندما عاد سترايك حاملًا المشروبات؛ أصرّت روبن على شقّ طريقها 
بصعوبة نحو البار لطلب الطعام. كانت تخشى أن تترك الرجلين بمفردهما 
معّاء لكنّها شعرت بأنهما ربما يجدان ما يناسبهما بدونها. 

تراجع اعتداد ورضى ماثيو في غياب روبن؛ ووجد نفسه يقول لسترايك: 
«أنت جندي سابق»». مع أنه كان مصمّمًا على عدم السماح لخبرة سترايك 
بالسيطرة على الحديث. 

«صحيح»» قال سترايك» في فرع الاستقصاء الخاص. 

لم يكن ماثيو واثقًا مما يعنيه ذلك, فقال: « کان والدي جنديًا سابقا في 
القوات الجوية. خدم في نفس فترة جيف يونغ.» 


«من؟» 

«لاعب في اتحاد الرُغبي الويلزي؟ خاض مباريات المُنتخب 23 مرّة» 
قال ماثيو. 

«نعم»» قال سترايك. 


«وصل والدي إلى منصب قائد سرب. ترك الجيش عام 86 وهو يدير 
شركة استثمارات خاصّة منذ ذلك التاريخ. هو رجل عصاميّ, لا يشبه والدك 
البتة»» قال ماثيو بنبرة دفاعية بعض الشيء, «لكنّه ناجح.» 

«وغد أنيق» فكر سترايك. 

«عمّ تتحدّثان؟» سألت روبن بلهفة وهي تجلس. 

«عن أبي». قال ماثيو. 

«مسکین»» قالت روبن. 

«لماذا مسکين؟» صاح ماڻيو. 


98 روبرت غالبریث t.me/ktabpdf‏ 


«إِنّه قلق على والدتك, أليس كذلك؟ إثر السكتة الطفيفة؟» 

«أوه, تقصدين ذلك»» قال ماثيو. 

لقد قابل سترايك رجالا من أمثال ماثيو في الجيشء من طبقة الضبّاط 
تحديدّاء لديهم شيء من غير الاستقرار الدفين يحاولون التعويض عنه 
بالمبالغة في السلوك والإنجازات وفي اتّخاذ القرارات المسرفة. 

« کیف تسیر الأمور لدی لوثر-فرینش؟» سألت روبن ماڻيوء راغبةٌ في 
أن يُظهر شخصه الحقيقيّ واللطيف الذي تحت أمام سترايك. «حاليًاء يقوم 
ماثيو بالتدقيق في حسابات دار نشر صغيرة استثنائية بعض الشيء. إِنّهم 
مضحكون جدًاء أليس كذلك؟» سألت خطيبها. 

«ما كنت لأصف الفوضى التي يتخبّطون فيها بالمضحكة». قال ماثيو, 
وتابع التحدّث إلى أن أحضر الطعام, زارعًا في حديثه تلميحات كما «تسعون 
ألفًا» و«ربع مليون». كانت كلل جملة مدروسة ومعدّة لتظهره في أفضل 
صورة: ذكاؤه. سرعة بديهته. وتفوّقه على زملائه الأقدم ومع ذلك الحمقى 
والأغبياء» ورعايته للموظفين الحمقى... 

«... يحاولون تنظيم حفلة عيد الميلادء في حين يعيشون بكل تقشّف 
تجنّبًا للخسارة, منذ عامين. ذلك أشبه يندب شخص ميت.» 

مع دنو ماثيو من نهاية «سمفونيّته», ظهرت الأطباق على المائدة 
في ظل صمت ثقيل. لقد أملت روبن بأن يذكر ماثيو في حديثه مع سترايك 
بعض الأمور اللطيفة والمؤثرة التي ذكرها لها عن طرائف دار النشر الصغيرةء 
فلم تجد ما تقوله. غير أنَّ حديث ماثيو عن دار النشر نبّه سترايك إلى فكرة 
جديدة. فأخذ يمضغ الطعام ببطء. خطر بباله إحتمال وجود فرصة ممتازة 
لطلب المعلومات عن مكان أوين كواين» وتذكر معلومة صغيرة كان قد غفل 
عنها. 

«هل لديك صديقة يا كورموران؟» سأل ماثيو سترايك مباشرة» وکان 
حريصًا على التحقّق من ذلكء لأن روبن أظهرت غموصًا في هذه النقطة. 

«لا»: أجاب سترايك شارد الذهن, «أعذراني - لن أَتأخّر علي أن أجري 
مكالمة هاتفية.» 


مكقرة دودة الحرير 99 


«لا بأس»» قال ماثيو باستياء واضح؛ ولكنء عندما ابتعد سترايك عن 
مجال السمع مجدّدًاء أضاف متمتمًا «جئتٌ متأَخْرًا أربعين دقيقة: ثمّ تغادر 
المكان خلال العشاءء وعلينا الجلوس في انتظارك إلى أن تتكرّم بالعودة.» 

«ماثيو!» 

عندما وصل سترايك إلى الرصيف الداكن, أخرج سيجارة وهاتفه 
المحمول. وبعدما أشعل سيجارته. مشى مبتعدًا عن أمثاله المدخّنين إلى آخر 
شارع جانبي بدا أكثر هدوءًا. ووقف في العتمة تحت جسر السكّة الحديدية 


المؤلف من طوب متراصٌ. 
أجاب كالبيبر عند الرنّة الثالثة. 
«سترايك. كيف حالك؟» 


«بخير. أتصل بك لأطلب خدمة.» 

«تكلم», قال كالبيبر من دون أن يبدي اهتمامًا. 

«لديك قريبة تدعى نينا وتعمل لدى روبر تشارد...» 

«وكيف عرفت ذلك؟» 

«أنتَ أخبرتني », قال سترايك بصبر. 

«متى؟» 

«قبل بضعة أشهر عندما كنت أحقّق بطلب منك في قضيّة طبيب 
الأسنان المراوغ.» 

«يا لذاكرتك اللعينة». قال كالبيبر مبديًا التحيّر أكثر من التأثر «إِنّها 
استثنائية حقًا. ماذا عن قريبتي؟» 

«أيمكنك أن توصلني إليها؟» سأل سترايك. «روبر تشارد تقيم حفلتها 
السنوية مساء غد وأود حضورها.» 

«لماذا؟» 

«لدي تحقيق»». قال سترايك مراوعًا. فهو لم يُطلع كالبيبر قط على 
تفاصيل قضايا طلاقات زبائنه أثرياء المجتمع وخلافاتهم؛ على الرغم من 
طلباته المتكرّرة. 

«ألم أمنحك السبق الصحفي الأهمّ في مهنتك اللعينة!» 


100 روبرت غالبریٹ t.me/ktabpdf‏ 


«لا بأس», قال الصحافي على غير رضى بعد القليل من الترددء «أعتقد 
اني أستطيع ذلك.» 

«هل هي عازبة؟» 

«ماذا؟ هل تسعى وراء رفيقة أيضًا؟» قال كالبيبر» ولاحظ سترايك أنّه 
بدا مسرورًا لا غاضبًا لفكرة إغواء قريبته. 

«لا؛ أريد أن أعرف إن كان من المريب أن أحضر برفقتها إلى الحفلة.» 

«لا بأس. أعتقد أتها انفصلت مؤخَرًا عن أحد الأشخاص. لا أدري. 
سأرسل لك رقم هاتفها... وانتظر حلول يوم الأحد»» أضاف كالبيبر مسرورًا. 
«ثمة تسونامي من الفضائح يوشك أن يضرب اللورد باركر.» 

«إتّصل بنينا أولًا رجاء»» طلب منه سترايك, «وأخبرها من أناء كي تفهم 
المراد.» 

وافق كالبيبر وأنهى المكالمة. لم يكن سترايك في عجلة من أمره 
للعودة إلى ماثيوء لذا دخّن سيجارته حتى النهاية قبل دخول الحانة مجدّدًا. 

شق طريقه عبر القاعة المزدحمة:؛ حانيًا رأسه لتجنّب الأواني واللافتات 
المتدلّية من السقف, وفكّر بأنّ بين الحانة وماثيو قاسمًا مشتركًا ؛ فهو يبالغ 
في المفاخرة لإثارة الإعجاب, وفي الحانة موقد قديم الطراز في إحدى الزواياء 
وماكينة مدفوعات نقديّة عملاقة في أخرى, العديد من القفف. مطبوعات 
ولوحات قديمة: مجموعة فاخرة من سَقَط متاع المتاجر. 

كان ماثيو يأمل أن يُنهي طبق النودلز قبل أن يعود سترايك» وذلك 
لتسطير طول غيابه, لكنّه لم يتمككن من ذلك. بدت روبن بائسة فتساءل 
سترايك عمًا دار بينهما خلال غيابه. وشعر بالأسى لحالها. 

«تقول روبن إِنْك لاعب رغبي»» قال لماڻيو وهو مصمّم على بذل جهد, 
«ضمن المنتخب الإقليميّ. هل هذا صحيح؟» 

جاهدا بكدّ لتبادل الحديث لمدّة ساعة أخرى. كانت عقارب الساعة 
تبدو أسرع عندما يسهب ماثيو في الحديث عن نفسه. لاحظ سترايك بأنّ 
روبن تتقن لعب دور الوسيطء مهيئةٌ الميدان على الدوام» ومطلقةً مواضيع 
يجيدها خطيبهاء وحيث يمكن لمؤهلاته البروز بشكل واضح. 


مكقرة دودة الحرير 101 


«منذ متى نشأت العلاقة بينكما؟» سأل سترايك. 

«تسع سنوات»» أجاب ماثيو متراجعا قليلًا عن موقفه العدائي السابق. 

«تلك فترة طويلة»» قال سترايك مندهشاء «هل كنتما في الجامعة 
معًا؟» 

«في المدرسة»» قالت روبن مبتسمة. «صف البكالوريا.» 

«لم تكن مدرسة كبيرة»» قال ماثيوء « كانت الفتاة الوحيدة التي تجمع 
بين العقل والجمال. لم يكن لديّ من خيار.» 

وجده سترايك «سفيها.» 

مع الاستمرار في الدردشة, ساروا في العتمة حتى محطة واترلو, 
ليفترقوا بعدها عند مدخل المترو. 

«إنّه لطيفء أليس كذلك؟» قالت روبن بلا كثير من الأمل, عندما 
سارت هي ومائيو نحو السلّم المتحرّك. 

«عديم الدقة في المواعيد»» قال ماڻيوء ولم يستطع أن يعثر على أي 
عيب آخر يلوم به سترايك بدون أن يبدو مغاليًا. «يؤثر الوصول مع تأخّر من 
أربعين دقيقة ليفسد كل اللقاء.» 

لكنّ ذلك اعتراف ضمني بقبول سترايك, ولو بغياب الحماسة الصادقة, 
فاعتبرت روبن أنَّ الوضع أفضل مما كانت تخشاه. 

في غضون ذلك, كان ماثيو يفكر بصمت في أمور يخجل من الإفصاح 
عنها. لقد كانت روبن دقيقة في وصف رئيسها - شعر كثيف أجعد» بنية 
ملاكم - لكنّ ماثيو لم يتوقّع أن يكون سترايك بتلك الضخامة. إِلّه يفوقه 
بخمسة سنتيمترات» هو الذي يتباهى بأنّه الأطول بين زملائه في المكتب. 
والأسوأ؟ لكان استهجنّ تفاخر سترايك لو أكثر هذا الأخير من التحدّث عن 
تجاربه في أفغانستان والعراق» أو أخبرهما كيف بترت ساقه بلغم» أو كيف 
حصل على الوسام الذي لطالما أثار إعجاب روبنء لكنّ صمته عن هذه 
التفاصيل كان أشدّ إثارة للاستياء. هكذاء فإنَّ طيف بطولات سترايك؛ وحياته 
المليئة بالمغامرات؛ وتجاربه في السفر والمخاطر التي تعرّض لهاء كان حائمًا 
باستمرار فوق الحديث. 


102 روبرت غالبریث t.me/ktabpdf‏ 


جلست روبن إلى جانبه في المترو بصمتء إذ لم تستمتع بالأمسية 
أبدّاء وهي ولم تخبر سابقًا هذا الجانب من ماثيوى أو أقلّه لم تشاهده على هذا 
النحو. لقد تبيّنت نت وض كهكز قن مقعدها يسيب المطنات. أن سرن جنا 
ترى ماثيو بمنظاره هو. لم تعرف كيف أتقن حيلته هذه تحديدًا. قد يتوهّم 
البعض بأنّ الأسئلة التي طرحها على ماثيو حول الرغبي بريئة ومهذّبة» ولكن 
ليس روبن... أم أنّها انزعجت لأنه تأخّْر في الحضورء والآن تلومه على كل 
الأمور التي لم يكن يعنيها؟ 

أسرع الخطيبان إلى البيت» يجمع بينهما غضب دفين حيال الرجل 
الذي ما لبث أن غطّ شاخرًا في إحدى حافلات الخط الشمالي. 


11 


هل ستعلمني عمًا قريب لما تعاملني بهذه 
الطريقة؟ 
جون ويبسترء» «دوقة أمالفي» 


«هل أنتَ كورموران سترايك؟» سأل صوت شابّة مهذّبة عند التاسعة إِلَّا الثلث 
في صباح اليوم التالي. 

«نعم»» قال سترايك. 

«أنا نينا. نينا لاسيلز. لقد أعطاني دومينيك رقمك.» 

«أوه» نعم»» قال سترايك واقفًا عاري الصدر أمام مرآة الحلاقة التي 
يحتفظ بها عادة إلى جانب حوض المطبخ. لأنّ الحمّام معتم وضيّق. مسح 
رغوة الحلاقة من حول فمه بساعده وقال: 

«هل أخبركِ عن الموضوع يا نينا؟» 

«نعم» تريد التسلّل إلى حفلة روبر تشارد السنوية.» 

«التسلّل كلمة مبالغة بعض الشيء.» 

«لكتها تبدو أكثر تشويقًا.» 

«لا بأس»», قال مبتسمًا. «أفهم أنّك مستعدّة لذلك؟» 

«نعم» هذا مسل. هل تسمح لي بأن أخمّن سبب رغبتك في المجيء 
والتجسّس على الجميع؟» 


104 روبرت غالبریٹ t.me/ktabpdf‏ 


«مرّة أخرى؛: تجسّس ليسث...» 

«توقّف عن إفساد الأمور. أيسمح لي بالتخمين؟» 

«خمّني إِذا», قال سترايك وتناول رشفة من فنجان الشايء وعيناه على 
النافذة. كان الضباب قد عاد, وتبدّدت أشعة الشمس بعد سطوع وجيز. 

«بومبیکس موري»» قالت نينا. «هل أصبت؟ قل إنني أصبت.» 

«أصبت»» قال سترايك» فصاحت مسرورة. 

«لا يُفترض بي أن أتحدّث في هذا الموضوع. ولكن, ثمّة مراقبة قد 
فُرضت مَؤْخرًا على دخول وخروج الموظفين. يُلزم الجميع بالتكثّم؛ نتلقى 
رسائل إلكترونية داخليّة باستمرارء ويتوافد المحامون إلى مكتب دانيال. أين 
نلتقي؟ علينا أن نجتمع في مكان ما ثم نتوجّه إلى الحفل معّاء ألا تعتقد ذلك؟» 

«أجلء بكل تأكيد»» قال سترايك» «ما المكان الذي يناسبك؟» 

تناول قلمًا من معطفه المعلّق خلف الباب» ونفسه تتوق إلى قضاء 
أمسية ممتعة في البيت, تليها ليلة هانئة من النوم» وإلى هامش من السلام 
والراحة قبل أن يعاود العمل منذ فجر يوم السبت. كان ينوي تعقّب زوج 
السمراء المخادع. 

«هل تعرف يي أولدي شيشير تشيز؟» سألت نينا. «في شارع فليت؟ 
لن يتواجد أحد من العاملين هناك كما أنه على بعد خطوات من المكتب. 
أعرف أنه ليس رائعًا ولكنني أحبّه.» 

إتّفقا على اللقاء في السابعة والنصف. في حين تابع سترايك الحلاقة, 
تساءل عن احتمال مصادفته شخصًا يعرف مكان كواين في حفلة دار النشر. 
وسرعان ما عاد فوبّخ صورته المنعكسة في المرآة, فيما كانت الشفرة تزيل 
شعيرات ذقنه: مشكلتك أنك لا تزال تعمل وكأنك في فرع الاستقصاء 
الخاص. لم تعد الحكومة تدفع لك لتتقن عملك يا صديقي. 

لكنّه لا يعرف طريقة أخرى, أصبح ذلك جزءًا من مدوّنة سلوك شخصية, 
قصيرة وصارمة؛ حملها معه طيلة حياته بعد بلوغ سنّ الرشد: أكمل عملك 
بالشكل الصحيح حتّى النهاية. 


مكقرة دودة الحرير 105 


كان سترايك يعتزم قضاء معظم وقته في المكتب, الأمرالذي يستمتع 
به في الظروف العاديّة. يتقاسم العمل الورقي مع روبنء فهي ذكيّة وغالبًا 
ما يستفيد من ردود أفعالها تجاه الأفكار التي يطرحهاء كما لا تزال حتى الآن 
مفتونة بآليات التحقيق تمامًا مثلما كانت في بداية عملها. غير أنّه نزل إلى 
المكتب اليوم» بشيء من التردد. بالفعل» حال سماعه تحيّتها الصباحيّة 
الخجولةء انبأه حدسه كمحقّق بوجوب توقع السؤال المرهوب: «ما رأيك 
بماثيو؟» 

وبينما كان سترايك يتوجّه إلى مكتبه الداخلي ويغلق الباب بحجّة 
إجراء بعض المكالمات, خطر له أنَّ هذا الموقف الحرج هو تحديدًا ما يجب 
أن يحول دون مقابلة أجيرتك الوحيدة, خارج أوقات العمل. 

بيد أنّ الجوع أجبره على الخروج من جحره بعد بضع ساعات. كانت 
روبن قد أحضرت السندويشات كالعادة, لكنّها لم تقرع على بابه لتعلمه 
بوصول الطلبيّة. ذلك أيضًا يعكس الشعور بالإحراج بعد الليلة الماضية. لتأجيل 
الإتيان على ذكرهاء وعلى أمل تجتّب الموضوع ما يكفي» علّها لا تفتحه (على 
الرغم من أنّه يعرف تمام المعرفة أنَّ هذا التكتيك لا ينجح مع امرأة). أخبرها 
سترايك بكلّ عفوية بأنه تحدّث للتوّ مع السيّد غانفري. 

«هل سيذهب إلى الشرطة؟» سألت روبن. 

«لاء غانفري ليس من الرجال الذين يتوجّهون إلى الشرطة إن أزعجه 
أحد. كما وليس لديه رغبة في أن يتأذَّى ابنه. لكنّه يدرك أنه متوزط في مأزق 
صعب.» 

«هل فكرت في تسجيل حديث رجل العصابة الذي يريد استئجارك 
لتنفيذ تلك المهمّة وإخبار الشرطة بنفسك؟» سألت روبن بدون تفكير. 

«لاء يا روبن» سيكون مصدر المعلومة واضحًا وسأواجه الصعوبات في 
مهمّات تعقّبِيء إذا ما اضطررت باستمرار إلى تفادي قتلة مأجورين ينوون 
القضاء عليّ.» 

«لكن, لا يستطيع غانفري إبقاء ابنه في البيت إلى الأبد.» 


106 روبرت غالبریث t.me/ktabpdf‏ 


«لن يضطرٌ إلى ذلك. سيصطحب عائلته لقضاء إجازة مفاجئة في 
الولايات المتحدة, ويتّصل برئيس العصابة من لوس أنجلس.ء ليبلغه بأنّه 
أعاد النظر في الأمر وقد عدل عن التدخل في شؤونه. لن يكون ذلك مثيرًا 
للشبهات. إذ وجه رجلنا ما يكفي من السهام ليبزر طلب تهدئة الأوضاع» مثل 
رمي الطوب على زجاج سيارتّه الأمامي. والمكالمات التهديدية لزوجته.» 

وتابع سترايك متنهدًاء «أعتقد أنّه علي التوجّه مجدّدًا إلى كراوتش أند 
في الأسبوع المقبلء لأعلمه باختفاء الفتى وأعيد له ماله. هذا غير منطقيّ 
نوعًا ماء لكثني لا أريدهم أن يبدأوا بمطاردتي.» 

«كم أعطاك...؟» 

«خمسمئة جنيه» يا روبن»» قال سترايك. 

«ذلك بخس مقابل طعن مراهق». صاحت روبن مستنكرة» ثم باغتت 
سترايك بالسؤال: «ما رأيك بماثيو؟» 

«إنّه لطيف»» كذب سترايك تلقائيًا. 

إمتنع عن تقديم المزيد من التفاصيل. هي ليست غبيّة. ولطالما 
أعجب بقدرتها الفطرية على كشف الكذب. كان الوضع مربكًا لدرجة عمد 
إلى تغيير الموضوع بسرعة. 

«أفكر... ربّما في السنة المقبلة... إذا ما كانت الأرباح كافية وإذا 
نجحث في منحك علاوة, ربّما نحتاج إلى موظف ثالث. أعمل بأقصى سرعتي 
هناء على مدار الساعة وكلّ أيَام الأسبوع, ولا يمكنني الاستمرار على هذا 
النحو إلى ما لا نهاية. كم من الزبائن رفضت مؤْخرًا؟» 

«إثنان», أجابت روبن ببرودة. 

أدرك سترايك أنّه لم يبد حماسة كافية تجاه ماثيو, لكنّه كان مصمّمًا 
على عدم التصرّف بمزيد من النفاق, لذاء سرعان ما عاود الانسحاب إلى 
مكتبه مغلقًا الياب عليه. 

إِنّماء لم يكن سترايك مصيبًا تمامًا هذه المرّة. 


مكتبة دودة الحرير 107 


لقد أثارت إجابته الانقباض في نفس روبن. فهي تعرف أن سترايك لن 
يجيب جازمًا «إِنّه لطيف» لو أعجب بماثيو بصدق. بل قد يقول؛ «نعم, لا بأس 
به»» أو «أعتقد أنه مقبول.» 

لكنّ ما أثار استياءها بل آلمها إلى حدّ ماء هو إيحاؤه بأنّه سيأتي 
بموظف آخر. إلتفتت روبن إلى شاشة حاسوبها ثانيةٌ وأخذت تكتب بسرعة 
وغضب. وتخبط على المفاتيح بقوّة وهي تعدّ فاتورة هذا الأسبوع للمرأة ذات 
الشعر البنّي التي تريد الطلاق. لقد ظنّت - كانت مخطئة تمامًا - بأنّها أكثر 
من مجرّد سكرتيرة هنا. فهي مَن ساعدت سترايك في تأمين الأدلّة التي أدانت 
قاتل لولا لاندري» بل جمعت بعضها بمفردها وبمبادرة منهاء وفي الأشهر التي 
تلت, تجاوزت عدة مرّات واجبات معاونة المحقّق الخاصٌّ, فرافقت سترايك 
في أعمال المراقبة عندما تطلبت تلك الأخيرة وجود رجل وامرأة لتبدو 
طبيعية» وساهمت في إغواء البوابين والشهود العنيدين الذين ينفرون تلقائيًا 
من ضخامة سترايك وتعابيره الخشنة, هذا دون ذكر أداء أدوار العديد من 
النساء على الهاتف, الأمر الذي لا يستطيع سترايك أن يجسّده بصوته الجهير 
والعميق: 

إفترضت روبن أنَّ سترايك يشاركها وجهة النظر: كان يقول بين الحين 
والآخر أمورًا مثلء «هذا تدريب مفيد لك للعمل كمحقّقة» أو «يمكنك متابعة 
دورة في سبل التمويه.» لطالما اعتقدت أنْها ستخضع للتدريب المنشود 
عندما تتحسّن الأعمال (وهي لا تجافي المنطق إذا ادّعت بأنها ساعدت في 
بعض القضايا). لكنء يبدو أنَّ تلك التلميحات لم تكن إِلَّا نكانًا عرضيّة, وتشجيعًا 
مريبًا بتربيت ودّي على كتف طابعة على آلة كاتبة. ما الذي تفعله هنا إِذا؟ 
ولماذا رفضت عملا أفضل بكثير؟ (في سورة الغضبء تناست روبن عدم 
رغبتها أساسًا في وظيفة الموارد البشرية, بصرف النظر عن أجرها المرتفع.) 

ربما تكون الموظفة الجديدة أنثى قادرة على تنفيذ هذه الأعمال 
المفيدة» وعندئذٍ تصبح روبن موظفة استقبال وسكرتيرة لكليهماء قابعة في 
مكتيها على الدوام. حتمًا لم يكن ذلك هدفها عندما رفضت مهنة براتب 


108 روبرت غالبریث t.me/ktabpdf‏ 


أفضل» مؤثرةً البقاء مع سترايك ومع رواتبها المسدّدة بالقطارة» وخلقت مصدر 
توثر متكرّر في علاقتها بمائيو. 

في الساعة الخامسة تمامًاء توفّفت روبن عن الكتابة بلا أن تنهي 
الجملة؛ من ثمّ أمسكت بمعطفها وخرجت صافقةٌ الباب الزجاجيّ وراءها بقوّة 
غير ضرورية. 

أيقظ الضجيج سترايك الذي كان قد غطّ في النوم على مكتبه, ساندًا 
رأسه على ذراعيه. فنظر إلى ساعته وتبيّن أنّْها الخامسة وتساءل عمّن دخل 
المكتب الآن. لم يدرك أن روبن خرجت بدون توديعه إِلَّا بعدما فتح باب 
مكتبه ولاحظ غياب معطف روبن وحقيبة يدهاء وأنَّ شاشة حاسوبها مطفأة. 

«ترى ماذا دهاها؟» قال غاضبًا. 

ليست من النوع الذي ينزعج لأمور تافهة, وتلك واحدة من الخصال 
الكثيرة التي يحبّها فيها. ما الهم ما لم يُعجَب بماثيو؟ ليس هو من سيقترن 
به. غمغم سترايك بصوت خافت مستاء, ثم أغلق الباب وصعد الدرج إلى 
شقته عازمًا على تناول الطعام وتغيير ملابسه قبل الاجتماع بنينا لاسيلز. 


12 


هي امرأة تتمتّع برباطة جأش شديدة, بفكر 
بن جونسون, «إبيسين أو المرأة الصامتة» 


تقدّم سترايك على امتداد طريق ستراند المعتم والبارد نحو شارع فليت في 
تلك الليلة ويداه في جيبيه. كان يمشي مسرعًا بقدر ما سمح له الإنهاك والألم 
المتزايد في ساقه اليسرى. شعر بالندم لمفارقة سلام عليّته وراحتهاء كما 
لم يكن واثقًا من الخروج بأيّ نتيجة مفيدة من مغامرة هذه الليلة» مع ذلك 
وجد نفسه ثانيةً» رغمًا عن إرادته تقريبًاء مأخودًا بسحر المدينة القديمة التي 
شهدت طفولته القاسية ولكنّه عشقها ولا يزال. 

غاب كل أثر للسيّاح في تلك الليلة الجليدية من تشرين الثاني/ 
نوفمبر: كانت واجهة حانة «أولد بل تافرن» التي تعود إلى القرن السابع 
عشرء بنوافذها الصغيرة المتوهجة؛ تنضح بالنبل والأصالة, وبدا طيف التنين 
الحارس في أعلى معلم «تمبل بار»» بارزًا على خلفيّة من السماء المرضعة 
بالنجوم» وفي البعيد» إلتمعت قَبَة سانت بول التي يغشاها الضباب كأنّها قمر 
بازغ. عند أعلى الجدار الحجريّ والذي أطل أمامه؛ الآن وقد دنا من مقصده. 
تجلّت عناوين مهيبة محفورة مذكرة بتاريخ الصحافة العظيم لشارع فليت 
- «صديق الشعب»». «مرسال الداندي» - لكنّ كالبيبر وأقرانه الصحافيين 


110 روبرت غالبریث t.me/ktabpdf‏ 


كانوا قد هربوا منذ ذلك الحين من مقرّهم الأساسيء إلى وابينغ وكناري وارف. 
أمَا اليوم فقد سيطر القضاء ومحاموه على المنطقة. مر سترايك بوقار تحت 
زخارف مدخل «البلاط الملكيّ». وكأنّها هياكل مكرّسة للعدالة: وبالتالي» 
مصدر تمويل للمحققين. 

إقترب سترايكء بهذا المزاج المتسامح والعاطفيّ على غير العادة. من 
المصباح الدائري الأصفر الذي يحدّد مدخل «يي أولد شيشير تشيز» وتوجّه 
إلى الممر الضيّق الذي يقود إلى الداخل, منحنيًا لتجتّب اصطدام رأسه 
بالعارضة المنخفضة. 

قاده مدخل ضيّق مغطى بألواح الخشب ومزيّن بلوحات زيتية قديمة 
إلى قاعة أمامية صغيرة. انحنى سترايك ثانية لتجئّب اللافتة الخشبية البالية 
والمدوّن عليها: «للرجال فقط»». فلقي ترحيبًا حماسيًا على الفور من فتاة هيفاء 
باهتة البشرة تتميّز بعينين بنيّتين واسعتين. كانت ترتدي معطقًا أسود اللون 
وتجلس بجانب موقد طويل» وهي تهر كأسًا فارغة؛ بيدين صغيرتين بيضاوين. 

«نينا؟» 

«عرفتك تلقائيًاء لقد وصفك دومينيك بدقّة.» 

«ماذا تريدين أن تشربي؟» 

طلبت نبيدًا أبيض. أمَا سترايك فأحضر لنفسه كوبًا من الجعة وجلس 
إلى جانبها على المقعد الخشبي غير المريح. كانت النبرات اللندنية تملأ 
المكان. قالت نينا وكأنّها عرفت ما يدور في خلده: 

«ما زالت حانة حقيقية. مَن يظنها مليئة بالسيّاح ولم يزرها يومًا لا 
يعرف أنّ ديكنز كان من رؤادهاء وجونسونء وييتس... إِنّني أهوى هذا 
المكان.» 

إيتسمت له وبادلها بالمثل» وقد شعر بالنشاط والانتعاش بعدما شرب 
عدّة جرعات من الجعة. 

«كم يبعد مكتبك من هنا؟» 

«نحو عشر دقائق سيراء نحن على مقربة من ستراند. مبنى جديد مع 
شرفة واسعة على السطح.» ومن ثمّ أضافت وهي تشدّ معطفها حولها وترتجف 


مكتبة دودة الحرير 111 


مسبقاء «سيكون البرد قارسًا. لكثني أتفهم تردّد الإدارة في استئجار مقرّ آخر. 
فالنشر يمر بأوقات عصيبة.» 

«قلت إن هناك بعض المشاكل المتعلّقة ببومبيكس موري؟» سأل 
سترايك, مستهلًا الحديث في صلب الموضوع وهو يمدّ ساقه البديلة أقصى 
ما يستطيع تحت الطاولة. 

«كلمة مشكلة تقلّل كثيرًا من أهمّية الأمر. دانيال تشارد غاضب جدًا. 
لا يمكن أن يظهر دانيال تشارد بمظهر الشرّير في رواية إباحيّة قذرة. لا يمكن 
القبول بذلك» تلك فكرة سيّئة. يقولون إِنّه انغمس في مهنة العائلة على الرغم 
منه» فقد كان يرغب في أن يكون رسّامًا.» وأضافت مقهقهة, «مثل هتلر.» 

تلألأت الأضواء فوق البار في عينيها الواسعتين. فشبّهها سترايك بفأرة 
متيقّظة ومتحمّسة. 

«هتلر؟» كرّر الكلمة متندّرًا قليلًا. 

«إِنّه يتشدّق في الكلام كهتلر عندما يكون مستاءً - إكتشفنا الأمر 
هذا الأسبوع. لم يكن دانيال ليرفع صوته من قبل. أمَا الآن فلا ينفك يصيح, 
ويصرخ في وجه جيريء بتنا نسمع عويله عبر الجدران.» 

«هل قرأت الكتاب؟» 

تردّدتء وارتسمت على فمها ابتسامة ماكرة. 

«لم اقرأه رسميًا». قالت أخيرًا. 

«ولكن بصورة غير رسمية...» 

«ربما استرقيتٌ النظر إليه خلسة.» 

«أليس محفوظً في مكان أمين؟» 

«بلى, إِنّه في خزنة جيري.» 

ألقت نظرة جانبية دعت سترايك إلى الانضمام إليها في الاستهزاء 
- ولو بشكل لطيف - من المحرّر البريء. 

«المشكلة أنّه ينسى التركيبة باستمرار. لذاء أخبر الجميع بالأرقام 
ليذكروه بها متى دعت الحاجة. جيري أطيب رجل في العالم وأكثرهم 
استقامة ولا أظئّه فكر حتى بأنّنا سنقرأ ما لا يُفترض بنا أن نقرأه.» 


112 روبرت غالبریٹ t.me/ktabpdf‏ 


«متى ألقيت نظرة عليه؟» 

«يوم الاثنين الذي تلا استلامه له. في الواقع» بدأت الشائعات تدور 
في تلك الفترة لأنَّ كريستيان فيشر اتصل ما يقرب من خمسين مرّة خلال 
عطلة نهاية الأسبوع وقرأ أجزاء منه عبر الهاتف. سمعت حتّى أنّه صنع منه 
نسخة إلكترونية وبدأ يرسل بعض المقاطع بالبريد الإلكتروني أيضًا.» 

«حدث ذلك قبل أن يبدأ المحامون بالتدخّل؟» 

«أجل. إتصلوا بنا جميعًا وألقوا علينا خطبة سخيفة عمًا يمكن أن 
يحدث إذا تكلمنا عن الكتاب. من السخافة أن يحاولوا إخبارنا بأنَّ سمعة 
الشركة ستتأئّر إذا تعرّض رئيسها التنفيذي للسخرية - نحن على وشك التحول 
إلى شركة مساهمة, أو هكذا تقول الشائعة - وستتعرّض وظائفنا للخطر في 
النهاية. لا أعرف كيف حافظ المحامي على جدّيته وكتم ضحكه وهو يقول 
ذلك.» وتابعت حديثها بحيوية: « والدي عضو في مجلس القضاءء وقد أخبرني 
بأنَّ تشارد لن يكونَ حكيمًا في تصرّفه إن قرّر ملاحقة أي من معاونيه في حين 
أنَّ معظم الناس خارج المؤسّسة على علم بكل تفاصيل المسألة. 

«هل هو رئيس تنفيذي كفوء؟» سأل سترايك. 

«أظنّ ذلك»», قالت بقلق» «لكنّه غامض جدًا ووقور... إِنَّ ما كتبه عنه 
كواين» يثير الضحك.» 

«وما هو...؟» 

«لقد سمّى تشارد في الكتاب «فالوس أمبوديكوس» و...» 

غص سترايك بشرابه» وقهقهت نینا. 

«القضيب الفاحش؟» سأل سترايك ضاحكًا وهو يمسح فمه بظاهر يده. 
وأطلقت نينا قهقهة بذيئة مستغربة من فتاة تبدو وكأنّها تلميذة مدرسة 
طموحة. 

«أدرست اللاتينية؟ سألت وهي تلتقط أنفاسها. انا تخلْيتُ عنهاء وبل 
كرهتها - لكثّنا نعرف جميعًا ما تعنيه كلمة فالوس, أليس كذلك؟ وجب عليّ 
البحث عن أصل اللفظة وتبيّن أَنّها تسمية لنوع من الفطر يُعرّف بالقرن النتن. 


مكتبة دودة الحرير 113 


يبدو أنّ رائحته كريهة و...»: أطلقت مزيدًا من القهقهة: «.. يبدو كالقضيب 
العفن. ذلك معهود عند أوين: ألفاظ قذرة, تسميات بذيئة وشتائم.» 

«وما دور ذاك الفالوس أمبوديكوس؟» 

«إنّه يمشي مثل دانيال؛ يتكلم مثل دانيال» ومظهره يشبه دانيال. 
منحرف يستمتع بتشويه جنّة كاتب وسيم بعد قتله, دمويّ ومثير للاشمئزاز. 
لطالما أكد جيري أنَّ أوين يسلم بأنَّ يومه يذهب هدرًا ما لم يجعل قرّاءه 
يضحكون مرّتين في اليوم على الأقل.» وأضافت بهدوءء «مسكين جيري.» 

«لماذا مسكين جيري؟» سأل سترايك. 

«إنّه مذكور في الكتاب أيضًا.» ومكسشية 

«وأيّ نوع من القضبان هو؟» ١‏ 

«لا يمكنني أن أخبرك, فلم أقرأ القسم المتعلق بجيري. لقد قلبت 
الصفحات لأقرأ عن دانيال؛ لأنَّ الجميع قالوا إِنَّ الشخصيّة مشينة ومثيرة 
للضحك. غاب جيري عن المكتب لنصف الساعة فقطء لذا لم يكن لديّ الوقت 
الكافي - لكثنا نعرف جميعًا أنَّ جيري مذكور, لأنّ دانيال أقحمه في القضيّة, 
وجعله يجتمع بالمحامين» وأضاف اسمه إلى كڵ الرسائل الإلكترونية السخيفة 
والتي تنذرنا بكارثة عظمى إذا ما تحدّثنا عن بومبيكس موري. أظنّ بأنَّ دانيال 
شعر بالارتياح» إذ هاجم أوين جيري أيضًا. هو يعرف أن الجميع يحب جيري, 
لذا افترض على ما أظنّ بأننا لن نتحدّث في الأمرء وذلك لحمايته. 

«لكنّ الله وحده يعلم لماذا هاجم كواين جيري». أضافت نينا وقد 
ذبلت ابتسامتهاء «ليس لجيري أيّ عدو في العالم.» وأضافت في خاطرة 
لاحقة هادئة وهي تحدّق في كأسها الفارغة: «أوين كريه حقًا.» 

«أتريدين شرابًا آخر؟» سأل سترايك. 

عاد إلى البار, فرمقته ببّغاء رماديّة مصبّرة محشوّة من داخل صندوق 
زجاجيّ على الجدار المقابل. كانت بمثابة التفصيل الوحيد المتنافر مع 
ديكور الحانة» وكان مستعدًا - أقلّه لناحية تسامحه مع هذا الجزء الأصيل من 


114 روبرت غالبریث t.me/ktabpdf‏ 


لندن القديمة - أن يفترض بأنّها زعقت وثرثرت بين هذه الجدران ولم تكن 
بمثابة ملحق تزيينيّ عند أحد تجار الخردة. 
«هل تعرفين أن كواين مفقود؟» سأل سترايك عندما عاد وجلس إلى 


جانب نينا ثانية. 
«نعم» سمعت شائعة عن ذلك. لا أستغرب بعد الاضطراب الذي أثاره.» 
«هل تعرفين كواين؟» 


«لا أعرفه حقًا. يأتي إلى مكتبنا في بعض الأحيان ويحاول المغازلة 
مرتديًا عباءته السخيفة. يتفاخر: ويحاول أن يصدمك دائمًا. أعتقد أنه مثير 
للشفقة بعض الشيء, ولطالما كرهت قراءة كتبه. أقنعني جيري بقراءة خطيئة 
هوبارت ووجدتها رديئة.» 

«هل تعرفين إذا ما تواصل أحد مع كواين مؤْخُرًا؟» 

«لا؛ على حدٌّ علمي.» 

«ولا أحد يعرف لماذا ألف كتابًا سيتسيّب بمقاضاته لا محالة؟» 

«يفترض الجميع بأنَّ مشاجرة حادّة وقعت بينه وبين دانيال. في 
النهاية. هو يتشاجر مع الجميع» والله وحده يعلم كم بلغ عدد الناشرين الذين 
تعامل معهم على مرّ السنين.» 

«سمعث بأنَّ دانيال لا ينشر كتبه إلا بهدف إقناع الجميع بأنّ أوين قد 
سامحه على تصرّفه المسيء تجاه جو نورث. فمن المعروف أنَّ أوين ودانيال 
لا يتبادلان موذة صارخة.» 

تذكر سترايك صورة الشاب الأشقر الوسيم المعلّقة على جدار إليزابيث 
تاسيل. 

«وكيف أساء تشارد لنورث؟» 

«لا أعرف التفاصيل جيّدًا», قالت نيناء «لكن أعرف أنّه أساء إليه, وأنّ 
أوين أقسم ألا يعمل مجدّدًا مع تشارد, وإِنّما لاحمًا وبما أنّ أيّا من الناشرين لم 
يشأ التعامل معه. فقد اضطرٌ إلى الرجوع عن موقفه. لذا أوهم أوين الجميع 
بأته أخطأ في حق دانيال. أمَا هذا الأخير فاستعاده آملا بمعاودة تحسين 


مكتبة دودة الحرير 115 


صورته الخاصّة والظهور كالرجل الكريم المتسامح. هذا ما يقوله الجميع على 
أي حال.» 

«وهل تشاجر كواين مع جيري والدغريف على حدّ علمك؟» 

«لاء وهذا هو المستغرب. لماذا يهاجم جيري؟ إِنه لطيف! لكن بناءً 
على فا معت لا يمكدك هذا أن...» 

للمرّة الأولى» ومنذ بداية حديثهماء ها هي تفكّر في ما تنوي قوله قبل 
أن تتابع بمزيد من الرصانة: 

«لا يمكنك أن تعرف ما الذي يرمي إليه كواين في الجزء المتعلق 
بجيريء وأنا لم أقرأه كما قلت. لكنّ أوين هاجم الكثير من الأشخاص»» تابعت 
نينا. «سمعت بأنَّ زوجته مذكورة في الكتاب, ويبدو أنّه أساء كثيرًا إلى ليز 
تاسيل» والتي قد تكون سافلة؛ لكنَّ الجميع يعرف أنّها وقفت إلى جانب أوين 
في السرّاء والضرّاء. لن تتمكن ليز بعد الآن من نشر أي شيء عبر روبر تشاردء 
فالكل غاضب منها. أعرف تماما أن دعوتها إلى حفلة الليلة قد ألغيت بأوامر 
من دانيال - أمر مذلّ جدًا. من جهة أخرىء» يفترض أن تُقام حفلة للاري 
بينكلمان» وهو أحد مولفيها الآخرين» بعد أسبوعينء ولا يستطيعون إلغاء 
دعوتها - العزيز لاري رائع» والكل يحبّه - لكنء نجهل تماما نوع الترحاب 
الذي ستحظى به إذا ما حضرت.» 

«على أي حالء» قالت نينا وهي ترفع غرّتها البئية الفاتحة وتغيّر 
الموضوع فجأة. «كيف ومتى تعارفنا أنتَ وأنا كما يفترضء إن سألونا في 
الحفلة؟ هل أنتَ حبيبيء» أو.. ماذا؟» 

«هل يُسمح للحبيب بحضور الحفلة؟» 

«أجلء لكتني لم أخبر أحدًا بأنّني أقابلك. لذاء لا يفترض أن نكون على 
علاقة منذ وقت طويل. سنقول إِنَّنا تعارفنا في حفلة خلال الأسبوع الماضيء 
إتَفقنا؟» 

عندما اقترحت ذلك اللقاء الوهميّء لاحظ سترايك في نبرتها شيئًا من 
القلق, وإِنّما أيضًا من الغرور والسرور. 


116 روبرت غالبریٹث t.me/ktabpdf‏ 


«عليّ الذهاب إلى المرحاض قبل مغادرتنا»» قال وهو ينهض متثاقلا 
عن المقعد الخشبيء بينما أفرغت هي كأسها الثالثة. 

كانت السلالم المُفضية إلى المرحاض ضيّقة هاوية» وسقفها منخفضًا 
جدًا بحيث اصطدم به رأسه مع أنّه كان يمشي شبه محنيّ. وبينما كان يفرك 
جبينه» ويشتم في سرّه, تراءى لسترايك أنه تلقّى للتوّ ضربة أنارت شيئًا في 
رأسه» لتذكيره بأن يتقن التمييز بين الفكرة الصائبة والأخرى الرديئة. 


13 


يشاع أن تمتلك سجلا 

دونك فيه بمهارتك الذكيّة 
أسماء كل المشاهير المذنبين 
والمتسكعين في المدينة. 


جون ويبستر» «الشيطان الأبيض» 


كان سترايك يعي عن خبرة أنه يجتذب ذلك النوع من النساء والذي ومن 
خصائصه المشتركة: الذكاء, النزقيّة والحساسيّة المفرطة. وغاليًا ما يكنّ 
ساحرات ولا یمکن الوثوق بهن كما يصفهنّ صديقه القديم دايف بولوورث. 
لكنّ سترايك لم يكن ليفكر البتّة بالمسألة هذه, بيد أنّ بولوورث. صاحب 
العديد من النظريات البليغة؛ يرى أنّ هؤلاء النساء «شديدات التحسشّس 
كالجياد الأصيلة» يبحثن لا شعوريًا عن شريك صلب ومقاوم تمامًا كجواد 
الجرّ. 

ربما تكون شارلوت» خطيبة سترايك السابقةء ملكة هذا النوع. جميلة, 
ذكيّةء متقلبة ومدلّلةء كانت تهجر سترايك لتعود إليه مرارًا وتكرارًاء في وجه 
معارضة أسرتها واشمئزاز صديقاتها الذي يكاد أن يتجلّى للعيان. أمَا هو فقد 
وضع في آذار/مارس الفائت, حدًا نهائيًا لست عشرة سنة من علاقة هجر 
ووصالء لتصبح هي تلقائيًا خطيبة صديقها السابقء والذي كان سترايك قد 


118 روبرت غالبریث t.me/ktabpdf‏ 


تفوّق عليه قبل سنوات عديدة في أوكسفورد إذ فاز بحبّها. منذ ذلك الحين 
أجدبت حياة الحبٌ طوعًا عند سترايك. ما خلا ليلة استثنائية واحدة. فالعمل 
يشغل كل ساعات يقظته وحتّى الآن هو يقاوم بنجاح كل المبادرات» المضمرة 
والصريحةء من أمثال زبونته الجذّابة ذات الشعر البئّي» والتي ستصبح طليقة 
عمًا قريب وربّما تحتاج إلى مَن يخفّف عنها في وحدتها. 

لكنّ الاستسلام لنزوة ليلة أو اثنتين من المؤاساة, غالبًا ما يولّد 
مضاعفات خطيرةء وها هو الآن يمشي مسرعًا إلى جانب تلك السيّدة الصغيرة 
النحيلةء والتي تكاد تركض لمجاراة خطواته العملاقة. كانت بالكاد تصل إلى 
مستوى كتفه ولم يكن سترايك ليعجب بصاحبات القامة القصيرة. أفصحت 
نينا لاسيلز عن عنوانها في سانت جونز وود مؤكّدةً «هكذاء ستبدو وكأنّك 
زرته.» كان حديثها المتدفق عن روبر تشارد مشحونًا بالضحك أكثر من اللزوم, 
كما أنّها لمست ذراعه مرّة أو اثنتين للتأكيد على نقطة ما. 

«ها قد وصلنا»» قالت أخيرًا عندما اقتربا من مبنى حديث مرتفع 
ذي باب زجاجي دوار, تبرز على جداره الحجري كلمتا «روبر تشارد» بزجاج 
البلكسي البرتقالي المضيء. 

كان بعض المدعوين بلباس السهرة الأنيق» يتنقلون في رجاء بهو 
فسيح مقابل صف من الأبواب المعدنية المنزلقة. أخرجت نينا بطاقة الدعوة 
من حقيبتها وقدّمتها لشخص بدا كطالب يرتدي برّة تكسيدو غير ملائمة 
لمقاسه. ثم انضمّت هي وسترايك إلى عشرين آخرين في مصعد كبير ذي 
مرايا. 

«هذا الطابق مخصّص للاجتماعات»» قالت نينا بصوت مرتفع عندما 
خرجا من المصعد إلى مكان مفتوح مزدحم حيث تعزف فرقة موسيقية لمتعة 
بعض الراقصين. «عادةً ثمّة حواجز فاصلة بين الصالات. إلى من تريد أن 
أقدّمك؟» 

«أي شخص يعرف كواين جيدًا وربما لديه فكرة عن مكان وجوده.» 

«ليس هناك إلا جيريء إنه...» 


مكتبة دودة الحرير 119 


إصطدم بهما فوج جديد من الضيوف الخارجين من المصعد فتبعا 
حركة الحشد. لاحظ سترايك أنَّ نينا تمسك بهدب معطفه كطفلء لكنّه لم 
يبادلها بالإمساك بيدها أو بأي طريقة قد تعرز الانطباع بأنّهما متحابان. 
سمعها مرّة أو اثنتين تحيّي أشخاصًا عابرين. وأخيرًا نجحا في الوصول إلى 
الجدار البعيد» حيث اصطفت طاولات يخدمها ندل بسترات بيضاء وفي 
أيديهم أطباق مختلفة من الأطعمة الشهيّة. سرعان ما بات من المستحيل أن 
يتحدّئا من دون صياح ليسمع أحدهم الآخر. إختار سترايك قطعتين من كيك 
السلطعون والتهمهما مستهجتًا صغر حجمهماء بينما نظرت نينا حولها. 

«لا أستطيع أن أرى جيري الآنء لعلّه يدخّن على السطح. هل نحاول 
البحث عنه هناك؟ أوه انظر هناك - دانيال تشارد ينضمَ إلى حشد 
المدعويّن!» 

«أتّهم؟» 

«الأصلع.» 

تمامًا كسنابل القمح التي تنحني تحت «لهاث» طوّافة مقلعة. تباعد 
المدعوون تلقائيًا مفسحين المجال لرئيس الشركة بينما تحدّث إلى شابّة 
ممشوقة ترتدي ثوبًا ضيّقًا أسود. 

فالوس أمبوديكوس,ء لم يستطع سترايك أن يكبح ابتسامة تندّر 
ارتسمت على وجهه» فالصلع يلائم تمامًا وصف تشارد. كان أكثر شبابًا ولياقة 
مما توقع سترايك ووسیمًا على طريقته؛ وذا حاجبين كثيفين داكنين فوق 
عينين غائرتين» وأنف صقرقء وفم رقيق الشفتين. بدت سترته الرماديّة 
الفاحمة مألوفة, لكنّ ربطة العنق, بلونها البنفسجي الفاتح أعرض من المعدّل 
وتحمل رسومًا لأنوف بشرية. لطالما كان مفهوم سترايك للملابس تقليديًاء 
وتلك عادة بديهيّة صقلتها قاعات الرقباء في الجيش, ولكنّه فوجىء بتلك 
اللمسة المفرطة. الخفيفة وإِنّما الدالّة, في هندام الرئيس التنفيذي, وبخاضة 
أنه كان يثير نظرات اندهاش أو سخرية من حين إلى آخر. 

«أين المشروبات؟» سألت نينا وهي تقف حائرة على رؤوس أصابعها. 


120 روبرت غالبریث t.me/ktabpdf‏ 


«هناك»» قال سترايك مشيرًا إلى زاوية أقيم فيها بار صغير قبالة 
النافذة المطلّة على نهر التايمز المعتم. «إبقي هناء سأحضر الشراب. أتريدين 
نبيذًا أبيض؟» 

«شمبانياء في حال كان دانيال قد أسرف في لوازم الحفل.» 

سلك طريقًا وسط الحشد كي يتمكّن من الاقتراب بلا تبادٍ من تشارد. 
والذي كان قد ترك رفيقته تتولّى الحديث. بدا عليها شيء من يأس المتحدّث 
الذي يعي تمامًا بأنَّ الغير لاايسمعه. لاحظ سترايك أنَّ ظاهر يد تشارد الممسكة 
بكوب الماءء يعلوه طفح من الإكزيما الحمراء. توقف سترايك خلف تشارد 
مباشرةء فاسحًا المجال لمرور مجموعة من الفتيات في الانّجاه المعاكس. 

«... وكان ذلك مُضحكًا جدًا». قالت صاحبة الثوب الأسود بعصبية. 

«أجل»» قال تشارد الذي بدا عليه الملل الشديدء «حتمًا.» 

«وكيف وجدت نيويورك؟ رائعةء لا ؟ لا بل مفيدة؟ أو.. مسلّية؟» 
سألت رفيقته. 

«متعبة»» قال تشارد» وفهم سترايك الذي لم يستطع رؤية وجه الرئيس 
التنفيذيء أنه يتثاءب في الواقع. «كثير من الجدل حول التقنيّات الرقميّة.» 

توف رجل مهيب يرتدي بِرّةٌ ثلاثية القطع ويبدو ثملًا. مع أنَّ الساعة 
لم تتجاوز الثامنة والنصفء أمام سترايك ودعاه بتهذيب شديد إلى التقدّم. 
فلم يكن أمام سترايك من خيار سوى قبول الدعوة الإيمائية» مبتعدًا بذلك عن 
سماع حديث تشارد. 

«شكرًا لك». قالت نينا بعد بضع دقائق وهي تتناول الشمبانيا من 
سترايك. «هل نتوجّه إلى حديقة الشرفة العلويّة؟» 

«عظیم»» قال سترايك. وكان قد أحضر الشمبانيا لنفسه أيضّاء لا لأنّه 
يحيّها بل لعدم وجود شراب آخر يثير اهتمامه. «مَن هي المرأة التي تتحڏث 
إلى دانيال تشارد؟» 

مدّت نينا عنقها لتتمكن من الرؤية بينما قادت سترايك نحو سِلّم 


مكتبة دودة الحرير 121 


«جوانا والدغريف, إبنة جيري. لقد كتبت للتوّ أولى رواياتها. لماذا؟ 
هل هي من النوع الذي يعجبك؟» سألت مع ضحكة لطيفة. 

«لا». قال سترايك. 

إرتقيا السلّم المعدني. وسترايك يستند على الدرابزون بكل ثقله. 
وسرعان ما أنعش هواء الليل الجليديٌّ رئتيه مع بلوغهما السطح. كانت رقع 
المرج الأخضر المخمليّء وأحواض الزهور والشجيرات والمقاعد متناثرة في 
كل الشرفة: وثمّة بركة مضاءة بالأنوار الكاشفة, تسرع الأسماك الحمراء فيها 
كالسهام تحت أوراق الزنبق الداكنة. كانت مدافئ خارجية تشبه الفطر 
العملاق» على شكل مجموعات ترتفع بأناقة بين المروج الخضراء المربّعة 
الأنيقة» وقد تجمّع الناس تحتها مولّين ظهورهم للمشهد الريفي الاصطناعي, 
متحدّثين إلى زملائهم المدخنين والذين توهّجت أطراف سجائرهم في 
العتمة. 

كان مشهد المدينة رائعًا؛ لوحة من المخمل الأسود الفخم االمرضع 
بالجواهرء وقد ظهرت «عين لندن» المتوهجة بالنيون الأزرق» وبرج أوكسو 
بنوافذه الياقوتية» ومركز ساوثرن بانك, وساعة بيغ بن الشامخة» وقصر 
باكنغهام المشعّ بالذهبيّ, هناك في البعيد. 

«تعال»» قالت نينا وأمسكت يد سترايك بجرأة وقادته إلى ثلاث فتيات 
ينفثَ بخارا أبيض مع أنهنٌ لا يدحُنُ. 

«مرحبًا», قالت نيناء «هل رأت إحداكنّ جيري؟» 

«إنّه ثمل»» أكدت الصهباء بكل صراحة. 

«آوه لا»» قالت نیناء « کان علی خير ما يرام!» 

نظرت شقراء نحيلة من فوق كتفها وغمغمت: 

«كاد أن يغمى عليه في أربوتوس في الأسبوع الماضي.» 

«كلّه بسبب بومبيكس موري». قالت فتاة متوثّرة ذات الشعر البنيّ 
القصير. 

«ولم يستطع السفر إلى باريس للاحتفال بذكرى زواجه في عطلة نهاية 
الأسبوع. أعتقد أنَّ فينيلا ثارت ثائرتها مرّة أخرى. ترى متى سيقرّر تركها؟» 


122 روبرت غالبریث t.me/ktabpdf‏ 


«هل هي هنا؟» سألت الشقراء بتشوّق. 

«في مكان ما». قالت ذات الشعر البنيّء «ألن تعرّفينا يا نينا؟» 

إنطلقت موجة من التعريفات والتي تركت سترايك حائرًا بين اسماء 
الفتيات؛ أيّهنَ ميرينداء أو سارة, أو إيماء قبل أن تغوص الفتيات الأربع مجدّدًا 
في تحليل تعاسة جيري والدغريف وميله إلى السكر. 

«كان يجدر به أن يهجر فينيلا منذ سنوات»» قالت ذات الشعر البنيّء 
«إنها امرأة شرّيرة.» 

«هششش!» همست نينا في حين جمدت الأخريات فجأةً إذ تقدّم 
نحوهنّ رجل يضاهي سترايك طولًا. كان وجهه الدائري الممتلئ محجوبًا جزئيًا 
بنظارة ذات إطار قرنيّ وخصلة من الشعر البنّي. كان يحمل كأسًا مليئة بنبيذ 
أحمر يوشك أن ينصبٌ على يده. 

«صمت مريب»» قال مبتسمًا ابتسامة لطيفة. كان يتحدّث بصوت 
ران مغرط الترؤي بحيث بدا لسترايك أنّه سكير متمرّس. «يحق لي بثلاثة 
تخمينات عن موضوع حديثكنٌ: بومبيكس موري وكواين.» ثم أضاف وهو 
ينظر إلى سترايك مادا يده وقد باتت عيونهما على المستوى عينه: «مرحبًاء 
لم نلتق من قبل» أليس كذلك؟» 

«جيري... كورموران» کورموران... جيري»» قالت نينا على الفور. 
«نحن نتواعد»» أضافت على حدة متوجّهةً إلى الشاتات الثلاث. 

«إسمك كامرون؟» سأل والدغريف وهو يكور يده قرب أذنه. 

«تقريبًا». أجاب سترايك. 

«آسف»» قال والدغريفء «أنا أصمّ من إحدى الأذنين. وهل كنتنّ يا 
آنساتيء تتبادلنَ القيل والقال أمام الغريب الوسيم». قال متكلقًا المَرَح, «على 
الرغم من تعليمات السيّد تشارد الواضحة بعدم إطلاع أحد من خارج الشركة 
على سرّنا الأثيم؟» 

«لن تشي بناء أليس كذلك يا جيري؟» سألت السمراء. 

«لو أراد دانيال وضع حدّ للأقاويل», قالت الصهباء بنفاد صبرء مع أنّها 
ألقت نظرة خاطفة من فوق كتفها للتحمّق من أنَّ رئيسها ليس على مقربة: «ما 


مكقرة دودة الحرير 123 


كان ليرسل محاميه إلى سائر أنحاء المدينة ليأمروا الجميع بالسكوت. لا ينفك 
الناس يتصلون بي للاستفسار عمّا يجري.» 

وأردفت السمراء بشجاعة: «لماذا اضطررتٌ للتحدّث إلى المحامين يا 
جيري؟» 

«لأنْني مذكور في الرواية يا سارة»» قال والدغريفء ولوّح بكأسه 
فانصبٌ القليل من محتواه على المرج المجزوز. «أنا غارق حتى أذنيّء في 
ذلك الكتاب.» 

صاحت جميع الفتيات استنكارًا. 

«ماذا يمكن أن يقول كواين عنك, وقد كنت مؤدَبًا جدًا معه؟» سألت 
السمراء. 

«تلك اللازمة التي يكرّرها أوين في أنّني أقسو على روائعه بلا مبرّر», 
قال والدغريف مقلَّدًا حركة المقصّ بيده الحرّة. 

«أوه» أهذا كل شيء؟» سألت الشقراء مظهرة مسحة خفيفة من خيبة 
الأملء «يا للعار! من حسن حظه أنه وجد ناشرًا في الأساس, نظرًا إلى سلوكه 


المُشين.» 

«عاد إلى الاختباء مرّة أخرى»., علّق والدغريفء «إنه لا يرد على أي 
مكالمة.» 

«جبان حقير»» قالت الصهباء. 


«إِنّْني قلق جدًا بشأنه في الواقع.» 

«قلق؟» كرّرت الصهباء مشككة, «لستٌ جادًا يا جيري.» 

«قد تشعرين بالقلق أيضّاء لو قرأت ذلك الكتاب». قال والدغريف 
مُصدرًا حازوقة صغيرةء «أعتقد أنَّ أوين منهار. يبدو الكتاب بمثابة رسالة 
انتحار.» 

أطلقت الشقراء ضحكة صغيرةء سرعان ما كبتتها عندما نظر والدغريف 
إليها. 


124 روبرت غالبریث t.me/ktabpdf‏ 


«لست أمزح. أظئّه فقد صوابه. إن استثنينا مفرداته المبتذلة وقرأنا 
ما بين السطورء الرسالة واضحة: الكلّ ضدّيء والكل يريد النيل منيء والكل 
يكرهني...» 

«الكل يكرهه بالفعل»» تدخّلت الشقراء. 

«ما من شخص عاقل قد يجد الكتاب قاباًد للنشر. وها هو قد اختفى 
الآن.» 

«لكنّه يفعل ذلك دائمًا». قالت الصهباء وقد ضاقت ذرعّاء «إنّها حيلته 
المعهودة: تمثيل دور الهارب. أليس كذلك؟ أخبرتني دايزي كارتر العاملة 
لدی دايفيس-غرين أنه انصرف غاضيًا مرّتين عندما كانوا يتعاونون معه 
لإصدار الإخوة بالزاك.» 

«إنّني قلق بشأنه». قال والدغريف بعناد. شرب جرعة كبيرة من النبيذ 
وأضافء «ربما شق معصميه...» 

«لن يقتل أوين نفسه!» قالت الشقراء ساخرة. فرمقها والدغريف بنظرة 
بدت لسترايك مزيجًا من الشفقة والكراهية. 

«ينتحر الناس يا ميريندا, إذ يظئون بأنّهم فقدوا علّة وجودهم. بل إِنَّ 
استخفاف الغير بمعاناتهم يكفي ليجهزوا على أنفسهم.» 

بدت الشقراء مرتابة» ثم نظرت إلى المجموعة طلبًا للمساندة؛ لكن 
أحدًا لم يدافع عنها. 

«الكتاب مختلفون»» قال والدغريف «لم أصادف واحدًا قط يتمتّع 
ببعض الحسنات إلا وكان أحمقًا. وهذا أمر يجدر بليز تاسيل الرهيبة أن 
تذكره.» 

«لقد اذّعت بأنّها لم تكن تعرف مضمون الكتاب»» قالت نيناء 
«وأخبرت الجميع بأنّها كانت مريضة ولم تقرأه كما ينبغي...» 

«أعرف ليز تاسيل»» زمجر والدغريف وشْرٌ سترايك لرؤية ومضة غضب 
حقيقيّ تصدر عن هذا المحرّر اللطيف المخمور. «كانت تعرف ماذا تفعل 
عندما وزعت ذلك الكتاب. ظتتها فرصتها الأخيرة لجني بعض النقود من 
أوين وبطريقة دنيئة. كانت تنوي اكتساب الشهرة إثر فضيحة فانكورت الذي 


مكتبة دودة الحرير 125 


تكرهه منذ سنين... لكنْ الأمر سبّب كثيرًا من المشاكلء ما دفعها إلى قطع 
العلاقة بزبونها. إنه سلوك مشين.» 

«ألغى دانيال دعوتها الليلة»» قالت السمراء. «اضطررت إلى الاتصال 
بها لإبلاغها. كان أمرًا فظيمًا.» 

«هل تعرف إلى أين قد يذهب أوين يا جيري؟» سألت نينا. 

هرّ والدغريف كتفيه. 

«يمكن أن يكون في أيّ مكان. لكثني آمل أن يكون بخير أينما ؤجد. لا 
يسعني إلا أن أعجب بهذا اللعين السخيف» على الرغم من كل شيء.» 

«ما هي فضيحة فانكورت الكبيرة التي كتب عنها؟» سألت الصهباء 
«سمعت أحدهم يقول إِنَّها تتعلّق بمحاكاة...» 

أخذ كل أفراد المجموعة باستثناء سترايك» يتحدّثون دفعة واحدة, 
لكنّ صوت والدغريف علا على أصوات الآخرين فصمتت الفتيات على سبيل 
المجاملة والتي غالبًا ما تظهرها النساء قبالة الذكور الفاشلين. 

«ظننت أنّ الجميع يعرف تلك القصّة»؛ قال والدغريف وأطلق حازوقة 
صغيرة أخرى. «باختصار» كتبت زوجة مايكل الأولى» إيلسبيث, رواية رديئة 
جدًا. وقد نشر أحدهم نوعًا من المحاكاة الساخرة عن الرواية المذكورة في 
إحدى المجلات الأدبية. إقتطعت إيلسبيث المقالة, دبّستها على ظاهر ثوبها 
وانتحرت بالغاز على طريقة سيلفيا بلاث.» 

شهقت الصهباء. 

«قتلت نفسها؟» 

«أجل»» قال والدغريف» وشرب النبيذ ثانية. «الكتّاب حمقى.» 

«من كتب المقالة؟» 

«لطالما ظنّ الجميع بأنّه أوين. ولكتّه أنكر ذلك. وإنّماء نظرًا إلى 
العواقب, أفترض بأنّه المسؤول»»: قال والدغريف. «انقطعت الصلة بين أوين 
ومايكل بعد وفاة إيلسبيث. لكنّ أوين وجد في بومبيكس موري طريقة بارعة 
للإيحاء بأنَّ صاحب المحاكاة الساخرة كان مايكل نفسه.» 

«يا إلهي»» قالت الصهباء مذعورة. 


126 روبرت غالبریث t.me/ktabpdf‏ 


«بالحديث عن فانكورت»» قال والدغريف وهو ينظر إلى ساعته, 
«يُفترض بي إعلامكن بأنّه سيتم الإعلان عن حدث كبيرء في الأسفلء عند 
التاسعة. ولا أنصحكنّ بتفويت ذلك آنساتي.» 

مشى مبتعدًا على مهل» فاطفأت اثنتان من الفتيات السيجارة وتبعتاه. 
لكنّ الشقراء اتجهت نحو مجموعة أخرى. 

«جيري لطيفء أليس كذلك؟» سألت نينا سترايك وهي ترتجف داخل 
معطفها الصوفي 

«إِنّه شهم جدًا»: قال سترايك. «لا يبدو أنَّ أحدًّا سواه مقتنع بأنّ كواين 
لم يكن ليعرف ماذا يفعل. أتريدين أن نعود إلى الداخل لننعم ببعض الدفء؟» 

كان الإرهاق قد هبط كإعصار على سترايك. تمئى فقط لو يعود إلى 
البيت لينزع ساقه البديلة - عمليّة كانت د مشقّة كل يوم - ويغمض 

عينيه ويحاول النوم ثماني ساعات إلى أن يستيقظ ويذهب في أثر زوج خائن 
0 

كانت القاعة في الأسفل 3 : تغصٌّ بالحاضرين أكثر من ذي قبل, ٠‏ وقد 
توقفت نينا عدّة مرّات للصراخ والزعيق في آذان البعض من معارفها. قُدّم 
سترايك إلى ا رومانسي قصير وسمين بدا منبهرًا بالشمبانيا الرخيصة 
والفرقة الموسيقية الصاخبة. ومن ثم إلى زوجة جيري والدغريفء التي بدت 
شب اة وهن مني ها بغار تاش غير حصلات من التدر الاثوة 
المتشابك. 

«إِنّها دائمة التملّق»» قالت نينا ببرودة» وقادت سترايك بمحاذاة 
منضة مؤقتةء «تتحدّر من أسرة ثريّة وتبذل المستحيل ليعرف الجميع بأنّها 
أخطأت في الاقتران بجيري الذي يقل عنها منزلة. إِنْها متعجرفة فظيعة.» 

«ومعجبة بوالدك نقيب المحامين لدى مجلس القضاء » ليس كذلك؟» 
سأل سترايك. 

«لديك ذاكرة مخيفة»» قالت نينا ونظرت إليه نظرة إعجاب» «لاء أعتقد 
أنَّ الأمر... حسئاء أنا صاحبة السعادة نينا لاسيلز في الواقع. أعنيء من يهتمٌ 
لذلك؟ لكنّ أمثال فينيلا يجدون ذلك بغاية الرُقِيّ.» 


مكتبة دودة الحرير 127 


أخذ أحد الموظفين يضبط الميكروفون فوق منصّة الخطابة القريبة من 
البار. كانت راية مزخرفة تظهر شعار روبر تشارد» مع عقدة حبل جميلة تربط 
بين الاسمين» وكلمات «الذكرى المئوية السنوية» تتجلّيان تحتها. 

تلت ذلك عشر دقائق مملّة من الانتظار إستجاب فيها سترايك بلباقة 
لثرثرة نيناء الأمر الذي تتطلب منه مجهودًا عظيمًاء لأنه أجبر على الانحناء 
باستمرار» كونها أقصر منه بكثير والقاعة تضحّ بالأصوات الصاخبة. 

«هل لاري بينكلمان هنا؟» سأل سترايك متذكوًا صورة كاتب قصص 
الأطفال المسنّ المعلّقة على جدار مكتب إليزابيث تاسيل. 

«أوه لا إِنّه يكره الحفلات»» قالت نينا بسرور ظاهر. 

«ظننتكم ستقيمون حفلة على شرفه؟» 

«كيف عرفت ذلك؟» سألت مندهشة. 

«لقد أخبرتني بذلك» في الحانة.» 

«واو, أنت لا تفوت أيّ تفصيل! أجلء نقيم حفل عشاء بمناسبة إعادة 
طباعة قصص الميلاد» لكته سيكون مغلقًا. فلاري يكره الحشود. إِنّه جد 
خجول.» 

وصل دانيال تشارد إلى المنصّة أخيرًا. خبت الأحاديث لتصبح تمتمة, 
ثم ساد الصمت. لاحظ سترايك جوًا من التوثّر عندما رنّب تشارد ملاحظاته ثم 

بدا تشارد منزعجًا وغير واثق» مع أنه يجدر به إتقان فنّ الخطابة. كانت 
عيناه تحدّقان في نقطة وهميّة ما فوق رؤوس الحضورء وذلك وفق فترات 
منتظمة؛ يتفادى الأنظار الشاخصة به, وفي بعض الأحيان» يكاد صوته يتحول 
إلى همس وهو يتحدّث بإيجاز عن التاريخ المجيد لمنشورات روبر. قدّم 
عرضًا بسيطًا عن تشارد بوكسء الشركة التي أدارها جدّه في الماضيء واصفًا 
كيف تم دمج الشركتين لاحقًا. ثم عبّر عن سروره وفخره المتواضعينء وبالنبرة 
الرتيبة نفسهاء إثر تعيينه على رأس هذه الشركة العالمية, منذ عشر سنوات. 
حظيت نكاته النادرة بالكثير من الترحاب والذي أذكاه» كما ظَنَّ سترايك, 
تأثير الكحول وبعض الارتباك. وجد سترايك نفسه محدّقًا في يدي المتحّدث 


128 روبرت غالبريث t.me/ktabpdf‏ 


المتقرّحتين؛ كان قد عرف ذات يوم جنديًا في الجيش تشتدٌّ عليه الإكزيما 
كلّما ازداد توثره. وأحيانًا إلى حدّ إرغامه على دخول المستشفى. 

تابع تشارد منتقلًا إلى ما استطاع سترايك تبيّنه كونه الأطول في 
القاعة والأقرب إلى المنضة. كالورقة الأخيرة في الخطاب. «ما من شك في 
أنَّ مجال النشر يشهد حاليًا فترة من التغيّرات السريعة والتحدّيات الجديدة, 
لكن» تبقى حقيقة واحدة راسخة» اليوم كما منذ قرن من الزمن: المضمون 
هو الملك. إذ تفتخر روبر تشارد بالتعامل مع أفضل الكتّاب في العالم؛ فإنها 
ستستمرٌ في تسلية القرّاء وإثارة اهتمامهم وحماسهم وطرح الأسئلة الصحيحة 
كما والتحدّيات....» «في هذا السياق - لم يعلن تشارد عن الاقتراب من 
ذروة الخطاب بحماسة أو بارتفاع في النبرةء وإنما باسترخاء تامّ إذ أشرفت 
مهمّته الشاقّة على الانتهاء - «يشرّفني ويسرّني أن أخبركم بأننا تمكنا في 
هذا الأسبوع من اجتذاب أحد أروع الكتّاب في العالم. سيّداتي سادتي» أرجو 
منكم أن ترحبوا بمايكل فانكورت!» 

شمع شهيق في أوساط الحشدء وصاحت إحدى النساء لشدَّة حماسها. 
دوّى التصفيق في مكان ما في مِوْخَّر القاعة وانتشر كالنار المستعرة إلى 
المقدّمة. شاهد سترايك بابًا يُفتح من بعيدء فلمحة عن رأس مفرط الضخامة, 
وأمارات متجهّمة؛ قبل أن يغوصٌ فانكورت في جموع الموظفين المتحمّسين. 
مضت عدّة دقائق قبل أن يظهر على المنصّة ليصافح تشارد. 

«يا إلهي!»» قالت نينا وهي تصفق بحماسة وكزرت القول. «يا إلهي!» 

كان جيري والدغريف يقف في مواجهتهما تقريبًا عند الجانب الآخر 
من المنضة؛ تعلو قامته الممشوقة, على غرار سترايك. الحضور والذي يتألف 
بمعظمه من الإناث. كان يمسك مجدّدًا بكأس مليئة. لذاء لم يستطع أن 
يصفّق, لا بل رفع الكأس إلى فمه. بكل جديّة, وهو يراقب فانكورت الذي اومأ 
للمستمعين بالسكوت. 

«شكرًا لك يا دان». قال فانکورت» «لا شك في انض لم أتوقع البئّة أن 
أتواجد هنا ذات يوم»» قال ذلك مسبَبًا قهقهة شديدة لدى أحد الحضور, 
«لكثني أشعر وكأنني أعود إلى بيتي. لقد ألّفتٌ كتبًا لتشارد, ثم لروبر» كانت 


مكتبة دودة الحرير 129 


أوقانًا سعيدة. كنت حينها شابًا غاضيًا - إنطلقت قهقهات قصيرة من هنا 
وهناك - «وأنا الآن عجوز غاضب» - ضحك كثير, وابتسامة صغيرة من دانيال 
تشارد أيضًا - «وأتطلع إلى أن أغضب مجدّدًا لأجلكم» - ضحك مسرف من 
تشارد والجمهورء كان سترايك ووالدغريف الوحيدين لعدم التأثّر في القاعة. 
«أنا مسرور بالعودة وسأبذل ما في وسعي - ماذا قلت للت يا دان؟ - لتستمرٌ 
دار روبر تشارد في تسلية القرّاء. إثارة اهتمامهم وحماسهم وطرح الأسئلة 
الصحيحة كما والتحدّيات... ثارت عاصفة من التصفيقء وتصافح الرجلان 
وسط وميض الكاميرات. 

«نصف مليونء على ما أظنّ». قال رجل مخمور إلى جانب سترايك 
«وعشرة آلاف للمجيء هذه الليلة.» 

ترجّل فانكورت من المنصّة أمام سترايك مباشرة, وتعابيره المتجهّمة 
المعتادة بالكاد تعدّلت لإرضاء عدسات الكاميرات, لكنه بدا أكثر سعادة 
عندما امتدّت الأيادي لتصافحه. لم يكن مايكل فانكورت ليمقت التزلّف. 

«واو»» قالت نينا لسترايك. «هل تصدّق ما حصل؟» 

إختفى رأس فانكورت الضخم وسط الحشد. حاولت جوانا والدغريف 
الفاتنة الرشيقة شق طريقها نحو المؤلّف المشهور. لكنْ والدها ظهر فجأةٌ 
خلفهاء وترنّح لوهلة من ثمّ استعاد توازنه ملتقطًا ذراع ابنته بشدّة. 

«لديه آخرون يتحدّث إليهم يا جو دعيه.» 

«ولكنّ أمَّي هرعت نحوه» فلم لم تمنعها؟» 

شاهد سترايك جوانا تبتعد عن والدها بغضب واضح. كان تشارد قد 
اختفى أيصًاء فتساءل سترايك إذا عمد إلى التسلّل من الباب بينما انشغل 
الحشد بفانكورت. 

«رئيسك التنفيذي لا يحب الأضواء»» قال سترايك لنينا. 

«يقولون إِنّه تحسن»» قالت نينا وهي تنظر باتجاه فانکورت» «لم يکن 
ليرفع نظره عن الورقة قبل عشر سنوات. لكته بالمقابل رجل أعمال استثنائي. 
بغاية الحذاقة.» 


130 روبرت غالبریث t.me/ktabpdf‏ 


«نينا»» قال سترايك جاذبًا رفيقته بعيدًا عن الجمهور المحتشد حول 
فانكورت, فسمحت له بقيادتها عن طيب خاطرء «أين تتواجد مخطوطة 
بومبيكس موري كما ذكرت سابقًا ؟» 

أجابت» «في خزنة جيري» تحت هذا الطابق مباشرة.» إحتست 
الشمبانيا وعيناها الواسعتان تلتمعان. «هل تريد حقًا ما يجول في بالي؟» 

«هل سيسبئّب ذلك المتاعب؟» 

«والكثير منها». قالت بلامبالاة» «لكنّ المفتاح الإلكترونيّ بحوزتي 
والكل منشغلء أليس كذلك؟» 

فكر سترايك بأنَّ والدها من المحامين المرموقين وسيتحاشون طردها 
لا محالة. 

«أتعتقدين أنّه بوسعنا صنع نسخة؟» 

«لنقم بذلك»» قالت وهي تشرب كأسها حتى الثمالة. 

كان المصعد خاليًا والطابق في الأسفل مظلمًا ومهجورًا. فتحت نينا 
الباب الخلفيّ بمفتاحها الإلكتروني وقادته بثقة بين شاشات الحواسيب كما 
والمكاتب الفارغة, نحو مكتب كبير في إحدى الزوايا. كان مصدر الإنارة 
يقتصر على شذرات من أرجاء العاصمة المتلألئة؛ والمؤشّر الضوئيّ البرتقاليَ 
الدقيق الذي يصدر بين الحين والآخر من الحاسوب. 

لم يكن مكتب والدغريف مقفلًا لكنّ الخزنة المخفيّة خلف خزانة 
كتب متحركة, مزودة بترميز رقميّ. أدخلت نينا تركيبة من أربعة أرقام» ففتح 
الباب وشاهد سترايك كومة من الأوراق غير المرتّبة في الداخل. 

«هذه هي»» قالت بسرور واعتداد. 

«أخفضي صوتك»» نصحها سترايك. 

تولّى سترايك المراقبة بينما عمدت نينا إلى صنع نسخة عن المخطوطة 
بواسطة آلة النسخ خارج الباب. كان صوت الهسيس والطنين اللامتناهي 
مريحًا على نحو مستغرب. بعد ربع الساعة؛ أعادت نينا المخطوطة إلى الخزنة 
وعاودت إقفالها وكأنّ شيًا لم يكن. 

«تفضّل.» 


مكتبة دودة الحرير 131 


سلّمته النسخة مع عدّة أشرطة مطاطية لحفظها في رزمة واحدة. إذ 
هم بالتقاط هذه الأخيرة. مالت صوبه متّكئة عليه لبضع ثوانء مترنّحة من 
دوار السكر. كان يدين لها بشيء في المقابلء لكنّه منهك جدًا. بدت فكرة 
مرافقتها إلى شقتّها في سانت جونز وود أو إلى شقّته في شارع الدانمارك غير 
مستحبّة. هل تكون جلسة شرابء ربما مساء الغد, ملائمةً لتسديد ما يدين 
به؟ لكته تذكر أنَّ ليلة الغد تصادف عشاء عيد ميلاده في منزل أخته. كانت 
لوسي قد أكدت بأنّه يستطيع اصطحاب أحدهم. 

«أتريدين مرافقتي إلى حفلة عشاء مملّة مساء الغد؟» سألها سترايك. 

ضحكتء وبدا سرورها واضحًا. 

«ما الممل بشأنها؟» 

«كل شيء» ستضفين عليها البهجة. تخيّلي ذلك؟» 

«لم لا؟» 

ستفي تلك الدعوة بالفاتورة كما يبدو. شعر سترايك بأنّها لن تطالب 
بالمزيد أو أقلّه حاليًا. خرجا من مكاتب الإدارة المظلمة في جو من الرفقة 
الودّية» وكانت نسخة بومبيكس موري محبّأة تحت معطف سترايك. بعد أن 
دوّن عنوانها ورقم هاتفهاء حرص على مرافقتها إلى باب سيّارة الأجرة وراقبها 
تبتعد» متنفسًا الصعداء. 


t.me/ktabpdfF 


14 


هناك يقبع» وأحيائًا طوال فترة ما بعد 
الظهرء يقرأ تلك الأبيات المقيتة والشنيعة 
المقرّزة (اللعنة عليهاء لا أطيقها!)... 


بن جونسون, «لكل شخص مزاجه» 


سار الألوف في اليوم التالي في مسيرة مناهضة للحرب التي فقد فيها سترايك 
ساقه. شاقين طريقهم عبر وسط المدينة البارد» وهم يحملون اللافتات, 
وتتقدّمهم أسر العسكريين. كان سترايك قد سمع من أصدقاء مشتركين في 
الجيش أن والدّي غاري توبلي - والذي توفي في الانفجار الذي كلف سترايك 
ساقه - سيكونان في عداد المتظاهرينء لكن لم يخطر بباله أن ينضمّ إليهما. 
لا يمكن احتواء أحاسيسه تجاه الحرب بحبر أسود على لوحة بيضاء مربّعة. 
لقد كان مبدأه ولا يزال «أكمل عملك بالشكل الصحيح حتّى النهاية»» وأمًا 
المشاركة في المسيرة فتعني وجود ندم لا يشعر به. لذاء قام بتثبيت ساقه 
البديلة, وارتدى أفضل بذاته الإيطالية وتوجّه إلى شارع بوند. 

كان الزوج الخائن موضوع تعقّبه يصرٌ على انّهام زوجته والتي قد 
تصبح طليقته - زبونة سترايك ذات الشعر البئّي - بأنّها أضاعت عدَّة قطع 
من المجوهرات الثمينة لشدّة إهمالهاء خلال إقامتها الوجيزة معه في أحد 


تة دودة الحرير 133 


الفنادق. إذ عرف سترايك بأنَّ الزوج على موعد معيّن في شارع بوند هذا 
الصباح» توقع معاودة ظهور بعض المجوهرات المفقودة. 

دخل الرجل المذكور متجرًا للمجوهرات بينما زعم سترايك بأنّه يتفخص 
واجهات متجر مقابل. ليعاود الخروج بعد نصف الساعة. توجّه سترايك إلى 
أحد المقاهي المجاورةء سامحًا بمرور ساعتين من الوقت, ثمّ دخل بدوره متجر 
المجوهرات لاعبًا دور الزبون الثري الذي يريد إهداء زوجته عقدًا من الزمرّد؛ 
ذريعة أذت» بعد نصف ساعة من المراوغات حول مختلف القطعء إلى إخراج 
الققد نفسه والذي كانت ذات الشعر البتّي تشتبه بأنٌ زوجها المُخادع سرقه. 
إشتراه سترايك على الفور, وتلك صفقة تمكن من عقدها لأنَّ زبونته دفعت له 
عشرة آلاف جنيه مقدَّمًا لهذه الغاية. عشرة آلاف جنيه لإثبات خداع زوجهاء 
لا تعد شيئًا بالنسبة لسيّدة تأمل بصفقة تسوية بملايين الجنيهات. 

إشترى سترايك شطيرة كباب في طريق عودته إلى المنزل. وبعدما 
أودع العقد في خزنته الصغيرة والتي كان قد ركبها في مكتبه (وتُستعمل عادة 
لحماية الصور والأدلّة الدامغة). توجّه إلى شقّته حيث حصّر لنفسه فنجانًا 
من الشاي الأسود المركز, خلع بزّته. وشفل التلفاز مترقّبًا مباراة الأرسنال 
والتوتنهام هوتسبرز. بعد ذلك تمدّد مستريحًا على سريره وبدأ بقراءة 
المخطوطة التي سرقها في الليلة الماضية. 


كما قالت إليزابيث تاسيل, كانت بومبيكس موري نسخة فاسدة عن رحلة 
السائح, تدور أحداثها في أرض وهميّة وإِنّما ذات مناظر خلابة. ينطلق 
البطل (وهو كاتب شابٌ عبقري) من جزيرة يسكنها أناس أغبياء بالفطرة 
وإِنّْما مصابون بعمى شديد فلا يقزون بموهبته, في رحلة تبدو رمزيّة إلى 
حدٌ كبير, نحو مدينة بعيدة. كانت المفردات اللغوية غنيّة, وأمَا الأسلوب 
المتنمق والمبالغ, فمألوف لدى سترايك إذ كان ممن طالعوا الإخوة بلزاك 
لكنّ اهتمامه بالموضوع دفعه إلى المتابعة. 


أولى الشخصيات المألوفة التي تظهر في خضّم الجمل المتشابكة 
والماجنة في الغالب هي: ليونورا كواين. بينما كان الشاب الألمعي بومبيكس 


134 روبرت غالبریث t.me/ktabpdf‏ 


ينتقل عبر الأراضي المحفوفة بمختلف أنواع المخاطر والوحوش. ها هو يلتقي 
سوكوباء وهي امرأة توصف باختصار كما «عاهرة متمرّسة»», فتقبض عليه 
وتقيّده وتنجح في اغتصابه. تبدو مواصفات ليونورا كما هي في الواقع: نحيلة 
ترتدي ثيابًا مبتذلة وذات نظارة كبيرة» وسلوك رتيب لا ينمّ عن أيّ تعبير. 
يقنع بومبيكس سوكويا بأن تطلق سراحه بعد عدّة أيام من الإساءة المنظمة. 
ولكتها وإذ شعرت بوحشة شديدة لفكرة رحيله» جعلته يوافق على اصطحابها 
معه: ذلك من أل الأمثلة في القصّة عن التقلّبات المتكررة والغريبة الشبيهة 
بالحلم» حيث يصبح ما كان رديئًا ومخيفًاء حسئًا ومعقولًا من دون تبرير أو 
اعتذار. 

بعد بضع صفحات, يتعرّض الاثنان لهجوم من كائنة تعرّف بال«قرادة», 
وقد عرف سترايك بسهولة أنّها تجسّد إليزابيث تاسيل: فك مربّع. صوت جهير 
ومخيف. بعد اغتصابه مجدّدًا. ها بومبيكس يشعر بالشفقة تجاه جلادته, 
ويسمح لها بالانضمام إليهما. وكانت القرادة تغتذي من ثدي بومبيكس خلال 
نومه, فبدأ ينحف وتضعف صحّته. 

بدا أنَّ بومبيكس من جنس طافر غريب؛ إلى جانب قدرته الظاهرة على 
الإرضاع» سرعان ما أظهر علامات الحمل» على الرغم من استمراره في إمتاع 
عدد من النساء الشبقات في الظاهر واللواتي يعترضنَ دربه بانتظام. 

بينما كان سترايك يتقدّم ببطء عبر المجون المنمّق: تساءل عن عدد 
صور الشخصيات الحقيقية التي لم يتعرّف إليها. كان عنف لقاء بومبيكس 
بالبشر الآخرين صادمًاء فلم يترك شذوذهم وقسوتهم أي ثغرة من دون 
انتهاكها. بدا ذلك جنونًا ساديًا مازوشيًا. مع ذلك شكلت براءة بومبيكس 
الجوهرية وطهارته العنوان العريض» فأن يكون عبقريًا عنى أن يسامحه كل 
القزاء على الجرائم الفظيعة بقدر ارتكابات الوحوش التي كان ليصادفها بين 
الحين والآخر. فيما كان سترايك يقلّب الصفحات. تذكر رأي جيري والدغريف 
بأنّ كواين مريض نفسيًا وبدأ يشعر ببعض التعاطف مع رأيه... 

كانت المباراة توشك أن تبداً» فوضع سترايك المخطوطة جانيّاء وهو 
يشعر وكأنّه شجنَ لمدّة طويلة داخل قبو مظلم وقذر بعيدًا عن النور والهواء. 


مكشرة دودة الحرير 135 


ها هو الآن يشعر بترفب ممتع. كان واثقًا من أنَّ الأرسينال سيفوز - لم يتمكن 
السبيرز من هزيمته على أرضه طوال سبع عشرة سنة. 

نسي سترايك نفسه لمدّة ثلاثة أرباع الساعة. غارقًا في المتعة ومطلقًا 
صيحات التشجيع المتكرّرة بينما كان فريقه يفوز بهدفين مقابل صفر. 

في الاستراحة بين الشوطين» أخمد الصوت ولو بتردّد وعاد إلى عالم 
خيال أوين كواين الغريب. 

لم يتعرّف إلى مزيد من الشخضيات إلى أن اقترب بومبيكس من 
المدينة التي يقصدها. هناء على الجسر فوق الخندق المائي المحيط بأسوار 
المدينة. وقف شخصٌ ضحم قصير النظر يسير متثاقلًا: «قاطع.» 

كان قاطع يعتمر قبّعة بواقية أماميّة تصل إلى مستوى نظارة ذات 
إطار قرنيّء وكيس ملطخ بالدم يتأرجح على كتفه. وافق ببومبيكس على عرض 
قاطع بأن يقوده هو وسوكوبا والقرادة إلى باب سرّي يُفضي إلى داخل المدينة. 
بعدما اعتاد سترايك العنف الجنسيّء لم يتفاجأ بأن يعتزم قاطع إخصاء 
بومبيكس. وفي العراك الذي تلى ذلك سقط الكيس عن ظهر قاطع وخرج 
منه مخلوق أنثويّ قزميّ. ترك قاطع بومبيكس وسوكوبا والقرادة يهربون بينما 
طارد القزمة. عندهاء تمكن بومبيكس ومرافقتاه من إيجاد فتحة في أسوار 
المدينة وإذ التفتوا إلى الخلف للمرّة الأخيرة. شاهدوا قاطع وهو يُغرق القزمة 


في الخندق المائي. 

كان سترايك منشغلًا بالقراءة فلم يدرك أنَّ الشوط الثاني بدأ. نظر إلى 
التلفاز الصامت. 

«اللعنة!» 


إثنان-إثنان: قد تمكن السبيرز من تحقيق التعادل على نحو لا يصدّق. 
رمى سترايك المخطوطة جانبًا وقد تملكه الجزع. كان دفاع الأرسينال ينهار 
أمام عينيه, بينما يجدر بهم أن يحقّقوا الفوز في سعيهم لتصدّر قائمة الدوري. 

«اللعنة!» صاح سترايك بعد عشر دقائق عندما صدّ لاعب كرة 
فابيانسكي برأسه. 

وفاز السبيرز. 


136 روبرت غالبریٹث t.me/ktabpdf‏ 


أطفأ سترايك التلفاز مطلقًا سلسلة شتائم وتحقّق من ساعته. كان أمامه 
نصف الساعة فقط ليستحمّ سريعًا ويغيّر ملابسه قبل أن يتوجّه لاصطحاب 
نينا لاسيلز من سانت جونز وود. ستكون الرحلة في سيّارة الإجرة إلى بروملي 
ذهابًا وإياباء مكلفة للغاية. تأمَل مسبقًا بالأحداث المحتملة في الربع الأخير 
من مخطوطة كواين باشمئزازء وشعر بتعاطف كبير مع إليزابيث تاسيل التي 
تصفحت المقاطع الأخيرة. 

تقدّم نحو ادس مكتئيًا ومنزعجًاء متمئّيًا لو يستطيع قضاء الليل في 
البيت. فجأة إنتابه شعور غير منطقي بأنّه لولم يسمح لعالم بومبيكس موري 
الكابوسيّ الماجن بصرف انتباهه. لربّما فاز الأرسينال. 


15 


صدّقنيء, ليس من الرائج أن تتمنّع بعلاقات 
عديدة في المدينة. 
ويليام كونغريف, «قطار العالم» 


«إذّاء ما رأيك في بومبيكس موري؟» سألته نينا عندما خرجا من شقّتها وركبا 
سيّارة أجرة. لو كان بمفردهء لاستقل النقل العام؛ والأقلّ كلفة. لكنّ الرحلة في 
السيّارة أكثر متعة وتستغرق وقنًا أقل. 

«نتاج عقل مريض» أجاب سترايك. 

«لكئك لم تقرأ أّا من كتب أوين الأخرى. إِنّْها سيّئة بالقدر نفسه 
تقريبًا. ولو أنَّ روايته الأخير ة لا تثير الغثيان بالقدر ذاته. ماذا عن قضيب 
دانيال المتقيّح؟» 

«لم أصل إلى هناك بعد. وهذا أمر أتطلّع إليه.» 

كانت ترتدي تحت المعطف الصوفي الدافئ الذي ارتدته بالأمس 
فستانًا أسود ضيّقًا ذا تقويرة واسعة شاهد سترايك لمحة عن محاسنهاء عندما 
دعته إلى دخول شقّتها في سانت جونز وود بينما انحنت لالتقاط حقيبتها 
ومفاتيحها. عندما لاحظت أنه أتى فارغ اليدين, مرّت بالمطبخ لإحضار قئّينة 
نبيذ. إِنّها فتاة ذكية وجميلة وعلى خُلّق, لكنَّ طريقتها في الارتماء بين ذراعيه 


138 روبرت غالبریث t.me/ktabpdf‏ 


منذ الليلة التالية لتعارفهماء وهي ليلة سبت أيضّاء تنمّ عن طيشء أو ريما عن 
نقص عاطفيّ. 

تساءل سترايك لم لبّى دعوتها هذه في حين ابتعدت بهما السيّارة 
عن قلب لندنء نحو الضاحية السكنيّة: بما فيها من منازل واسعة مزدحمة 
بأجهزة صنع القهوة وشاشات التلفزة العالية الوضوح؛ ونحو كل ما لم يمتلكه 
قط وافترضت أخته أنه يجب أن يكون طموحه الأول والأخير. 

ليس من المستغرب أن تقيم لوسي عشاء عيد ميلاده في منزلها. 
هي تفتقر إلى الخيال أساسّاء ومع أنَّ تنظيم الحفلة كان ليوئّرهاء فإنّها تقدّر 
تسهيلات منزلها عاليًا. من عادتها أن تصرٌ على إقامة عشاء لا يريده؛ ولا 
تستطيع أن تفهم أنّه لا يريد. ففي عالم لوسيء يحتفى بأعياد الميلاد على 
الدوام؛ ولا تُنسى البتّة: يجب أن تكون الكعكة والشموع والبطاقات والهدايا 
حاضرة» ويجب تحديد الوقت, والمحافظة على النظام, والتمسّك بالتقاليد. 

عندما عبرت سيّارة الأجرة نفق بلاكوول مسرعةً بهما تحت نهر التايمز 
نحو جنوب لندن, أدرك سترايك أنَّ إقدامه على اصطحاب نينا معه إلى حفلة 
عائليّة» هو بمثابة إعلان واضح وصريح عن عدم احترام العادات. على الرغم 
من أنّها تحمل في حجرها قنّينة نبيذ تقليدية» كانت متوثّرة» على استعداد 
لخطو الخطوة وتجريب حظها. هي تعيش بمفردهاء وتهتمّ بالكتب أكثر منهم 
الأطفال. باختصار» ليست من النوع الذي يروق للوسي. 

بعد نحو ساعة على مغادرة شارع الدانمارك. وإنفاق خمسين جنيهاء 
ساعد سترايك نينا في الخروج من السيّارة إلى شارع منزل لوسي المظلم 
والبارد. واقتادها عبر الممرّ تحت شجرة المغنوليا العملاقة. قبل أن يرن 
سترايك جرس الباب» قال ببعض التردد: 

«ربما يجب عليّ أن أخبرك: إِنّه حفل عشاء بمناسبة عيد ميلادي.» 

«أوه» كان يجذر بك أن تقول! أتمتى لك عيد...» 

«ليس اليوم في الواقع»» قال سترايك. «لا تأبهي بذلك.» 

ثم رنَّ جرس الباب. 


مكتبة دودة الحرير 139 


فتح غريغ» صهر سترايك» الباب وأدخلهما. بادرهما بكثير من 
المصافحات, بالإضافة إلى عبارات مرحّبة بنينا. على عكس لوسيء التي 
أسرعت إلى المدخل حاملةٌ سكين الدّهن كالسيف ومرتديةً مئزرًا فوق فستان 
الحفل. 

«لم تقل إِنّك ستحضر معك أحدًا!» همست في أذن سترايك عندما 
انحنى ليقيّل وجنتها. كانت لوسي قصيرة؛ شقراء. ذات وجه مستديرء ولا 
تبدو أنّها تمت لشقيقها بقرابة. بالفعل» هي نتاج إحدى علاقات أمَهما 
الجانبية بموسيقيَ شهير. كان ريك ذاكء. عازف غيتار إيقاعيّ» وقد حافظ 
على علاقة ودّية بأبنائه. خلاقًا لوالد سترايك. 

«إعتقدٹ نك طلبت مني أن أصطحب أحدهم», تمتم سترايك بينما 
قاد غريغ نينا إلى غرفة الجلوس. 

«بل سألتٌ إذا كنت ستحضر أحدًا»» قالت لوسي غاضبة. «يا إلهي... 
علي أن أذهب لأعدّ كرسيًا إضافيًا... مسكينة مارغريت...» 

«من مارغريت؟» سأل سترايك. لكنّ لوسي كانت قد أسرعت نحو غرفة 
الطعام» رافعة سكين الدّهنء وتاركة ضيف الشرف في المدخل بمفرده. تبع 
سترايك غريغ ونينا متنهُدًا إلى غرفة الجلوس. 

«مفاجأة!» قال رجل أشقر يعاني من بداية صلع؛ وهو ينهض عن 
الأريكةء بينما هللت زوجته التي تجلس إلى جانبه وترتدي نظارةء لسترايك. 

«يا إلهي!»» صاح سترايك بفرح عارم وهو يتقدَّم لمصافحة اليد 
الممدودة. نِك وإلسا إثنان من أقدم وأعرّ أصدقائه وهذان الزوجان صورة 
ناجحة تجمع بين مهدّي طفولته: لندن وكورنوول. 


«لم أكن على علم بمجيئكما!» 
«نعم» أردناها مفاجأة, يا أوغي »» قال نك بينما قبّل سترايك إلسا. «هل 
تعرف مارغريت؟» 


«لا»: قال سترايكء «لا أعرفها.» 
لهذا إِذَا أرادت لوسي التحقّق مما إذا كان لِيُحضر أحدًا معه. مارغريت 
مثال المرأة التي تتمئّى شقيقته أن يُغرم بها ويعيش معها على الدوام في 


140 روبرت غالبریث t.me/ktaebpdf‏ 


منزل تحفُ بحديقته الأمامية شجرة مغنوليا. كانت مارغريت سوداء الشعر» 
دهنيّة البشرة, كثيبة المُحيّاء ترتدي فستانًا أرجوانيًا لامعًا بدا كأنّها اشترته 
عندما كانت أنحف بعض الشيء. كان سترايك واثقًا من أنَّها مطلّقة. فقد طوّر 
قدرة على التكهن في هذا الموضوع. 

«مرحبّا»» قالتء بينما كانت نينا النحيفة ذات الفستان الأسود 
تتحدّث مع غريغ. تلك التحيّة العاديّة حملت كثيرًا من المرارة. 

هكذاء جلس السبعة إلى مائدة العشاء. لم يكن سترايك يلتقي بأصدقائه 
القدامى كثيرًا منذ أن شرّح من الجيش. أدَى عبء العمل الشديد الذي 
اختاره طوعًا إلى حجب الحدود بين أيَام الأسبوع وعطلات نهاية الأسبوع, 
لكنّه أدرك ثانيةً كم يحب نك وإلسا. من المؤسف ألا يجتمع ثلاثتهم معًا 
منفردين في مطعم هنديّ ليستمتعوا بطبق من الكاري عوضًا عن... 

«كيف عرفتما كورموران؟» سألت نينا بتلهُف. 

«في المدرسة في كورنوواي»» قالت إلسا مبتسمة لسترايك عبر 
الطاولة. «كان يأتي ويذهب بشكل متقطع» أليس كذلك يا كورم؟» 

وعلى مائدة السلمون المدحّنء رُويت قصّة طفولة سترايك ولوسي 
الفوضويّة: تنقلاتهما المستمرّة في إثر والدة تعشق الترحال؛ عودتهما بانتظام 
إلى سانت ماوزء والخال والخالة اللذان كانا بمثابة والدين في مرحلة الطفولة 


فالمراهقة... 
«ثم إن كورم أخذته أمّه إلى لندن مجدّدًا عندما كان في السابعة 
عشرة على الأرجح»» قالت إلسا. 


كان سترايك يعي تمامًا أنَّ لوسي غير مستمتعة بالحوار» فهي تكره 
الحديث عن تربيتهما الغريبة؛ ووالدتهما السيّئة السمعة. 

«... وانتهى به الأمر في ثانوية لندنيّة قديمة حيث تعرّف بي». قال 
نك. «يا ليت الماضي يعود يومًا...» 

«نك من الأشخاص الذين تنفعكم معرفتهم»» قال سترايك. «يعرف 
لندن كما يعرف راحة يده. كان والده سائق سيّارة أجرة.» 


مكتبة دودة الحرير 141 


«وهل أنت سائق سيّارة أجرة أيضًا؟» سألت نينا نكء وبدت معجبة 
بغرابة صديقّي سترايك. 

«لا»» أجاب نك ضاحكًا. «إِنّني اختصاصي في الجهاز الهضمي. ذات 
يوم» أقمنا أنا وأوغي حفلة مشتركة بمناسبة عيد ميلادنا الثامن عشر...» 

«... ودعا كورم صديقه دايف وأنا من سانت ماوز إلى الحفل. كانت 
تلك أوّل مرّة أزور فيها لندن؛ وشعرت بحماسة شديدة...» قالت إلسا. 

«... وهناك التقينا»» أنهى نك الإجابةء وهو يبتسم لزوجته. 

«وما زلتما من دون أطفال» بعد كل تلك السنين؟» سأل غريغ» الوالد 
الفخور بثلاثة أبناء. 

ساد صمت وجيز. كان سترايك يعرف جيّدًا أنَّ نك وإلسا يحاولان منذ 
عدّة سنوات إنجاب طفلء من دون جدوى. 

«لم تُرزق حتّى الآن», قال نِك. «وماذا تعملين يا نينا؟» 

أثار ذكر روبر تشارد دفعة من الحيوية لدى مارغريتء التي كانت 
ترمق سترايك بكآبة من الطرف الآخر للمائدة, كما لو أنّه لقمة شهيّة بعيدة 
عن متناولها. 

«لقد انضمّ مايكل فانكورت إلى روبر تشارد للتو», قالت مارغريت. 
«قرأتُ ذلك في موقعه الإلكتروني هذا الصباح.» 

«عجبًا! لم يُعلّن عن ذلك ِل أمس». ردَّت نينا. ذكرت نبرة «عجبًا» 
سترايك بطريقة ابن عمّهاء دومينيك كالبيبرء حينما استعمل كلمة «صديقي» 
لمناداة النادل. ظنّها محاولة من قَبَلها للتأثير في نك وربّما لتظهر لسترايك 
أنّها تستطيع أيضًا أن تختلط بالبروليتاريا. (لم تغيّر شارلوت, خطيبة سترايك 
السابقة» مفرداتها أو لهجتها قطء بغضٌ النظر عن مكان وجودها. كما ولم 

«أوه. إنّني شديدة الإعجاب بكتابات مايكل فانكورت»». قالت 
مارغريت. منزل الوادي أحبّ الروايات إليّ. أحبٌ الروسيين, وثمّة شيء في 


فانكورت يذكرني بدوستويفسكي...» 


142 روبرت غالبریٹ t.me/ktabpdf‏ 


خمّن سترايك أنَّ لوسي أخبرتها على الأرجح بأنّه درس في أوكسفوردء 
وبأنه عالي الثقافة. د تمنّى لو تكون مارغريت في هذه اللحظة على بُعد ألف 
ميلء ولو تحسن لوسي فهمه كما هو وليس كما تريد. 

اورت لا يجيد الكتابة عن النساء». قالت نينا باشمئزاز. «يحاول 
نهود» دورة شهريّة.» 

كاد نك أن يبصق جرعة النبيذ عند سماع كلمة «نهود» غير المتوقّعة. 
إنتابت سترايك نوبة من الضحك الشديد حين رأى صديقه على وشك الاختناق. 
أمَا إلسا فزجرتهما: 

«إِنّكما في السادسة والثلاثين. كفا عن ذلك!» 

«ما زلتٌ أعتقد أنّه رائع». كرّرت مارغريت من دون أدنى ابتسامة. 
حرموها من. شريك محتملء ولو بساق واحدة وبكيلوغرامات زائدة بعض 
الشيء؛ وهي ليست مستعدَّة على الإطلاق للتخلّي عن فانكورت. «... وجذّاب 
جدًا. لطالما أعجبتٌ بالمعقدين والأذكياء» قالت متنهّدة في ملاحظة جانبيّة 
للوسي» تشير بوضوح إلى مآسيها السابقة 

«رأسه كبير مقارنةٌ بجسمه»» قالت نيناء الأمر الذي بدا متنافيًا مع 
حماسة الليلة الماضية عند رؤية فانكورت» «كما أنه متعجرف للغاية.» 

«لطالما اعتبرث ما فعله للمؤلّف الأميركي الشابٌ, مؤتُوًا جدًا». قالت 
مارغريت بينما كانت لوسي تُخلي المائدة من المقبّلات وتشير إلى غريغ كي 
يساعدها في المطبح. «لقد أكمل الرواية عنه... ذلك الروائي الشاب الذي 
توفي بالإيدز, ما كان اس...؟» 


«جو نورث»», قالت نينا. 
«إِنّْني متفاجئ لأنّك جئتَ الليلة». قال نك لسترايك بهدوء «بعدما 
حدث بعد ظهر اليوم.» 


كان غريغ عائدًا بفخذ ضأن حين سمع كلمات نِكء فانتهز الفرصة على 
الفور. 


مكقرة دودة الحرير 103 


«هزيمة مؤلمة, أليس كذلك, يا كورم؟ بعدما ظنّ الجميع أنَّ النتيجة 
أصبحت في الجعبة!» 

«ماذا يجري؟» سألت لوسي وكأنّها مديرة مدرسة تدعو الصف إلى 
الانضباط وهي تضع أطباق البطاطس والخضراوات. «أوه» ليس كرة القدم من 
جديد. رجاءً يا غريغ.» 

هكذاء تُركثٌ كرة الحديث في ملعب مارغريت ثانيةً. 

«نعم» منزل الوادي مستوحاة من المنزل الذي تركه الصديق المتوقي 
لفانكورت. وهو مكان شهد على لحظاتهما السعيدة في أثناء الشباب. رواية 
مؤثّرة جدًا. قضّة عن الندم» والخسارة, والطموح المثبط...» 

«ترك جو نورث المنزل لمايكل فانكورت وأوين كواين مشتركين في 
الواقع». صحّحت نينا بحزم. «كلاهما كتب قصّةّ مستوحاة منه. فاز مايكل 
بجائزة الكتّاب وانتقد الجميع رواية أوين بقسوة». أضافت نينا في ملاحظة 


جانبيّة موجّهة لسترايك. 
«ماذا حدث للمنزل؟» سأل سترايك نينا بينما مرّرت له لوسي طبق 
الضأن. 
ن 


«أوه» كان ذلك منذ وقت طویل. لا بد أنه بيع »» قالت نينا. «لن يرغبا 
في امتلاك شيء مشترك. لأنّهما يكرهان بعضهما بعضًا منذ سنين. منذ أن 
انتحرث إلسبيث فانكورت بسبب تلك المحاكاة الساخرة.» 

«هل تعرفين أين يوجد المنزل؟» 

«ليس هناك», أسكتت نينا نصف هامسة. 

«من الذي ليس هناك؟» سألت لوسيء وهي لا تكاد تُخفي تململها. 
لقد أفسدت خططها لسترايكء ولن تُكنّ المودّة لنينا البئّة الآن. 

«فُقد أحد كتابنا». قالت نينا. «وطلبت زوجته من كورموران أن يعثر 
عليه.» 

«هل هو رجل ناجح؟» سأل غريغ. 

لاشك في أنَّ غريغ سئم من مخاوف زوجته القلقة على أخيها الألمعي 


144 روبرت غالبریث t.me/ktabpdf‏ 


لكنّ كلمة «ناجح»». بكل ما تشير إليها ضمنيًا عندما يلفظها غريغ» لسعت 
سترايك كالأفعى, فقال: «لا. لا أعتقد أنّك تستطيع وصف كواين بأنّه ناجح.» 

«ومّن استخدمك يا كورم؟ الناشر؟» سألت لوسي بقلق. 

«زوجته». أجاب سترايك. 

«لكنّها ستتمكن من دفع الفاتورة, أليس كذلك؟» سأل غريغ. «لا زبائن 
متسؤلين يا كورم, يجب أن تكون تلك قاعدتك الأولى في العمل.» 

«يجدر بك أن تدوّن هذه الدُرّر في دفتر يحفظها», أبلغ نك سترايك 
بصوت خفيض عندما عرضت لوسي على مارغريت تناول المزيد من أطعمة 
المائدة (تعويض ضئيل للتي تخيّلت نفسها تصطحب سترايك معها إلى 
المنزل» وتقترن به وتقيم معه على مقربة شارعين, مع جهاز جديد متوهج 
لصنع القهوة, كهديّة من لوسي وغريغ). 

بعد العشاء. توجّه المدعوون نحو طقم المقاعد القشديٌ اللون 
والمكوّن من ثلاث قطع في غرفة الجلوس» حيث تنتظرهم الهدايا والبطاقات. 
كان غريغ ولوسي قد اشتريا له ساعة جديدة؛ «لأنّني أعرف أنَّ ساعتك الأخيرة 
انكسرت». قالت لوسي. تأثّر سترايك لأنّها تذكّرت - سامحها مَؤقّنًا لأنها 
جرجرته إلى هنا الليلة. وتدخّلت في خيارات حياته؛ وتزوؤجت بغريغ... - 
فنزع الساعة البديلة الرخيصة التي اشتراها لنفسه ولا تزال تعملء وارتدى 
ساعة لوسي بدلا منها: كانت كبيرة ولامعة وذات سوار معدنيّ» وبدت كأئها 
نسخة طبق الأصل عن ساعة غريغ. 

أمَا نك وإلسا فقدَّما له كهديّة «ذلك الويسكي الذي تحبّ»: أران 
سينغل مولت الذي يذكره كثيرًا بشارلوت بعد أن تذوّقه معها لأّل مرّة. لكنّ 
موجة الحنين التي اجتاحته زالت فجأةً مع ظهور ثلاثة أشقياء صغار بلباس 
النوم» عند عتبة الغرفة وسؤال الأطول ما بينهم: 

«هل الكعكة جاهزة؟» 

لم يكن سترايك يرغب في إنجاب الأطفال (موقف استنكرته لوسي) 
وهو لا يكاد يعرف أبناء أخته إذ لا يراهم باستمرار. لحق الأكبر والأصغر بِأمَهما 


مكتبة دودة الحرير 145 


إلى خارج الغرفة لجلب كعكة عيد الميلادء غير أنَّ الأوسط توجّه مباشرةً نحو 
سترايك حاملًا بطاقة مصنوعة في المنزل. 

«هذا أنت»» قال جاك. مشيرًا إلى الصورة, «وأنت تتسلّم ميداليتك.» 

«هل حصلتَ على ميدالية؟» سألت نينا مبتسمة وفاتحة عينيها. 

«شكرًاء يا جاك»» قال سترايك. 

«أريد أن أصبح جنديًا»» قال جاك. 

«أنتَ الملوم» يا كورم»» قال غريغ بشيء من العدائيّة كما شعر 
سترايك. «تشتري له دمى الجنود. وتحدّثه عن مسدّسك.» 

«مسدسان»» صحح جاك. «كان لديك مسدّسان, لا؟» قال الصبيّ 
لسترايك. «لكنّك اضطررت إلى إرجاعهما.» 

«ذاكرتك كالفيل». قال سترايك. «ستحفّق الكثير في المستقبل.» 

ظهرت لوسي ومعها الكعكة المصنوعة في المنزلء متوهُجة بست 
وثلاثين شمعة ومزيّنة بما بدا أنه مئات حبوب الشوكولاته. عندما أطفاً غريغ 
النور وبدأ الجميع بالغناءء شعر سترايك برغبة غامرة في المغادرة. فقرّر أن 
يتّصل بسيّارة أجرة حالما يتمكن من مغادرة الغرفة. في غضون ذلك, رسم 
ابتسامة على وجهه وأطفأ الشموع؛ متجنبًا نظرات مارغريت المحدّقة: والتي 
كانت تجلس على كرسيّ قريب مظهرةً غضبها منه دون أيّ تحفظ. ليس 
خطأه إن جعله صديقاه وعائلته يؤدَي عن حُسن نيّة دور عريس محتمل لامرأة 
فرذولة: 

إنُصل سترايك بسيّارة أجرة من صالة الحمّام عند أسفل الدَّرّج, وأعلن 
بعد نصف الساعة. مُتظاهرًا بالأسف. أله سيغادر مع نينا لأنَّ عليه الاستيقاظ 
باكرًا في اليوم التالي. 

في مدخل البيت المزدحم والكثير الضوضاءء وبعد أن تجنّب سترايك 
ببراعة قبلة على الفم من مارغريتء وبينما كان أبناء أخته يفرّغون فرط 
حماستهم بعد تناولهم السكريات في آخر الليلء وغريغ يساعد نينا في ارتداء 
معطفهاء همس نك في أذن سترايك: 

«ظننتك لا تحبّهنّ قصيرات.» 


146 روبرت غالبریث t.me/ktabpdf‏ 


«لا أحتٍ القصيرات»» رد سترايك بهدوء. «سرقث شيئًا لأجلي 
بالأمس.» 

«حسئاء أظهر لها امتنانك بجعلها تباشرك من فوق»». قال نِك. «وإلا 
لسحقتها كالخنفساء... المسكينة!» 


16 


a‏ ولا يُقدِّم لنا عشاءٌ نيءء إذ ستحصل على 
كفايتك من الدم, وتملاً جوفك. 


توماس ديكير وتوماس ميدلتون, «العاهرة النزيهة» 


عندما استيقظ سترايك في صباح اليوم التالي» عرف أنَّه ليس في سريره: كان 
الفراش مريحًا جداء والشراشف شديدة النعومة؛ نور النهار المنعكس على 
الأغطية, لم يكن بالانّجاه المعتاد, وأمَا صوت المطر المترشرش على النافذة, 
فكان مكتومًا بالستائر المغلقة. جلس في السرير محدّفًا في زوايا غرفة نوم 
نينا التي ما كاد يلمحها البارحة تحت ضوء المصباح الخافت ليجد نفسه 
قبالة صورة جذعه العاري في المرآة. وقد شكّل شعر صدره الكثيف بقعة 
سوداء على الجدار الأزرق الباهت. 

لم تكن نينا حاضرة, لكنّ رائحة القهوة كانت عابقةً في الأجواء. كما 
توفّع. لقد بدت متحمّسة ومفعمة بالنشاط في السريرء ما بدّد بوادر أزمة 
الكآبة التي بدأت تلوح عليه بعد الاحتفال بعيد ميلاده. ومع ذلك فهو يتساءل 
الآن إذا كان سيتمكن من التملّص والعودة إلى منزله من دون أن يظهر بمظهر 
الفظ. أيْ تريْثِ قد يغذّي توفّعات نينا التي لم يكن على استعداد لتلبيتها. 

كانت ساقه البديلة مسنودة إلى الحائط بجانب السرير. عندما هم 
بمدّ يده للوصول إليهاء تراجع إلى الوراءء لأنَّ باب الغرفة فُتح فجأة. دخلت 


148 روبرت غالبریٹث t.me/ktabpdf‏ 


نينا مرتديةً ملابسها بأكملها وشعرها مبلل» وهي تحمل رزمةٌ من الصحف 
تحت ذراعهاء فنجانين من القهوة في يد» وسلّة مليئة بالكرواسان في اليد 
الأخرى. 

«خرجتٌ بسرعة»» قالت لاهثة. «الجو رهيب في الخارج. تحسّس 
أنفي, إِنَّه متجمّد.» 

«لم يكن عليك القيام بذلك»» قال مشيرًا إلى الكرواسان. 

«أنا جائعة جدًا وهناك مخبز رائع في أعلى الطريق. أنظر إلى هذه 
- صحيفة «أخبار العالم» - إِنّه السبق الصحافيّ لدوم!» 


في الصفحة الأولى» صورة فوتوغرافية للنبيل المفتّضح «اللورد باركر», 
الذي كشف سترايك عن قصصه المخفيّة لكالبيبر, تحذِّها من ثلاثة جوانب, 
صورتان لإثنتين من عشيقاته ووثائق مصرف جزيرة الكايمان التي تثبت 
اختلاساته وقد استحصل سترايك عليها من معاوئّته الإداريّة. أخذ سترايك 
الصحيفة من نينا وقرأ الخبر بسرعة. لقد وفى كالبيبر بوعده, ولم يأتِ على 
ذكر تلك المعاونة الكسيرة القلب. 

جلست نينا إلى جانب سترايك على السريرء لقراءة الخبر معهء وأخذت 
تصدر تعليقات متندّرة: «يا إلهي. هذا غير معقول!» و«آه يا للعار!ء يا له من 
وغد مثير للاشمئزاز.» 

«لن يضر ذلك كالبيبر في شيء»» قال سترايك وهو يغلق الصحيفة بعدما 
فرغ كلاهما منها. لفت التاريخ في أعلى الصفحة الأولى نظره: 21 نوفمبر. إِنّه 
يوم ميلاد خطيبته السابقة. 

شعر بانقباض مؤلم في أعلى معدته إذ تدفقت ذكريات مشحونة 
بالعواطف, من دون أي استئذان... قبل سنة, وفي مثل هذا الوقت تقريبًاء 
استيقظ إلى جانب شارلوت في جادّة هولاند بارك. تذكر شعرها الأسود 
الطويل؛ وعينيها البنيّتين المائلتين إلى الأخضرء وجسدها الكامل المتكامل 
الذي لن يُسمح له بلمسه بعد اليوم»... كم كانا سعيدين في ذلك الصباح: 
سريرهما كزورق نجاة يتمايل فوق أمواج مشاذاتهما العاتية والتي لا تنتهي. 
كان قد قدَّم لها سوارًا دفعه إلى الاقتراض بفائدة فاحشة (مع أنّها لم تعرف 


مكتبة دودة الحرير 149 


ذلك)... وبعد يومين» في ذكرى عيد ميلاده, قدَّمث له بدورها بدلة إيطالية, 
وذهبا للعشاء وحدّدا في الواقع تاريخ عقد قرانهما أخيرّاء بعد ست عشرة سنة 
من أوّل لقاء... 

لكنَّ تحديد ذلك التاريخ شكل مرحلة جديدة فظيعة في علاقتهماء 
كما لو أنه أفسد التوازن الهش الذي اعتادا التعايش معه. أصبحت شارلوت 
أكثر تقلَبّاء وأكثر تطلّبًا: شجارات وخلافات غاضبة: تحطيم للأواني الخزفية, 
وانّهامات بعدم الإخلاص لها (بينما هي» كما يعتقد الآنء التي كانت تلتقي 
سرًا بالرجل الذي أصبحت خطيبته)... وتابعا صراعهما الحادّ لمدّة أربعة أشهر 
تقريبًاء إلى أن أطاحت أخيرًا نوبة هستيريّة من الغيظ والحنق المتبادلين؛ بكل 
العلاقة. 

سمع سترايك حفيف شراشف قطنيّة, فنظر حوله شبه مذهول إذ وعى 
أنه ما زال في غرفة نوم نينا. كانت توشك أن تخلع قميصها بغية العودة إلى 
السرير بجواره. 

«لا أستطيع البقاء»» قال لها وهويمدّ يده مجدٌّدًا بانّجاه الساق البديلة. 

«لم لا؟ دعك من ذلك... إِنَّه يوم الأحد!» 

«عليّ أن أعمل»» قال كاذبا. «الناس بحاجة إلى إجراء تحقيقات أُيَام 
الأحد أيضًا.» 

«أوه»» قالت محاولةٌ أن تكون على سجيّتها لكنّها بدت كئيبة. 

شرب قهوته, وهو يتحدّث بمرح في أمور غير شخصيّة. راقبنّه وهو 
يربط ساقه ويتوجّه إلى الحمّام. عندما عاد, كانت تجلس على كرسي وتأكل 
الكرواسان في جو من الحزن. 

«هل أنت واثقة من أنّك لا تعرفين مكان ذلك المنزل الذي ورثه كواين 
وفانكورت؟» سألها وهو يرتدي بنطاله. 

«ماذا؟» قالت مرتبكة. «يا إلهي» هل تخرج للبحث عنه؟ أخبرتك, لا 
بد أنه بيع منذ سنين!» 

«ربما أسأل زوجة كواين عنه»» قال سترايك. 


150 روبرت غالبریث t.me/ktabpdf‏ 


قال لها على عجل إِنّه سيتّصل بهاء للا تدرك أنَّ ذلك كلام أجوف 
ويرتبط فقط بالشكليّات. ثم غادر منزلها وهو يشعر بامتنان بعض الشيء, 
ولكن من دون الشعور بالذنب. 

تساقط المطر بغزارة على وجهه ويديه عندما سار في الشارع الذي 
لم يكن يعرفه, نوك إلى محطة المترو. كانت أضواء عيد الميلاد تتلألا 

في المخبز الذي اشترت منه نينا الكرواسان. لمح سترايك ظلّ قوامه 

الضخم ينعكس على الواجهة المبقعة بالمطر. كان يمسك بيد باردة بالكيس 
البلاستيكيّ الذي وضّبت لوسي فيه كل بطاقات المعايدة وهديّة الويسكي, 
كما وعلبة ساعته الجديدة اللامعة. 

عادت أفكاره رغمًا عنه إلى شارلوت, التي يبلغ عمرها الآن سنا وثلائين 
سنة لكنّها ما زالت تبدو في الخامسة والعشرين. لا بدَّ من أنَّها تحتفل بعيد 
ميلادها مع خطيبها الجديد. في هذه اللحظات. خطر ببال سترايك أنّها ربما 
تلقّت هديّة من الألماس. كانت تقول دائمًا إِنّها لا تهتمّ بهذه الأشياء. لكن, 
كلّما تشاجراء كانت خيبة كل ما لا يستطيع 3 تقديمه لهاء تظهر أحيانًا في 
ملامحها... 

رجل ناجح؟ سأل غريغ عن أوين كواين» وكان يعني بذلك: «سيارة 
فخمة؟ منزل كبير؟ ورصيد مصرفيّ ضخم؟» 

مرّ سترايك بجوار مقهى البيتلزء فألقى تحيّة سريعة على المغتين 
الشهيرين الأربعة - الذين بدت رؤوسهم بالأسود والأبيض - وكأنّها تنحني 
من واجهتهاء صوبه. ثمّ دخل المحطة وشعر بدفئها النسبيّ. لم يشأ أن يمضي 
يوم الأحد الماطر بمفرده في شقّته في شارع الدانمارك. أراد أن يشغل نفسه 
في الذكرى السنوية لميلاد شارلوت كامبل. 

توقف قليلًا لتناول هاتفه. وانّصل بليونورا كواين. 

«مرحبًا؟» قالت بفظاظة. 

«مرحبّاء ليونوراء أنا كورموران سترايك...» 

«هل عثرتٌ على أوين؟» 

«له لكتّني أتصل لأني سمعتٌ أنَّ صديقًا لزوجك أورثه منزلًا.» 


مكقرة دودة الحرير 151 


«أيّ منزل؟» 

بدت متعبة وغاضبة. فكّر سترايك في مختلف الأزواج الأثرياء الذين 
أجرى تحقيقات بشأنهم؛ رجال أخفوا شقق عازبين عن زوجاتهم. تساءل إذا 
كان قد وقع على شيء أخفاه كواين عن أسرته. 

«أليس الأمر صحيحًا؟ ألم يترك كاتب يدعى جو نورث منزلًا مشتركًا 
ل...؟» 

«أوه» ذاك»» قالت ليونورا. «نعم في تالغارث رود. لكنّ ذلك حدث 
منذ خمس وثلاثين سنة. لماذا تسأل عن ذلك المنزل؟» 

«لقد بيع» أليس كذلك؟» 

«لا»» قالت مستاءة؛ «لأنَّ فانكورت اللعين لم يسمح لنا بذلك» على 
الرغم من أنه لا يستخدمه البنّة. إِنه موجود هناك لكن, لا يستخدمه أحد 
ويتآكله الخراب.» 

إستند سترايك إلى الجدار بالقرب من آلات توزيع التذاكر, وعيناه 
مثبئّتان على السقف الدائريّ الذي تحمله شبكة عنكبوتيّة من الدعامات. 
هذا ما يحدث حين تقبل زبائن وأنتٌ مُجهّد. كان يجدر به أن يسأل إذا كانا 
يمتلكان أي عقار آخر. كان عليه التدقيق في ذلك. 

«هل اقب أحد للتحقّق إذا كان زوجك هناك, سيّدة كواين؟» 

سمع صوت ضحكة مكتومة. 

«لن يذهب إلى هناك!» قالت كما لو أنَّ سترايك ألمح أنَّ زوجها مختبئ 
في قصر باكنغهام. «إِنّهِ يكرهه. ولم يقترب منه البنَّةَ!ا على أي حالء لا أعتقد 
أنه يحتوي على أثاث أو أي شيء.» 

«هل لديك مفتاحه؟» 

«لا أعرف. لكنّ أوين لا يذهب إلى هناك البنّة! لم يقترب منه منذ 
سنوات. سيكون مكانًا رهيبًا للإقامة, قديمًا وفارعًا ومتعفئًا.» 

«إذا كان في وسعك أن تبحثي عن المفتاح...» 

«لا أستطيع التوجّه إلى تالغارث رود لدي أورلندو...!» قالت على نحو 
متوقّع. «على أي حالء قلت لك إِنّه لن...» 


152 روبرت غالبریث t.me/ktabpdf‏ 


«أقترح أن آتي الآن». قال سترايك» «وآخذ المفتاح منك إذا عثرت 
عليه. وأتوجّه إلى هناك للتحقق. أريد التأكد من أنّنا بحثنا في كل مكان.» 

«نعم» لكن... إِنّه يوم الأحد». قالت وكأنّها فوجئت بذلك. 

«أعرف أنَّه الأحد. هل بإمكانك أن تبحثي عن المفتاح؟» 

«حستًا»» قالت بعد برهة وتابعت بحماس «لكئّني قلت لك وأكرّر لن 
يكون هناك!» 

إستقل سترايك المترو باتّجاه ويستبورن بارك. ثم خرج من المحطة 
ورفع قبّة معطفه في مواجهة برد المطر اللاذع» وتابع طريقه سيرًا على 
القدمين, منَّجهًا نحو العنوان الذي كتبته له ليونورا في أوّل لقاء بينهما: 
إحدى نواحي لندن القديمة المُعاد تأهيلهاء والتي تجتذب اليوم أصحاب 
الملايين. ما زالت عائلات الطبقة العاملة تقيم على مرمى حجر منهاء بعدما 
احتلّت سائر مساكن المحلّة منذ أربعين سنة أو أكثر. كان المشهد المغسول 
بالمطرء يرسم خليطًا هندسيًا من التناقضات الصارخة: مباني فخمة صقيلة 
خلف صفوف من البيوت الوضيعة المتجاورة. جديدٌ مُترف وقديمٌ مُريح. 

كان منزل آل كواين يقع في ساوزرن رو, وهو شارع خلفيّ هادئ يضم 
منازل صغيرة من الطوب» على مسافة قصيرة من حانة مدهونة بالأبيض تدعى 
«تشيلد إسكيمو» - الإسكيمو المثلّج - تماما مثله. حدق في اللافتة. كانت 
ثظهر صورة لأحد رجال الإسكيمو مستدفئًا بأشعة شمس القطب البازغة. 

كان باب منزل آل كواين أخضر اللون متقشّرًاء وكل تفاصيل واجهة 
المنزل باليةء بما فيها البوابة المعلّقة بمفصل واحد. فكّر سترايك وهو يرن 
جرس الباب» في شغف كواين بغرف فنادق الأربع نجوم» فتدتى الرجل 
المفقود درجة أخرى في نظره. 

«أتيت بسرعة»» قالت ليونورا بفظاظة وهي تفتح الباب» بدلا من 
التحية المعتادة. «تفضّل بالدخول.» 

تبعها سترايك عبر مدخل معتم وضيّق. إلى اليسار, باب نصف مفتوح 
يفضي بوضوح إلى غرفة مكتب أوين كواين. بدت قذرة وغير مرتّبة. كانت 
الأدراج مفتوحة, وثمّة آلة كاتبة كهربائية قديمة موضوعة بشكل منحرف على 


مكتبة دودة الحرير 153 


المكتب. تصوّر سترايك كواين وهو يمرّق الأوراق العالقة في الآلة. في ذروة 
غضبه من إليزابيث تاسيل. 

«هل عثرت على المفتاح؟» سأل سترايك ليونورا بينما كانا يدخلان 
المطبخ المعتم ذي الرائحة الكريهة في نهاية الممر. بدت كل الأجهزة 
الكهربائية قديمة لا يقل عمرها عن الثلاثين سنة. فر سترايك بأنٌ خالته جوان 
كانت تمتلك جهاز ميكرويف بِنَا داكئًا مماثلا منذ الثمانينيات. 

«عثرث عليها»؛ قالت ليونورا وهي تشير إلى نحو سنّة مفاتيح موضوعة 
على طاولة المطبخ. «لا أعرف إذا كان المفتاح الصحيح بينها.» 

لم يكن أي منها معلّقَا بعلاقة مفاتيح. بدا أحدها كبيرًا جدًا ولا يناسب 
سوى قفل بوابة كنيسة. 

«في أي رقم من تالغارث رود؟» سألها سترايك. 

«مئة وتسعة وسبعون.» 

«متى ذهبت آخر مرّة إلى هناك؟» 

«أنا؟ لم أذهب إلى هناك البنّة», قالت بعدم اكتراث بدا صادقًا. «لم 
أكن مهتمّة. سخيف أن يفعل ذلك.» 

«ما السخيف؟» 

«أن يَترّكه لهما.» عندما استعلم سترايك بإيماءة لبقة» قالت بنفاد 
صبرء «أن يترك جو نورث المنزل لأوين ومايكل فانكورت. قال إِنّه لهما ليكتيا 
فيه ومنذ ذلك الوقت لم يستخدماه البنّة. إِنّه عديم النفع.» 

«ولم تذهبي إلى هناك قط؟» 

«لا. حصلا عليه قبيل ولادة أورلندو. لم أكن مهتمّة». كرّرت القول. 

«ولدت أورلندو في ذلك الوقت؟» سأل سترايك متفاجئًا. فقد تصوّر 
حتى اللحظة هذه أنَّ أورلندو فتاة في العاشرة من عمرها وسيئّة الطباع. 

«عام 6 أجل»» قالت ليونورا. «لكنّها مصابة بإعاقة. 

«آه»» قال سترايك. «فهمت.» 

«إنها في الطابق العلوي الآنء حردة. لأنْني اضطررت إلى نهرها». قالت 
ليونورا في استفاضة مفاجئة في الكلام. «تسرق أشياء. وتعرف أنَّ ذلك خطأ 


154 روبرت غالبریٹث t.me/ktabpdf‏ 


لكنّها تواصل ارتكابه. أمسكتٌ بها وهي تُخرج محفظة جارتي إدنا من حقيبتها 
عندما أتت يوم أمس. لم يكن ذلك بهدف الحصول على النقود»» شرحت 
بسرعة كما لو أنَّ سترايك أدانها. «بل لأنّها أحبّت لونها. إدنا تتفهّم ذلك لأنّها 
تعرفهاء لكن, تلك ليست حالة الجميع. لا أنفك أخبرها بِأنَّ ذلك سيىء. وهي 
تعرف أله سيىءع. » 

«أيمكنني أن آخذ هذه المفاتيح وأجرّبها؟» سأل سترايك وهو يمسك 
بها بيده. 

«إذا أأردت»» قالت ليونوراء وأضافت بتحدٌء «لكنّه لن يكون هناك.» 

دسٌ سترايك المفاتيح في جيبه. رفض عرض ليونورا المتأخّر بشرب 
القهوة أو الشاي؛ وعاد إلى المطر البارد. 

كان المسار المباشر والأوجز ينطلق من محطة مترو ويستبورن بارك. 
بدأ يعرج ثانيةً. لقد استعجل الخروج هذا الصباح من شقّة نينا فلم يتوعّ 
العناية كما يجب في ربط ساقه البديلةء ولم يتمكّن من دَهْن طبقة المرهم 
الملطّف كالمعهود. 

قبل ثمانية أشهر(في اليوم نفسه الذي تلقّى فيه طعنة في عضده)., كان 
قد تعرّض لسقطة شديدة على السلالم. آنذاك» أبلغه طبيب قسم الطوارىء 
بأنَّ الحادثة ألحقت ضررًا إضافيًا بأربطة مفصل الركبة. أوصاه بالتمدّد 
والاستراحة» وباستعمال كمادات من الثلج؛ وطلب إجراء فحوصات مكمّلة. 
لكنء لم يكن في وسع سترايك احتمال التمدٌد» ولم يكن يرغب في مزيد من 
الفحوصات, لذا ربط ركبته وحاول أن يتذكر رفع ساقه لإراحتها عندما يجلس. 
همد الألم تقريبًاء لكنّ ركبته تؤلمه بين الحين والآخر وتتورّم عندما يجهدها 
بالمشي. 

كان الطريق ينعطف باتّجاه اليمين. لمح سترايك ما خلفه طيف شخص 
طويل ونحيل محدودب يسير خلفه. ورأسه منحنِ بحيث لا يُرى إِلَا أعلى 
القلنسوة السوداء. 

كان من الحكمة أن يعود سترايك إلى البيت ويريح ركبته. لا حاجة به 
إلى السير في أنحاء لندن تحت المطر يوم الأحد. 


مكتبة دودة الحرير 155 


لن يكون هناكء تردّد قول ليونورا في ذهنه. 

لكنّ البديل سيكون لا محالة العودة إلى شارع دنمارك» للاستماع إلى 
قطرات المطر تقرع على النافذة المتداعية إلى جانب سريره تحت الطرف 
الناتئ من السطح, بمحاذاة الأليومات المليئة بصور شارلوت» في الصناديق 
المكدّسة على بسطة الدرج... 

من الأفضل التحرُك, والعمل» والتفكير في مشاكل الآخرين 

رامشًا تحت المطرء تظاهر بأنّه يحدّق في سطوح المباني, فلمح بطرف 
عينه ذلك الطيف الذي كان يمشي خلفه؛ على بُعد عشرين مترًا. ومع أن 
المعطف الداكن كان عديم الشكلء فقد تكوّن انطباع لدى سترايك بأنّ 
الشخص أنثى ربّما بسبب الخطوات الصغيرة المهرولة. 

لاحظ سترايك أمرًا غريبًا لديهاء أمرًا غير طبيعيّ. وكأنّها لا تحرّك ساكنًا 
لتحتمي من المطر. لم يكن رأسها محنيًا انّقاءَ من القطرات المنهمرةء ولم 
تكن تحثٌ الخطو بغية الوصول إلى مقصدها. في الواقع, كانت مشيتها تتعدّل 
باستمرار بشكل غير ملحوظ لكنّه لم يخمٌ على سترايك. كل عشرة أمتار, 
كانت تعرّض وجهها للمطر البارد المنهمر, ثمّ تغرقه ثانيةٌ في قلنسوتها. تلك 
المرأة تراقبه. 

ماذا قالت ليونورا في اجتماعهما الأوّل؟ 

أعتقد أنّ فتاةً طويلة بلباس أسود, مقوّسة الظهر بعض الشيء, 

للتأكد من حقبقة حقيقة الأمر» جرب سترايك حيلة: سرّع من مشيته ثمّ تباط 
بعض الشيء. بقيت المسافة بينهما ثابتة» مع فارق واحد: بقعة سحنتها 
الشاحبة المائلة إلى الزهريّ باتت تظهر بوتيرة متزايدة. 

لم تكن متمرّسة في تعقّب الآخرين. لو كان سترايك - وهو خبير في 
هذه الأمور - مكانهاء لسار على الرصيف المقابلء مُتظاهرًا بأنّه يتحدّث 
بالهاتف. لتجسّس كما يحلو له من دون كشف أمره... 

بهدف التسلية, تصنّع التردد المفاجى؛ كما لو أنّه شك في الانّجاه 
الصحيح. توفّف الطيف الغامض على الفور مبهوًا. عاود سترايك السير . بعد 


156 روبرت غالبریٹ t.me/ktabpdf‏ 


بضع ثوان» سمع وقع قدميها يتردد على الرصيف المبلّل خلفه. كانت بلهاء 
لدرجة لم تُدرك أنْها اكثشفت. 

لاحت محطة ويستبورن بارك على بُعد أمتار قليلة: مبنى منخفض ذا 
جدران من الطوب الأصفر. قرّر مواجهتها هناكء بحجّة سؤالها عن الساعة. 
هكذاء يستطيع أن يتفرّس في وجهها. 

إنعطف ودخل المحطة وسرعان ما توارى خلف تجويفة جدار قبالة 
المدخلء بانتظارها. 

بعد نحو ثلاثين ثانية, لمح الفتاة الطويلة تركض نحو المدخل تحت 
المطر المترقرق» ويديها لا تزالان في جيبيها. كانت متشئجة, خائفة من 
احتمال أن تفقد أثره» وأن يكون قد ركب القطار. 

تقدّم سترايك بسرعة وثقة نحو باب المدخل لقطع الطريق عليهاء فلت 
قدمه البديلة على الأرضية المبلّطة الرطبة وتزحلق. 

«اللعنة!» 

إنفرجت ساقاه متباعدتين» ففقد توازنه وسقط. خلال الثواني الطويلة 
لهبوطه البطيء بانّجاه الأرضيّة الرطبة القذرة فسقوطه المؤلم على قنينة 
الويسكي في الكيس الذي كان يحمله؛ رأى المرأة تتجمّد في مكانها عند 
المدخلء ثمّ اختفت كغزالٍ جافل. 

«اللعنة»» كر لاهئًا وهو ممدّد على البلاط المبلّلء بينما حدق فيه 
صف الناس الواقف عند آلات توزيع التذاكر. لقد لوى ركبته ثانيةٌ عندما 
سقطء وشعر كأنّه مرق رباطًا. أصبح الألم ينخر عميقًا في ركبته بعدما كان 
ينبض نبضًا. حاول سترايك النهوض وهو يشتمُ في سرّه الاستلشاء البادي في 
مسح الأرضية كما وكاحل ساقه الاصطناعية غير المرن. لم يرغب أحدٌّ في 
الاقتراب منه. لا شك في أنَّهم ظنّوه مخموراء فقد تدحرجت قئّينة الويسكي 
التي جلبها نِك وإلساء من الكيس إلى الأرضية, محدثةٌ قرقعة فاضحة. 

أخيراء ساعده أحد موظّفي مترو لندن في الوقوف على قدميه واستعادة 
شيء من عرّة النفس, مُشيرًا بتذمّر واضح إلى وجود لافتة تحذَّر من الأرض 
الرطبةء سائلًا ما لم يكن قد شاهدهاء وما لم تكن واضحة بالقدر الكافي؟ ثم 


فة دودة الحرير 157 


ناول سترايك قتينة الويسكي. شكر له سترايك مجهوده وهو يشعر بالإذلال. 
سار وهو يعرج نحو حاجز آلات التذاكر وكڵ همّه الهروب من نظرات الناس 
المُحدّقة. 

عندما جلس بسلام في الحافلة المتوجّهة جنوبًاء مدّ ساقه المُصابة 
وجس ركبته قدر ما استطاع عبر البنطال. كانت حسّاسة وموجعة: تمامًا 
مثلما حدث بعدما سقط على السلالم في الربيع الماضي. على الرغم من حنقه 
الشديد على فتاة المعطف الأسود, حاول التفكير بتعفّل في ما حدث. 

متى بدأت تعقّبه؟ هل كانت تراقب منزل كواين؛ وشاهدته وهو يدخل؟ 
هل يمكن أن تكون قد خلطت بين أوين كواين وسترايك (رغم أنّ هذا الاحتمال 
مستبعد)؟ لقد اختلط الأمر على كاثرين كينت لمدَّة وجيزة في العتمة... 

فضّل سترايك النهوض قبل بلوغ محطة هامرسميث حيث ينوي ركوب 
الخطّ المؤدّي إلى بارونز كورت, وذلك ليعدّ نفسه لما يمكن أن يكون نزولا 
مميئًا. عندما وصل إلى مقصده. كان يعرج بشدّة وتمنّى لو كان بحوزته عصا. 
شق طريقه خارج قاعة التذاكر المبلّطة ببلاط فيكتوري بلون التفّاح الأخضرء 
متوخَيًا الحذر في نقل قدميه على الأرضية الزلقة, متأسّفًا لعدم مكوثه في 
ملاذ تلك التحفة الهندسيّة الجميلة وزخارفها المخطوطة بأسلوب الفنّ 
الحديث. في الخارج» كان المطر ينهمر بلا هوادة» وتناهى إلى مسامعه ضجيج 
السيّارات التي كانت تعبر الطريق السريع المُحاذي. 

شعر بالفرح والامتنان عندما أدرك أنه خرج من الجهة المناسبة في 
شارع تالغارث رود وأنّ المنزل المقصود لم يعد بعيدًا. 

على الرغم من أنَّ لندن مليئة بهذه الأنواع من الغرائب المعماريّة, 
فإنّهِ لم يشاهد من قبل مبانٍ متنافرة بهذا الوضوح مع محيطها: منازل الطوب 
الأحمر القديمة الجليلة المصطفّة عند أطراف الشارع الواسعء والذي يشبه 
الطريق العامٌ أكثر منه الجادّة بما أنّه يربط المدينة بضاحيتها الغربيّة. عائدة 
إلى حقبة أكثر هدوءًا وسكينة وأكثر جمالًا وإبداعًا. 

لقد بُنيَ العديد من محترفات الفئانين في أواخر العصر الفيكتوريّ؛ 
نوافذ سفليّة مشبّكة ومزوّدة بأطر رصاصية. وفي الطوابق العلياء واجهات 


158 روبرت غالبریٹ t.me/ktabpdf‏ 


واسعة مُطِلَة على الجهة الشمالية, كأنّها أجزاء من روائع الكريستال بالاس 
المندثرة. ومع أنَّ سترايك كان مبِلّلًاه ويشعر بالبرد والألم فقد توقّف بضع 
ثوانٍ للنظر إلى المنزل رقم 179 مُبديًا إعجابه بعمارته المميّزة ومتسائلًا عن 
المبلغ الذي يمكن أن يستحصل كواين عليه إذا غيّر فانكورت رأيه ووافق على 
البيع. 

إرتقى بصعوبة الدرجات الأمامية البيضاء واحتمى من المطر تحت قبّة 
من الطوب مزيّنة بضفائر الأزهار والزخارف الحجريّة المنقوشة. أخرج سترايك 
المفاتيح واحدًا تلو الآخر بأصابع خدرة من البرد. 

إنزلق المفتاح الرابع في القفل بسهولة فائقة وكأنّه تمّ تزييته للتو. وما 
هي إلا طقّة لطيفة واحدة حتى فتح الباب. 

عند اجتيازه العتبة تلقّى سترايك صدمة شديدة أشبه بصفعة على 
الوجد. أو بدلو من الماء المثلّج ينصبٌ على رأسه. فأمسك بقبّة معطفه 
وسحبها نحو فمه وأنفه لحمايتهما. بدلا من أن يشم رائحة الغبار والخشب 
القديم فحسب, غمرته رائحة كيميائية حادّة وكريهة علقت في أنفه وحلقه. 

مدّ يده تلقائيًا بحئًا عن زرٌ الكهرباء على الجدار إلى يمينه. فتدفق 
الضوء من لمبتين عاريتين متدليتين من السقف. كان البهو الضيّق الفارغ 
مبطُّنًا بخشب عسان اللون وثمّة عمودان مضفران من الخشب نفسه على شكل 
عَقْدِ عند منتصف الرواق. بدا المنزل للوهلة الأولى هادنًاء جميلا ومتناغمًا. 

لكن» عندما أمعن سترايك النظر» شاهد بقعًا على التلبيسات والزخارف 
الخشبية شبيهة بالحروق. بالفعل» قد رش سائل أكال» حمض على الأرجح 
- ما يفسّر نتانة الهواء الراكد المليء بالغبار - في كل مكان, بما يوحي بأنّه 
عمل تخريبيّ غاشم. لقد قشَّر الحمض الورنيش عن ألواح الأرضية القديمة, 
وأزال لمعان السلّم الخشبي الذي يرتفع أمامه؛ حنّى أنه قضم ظاهر الجدران 
بحيث ابيضّت مساحات كبيرة من الجصّ المطلي وكأنّها غسلت بماء الكلور. 

بعد بضع ثوانٍ من التنفُس عبر القبّة الصوفية السميكة, خطر ببال 
سترايك أنّ المكان شديد الدفء بالنسبة لمنزل مهجور. لقد زفعت التدفئة 


مكقرة دودة الحرير 159 


إلى أقصاهاء ما جعل الرائحة الكيميائية الرهيبة أشدّ حدّة مما لو تركت لتتبدّد 
في الجر البارد. 

سمع صوت حفيف ورق تحت نعليه. نظر إلى أسفل فشاهد أكياسًا 
متناڈ ثرةٌ قد احتوت أطعمة جاهزة, ومغلًقًا موجُها إلى شاغل المكان أو الحارس, 
فانحنی والتقطه. كان عبارة عن ملاحظة قصيرة وغاضبة من الجار في المنزل 
المجاور» يشكو فيها من الرائحة. 

ترك سترايك الملاحظة تسقط على ممسحة الأقدام وتقدّم بضع 
خطوات في الرواق» ملاحظًا الآثار المْخلّفة على كل سطح ألقيت عليه المادّة 
الكيميائية. رأى بابًا إلى يساره. ففتحه. كانت الغرفة التي يفضي إليها مظلمة 
وفارغةء لكنّها غير ملطّخة بالمادّة الشبيهة بِالمُبيّض. كان المطبخ الخرب, 
والخالي من الأثاث أيصًاء الغرفة الأخرى الوحيدة الموجودة في الطابق 
السفليّ . هو أيضًا لم يوفره السيل | لكيميائيّ. حتى أنَّ الحمض قد التهم نصف 
رغيف بائت كان متروكا على حافة حوض غسل الأطباق. 

توجّه سترايك إلى السلّم. هناك من ارتقاه أو هبط عليه وهو يصب 
المادّة الخبيثة من وعاء كبير. ترشَّشْت سشت هذه الأخيرة في كلّ مكان» بما في 
ذلك حافة النافذة عند بسطة الدرج, حيث تقب تقب الدهان وتشقّق. 

توقّف سترايك عند الطابق الأوؤل. دغدغت أنفه رائحةٌ أخرى تغلغلت 
عبر صوف معطفه السميك. رائحةٌ لم تستطع المادّة الكيميائية الحادّة حجبها. 
رائحة لحم متحلل كريهة ومُنتنة. 

لم يحاول فتح أيٍّ من الأبواب المغلقة في الطابق الأوّل. بدلا من ذلك 
إتّبع ببطء آثار قدمّي مَن صبٍّ الحمضء وقنّينة ويسكي عيد ميلاده تتأرجح 
في كيسها البلاستيكي, صعودًا على مجموعة من الدرجات الملطّخة التي 
احترق ورنيشهاء وجُرّد درابزينها المنقوش من لمعته الشمعيّة. 

م م 07 5 

مع كل خطوة يخطوهاء كانت رائحة التحلل الكريهة تزداد حذّةً فتذكره 
بمشاهد كان يفضّل لو ينساها نهائيًا. عاود رؤية نفسه محنيًا فوق عصًا طويلة 
يغرز طرفها في التربة ثمّ يخرجه ويشمّ رائحته. تلك كانت الطريقة الوحيدة 
المأمونة للعثور على المقابر الجماعية في البوسنة. عندما وصل إلى الطابق 


160 روبرت غالبریٹث t.me/ktabpdf‏ 


العلوي» ضغط قَبَّة معطفه بمزيد من الشدّة على فمه. في القديم» خدمت 
هذه الغرفة محترفًا لأحد الفئانين الفيكتوريين. لم تكن إنارتها لتتبدّل بما أنّها 
مطلّة على الشمال. 

لم يتردّد سترايك عند العتبة إلا بضع ثوان استغرقها سحب كمّ قميصه 
لتغطية يده العارية, وذلك لتلا يترك أثرًا على الباب الخشبيّ متى فتحه. قطع 
الصمت المخيّم, صريز المفضّلات المعدنيّة الخفيفء تلاه طنين الذباب 
العابر. 

لقد توفع رؤية جنّة قتيلء نّم لم يتخيّل قطّ هذا. 

وجد جيفة مشؤهةٌ شرّ تشويه, نصف متحلّلة, مفرّغة من أحشائها. 
كانت ممدّدة على الأرضء ومقيّدة كلحم طريدة رماه الجرّار على منضدة 
التقطيع. لكنء ما بدا كأنّه حمل مذبوح كان يرتدي ملابس إنسان. 

كانت الجنّة مسجّاة تحت العوارض القوسيّة العالية» مغمورةٌ بالنور 
المتدفّق من النافذة الرومانيّة العملاقة. على الرغم من حركة السير الهادرة 
خارج الزجاج؛ وعلى الرغم من الطابع المُدنّس لهذا المنزل الخاض» شعر 
سترايك بأنّه يحدّق في بقايا أضحية وثنيّة, متروكة ما بين جدران أحد الهياكل. 
مشهد قذع؛ فظيع . 

ؤضعت سبعة أطباق وسبعة أطقم مائدة حول الجئّة المتحللة كما لو 
أنّها الطبق الرئيسيّ في وليمة وحشيّة. شعر سترايك بالغثيان وهو جامد عند 
عتبة الباب. قامته الطويلة سمحت له بتبيّن سائر المشهد بكامل تفاصيله: 
قد شق الجذع من الحلق إلى الحوض, فاستحال مجوّد فجوة سوداء. أفرعّت 
الأحشاء كاملة. وربما الّهمت. بفعل الحمض,» إحترق قماش الثياب واللحم 
على الجنّة بأكملهاء ما يعرّز الانطباع الأثيم الأؤل: مجزرة بشريّة. نظرًا لأُطخ 
الرطبة والملتمعة التي غطّت الجئّة, أدرك سترايك بأنَّ عمليّة التحثّل باتت 
في مرحلة متقدّمة. أمَا أجهزة التدفئة الأربع والمضبوطة على أقصى درجة, 
فلم تكن براءًٌ من ذلك. 


مكتبة دودة الحرير 161 


كان الوجه المتعفن مُدارًا صوب النافذة. حدّق سترايك فيه وهو لا 
يتجرّأ على التحرُّك؛ ولا على التنفُس. لمح خصلة من لحية صغيرة مُصْفرة لا 
تزال معلّقة بالذقن» وتجويفة عين واحدة محترقة. 

على الرغم من خبرة سترايك الواسعة في الجثث وتشويهات الحرب, 
كان عليه أن يقاوم جاهدًا رغبة القيء» ربّما بسبب فظاعة مزيج الروائح النتنة. 
جعل الكيس الذي كان يحمله ينزلق إلى ساعده, وأخرج هاتفه المحمول من 
جييه والتقط صورًا للمشهد من عدذَّة زواياء بالقدر الذي استطاعه. من دون 
أن يتجوّل في الغرفة. ثم تراجع إلى خارج المحترف تاركا الباب ينغلق تلقائيًا 
واتّصل بالشرطة. 

مع أنه كان متَلهُفًا إلى استنشاق الهواء النظيف المغسول بالمطرء 
ضاعف من حذره وبطئه خلال هبوطه السلّم الخَرب مصمّمًا على عدم الانزلاق 
ثانيةً. ثم خرج إلى درج المدخل لينتظر مجيء الشرطة. 


t.me/ktabpdfF 


17 


من الأفضل أن تحزن بينما تستطيع 
فلا مجال للغرق في الشكر بعد الوفاة. 
جون فليتشرء «الأخ الدامي» 


لم تكن المرّة الأولى التي يزور فيها سترايك نيو سكوتلاند يارد نزولًا عند طلب 
الشرطة. بينما كان ينتظر في غرفة الاستجواب, لاحظ أنَّ حدّة الألم في ركبته 
تراجعت» ربّما لجلوسه هنا دون حراك» منذ ساعات. تذكر أيضًا أنّهِ قدّم إفادته 
في المرّة السابقة بعد اكتشافه جنَّةٌ وأمرًا مشابهًا آخرء أنّه مارس الجنس في 
الليلة السابقة لإفادته آنذاك: تمامًا كما في هذه المرّة. 

جلس بمفرده في غرفة لا يكاد حجمها يزيد على حجم خزانة المماسح, 
وأفكاره عالقة كالذباب بالجنّة المتعفّنة التي عثر عليها في محترف الرسم. 
لا يزال هول ما شاهده يستحوذ عليه. لقد عاين بصفته المهنية. جميع 
أشكال الفظاعات: جثتٌ مموّهة للإيحاء بأنَّ الوفاة ناجمة عن انتحار أو حادثة 
عرضيّة؛ جثثٌ أخرى تحمل آثارًا مُروّعة يفترض بها إخفاء العذابات القاسية 
المنفّذة بالضحيّة قبل الوفاة؛ رجال ونساء وأطفال مشؤّهون ومقطّعو الأوصال. 
لكنّ المشهد الجنائزيّ المرعب في ال179 من تالغارث رودء كان جديدًا تمامًا. 
خباثة ما اركب هناك تصل إلى حدٌ المجون, وكأنّ السفاح قدَّم عرضًا مدروسًا 
لإظهار مهارته في الإخراج السادي. والأسوأ من ذلك: طريقة صب الحمض» 


مكتبة دودة الحرير 163 


والجسم المفرّغ من أحشائه: هل جرى تعذيب الضحيّة؟ هل كان كواين حيًا 
أو ميمًا بينما أعدّ القاتل أواني المائدة من حوله؟ 

لا شك في أنَّ الغرفة المقبّبة الواسعة التي توجد فيها جنّة كواين» تعجّ 
الآن بتقنيين يرتدون الملابس البيضاء الواقية» ويجمعون أدلّة الطب الشرعي. 
وذَّ سترايك لو كان هناك معهم, لأنّه يكره عدم القيام بأي شيء بعد مثل هذا 
الاكتشاف. شعر بنار الإحباط المهني تكتويه. فقد مُنع من دخول المكان منذ 
وصول الشرطة» واعثُبر مجرّد شخص عثر خطأ على مسرح الجريمة (وفكّر فجأة 
بأن «مسرح» هي الكلمة الصحيحة لأكثر من سبب: الجنّة مقيّدة ومواجهة 
للضوء المنيعث من النافذة العملاقة الشبيهة بنوافذ معبد... وأضحية لقوّة 
شيطانية ما... وسبعة أطباق» وسبعة أطقم مائدة...) 

في غرفة الاستجواب, كانت النافذة الزجاجية المكمدَّة تحجب كل 
شيء خارجها باستثناء لون السماءء الذي اصطبغ بلون الليل الآن. هو جالسٌش 
في غرفة صغيرة منذ مدّة طويلة ولم تفرغ الشرطة بعد من أخذ إفادته. ثرىء 
هل تشتبه به؟ أم أنّها تريد إثبات سلطتها من خلال تركه في انتظار وترفّب؟ 
من المستحيل التكهُن. من الصواب أن يخضع من اكتشف ضحيّة جريمة 
قتل, لاستجواب شاملء لأنَّ الشاهد غالبًا ما يعرف أكثر مما يرغب في الإبلاغ 
عنهء وبل يعرف كل شيء في أحيان كثيرة. لكنء يمكن القول إِنَّ سترايك؛ بحلّه 
قضيّة لولا لاندري, قد ألحقّ الإذلال بالشرطة التي تبنت وبثقة مفرطة فرضيّة 
انتحار الضحيّة. لاه ليس مصابًا بذهان الارتياب؛ لاحظ وبصورة واضحةء سلوك 
الشرطيّة صاحبة الشعر القصير التي خرجت للتوَ من الغرفة: كانت مصمّمة 
على إثارة توثّره. هذا من دون ذكر جميع زملائها الذين ما انفكوا يشقّون الباب 
لحدجه بنظرات فاحصة؛ بعضهم اكتفى بالتحديق فيه في حين تفوّه بعضهم 
الآخر بملاحظات تهكمية. 

إن كانوا ليظئوا بأنَّ ذلك سيضايقه. فهُم واهمون. لم يكن لسترايك أيّة 
انشغالات أخرى. أضف أنّهم قدّموا له وجبة شهيّة. لو سمحوا له بالتدخين, 
لاكتملث متعته. أبلغته المرأة التي استجوبته نحو ساعة بأنّه يستطيع الخروج 
لتدخين سيجارة تحت المطرء مصحوبًا بمرافق» لكنّ الخمول والفضول أبقياه 


164 روبرت غالبریث t.me/ktabpdf‏ 


جالسًا في مقعده. كانت قئينة ويسكي عيد ميلاده إلى جانبه في الكيس 
البلاستيكي. فكّر في إمكانيّة فتحها إذا أبقوه هنا لمدّة أطول. كانوا قد تركوا 
له كوبًا بلاستيكيًا مليئًا بالماء. 

أحدث الباب خلفه حفيفًا خفيفًا على السجّادة الرمادية السميكة, 
وسمع صونًا يقول: 

«بوب المتزهد.» 

سرعان ما دخل ریتشارد أنستيس» المفتّش لدى شرطة سكوتلاند 
يارد والضابط الاحتياطيّ في الجيش» وهو يبتسم. كان شعره مللا بالمطرء 
وتحت ذراعه رزمة من الأوراق. ندوب عميقة كانت تشوب جهة من وجههء 
وبدت البشرة تحت عينه اليمنى لامعة ومشدودة إلى أقصاها. لقد تمكّنوا من 
إنقاذ بصره في المستشفى الميداني في كابول بينما كان سترايك فاقد الوعي 
والأطبّاء منهمكين في معالجة ما تبقّى من ساقه المبتورة. 

«أنستيس»» بادره سترايك مُصافحًا زميله السابق. «ولكن ما الذي...؟» 

«استخدمت سلطة منصبي يا صديقيء, وسأتولى هذه القضيّة»؛ قال 
أنستيس وهو يجلس على المقعد الذي أخلته المحقّقة الفظة. «أنتَ لست 
محبوبًا هناء كما تعلم. من حسن حظك أنَّ العم ديكي إلى جانبك وسيكفلك.» 

كان أنستيس مقتنعًا تمامًا بأنَّ سترايك أنقذ حياته. ربّما ذلك صحيح. 
آنذاك, كانوا يحاولون التقدّم تحت وابل رصاص العدة, على درب ترابيّة في 
أفغانستان» حين أحسٌ سترايك فجأةً بأنَّ انفجارًا وشيكًا سيحدث. ما زال 
يجهل مصدر ذلك الحدس. ربّما بسبب الشاب الذي رآه يركض هاريًا عند 
حافة الطريق برفقة مَن بدا كأخيه الأصغر. لكن, ربّما كان القَتّيان يركضان 
خوفًا من إطلاق النار. جل ما يتذكره أنه صاح بسائق المدرّعة لكي يتوفّف. 
الأمر الذي لم ينقّذ - أو ربما لم يُسمّع - ومن يده إلى الأمام ليمسك أنستيس 
من ياقة قميصه ويجرّه إلى الخلف. لو بقي هذا الأخير مكانه, لربّما أصابه ما 
أصاب الجنديّ الشابٌ غاري توبلي, الذي كان جالسًا أمام سترايك مباشرةً, 
والذي لم يتمكنوا من العثور إلا على رأسه وجذعه ليدفتوهما. 


مكتبة دودة الحرير 165 


«عليّ أن أستعرض القضيّة من الصفر يا صديقي»» قال أنستيس» وبسط 
أمامه الإفادة التي دوّنتها الشرطية. 

«أتمانع في أن أحتسي جرعة؟» سأل سترايك متبرّمًا وأخرج تحت نظر 
أنستيس قتّيئة أران سينغل مولت من الكيس» وأضاف منها مقدار إصبعينء 
إلى الماء الفاتر في كوبه البلاستيكي. 

«حستًاء إستخدمتك الزوجة لإيجاد القتيل... نحن نفترض أنَّ جئّة 
الكاتب, ذاك المدعوق...» 

«أوين كواين»» قال سترايك» بینما کان أنستيس يحاول فك رموز كتابة 
زميلته. «استخدمتني زوجته قبل سنّة أيَام.» 

«كان مفقودًا عندئذٍ منذ...؟» 

«عشرة أيَام.» 

«لكنها لم تبلغ الشرطة؟» 

«لا. كان يفعل ذلك بانتظام: يتوارى عن الأنظار من دون أن يُبلغ أحدًا 
بمكان وجوده: ثم يعود إلى البيت ثانية. كان يحب النزول في الفنادق من 
دون اصطحاب زوجته.» 

«لماذا استدعتك هذه المرّة؟» 

«ظروفها صعبة. لديها ابنة مُعاقة ومشاكل ماديّة. علاوةً على ذلك 
طال غيابه هذه المرّة. لأؤّل وهلة ظنّت أنه في خلوة خاصة بالكْتّاب. لم تكن 
تعرف العنوان, لكتني تحقّقت بنفسي ولم يكن هناك.» 

«مع ذلك لا أفهم لماذا اتصلت ب بدلا من الاتصال بنا.» 

«قالت إِنّها اتصلت بكم في المرة السابقةء الأمر الذي أغضبه. يبدو أنّه 
كان مع إحدى صديقاته.» 

«سأدقق في ذلك». قال أنستيس, ودؤن ملاحظة. «ما الذي دفعك إلى 
زيارة ذلك المنزل؟» 

«عرفت ليلة أمس أنّ آل كواين من المشاركين في ملكيّته.» 

ساد صمت وجيز. 

«لم تذكر زوجته ذلك؟» 


166 روبرت غالبریٹث t.me/ktabpdf‏ 


«لا»» قال سترايك. «زعمت بأنّه يكره ذلك المكان ولم يذهب إليه قط. 
بدت وکأنها نسیت آنهما یمتلکانه حتّی...» 

«هل هذا معقول؟» تمتم أنستيس وهو يح ذقنه. «قلت بأنهما 
يفتقران إلى المال؟» 

«الأمر معقّدء فالمالك الآخر هو مايكل فانكورت...» 

«سمعتٌ عنه.» 

«... وهي تقول إِنّه يرفض بيع حصّته. ثمّة خلاف شديد بين فانكورت 
وكواين.» شرب سترايك جرعة من الويسكي المخفّف بالماءء فَسَرى الدفء 
في حلقه ومعدته. (لقد تمّ نزع أحشاء كواين - لحفظها أين يا ترى؟) «على أيّ 
حال؛ توجّهتٌ إلى المكان عند الظهيرة ووجدته هناك - أو بالأحرى ما تبقّى 
منه.» 

تأثير الكحول قد زاد حاجته إلى النيكوتين بشكل لا يطاق. 

«سمعتٌ أنَّ الجنّة في حالة مزرية»»: قال أنستيس. 

«أتريد إلقاء نظرة؟» 

أخرج سترايك هاتفه من جيبه» ضبطه على صور الجنّة: ثمّ ناوله 

«يا إلهي»» تمتم أنستيس. وبعد عدّة دقائق من التأمّل الصامت في 
لقطات الجنَّة المتحللة. سأل مشمئرًا: «ما هذه الأشياء الموجودة حوله... 
أطباق؟» 

«أجل». أجاب سترايك. 

«هل يعني لك ذلك أي شيء؟» 

«لا شيء.» 

«ألديك أي فكرة متى شوهد حيًّا آخر مرّة؟» 

«رأته زوجته للمرّة الأخيرة ليلة الخامس من الشهر. كان قد تناول 
العشاء للت مع وكيلة أعماله وعاد غاضبًا لأنّها أخبرته بأنّ كتابه الأخير غير 
قابل للنشرء لا بل هو عمل تشهيري بحق العديد من الأشخاص - لا سيّما بحق 
شخصين شديدّي التحشس.» 


تة دودة الحرير 167 


تفخص أنستيس ملاحظات المفئّشة رولينز. 

«لكتك لم تذكر ذلك لبريدجت.» 

«لأنّها لم تسألني.» 

«منذ متى طرح الكتاب في السوق؟» 

«ليس موجودًا في المكتبات»: قال سترايك وأضاف مزيدًا من 
الويسكي. «لم يُنشّر بعد. قلت لك إِنّه تشاجر مع وكيلته لأنّها أخبرته بأنّه غير 
قابل للنشر.» 

«هل قرأته؟» 

«قرأت معظمه.» 

«هل زوجته مَن أعطاك إِيَاه؟» 

«لاء هي تزعم بأنْها لم تقرأه.» 

«إذًا تنسى أنّها تملك منزلًا ثانيًا ولا تقرأً کتب زوجها»» تمتم أنستيس. 

«تقول إِنَّها تقرأ الكتب ولكن فقط بعد نشرها»». قال سترايك. «وأنا 
أصدّقها.» 

«نعم... نعم», همهم أنستيس وهو يضيف بعض الملاحظات إلى إفادة 
سترايك. «وكيف حصلت على نسخة من المخطوطة؟» 

«أفضّل عدم الإجابة.» 

«هذا قد يخلق مشكلة»» قال أنستيس وهو يرفع رأسه لينظر إليه. 

«ليس بالنسبة إليّ», أجاب سترايك. 

«ربما نضطر إلى مراجعة هذه النقطة يا بوب.» 

هر سترايك كتفيه بلامبالاة» ثم سأل: 

«هل أبلغتم زوجته؟» 

«أجل؛ مبدئيًا.» 

لم ينّصل سترايك بليونوراء إذ يُفترض أن يخطرها شرطيّ متدرّبء بالخبر 
المأساويّ. هو نفسه قد أذَى تلك المهمّة مرّات عديدة في السابق, لكنّه لم 
يعد متمرّسًا؛ بعد زيارته المنزل المشؤوم» فصّل البقاء خارجا بانتظار وصول 
الشرطة. وذلك احترامًا لأشلاء كواين المنتهكة. 


168 روبرت غالبریٹث t.me/ktabpdf‏ 


بینما کان پستجوب في سکوتلاند یارد» لم ينفڭ يفگر في مُصاب 
ليونورا. تصوّرها وهي تفتح الباب للشرطي - أو ربّما لاثنين - بعد ارتجافة 
الخوف والقلق الأولى عند رؤيتها البدلة الرسمية» لا ب من أنّ قلبها كاد 
ينفجر حين اقترح الشرطي عليها بنبرة مدروسة ومتعاطفة أن يجلسا في 
مكان هادىء للتحدّث؛ ثم أخطرها بالفاجعة (طبعًا لن يبلّغها, في البداية على 
الأقلء عن الحبال الأرجوانية الغليظة التي كانت تقيّد زوجهاء أو عن أحشائه 
التي استحالت فجوة داكنة أو وجهه المحروق بالحمض... ولن يذكر الأطباق 
المصفوفة حوله كما لو أنه عجل مسمّن مُحَكر... تذكر سترايك طبق فخذ 
الضأن الذي قدّمته لوسي للمدعوّين قبل نحو أربع وعشرين ساعة. لم يكن 
رجلا حساسًا لكنّ المشروب السلس علق في حلقه الذي أبى ابتلاعه» فوضع 
الكوب جانبًا). 

«برأيك, كم من الأشخاص قرأوا الكتاب؟» سأله أنستيس. 

«ليس لدي أي فكرة». أجابه سترايك. «على الأرجح قرأه العديد 
حتّى الآن. فقد أرسلته إليزابيث تاسيل - تُكتب كما ثلفظ». أضاف من أجل 
أنستيس المنهمك بالكتابة» «إلى كريستيان فيشر صاحب دار كروسفاير 
للنشرء وهو شخص يهوى القيل والقال. حاليًاء الملف في أيدي المحامين. 
يحاولون طمس الشائعة.» 

«الأمر يزداد تشويقًا». تمتم أنستيس وهو يكتب بسرعة. «هل تريد أن 
تأكل يا بوب؟» 

«أر يد أن أدحن.» 

«لن يطول الأمرء» وعد أنستيس. «بمّن شهّر؟» 

«السؤال هو»» قال سترايك وهو يمذ ساقه التي تؤلمه» «هل ذلك 
تشهيرء أو أنه كشف حقيقة هؤلاء الأشخاص وحسب. لكنّ الأشخاص الذين 
تعرّفت عليهم - أعطني قلمًَا وورقة»» أضاف. «لأنٌ الكتابة أسرع.» وراح يذكر 
الأسماء بصوت عالٍ وهو يدوّنها: «الكاتب, مايكل فانكورت؛ دانيال تشارد. 
مدير دار النشر التي تصدر كتب كواين؛ وصديقة كواين؛ كاثرين كينت. ...» 

«ثمة صديقة في القصّة أيضًا؟» 


مكتبة دودة الحرير 169 


«أجلء وهما على علاقة منذ أكثر من سنة على ما يبدو. ذهبتٌ 
لمقابلتها - في ستافورد کريبس هاوس» وهي محلَة في كليم أتلي كورت - 
فزعمت أنه لم يكن في شقّتها ولم تره... ثمّ هناك وكيلة أعمالهء ليز تاسيل؛ 
محزره» جيري والدغريف؛ و...» تردّد قليلًا... «زوجته.» 

«أدخل زوجته أيضًا في الرواية؟» 

«أجل»» قال سترايك؛ دافعًا بالقائمة على طاولة مكتب أنستيس. 
«لكن» هناك الكثير من الشخصيات الأخرى التي لم أستطع تمييزها. إن كنت 
تبحث عن القاتل في صفحات الروايةء فالخيار واسع.» 

«هل ما زالت المخطوطة بحوزتك؟» 

«لا»» كذب سترايك والذي كان يتوفع السؤال. فليحصل أنستيس على 
نسخة أخرى خالية من بصمات نينا. 

«هل من معلومة أخرى قد تساعدنا؟» سأل أنستيس وهو يعتدل في 
جلوسه. 

«أجلء» قال سترايك. «لا أعتقد أنَّ زوجته هي القاتلة.» 

نظر أنستيس إلى سترايك نظرة ساخرة لكنها لا تخلو من المودّة. 
فسترايك عراب ابنه والذي ولد قبل يومين من انفجار المدرّعة بهم. لم يكن 
سترايك قد التقى بتيموثي كورموران أنستيس كثيرًا وكان يجده تافهًا. 

«حستًا يا بوب» وقّع على إفادتك ويمكنني بعدها أن أقلّك إلى البيت.» 

قرأ سترايك أقواله بعنايةء وصحّح أخطاء إملاء المفدّشة رولينز بكل 
متعة وسرور, وأخيرًا وقّع الوثيقة. 

رنّ هاتفه عندما كان يتّجه وأنستيس نحو المصاعد. لقد عادت ركبته 
تؤلمه. 

«كورموران سترايك؟ هذه أناء ليونورا.» بدت كما عهدها دائمّاء 
باستثناء أنَّ صوتها كان متهدّجًا بعض الشيء. 

إعتذر سترايك بإيماءة رأس من أنستيس وانتحى جانيّاء بعيدًا عن 
الشرطيّ, نحو نافذة مطلّة على الشارع. في الأسفل, كانت السيّارات تمرّ 
بانتظام تحت المطر المتواصل. 


170 روبرت غالبریث t.me/ktabpdf‏ 


«هل زارتك الشرطة؟» سأل سترايك. 

«نعم» وأنا برفقتهم الآن.» 

«أنا آسف جدًا يا ليونورا.» 

«هل أنت بخير؟» سألت بخشونة. 

«أنا؟» قال سترايك مندهسًا. «نعم أنا بخير.» 

«هل يضايقونك؟ قالوا إِنك تخضع للاستجواب. لكتني أكَدثُ لهم: لقد 
ذهب في إثر أوين بناءً على طلبي, فلماذا توقفونه؟» 

«لم يوقفوني»» قال سترايك. «إِنّهم بحاجة إلى أقوالي فقط.» 

«لكنهم استبقوك طویلا.» 

«كيف عرفت كم من الوقت...؟» 

«أنا هناء في الطابق الأرضيّ. أريد أن أراك. لقد طلبتٌ منهم أن يأتوا 


بي إلى هنا.» 
بين ذهوله الشديد والويسكي الراكد في قعر معدته الفارغة, لم يجد 
ما يقوله سوى: 


«ولكن؛ مَن يعتني بأورلندو؟» 

«إدنا», أجابت ليونوراء وكأنّ قلقه بشأن ابنتها أمر عادي. «متى 
سيدعونك تخرج؟» 

«أنا في طريقي إلى أسفل الآن.» 

«مع مَن كنت تتكلم؟» سأل أنستيس عندما أقفل سترايك. «شارلوت؟» 

«أوهء لا»» همهم سترايك عندما دخلا المصعد. لقد نسي تماما أنه لم 
يخبر أنستيس عن انفصالهما. فأنستيسء باعتباره شرطيًا صديفًاء يشغل مكانًا 
مغلقًا خاضًا به لا يشوبه القيل والقال. «إنتهت علاقتنا منذ أشهر.» 

«حقًا؟ آسف يا صديقي», أجاب أنستيس عندما بدأ المصعد بالهبوط. 
بدا صادقًا لكنّ سترايك ظنّ بأنَّ شيئًا من خيبة أمله يعود إلى تحشره الشخصيّ 
على نفسه. كان من أكثر أصدقاته إعجابًا بشارلوت» وذلك لجمالها الأخّاذ, 
وضحكتها المغرية. عندما عاد كلاهما إلى لندن بعد مغادرة المستشفى 
والجيش.ء لم ينفك أنستيس يردّد «أحضر شارلوت إلى المنزل.» 


مكترة دودة الحرير 171 


شعر سترايك برغبة غريزية في حماية ليونورا من أنستيسء لكنّ ذلك 
كان مستحيلًا. عندما قتح باب المصعدء رآها واقفةٌ هناك تنتظره؛ نحيلة 
وخجولةء شعرها الرماديّ مرفوع بأمشاطء غارقة في معطفها القديم. كانت 
تنتعل حذاءً أسود باليًا لكتها توحي بأنّها تمشي بخفٌ مريح وكأنّها في منزلها. 
يحيط بها شرطيٌ وشرطيّة ببدلة رسمية» وهما من دون شلككء مَن نقلا إليها خبر 
وفاة كواين. إستنتج سترايك من نظراتهما التواطئيّة مع أنستيس أن ليونورا 
تثير ارتيابهماء وأنَّ ردّ فعلها على خبر وفاة زوجها كان مُستغربًا. 

لم تكن تذرف الدموع أو تُظهر أي انفعالء ما خلا ارتياحها لرؤية 
سترايك. 

«وأخيرًا! لماذا استبقوك كلّ هذا الوقت؟» 

نظر إليها أنستيس بفضولء لكنَّ سترايك لم يعرّفه بها. 

«هل نذهب ونجلس هناك؟» سألها سترايك مُشيرًا إلى مقعد طويل 
بجانب الحائط. كان يشعر بنظرات الشرطيين الثلاثة الفاحصة خلفه وهو يسير 
مترنّحًا إلى جانبها. 

«كيف حالك؟» سألها على أمل أن تظهر بعض علامات الأسى, فيهدأً 
فضول هؤلاء. 

«لا أدري». أجابت وهي ترتمي على المقعد. «لا أستطيع أن أصدق. 
لم أكن أعتقد البّة أنه قد يذهب للاختباء هناك ذاك المغفّل! أظنّ أنَّ أحد 
اللصوص دخل وفعل فعلته. كان يجدر به الذهاب إلى الفندق كما كان يفعل 
دائمّاء أليس كذلك؟» 

إِذاء لم يخبروها بالكثير. إفترض سترايك أَنَّها مصدومة أكثر ممّا تبدو 
عليه. وأكثر مما تتصوّره. أن تهرع إلى هنا لرؤيته خير دليل على ضياعها 
واضطرابها. 

«أتريدينني أن أقلّك إلى البيت؟» سألها سترايك. 

«بل أتوقع منهم أن يقلوني». قالت مبديةٌ الحزم عينه الذي أظهرته 
عندما أكُدَت أنَّ إليزابيث تاسيل هي مَن سيسدّد فاتورة سترايك. «أردث 


172 روبرت غالبريث t.me/ktabpdf‏ 


رؤيتك للتحقق من أنّك بخير وأنّني لم أسبّب لك من متاعب. أردث أيصًا أن 
أعرف إذا كنت ستستمرٌ في التعامل معي.» 

«أستمرٌ في التعامل معكِ؟» ردّد سترايك مبهوئًا. 

تساءل لبرهة: ما إذا كانت قد تابعت المُجريات. ربّما تعتقد أنّ كواين 
ما زال هاربًا ولم يتم العثور عليه. هل تحجب غرابة سلوكها ما هو أكثر خطورة, 


كاضطرابات نفسيّة مثلًا؟ 
«يعتقدون أنّني على علم بأمر ما»» قالت ليونوراء «يمكنني أن أشعر 
بذلك.» 


تردّد سترايك. كاد أن يقول «لاء هذا غير صحيح». لكنه لم يشأ الكذب 
عليها. كان يدرك تمامًا أن الشرطة تشك بها. وكيف لا؟ كان زوجها يتجاهلهاء 
يخدعها ويخونهاء أمَا هي فلم تتضّل بالشرطة للإبلاغ عن اختفائه ولم تحاول 
البحث عنه قبل مضيّ عشرة أَيَامِ على غيابه. كانت تحتفظ بمفتاح المنزل 
المهجور الذي غثر فيه على جنّته. ذاك المنزل حيث بوسعها أن تنتظره 
لتقتله على غفلة. كان يعرف كل ذلك بيد أنّه سألها: 


«لماذا تقولين ذلك؟» 
«لا أدري». كررت القول» «من طريقة حديثهم معي. قالوا إنهم يريدون 
تفتيش منزلناء ومكتبه.» 


تلك إجراءات روتينيّة. لكنّ سترايك أدرك بأنها قد تعتبرها تطفّلًا 
وتدخَلًا في حياتها الخاصة. 

«هل علمت أورلتدو بما حدث؟» 

«أخبرتها لكتّني لا أظنّها تعي الأمر». قالت ليونوراء ولمح الدموع في 
عينيها لأوّل مرّة. «قالت لي: تمامًا مثل السيّد قذر - هرّنا الذي دُهس- 
لكئّني لا أعرف ما إذا كانت تفهم معنى ذلك. فمع أورلندوء لا أحد يعلم. 
أخبرتها فقط بأنّه مات وليس بأنّه قُتل. لن أستطيع تحمل ذلك على الإطلاق.» 

توفّفت لبرهة, فتساءل سترايك فجأةًٌ إذا كانت أنفاسه مثقلة برائحة 


الويسكي. 


مگثزة دودة الحرير 173 


«هل ستستمرٌ في التعامل معي؟» سألته مباشرة. «أنت أفضل منهم» 
ولذلك اخترتك منذ البداية. هل ستفعل؟» 

«أجل.» 

«لأنّني أدرك تمامًا أنّهم يشكون بتورطي في الجريمة»». كرّرت ليونورا 
وهي تنهضء «من طريقتهم في التحدّث إليّ.» 

شدّت معطفها حولها بمزيد من الإحكام. 

«يجدر بي أن أعود الآن من أجل أوزلقةو: سعيدة لأنّك بخير.» 

توجّهت ليونورا بخطاها المتثاقلة نحو مرافقيها. للوهلة الأولى» هلت 
الشرطيّة إذ عاملتها كسائقة سيّارة أجرة, لكنّها وافقت على إيصالها إلى البيت, 
بعد أن رمقت أنستيس بنظرة تساؤل. 

«ماذا كانت تريد؟» سأل أنستيس بعد أن ابتعدت المرأتان. 

«كانت قلقة من احتمال تعرّضي للاعتقال.» 

«إِنّها غريبة الأطوار, أليس كذلك؟» 

«أجل.» 

«لم تخبرهاء لا؟» 

«لا». قال سترايك بشيء من الاستنكار, فهو شديد الحرص على عدم 
إفشاء أي معلومات عن مسرح الجريمة أمام مشتبه به. 

«عليك أن تتوخى الحذر يا بوب»»: قال أنستيس مرتبكاء عندما عبرا 
الباب الدوّار ليخرجا إلى العتمة والمطر. «لا تورّط نفسك في المسألة. إِنّها 
جريمة قتل وليس لديك الكثير من الأصدقاء في أوساط الشرطة يا صديقي.» 

«ولكن» هذا ثمن الشهرة. إسمع, سأستقل سيّارة أجرة... لاه لا». قال 
بحزم في وجه احتجاجات أنستيس. «أحتاج إلى أن أدخّن قبل أن أذهب إلى 
أي مكان. شكرًا يا ريتشء على كل شيء.» 

تصافح الرجلان» ورفع سترايك ياقة معطفه انَّقاءَ للمطر ولوّح بيده 
مودّعًا. ثمّ سار بخطاه المتعئّرة على الرصيف الداكن مسرورًا للتمُص من 
أنستيسء بقدر ما كان مسرورًا بسحب أوّل نمس من سيجارته. 


t.me/ktabpdfF 


18 


لذلك أجد, حيثما تثور الغيرة؛ أنّه من 
الأفضل 
أن تنيت القرون على الرأس وليس فيه. 


بن جونسون, «لكلّ شخص مزاجه» 


نسي سترايك تمامًا أنّ روبن غادرت المكتب وهي غاضبة: بعد ظهر الجمعة. 
لم يكن يعرف سوى أمر واحد: هي الوحيدة التي يرغب في التحدّث إليها 
بما جرى. عادةٌ ما يتحاشى الاتصال بها في عطلات نهاية الأسبوع, لكن, نظرًا 
للظروف الاستثنائيةء بعث إليها برسالة نضية من سيّارة الأجرة والتي وجدها 
بعد ربع الساعة من المشي في الشوارع المبلّلة والباردة في الظلام. 

كانت روبن تجلس متكوّرة على كنبتها وهي تطالع كتايًا ابتاعته عبر 
الإنترنت: «في الاستجواب التحقيقي: علم النفس والتطبيق.» أمَا ماثيو 
فكان على الأريكة الطويلة يتحدّث بالهاتف مع أمّه والتي كانت تشعر بالإعياء 
مجدّدًا. كان ينظر إلى الأعلى متأَفْفاء كلما رمقته خطيبته بشيء من التعاطف. 

عندما اهترز هاتفها المحمول. تجهم وجه روبن» إذ كانت تحاول التركيز 
على كتابها. 


عثرتُ على جنّة كواين. مقتولا. 


مكنبة دودة الحرير 175 


أصدرت شهقة مكتومة أجفلت ماثيوء وانزلق الكتاب منها وسقط على 
الأرض بدون أن تتنبّه لذلك حتّى. أمسكت بهاتفها وركضت به إلى غرفة النوم. 

إستمرٌ ماثيو في التحدّث إلى أمّه نحو عشرين دقيقة, ثمّ ذهب 
واسترق السمع عند باب غرفة النوم المغلق. كان في وسعه أن يسمع روبن 
تطرح أسئلة وجيزة» وتستمع طويلًا إلى أجابات بدت معقّدة. شيء ما في 
نبرتهاء جعله يخمّن أنّها تتحدّث إلى سترايك؛ فصرٌ أسنانه. 

عندما خرجت روبن أخيرًا من غرفة النوم مصدومةٌ ومرعوبة, أبلغت 
خطيبها بأنَّ سترايك عثر على جنّة الرجل الذي كان يبحث عنه. حار ماثيو ما 
بين فضوله الطبيعيّ وبين كرهه لسترايك الذي تجرّأ على الاتصال بروبن ليل 
الأحد. 

«حسئاء أنا جنّ سعيد لحدوث ما يثير اهتمامك الليلة» بما أنّك لا 
تأبهين بصحّة أمَي». قال ماثيو. 

«يا لك من مُنافق!» شهقت روبن» بعدما أذهلها كلامه الظالم. 

وتفاقم الشجار بسرعة مخيفة: دعوة سترايك إلى حفل الزواج» وموقف 
ماثيو التهكّمي من عمل روبن» وما ستكون عليه حياتهما معًاء وما يدين به 
كل منهما للآخر... شعرت روبن بالهلع لسهولة تعض علاقتهما للمساءلة 
للتشريح والتجريح. لكنّها لم تتراجع. إنتابها غضب شديدء وحنقت على كل 
الرجال الذين يعكرون صفو حياتها بعماهم وعنادهم - ماثيو, لأنّه لا يدرك 
قيمة عملها وأهميّته بالنسبة إليها؛ وسترايكء الذي لا يقدّر مؤهّلاتها. 

(بيد أنّه اتصل بها عندما عثر على الجنّة... - وقد تمكنت من تمرير 
سؤال «من أخبرتَ سواي؟» - وأجاب من دون أن يتصوّر ما يمكن أن يعني 
ذلك لها: «لا أحد سواك.») 

مائيو. من جهته؛ كان يشعر بالإحباط. فقد لاحظ موْخُْرًا ظاهرة مقلقةء 
وكان مضطرًا إلى احتمالها على مضض, ما زاد من انزعاجه: قبل أن تبدأ روين 
بالعمل لدى سترايك. كانت دائمًا أل من يتراجع عند وقوع شجارء وأوّل من 
يبادر إلى الاعتذار, لكن, يبدو أنَّ عملها السخيف أفسد طبعها المتسامح... 


176 روبرت غالبریٹث t.me/ktabpdf‏ 


لعدم توفْر سوى غرفة نوم واحدة, أخرجت روبن بطّانيات إضافية من 
أعلى الخزانة, وأخذت شراشف نظيفة, وأعلنت أنّها ستنام في الصالون. ولآنّ 
ماثيو كان مقتنا بآنها لن تلبث أن تعود (كانت الأريكة قاسية وغير مريحة)ء 
لم يحاول ثنيها عن ذلك. 

لكته كان مخطئًا. عندما استيقظ في الصباح التالي» كانت روبن قد 
خرجت» فازدادت حدّة غضبه. لا شك في أنها توجّهت إلى العمل قبل ساعة 
من دوامها المعتادء ولماذا؟ في مخيّلته - وتلك من ملكاته الذهنيّة التي لم 
يعتّد استعمالها - رأى ذلك الضحم القبيح يفتح لها باب شقّته. وليس باب 
المكتب في الأسفل... 


19 


... سأفتح لك 
كتاب الخطيئة السوداء» المطبوع عميقًا 
في داخلي. 


... ذلك المرض الذي يسكن روحي. 
توماس ديكير, «الجندي الإسباني النبيل» 


كان سترايك قد ضبط المنبّه للاستيقاظ باكرّاء وذلك بغية الحصول على هامش 
من الوقت الهادىئ, بعيدًا عن الزبائن أو الهاتف. نهض على الفور واستحمّ. ثم 
تناول الفطورء و وصل الساق البديلة بركبته المتورّمة بعناية شديدة. وبعد 
خمس وأربعين دقيقة على استيقاظه, دخل مكتبه وهو يعرج متأبّطًا القسم 
الذي لم ينه قراءته من بومبيكس موري. ثمّة شك لم يُطلع أنستيس عليه كان 
يساوره ويدفعه إلى إنهاء الكتاب على عجل. 

أعدّ لنفسه فنجانًا من الشاي المركز وجلس إلى مكتب روبن» حيث 
الإنارة ممتازة, وبدأ القراءة. 

بعد نجاحه في الفرار من «قاطع» ودخوله المدينة المنشودة؛ قرّر 

0 

بومبيكس التخلص من رفيقتي رحلته الطويلة؛ سوكوبا والقرادة. وهذا ما فعل 
إذ اصطحبهما إلى ماخور حيث تم استخدامهماء ما أفرحهما للغاية. ثمّ غادر 


18 روبرت غالبريث t.me/ktabpdf‏ 


بومبيكس بمفرده, بحئًا عن «متكبّر»: وهو كاتب مشهور كان يأمل بأن ينّخذه 

وسط زقاق مُعتم» اعترضت بومبيكس امرأة ذات شعر أحمر طويل 
وملامح شيطانيّة. تحمل كومة من الجراذين الميتة والتي كانت قد اصطادتها 
كوجبة عشاء. عندما تعرّفت «شرّيرة» على هويّة بومبيكسء دعته إلى 
منزلهاء الذي تبيّن أنه كهف تتناثر فيه جماجم الحيوانات. تصفّح سترايك 
المقاطع الجنسيّة بسرعة, وكانت تمتدّ على أربع صفحات كاملة وتشمل 
تعليق بومبيكس بالسقف وجلده. مثلما حدث مع القرادة. حاولت «شرّيرة» 
الاغتذاء من ثدي بومبيكسء لكنه تمكن من صدّها على الرغم من القيود التي 
كانت تكبّله. حَزِنَت «شرّيرة» حزنًا شديدّاء وانتحبت انتحابًا مرًا. ثمّ كشفت 
عن صدرها فرشحت منه مادّة بنية داكنة ولزجة؛ بينما شعّ ضوء خارق من 
صدر البطل. 

تجهّم سترايك من هذا الوصف الأخير. لم يعد أسلوب كواين محاكاة 
هزليّة بمبالغات مقرفة فحسبء بل أصبح خبيئًا وشْرّيرًا بشكل فاضح. في 
ذلك المشهد. تجاوز الكاتب بساديته المكبوتة؛ كل الحدود, ولم يُنشد سوى 
التجريح والتعذيب. ألهذا الهراء كرّس كواين شهوراء وربّما سنوات من حياته؟ 
هل كان سليم العقل؟ وهل يمكن أن نصنّف بالمجنون مَن يتقن الكتابة بمثل 
هذه البراعة - مع أنّ سترايك يكره أسلوبه؟ 

حسن الشاي الساخن من حاله» فاستعاد هدوءه وتايع القراءة. كان 
بومبيكس يوشك أن يغادر منزل الشرّيرة مشمئراء عندما دخلت شخصيّة 
أخرى عبر الباب» إبيسين» وهي مُزدوجة الميول الجنسيّة؛ فقدّمتها «شرّيرة» 
المنتحبة كابنتها بالتبني. وهي فتاة شابّة كشف رداؤها المفتوح عن قضيب» 
وأصرّت إبيسين على أنّها وبومبيكس روحان توأمان يفهمان الذكور والإناث. 
ودعته إلى معاينة جسمها الخنثوي» وقبل ذلك أن يسمع صوتها. ويبدو أنّها 
أصدرت نباحا شبيها بصوت الفقمة» معتقدة أن لديها صونًا جميلاء ما دفع 
بومبيكس إلى الفرار منها مغلقًا أذنيه. 


مكقرة دودة الحرير 19 


بعد ذلك وأمام أنظار بومبيكس المنيهرة, تجلى قصرٌ من نور على أحد 
التلال. تسلّق البطل المرتفعات الوعرة باتّجاهه, لكنّ صوئًا غريبًا أوقفه. عند 
مدخل مُعتم؛ وقف قزم يناديه وقد عرّف عن نفسه بأنّه الكاتب متكبّر. كان 
ذاك القزم الزائف يشبه فانكورت بملامحه: الحاجبان» السحنة المتجهمة 
والتكشيرة التهكّمية. عرض على بومبيكس أن يبيت عنده. «هذا لأثني 
سمعت عن موهبتك العظيمة»» كما قال. 

في الداخل؛ هال بومبيكس منظر شابّة مقيّدة إلى مقعد. كانت تكتب 
على طاولة مكتب ذي غطاء منزلق. في الموقد, لَمَحَ حفنة من الجمر شبه 
المشتعلء وعلى مجموعة من الحدائد المحمّاة بالنار» قرأ عبارات محفورة 
بحروف مائلة مثل «عنيدة ساذجة» و«خطاب طتان.» شرح متكبّر كيف 
طلب من زوجته أن تؤلّف كتابًا خاضًا بهاء كي لا تزعجه بينما يكتب رائعته 
التالية, متوقُعًا أن يرفه ذلك عن بومبيكس. أوضح متكبّر أن زوجته «إيفيجي 
» تفتقر إلى الموهبة, للأسف, ولذلك يجب أن تُعاقّب. عندما رفع إحدى 
الجمرات من النار» هرب بومبيكس من المنزلء تلاحقه صرخات الألم التي 
أطلقتها إيفيجي. 

أسرع بومبيكس إلى قصر النورء إذ تصوّر أنه سيجد فيه ملادًا. على 
المثلث فوق البوّابة, قرأ اسمًا محفورًا: فالوس أمبوديكوس. قرع الباب بشدّة 
لكنَّ أحدًا لم يجب. دار حول القصر وأخذ ينظر عبر النوافذ إلى أن شاهد رجلا 
أصلعَ عاريًا يقف أمام جنّة صبي أشقر تملأ جسده جراح ناجمة عن الطعن, 
وكڵ منها يرسل ضوءًا مبهرًا مماثلًا لذلك الذي شعّ من صدر بومبيكس. وبدا 
قضيب فالوس المنتصب في طور التحلّل. 

«مرحبًا.» 

جفل سترايك ورفع بصره. كانت روبن واقفة أمامه بمعطفها المشمّع, 
وقد أضفى البرد على وجنتيها تلوينة زهريّة خجولة. كان شعرها الأشقر المائل 
إلى النحاسيّ يتراقص على كتفيها بتمؤجاتٍ ذهبيّة تحت أشْعّة شمس 
الصباح المتغلغلة عبر النافذة. لوهلة, وجدها سترايك رائعة الجمال. 

«لماذا جئت باكرًا؟» سألها من دون تفكير. 


180 روبرت غالبريث مه ا/ع ص 


«أردت أن أعرف ماذا يجري.» 

خَلَّعَت معطفها فأشاح سترايك بصره. نادمًا على ردّ فعله. من الطبيعيّ 
أن تبدو جميلة في نظره» مقارنةٌ بصورة ذلك الأصلع العاري بجسده المتعفُن 
والتي أبت مفارقة بصره... 

«أتريد فنجان شاي آخر؟» 

«بكل سرورء شكرًا». قال من دون أن يرفع عينيه عن المخطوطة. 
«إمنحيني خمس دقائق فقط, أريد أن أنهي هذه...» 

وعاد إلى الانغماس في عالم بومبيكس موري المبتذلء ينتابه شعور 
بأنه يغوص ثانيةٌ في مستنقع قذر تسكنه الثعابين. 

... في الخارج. وقف بومبيكس أمام نافذة القصرء يحدّق بالمشهد 
المقرّز وقد استولى عليه الرعب. فجأةً, انقضّت عليه زمرة من العبيد 
المقلنسين. جرّوه إلى داخل القصر وعرّوه من ملابسه أمام فالوس. عندئذٍ, 
تضاعف حجم بطن بومبيكس» وبدت الولادة وشيكة. راح فالوس يوزع 
التوجيهات على خدمه» ما جعل بومبيكس الساذج يعتقد انهم يهمّون بإقامة 
حفلة على شرفه. 
شرّيرة» متكبّرء وأمبوديكوس - وما لبثت إبيسين أن انضمّت إليهم. جلس 
الضيوف السبعة إلى مائدة كبيرة يعلوها إبريق ساخن بغُروة» وطبق فارغ 
بحجم إنسان. 

عندما انضمَّ بومبيكس إليهم, لم يجد مقعدًا مخضّصًا له. نهض السبعة 
الآخرون» وتوجّهوا نحوه وهم يحملون الحبال بملامح تشي بالتهديد. إذ قيّدوه 
بإحكام؛ وضعوه في الطبق العملاق وهمّوا بشقٌ بطنه. تبيّن أنّ الكتلة التي 
كانت تنمو في احشائه» كرة من الضوء الخارق. أخرجها فالوس وحبسها في 
صندوق. 

كان الإبريق يحتوي على الفيتريولء والذي تلذّذْ السبعة بصيّه على 
بومبيكس وهو لا يزال حيًا - فتعالى صراخه. عندما صمت أخيراء بدأت 
الوليمة. 


مكتبة دودة الحرير 181 


وانتهت القضة بخروج الضيوف من القصرء الواحد تلو الآخرء بعدما 
شبعوا حتّى التخمة وهم يتبادلون الذكريات والدعابات حول ضحيّتهم. من 
دون أن يشعروا بأي ذنب» تركوا صالة التعذيب خلفهم» والدخان يتصاعد من 
بقايا وليمتهم المنتنة؛ والصندوق المنير معلّقًا كالمصباح فوقها. 

«اللعنة!». همس سترايك. 

لم يكن قد لاحظ فنجان الشاي الجديد الموضوع بمحاذاته. على ذراع 
الأريكة. جلست روبن تنتظر بصبر أن يفرغ من القراءة. 

«کل شيء موجود هنا»» غمغم سترايك. «كل ما خضع كواين له...» 

«ماذا تعني؟» 

«بطل رواية كواين يموت مثلما مات هو بالضبط: مقيّدًاء منزوع 
الأحشاء. ومرشوشًا بسائل حمضي. وفي الرواية» يلتهمونه.» 

حدّقت فيه روبن بجزع. 

«الأطباقء والسكاكين» والشوك...» 

«بالضبط»» قال سترايك. 

من دون أن يفكرء أخرج هاتفه من جيبه وعرض الصور التي التقطها. 
إذ لمح تعبير الخوف الذي ارتسم على وجههاء عاد فتريّث: 

«لاء آسفء نسيت أنّ...» 

«أعطني الهاتف.» 

ما الذي نسيه؟ أنّها غير مدرّبة أو متمرّسة, وليست شرطيّة أو جنديّة؟ 
وماذا إِذَا؟ ألا يحقّ لها بالتقدّم أكثر في عملهاء وبالتفؤق؟ 

«أريد أن أراها», قالت كاذبة. 

ناولها الهاتف بشيء من التحفظ. 

لم تحرّك روبن ساكئاء لكن. عندما حدّقت في الفجوة الفارغة في صدر 
الجئّة وبطنهاء انقبضت أمعاؤها من الذعر والقرف. أمسكت بغنجانهاء لكنّها 
لم تكن لترغب في شرب أي شيء. كانت أفظع الصور, تلك التي يظهر فيها 
وجهه عن قربء وقد أكله الحمض الذي صب عليه فاسودٌ وظهر مَخجر العين 
المحترق... 


182 روبرت غالبریٹ t.me/ktabpdf‏ 


بدت لها الأطباق رمز الفحش والفجور. كان سترايك قد التقط صورة 
مقرّبة لأحدهاء يحيط به الملعقة والشوكة والسكين؛ بدقّة وعناية. 

«يا إلهي»» قالت على شفير الإعياء. وأعادت إليه الهاتف. 

«والآن» اقرأي هذه»» قال سترايك وناولها الصفحات التي طالعها. 

أذعنت بصمت. عندما فرغتء نظرت إليه وقد انّسعت عيناها. 

«يا إلهي»» ردّدت ثانية. 

فجأةٌ رنّ هاتفها. أخرجته من حقيبتها الموضوعة على الأريكة إلى 
جانبها ونظرت إلى الشاشة. كان ماثيو. لا تزال غاضبةٌ منه. فاختارت تجاهل 
الاتصال. 

«برأيك, كم من الأشخاص قد قرأوا هذه الرواية؟» سألّت سترايك. 

«باتوا كثرًا الآن كما أتصوّر. بفضل البريد الإلكتروني» نشر فيشر بعض 
المقتطفات التي اختارها بعنايةء في سائر أرجاء المدينة. ما بينها وبين رسائل 
المحامين: أراهن بأنّ القرّاء يتدافعون للحصول على نسخة.» 

بينما واصل حديثه. خطرت ببال سترايك فكرة غريبة: ما كان كواين 
ليحلم بدعاية أفضل لروايته ولو حاول... لكن لم يكن باستطاعته أن يقيّد 
نفسه بنفسه ولا أن يرش نفسه بالحمض أو ينتزع أحشاءه... 

«المخطوطة محفوظة لدى روبر تشارد» وفي خزنة تعرف نصف الشركة 
أرقامها السرّية على ما يبدو. أنا نفسي استحصلت عليها بتلك الطريقة.» 

«لكنّك لا تعتقد أنّ القاتل هو حتمًا أحد الذين وردوا في...؟» 

رنّ هاتف روبن ثانيةٌ: ماثيو من جديد. ضغطت على زر التجاهل. 

«ليس بالضرورة»» قال سترايك مجيبًا عن السؤال الذي لم تكمله. «لكنّ 
الشرطة ستراقب عن كثب الذين ذكرهم في الكتاب. ومن بين الشخصيات 
التي التقيتها حنّى الآن ليونورا التي تزعم أنّها لم تقرأه, وكاثرين كينت كذلك 
ال...» 

«هلّ تصدّقهما؟» سألت روبن. 

«أصدّق ليونوراء لكنّني لست على يقين بشأن كاثرين كينت. ماذا 
تقول الجملة على موقعها؟ أن أراك معذَّبًا سيبعث البهجة في نفسي؟» 


مكقرة دودة الحرير 183 


«لا أعتقد أن امرأة قادرة على ارتكاب فعلة شنيعة كهذه»., قالت روبن 
على الفورء وهي تنظر إلى هاتف سترايك الموضوع على المكتب بينهما. 
«ألم تسمعي عن المرأة الأوستراليّة التي سلخت حبيبهاء وقطعتهء 


وطهت رأسه وردفيه. وذهب إلى حدّ صنعت منها طبق يخنة وقدّمته إلى 


أولاده؟» 
«لست جادًا؟» 
«بل جاد تمامًا. إبحثي في الإنترنت. عندما تنقلب النساءء يتمادين 
8 
حقا.» 


«كان كواين رجلا ضخمًا...» 

«ماذا لو كانت امرأة أولاها ثقته؟ امرأة يقيم معها علاقة عابرة؟» 

«هل تعرف من قرأ الكتاب بالتحديد؟» 

«كريستيان فیشر» ورالف» مساعد إليزابيث تاسيل» وتاسيل نفسهاء 
وجيري والدغريف, ودانيال تشارد - وكل هؤلاء من شخصيّات الرواية, 
باستثناء رالف وفيشر . أمَا نينا لاسيلز...» 

«مَن هما والدغريف وتشارد؟ ومن تكون نينا لاسيلز؟» 

«محرّر كواين» ورئيس دار النشرء والفتاة التي ساعدتني في سرقة 
هذه». قال سترايك وهو يربّت على المخطوطة. 

رنّ هاتف روبن للمرّة الثالثة. 

«المعذرة»» قالت بنفاد صبر وردّت على المكالمة. «نعم؟» 

«روبن.» 

شمع صوت ماثيو مخنوقًا على نحو غريب. لم يكن ليبكي قط من قبل 
أو ليظهر مغلوبًا على أمره أمام تأنيب الضمير؛ بسبب مشادّة. 

«نعم؟» كرّرّت وإِنْما بنبرة تراجعت حدّتها بعض الشيء. 

«تعرّضت أمّي لسكتة أخرى. وقد... وقد...» 

إرتجف قلبها من شدّة الجزع. 

«ماثيو؟» 


كان مجشهًا بالبكاء. 


184 روبرت غالبریٹ t.me/ktabpdf‏ 


«ماثيو؟» كرّرت بإلحاح. 

«لقد توفيت»», قال وهو يئنّ كالطفل الصغير. 

«سآني فورًا»» قالت روبن. «أين أنتَ الآن؟» 

كان سترايك يراقب تعابيرها. لمح فيها خبر وفاة وتمئّى ألا يكون أحدًا 
ممّن تحبّء أو والديهاء أو إخوتها... 

«إسمع»» قالت وهي تنهض. «إبقّ حيث أنت. أنا قادمة.» 

«والدة ماثيو, لقد توفيت...», أخبرت سترايك. 

لقد صعقها الخبر لدرجة لم تستطع استيعابه. 

«كانا يتحدّثان بالهاتف الليلة الماضية»» قالت لسترايك. تذكرت 
نظرة ماثيو الضجرة والصوت المخنوق الذي سمعته للتوّء فغلب عليها الحنان 
والتعاطف. «آسفة جدًا لكن...» 

«إذهبي»» قال سترايك, «وأبلغيه عزائي, رجاءً.» 

«طبعًا», قالت روبن وهي تحاول إقفال حقيبتها بيد مرتجفة. كانت 
على معرفة بالسيّدة كانليف منذ المدرسة الابتدائية. حملت معطفها المشمّع 
على عجلء وسرعان ما التمع الباب الزجاجيّ وهو ينغلق خلفها. 

لشدّة دهشته من سرعة تتالي الأمور, ظل سترايك في حالة سهو لبضع 
ثوان» يحدّق في الفراغ الذي خلفته روبن. ثمّ نظر إلى ساعته. لم تكد تصبح 
التاسعة. بعد نصف ساعة تقريبًاء ستأتي المطلّقة ذات الشعر البنّي لاسترداد 
عقدها الزمرّدي الذي نسيته في المكتب. 

رفع سترايك الفناجين وغسلهاء ثم أخرج العقد من الخزنة حيث كان 
قد أودعه بانتظار عودة صاحبته» ووضع مخطوطة بومبیکس موري مکانه. 
أعاد ملء الإبريق الساخن, وراح يدوق في بريده الإلكتروني. 

سيؤجّلان الزواج. 

رفض أن يشعر بالسرور جرّاء ذلك. لثلّا يمعن في التفكير, أمسك بهاتفه 
وانّصل بأنستيسء الذي أجاب سريعًا. 


«بوب؟» 


مكتبة دودة الحرير 155 


«أنستيس, ربّما أنتَ على علم بذلك, لكتني أردث إخبارك بأنّ رواية 
كواين الأخيرة تصف تفاصيل مقتله.» 

«أعد ما قلته ثانيةً.» 

من الصمت الوجيز الذي تلى شروحات سترايكء تبيّن أنّ أنستيس لم 
يكن على علم بما حدث على الإطلاق. 

«أنا يحاجة إن تسخة من المخطوطة يابوب: إذا أرسلك إلبك أحدا 
ليجلبها...؟» 

«أمهلني ثلاثة أرباع الساعة», أجاب سترايك. 

كان لا يزال ينسخ المخطوطة عندما وصلت صاحبة الشعر البنّي. 

بادرته على الفور: «ولكنء أين سكرتيرتك؟.» ثم التفتت إليه بغنج, 
مظهرةً دهشة مصطنعة وكأنّها تفكر في أنّه دبّر الأمر ليكونا معًا على انفراد. 

«إِنْها في إجازة مَرَضيّة. تعاني الإسهال والقيءء تتخيّلين الوضع...», 
قال سترايك بنبرة قمعيّة. «هل نبدأ العمل؟» 


t.me/ktabpdfF 


20 


هل يصلّح الضمير كرفيق لجندي قديم؟ 


فرنسيس بومونت وجون فليتشر, «المزيّف» 


في وقت متأخْر من الأمسية» جلس سترايك بمفرده إلى مكتبهء يأكل النودلز 
بيد ويدوّن الملاحظات باليد الأخرى. في الخارج» كانت أرتال السيّارات 
تتتالى هادرةً تحت المطر. كان قد أنهى عمله اليوميّء وأصبح متفرّعًا تمامًا 
للتركيز على ملف كواين. راح يكتب بخطه المسماري وغير القابل للقراءة, 
لائحةٌ بالمهمّات الواجب إنجازهاء وقد دوّن إلى جانب بعضهاء حرف أ أي 
أنستيس. أن يعمد محفَّقٌ خاصٌ لا صلاحيّة لديه» إلى تفويض المهام إلى 
ضابط شرطة مسؤول عن القضيّة, قد يُعتبر وقاحةً أو عدم نزاهةء لكنّ سترايك 
لم يكن ليتكبّد عناء الانزعاج أو الخجل من ذلك. 

سبق أن تعاون سترايك مع أنستيس في أفغانستان» ولم يكوّن انطباعًا 
جيّدًا عن مؤهّلاته كمحقّق. كان يعتقد أنّ أنستيس كفوء وإِنّما يعوزه الخيال. 
كان يكتفي بتطبيق النماذج والأوامر» ويجيد تمييز ما هو واضح للعيان» وليس 
أكثر. لم يكن سترايك ليحتقر هذه المنهجيّات - غالبًا ما يكون الحل الصحيح 
هو الأكثر بديهيّةٌ ووضوحاء وبغية ولوجه. يكفي أحيانًا شطب بعض الخانات - 
لكنّ الجريمة هذه من النوع المعقّد بشكل خاصّء وقد ارتكبها شخص مُنحرف 
ومُلتو وساديّ. جريمة أدبيّة في إيحائها ووحشيّة في تنفيذها. وهل يستطيع 


مكتبة دودة الحرير 187 


أنستيس أن يحلّل دقائق ذهنيّة الشخص القادر على استنباط عناصر خطّة 
القتل» من خيال كواين الوسخ والفاسد نفسه؟ 

فجأةٌ قطع الصمت المطبق» رنين هاتف سترايك. حالما سمع صوت 
ليونورا كواين» أدرك أنه كان يتمنّى أن تكون روبن المتّصلة. 

«كيف حالك؟» سأل. 

«كانت الشرطة هنا». سارعت إلى القولء متجاوزةً اللياقات 
الاجتماعية. «وقد فنَّسُوا مكتب أوين. لم أكن أريد, لكنّ إدنا قالت إنّ علي 
السماح لهم بذلك. لم لا يدعوننا بسلام بعدما حدث؟» 

«لديهم مبرّرات للتفتيش»». قال سترايك. «ربما يجدون في مكتب 
أوين ما يقودهم إلى القاتل.» 


«مثل ماذا؟» 

«لا أعرف»» قال سترايك متذرّعًا بالصبرء «لكن, أعتقد أنّ إدنا مُحقّة. 
من الأفضل أن تسمحي لهم.» 

ساد الصمت. 


«هل ما زلت على الخط؟» سأل سترايك. 

«نعم» لكتهم أقفلوا المكتب والآن لم يعد بوسعي الدخول. كما انهم 
ينوون العودة. لا أحبٌ أن يتواجدوا في أرجاء المنزلء ولا أورلندو.» ثم أضافت 
بلهجة مستنكرة: «حتّى أن أحدهم سألني إذا كنت أرغب في ترك البيت 
لمدّة وجيزة. أجبته: لاه مستحيل! لم تغادر أورلندو البيت يومًا. ولن تستطيع 
احتمال ذلك. لن أذهب إلى أيّ مكان!» 

«ألم يقولوا إِنّهم يريدون استجوابك مثلًا؟» 

«لاء طلبوا فقط أن يدخلوا المكتب.» 

«حسئا. إذا بدأوا بطرح الأسئلة عليك...» 

«أوكل محاميًّاء أجل. هذا ما قالته إدنا.» 

«أيزعجك أن أزورك غدًا صباحًا؟» 


188 روبرت غالبریث t.me/ktabpdf‏ 

«لا أبدّا»» قالت وقد بدت مسرورة. «تعال عند العاشرة تقريبًاء عليّ 
أن أذهب للتسوّق أُوَلَا. لم أتمكن من الخروج طوال اليوم. لم أشأ أن أتركهم 
لوحدهم في المنزل.» 

أقفل سترايك الهاتف وهو يفكر مجدّدًا بأنّ سلوك ليونورا هذاء قد يسيء 
إلى موقفها أمام الشرطة. هل سيتفهم أنستيس - كما تفهّم هو - أنّ غرابة 
ليونوراء وعجزها عن اتّباع قواعد السلوك المتعارف عليها: وإصرارها على عدم 
مواجهة الحقيقة - وتلك خصائص مكنتها على الأرجح من تحمّل مغبّة العيش 
مع كواين - قد تمنعها من ارتكاب جريمة كهذه؟ على العكسء كان سترايك 
يخشى ألا تفعل كل تلك الصفات الغريبةء إضافةً إلى غياب الانفعال أمام وفاة 
زوجها ورفضها إظهار الحزن المعتاد» وذلك بسبب صدقها الداخليَ الذي لا 
يصبٌ في مصلحتهاء سوى تغذية شكوك أنستيس - صاحب الذهن المبتذلء 
لا بل ما دون العاديّ - وتقليص مجال الأبحاث والتحليلات الأخرى المحتملة. 

واصل سترايك تدوين لائحته؛ بل أخذ يكتب بيد حازمة أكثر وبنشاط 
مفاجىء., بينما لا يزال يتناول طعامه بيده اليسرى. راح دماغه يعمل سريعاء 
وكانت أفكاره تتدفق بسلاسة, بالتزامن مع الأسئلة الواجب طرحهاء والمواقع 
الواجب تفتيشهاء والآثار الواجب تعقّبها. كان يعد بذلك خطة عمل له 
ووسيلة لدفع أنستيس إلى سلوك الانّجاه الصحيح, والمساعدة في تنبيهه إلى 
أنّ الزوجة ليست المرتكبة الأولى في حال مقتل الزوج؛ حتى ولو كان الرجل 
عديم المسؤولية, مهملاء وخائنًا. 

أخيرًاء وضع سترايك قلمه جانيًا. أنهى النودلز بلقمتين كبيرتين؛ وأخلى 
المكتب. وضع ملاحظاته في الملفّ الكرتونيّ الذي يحمل اسم أوين كواين 
بعد أن شطب أوَلَّا عبارة «شخص مفقود» واستبدلها ب«جريمة قتل». بعد 
ذلك أطفأ الأنوار وكان على وشك إقفال الباب الزجاجيّ عندما ساورته فكرة ماء 
فعاد إلى حاسوب روبن. 

وجد المقال في موقع بي. بي. سي الإلكتروني. لم يكن ضمن العناوين 
الرئيسية» بطبيعة الحالء فكواين لم يكن مشهورًا بالقدر الذي تصوّره. كان 


مكقرة دودة الحرير 189 


الخبر يرد بعد ثلاثة أنباء. مباشرةً تحت العنوان الرئيسي: الاتّحاد الأوروبي 
يوافق على تقديم قرض لجمهورية إيرلندا. 


تم العثور ليل أمس على رجل مقتول في أحد منازل تالغارث رود, في 
لندن. وقد تبيّن بأنّ الجنّة عائدة إلى الكاتب أوين كواين, 58 سنة. 
فتحت الشرطة تحقيقًا جنائيًا بعد أن اكتشف أحد أصدقاء عائلة المغدور 
الجريمة الفظيعة. 


لم نُنشر صورة لكواين بعباءته الغجريّة, ولم تذكر تفاصيل عن الأهوال 
والتشويهات التي تعرّضت لها الجنّة. لكثنا لا نزال في البداية وما زال أمام 
الصحافيين الكثير من الوقت. 

كان سترايك مُنهَكًا عندما دخل شقّته. إرتمى على سريره وهو يفرك 
عينيه» ثم تمدّد وبقي على هذه الحالء بدون نزع ملابسه ولا ساقه البديلة. 
ما لبثت الأفكار التي نجح في اجتنابها معظم النهار, أن عاودته... 

لماذا لم يُخطر الشرطة بأنّ كواين مفقود منذ نحو أسبوعين؟ ولماذا لم 
يشتبه ولو للحظة واحدة بأن يكون قد قُتل؟ عندما طرحت المفئّشة رولينز 
هذين السؤالين» وجد إجابات معقولة ومنطقيّة, لكنها لم تكن مُرضية بالنسبة 
إليه. 

لم يكن بحاجة حنّى إلى استعمال هاتفه لمعاينة جنّة كواين المقيّدة 
والمتحلّلة, فقد انطبع مشهدها في دماغه إلى الأبد. ثُرى كم لزم من مكر, 
وحقد» وشذوذ لتحويل نشاز كواين الأدبيّ إلى مجرّد خبر عامَّ؟ وأيّ نوع 
من البشر قادر على شق صدر رجلٍ وبطنه؛ ثمّ رشّه بالحمضء ونزع أحشائه. 
وتنسيق الأطباق حول جنّته المُفرّغة؟ 

كان ذلك غير معقولء بيد أنّ سترايك لم يستطع الامتناع عن التفكير 
بأنّه كان عليه اشتمام رائحة الجريمة من بعيدء هو الذي لطالما أتقن أداء 
دور غراب الجيف في البوسنة. لماذا لم يدرك - هو الذي لطالما اجتذبه كل 
ما هو غريب ومريب وخطير - أنّ ذاك الكاتب الصحّاب ومحبٌ الظهور, قد 
أطال الغياب والصمت؟ 


190 روبرت غالبریث t.me/ktabpdf‏ 


هذا لأنّ ذاك الراعي الصغير السخيف ظل يكذب صارحًا: حذار 
الذئب!... ولأثّني منهك. 

إنقلب سترايك بصعوبة على جانبه ونهض عن السرير متوجّهًا إلى 
الحمّام, لكنّ أفكاره لم تنفك تعود إلى الجنّة: الفجوة الواسعة في جذعه. 
والعينان المحروقتان. لقد تجوّل القاتل في أرجاء الصالة» حول ضحيّته بينما 
لا تزال تنزف» وقد توقّفت أصداء صراخها الأليم للتوّ عن التردّد في زوايا 
السقف المقبّبء لتفسح المجال أمام صمت كامل. لقد أعنَّ الشوك ونسّة 
بهدوء... هناء وجد سترايك سِؤالًا آخر يضيفه إلى قائمته: هل سمع الجيران 
صرخات كواين الأخيرة؟ 

أخيرًا أوى سترايك إلى فراشه. غطّى عينيه بساعده المكتنز الأشعر 
وراح يستمع إلى دوّامة أفكاره السريعة التي لم تنفك تخاطبهء كتوأم مُدمن 
لا يكف عن الثرثرة. لقد مضى أكثر من أربع وعشرين ساعة الآن على بدء 
اختصاصيّي الطبٌّ الشرعي مهمّتهم. حتمًا بات لديهم تصوّر معيّن حول ما 
جرى حتى ولو لم تصدر نتائج التحاليل بأكملها. يجب أن يتّصل بأنستيس 

كفى, أمر عقله المُتّقد حماسةً. قلت لك كفى. 

وبقوّة الإرادة نفسها التي لطالما مكّنته خلال خدمته العسكريّة من 
النوم أينما كان - على أرضيّة الإسمنت العارية, على الحصى والأحجار, على 
سرير المعسكر ذي النوابض التي كانت تئنّ وتصرٌّ شاكية من ضخامته كلما 
تحرّك - إستسلم بهدوء للنوم كسفينة حربيّة تنساب على صفحة المياه 
الداكنة. 


21 


هل مات إِذَّا؟ 
ماذا؟ ولكن كيف؟ مات إلى الأبد؟ 
ويليام كونغريف, «عروس في ثوب الحداد» 


في التاسعة إلا ربعًا من صباح اليوم التالي» نزل سترايك ببطء وحذر على 
السلّم المعدني, متسائلًا للمرّة الألفء لماذا لم يفعل شيئًا بعد بشأن إصلاح 
المصعد. كانت ركبته لا تزال متورّمة جرّاء سقوطه في محطة المترو. نظرًا إلى 
هذا العائق الإضافيّء قد يستغرق أكثر من ساعة للوصول إلى لادبروك غروف. 
مع العلم بأنّه لن يستطيع احتمال تكاليف سيّارات الأجرة بعد الآن. 

لفح الصقيع وجهه حالما فتح باب المدخل. ثمّ التمع وميض على بعد 
متر منه. من خلال جفنيه شبه المغمضين» استطاع أن يلمح أطياف رجال 
ثلاثة يتحركون أمامه» ورفع يده ليحتمي من وابل آخر من الومضات. 

«لماذا لم تخبر الشرطة بأنّ أوين كواين كان مفقودًا يا سيّد سترايك؟» 

«هل كنت تعلم أنه توفي يا سيّد سترايك؟» 

للوهلة الأولى» أراد التراجع وإغلاق الباب في وجوههم, لكنّ ذلك قد 
يقطع عليه فرص الهروب وبل يلزمه بانتظار رحيلهم لكي يستطيع الخروج 


مجددا. 


152 روبرت غالبريث tıme/ktabpdf‏ 


«لا تعليق»» قال بجفاء وتقدّم نحوهم رافضًا أن يغيّر مساره قيد أنملة 
فأجبروا على إفساح المجال. راح اثنان منهما يطرحان الأسئلة فيما تراجع 
الثالث, مصوّر الفريق» وهو يمطره بوابل من الصور. وقفت صاحبة متجر 
الغيتارات - والتي غالبًا ما كانت تنضمّ إلى سترايك في خلال استراحات 
التدخين - مشدوهة تراقب المشهد عبر الواجهة. 

«لماذا لم تخبر أحدًا بأنه مفقود منذ أكثر من أسبوعين يا سيّد 
سترايك؟» 

«لماذا لم تبلغ الشرطة؟» 

كان سترايك يمشي صامئاء متجهّم الوجه. بخطى شبه سريعة:» ويداه 
في جيبيه. كان الصحافيّان يركضان مسرعين إلى جانبه؛ وهما يحاولان خطف 
أي كلمة منه؛ وكأنّهما طائرا نورس ينقضّان على شباك مليئة بالأسماك. 

«هل ستخطف منهم القضيّة مجدّدًا يا سيّد سترايك؟» 

«هل تسجّل هدفًا في مرمى الشرطة؟» 

«قد ينفعك القليل من الدعاية بين الحين والآخرء لا؟» 

كان سترايك قد مارس الملاكمة في الجيش. تلك الزمرة القذرة تستحق 
درسًا. تخيّل أنه يلتفْ ويسدّد لكمة خاطفة بيسراه إلى منطقة الضلع السائبة, 
ومن ثمّ... 

«تاکسي!»» صاح غاضبًا. 

إنطلق وميض الفلاشات عندما ركب السيّارة. من حسن الحظ ‏ أنّ إشارة 
المرور تغيّرت في تلك اللحظة إلى الأخضرء فأقلعت سيّارة الأجرة بسهولة 
مبتعدةًٌ عن الرصيف وكفْ الصحافيّون عن الركض خلفهاء بعد بضع خطوات. 

أغبياء وقحون» فكر سترايك في سره وهو ينظر إلى الوراءء فيما انعطفت 
السيّارة. لا بدّ أنّ أحد الشرطيين الأنذال نقل إليهم الخبر بأنّه هو مَن عثر على 
الجنّة. ليس أنستيس بالتأكيد, بل أحد الحمقى الذين لم يسامحوه قط بشأن 
قضيّة لولا لاندري. 

«هل أنتٌ من المشاهير؟» سأله السائق وهو يحدّق به في المرآة. 

«لا». أجاب سترايك بإيجاز. «أنزلني عند سيرك أكسفورد من فضلك.» 


مگثزة دودة الحرير 193 


تمتم السائق متذمُرًا إذ كان يأمل بأن تطول الرحلة. 
أخرج سترايك الهاتف من جيبه وكتب رسالة نضّية إلى روبن. 


صحافيون عند باب المبنى. قولي إِنْك تعملين لدى كراودي. 


وبعد ذلك اتُصل بأنستيس. 


«بوب.» 
«كان الصحافيّون بانتظاري. يعرفون أنّني مَن عثر على الجنّة.» 
«كيف؟» 

«أتسألني أنا؟» 

صمت الاثنان لبرهة. 


«سيُعرف الخبر عاجلًا أم آجلًا يا بوب» لكثني لست مَن سرّبه لهم.» 

«أعرف, قرأث سطر أحد أصدقاء العائلة في الصحف. يحاولون التلميح 
بأنّني أخفيت ذلك عن الشرطةء سعيًا وراء الدعاية.» 

«يا صديقيء أنا لم أقل يومًا إِنّ...» 

«تدبّر الأمر لإصدار بيان ينفي ذلك رسميّاء يا ريتش. سمعتي على 
المحك هناء وعليّ أن أحافظ على مصدر رزقي.» 

«سأفعل. إسمع» لم لا تأتي اللية لتناول العشاء؟ لقد سلّمنا اختصاصيّو 
الطب الشرعي استنتاجاتهم الأولى» ومن المفيد أن نناقشها معًا.» 

«سيكون ذلك رائعًا», قال سترايك بينما اقترب السائق من سيرك 
أكسفورد. «في أيَةَ ساعة؟» 


ظل واققًا في المترو, لأنّ الجلوس يعني النهوض ثانيةًء وذلك يحمّل 
ركبته المصابة مزيدًا من الإجهاد. أثناء عبور رويال أوك, شعر بالهاتف يرتج 
في جيبه. كان قد تلقّى رسالتين نصّيتين. الأولى من أخته لوسي. 


عيد سعيد يا ستيك! قبلاتي. لوسي 


لقد نسي تمامًا. فتح الرسالة الثانية. 


194 روبرت غالبریث t.me/ktabpdf‏ 


مرحبًا يا كورموران, شكرًا لتنبيهي بشأن الصحافيين, التقيت بهم للتو. ما 
زالوا يتسكعون في الخارج. أراك لاحقًا. روبن 


كانت السماء لا تزال منقشعة, ما أراح سترايك الذي وصل إلى منزل 
آل كواين قبيل العاشرة. بدا المكان متَّسحًا وكئيبًا في ضوء الشمس الباهت, 
تمامًا مثلما كان عندما زاره في المرّة الأخيرة» لكن» مع فارق واحد: ثمّة شرطيّ 
واقف كالصنم الحارس عند المدخل؛ شابٌ طويل عدائيّ الملامح بذقنه 
الطويلة. عندما رأى سترايك يمشي نحوه وهو يعرج قليلًا. قطب حاجبيه. 

«هل لي بسؤالك مَن تكون, يا سيّد...؟» 

«أجل طبعًا». قال سترايك, وتجاوزه ليرنَ جرس المنزل. ما خلا 
أنستيس. كان أيّ شرطيّ ليثير حفيظته في الوقت الحاليّ. «فأنتَ حتمًا قادر 
على فعل ذلك.» 

فتح الباب فوجد سترايك نفسه أمام فتاة طويلة ونحيلة. كانت ذات 
بشرة شاحبة» وشعر سميك أجعد بلون كستنائيّ فاتح؛ وعينين واسعتين 
خضراوين شديدتي التباعد» وفم عريضء وتعابير ساذجة. كانت تكسوها 
كنزة طويلة أو ربّما فستان قصير يكشف عن ركبتين هزيلتين. كانت ترتدي 
جوربين زغبيين زهريينء» وتضمٌ إلى صدرها المسطّح, دمية على شكل قرد 
تنتهي قوائمه بطرف لاصق يطوق عنقها. 

«مرحبًا», بادرته وهي تتمايل بلطف من جانب إلى آخرء مستندةٌ إلى 
قدم فأخرى. 1 

«مرحبًا». قال سترايك. «هل أنت أورلن...؟» 

«أيمكنني أن أعرف ما اسمك, رجاءً يا سيّدي؟» سأل الشرطيّ بصوت 
مرتفع. 

«نعم» إذا سمحت لي بأن أسألك لماذا تقف حارسًا على هذا المنزل»» 
أجابه سترايك باسمًا. 

«يتسكّع الكثير من الصحافيين هنا». أعلمه الشرطيّ الشابٌ. 

«جاء رجل»» قالت أورلندو, « کان يحمل كاميرا وقالت ای 

«أورلندو!» صاحت ليونورا من داخل البيت. «ماذا تفعلين؟» 


مكقرة دودة الحرير 195 


وسرعان ما ظهرت في الرواق خلف ابنتها. بدت مُجهّدة وشاحبة 
الوجه. كانت ترتدي فستانًا كحليًا قديمًا مفتوق الحاشية. 

«آه» هذا أنتّ. تفضّل بالدخول.» 

فيما اجتاز سترايك عتبة البيت» ابتسم للشرطيّ الذي حملق به غاضبًا. 

«ما اسمك؟» سألت أورلندو سترايك عندما أغلق الباب خلفهما. 


«كورموران.» 

«إنّه اسم مضحك.» 

«أجل, هو كذلك»» قال سترايك وأضاف: «لقد أسميت نسبةٌ لعملاق.» 
«مضحك»» قالت أورلندو متمايلة. 


«أدخل». قالت ليونورا بجفاء وهي تشير نحو المطبخ. «عليٍ الذهاب 
إلى المرحاض. سأوافيك بعد دقيقة.» 

تقدّم سترايك عبر الممرّ الضيّق. كان باب المكتب مغلقًاء فاشتبه بأنّه 
لا يزال مقفلًا بإحكام. 

عند دخوله المطبخ تفاجأ لاكتشافه أنّه ليس الزائر الوحيد. كان 
جيري والدغريفء المحرّر لدى روبر تشارد, جالسًا إلى الطاولة» وفي يده باقة 
من الأزهار البنفسجية والزرقاء. بدت سحنته شاحبة ومشوبة بالقلق. لمح 
سترايك باقة ثانية من الأزهار كانت لا تزال ملفوفة بالورق الشفافء وقد برز 
طرفها من حوض غسل الأطباق والمليء بالأواني المنّسخة. في إحدى الزوايا, 
كان هناك عدّة أكياس من الحاجيّاتء مبتاعة على الأرجح من السوبرماركت. 

«مرحبًا»» قال والدغريف لسترايك. ثم نهض بشيء من التكلّف وهو 
يحاول أن يرمق الزائر بشكل ملائم. من الواضح أنّ سترايك لم يترك لديه 
انطباعًا يُذكر حين التقى به للمرّة الأولى في حديقة روبر تشارد المستحدثة, 
إذ سأله وهو يمد يده للمصافحة, «هل أنتّ من العائلة؟» 

«صديق للعائلة», أجاب سترايك وهو يصافحه بدوره. 

«إنّه أمر رهيبء أليس كذلك؟»., قال والدغريفء «جئث لأرى إن 
كان بوسعي المساعدة في أي شيء. لكنّها تقفل على نفسها في الحمّام منذ 
وصولي.» 


196 روبرت غالبریث t.me/ktabpdf‏ 


«حقًا؟», قال سترايك. 

عاود والدغريف الجلوس فيما دخلت أورلندو المطبخ وهي تمشي 
جانبيًا كالسلطعون» محتضنةً قردها الدمية. مكثت مطّلًا أمامهماء تحملق 
فيهما بوقاحة, فشعرا بالارتباك الشديد. 

«شعرك جميل»»: قالت أخيرًا لجيري والدغريفء «وكأنّه شعر مستعار.» 

«أنتِ حتمًا محقّة». أجاب والدغريف وابتسم لها. خرجت أورلندو 
خلسةً؛ تمامًا كما دخلت. 

ساد صمت وجيز مجدّدًاء لامس في أثنائه والدغريف باقة أزهاره 
باضطراب» وعيناه تجولان حول المطبخ. 

«لا أستطيع أن أصدّق ما حدث»» قال في النهاية. 

سمعا صوت دفاق الماء في الحمّام فوقهماء تلاه وقع قدمين على 
الدرج, ثمّ ظهرت ليونورا وأورلندو تتبعها كظلّها. 

«آسفة»» قالت للرجلين» «أشعر بانزعاج بسيط.» 

وكان من الواضح أنّها تشير إلى اضطراباتها المعوية ليس إِلَا. 

«إسمعي» يا ليونورا»» قال والدغريف مضطربًا وهو ينهضء «لا أريد أن 
أتطفّل بوجود صديقكم هنا...» 

«هو؟ ليس صديقًاء إِنّه محقّق». قالت ليونورا. 

«المعذرة؟» 

تذكّر سترايك أنّ والدغريف مصاب بصمم في إحدى أذنيه. 

«لديه اسم عملاق»» قالت أورلندو. 

«إنّه محقّق»., قالت ليونورا بصوت يعلو صوت ابنتها. 

«آه»» قال والدغريف متفاجًا. «لم أكن أعرف... ولكن, لماذا...؟» 

«لأثني بحاجة إلى محقّق», قالت ليونورا باقتضاب, «تعتقد الشرطة 
أنّني مَن قتل أوين.» 

خيّم الصمتء وبدا الانزعاج واضحًا على والدغريف. 


مكقرة دودة الحرير 197 


«لقد توفي والدي»» قالت أورلندو للحاضرين. كانت نظراتها مباشرة 
ومتلهُفةء وكأّما تسعى للحصول على رد فعل. شعر سترايك بأنْ عليه قول شيء 
ما لإنقاذ الموقف: 

«أعرف. وهذا يحزنني للغاية.» 

«وإدنا أيضًا قالت ذلك»»: أجابت أورلندوء وكأنّها كانت ترجو سماع 
كلمات جديدة أو أكثر ابتكارًاء ثمَّ م انسحبت من المطبخ. 

«إجلسا»» قالت ليونورا للرجلين. «هل هذه لي؟» أضافت وهي تشير 
إلى الأزهار في يد والدغريف. 

«أجل»» قال وهو يناولها الباقة, لكنّه ظلّ واقفاء «إسمعي يا ليونوراء لا 
أريد أن آخذ من وقتك الآنء فلا بنّ أنّك منهمكة ب... بالترتيبات و...» 

«لم يسمحوا لي بالحصول على جتته»» قالت ليونورا بصراحة صادمة, 
«لذاء لا أستطيع أن أقوم بأبّة ترتيبات.» 

«أوه, وهناك بطاقة أيضًا», تمتم والدغريف, وهو يتحسّس جيوبه. 
0 . إذا كان هناك من شيء نستطيع أن نفعله يا ليونوراء أي شيء 
كانه 

«لا أعرف إذا كان في وسع أي أحد أن يفعل أي شيء». قالت ليونورا 
على عجلء وأخذت البطاقة منه. ثمّ جلست إلى الطاولة. حيث كان سترايك 
قد سبقها في الجلوس, مسرورًا بإراحة ساقه. 

«حسئاء أعتقد أنّهِ علي الرحيل»» قال والدغريف. «إسمعي يا ليونوراء 
أكره أن أطرح السؤال في مثل هذا الوقت» لكن... هل لديك نسخة من 
بومبيكس موري؟» 

«لاء أخذها أوين معه.» 

«آسف حقاء لكنّها قد تساعدنا إذا... أيمكنني أن ألقي نظرة على 
أغراضه؟ ربّما ترك دليلًا ما؟» 

رمقته عبر نظارتها الكبيرة العتيقة. 


198 روبرت غالبریٹث t.me/ktabpdf‏ 


«لقد أخذت الشرطة كل ما تركه. قلبوا المكتب رأسًا على عقب ونقبوا 
في كل زواياه بالأمس. ثح أقفلوه واحتفظوا بالمفتاح - حتّى أنا لا أستطيع 
دخوله الآن.» 

«أوه.... والحالة هذه. إذا كانت الشرطة قد...»» قال والدغريف 
«عظيم. لا لا داعي» أستطيع الخروج بمفردي.» 

سار سريعًا نحو المدخل وسرعان ما سمعا الباب يغلق خلفه. 

«لا أعرف لماذا جاء». غمغمت ليونوراء «ربّما لكي يشعر بأنّه قام 
بمبادرة لطيفة.» 

فتحت البطاقة التي قدّمها لها. كانت مزيّنة بزهور البنفسج المرسومة 
بالألوان المائية. وفي داخلها العديد من التواقيع. 

«يُظهرون لطفهم الآنء لأنهم يشعرون بالذنب»» قالت ليونورا وهي 
ترمي البطاقة على طاولة الفورميكا. 

«يشعرون بالذنب؟» 

«لم يقدّروا قيمته البتّة»: أجابت بنباهة مفاجئةء «فالكتب.... وإِنّما 
عليك أن تجيد بيعها والترويج لها.» وتلك مهمّة الناشرين لمنحها اللمسة 
المطلوبة. لكنّهم لم يظهروه يومًا على شاشات التلفزة أو يفعلوا ما يحفز 
أعماله.» 

خمّن سترايك أنّها تكرّر بذلك كل الشكاوى التي لطالما سمعتها على 
لسان زوجها. 

«لیونورا؟»» قال وهو يخرج دفتر ملاحظاته, «أيمكنني أن أطرح عليك 
بعض الأسئلة؟» 

«لم لا؟ لكنني لا أعرف شيئًا.» 

«بعد أن غادر أوين منزله في الخامس من الشهرء أيمكن أن يكون قد 
اتصل بأحدهم؟» 

هرّت رأسها بالنفي. 

«لا أحد من الأصدقاء أو العائلة؟» 

«لا أحدء هل تريد فنجان شاي؟» 


مكتبة دودة الحرير 199 


«نعم» شكرًا». قال سترايك ليشجّعها على مواصلة حديثهاء فهو لم يكن 
يريد تناول أيّ شيء من هذا المطبخ الوسخ. 

«هل أنت على معرفة بالعاملين في دار روبر تشارد؟» سألها. هرت 
كتفيها وهي تملاً المغلاة بجلبة شديدة. 

«لا أكاد أعرف أحدًا. إلتقيت فقط بجيري عندما وفع أوين أحد كتبه.» 

«أليس لديك من صداقات في روبر تشارد؟» 

«لا. ولماذا قد تكون لديّ صداقات؟ كان أوين مَن يعمل معهم» لا أنا.» 

«ولم تقرأي بومبيكس موريء أليس كذلك؟» سألها سترايك عَرَضًا. 

«أجبتك من قبل. لا أحبّ أن أقرأ الرواية قبل أن تُنشر. لماذا يواصل 
الجميع طرح هذا السؤال عليّ؟» قالت بغضب وهي ترفع رأسها من الكيس 
البلاستيكيّ حيث كانت تبحث عن علبة البسكويت. 

«وما قضيّة الجنّة؟» سألت فجأةً. «ماذا حدث لها؟ رفضوا أن يخبروني. 
أخذوا فرشاة أسنانه لإجراء فحص الحمض النووي والتعرّف عليه. لماذا لا 
يسمحون لي برؤيته؟» 

كان سترايك قد حبر هذا النوع من الأسئلة, التي لطالما طرحها العديد 
من الزوجات والآباء المضطربين. فلجأ كعادته إلى الحقيقة الجزئية. 

«كان قد توفي منذ مدّة طويلة حين عثرتٌ عليه.» 

«كم من الوقت تحديدًا؟» 

«لم يعرفوا بعد.» 

«كيف ارتكبت الجريمة؟» 

«لا أعتقد انهم توصّلوا إلى تحديد ذلك بدقَة بعد.» 

«لكن؛ يجب أن...» 

صمتت حالما رأت أورلندو تعود بخطاها المتثاقلة إلى المطبخ؛ وهي 
تمسك بحزمة من الرسوم الزاهية الألوانء إلى جانب قردها الدمية. 

«أين جيري؟» 

«عاد إلى عمله». قالت ليونورا. 

«شعره جميل. لا أحب شعرك أنت»» قالت لسترايك («إِنّه أجعد.» 


200 روبرت غالبریٹ t.me/ktabpdf‏ 


«وأنا لا أحبّه كثيرًا أيصًّا». أجاب سترايك. 

«لا وقت لدينا للنظر إلى الرسوم يا دودو»» قالت أمّها بنفاد صبرء لكنّ 
أورلندو تجاهلتها ونشرت تحفها على الطاولة ليتمكن سترايك من رؤيتها. 

«أنا رسمتها بنفسي.» 

كانت رسومًا لأزهار» وأسماك. وطيور. لمح سترايك قائمة طعام 
للأطفال مرسومة بالألوان المائيّة على ظهر إحداها. 

«إنّها جميلة جدًا». قال سترايك. «ليونوراء أتعرفين إذا عثرت الشرطة 
على شيع يتعلق برواية بومبيكس موري» عندما فنّشت المكتب أمس؟» 

«نعم»» قالت وهي تضع كيسين من الشاي في فنجانين متشققين. 
«وجدوا شريطين قديمين لآلة كاتبة, کانا قد سقطا خلف طاولة المكتب. 
فخرجوا وسألوني أين بقيّة الأشرطة, قلت لهم إنّه أخذ كل شيء معه عندما 


غادر المنزل.» 
«أحبٌ الدخول إلى مكتب أبي », قالت أورلندوى «كان يعطيني ورقًا 
للرسم.» 


«ذلك المكتب بمثابة بازار عتيق»» قالت ليونورا وهي تشغعَّل المغلاة 
«إستغرقوا وقنًا طويلًا لتفخُص كل الموجودات.» 

«دخلت العمّة ليز إلى هناك أيضًا»؛ قالت أورلندو. 

«متى؟» سألتها ليونورا وهي تحملق فيها مندهشة والفنجانين في 
يديها. 

«عندما جاءت إلى هنا وكنت أنت في الحمّام», أجابت أورلندو, 
«دخلّت مكتب والدي. لقد رأيثها.» 

«ولكنء لا شأن لها هناك!»» استنكرت ليونوراء «هل كانت تفتّش فيه؟» 

«لا». قالت أورلندو «دخلت ثم خرجت ورأتني. كانت تبكي.» 

«طبعًا»» قالت ليونورا بشيء من الرضى» « كانت تذرف الدموع أمامي 
كالجميع. أيضًا واحدة تشعر بالذنب.» 

«متى زارثك؟» سأل سترايك لیونورا. 


مكتبة دودة الحرير 201 


«صباح الاثنين. أرادت أن تعرض المساعدة. المساعدة! لقد فعلت 
ما يكفي.» 

كان شاي سترايك يخلو من المذاق» باستثناء مذاق الحليب البارزء 
هو الذي يفضل الشاي المخمّر الداكن. ما جعله يتساءل حقًا عن محتوى 
تلك الأكياس. عندما أخذ رشفة من باب المجاملة, تذكر فجأةً كيف تمنّت 
إليزابيث تاسيل لو توفي كواين عندما عضّه كلبها. 

«أحبَ أحمر شفاهها». قالت أورلندو. 

«أنت تحبّين کل شيء وکل الأشخاص اليوم»» قالت ليونورا وهي 
تعاود الجلوس أمام فنجانهاء «سألتُها لم فعلت ذلك لماذا أبلغت كواين بأنّه 
لا يستطيع نشر کتابه» لماذا استفزته هكذا...» 

«ويم أجابت؟» سأل سترايك. 

«أنّه أورد كثيرًا من الأشخاص الحقيقيين فيه»» قالت ليونوراء «لا 
أعرف لماذا ينزعجون من ذلك. هو يفعل ذلك دائمًا.» أخذت رشفة من 
الشاي, وأضافت: «لقد ذكرني أنا شخصيًا في كثير من كتبه.» 

فكر سترايك في سوكوباء «العاهرة العتيقة»» فبدا أوين كواين حقيرًا 
أكثر في نظره. 

«أريد أن أسألك عن تالغارث رود.» 

«لا أعرف لماذا ذهب إلى هناك»» أجابت على الفورء «كان يكره ذلك 
الكوخ, وأراد أن يبيعه منذ سنوات لكنْ فانكورت كان يرفض على الدوام.» 

«أجل وهذا تمامًا ما يحيّرني.» 

كانت أورلندو قد جلست على الكرسيّ المجاور له. طاويةٌ إحدى 
ساقيها تحتهاء بينما شرعت تضيف زعانف زاهية الألوان إلى صورة سمكة 
كبيرة» بواسطة أقلام تلوين ظهرت فجأةٌ من العدم. 

«كيف تمكن مايكل قانكورت من منع البيع طوال كل تلك السنين؟» 

«هذا بسبب الوصيّة. جو ذاك, أراد أن يتمّ استعمال المنزل لغرض 
خاص. لا أدري ما هو. عليك أن تسأل ليز» فهي تعرف کل شيء بشأنه.» 

«متى زار أوين ذاك المنزل للمرّة الأخيرةء هل تعرفين؟» 


202 روبرت غالبریث t.me/ktabpdf‏ 


«منذ سنوات, لا أعرف تحديدًا.» 

«أريد مزيدً! من الورق للرسم»» قالت أورلندو. 

«لم يعد لدي المزيد»» قالت ليونوراء «الأوراق كلها في مكتب والدك. 
إستخدمي ظهر هذا.» 

تناولت منشورًا عن منضدة المطبخ المكتظّة بالأدوات ودفعته إلى 
أورلندو, لكنّ الابنة رمته بعيدًا وغادرت المطبخ بخطى متباطئة» وقرد الفرو 
يتدلّى من عنقها. سرعان ما سمعاها وهي تحاول فتح باب المكتب بالقوة. 

«لاه يا أورلندو». صاحت ليونوراء ونهضت مسرعةٌ نحو الرواق. إستغل 
سترايك فرصة غيابها كي يميل إلى الخلف ويرمي معظم محتوى فنجانه في 
حوض الأطباق؛ فتناثر على ورق الباقة الشفقاف. 

«لاء يا دودو. لا يمكنك أن تفعلي ذلك. له لا يسمحون لنا... لا 
يسمحون..., ابتعدي عنه...» 

شمع عويل شديد. تلاه قرع قدمين صاخب معلنًا عن صعود أورلندو 
إلى أعلى. وعادت ليونورا إلى المطبخ محمرّة الوجه. 

«سأدفع الثمن طوال اليوم. إِنَّها لا تشعر بالاستقرارء ويزعجها وجود 


الشرطة هنا.» 
«هل نمت؟» سأل سترايك. 


«لم أنم كثيراء لا أنفك أفكر... مَن؟ من فعل ذلك به؟ كان يزعج 
الآخرين» أعرف ذلك تمامًا». قالت مستطردة» «هو مزاجيّ. يغضب لأتفه 
الأمور. ولطالما كان على هذه الحال؛ لكن. عن غير قصد. فمَن قد يقتله لهذا 
السبب التافه؟» 

ثم فجأةً وكأتها تكلم نفسهاء استطردت وهي تفتل أصابعها بتوثّر: «لا 
بدَ أنّ مايكل فانكورت ما زال يحتفظ بمفتاح المنزل. ساورتني هذه الفكرة 
ليلة أمسء عندما جافاني النوم. أعرف أنّ مايكل فانكورت لا يحبّه. لكنّها 
قضّة قديمة. على أىّ حالء لم يرتكب أوين تلك الفعلة التي انّهمه فانكورت 


مكتبة دودة الحرير 203 


بها. لكنّ مايكل لن يقتل أوين.» نظرت إلى سترايك بعينين صافيتين وبريئتين 
براءة عيئي ابنتها. إنّه ثريّ, أليس كذلك؟ وشهير... لن يفعل ذلك.» 

لطالما تعجّب سترايك من عامّة الناس الذين يؤلّهون المشاهير, حتّى 
عندما تلاحقهم الصحافة وتضيّق عليهم وتشوّه سمعتهم. بغضٌ النظر عن عدد 
المشاهير الذين أدينوا بالاغتصاب أو القتلء يستمرٌ جمهورهم في التسليم 
ببراءتهم: لا يمكن أن يكونوا القَعَلَّهَ فَهُم مشهورون. 

«وذلك اللعین تشارد» كان يُرسل رسائل تهديد إلى أوين» تابعت ليونورا 
وهي تستشيط غضبًاء «لم يحبّه أوين قط. وها هو يوفع على بطاقة التعازي بل 
يسأل إن كان بإمكانه أن يفعل أي شيء... أين البطاقة؟» 

اختفت بطاقة البنفسج بسحر ساحر عن الطاولة. 

«إِنّها بحوزتها». قالت ليونورا واحمرٌ وجهها غيظاء «لقد أخذتها.» ثم 
صرخت وهي تنظر إلى السقف صرخة مدؤية» جعلت سترايك يقفز من مكانه 
«دودو!» 

شأنها شأن اضطراباتها الهضميّة. كانت نزقيّتها المفرطة مربوطة 
بمُصابها الأليم الأخير وتنم عن مدى معاناتها تحت ظاهرها الجافي. 

«دودو!» صاحت ثانيةًء «ماذا قلث لك بشأن أخذ الأشياء التي 
ليست...» 

بعد ثوان معدودة. عاودت أورلندو الظهور في المطبخ, وهي لا تزال 
تحتضن قردها. لعلّها تسلّلت بهدوء إلى أسفل من دون أن يسمعها أحد. 

«لقد أخذت بطاقتي!» قالت ليونورا غاضبةً «ماذا أخبرتك بشأن أخذ 
الأشياء التي ليست لك؟ أين هي؟» 

«أحبّ الأزهار»» احتجّت أورلندو وهي تخرج البطاقة التي أصبحت 
متغضّنة, فانتزعتها أمَها منها. 

«إنّها لي أنا»» أخبرت ابنتهاء «أتّرى؟», تابعت متوجّهةٌ إلى سترايك 
ومشيرة إلى أطول سطورخُطْت بدقّة متناهية: «أرجو أن تبلغيني إذا احتجت 
إلى أي شيء. دانيال تشارد. يا له من منافق!.» 

«لم يكن أبي يحب دانیلشار»» قالت أورلندى «لقد أخبرني بذلك.» 


204 روبرت غالبریٹ t.me/ktaebpdf‏ 


«إِنّه منافق لعين, وأنا أعرف ذلك تمامًا», قالت ليونورا وهي تحدّق في 
التواقيع الأخرى. 

«أعطاني فرشاةً للرسم», قالت أورلندو, «بعد أن لمسني.» 

سادت لحظات صمت مشحونة. ثمّ نظرت ليونورا إلى ابنتهاء فيما 
جمد سترايك بينما كان يقرّب الفنجان من شفتيه. 

«ماذا؟» 

«شعرت بالانزعاج حين لمسني.» 

«ما الذي تقولينه؟ مَن لمسَك؟» 

«في مكان عمل والدي.» 

«كفي عن التحدّث كالأطفال الصغار». أنّبتها أمَها. 

«عندما اصطحبني والدي ورأيثٌ...» 

«إصطحبها إلى هناك قبل شهر أو أكثر. كان لديّ موعد مع الطبيب», 
أخبرت ليونورا سترايك باضطراب وعصبيّة. «لكئني لا أعرف ماذا تقصد.» 

«... ورأيث صورًا كثيرة توضع على الكتبء وكلها ملوّنة». استرسلت 
أورلندو, «ثمَ قام دانيلشار بلمسي...» 

«أنت لا تعرفين حتّى مَن هو دانيال تشارد». قالت ليونورا. 

«هو أصلع»» قالت أورلندوء «وبعد ذلك أخذني والدي لرؤية السيّدة 
وأعطيتها أفضل رسومي. كان شعرها جميلا.» 

«أيّ سيّدة؟ عمّ تتحدثين...؟» 

«لمسني دانيلشار»» أصوّت أورلندو وهي على شفير البكاء. «لمسني 
وصرخت. وبعد ذلك أعطاني فرشاةٌ للرسم.» 

«يجب ألا تردّدي تلك الحماقات أينما كان», قالت ليونورا بصوت 
منكسرء «ألا يكفينا ما نحن فيه بعدّ... لا تتحامقي يا أورلندو.» 

إحمرٌ وجه أورلندو وهي تحملق غاضبةٌ في أمَهاء ثمّ غادرت المطبخ. 
هذه المرّةء صفقت الباب وراءهاء لكنّه لم ينغلق بل ارتدٌ وانفتح ثانيةً. سمع 
سترايك وقع خطاها وهي تصعد درجات السلّم الأولى, لتتوفّف فجأةٌ في 
منتصفها وتبدأ بصراخ كلمات وألفاظ غير مفهومة. 


مكقرة دودة الحرير 205 


«وها النوبة تعاودها من جديد». قالت ليونورا وطفرت الدموع من 
عينيها الباهتتين. مدّ سترايك يده إلى لفافة ورق إلى جانبه؛ فمزّق بعض 
أوراقها وقدَّمها لها. بَكّت بصمتء وكتفاها الهزيلان ترتجفان على وقع 
تنهداتهاء فيما انتظر سترايك ريثما تستعيد هدوءها وهو يحتسي آخر قطرات 
الشاي الكريه. 

«إلتقيث أوين في حانة»» تمتمت على غير المتوقع, وهي تدفع نظارتها 
إلى أعلى وتجقّف وجهها المبلّل بالدموع, «كان قد أتى لحضور مهرجان هاي 
أون واي. لم أكن قد سمعت به من قبل, لكتني أدركت أنّه شخص مشهورء 
وذلك من مظهر ملابسه وطريقة تحدّثه.» 

فجأةٌ التمعت في عينيها المجهدتين ومضة خافتة. كطيف الإعجاب 
الغابر الذي شعرت به في الماضي حيال زوجها. إعجاب أخمدت شعلته 
سنوات من الإهمال والتعاسة» حيث اضطرّت لتحمّل نزوات ونوبات غضب 
الرجل العظيم» وتسديد الفواتيرء والاعتناء بمفردها بأورلندو في هذا المنزل 
الضيّق البائس. فهل أعادت وفاة زوجها تغذية تلك الشعلة التي كانت على 
وشك الانطفاء؟ ربّما ستبقى مشتعلة إلى الأبد في داخلهاء كجذوة لا تنطفئ, 
وربّما تنسى الضرّاء لتحتفظ فقط بالسرّاء من ذكرى ذلك الذي عشقته... أقله 
إلى أن تقرأ مخطوطته الأخيرة» وتطّلع على الصورة الدنيئة التي رسمها لها... 

«ليونوراء أريد أن أسألك عن أمر آخر». قال سترايك بلطفء «ثمّ أذهب. 
هل وجدت مزيدًا من براز الكلب في صندوق بريدك خلال الأسبوع الماضي؟» 

«الأسبوع الماضي؟» كرّرت وهي ل تزال تجفُف دموعها. «نعم: يوم 
الثلاثاء على ما أعتقد. أم... هل كان يوم الأربعاء؟ لكنء بلى؛ وجدته مرّة 


أخرى.» 
«وهل غدت لمشاهدة المرأة التي اعتقدت أنّها تتعقبك؟» 
هرّت رأسها نفيّاء وتمخّطت. 


«ربما تخيّلتُ ذلك وحسب, لا أعرف...» 
«وبالنسبة إلى المال» هل لديك ما...؟» 


206 روبرت غالبريث t.me/ktabpdf‏ 


«نعم, لا مشكلة من هذه الناحية. فأوين قد أمّن على حياته. جعلثه 
يفعل بسبب أورلندو. لذاء سنكون بخير. وقد عرضت إدنا أن تقرضني إلى أن 
نقبض مال التأمين.» 

«والحالة هذه» لن أزعجك أكثر»» قال سترايك وهو ينهض. 

واكبته عبر الممر المتّسخ وهي لا تزال تتمخط. وقبل أن يغلق الباب 
وراءه, سمعها تصيح: 

«دودو! دودوء انزلي, لم أكن أقصد ما قلبّه!» 

حالما خرج: حاول الشرطيّ الشاب اعتراض طريقه وقد بدا عليه 


«أعرف مَن أنت». قال وهو لا يزال يُمسك بهاتفه المحمولء «أنت 
كورموران سترايك.» 


«تهانيّ الحارّة يا صغيري» قال سترايك» «والآن ابتعد عن طريقي يا 
بني فللكبار أمثالنا مهمّات جديّة للإنجاز.» 


22 


... أي قاتلء أو أي كلب مسعورء أو أي 
شيطان هو؟ 
بن جونسون, «إبيسين أو المرأة الصامتة» 


متناسيًا الألم الذي قد يلمّ بركبته متى همّ بالنهوض مجدّدّاء ارتمى سترايك 
على أوّل مقعد وجده في المترو وانّصل بروين. 

«مرحبًاء هل غادر أولئك الصحافيّون؟» 

«لاء ما زالوا يتسكّعون في الجوار. يتحدّثون عنك في الصحف. هل 
تعلم؟» 

«إطلعثُ على الموقع الإلكتروني للبي بي سي. وانُّصلت بأنستيس 
وطلبت منه التصرّف لكي يدعوني بسلام. هل فعل؟» 

سمع سترايك صوت نقر على لوحة المفاتيح. «أجلء فقد نُقل عن 
لسانه: وقد أكد المفدّش ريتشارد أنستيس الشائعات القائلة بأنّ المحفّق 
الخاصٌ كورموران سترايك؛ هو مَن اكتشف الجنثّة. هذا وكان السيّد سترايك 
قد شكل العناوين الرئيسة في بداية العام عندما اكتشف...» 

«دعك من هذا الجزء.» 

«... وكانت أسرة الفقيد قد استخدمت السيّد سترايك للعثور على 
السيّد كواين. لم تكن تلك المرّة الأولى التي يختفي الكاتب فيها فجأةً من 


208 روبرت غالبریث t.me/ktabpdf‏ 


دون أن يُخبر أحدًا بمكانه. ولا تحوم أي شبهة حول السيّد سترايك» كما أَنَّ 
الشرطة تشكره للمعلومات القيّمة التي زوّدها بها.» 

«ديكي العزيز!» هتف سترايك. «كانوا يلمّحون هذا الصباح إلى أنّني 
أتلاعب بإخفاء الجثث بهدف الترويج لأعمالي. بغضٌ النظر عن ذلكء ما زلت 
مندهسًا للاهتمام الذي تبديه الصحافة بوفاة كاتب رديء كهذاء لو كانوا على 
علم بفظائع الجريمة لفهمت السبب ولكن...» 

1 «ليس كواين من يثير اهتمامهم»» قالت روبن» «بل أنتَ.» 

لم تسر الفكرة سترايك على الإطلاق. فهو لا يريد أن يظهر في الصحف 
أو على التلفزة. أمَا صوره التي نشرت في أعقاب قضيّة لولا لاندريء فكانت 
صغيرة (وذلك بهدف ترك المساحة شاغرة لصور العارضة المذهلة. وقد اختاروا 
تلك التي تظهرها بأقل قدر من الملابس). وبقسماته الداكنة والمتجهّمة على 
الدوام» لم يكن مظهر سترايك ليستجيب لمواصفات جماليّة الصور المطلوبة, 
كما وأنّ ورق الجرائد لم يكن ليزيده وسامةً. من جهة أخرىء قد تدبّر أمره 
لتجتب المصوّر عندما دخل المحكمة للإدلاء بشهادته ضدّ قاتل لاندري. 
وعليهء اضطرٌ الصحافيّون للتنقيب في أرشيفهم الذي لم يكن يتضمّن سوى 
صور قديمة له» باللباس العسكري» وبوزن أخف بحوالى عشرين كيلوغرامًا. 
لهذا تحديدًاء قد استطاع حنّى الآن الخروج في العلن بدون أن يعترضه أحد 
كل خمسة أمتار. وهو راغب في إبقاء الوضع كما هو عليه. 

«لا شأن لي في وكر الأفاعي هذا. وأرفض أن يكون لي أي شأن فيه». 
أضاف بجفاء. ثمّ امتقع وجهه إذ عادت ركبته تنبض ألمّاء «أيمكن أن تقابليني 
في ال...» 

كان توتنهام مقهاه المفضّلء لكن, إذا ما أصرٌ الصحافيّون على مطاردته, 
فمن الأفضل عدم جرّهم إلى هناك. 

«... في حانة كامبريدج بعد حوالى خمس وأربعين دقيقة؟» 

«ما من مشكلة؛ أراك هناك.» 

بعد أن أقفل الهاتف. خطر بباله أنه نسيء أُوَلَّا أن يسأل عن ماثيو 
المفجوع. وثانيًا أن يطلب منها إحضار عكازيه. 


مكتبة دودة الحرير 209 


كانت الحانة والتي تعود إلى القرن التاسع عشرء تقع في سيرك 
كامبريدج. عندما وصلء كانت روبن تنتظره في الطابق العلوي» وتجلس على 
مقعد جلديّ وسط الشمعدانات النحاسيّة والمرايا ذات الإطارات المذهبة. 

««هل أنتَ بخير؟» سألته بقلق عندما تقدّم وهو يعرج نحوها. 

«ألم أخبرك؟». قال وهو يجلس بكل رفق على الكرسيّ المقابل لها. 
تلك الحركة البسيطة جعلته يئنّ ألما «لقد آذيت ركبتي ثانيةٌ يوم الأحد وأنا 
أحاول الإمساك بامرأة كانت تلاحقني.» 

«أي امرأة؟» 

«إقتفت أثري من منزل آل كواين إلى محطة المتروه حيث سقطتٌ أنا 
كالأحمق وأمَا هي ففرّت. أوصافها تطايق امرأة تتسكّع في الجوار منذ اختفاء 
کواين» كما تقول ليونورا. أنا بحاجة إلى شراب.» 

«سأتولى الأمر»» قالت روبن» «فعيد ميلادك يصادف اليوم. وقد 
جلبتٌ لك هديّة.» 

إنحنت لتلتقط وتضع على الطاولةء سلّة صغيرة ملفوفة بورق شفافء 
ومزيّنة بشريط. كانت تحتوي على أطايب من كورنوال: جعة» شراب التفّاح, 
سكاكر, وخردل. فشعر سترايك بتأثّر شديد. 

«لم يكن من داع أبدًا...» 

لكنها كانت قد ابتعدت كثيرًا ولم تتمكن من سماعه. عندما عادت, 
حاملةً كأسًا من النبيذ وكوبًا من جعة لندن برايد» قال لها: «شكرًا جزيلًا لك.» 

«على الرحب والسعة. هل تعتقد إِذَا أنّ تلك المرأة الغريبة كانت 
تراقب منزل ليونورا؟» 

إتخذ سترايك استراحة ليتلذذ بجرعة طويلة من الجعة. 

«نعم؛ وهي على الأرجح من يدس براز كلب في صندوق بريدها», 
أضافء «ومع ذلكء لا أعرف ما الذي يمكن أن تجنيه من اللحاق بيء إِلَّا إن 
كانت تعتقد أنّني سأقودها إلى كواين.» 

أجفل عندما رفع ساقه المعطوبة ووضعها على إسكملة صغيرة تحت 
الطاولة. 


210 روبرت غالبریٹث t.me/ktabpdf‏ 


«يفترض بي أن أتولّى المراقبة في قضيّة بروكلهيرست وزوج بورنيت 
هذا الأسبوع. يا له من توقيت عظيم لأعطب ركبتي.» 

«يمكنني أن أحل محلّك.» 

خرجت الكلمات من فمها من دون أن تدري؛ لكنّ سترايك تظاهر بعدم 
السماع. 

«كيف حال ماثيو؟» 

«ليس جيّدًا», قالت روبن وهي تتساءل في قرارة نفسها ما إذا كان 
سترايك قد استوعب اقتراحها أو لا. «عاد إلى منزله ليكون مع والده وأخته.» 

«في ماشام؛ أليس كذلك؟» 

«أجل.» وبعد لحظة من التردّد, أضافت: «سنؤجّل حفل الزفاف.» 

«آسف لذلك.» 

«لا يمكننا أن نعقده بهذه السرعة... ما زالت العائلة بأكملها تحت 


وقع الصدمة.» 
«هل كنت على وفاق مع والدة ماثيو؟» سألها سترايك. 
«بالطبع. فقد كانت...» 


في الحقيقة. لطالما كانت السيّدة كانليف صعبة المراس. مصابة 
بوسواس المرض, أو شيء من هذا القبيل» كما كانت روبن تظنّ. وقد أمضت 
الأربع وعشرين ساعة الأخيرة في الندم إذ حكمت على تلك السيّدة بقساوة. 

«... طيّبة»» قالت روبن» «وكيف حال السيّدة كواين المسكينة؟» 

وصف سترايك زيارته لليونوراء بما في ذلك حضور جيري والدغريف 
الوجيز وانطباعاته عن أورلندو. 

«ممّ تعاني بالضبط؟» سألت روبن. 

«يسمّونها صعوبات في الاكتساب المعرفيٌ» على ما أظنّ.» 

توقف قليلًاء مستعيدًا ابتسامة أورلندو الساذجة. واحتضانها للقرد 


الدمية. 


مكتبة دودة الحرير 211 


«قالت كلامًا غريبًا عندما كنث هناك ما فاجأ أُمَها حتّى. أخبرتنا أنّ 
والدها اصطحبها إلى مكان عمله ذات مرّة وأنّ دانيال تشارد قد لمسها. 
ذكرت اسمه فعلًا.» 

شاهد على وجه روبن انعكاس الخوف الكامن الذي شعر به هو نفسه 
عندما سمع أورلندو تتلفظ بتلك الكلمات» في ذلك المطبخ القذر. 

«لمسهاء ولکن» كيف؟» 

«لم تحدّد. قالت لمسني وشعرتٌ بالانزعاج حين لمسني. وقالت 
بأَنّه أهداها فرشاة للرسم بعد ذلك. دعينا لا نستعجل في الاستنتاج». أضاف 
سترايك أمام صمت روبن المشحونء وقسماتها المتشتجة؛ «ربّما اصطدم بها 
عَرَضًا ثمّ أعطاها هديّة صغيرة لاسترضائها. أثناء وجودي هناك, لم تتوفّف 
عن الصراخ والانفعال لأتفه الأمور: لأنها لم تحصل على ما طلبته أو لأنّ أمَها 
وبّختها.» 

إذ شعر بجوع شديد, مرّق ورق السّلُفان الذي كان يلف هديّة روبن, 
وأخرج لوحًا من الشوكولاته. فتح غلافه بينما غرقت روبن في صمت تأمّلي. 

قال سترايك كاسرًا الصمتء «المشكلة أنَّ كواين أشار ضمئًا في 
بومبيكس موري إلى أنّ تشارد مثليّ. أقلّه. هذا ما فهمته.» 

«هممم», قالت روين غير مقتنعة. «وهل تصدّق كل ما كتبه كواين 
في ذلك الكتاب؟» 

«لقد أزعجت الرواية تشاردء نظرًا إلى أنّه سلّط المحامين على كواين»» 
قال سترايك» وهو يكسر قطعة كبيرة من الشوكولاته ويضعها في فمه. ثم تابع 
وهو يمضغ: «أذگرك بأنّ تشارد في بومبيكس موري هو مجرم قاتل؛ وعلى 
الأرجح مغتصبء كما أنّ وضعه الجنسيّ سيىء, لذا قد تكون مسألة المثليّة 
تافهة مقارنةٌ بكلّ ذلك.» 

«الثنائية الجنسيّة موضوع دائم التكثر في مؤلّفات كواين». قالت 
روبن» بينما حدّق فيها سترايك رافعًا حاجبيه بتعجّب, من دون التوقف عن 
المضغء «عرّجتٌ على مكتبة فويلز في طريقي إلى العمل واشتريت نسخة من 
خطيئة هوبارت. كل الرواية مخصّصة للحديث عن خنثى.» 


212 روبرت غالبریٹث t.me/ktabpdf‏ 


إبتلع سترايك الشوكولاته بغضة. 
«لا بد أنّ لديه شيئًا ضدّ هؤلاء. ثمّة واحد من هذا النوع في بومبيكس 
موري أيضًا». قال متفحّصًا غلاف الشوكولاته «إِنّها مصنوعة في موليون. على 
الساحل» على مقربة من المكان الذي ترعرث فيه... ما رأيك بخطيئة هوبارت 


- هل هي جيّدة؟» 
«على الأرجح كانت لتسقط من يدي بعد بضع صفحاتء لو لم يُقتّل 
مؤلّفها», اعترفت روبن. 


«ربما يجترح مقتله أعجوبةً في رفع المبيعات.» 

«ما أريد قوله هنا». شدّدت روبن,ء «هو أنتك لا تستطيع الوثوق 
بمصداقيّة كواين في ما يتعأق بحياة الآخرين الجنسيّة, لأنّ كل شخصيّاته تنام 
على ما يبدو مع أي شخص وأيّ شيء. بحثت عنه في موسوعة ويكيبيديا. 
يقولون إِنّ مؤلّفاته ترتكز على تبديل الجنس أو تميل إلى الأمور الجنسيّة.» 

«وتلك هي حال بومبيکس موري»» همهم سترايك وتناول مزيدًا من 
الشوكولاته. «إِنّها لذيذة, أتريدين بعضًا منها؟» 

«يُفترض بي أن أتّبع حمية. قبل الزفاف»» قالت روبن بحزن. 

كان سترايك يجدها جميلة هكذاء لكنه لم يقل شيئًا عندما رآها تتناول 
مربًّا. 

«لقد فكرتٌ مليًا بشأن القاتل»: قالت روبن بتردّد. 

«رأي عالمة النفس ينفع على الدوام. تابعي.» 

«لسثٌ عالمة نفس». قالت بضحكة خجولة. 

بالفعل» هي لم تكمل دراسة علم النفس في الجامعة. لم يلح سترايك 
يومًا لتشرح له السببء وقد تحفّظت عن ذكر المسألة. كان ترك الجامعة أمرًا 
مشتركا بينهما. فقد تخلى سترايك عن دراسته الجامعيّة عندما توفيت والدته 
جرّاء جرعة زائدة غامضة المصدرء ورتّما بسبب ذلكء كان ليفترض أنّ حادثًا 
أليمًا دفع روين للتخلي عن دراستها هي أيضًا. 


مكقرة دودة الحرير 213 


«كنت أتساءل لماذا يربط الجميع بين مقتله وروايته. للوهلة الأولى» 
يبدو مقتله كعمل ثأريّ متعمد وعنيف, ويظهر للعالم أن كواين نال الجزاء 
الذي يستحقّه جرّاء ما كتب.» 

«هذا ما يبدو بالفعل»» وافقها سترايك الرأي. كان لا يزال جائكًا فمدّ 
يده إلى طاولة مجاورة ليتناول قائمة الطعام. «أريد أن أتناول شريحة لحم 
وبطاطس مقليّة أتريدين شيئًا؟» 

إختارت روبن إحدى السلطات عشوائيًاء وتوجّهت إلى البار لتقديم 
الطلب» كي توفر عليه عناء المشي. 

«لكن» من ناحية أخرى...»» تابعت وهي تجلس ثانية, «مع تقليده 
وبالتفاصيل المملّة مُجريات المشهد الأخير من الرواية» ربّما يكون القاتل قد 
سعى إلى إخفاء دافعه الحقيقيّ, أليس كذلك؟» 

كانت تُجبر نفسها على التحدّث من دون انفعال, كما لو أنّهما يناقشان 
مسألة نظريّة» لكنّها لم تستطع محو صور جنّة كواين من ذهنها: الفجوة 
العملاقة في جذعه. الفم الذي مُحيَ. والمَخجران الفارغان بعدما احترقا 
بفعل الحمض. كانت تدرك تمامًا أنّها إذا أمعنت في التفكير بالفظاعات التي 
ارثكبت بحقّ كواين, فلن تتمكن من تناول غدائهاء أو ربّما يظهر رعبها جليًا 
أمام سترايك؛ الذي لبث يراقبها وقد ارتسم تعبير ساخر مثير للإحراج في 
عينيه الداكنتين. 

«لا بأس في الاعتراف بأنّكَ تشعرين بالغثيان جرّاء ما تعرّض له»» قال 
وفمه مليء بالشوكولاته. 

«لا أشعر بالغثيان: أبدًا!», كذبت تلقائيًا. ثم استدركت: «أعني إن 
الأمر مروّع بالطبع...» 

«أجلء إِنّه كذلك.» 

في الماضيء كان ليمازح زملاءه في مكتب الأمن البريطانيّ بهذا 
الشأن. هو لا يزال يتذكر فترات معيّنة بعد الظهر. حيث كانت الدعابة 
الساخرة الوسيلة الوحيدة لإكمال بعض التحقيقات الفظيعة. غير أنّ روبن لم 
تكن تملك ذلك الجمود الذهنيّ الذي يُكتسب خلال ممارسة المهنة. وخير 


214 روبرت غالبریث t.me/ktabpdf‏ 


دليل على ذلك هو الجهود الجبّارة التي كانت تبذلها للتحدّث بدون انفعال 
العاطفة عن رجل بُقر بطنه ومُزّقت أحشاؤه. 

«دعك من الدوافع يا روبن. في تسعين بالمئة من الحالاتء لا نكتشف 
«لماذا» ما لم نكتشف «مَن». ما نحتاجه هو أن نكشف الوسائل والفرصة.» 
إحتسى جرعة من الجعة وتابع»: «شخصيًا أظنّ أنّ علينا البحث عن شخص 
ضليع بالطب.» 

«ضليع بالطت...؟» 

«أو بعلم التشريح. ما فعلوه بكواين لا صلة له بعمل هواة أو مبتدئين. 
كان من الممكن أن يقطعوه إربًا إرباء وهم يحاولون إزالة أحشائهء لكثني لم 
أشاهد أي خطأ في التنفيذ: شق واحد واضح, نفذته يد واثقة.» 

«أجل»» قالت روبن وهي تجهد للمحافظة على برودتهاء «هذا صحيح.» 

«هذا ما لم نكن لنتعامل مع أديب مهووس وجد الكتيّب العلميّ 
المناسب صدفةٌ»؛ قال سترايك مازحًاء «يبدو ذلك مبالعًا به بعض الشيء, لكن, 
من يدري... مع ضحيّة مقيّدة ومخدّرة والمقدار الكافي من الشجاعة والثقة 
بالنفس لربّما استطاع المجرم تطبيق دروس البيولوجيا بكل سهولة...» 

لم تستطع روبن أن تكبح نفسها أكثر. 

«أعرف أنّ الدوافع من شأن المحامين كما تقول أنتٌ دائمًا». قالت 
بشيء من الانزعاج (كان سترايك يكرّر عليها تلك الحكمة منذ أن بدأت تعمل 
لديه)» «لكنء إسمعني للحظة. لا بدّ أنّ السبب الذي جعل المجرم يختار 
تنفيذ فعلته بطريقة مماثلة لما ورد في رواية كواين» كان ليفوق بنظره» كل 
العواقب السيئة والمخاطر المحتملة...» 

«ألا وهي؟» 

«حسئاء بدايةً» المصاعب اللوجستية التي ترافق عادةًٌ جريمة قتل 
بهذا... الإتقان» وأيضًا أن يقتصر مجموع المشتبه بهم على الشخصيّات 
الواردة في الكتاب...» 

«أو على مَن سمع به بالتفصيل»», قاطعها سترايك, «لقد استعملت 
كلمة يقتصرء لكئني لست واثقًا من أنّنا نبحث عن عدد صغير من الأشخاص. 


مكتبة دودة الحرير 215 


فقد حرص كريستيان فيشر على نشر محتويات الكتاب وتوزيعها على أكبر 
عدد من الناس. وكانت نسخة روبر تشارد من المخطوطة موضوعة في خزنة 
أرقامها في متناول نصف عاملي الدار. 

«لکن...»» قالت روبن. 

صمتت عندما جاء نادل متجهُم لوضع أدوات المائدة ومحارم ورقيّة 
على الطاولة. 

«لکن...»» تابعت بعد أن ابتعد, «لا يمكن أن يكون كواين قد قُتل منذ 
فترة قريبةء لا؟ أعني» لست خبيرة...» 

«ولا أنا»» قال سترايك متناولًا آخر قطعة من الشوكولاته ومحدّقًا في 
حبّات الفول السوداني بحماس أقل, «لكتّني أفهم ما تعنين. تريدين القول إِنّه 
يبدو وكأنّه توفي منذ أسبوع على الأقل.» 

«بالإضافة إلى ذلك»» قالت روبنء «هناك حتمًا فاصل زمنيّ بين 
مطالعة المجرم لرواية بومبيكس موري وبين تنفيذه الجريمة. هذه الجريمة 
تتطلب تحضيرات مسبقة. وجب جلب الحبال؛ والحمض,» والآنية إلى منزل 
غير مأهول...» 

«وما لم يكن القاتل على علم مسبق بأنّ كواين يعتزم الذهاب إلى 
تالغارث رود فقد اضطرٌ لاقتفاء أثره وصولًا إلى هناك»: أضاف سترايك؛ مقررًا 
التخلي عن الفول السوداني بعدما لمح شريحة اللحم والبطاطس المقلية 
مقبلةٌ إليه» «أو ربّما استدرجه عندما وصل إلى هناك.» 

قدّم النادل طبق سترايك؛ والسلطة التي طلبتها روبنء وإذ شكراه» 
أجاب بغمغمة وانسحب. 

«إذّاء إن أخذنا التخطيط والناحية العمليّة بعين الاعتبار» فمن غير 
الممكن أن يكون القاتل قد قرأ الكتاب بعد مضي أكثر من يومين أو ثلاثة 
على اختفاء كواين». قال سترايك وهو يغرز شوكته في طبقه منقًّا عن أصابع 
البطاطس المقليّة. «المشكلة أنّه كلّما عدنا بفترة تخطيط القاتل للجريمة إلى 
الوراءء ساء وضع موكلتي أكثر فأكثر. فور فراغ كواين من تحرير مخطوطتهء 
لم يكن على ليونورا سوى اجتياز رواق بيتهاء لتستحوذ عليها. وعندما نفكر 


216 روبرت غالبریث t.me/ktabpdf‏ 


في الأمرء يمكن أن يكون قد أخبرها عن حبكة الرواية وخاتمتها قبل أشهر من 
إكمالها.» 

كانت روبن تتناول السلطة دون أن تشعر بمذاقها. 

«وهل تبدو ليونورا كواين لك...»: بدأت بحذر. 

«... من النساء اللواتي قد يقدمن على انتزاع أحشاء أزواجهن؟ لا؛ لكنّ 
الشرطة تميل إلى الاعتقاد بذلك. وإذا كنت تبحثين عن دافع» فقد انتهى 
أمرها. كان كواين زوجًا شنيعًا: يهملهاء يخونهاء ويهوى إظهارها بصورة بشعة 
في كتبه.» 

«لكتك لا تظنها القاتلة؟» 

«لا»» قال سترايك. «لكثنا بحاجة إلى ما هو أهمّ من رأيي بكثير» 
لتجنيبها السجن.» 

من دون أن تستشيره, أخذت روبن الكوبين الفارغين إلى البار لملئهما 
مجدّدًاء وشعر سترايك بامتنان شديد تجاههاء عندما وضعت كوبًا آخر أمامه. 

«علينا أيضًا النظر في احتمال أن يكون أحدهم قد علم مسيقًا بأنّ 
كواين ينوي نشر الكتاب على الإنترنت»» قال سترايك وهو يدس كومة من 
البطاطس المقلية في فمه. «وذلك تهديد يُزعم أنّه تلفُظ به في مطعم مكتظّ 
بالناس» ما يمكن أن يشكّل دافعاء إذا توافرت الشروط الملائمة.» 

«تعني إذا لاحظ القاتل أنّ المخطوطة تتضمّن معلومات لا يريد إظهارها 
للعلن؟» 

«بالضبط. بعض أجزاء الكتاب مشحونة بالألغاز. ماذا لواكتشف كواين 
أمرًا خطيرًا عن أحد الأشخاص ولمّح إليه بشكل مموّه في كتابه؟» 

«قد يكون ذلك منطقيًا». قالت روبن ببطء, «لأنني مصرّة على التساؤل: 
لماذا قتلوه؟ صحيح, فهؤلاء يملكون وسائل فعّالة لمنع صدور الكتاب 
التشهيريء أليس كذلك؟ لم يكن عليهم سوى رفض التعامل مع كواين أو رفض 
نشر روايته أو تهديده بإجراء قانونيَ» كما فعل تشارد. ثم إِنّ مقتله سيزيد 
الوضع تعقيدًا لكل من وردت شخصيّته في الكتاب, أليس كذلك؟ فبغياب 
الجلبة التي قامت إثر مقتله, ما كان أحد ليلاحظ تلك الرواية في الأساس.» 


مكتبة دودة الحرير 217 


«أوافقك الرأي. لكتك تفترضين بذلك أنّ القاتل تصرّف بطريقة 
عقلانيّة.» 

«لم تكن جريمة عاطفيّة أو جريمة شغف. بل خطط القاتل لهاء ودرس 
كل التفاصيل. ولا بنّ أنّه تهيّأً لكل العواقب المحتملة.» 

«هذا صحيح أيضًا»» قال سترايك وهو يتناول ما تبقّى من البطاطس 
المقليّة. 

«ألقيث نظرة على بومبيكس موري هذا الصباح.» 

«بعد أن أسقمتك خطيئة هوبارت من شدّة الملل؟» 

«نعم... كانت في الخزنة, لذا...» 

«إقرأيها بأكملهاء لمؤسف حقًا أن تفوتي أي جزء», قال سترايك: «وإلى 
أين وصلت في القراءة؟» 

«تصفّحتٌ بعض المقاطع وحسب»» أجابت روين. «مثلًا. مقطع سوكوبا 
والقرادة. مليء بالحقدء و لكنّه لا يحتوي... فلتقُل... 


رمورًا ممؤّهة أو مستترة. إِنّه نصّ سطحي للغاية ويرسم بوضوح زوجته ووكيلة 
أعماله كطفيليّات تعيش عالةٌ عليه أليس كذلك؟» 
هرّ سترايك رأسه موافقًا. 
«لكنّه لاحقاء عندما يصل إلى إيبي... إيب... كيف تلفظها؟» 
«إبيسين؟ الخُنثى؟» 


«أتظئها شخصيّة حقيقيّة؟ وماذا عن مسألة الغناء؟ لا يبدو أنَ ما 
يتحدّث عنه غناءًٌ حقًاء أليس كذلك؟» 

«ولماذا تعيش صديقته الشرّيرة في كهفيٍ مليء بالجراذين؟ هل تلك 
استعارة أو شيع آخر؟» قال سترايك. 

«والكيس الملطّخ بالدم الذي يحمله قاطع على كتفه»» قالت روبن, 
«والقزمة التي يحاول إغراقها...» 

«والقطع الحديدية المحمّاة في الموقد. في منزل متكبّر؟» أكمل 
سترايك» وأمام تعابير روبن الحائرة, أضاف «ألم تصلي بعد إلى ذاك المقطع؟ 
جيري والدغريف شرحه بنقسه لمجموعة من المدعوّين كنت أنا في عدادهاء 


218 روبرت غالبریث t.me/ktabpdf‏ 


في خلال حفلة ميلاد روبر تشارد. المقطع المذكور يلمح إلى مايكل فانكورت 


وأولى...» 

رنّ هاتف سترايك, فأخرجه من جيبه. حين قرأ اسم دومينيك كالبيبر, 
ضغط على زر الإجابة؛ متنهّدًا. 

«سترايك؟» 

«هو بنفسهة. » 


«هلا قلت لي ما الذي يجري يا رجل؟!» 

لم ضع سترايك الوقت في التظاهر بعدم فهم ما يقصده كالبيبر. 

«لا يحقّ لي بالتحدّث عن الأمر. فقد يعيق ذلك مسار التحقيق الذي 
تقوم به الشرطة.» 

«لا يهمّني!... أعطانا أحد رجال الشرطة فكرة عن الموضوع. يقول 
إن الرجل قد دُبح بالطريقة نفسها التي قُتلت بها إحدى شخصيّات روايته 
الأخيرة.» 

«نعم؟ وكم دفعت لهذا اللعين الأحمق ليفك عقدة لسانه إلى حدّ 
المجازفة بإفساد التحقيق والقضيّة برمّتها؟» 

«هراء يا سترايك! كنت على علم بهذه الجريمة ولم تفكر حتّى في 
الاتصال بي؟» 

«إسمع يا صديقي» لا أعرف كيف تنظر إلى علاقتنا»» قال سترايك, «أمًا 
من جهتي» فالأمور واضحة: أسدي إليك خدمات وأنت تدفع لي في المقابل. 
وهذا كل شيء.» 

«لقد أوصلتك إلى نينا كي تتمكن من حضور حفلة ذلك الناشر.» 

«ذلك أقلّ ما يمكنك فعله بعد أن قدّمت لك مجّانًا أدلّة إضافيّة كثيرة 
سمحت لك بإغراق باركر»» ردّ سترايك وهو يطارد بيده الأخرى بعض أصابع 
البطاطس المتبقية في الطبق. «كان في وسعي أن أحتفظ بها لأعرضها على 
کل صحف الفضائح.» 

«إذا كنت تريد المال...» 


مكتبة دودة الحرير 219 


«لاه لا أريد المال أيّها الأحمق!». قال سترايك غاضبًاء بينما وجّهت 
روبن اهتمامها بلباقة إلى موقع بي بي سي على هاتفها. «لن أفسد تحقيقًا 
جنائيًا فقط لإرضاء جريدة نيوز أوف ذا وورلد!» 

«يمكنك جني ما لا يقل عن العشرة آلاف إذا وافقت على إجراء مقابلة 
شخصيّة. » 

«وداعًا يا كالبي...» 

«إنتظر! أخبرني فقط, في أي كتاب يصف جريمة القتل؟» 

تظاهر سترايك بالتفكيرء ثم أجاب: 

«الإخوة بولز... بلزاك.» 

قطع المكالمة وهو يضحك في سرّه ثم تناول قائمة الطعام لتفخص 
أنواع التحلية. بقليل من الحظء قد يمضي كالبيبر بعد ظهر شاق وطويل وهو 
يتأرجح بين الاستعارات الأدبيّة الفاشلة والمشاهد الجنسيّة الفادحة. 

«هل من جديد؟» سأل سترايك روبن بعدما رفعت بصرها عن الهاتف. 

«لا أو تقريبًا. حسب الدايلي ميل, أصدقاء مقرّبون من العائلة يعتبرون 
أن زواج بيبا سيكون أفضل من زواج كايت ميدلتون» 

نظر إليها سترايك مقطبًا حاجبيه. 

«ماذا؟ كنت أتسلى وحسب بينما تتحدّث على الهاتف»»؛ قالت روبن 
وقد أخذت حذرها بعض الشيء. 

«لا»» قال سترايك؛ «لا أقصد ذلك. تذكرت للتوّ - بيبا 2011.» 

«لم أفهم...» أجابت روبن وأفكارها كلّها ما زالت مركزة على بيبا 
ميدلتون. 

«بيبا 2011 - على موقع كاثرين كينت الإلكتروني. كانت تزعم أن 
كواين قرأ عليها مقطعًا من بومبيكس موري.» 

شهقت روبن وشرعت تتفخص هاتفها. 

«ها هي!» قالت بعد بضع دقائق» «ماذا تقولين لو أخبرتك ت بأنّه قرأ لي 
القليل منه؟... وكان ذلك في...» تصفّحت روبن أعلى الصفحة» «في الحادي 
والعشرين من أكتوبر. ربّما عرفت نهاية الرواية حتّى قبل أن يختفي كواين.» 


220 روبرت غالبریث t.me/ktabpdf‏ 


«هذا صحيح»», قال سترايك. «سأطلب كرامبل بالتقاح, أتريدين 
تحلية؟» 

عندما عادت روبن بعدما توجّهت إلى البار لتقديم طلب آخرء بادرها 
سترايك: 

«دعاني أنستيس إلى العشاء الليلة. قال إِنّ لديه بعض المعلومات 
الأؤلية من فريق الطب الشرعي.» 

«هل يعرف أنّ عيد ميلادك يصادف اليوم؟» سألت روبن. 

ديا إلهي! لاه لحسن حظي!»» ردّ سترايك مصدومّاء ما أثار ضحك روبن. 

«لماذا تستاء من ذلك؟» 

«سبق وأقيم لي عشاء بمناسبة عيد ميلادي»» غمغم سترايك, «وأفضل 
هديّة يمكن أن يقدّمها أنستيس لي, هي تحديد يوم الوفاة. كلما كان التاريخ 
المحدّد أبكر, قل عدد المشبوهين المحتملينء أي فقط أوّل مَن اطلعوا على 
المخطوطة. للأسفء ذلك يشمل ليونورا. لكن, لدينا أيضًا تلك الغامضة بيباء 
وكريستيان فيشر...» 

«ولماذا فيشر؟» 

«الوسيلة والفرصة يا روبن: هو أوّل مَن قرأ الرواية باكرًا. وكذلك رالف 
مساعد إليزابيث تاسيلء وإليزابيث تاسيل نفسهاء وجيري والدغريف. 
ويفترض أنّ دانيال تشارد اطلّع عليها أيضًاء مباشرةً بعد والدغريف. أمَا 
كاثرين كينت فقد أنكرت قراءتهاء لكتني أشك كثيرًا في صحّة هذا الادّعاء. 
ثمّ هناك مايكل فاتكورت.» 

نظرت إليه روبن بحيرة. 

«كيف يمكنه أن...؟» 

رن هاتف سترايك ثانيةٌ» وظهر اسم لينا لاسيلز. تردّد قليلًا. لكنه فكر 
في احتمال أن يكون قريبها قد أخبرها بأنّه تحدّث إليه للتؤء ما أقنعه بالردّ. 

«مرحبًا», قال سترايك. 


مكتبة دودة الحرير 221 


«مرحباء حضرة النجم»» قالت نينا بنبرة فكاهيّة» لكنّه استشعر 
توتّرهاء «لم أشأ أن أكلمك تحسبًاء فربّما تكون منهمكا بالإجابة على مكالمات 
الصحافيين والمعجبات وغيرهن.» 

«ليس لهذا الحدّ»» قال سترايك, «كيف الأحوال في روبر تشارد؟» 

«جنونيّة. توقّف الجميع عن العمل. لا يتحدّثون سوى عن تلك 
المسألة. هل كانت جريمة قتل حقًا؟» 

«هذا ما يبدو.» 

«يا إلهيء لا أستطيع تصديق ما حدث... أفترض أنّْك لا تستطيع أن 
تزوّدني بأي معلومات؟.» بدا سؤالها كجواب مؤكد. 

«لا تريد الشرطة أن تتسرّب التفاصيل في هذه المرحلة من التحقيق.» 

«جرى الأمر تمامًا كما في الكتابء لا؟ بومبيكس موري.» 

«لا أستطيع القول.» 

«ودانيال تشارد أصيب بكسر في ساقه.» 

«ماذا؟» قال منذهلا. 

«يحدث الكثير من الأمور الغريبة.» كانت نينا تتكلم بنبرة متشنجة 
وكأنها على وشك الانهيار. «لم يعد جيري يدري ماذا يفعل وأينء وسط الأعمال 
المتراكمة. إتصل به دانيال من ديفون منذ قليل ليصيح في وجهه مجدّدًا - 
وقد سمع نصف المكتب الحديث, لآنّ جيري ضغط على زرٌ المذياع عن طريق 
الخطأ ولم يعرف بعد ذلك كيف يطفئه. هو عالق في منزله الريفيَ بسبب 
ساقه المكسورة. أقصد دانيال طبعًا.» 

«لماذا كان يصيح في وجه والدغريف؟» 

«بشأن رجال الأمن» كالعادة. فقد حصلت الشرطة على نسخة من 
المخطوطة ونجهل كيف. ودانيال مستاء جدًّا من ذلك.» ثم تابعت: 

«على أي حالء فكرت في الاتصال بك لتهنئتك - أفترض بأنّه من 
الواجب تهنئة المحقّق متى عثر على جنّة, أليس كذلك؟ إتّصل بي متى فرغت 
من انشغالاتك.» 

سرعان ما أغلقت الهاتف قبل أن يتمكن من الإجابة. 


222 روبرت غالبریٹ t.me/ktabpdf‏ 


«إنّها نينا لاسيلز». قال بينما أتى النادل بكرامبل التفّاح وفنجان قهوة 
لروبن» «الفتاة التي...» 

«... التي سرقت لك المخطوطة»» أكملت روبن. 

«ذاكرتك قد تنفع كثيرًا في مجال الموارد البشرية»» قال سترايك وهو 

«هل أنت جادّ بشأن مايكل فانكورت؟» سألت بصوت شبه هامس. 

«بالطبع»: قال سترايك؛ «لا بدّ أن دانيال تشارد أخبره بما تجرّأ كواين 
على فعله - لم يكن لينتظر ريثما يسمع فانكورت ذلك على لسان آخر, لا؟ 
ففانكورت هو صيدهم الأثمن. لا بل أعتقد أنّ علينا الافتراض بأنّ فانكورت 
كان يعرف الأمر منذ البداية و...» 


هذه المرّة, رن هاتف روبن. 


«مرحبًا», قال ماثيو. 
«مرحبًاء كيف حالك؟» سألت بقلق. 
«لستٌ في أحسن حال.» 


First day that [1 531 في مؤخْر الصالة, رفع أحدهم صوت الموسيقى:‎ 
.you, thought you were beautiful 

«أين أنت؟» سأل ماثيو بحدّة. 

«أوه... في حانة»» قالت روبن. 

فجأةً امتلأت الأجواء بمختلف أنواع الضجيج: رنين الكؤوسء, والضحك 
الصاخب عند البار... 

«إنّه عید میلاد كورموران»» أشارت (ألا يرتاد ماثيو وأصدقاؤه الحانة 
كلما أرادوا الاحتفال بأعياد ميلاد بعضهم بعضًا؟...). 

«كم جميل!».: قال ماثيو غاضبًا. «أتّصل بك لاحقًا.» 

«ماثيو لا... انتظر...» 

راقبها سترايك بطرف عينه. وفمه مليء بكرامبل التقاح, عندما 
ابتعدت نحو البار من دون استئذان. ستحاول حتمًا الاتصال بماثيو. لا بدّ 


مكتبة دودة الحرير 223 


من أنّ المحاسب استاء لأنّ خطيبته خرجت لتناول الغداء. عوضًا عن ذرف 
الدموع على أمّه الفقيدة. 

طلبت روبن رقمه؛ وأعادت الكرّة عدّة مرّات» قبل أن يردّ في النهاية. 
في غضون ذلك. أنهى سترايك الكرامبل وشرابه الثالث وسرعان ما أدرك أنّه 
يحتاج الذهاب إلى الحمّام. 

حالما وقف. شعر بألم طاعن في ركبته, مع أنّ ساقه لم تزعجه كثيرًا 
في أثناء تناول الطعام والشراب وتبادل أطراف الحديث مع روبن. عندما عاد 
إلى مقعده» كان يتألّم لدرجة التعرّق. إذ ألقى نظرة على روبن في البعيد, 
أدرك أنّها لا تزال تحاول استرضاء ماثيو, كما بدا من تعابير وجهها. عندما 
أقفلت الخطّ وانضمّت إليه ثانية» طمأنها باقتضاب بعدما سألته إذا كان بخير. 
عندئذٍ جدّدت عرضها السابق: 

«يمكنني أن أتعقّب السيّدة بروكلهيرست, بدلا منك, إذا كانت ساقك 
تؤلمك ك...؟» 

«لا»» صاح سترايك. 

الأوضاع كلها من سيىء إلى أسوأ: كان يعاني من ألم حادً» ويشعر 
بالغضب من نفسه. وبالانزعاج من ماثيوء والغثيان ينتابه الآن! ما كان يجدر 
به أن يأكل هذا الكمّ من الشوكولاته قبل تناول اللحم والبطاطس المقلية, 
فكرامبل التقاح, وثلاثة أكواب كبيرة من الجعة. 

«أريدك أن تعودي إلى المكتب لإنجاز فاتورة غانفري الأخيرة. أرسلي 
لي رسالة نصّية إذا كان الصحافيون الحقيرون لا يزالون في الجوار. بتلك 
الحالة. سأذهب من هنا إلى منزل أنستيس مباشرةً.» 

«علينا التفكير جذّيًا بتوظيف شخص إضافيّ», أضاف بصوت خافت. 

جمدت روبن حال سماع ذلك. 

«حسئًا إِذاء سأعود إلى حاسوبي»» قالت بجفاء» ثم تناولت معطفها 
وحقيبتها وغادرت بدون أن تلتفت إلى الوراء. تبيّن سترايك تعابيرها الغاضبة, 
لكنّ غيظه غير العقلانيَ حال دون أن يناديها لكي تعود. 


t.me/ktabpdfF 


23 


بالنسبة إليّء روحها ليست قاتمة إلى حدّ 
ارتكاب مثل هذه الفعلة السوداء. 
جون ويبسترء «الشيطان الأبيض» 


لم تساهم فترة بعد الظهر الطويلة التي أمضاها سترايك في الحانة وساقه 
مرفوعة إلى أعلىء في التخفيف من تورم ركبته. بعد شراء بعض المسكنات 
وقنينة من النبيذ الأحمر الرخيص في طريقه إلى المترو, توجّه إلى غرينيتش 
حيث كان أنستيس يقيم مع زوجته هيلين. المعروفة باسم هيلي. إستغرقته 
الرحلة إلى منزلهما في أشبورنهام غروف, أكثر من ساعة كاملة بسبب تآخّر 
طرأ على خط المترو المركزي. ظلّ واققًا طوال الطريق» مستندًا إلى ساقه 
السليمة. ومن جديدء شعر بندم شديد إذ أنفق مئة جنيه بالتمام والكمال 
على سيّارة الأجرة ليذهب إلى منزل لوسي ويعود منه. 

عندما نزل في محطّة دوكلاندز لايت ريلواي, قذفه المطر برذاذه 
ثانيةً. فرفع ياقة معطفه ومشى وهو يعرج في الظلام مسافة يُفترض ألا تزيد 
على الخمس دقائقء» لكنّها استغرقته حوالى ربع الساعة. 

عندما انعطف سترايك عند الناصية إلى شارع ذي أرصفة أنيقة 
وحدائق أماميّة منسّقة جميلة, خطر بباله أنه كان يجدر به أن يشتري هديّة 


مكتبة دودة الحرير 225 


إلى ابنه بالعماد. كانت قَلَّة حماسه للاجتماعيّات التي تنتظره خلال الأمسيةء 
تنافس توقه إلى مناقشة معطيات الطب الشرعي مع أنستيس. 

لم يكن سترايك شديد الإعجاب بزوجة أنستيس. فمودتها المتزلّفة 
غالبًاء كانت أعجز من أن تخفي فضولها الوقح؛ عيب يظهر بين الحين والآخر 
كخنجر يومض نصله فجأةٌ من تحت معطف فرو. كانت تُغدق الشكر والاهتمام 
كلّما دنا سترايك منهاء لكنّه كان يدرك تمامًا أنّها متلهّفة لمعرفة تفاصيل 
ماضيه الحافل بالتقلّبات» واستقاء معلومات عن والده نجم الروك الشهيرء 
ووالدته المدمنة. حنّى أنه كان ليتخيّلها وهي تحاول سرقة تفاصيل حميمة 
حول انفصاله عن شارلوتء والتي لم تتقبّلها يومًا على الرغم من بوادر المودّة 
المتصئعة. 

في حفل عماد تيموثي كورموران أنستيس - الذي أرجىء غير مرّة, 
إلى أن بلغ ثمانية عشر شهرًا من العمرء إذ وجب نقل والده وعرّابه جوًا من 
أفغانستان ثمّ الانتظار ريثما تنتهي فترة استشفائهما - أصرّت هيلي على إلقاء 
خطبة امتزجت فيها الدموع بالفرح لأنّ سترايك أنقذ والد طفلها؛ سترايك 
الشهم والملاك الحارس لابنها تيمي. آنذاك, سترايك» والذي لم يتمكن من 
إيجاد سبب وجيه واحد لرفض دوره كعرّاب للصبيء آثر التحديق في شرشف 
الطاولة بينما كانت هيلي تستفيض في مديحهاء وذلك لثلًا تلتقي عيناه بعيئي 
شارلوت فينفجر ضحكا. يومذاك. كانت شارلوت ترتدي - لا يزال مظهرها 
مطبوعًا في ذهنه - فستانها الأزرق الضيّق المفضّل لديه. والذي يُبرز قوامها 
الكامل بكل مفاتنه. أن يسير إلى جانب امرأة بهذا الجمال الأخَاذ, مع أنّه كان 
حينذاك لا يزال يستعين بعكازين» عوّضه عن ساقه المبتورة والتي لم تكن 
قد استبدلت بعد بطرف اصطناعي. ذلك حؤّله من وجيد الساق إلى سعيد 
الحظ الذي تمن - بأعجوبةء كما قد يفكّر كل الذين صادفوا شارلوت, أو أقلّه 
هذا ما كان سترايك يعتقده - من اجتذاب خطيبة فاتنة لدرجة يتلعثم معها 
الرجال في منتصف عبارتهم حالما تدخل إلى المكان. 

«كورميء عزيزي»» قالت هيلي متهلّلة عندما فتحت البابء «لا 
أصدّق! اعتقدنا أنّك قد تنساناء الآن وقد أصبحتَ مشهورًا...» 


226 روبرت غالبریث t.me/ktabpdf‏ 


لم يكن أحد ليناديه كورمي غيرها. أا هو فلم يكلف نفسه قط عناء 
إبلاغها بأنّه يكره تلك الكنية. 

بدون استئذان احتضنته بين ذراعيها برقة تنم عن شعورها بالشفقة, 
إذ بات عازبًا ووحيدًا. مقارنة بصقيع الليل القارس في الخارج, بدا البيت 
دافئًا ومشكًا بالأنوار. عندما تمكّن من الإفلات من معانقات هيليء شر 
سترايك 2 لرؤية أنستيس قادمًا نحوه بكوب من جعة دوم بار. 

«ريتشى» انتظر ريثما يدخل على الأقل.... آه أرجوك!...» 

لكنّ سترايك تناول الكوب واحتسى عدّة جرعات قبل أن يفكر حتّى في 
نزع معطفه. 

سرعان ما اندفع ابن سترايك بالعماد والبالغ ثلاث سنوات ونصف من 
العمرء إلى المدخلء مُقلَّدَا صوت محرّك السيّارات. كان تيموثي شبيهًا جدًا 
بأقه: قَسمات ناعمة وجميلة» مع أنّها متركزة في وسط وجهه على نحو غير 
مألوف. كان يرتدي لباس نوم على هيئة سوبرمان ويمشي بمحاذاة الجدران 
وهو يمسحها بطرف سيفه البلاستيكيٌّ. 

«آه» تيمي» حبيبي» لا تفعل ذلك... لا! طلاؤنا الجميل الجديد... أراد 
البقاء مستيقظًا لرؤية عمَّه كورموران. نحدّثه عنك طوال الوقت»» قالت هيلي. 

رمق سترايك الصبيّ الصغير بلامبالاة» فبادله الأخير بالمثل. كان 
تيموثي الطفل الوحيد بين معارفه والذي كان يفترض بسترايك تذكر عيد 
ميلاده - حتّى ولو لم يقدّم له يومًا أَيَة هديّة - فقد ولد الصبيّ قبل يومين من 
انفجار مدرّعة الفايكنغ على تلك الطريق الترابيّة في أفغانستان. ذلك الانفجار 
الذي أودى بساق سترايك اليمنى وقسمًا من وجه أنستيس. 

لم يسر سترايك لأحد كم تساءل» في أثناء الساعات الطويلة التي 
أمضاها على سرير المستشفىء لماذا أمسك بأنستيس وليس بآخرء ليجرّه إلى 
وخر المدرّعة. أحيائاء كانت تساؤلاته هذه تستحيل هاجسا: آنذاك: شعر 
بحدس غريبء يصل إلى حدٌّ اليقين تقريبًاء ينبئه بحدوث انفجار وشيكء فمدّ 
يده وأمسك بأنستيسء بينما كان في وسعه أن يمسك بالرقيب غاري توبلي. 


مكتبة دودة الحرير 227 


هل كان ذلك لأنّ أنستيس أمضى معظم اليوم السابق وهو يتحدّث 
عبر سكايب مع هيلين - وقد سمع سترايك الحديث - وينظر إلى وليده التي 
كانت أمّه تحتضنه والذي كان ليصبح يتيم الأب لولاه؟ هل كان ذلك سبب 
امتداد يد سترايك من دون تردّدء إلى الرجل الأكبر سناء الضابط في الشرطة 
العسكريّة. وليس إلى توبلي الرقيب في الجيش النظاميّء والذي كان مخطوبًا 
وليس لديه من أولاد؟ لم يعرف سترايك ذلك البنّة. فهو لا يهوى الأطفال ويكره 
السيّدة التي أنقذها من الترمّل. كان سترايك مجرّد واحد من ملايين الجنود. 
الأحياء والأمواتء الذين غيّرت ردود فعلهم السريعة - سواء بالغريزة أم 
بالتمرس - مصائر آخرين. 

«هل تريد أن تقرأ لتيم قصّة قبل أن يخلد إلى النوم: يا كورمي؟ لقد 
اشترينا مجموعة جديدة, أليس كذلكء يا تيمي؟» 

كان سترايك يفضّل الموت على ذلكء وبخاصّة إذا جلس الطفل 
المتململ في حضنه وربّما ركل ركبته اليمنى. 

قاد أنستيس المجموعة إلى غرفة الطعام المفتوحة والمفضية إلى 
مطبخ من الطراز الأميركيّ. كانت الجدران مطليّة بلون قشديء وألواح الأرضيّة 
عارية» وثمّة طاولة خشبية طويلة على مقربة من الأبواب-النوافذ, تحيط بها 
كراس مكسؤة بأغطية واقية سوداء. لكنّ سترايك كان يتذكر تلوينة مختلفة 
عندما زارهم المرّة الأخيرة» برفقة شارلوت. أسرعت هيلي خلفهما ودشت 
في يد سترايك؛ كتابًا مصورًا بالألوان الفاقعة. لم يعد لديه من خيار سوى 
الجلوس على كرسيّ في غرفة الطعام, وابنه بالعماد إلى جانبه, ليقرأ له قصّة 
«كايلا: الكنغر التي تهوى القفز» من إصدار روبر تشارد (الأمر الذي ما كان 
ليلفت انتباهه في الأيّام العاديّة). لم يكن تيموثي مهتمًا البّة بحركات كايلا 
المضحكة وظلٌ يلعب بسيفه طوال الوقت. 

«حان وقت النوم يا تيمي. أعط قبلة لكورمي»» قالت هيلي لابنها الذي 
اكتفى بمباركة سترايك الصامتة لينزل عن الكرسيّ ويركض نحو المطبخ وهو 
يصرخ بشدّة. تبعته والدته وسرعان ما تراجعت حدّة أصواتهما عندما صعدا 
السلّم وهما يقرعان بأقدامهما. 


228 روبرت غالبريث t.me/ktabpdf‏ 


«سوف يوقظ تيلي»» توفع أنستيس» وهذا ما حدث بالفعل إذ عادت 
هيلي وبين ذراعيها طفلة في عامها الأؤلء تصرح باكيةء ما لبثت أن أعطتها 
لزوجها قبل أن تستعيد عملها في المطبخ. 

جلس سترايك ببلادة إلى طاولة المطبخ وهو يكاد يغمى عليه من شدّة 
الجوع. لكنّه شعر بالامتنان والرضى إذ ليس لديه من أولاد. مرّت ثلاثة أرباع 
الساعة قبل أن يتمكن أنستيس وزوجته من وضع تيلي في الفراش. أخيرًا 
وصل طبق اللحم إلى المائدة» ومعه» كوب آخر من جعة دوم بار. كان بإمكان 
سترايك أن يسترخي أخيرّاء لكنّ هيلين أنستيس وللأسفء اختارت تلك اللحظة 
تحديدًا لتطلق سهمها الأوّل. 

«شعرتٌ بأسف شديد لما حدث بينك وبين وشارلوت»». قالت. 

كان فمه مليئاء لذاء أومأ سترايك بحركة من رأسه. معبّرًا عن امتنانه. 

«ريتشي!» صاحت بنبرة دلال عندما همّ زوجها بصب كأس من النبيذ 
لها. «ليس من الحكمة أن أشرب! فنحن ننتظر مولودًا آخر». شرحت لسترايك 
بفخر واعتداد» فيما وضعت يدها على بطنها. 


غص سترايك. 
«مبروڭ»» قال مندهشًا. كيف يشعران بالفرح لفكرة مجيء تيموثي أو 
تيلى ثالث؟ 


في اللحظة الملائمة, ظهر ابنهما ثانيةٌ وأعلن أنّه جائع. خاب أمل 
سترايك عندما نهض أنستيس للاعتناء به» تارا هيلي تحدّق بعينيها 
الفضوليّتين في سترايك من فوق شوكتها المليئة بلحم البقر بالبورغينيون. 

«إِذَا ستتزوّج في الرابع من الشهر الجاري. لا أستطيع أن أتخيّل حنّى, 
شعورك حيال ذلك.» 

«من سيتزؤٌج؟» سأل سترايك. 

بدت الدهشة على هيلي. «شارلوت»» أجابت. 

سمع صوت ابنه بالعماد وهو ينوح من أعلى السلالم. 


مكتبة دودة الحرير 229 


«ستتزوّج شارلوت في الرابع من كانون الأول/ديسمبر»» قالت هيلي» 
وازدادت حماستها عندما أدركت أنَّها أل من يزف الخبر إليه. لكنّ شيئًا في 
تعابير سترايك أفقدها جرأتها. 

«أوه... هذا ما سمعت» قالت وهي تخفض نظرها نحو طبقها. بالفعل, 
عاد أنستيس في اللحظة المناسبة لينقذ الموقف. 

«هذا الشقيّ الصغير». قال أنستيسء «أنذرته بأنّني سأصفعه على 
مؤخرته إذا غادر الفراش ثانيةٌ.» 

«إنه متحمّس فحسب», قالت هيلي وكانت لا تزال مرتبكة أمام غضب 
سترايك المكبوت, «... لأآنَّ كورمي هنا.» 

كان اللحم قد تحوّل إلى كومة من المطاط والبوليستيرينء في فم 
سترايك. كيف عرفت هيلي أنستيس متى ستعقد شارلوت قرانها؟ فالزوجان 
أنستيس لا يخالطان أوساط الطبقة المخمليّة عينها التي تخالطها شارلوت أو 
زوجها المستقبليّ» إبن الفيكونت دو كروي الرابع عشر (تفصيل كان سترايك 
ليفضّل نسيانه). وماذا تعرف هيلي أنستيس عن عالم النوادي الخاضة؟ أو 
البذلات المصنوعة على الطلب في سافيل روء أو محيط عارضات الأزياء 
مدمنات الکوکایین» والذي اعتاد جاغو روس المُحترم» ارتياده طوال حياته 
العاطلة عن العمل؟ لم تكن تعرف عن كل ذلك أكثر مما يعرفه سترايك 
نفسه. أّمَّا شارلوت» فقد ولدت في كنف المجتمع المخمليّ هذا. عندما كانا 
متحابّينء كانت تؤثر موافاته إلى مكان بينَ بين. عالم غير مأهول لا يمتلكه 
أحد. زاوية لم يرتح إليها أي منهماء بالنظر إلى محيطيهما الشديدي الاختلاف. 
كانا يحاولان جاهدّين ومُرعْمين البحث عن قواسم واهتمامات مشتركة. 

في هذه الأثناء» عاد تيموثي إلى المطبخ وهو يبكي بشدّة. فنهض 
والداه هذه المرّة ونقلاه معًا إلى غرفة نومه, تاركين سترايك الذي لم يكد 
يدرك غيابهماء غارقًا في ذكرياته المثقلة. 

كانت شارلوت متقلبة إلى درجة أنّ أحد أزواج أمَها حاول إيداعها 
مصحّة للأمراض النفسية. كانت تكذب مثلما تتنفّسء وفاسدة حتى النخاع. 
بلغت أقصى مدّة متواصلة تمكنت أن تقضيها مع سترايك. سنتين. ومع 


230 روبرت غالبريث t.me/ktabpdf‏ 


ذلك كانا يعودان إلى الاجتماع ثانيةً في حين كانت الثقة بينهما تتداعى 
وتتمرّق أوصالها أكثر فأكثر. وفي كل مرّة (أقلّه هذا ما تراءى لسترايك). كانت 
علاقتهما تصبح أكثر هشاشة ممّا سبق؛ في حين يقوى اشتياق أحدهما إلى 
الآخر ويشتدٌ. طوال سئّة عشر عامًاء تحرّت شارلوت استنكارات عائلتها 
وأصدقائها وذهولهم واحتقارهم: لتعود وترتمي مرارًا وتكراراء بين ذراغي 
سترايك» جنديها الضخم» ذلك الابن غير الشرعيْء العاق والمُعاق. لو حدث 
المثل لصديقه» لكان سترايك نصحه بالهجران وعدم النظر إلى الوراء» لكنْ تلك 
المرأة أصبحت فيروسًا في دمه. لا علاج له. لا بل أفضل ما يمكن أن يرجوه هو 
التمكن من السيطرة على أعراض مرضه وحسب. لكنّ الانفصال الأخير وقع قبل 
ثمانية أشهرء قبيل أن يصبح هو محط الأنظار والاهتمام بفضل قضيّة لاندري. 
لم يستطع سترايك أن يغفر لها كذبتها الأخيرة. تركها إلى غير رجعة وعادت 
هي إلى عالم يصطاد رجاله طيور التُدرْج وتمتلك نساؤه تيجانًا محفوظة في 
صندوق كنوز العائلة. عالم اذَّعت أنّها تحتقره (كذبة أخرى على ما يبدو...). 

عاد الزوجان من دون تيموثي ولكن مع تيليء ببکائها وفُواقها. 

«أراهن أنّكَ سعيد إذ ليس لديك من أولادء ليس كذلك؟» قالت هيلي 
بجذل وهي تجلس إلى المائدة ثانيةً وتيلي في حجرها. فابتسم سترايك بكابة 
ولم يناقضها. 

بل كان هناك طفلء أو بدقّة أكبرء شبح طفل أو طفل موعود, ثم 
لا شيء. «لقد مات» قالت له. بعدما أخبرته شارلوت بأنّها حامل» رفضت 
استشارة طبيب. كان تاريخ بداية الحمل يتبدّل كل أسبوع. من ثمّ, أعلنت 
ذات يوم عن انتهاء كلّ شيء من دون أيّ دليل أو تفسير. كذبة ما كان أيّ 
رجلء أو أيّ رجل تقريبًاء ليغفرها. بالنسبة إلى سترايك - وكان عليها أن تدرك 
ذلك - كانت تلك القشّة التي قصمت ظهر البعير» وقضت نهائيًا على مقدار 
الثقة الزهيد الذي ظل يبادلها إّاه» رغم سنوات طويلة من ولعها بالكذب. 

ستتزوّج في الرابع من كانون الأول /ديسمبرء أي, بعد أحد عشر يومًا... 
ولكن» كيف عرفت هيلي أنستيس ذلك؟ 


مكتبة دودة الحرير 231 


كان سترايك الآن يشعر بالامتنان تجاه الطفلين واللذين ببكائهما 
وأنينهماء عطلا المحادثة لحظة تقديم طبق التحلية: بودينغ بالراوند والكريما 
الإنكليزيّة. حين اقترح أنستيس بأن يشربا كوبين من الجعة في مكتبه 
واستعراض تقرير الطب الشرعي» ركب سترايك بالفكرة الممتازة. كانت هيلي 
متجهّمة بعض الشيء عندما ابتعدا؛ من الواضح أنّ سترايك لم يقدّم لها ما 
يقابل العناء الذي تجشّمته. لم يبق أمامها سوى الاعتناء بتيلي التي غلبها 
النعاس وبتيموثي الذي لم يعد يرغب بالنوم؛ بل نزل من غرفته مجدّدًا ليعلن 
أنه أوقع كوب الماء على سريره. 

كان مكتب أنستيس عبارة عن غرفة صغيرة تفترشها الكتب» وتفضي 
إلى الرواق. عرض على سترايك كرسيّ الحاسوب فيما جلس هو على مقعد 
قديم. لم تكن الستائر مغلقة, فشاهد سترايك المطر يتساقط كذرّات غبار في 
ضوء مصباح الشارع البرتقاليّ. 

«يقول فريق الطب الشرعيّ إن مهمّته كانت شاقّة وقد بذل جهودًا 
جبّارة ليتوصّل إلى نتيجة»» بدأ أنستيسء ما استرعى انتباه سترايك التامّ 
على الفور. «إنتباه, لم يؤكّد أي شيء رسميّاء لأّنا لم نحصل على كل نتائج 
التحاليل بعد.» 

«هل تمكنوا من معرفة سبب الوفاة؟» 

«ضربة على الرأس». قال أنستيس. «فقد تبيّن أنّ مؤخّر الجمجمة 
مكسور. ربّما لم تحدث الوفاة على الفور لكنّ أعطاب الدماغ وحدها كانت 
كافية لتودي بحياته. لا يستطيعون التأكيد إذا ما كان ميمًا عندما قر بطنه, 
لكتهم على شبه يقين بأنّه كان فاقد الوعي.» 

«رحمةً به. هل من فكرة إذا كان قد قُيّد قبل أن يفقد وعيه أو بعده؟» 

«ثمّة لغط حول ذلك. هناك رقعة من الجلد المتورّم تحت الحبال التي 
کانت تلف أحد معصميه؛ ما يشير على ما يعتقدونء إلى أنّه كان مقيّدًا قبل 
أن يُقتل. لكنء. ليس هناك ما يشير إلى أنّه كان لا يزال واعيًا عندما قُيَّد. 
المشكلة أنّ ذلك الحمض المنتشر على الأرض وفي كل الزواياء أزال أيّ آثار قد 


232 روبرت غالبريث t.me/ktabpdf‏ 


تدل إلى حدوث مقاومة: أو إلى أنّ الجنّة قد جُرجرت. لقد كان رجلا ضخم 
البنية وثقيل الوزن...» 

«من الأسهل جرّه إذا كان مقيّدًا» وافقه سترايك الرأي وهو يفكر في 
ليونورا القصيرة والنحيلة, «لكن» من المفيد معرفة الزاوية التي صرب منها.» 

«ضصُرتَ على رأسه من فوق». قال أنستيسء «لكن,» بما أنّنا لا نعرف إذا 
كان قد ضُرب في وضعيّة الوقوفء أو الجلوس, أو الركوع...» 

«بالنسبة إليّء أنا على يقين من أمر واحد: لقد قتل في تلك الصالة», 
قال سترايك متتبّعًا حبل أفكاره. «لا أظنّ أن أحدًا قد يتمتّع بالقوّة الكافية 
لحمل جنّة ثقيلة إلى أعلى السلالم.» 

«ثمّة إجماع على أنّه توفي في المكان الذي عُثر فيه على جنّته. فهناك 


تتركز أكبر كميّة من الحمض.» 
«للمناسبة, ما نوع الحمض المستعمل؟» 


«أوه» ألم أقل لك؟ حمض الهيدروكلوريك.» 

حاول سترايك جاهدًا أن يتذكر شيئًا من دروس الكيمياء. 

«ألا يُستعمل لتغطية الفولاذ بالزنك؟» 

«ذلك من أحد استعمالاته. هو مادّة كاوية والقانون لا يحظر شراءه, 
ويستعمل في كثير من العمليّات الصناعيّة. كما أنه عنصر تنظيف فعّال. ومن 
الأمور الغريبة أنه موجود طبيعيًا لدى البشرء في حمض المعدة.» 

كان سترايك يرتشف الجعة على مهل؛ وهو يفكر في أقوال أنستيس. 

«في الروايةء يصب الجلادون الفيتريول على ضحيّتهم.» 

«بمعنى آخر, الحمض الكبريتيّ. حمض الهيدروكلوريك مشتق منه. 
هو يلتهم الأنسجة البشريّة بشكل شنيع - كما رأيت بنفسك.» 

«لكن من أين جاء القاتل بكلّ هذه الكميّة؟» 

«صذّق أو لا تصدّق, يبدو أنَ الحمض كان موجودً! في المنزل.» 

«كيف؟» 

«لم نعثر بعد على مَن يستطيع الإجابة على السؤال. تمّ العثور على 
غالونات فارغة - سعة أربعة لترات - متروكة على أرض المطبخ. وأخرى 


مكشرة دودة الحرير 23 


مغطة بالغبار وإِنّما مليئة بالمادّة ومختومة بإحكام, في خزانة ما تحت 
السلالم. هي تأتي من أحد المصانع الكيميائيّة في بيرمنغهام. وتمّ رصد بعض 
الآثار على الغالونات الفارغة, تبدو ناتجة عن يدين في قفازين.» 

«أمر مثير للاهتمام»» قال سترايك وهو يحك ذقنه. 

«ما زلنا نحاول التحقّق من تاريخ وكيفيّة شرائها.» 

«ماذا عن الأداة التي حطّمث جمجمة رأسه؟» 

«هناك أداة قديمة لإبقاء الباب مفتوحًا في المُحترف - على شكل 
مكواة وصلبة بقدرها وذات مقبض. ثمّة احتمالات كبيرة في أن تكون أداة 


الجريمة. هي تتطابق مع جرح جمجمته. لكنّ تلك الأداة رشت بحمض 
الهيدروكلوريك شأنها شأن كل شيء آخر.» 

«ماذا عن تاريخ الوفاة؟» 

«هنا تتعقّد المسألة. لم يشأ خبير الحشرات التدخل, فكلّ الوسائل 
العاديّة غير فالة نظرًا لحالة الجنّة. كما يقول. أبخرة حمض الهيدروكلوريك 
وحدها قد تؤخّر ظهور الحشرات, لذا لا يمكن تحديد تاريخ الوفاة بالاستناد 
فقط إلى تفشي الطفيليّات. فما من ذبابة لحم تحترم نفسها قد ترغب في 
وضع بيضها على الحمض. تمّ العثور على يرقة أو اثنتين على بعض أجزاء الجنّة 
التي نجت من المادّة, لكن, لا صلة لها بعمليّة التفشّي المعهودة. من جهة 
أخرى, كانت التدفئة في البيت شديدة, وربّما تحلّلت الجنّة بشكل أسرع 
مما كانت لتفعل لو كان الجوٌ باردًا كما هو الآن. على أي حال؛ وجود حمض 
الهيدروكلوريك قد أثّر في عمليّة التحّل. بعض أجزاء الجنّة محروقة حتى 
العظم. أمَا دراسة الأحشاء فقد كانت قادرة على تحديد بعض المعطيات 
- تعرف» مثل الوجبة الأخيرةء وما إلى هنالك - لكنّها اختفت. يبدو أنّ القاتل 
حملها معه»» قال انستیس. «لم أسمع قط عن هذا النوع من الممارسات. 
وأنتَ؟ لا بدّ من أنّها تزن عدّة كيلوغرامات.» 

«لا». قال سترايك, «ذلك جديد كليًا بالنسبة إليّ.» 

«الخلاصة: يرفض فريق الطب الشرعي تحديد إطار زمني باستثناء 
القول إِنّه توفي منذ عشرة أيَام على الأقل. لكثني تحذَّئتُ على انفراد إلى 


234 روبرت غالبريث t.me/ktabpdf‏ 


أندرهيل؛ وهو أفضلهم, فأبلغني بسرّية تامّة, أنه يعتقد بأنّ كواين توفي منذ 
أسبوعين. وهو يُقدّر أنّ الأدلّة ستظل ملتبسة. حتى بعد الحصول على كلل 
نتائج التحاليلء ما سيجعل محامي الدفاع في نعيم.» 

«ماذا عن خبراء علم السموم؟» سأل سترايك الذي ما زال مركرًا على 
صعوبة زحزحة جنّة بضخامة كواين. 

«حسئاء ربّما حقنوه بالمخدّرات», قال أنستيس» «لم نحصل على 
نتائج فحص الدم وما زلنا نبحث ناحية الغالونات التي عُثر عليها في المطبخ. 
لكن...»» أفرغ كوب الجعة ووضع كوبه على المنضدة بحركة مسرحيّة 
مفتعلة... «ثمّة طريقة أخرى يمكن أن تسهّل مهمّة القاتل: كان كواين يحب 
أن يقيّد - تعرف تمامّاء ألعاب جنسيّة...» 


« كيف عرفت ذلك؟» 
«من صديقته», أجاب أنستيس. «كاثرين كينت.» 
«هل استجوبتها؟» 


«أجل». قال أنستيس», «لقد تمّ العثور على سائق سيّارة الأجرة الذي 
أقلّ كواين حين وقف على بعد شارعين من منزله؛ وذلك في التاسعة من مساء 
الخامس من الشهرء وقد أوصله إلى ليلي رود.» 

«أي تمامًا عند ستافورد كريبس هاوس»», قال سترايك. «إِذّاء توجّه من 
عند ليونورا إلى صديقته مباشرة؟» 

«لا؛ لم يفعل. فقد كانت كينت حينذاك في المستشفىء بجانب أختها 
المحئّضرة. شهود عيان أكدوا إفادتها - أمضت الليل بكامله هناك. قالت إنّها 
لم تره منذ شهرء لكنها لم تتردد في إخبارنا عن حياتها الخاضة.» 

«هل سألتها عن تفاصيل؟» 

«برأيي» ظئّت بأنّنا نعرف المزيد. فأغدقت علينا المعلومات من دون 
أن نحنّها حنّى.» 

«هذا مشؤق». قال سترايك. «أخبرثني بأنّها لم تقرأ بومبيكس 
موري...» 

«هذا ما أخبرتنا به أيضًا.» 


مكتبة دودة الحرير 235 


«... لكنّ الشخصيّة التي تمثّلها في الرواية تقيّد البطل وتعذّبه. ربّما 
أرادت من خلال إسهابها في الكلام» أن تمرّر رسالة: هي تقيّد شركاءها وإِنَّما 
من أجل الجنس فحسبء وليس بهدف تعذيبهم أو قتلهم. وماذا عن نسخة 
المخطوطة التي تقول ليونورا إِنّ حملها معه؟ وتدويناته وأشرطة الطابعة 
القديمة؟ هل عثرتم عليها؟» 

«لا»» قال أنستيسء «سنفترض أنّ القاتل أخذها إلى أن نعرف ما إذا 
كان المغدور قد أقام في مكان آخر قبل أن يتوجّه إلى تالغارث رود. كان 
المنزل فارغًاء باستثناء قليل من الطعام والشراب في المطبخ, وفراش تخييم 
وكيس للنوم في إحدى الغرف. يبدو أنّ كواين كان ينام هناك. لكنء بما أنّ 
القاتل سكب حمض الهيدروكلوريك في تلك الغرفة أيضًا...» 

«ألا توجد بصمات أصابع؟ أو آثار نعال؟ أو شعيرات أو وحول لا تفسير 
لها؟» 

«لا شيء. ما زال رجالنا يمشّطون المكان بدقّة, لكنَ الحمض طمس كلل 
الأدلّة. وما زالت الانبعاثات الحمضيّة حادّة إلى درجة ثُلزم رجالنا باستعمال 
أقنعة واقيةء تفاديًا لاحتراق حلقهم.» 

«هل هناك مَن شاهد كواين منذ اختفائه, ما خلا سائق سيّارة الأجرة؟» 

«لم يشاهده أحد يدخل تالغارث رود. لكنّ السيّدة التي تقيم في 
المنزل رقم 183 تقسم بأنّها شاهدت كواين يغادر المنزل في الواحدة من 
صباح السادس من الشهر. كانت آنذاك عائدة إلى منزلها بعد حفل الألعاب 
الناريّة.» 

«كان الظلام حالكا. وكانت على بُعد منزلين. لذاء لم تستطع على 
الأرجح أن ترى إلَا...» 

«ظل شخص طويل يرتدي عباءة, ويحمل جرابًا كبيرًا.» 

«جرابًا؟», كرّر سترايك. 

«أجل»» أجاب أنستيس. 

«وهل ركب الشخص ذو العباءة سيّارة؟» 


236 روبرت غالبریٹ t.me/ktabpdf‏ 


«لاء بل مشى حنّى تواری عن الأنظار. لكن» ربّما انتظرته سيّارة عند 
الناصية.» 

«هل من شاهد آخر؟» 

«رجل هرم في بوتني يزعم بأنّه رأى كواين في الثامن من الشهر. وقد 
اتصل بمخفر الشرطة ووصفه وصقًا دقيقًا.» 

«ماذا كان كواين يفعل هناك؟» 

«يشتري كتبًا من مكتبة بريدلينغتون» حيث يعمل الرجل المذكور. » 

«وهل يبدو الشاهد موثوقًا؟» 

«إنّه مسن لكته يزعم بأنّه يذكر ما اشتراه كواين, والوصف الذي قدّمه 
عنه مُقنع. لدينا أيضًا شاهدة مقيمة في مبنى عند الجهة الأخرى من الشارع, 
تماما قبالة مسرح الجريمة» تؤكد أنّها مرّت بمايكل فانكورت وهو يمشي قرب 
المنزل. في صباح الثامن من الشهر أيضًا. أتعرفه. ذلك الكاتب ذا الرأس 
الكبير؟ الكاتب الشهير؟» 

«نعم, أعرفه», قال سترايك. 

«تزعم الشاهدة بأنّها استدارت إلى الوراء لتحدّق به. لأنّها عرفته.» 

«كان مارًا قرب المنزل؟» 

«هذا ما زعمته.» 

«هل تحقّق أحد من ذلك باستجواب فانكورت؟» 

.«إِنّه في ألمانياء لكنّه أبدى استعداده للتعاون معنا متى عاد. أمَا وكيل 
أعماله فيبذل قصارى جهده لمساعدتنا.» 

«هل هناك نشاط آخر مريب ما حول تالغارث رود؟ هل من كاميرات 
مراقبة؟» 

«الكاميرا الوحيدة موجودة في الزاوية غير الملائمة» وهي لا تراقب 
سوى حركة المرور وليس المنزل - لكتّني سأتحقّق من ذلك. لدينا شاهد آخر 
أيضًا - الجار في الجانب المقابل على بُعد أربعة منازل - يقسم بأنّه شاهد 
امرأة سمينة ترتدي بُرقعًا وتدخل المنزل عصر الرابع من الشهر حاملةٌ كيسًا 


مكتبة دودة الحرير 237 


بلاستيكيًا من مطعم حلال للمأكولات الجاهزة. يقول إِنّه لاحظ ذلك لأنّ المنزل 
كان مهجورًا منذ مدّة طويلة. يزعم أنها مكثت هناك نحو ساعة» ثم غادرت.» 

«هل هو واثق أنّها دخلت منزل كواين؟» 

«هكذا يقول.» 

«وكانت تملك مفتاحًا؟» 

«أجلء على ما يبدو.» 

«برقع», كرّر سترايك, «هذا هراء.» 

«أشك بدقّة بصره. لأنّ عدسات نظارته سميكة. حسب علمه» ليس 
هناك من مسلمين مقيمين في ذلك الشارع.؛ لذاء لفتت المرأة انتباهه.» 

«إذًا لدينا شاهدان يزعمان أنّهما لمحا كواين منذ أن غادر منزل 
زوجته: في أولى ساعات صباح السادس من شهر نوفمبرء وفي الثامن منه 
في بوتني.» 

«أجل». قال أنستيس, «لكن, مكانك يا بوبء لما علّقتُ آمالي على أىٌ 
منهما.» 

«أنتَ مقتنع بأنّه توفي ليله غادر منزله». قال سترايك مؤكّدًا أكثر مما 
هو سائلًاء فهر أنستيس رأسه إيجابًا. 

«وأندرهيل, كذلك الأمر.» 

«لا أثر لسكين؟» 

«لا شيء. السكين الوحيدة التي وجدناها في المطبخ غير مسئّنة ولا 
تصلح لتقطيع جسد.» 

«مَن يملك مفتاح المنزل؟» 

«زبونتك بالطبع», أجاب أنستيس» «وكواين حتمًا. وبحوزة فانكورت 
اثنان كما أخبرنا عبر الهاتف. أعار آل كواين واحدًا لوكيلة أوينء لتشرف على 
بعض أعمال التصليحات في المنزل, لكنّها أعادته. ولدى الجار القريب مفتاح 
ليستطيع الدخول في حال حدوث أيّ مشكلة.» 

«ألم يدخل عندما اشتمٌ الرائحة الكريهة؟» 


238 روبرت غالبریث t.me/ktabpdf‏ 


«هناك جار آخر قد دس ملاحظة عبر فتحة علبة البريد» يشتكي من 
الرائحة, لكنّ صاحب المفتاح سافر قبل أسبوعين إلى نيوزيلندا حيث ينوي 
البقاء لمدّة شهرين. وقد تواصلنا معه هاتفيًا. دخل المنزل آخر مرّة في مايوء 
عندما استلم طردين. حينذاك» كان هناك بعض العمّال في المنزلء فوضع 
الطردين في البهو. وحين سألنا السيّدة كواين مَن من الأشخاص قد يحصل 
على نسخة من المفتاح, كانت غامضة في إجابتها. تبدو السيّدة كواين تلك, 
غريبة الأطوار, أليس كذلك؟»» تابع أنستيس بنبرة معسولة. 

«لم أفكر في ذلك»» كذب سترايك. 

«أتعرف أنّ الجيران سمعوها تصرخ في وجه كواين, ليلة اختفائه؟» 

«لاء لم أكن على علم.» 

«نعم. خرجت من المنزل راكضةٌ وراءه وهي تصرخ. الشهادات كلها 
متطابقة....» إتّخذ أنستيس استراحة وجيزة ليراقب ردّ فعل سترايك عن 
كثب - «لقد صاحت به أعرف إلى أين ستذهب. يا أوين!» 

«بل ظئّت أَنّها تعرف»» قال سترايك وهو يهرٌ كتفيه» «إعتقدت أنّه 
ذاهب إلى خلوة الكتّاب التي أخبرها كريستيان فيشر عنها. بيغلي هول.» 

«إنها ترفض الخروج من المنزل.» 

«لديها ابنة مُعاقة عقليًا وهي لم تنم يومًا في أيّ مكان آخر. هل تتصوّر 
ليونورا ببنيتها الهزيلة تجمّد كواين؟» 

«لا»» قال أنستيس, «لكثنا نعرف أن التقييد يثيره» وأشك في أنّها 
تجهل ذلك وهي زوجته منذ ثلاثين سنة.» 

«أتعتقد أنّهما تشاجراء ثم تعقّبته واقترحت عليه جلسة من اللهو 
بالحبال؟» 

أطلق أنستيس ضحكة متوثّرة, ثم قال: 

«لا تبدو الأمور لصالحها يا بوب. هي زوجة غاضبة ولديها مفتاح منزل 
الجريمة, وقد اطّلعت على المخطوطة في وقت جذ باكر. وهناك دوافع كثيرة 
خاضَةٌ إذا كانت على علم بوجود عشيقةء وتحديدًا إن ساورتها شكوك في أنّ 
كواين سيتركها هي وابنتها من أجل كينت. هي تزعم بأنّها حين قالت له 


مكقرة دودة الحرير 239 


أعرف إلى أين أنت ذاهب إِنْما كانت تعني إلى مقرٌ خلوة الكتّاب: وليس ذاك 
المنزل في تالغارث رود. وتتوقع ما أن نصدّق أقوالها.» 

«تبدو القرائن مقنعة عندما تقدّمها على هذا النحو», قال سترايك. 

«لكنك لا توافقني الرأيء صح؟» 

«إِنّها زبونتي», قال سترايك. «وأنا أتقاضى أجرًا لقاء إيجاد إجابات 
شافية لها.» 

«هل أخبرتك أين كانت تعمل في السابق؟» سأل أنستيس وكأنّه لاعب 
يقدّم ورقته الرابحة, «في هاي أون واي» قبل أن يتزوجا؟» 

«تابع »» قال سترايك بشيء من التوجّس. 

«في حانوت جزارة عمُها»» قال أنستيس. 

سمع سترايك خارج باب المكتبء قرع قدمي تيموثي كورموران 
أنستيس الصاخب» وهو يهبط السلالم ثانيةً. كان يصرخ خيبته بأعلى صوته. 
فشعر العرّاب لأوّل مرّة بتعاطف حقيقيَ مع ابنه بالعماد. 


t.me/ktabpdfF 


24 


كل الأشخاص الحذقين يكذبون - ثم إنك 
امرأة؛ ويجدر بك عدم الكشف عمًا يجول 
في ذهنك على الإطلاق... 

ويليام كونغريف, «حبٌ مقابل الحبب» 


كانت الأحلام التي راودت سترايك في تلك الليلة غريبة وبشعة, بعد أن أذكتها 
في النهار أكواب جعة دوم بار» والحديث مع انستيس عن الدم» والحمض» 
وذباب اللحم. 

رأى في كوابيسه شارلوت تتزوّج, فيما هو يركض بساقين صحيحتين, 
نحو كنيسة قوطيّة غريبة؛ لإنقاذ الطفل الذي ولدته منه للتوّ. كانت تقف 
هناك لا حول لها ولا قوّة. وسط مساحة مهجورة ومظلمة؛ وحيدة عند المذبح, 
وهي ترتدي ثوبًا من الأحمر القاني, فيما كان المولود في مكان ماء بعيدًا عن 
النظرء ربّما في سَكرستيًا الكنيسة الباردة, عاريّاء وعاجراء ومتروكا. 


«أين هو؟» سألها. 
«لن تراه. فأنتٌ لم تكن راغبًا فيه. وعلى أيّ حال» هو يعاني من تشوّه», 
أجابت. 


خشي أن يعاين مشهدًا مريعًا إن بحث عن الطفل. كان عريسها غائيًا 


مكتبة دودة الحرير 241 


«دعه» إِلّه بشع للغاية»» قالت ببرودة وهي تندفع أمامه وتمشي بعيدًا 
عن المذبح عبر الممرّ نحو المدخل البعيد. «لن تفعل سوى أن تلمسه», 
صاحت من فوق كتفهاء «لا أريدك أن تلمسه. ستراه في النهاية. ستقرأ الخبر 
في الصحف»» أضافت بصوت متلاشء وطيفها يتحول من الأحمر إلى الناريّ 
قي وهج النور المتغلغل من تھا ااب الواسع. «في الصحف...» 

إستيقظ فجأةٌ في غبش الفجر الطالع» وهو يشعر بجفاف في الحلق, 
وألم مشؤوم في ركبته على الرغم من استراحة الليل. 

كان الشتاء قد استحوذ على المدينة وهو نائم» والصقيع قد جمد 
نافذة علّيته من الخارج, وهبطت درجة الحرارة في الداخل» بسبب رداءة 
تركيب النوافذ والأبواب والافتقار التامّ للعزل ما تحت السطح. 

نهض سترايك ومد يده إلى كنزة موضوعة عند طرف السرير. عندما 
هم بتركيب ساقه البديلةء تبيّن أنّ ركبته متورّمة بشدّة, إثر رحلته الطويلة إلى 
غرينيتش. إستغرق ماء الحمّام مدّة أطول من المعتاد ليسخن, فضبط منظّم 
الحرارة على الدرجة القصوى, خشيةً من أن تنفجر الأنابيب وتتجمّد الميازيب 
ويلفظ المرجل أنفاسه» فهو عاجز عن تكبّد تكاليف السمكري الباهظة. بعد 
أن جفف جسمه» أخرج ضماداته الرياضية من الصندوق الموجود على بسطة 
الدرج لتضميد ركبته. 

لقد أدرك الآن كيف عرفت هيلي أنستيس بمشروع زواج شارلوت, 
كما لو أنه أمضى الليل بكامله في التحليل. كم كان أحمق إذ لم يفكّر في ذلك 
من قبل بيد أن عقله الباطني قد فهم كل الأمر. 

بعدما بات نظيقًا وارتدى ملابسه. تناول الفطور وتوجّه إلى مكتبه. 
عندما ألقى نظرة من النافذة خلف طاولة المكتب, لاحظ أنّ البرد القارس حال 
دون قدوم زمرة الصحافيين والذين انتظروا عودته سدى في اليوم السابق بلا 
شك. كان بعض الثلج الذائب قد بدأ يتساقط على النوافذ عندما انتقل إلى 
مكتب روبن وجلس إلى الحاسوب. كتب في محرّك البحث: زفاف شارلوت 
كامبل وجاغو روس. ظهرت النتائج سريعًا وبلا أي رأفة. 


242 روبرت غالبریٹث t.me/ktabpdf‏ 


تاتلرء كانون الأول /ديسمبر 2010: شابّة الغلاف, الآنسة شارلوت كامبل 


5una 


ستتزوّج قريبًا من الفيكونت دو كروي... 


«تاتلر»» هجّأ سترايك بصوت عالٍ في المكتب. 

لم يكن يعرف تلك المجلَّة إلا من خلال أصدقاء شارلوت الذين ما انفكُوا 
يظهرون دوريًا في صفحاتها ضمن زاوية أخبار المجتمع. كانت تشتريها في 
بعض الأحيان لتقرأ أمامه متباهيةٌ» وتعلّق على الرجال الذين أقامت معهم 
علاقات عابرةء أو الذين حضرت حفلاتهم في قصورهم الفخمة. 

وها هي الآن موضوع غلاف العدد المخمّص لعيد الميلاد. 

شعر بألم في ركبته على الرغم من الضمادة, عندما هبط السلّم المعدني 
ثمّ خرج يخطو بحذر على الثلج الذائب الذي كان يغطّي الأرصفة. كما في كل 
صباح باكر» وقف صف انتظار طويل عند بائع الصحف. تفص سترايك على 
مهل رفوف المجلات والتي كانت على نوعين: النوع الرخيص الذي يزيّن 
غلافه نجوم المسلسلات التلفزيونيّة. والنوع الباهظ الذي يستطيع احتمال 
كلفة استضافة نجوم السينما. كانت أعداد كانون الأول/ديسمبر قد نفدت 
تقريبًاء مع أنّ شهر تشرين الثاني/نوفمبر لم ينته بعد. على غلاف فوغ (العدد 
الخاض بكبار النجوم)ء تعرّف سترايك على إيما واطسون باللون الأبيضء وعلى 
غلاف ماري كلير(العدد الخاص بالجميلات الفاتنات). شاهد ريهانا باللون 
الزهري. أمَا على غلاف تاتلر... 

بشرة باهتة وملساء. شعر أسود يحيط بوجنتين مرتفعتين» عينان 
واسعتان من البئّي الأشقر المائل إلى الأخضرء ومنمّشتان كالتفاح الخمري. 
حبّتان كبيرتان من الماسٌ تتدلّيان من أذنيهاء فيما تستقرٌ ثالثة على أصبع 
يدها المستندة بدلال إلى وجهها. تطاير قلب سترايك أشلاءً لكنّ ملامحه 
بقيت جامدة كالصخر . تناول المجلّة. وكانت الأخيرة على الرف. دفع ثمنهاء 
وعاد بها إلى شارع الدانمارك. 

كانت الساعة التاسعة إلا ثلئًا. أغلق باب مكتبه على نفسه. وجلس إلى 
طاولة مكتبه. ووضع المجلّة أمامه. 


مكتبة دودة الحرير 243 


م-ذ-ه-ل! شارلوت كامبل, الطفلة الجامحة تتحوّل إلى فيكونتيشة راقية. 


كان العنوان الصارخ يعترض عنق شارلوت الرفيع المشيق. 

كانت المرّة الأولى التي يرمقها سترايك بنظرة منذ أن أنشبت أظافرها 
في وجهه في هذا المكتبء وهربت منه إلى أحضان جاغو روس الوقور. 
إفترص أنّْهم عدّلوا الصور. لا يمكن أن تكون بشرتها خالية من العيوب إلى هذا 
الحذّء وبياض عينيها بهذه النقاوة. لكتهم لم يبالغوا في أيّ شيء آخرء لا رقّة 
تكاوينها ولا حجم الماسّة في إصبعها (كان واثقًا من ذلك). 

ببطء انتقل إلى الملخّص ثم إلى المقال: امتدّت صورة لشارلوت على 
صفحتين. كانت تبدو نحيلة جدًّا في فستان فضّي طويلء وقد وقفت وسط 
صالة عرض طويلة مزيّنة بستائر وزخارف فخمة. إلى جانبهاء وقف جاغو روس 
وذراعه مسنودة بلا مبالاة إلى طاولة للعب. كان يبدو كثعلب قطبيَ بعد ليل 
من الصيد الماجن. كان هناك المزيد من الصور على الصفحة: شارلوت جالسة 
على سرير عتيق ذي أربعة قوائم» تضحك ورأسها مائل إلى الوراء وعنقها 
المرمريّ يبرز من قميص قشدّي شفاف؛ شارلوت وجاغو بسروال الجينز 
وأحذية ويلينغتون, يسيران يدا بيد في المنتزه أمام بيتهما المستقبليّ؛ 
يرافقهما كلبان من صنف جاك راسيل؛ لقطة وسطيّة لشارلوت في برج القصر 
والريح تداعب خصلاتهاء تنظر إلى العدسة من فوق كتفها المغطّى بمشلح من 


الترتر الجميل. 
لا شك في أنّ هيلي أنستيس لم تتوانَ عن إنفاق أربعة جنيهات وعشر 
بنسات للحصول على هذه المجلّة الرديئة. 


في 4 كانون الأول/ديسمبر من العام الجاري, يُنفض الغبار عن كنيسة 
قصر دو كروي القديمة (حذار استعمال تسمية «كروي» - تلك إهانة 
للأسرة) والعائدة إلى القرن السابع عشر. بالفعل, ستشهد الكنيسة عقد 
وَل قران فيهاء بعد مضي أكثر من قرن من الزمن. الفاتنة شارلوت كامبل,» 
إبنة أجمل عارضة أزياء في فترة الستّيناتء تولا كليرمونت, والأكاديميّ 
والمقدَّم التلفزيوني أنطوني كامبلء ستقترن بجاغو روس» شريف النسب» 


244 روبرت غالبریث t.me/ktabpdf‏ 


وريث القصر وأصول العائلة, بما فيها اللقب الأهمَ» لقب فيكونت دو 
كروي. 

دخول الفيكونتيسة المستقبليّة كنف أسرة روس دو كروي العريقة مثير 
للجدل, لكنّ جاغو غير آبه بكسب بركة بعض نبلاء السلالة الإسكتلنديّة 
العريقة ورضاهم في ما يتعلّق بخطيبته الجديدة ذات السمعة 
المشبوهة... 

فهو يقول: «لطالما أملت والدتي بأن أقترن بشارلوت. كنا نتواعد عندما 
كنا نقيم في أوكسفورد لكن, كنا لا نزال يافعين... ثمّ تقابلنا من جديد في 
لندن... وكان كلّ منا قد خرج من علاقة سابقة...» 


ماذا؟! جاء ردّ فعل سترايك الاستنكاري سريعًا. كان كلّ منكما قد خرج 
من علاقة سابقة؟ أو كنت تضاجعها قبل أن أنفصل عنها حتّى: فلم تعد تعرف 
من منّا هو والد الطفل الذي خشيت أن تحمله؟ يكفي أن تغيّر التواريخ لتغطي 
كل احتمال» وتبقي على خياراتها مفتوحة... 


... كانت قد تصدّرت عناوين الأخبار في صغرهاء عندما هربت من ثانوية 
بيدايلز لمدّة سبعة أيّام, ما أطلق حملة إنقاذ واسعة للبحث عنها... وقد 
أدخلت مصحة لإعادة التأهيل وهي في الخامسة والعشرين... 
وتجيبنا شارلوت ضاحكة, «كلّ ذلك بات من الماضيء هيّا, واصلوا عملكم, 
ليس هناك من شيء للرؤية هنا. لقد شهدت الكثير من المرح في شبابيء 
لكن» حان وقت الاستقرار الآنء وأقولها بصراحة إِنْني متلهّفة لذلك.» 
أكان ذلك مرحًا؟ سأل سترايك الصورة الجميلة الجامدة. مرح» وأنت 
تقفين على ذلك السطح الشاهق وتهدّدين بالقفز عنه؟ مرح» عندما الصلتِ بي 
من مستشفى الأمراض النفسيّة ورجوتني أن آتي لأخرجك منها؟ 


كان روس قد أنهى إجراءات طلاق معقّدة شغلت أعمدة صحافة 
الفضائح...» كنت أتملى لو كان في وسعنا تسوية الأمر حُبيًا من دون 


مكقرة دودة الحرير 245 


اللجوء إلى المحامين», يقول متنهّدًا... ومن جهتها تؤكّد شارلوت 
بحماس, (إِنّني متلهّفة لأن أصبح زوجة أب!.» 


(«لو أجبرتني على تمضية ليلة أخرى مع أولاد أنستيس يا كورم: أقسم 
بأنني سأردي أحدهما أرضًا.» وفي منزل لوسيء حين كانت شارلوت تقف في 
الحديقة الصغيرةء وهي تشاهد أبناء خت سترايك يلعبون كرة القدم» وتقول 
«لم هؤلاء الأطفال مزعجون لهذا الحدَ؟.» تذكر سترايك تعابير الاستهجان 
والصدمة التي ارتسمت على وجه أخته المستدير عندما سمعتها...) 

فجأةٌ ظهر اسمه في الصفحة. 


... بما في ذلك نزوتها المفاجئة مع الابن البكر لجوني روكبي» كورموران 
سترايك, الذي تصدّر عناوين الصحف في السنة الماضية... 


... نزوة مفاجئة مع الابن البكر لجوني روكبي... 

... الابن البكر لجوني روكبي... 

أغلق المجلّة بحركة مفاجئة ودسّها في وعاء القمامة. 

سب عشرة سنة من العلاقة المتقطّعة. ستّ عشرة سنة من العذاب» 
والجنون, والنشوة في بعض الأحيان. وفي نهاية المطاف - بعد أن تركته مرارًا 
وتكرارّاء لترتمي في أحضان رجال آخرين مثلما قد ترتمي نساء أخريات على 
سكّة القطار - هَجَرَهاء وبذلك انَّخْذ قرارًا حاسمّاء ولكن لا يغتفرء إذ كان هو 
المرجع الثابت والصامد في علاقتهماء وكأنّما ثمّة اتّفاق ضمنيّ بأنّه لن يتخلى 
عنها يومّاء ويحتمل نزوات شارلوت ونوبات طيشها كافّة. من دون أن يغضب 
أو يستسلم البنّة. لكن في تلك الليلة, بعدما واجهها بالأكاذيب التي روتها عن 
الطفل الذي تحمله في بطنهاء وثارت ثائرتهاء تحرّك بكل ثقل صبره وجلادته 
أخيرّاء وخرج من الباب لكن ليس قبل أن يتلقّى منفضة قذفتها غاضبةٌ في 
وجهه. 

لم تكن كدمة عينه قد شفيت بعد عندما أعلنت خطوبتها على 
روس. لم يستغرقها الأمر سوى ثلاثة أسابيع» فهي لا تعرف إلا طريقة واحدة 
لتعرّي نفسها: الثأر. والآن بزواجها هذاء توجّه له الضربة القاضيةء من دون 


246 روبرت غالبریٹ t.me/ktabpdf‏ 


أن تفكر في أنّها قد تندم شديدًا في وقت لاحق. ريّما كان أصدقاؤه لينعتوه 
بالمغرورء لكن في قرارة نفسه» كان يعي تمامًا أنّ صور مجلّة تاتلر» وتلك الجملة 
القاتلة عن «نزوتهما» العابرة كانت كالسهام السامّة المصوّبة نحوه (كان في 
وسعه أن يسمعها وهي تعلن لصحافيّ أخبار المجتمع التافه: (إِنّه ابن جوني 
روكبي»)» وكذلك الأمر بالنسبة إلى قصر كروي اللعين... كل ذلك أجل كل 
ذلك مسرحيّة قاسية وممنهجة. كانت تريده أن يتعذّبء أن يشاهدها ويراهاء 
أن يندم ندمًا مريرًا على انفصالهما. أمَا روس فكانت تعرفه عن ظهر قلب, 
وقد أخبرت سترايك مرا 00 عن إدمانه الكحول وعن عنفه - أسرار ولكن 
مكشوفة للجميع. كانت تتبّع أخبار انحطاطه الأخلاقيّ على مرٌ السنينء بفضل 
شبكة أرستقراطيّيها محبّي النميمة والذين زؤّدوها ا وقد ضحكت 
متنفّسة الصعداء, إذ نجحت في التخلّص منه. ضحكت, لا بل قهقهت عالبًا! 

أضحية في ثوب رسميٌ براق تقدّم نفسها بنفسها. «أنظر إليّ أحترة 
يا حُبّي.» سيُعقد الزفاف بعد عشرة أيَام, وإذا كان سترايك واثقًا من أي شيء 
في حياته, فهو أنه إذا اتصل بشارلوت في هذه اللحظة ليقول لهاء «أهربي 
معي» - حتّى بعد مشادّاتهما البذيئة. والأوصاف الكريهة التي أطلقتها 
عليه والأكاذيبء والمشاحنات وأطنان الأمتعة الموضّبة للرحيل فالعودة 
فالرحيل مجدّدًا والتي انتهت علاقتهما بالانهيار تحت ثقلها - فهي حتمًا 
ستقول: نعم. هاجس الهروب يدفعها منذ الولادة» وصوب ذراعي سترايك 
على وجه التحديد. معه فقط, تجد الحرّية والاستقرار في أن واحد. بعد كل 
من صراعاتهما - لقضيا منذ زمن طويل لو كانت الكلمات لتطعن حتّى الموت 
- كانت تردّد على الدوام: أنا بحاجة إليك. أنتَ كلل حياتي, وتعرف ذلك. بين 
أحضانك فقط أشعر بالأمان» وليس في أيّ مكان آخرء يا حُبِي... 

سمع سترايك الباب الزجاجيّ يُفتح ويُغلق, ومن ثم أصوانًا مألوفة: 
دخلت روبن» ونزعت معطفهاء وملأت الغلاية. 

تلطالما كان العمل خلاصه. كانت شارلوت تكره قدرته على الانتقال 
من سورات الغضب المجنونة والعنيفة» ومن دموعها وتوسلاتها وتهديداتهاء 
إلى أحد ملقاته أو قضاياه. لم تتمكن قط من ثنيه عن ارتداء لباسه العسكري 


مكتبة دودة الحرير 217 


أو منعه من العودة إلى العمل؛ ولم تنجح البثّة في إجباره على الابتعاد عن 
أحد التحقيقات. كانت تكره طبعه الجدّيء كما واهتمامه بالجيش وولاءه له, 
وقدرته على إبعادها عن مشاغله هذه؛ وتعتبر ذلك خيانة وهجرانًا. 

في صباح الشتاء المثلج هذاء وهو جالس في مكتبه برفقة صورها في 
سلّة المهملات. شعر سترايك بتوقٍ إلى السفر بعيدًا. كان يتمنّى أن يطلب 
إليه التحقيق في قضيّة خارج البلاد. في قارّة أخرى. لقد سئم من تعقّب 
الأزواج الخائنين وصديقاتهم, أو إقحام نفسه في الخلافات الوضيعة بين 
رجال الأعمال. ثمَة موضوع واحد فقط قد يستحوذ على كيانه بقدر ما تفعل 
شارلوت: الموت العنيف. 

«صباح الخير »» قال وهو يدخل المكتب الخارجيّ بمشية عرجاء. حيث 
كانت روبن تعد كوبين من الشاي, «علينا أن نسرع في شربهما. سنخرج.» 

«إلى أين؟» سألت روبن متفاجئة. 

كان الثلج الذائب يسيل على النوافذ. منذ قليل؛ حينما كانت تسير 
على عجل رغم الأرصفة الزلقة, متلهّفة للدخول إلى المكتبء شعرت بالبرد 
يلسع وجهها وما زالت تشعر به. 

«لدينا عمل كثير للإنجاز. بشأن قضيّة كواين.» 

كانت كذبة. فالشرطة قد استلمت زمام الأمور. ثمّ. ما عساه يفعل 
أكثر منهم؟ ومع ذلك فقد كان سترايك يعرف في قرارة نفسه أنّ أنستيس 
يفتقر إلى الحسّ الذي يشتمّ الغريب والملتوي. وهذا عنصر أساسيّ لحل 
معضلة خارجة عن المألوف كهذه. 

«لديك موعد مع كارولين إينغلز في العاشرة.» 

«اللعنة. سأرجئ موعدها. يعتقد فريق الطبّ الشرعيّ أنّ كواين توفي 
بعد اختفائه مباشرةً. » 

شرب جرعة من الشاي الساخن والثقيل. لم ترّه روبن بهذا العزم 
والحيوية منذ وقت طويل. 

«لهذاء هم يركزون الآن على الأشخاص الذين اطَّلعوا على المخطوطة, 


ويجب أن نحذو حذوهم. أريد أن أعرف أين يقيم هؤلاء, وإذا كانوا يقيمون 


248 روبرت غالبریٹث t.me/ktabpdf‏ 


بمفردهم أم لا. ثم سنذهب لاستطلاع منازلهم» لكي نتحقّق ما إذا كان من 
السهل على شخص أن يتسكّع هناك وهو يحمل كيسًا مليئًا بالأمعاء بدون أن 
يلاحظه أحد. يجب أن نتأكد أيضًا من وجود أماكن في الجوار قد يدفنون فيها 
الأدلّة أو يحرقونها.» 

لم يكن ذلك بالكثيرء لكن, لم يكن لديه من عمل آخر يقوم به. بيد أنّه 
كان متلهّقًا للقيام بأيّ شيء قد يشغل انتباهه. 

وأضاف قائلًاء «ستأتين معي. لطالما كنت بارعة في هذه الأمور.» 

«إذاء سأؤدّي دور واطسون يا سيّد هولمز؟» قالت بعدم اكتراث 
متعمّد. فالغضب الذي انتابها لدى خروجها من حانة كامبريدج بالأمسء لم 
يهدأ بعد. «ماذا لو بدأنا بالبحث عن عناوينهم على الإنترنت؟ فقط لنحصل 
على خارطة محدّدة للمكان عبر غوغل إيرث.» 

«أجلء تفكير سليم»» قال سترايك وهو يعاود الانضمام إليهاء «لماذا 
نتكبّد عناء السفر بينما يمكننا الاكتفاء بتفخُص صور انتهت صلاحيّتها؟» 

شعرت بالإهانة فردّت: 

«يسعدني أن ألاحظ...» 

«جيّدء سألغي موعد إينغلز. وأنتِ من جهتكء إبحثي على الإنترنت 
عن عناوين كريستيان فيشرء وإليزابيث تاسيلء ودانيال تشاردء وجيري 
والدغريف, ومايكل فانكورت. بعد ذلك, نسرع إلى كليم أتلي كورت ونقارب 
الأمور هناك, من منظار شخص يريد إخفاء الأدلّة. أثناء مروري ليلا بالمنطقة, 
رأيت كثيرًا من مستوعبات القمامة والشجيرات... وانّصلي أيضًا بمكتبة 
بريدلينغتون في بوتني. يمكننا أن نتحدّث إلى الرجل المسنّ الذي زعم أنّه 
التقى بكواين في الثامن من الشهر.» 

عاد سترايك بخطى سريعة إلى مكتبه وجلست روبن أمام حاسوبها. 
كان الوشاح الذي علّقته لتوّها يقطر ماءً مثلّجًا على الأرض, لكنّها لم تلاحظ 
ذلك حنّى. ظلّت ذكرى جنّة كواين المشوّهة تلاحقهاء لكنّها كانت تتوق إلى 
معرفة المزيد وكشف كل تفاصيل الجريمة (حنّى ولو لم تكن تجرؤ على إخطار 
ماثيو وكأنها تكتم سرًا شائنًا). 


كتبة دودة الحرير 249 


ولكن ما كان يُغضبها فعلًا هو أنّ سترايك والذي يفترض به أن يفهمها 
أكثر من أيّ شخص آخرء كان يرفض أن يرى أنّهما يتشاركان الشغف عينه. 


t.me/ktabpdfF 


25 


وإنّما الأمر هكذاء عندما يكون المرء مُحبًا 
للرسميّات عن جهلء يقدّم الخدمات ولا 
يعرف لماذا... 


بن جونسون, «إبيسين أو المرأة الصامتة» 


غادرا المكتب تحت دفقة مفاجئة من تُدف الثلج الخفيفة» وكانت روبن 
تحتفظ بمختلف العناوين التي استقتها من دليل على الإنترنت في هاتفها. 
أراد سترايك أن يعاود زيارة تالغارث رود أُوَلَاه لذا أبلغته روبن بنتائج أبحاثها 
وهي واقفة في المترو. كان مليئًا ولكن ليس مزدحمّاء إذ مضت ساعة الذروة. 
ملأت رائحة الصوف الرطب والسخام وقماش الغورتكس خياشيمهما وهما 
يتحدّثان» ويتشبّثان بالعمود عينه الذي يتعلق به ثلاثة إيطاليين كئيبي 
الملامح. 

«الرجل المسنّ الذي يعمل في المكتبة في إجازة»» أبلغت روبن 
سترايك» «وسيعود يوم الاثنين المقبل.» 

«حستاء سنتركه حنّى ذلك الحين. ماذا عن الآخرين من المشتبه بهم؟» 

تعجّبت لدى سماعها تلك اللفظة, لكنّها قالت: 

«كريستيان فيشر يقيم في كامدين مع امرأة في الثانية والثلاثين - 
أتعتقد أنّها حبيبته؟» 


مكتبة دودة الحرير 251 


«ربّما»؛ وافقها سترايك, «ولكنّها مشكلة... فالقاتل بحاجة إلى السلام 
والعزلة للتخلّص من الملابس الملطّخة بالدم - من دون ذكر نحو سنّة 
كيلوغرامات من الأمعاء البشريّة. أنا أبحث عن مكان يمكن أن يدخله المرء 
ويخرج منه من دون أن يراه أحد.» 

«تفځگصتٌ صور المبنى بفضل غوغل ستريت فيو»», قالت روبن بشيء 
من الحذر, «لتلك الشقّة مدخل مشترك مع ثلاث شقق أخرى.» 

«وتبعد أميالًا عن تالغارث رود.» 

«لكتك لا تعتقد حقًا أنّ كريستيان فيشر هو الفاعلء أليس كذلك؟» 
سألت روبن. 

«يصعب تصديق ذلك»». اعترف سترايكء, «فهو لا يكاد يعرف كواين - 
وهو غير مذكور في الكتاب...» 

ترجَّلا في هولبورن» حيث أبطأت روبن وبكياسة تامَة» سرعة مشيها 
لتتوافق مع مشية سترايك, ولم تعلق على خطاه العرجاء أو طريقته في 
استخدام جذعه لدفع نفسه إلى الأمام. 

«ماذا عن إليزابيث تاسيل؟» سأل بينما كانا يسيران. 

«تقيم في فولهام بالاس رود؛ بمفردها.» 

«جيّد»» قال سترايك. «سنذهب ونلقي نظرة» ونتحقّق ما إذا كانت 
أحواض زهورها قد تُبشت حديثًا.» 

«ألا تقوم الشرطة بذلك حاليًا؟» سألت روبن. 

قطب سترايك حاجبيه. کان يشعر بأنّه يتسلّل إلى أطراف القضيّة كابن 
آوى» على أمل أن تترك الأسود بقيّة لحم أو عظمة. 

«ربّماء وربّما لا. فأنستيس يعتقد أنّ ليونورا هي القاتلة, وعادةً لا يغيّر 
رأيه بسهولة. أعرفه تمامًاء فقد عملت معه على إحدى القضايا في أفغانستان. 
وعلى ذكر ليونورا...»» أضاف عَرَضَّاء «إكتشف أنستيس أنّْها كانت تعمل في 
حانوت جزارة.» 

«آهء تيًا!», قالت روبن. 


252 روبرت غالبریٹث t.me/ktabpdf‏ 


إبتسم سترايك ابتسامة عريضة. ففي لحظات التوثّرء تصبح لهجتها 
اليوركشايريّة أكثر وضوحًا. 

ركبا مترو خط بيكاديلي بانّجاه بارونز كورت؛ كان هناك المزيد من 
المقاعد الشاغرة. شعر سترايك بالارتياح فيما ارتمى على أحدها. 

«جيري والدغريف يقيم مع زوجته» أليس كذلك؟» سأل روبن. 

«أجلء إذا كانت فعلًا فينيلًا الشهيرة. يقيمان في هازليت رود» في 
كينسنغتون. وتشغل المدعوّة جوانا والدغريف شقّة في الطبقة السفليّة...» 

«إبنتهما»» قال سترايك. «إنها روائيّة ناشئة. كانت في حفل روبر 
تشارد. وماذا عن دانيال تشارد؟» 

«ساسيكس ستريت, في بيمليكوء مع زوجين؛ نينيتا وماني راموس...» 

«هما من الخدم كما أتصوّر.» 

«... ولديه عقار في ديفون أيضًا: تايثبارن هاوس.» 

«ويُفترض أنّه قابع هناك الآن بعد أن أصيب بكسر في ساقه.» 

«ومايكل فانكورت غير مُدرج في الدليل». ختمت روبنء «لكن» يمكن 
الحصول على معلومات كثيرة عنه عبر الإنترنت. إِنّه يمتلك منزلًا إليزابيثي 
الطراز في ضواحي تشو ماغناء يعرف بأندسور كورت.» 

«تشو ماغنا؟» 

«في سومرسيت. يقيم هناك مع زوجته الثالثة.» 

«بعيد بعض الشيء. يصعب الذهاب إليه اليوم». قال سترايك متأسّفًا. 
«ألا توجد شقّة للعازبين مثلا قرب تالغارث رود حيث يمكنه أن يخرن أحشاء 


فى الثلاجة؟» 
«لم أجد شيئًا.» 


«إذًا أين كان يقيم يوم ذهب لتقصّي مسرح الجريمة؟ أو أنّه تكبّد عناء 
الرحلة ذهابًا وإياباء مدفوعًا بحنين مفاجىء لزيارة المكان؟» 

«هذا إذا كان هو بالفعل.» 

«أجلء إذا كان هو... وهناك كاثرين كينت أيضًا. نعرف أين تسكن 
وأنّها تقيم بمفردها. لقد نزل كواين في جوار بيتها في ليلة الخامس من 


مكشة دودة الحرير 253 


الشهرء كما قال أنستيس, لكنّها لم تكن موجودة حينذاك. ربّما نسي كواين 
أنها عند أختها المريضة». قال سترايك وكأنّه يفكر بصوت عالٍء «وربّما توجّه 
بعد ذلك إلى تالغارث رود بعدما تبيّن له أنّها غير موجودة في البيت. وربّما 
عادت من قسم العناية للقائه هناك. سنلقي نظرة حول مسكنها لاحقًا.» 

في المترو الذي كان يقلّهما بانّجاه الغربء أخبر سترايك روبن عن 
الشاهدين المختلفين اللذين ادّعى أحدهما أنّه شاهد امرأة ترتدي برقعًا وهي 
تدخل المنزل في الرابع من تشرين الثاني /نوفمبر» فيما اعت الشاهدة 
الأخرى أنّها رأت كواين نفسه وهو يغادر المنزل في ساعات الصباح الأولىء 
في السادس من الشهر .» 

«لكنّ أحدهما أو كليهما 0 أن يكون مخطئًا أو كاذيًا». عاد فاستنتج. 

«امرأة ترا تدي برقعًا. هل تعتقد...»., قالت روبن متردّدة, «أنّ الجار 
مصاب بزهاب المتشدّدين في الدين؟» 

كان عملها لدى سترايك قد فتح عينيها على مجموعة المخاوف 
المَرضيّة والأحقاد التي تعتمل في صدور عامّة الناس. وهذا ما كان جديدًا 
بالنسبة إليها. بعد قضية لاندري والدعاية التي واكبتهاء كانا قد تلقيا كما 
هائلا من الرسائل والتي أقلقت روبن تارةٌ وأضحكتها طورًا. 

مَة مَن توسّل سترايك لكي يوظف مواهبه العظيمة في التحقيق في 
مسألة هيمنة «اليهوديّة الدوليّة» على النظام المصرفيّ العالمي؛ طبعًا كان 
يأسف إذ لن يستطيع الدفع لقاء تلك الخدمة. لكنّ سترايك سيحصل في 
المقابل على استحسان الرأي العامّ. من جهة أخرى, كتبت سيّدة شابّة رسالة 
من اثنتيٌ عشرة صفحة؛ من مصحة نفسيّة تحت مراقبة مشدّدة, تطلب إلى 
سترايك مساعدتها في الإثبات بأنّ كل أفراد عائلتها قد اختطفوا واسثبدلوا 
بأشخاص مطابقين لهم. أيضًاء طلب مُرسل مجهول أن يعمد سترايك إلى فضح 
الفظاعات التي ترتكبها بدعة شيطانيّة على قياس الوطن» تحت ستار مكاتب 
الاستشارة الاجتماعية والقانونيّة. 

«ربّما يكونون مختلّين»» وافقها سترايك. «فهذا النوع يهوى كل ما 
يتعلّق بالجرائم. ذلك يجعله موضع اهتمام الجميع.» 


254 روبرت غالبریٹث t.me/ktabpdf‏ 


كان هناك شابّة محجّبة تستمع إلى حديثهما من مقعد مقابل. كانت 
ذات عينين كستنائيّتين» واسعتين وجميلتين. 

«إذا افترضنا أن هناك من دخل المنزل في الرابع من الشهرء فالبرقع 
طريقة مثلى للدخول والخروج من دون أن يلاحظه أحد. أيمكنك التفكير في 
طريقة أخرى لإخفاء وجهك وجسمك تمامّاء من دون أن تثير فضول المارّة؟» 

«وذلك الشخص كان يحمل طعامًا جاهرًا آنَيًا من مطعم حلال؟» 

«بحسب أقوال الشاهد. هل كانت تلك وجبته الأخيرة؟ ألهذا السبب 
نزع القاتل أحشاءه؟» 

«وتلك المرأة...» 

«يمكن أن يكون رجلّا...» 

«... شوهدت وهي تغادر المنزل بعد ساعة.» 

«هذا ما قاله أنستيس.» 

«إذاء هي (أو هو) لم تكن تنتظر كواين؟» 

«لا؛ لكنها (أو لكنّه) ربما كانت منهمكة بتحضير المائدة»» قال سترايك. 
فجفلت روبن. 

ترجلت الشابة المحجبة عند غلاوستر رود. 

«أشك في وجود كاميرات مراقبة في مكتبة صغيرة»» قالت روبن 
متنهدة. منذ قضيّة لاندري» أصبحت جد متنّبهة لأجهزة المراقبة. 

«لو كانت موجودة, لذكر أنستيس ذلك»» وافقها سترايك الرأي. 

خرجا من محطة بارونز كورت ليواجها عصفة ثلج ثانيةً. بعيون نصف 
مغمضة للاحتماء من ندف الثلج التي ما انفكّت تلسع وجهيهماء شقًا دربهما 
نحو تالغارث رودء وفق إرشادات سترايك. الذي تزايد ندمه لعدم امتلاك 
عكاز. عند خروجه من المستشفىء, كانت شارلوت قد قدّمت له عصًا جميلة 
من ملقاء تحفة عريقة زعمت أنّها كانت عائدة إلى جدّها. كانت تلك العصا 
قصيرة بالنسبة إلى سترايك: ما جعله يميل إلى اليمين عندما يسير. حين 
نقلت أغراضه من الشقّة. نسيت توضيب العصا الشهيرة معها. 


مكتبة دودة الحرير 255 


عندما اقتربا من الرقم 179 بدا واضحًا أنّ فريق الطب الشرعي لا 
يزال منهمكا في المنزل. كان شريط أصفر يعترض المدخلء ووقفت شرطيّة 
واحدة تحرس المكان وذراعاها مكتوفتان بإحكام في محاولة للاستدفاء. عند 
دنؤهماء أدارت رأسها وسرعان ما تجهّمت لرؤية المحّق. 

«سيّد سترايك»» قالت بجفاء. 

إلتفت شرطيّ أصهب بلباس مدني كان يحادث أحد الأشخاص في 
الداخلء فرأى سترايك بدوره وهبط الدرجات الزلقة سريعًا. 

«مرحبًا», قال سترايك بدون مجاملات. وجدته روبن غاية في الوقاحة, 
لكنّها احتارت بين الإعجاب أو التوجّسء لأنّها كانت تحترم القانون بالفطرة. 

«ماذا تفعل هنا مجدّدًا. يا سيّد سترايك؟» سأل الأصهب بلسان معسول 
وهو يحملق في روبن بطريقة اعتبرتها شبه مسيئة» «لا يمكنك الدخول.» 

«هذا مؤسف». أجاب سترايك» «في هذه الحال» سنقوم بمعاينة 
الجوار.» 

تجاهل سترايك الشرطيين اللذين سكرا أنظارهما فيهء وتقدّم بخطى 
عرجاء نحو المنزل رقم 183 وفتح بؤابته قبل أن يصعد درج مدخله. لم يغد 
أمام روبن إِلَا أن تتبعه. فعلت ذلك بخجل ورهبة إذ شعرت بالأنظار التي 

«ما الذي نفعله؟» تمتمت عندما وصلا إلى الظلّة القرميديّة التي 
أخفتهما عن عيون الشرطة. بدا المنزل فارعًا لكنّ روبن كانت تخشى أن يُفتّح 
باب المدخل فجأة. 

«أتحقّق إن كان بإمكان المرأة المقيمة هنا أن تلمح حقًا شخصًا تلفّه 
عباءة ويحمل جرابًا كبيراء وهو يغادر المنزل رقم 179 عند الثانية فجرًا», 
قال سترايك. «أتعرفين؟ أعتقدها قادرة على ذلك, ما لم يكن مصباح الشارع 
معطلًا. والآنء لنجرّب الجانب الآخر.» 

«الجوٌ باردء أليس كذلك؟» قال للشرطية العابسة ورفيقها عندما مرّ 
وروبن أمامهما ثانيةٌ بهدف استكمال جولة التفتيش. ثمّ أضاف بصوت خافت 


256 روبرت غالبریٹ t.me/ktabpdf‏ 


متوجَهًا إلى روبن: «قال أنستيس على بعد أربعة منازل إذّا يكون المقصود... 
رقم 171.» 

كرّر سترايك المناورة عينهاء وروبن في إثره كالكلب الصغير. 

«كنت أتساءل ما إذا كان الشاهد قد أخطأ في تحديد المنزل. لكن, 
ثمّة حاوية قمامة بلاستيكيّة حمراء أمام المنزل 177. إن كانت ذات البرقع 
قد صعدت درج المنزل 179» مباشرة خلف هذه الحاوية: فمن السهل أن...» 

فجأةء فتح باب المدخل. 

«هل لي بمساعدتكما؟» سأل بكلّ أدب رجل يرتدي نظارة عتيقة 
وسميكة. 

عندما أخذ سترايك يعتذر زاعمًا أنّهما أخطاً المنزل. صاح الشرطيّ 
الأصهب الذي كان لا يزال يقف كالصنم عند مدخل المنزل 179 ببعض 
الكلمات غير المفهومة. إذ لم يتلق من جواب, تجاوز الشريط البلاستيكيّ 
الذي كان يعترض مدخل المنزل» وراح يركض نحوهم. 

كان يصيح كالمغقّل وهو يشير إلى سترايك: «هذا الرجل ليس شرطيًا!» 

«لكنّه لم يزعم العكس»» رد ذو النظارة متعجّيًا. 

«أعتقد أنّنا فرغنا من هنا», قال سترايك لروبن. 

بطريق العودة إلى محطة المتروء سألته روبن التي كانت تستمتع 
بوقتها وإِنّما تتشوّق لمغادرة المكان: «ألستَ قلقًا مما قد يقوله صديقك 
أنستيس» متى علم بأنّك تنقًّب خلسةً حول مسرح الجريمة؟» 

«أشك في أن يسرّه ذلك.» قال سترايك وعيناه تجوبان المكان بحئًا عن 
كاميرات مراقبة: «لكنّ إبقاء أنستيس مسروراء ليس جزءًا من عملي.» 

«لقد كان عادلًا معك حينما أطلعك على نتائج تحاليل الطب الشرعي»» 
لمحت روبن. 

« فعل ذلك في محاولة لمنعي من استكمال القضيّة. فهو يعتقد أن كل 
القرائن تشير إلى ليونورا. والمشكلة أنه محق... حتّى الآن.» 

كان الطريق الرئيس مزدحمًا بالسيّارات, ومْراقَبًا بكاميرا واحدة تبعًا 
لما رآه سترايك. لكنّ شوارع جانبيّة كثيرة كانت تتفرّع عنه» وبالتاليء» يمكن 


مكتبة دودة الحرير 257 


لأيّ شخص يرتدي عباءة غجريّة أو برقعًاء أن يعبر من هنا ويتوارى عن الأنظار 
من دون أن يتعرّف إليه أحد. 

إبتاع سترايك كوبي قهوة من مقهى مترو الكائن في مبنى المحطة. 
من ثم عاود وروبن عبور الردهة الخضراء الزاهيةء وقاعة آلات توزيع التذاكر 
الأوتوماتيكيّة, وسلكا بانّجاه ويست برومبتون. 


«عليك أن تتذگري أمرًا مهمًا». قال سترايك عندما وقفا عند محطّة 
إيرلز كورت في انتظار تغيير الحافلة. كانت روبن تراقب خلسةً طريقة استناد 
سترايك» وبكامل وزنه» على ساقه اليسرى السليمةء «إختفى كواين في الخامس 
من الشهر. أيء ليلة المفرقعات الناريّة.» 

«ولكن, طبعًا!» هتفت روبن. 

«سيلٌ من أنوار وصوت مفرقعات»», قال سترايك وهو يبتلع محتوى 
كوبه على عجلء قبل أن يركبا المترو. فهو لم يكن واثقًا من قدرته في الحفاظ 
على توازنه الخاصٌ كما واستقرار كوب القهوة مع تلك الأرضيّة الرطبة 
والمجلّدة. «تتصوّرين الأجواء: الأسهم الناريّة المنطلقة من كل صوبء 
والناس المسحورون بروعة المشهد. لا عجب إِذًا إن لم يلاحظ أحد دخول 
شخص مغطى بعباءة إلى المنزل, في ذلك المساء.» 

«تقصد كواين؟» 

«ليس بالضرورة.» 

راحت روبن تتأمّل في كلامه الأخير. 

«أتعتقد أنّ أمين المكتبة قد كذب حين أكد بأنّه رأى كواين في 
متجره؛ في الثامن من الشهر؟» 

«لا أعرف»» أجاب سترايك. «ما زال الوقت مبكرًا جدًا للجزم, أليس 
كذلك؟» 

لكنه أدرك أنه مقتنع بذلك في اللحظة التي تلفّظ فيها بالكلمات. 
فالنشاط المفاجئ حول المنزل المهجور في الرابع والخامس من الشهرء يحمل 
دلالات كثيرة. 


258 روبرت غالبریث t.me/ktabpdf‏ 


«الأشياء التي يلاحظها الناس تثير الضحك»» قالت روبن وهما يصعدان 
الدرج الأحمر والأخضر في محطة ويست برومبتون, وقد أخذ سترايك يتجهم 
كلّما وطأت قدمه اليمنى الأرض. «الذاكرة هي من الأمور الغريبة: أليس...» 

شعر فجأةً بألم شديد وحادٌ في ركبته» ما جعله ينهار بملاصقة درابزين 
الجسر الذي يعلو السكك الحديديّة. أمَا الرجل الذي كان يسير خلفه مباشرةٌ 
ويرتدي بدلة, فأطلق شتيمة بنفاد صبر إذ كاد يتعفّر بتلك العقبة الضخمة غير 
المتوقّعة. كانت روبن قد تقدّمت بضع خطوات, وهي لا تزال تتحدّث, قبل 
أن تدرك أنّ سترايك لم يعد بجانبها. عادت أدراجها سريعًا لتجده متشبّئًا 
بالدرابزين. كان وجهه شاحبًا ويتصبّب عرقًاء في حين أجبر المشاة على 
الالتفاف ما حوله لمتابعة طريقهم. 

«شعرث بمزق في ركبتي», قال وهو يكرّ على أسنانه. «اللعنة... 
اللعنة!» 

«سنستقل سيّارة أجرة.» 

«لن تجدي واحدة في هذا الطقس السيّىء.» 

«إذَاء لنعد إلى المترو ونتوجّه إلى المكتب.» 

«لا أريد أن...» 

لم يشعر يومًا بعجزه كما في تلك اللحظة, وهو يقف على الجسر الشبكيّ 
الحديديّ, تحت القبّة الزجاجيّة التي غطّاها الثلج. في الأيّام الخوالي» كانت 
لديه سيّارة يقودها متى شاء. وكان في وسعه أن يستدعي الشهود إلى مكتبه. 
كان ينتمي إلى مكتب الأمن البريطانيّ؛ وهو مَن يقرّر كل الأمور ويتحكم بها. 

«أنا جنّ آسفة. ولكئنا بحاجة إلى سيّارة أجرة»؛ ألحّت روبن بحزم. 
«المسافة غير بعيدة من هنا إلى ليلي رود. هل لديك...» 

ترددث لبرهة. فهما لا يذكران إعاقة سترايك البتّةء إلا مواربة. 

«أليس لديك عصا؟» 

«أتمنّى لو لديّ»» قال بشفتين خدرتين. ما الجدوى من التظاهر؟ فهو 
يخشى المشي إلى آخر الجسر حتّى. 


مكتبة دودة الحرير 259 


«يمكننا شراء واحدة»» قالت روبن» «هي متوفرة في الصيدليّات. 
سنجد واحدة.» 

ثم بعدما تردّدت مجدّدّاء قالت: 

«إنّكى عليّ.» 

«وزني ثقيل.» 

«فقط حفاظًا على توازنك. إستعملني بمثابة عكاز. هيًا», قالت بحزم. 

وضع ذراعه على كتفيها. تقدّما ببطء على الجسر وتوقفا لتنفّس 
الصعداء عند المخرج. كان الثلج قد توقّف عن التساقط؛ لكنّ البرد أصبح 
أسوأ من ذي قبل. 

«لم لا توجد مقاعد هنا؟» سألت روبن وهي تستطلع المكان حولها. 

«أهلًا بكِ في عالمي»: قال سترايك ورفع ذراعه عن كتفها. 

«ما الذي حدث, برأيك؟» سألته روبن وهي تنظر إلى ساقه اليمنى. 

«إنّه لغز كامل. كانت ركبتي جدّ متورّمة هذا الصباح. ربّما لم يكن 
يجدر بي تركيب الساق البديلةء لكتّني أكره العكازين.» 

«حسئاء لا يمكنك أن تجرجر نفسك هكذا تحت الثلج إلى ليلي رود. 
سنوقف سيّارة أجرة لتقلّك إلى المكتب...» 

«لاء يجب أن أتصرّف». قال غاضيًا. «أنستيس مقتنع بان ليونورا هي 


المُذنبة» وهذا غير صحيح.» 
عندما يتألم المرء بهذا القدر, لا يبتغي اللفْ ولا الدوران بل يدخل 
صلب الموضوع مباشرة. 


«حستًا»» قالت روبن» «سنفترق وتعود أنت إلى المكتب في سيّارة 
الأجرة. هل يناسبك هذا؟» 

«لا بأس.» قال مهزومًاء «ستذهبين بنفسك إلى كليم أتلي كورت.» 

«ما الذي يفترض أن أبحث عنه؟» 

«كاميرات. أماكن حيث يمكن لكينت أن تخفي ملابس وأمعاء. من 
المستحيل أن تحتفظ بها في شقّتهاء بسبب الرائحة. إلتقطي صورًا بهاتفك - 


لکل ما قد يبدو مفيدًا...» 


260 روبرت غالبریث t.me/ktabpdf‏ 


فيما كان يتكلم؛ كان سترايك يفكر بأنّ ذلك غير كافء لکن كان عليه 
أن يفعل شيئًا ما. فجأةٌ وبدون أي إنذارء استعادت ذاكرته وجه أورلندو 
بابتسامتها الواسعة الخالية من التعبيرء وقردها الدمية الذي يطوّق عنقها. 

«وبعد ذلك؟» سألته روين. 

«تتوجّهين إلى شارع ساسيكس». قال بعد بضع ثوان من التفكير, 
«تفعلين الشيء نفسه. ثم تتّصلين بي لنلتقي في مكان ما. أوّد أيضًا أن 
تعطيني عنوان منزلّي تاسيل ووالدغريف.» 

ناولتّه قطعة ورق. 

«سأطلب لك سيّارة أجرة.» 

وسرعان ما ابتعدت وسط الصقيعء قبل أن يتمكن من شكرها. 


26 


على جليد هذه الأرصفة الزلقة يجب أن 

تكون الفمال | 

مزؤدة بمسامير, وإلَّا لدققتُ عنقي... 
جون ويبستر, «دوقة أمالفي» 


لحسن الحظء كان سترايك لا يزال يحتفظ بالخمسمئة جنيه التي أعطيت 
له مقابل أن يلحق الأذى بابن غانفري. طلب من سائق سيّارة الأجرة أن يقلّه 
إلى فولهام بالاس رود» حيث تقيم إليزابيث تاسيل» وفي طريقه إلى هناك 
استطلع الاتجاهات الصحيحة. كان من الممكن أن يصل إلى منزلها في غضون 
أربع دقائق فحسب. لو لم يلاحظ إحدى الصيدليّات. إنتظرته سيّارة الأجرة 
بمحاذاة الرصيف, وحين خرج من الصيدليّة بُعيد ذلك كان يمشي بسهولة 
أكبر بفضل العصا القابلة للتعديل التي ابتاعها. 

بحسب تقديراته, أي امرأة سليمة يمكن أن تجتاز المسافة مشيًا في 
أقل من نصف الساعة. ومع أنّ إليزابيث تاسيل تقيم في مكان أبعد عن مسرح 
الجريمة؛ مقارنة بكاثرين كينت, فإنّ سترايك والذي يعرف المنطقة جيّدًا. كان 
واثقًا من أنّها تستطيع سلوك الشوارع السكنيّة الخلفيّة لتتجئّب الكاميرات. 
حتّى ولو كانت لتركب السيّارة. فلن يلاحظ أحد مرورها من هناك. 


262 روبرت غالبریث t.me/ktabpdf‏ 


بدا بيت تاسيل شاحبًا وقديمًا في هذا الضباب الشتائيّ: منزل 
فيكتوري الطراز من القرميد الأحمرء شأنه شأن منازل تالغارث رود» لكن بدون 
طابع أو لمسة ابتكاريّة. كان مبنيًا عند زاوية الشارع: أمامه حديقة مبللة, 
تغزوها شجيرات اللرّان المفرطة النموّء ما يضفي عليها شيئًا من الكآبة. تساقط 
المطر الثلجيّ ثانيةٌ بينما وقف سترايك ينظر من فوق بوّابة الحديقة, وهو 
يحاول أن يحافظ على شعلة سيجارته بتكوير يديه حولها. للبيت حديقتان, 
أماميّة وخلفيّة. وكلاهما محجوب عن مرأى عامّة الناس بشجيرات داكنة 
ترتعش تحت ثقل المطر المنهمر. كانت النافذة العلوية للمنزل تشرف على 
مدافن فولهام بالاس رود؛ منظر مثير للكآبة. حيث تمتدّ أغصان الأشجار 
العارية كأذرع هياكل غظميّة نحو السماء البيضاء» وتنتشر شواهد القبور 
القديمة صفوفًا لا متناهية. 

وهل يمكن تصؤر إليزابيث تاسيل ببذلتها السوداء الأنيقة. وشفتيها 
الملؤنتين بأحمر صارخ, وغضبها الواضح والعلنيّ تجاه أوين كواين» وهي تعود 
إلى بيتها الكئيب هذا تحت جناح الظلام» تعلو ملابسها بقع الدم والحمض. 
وتحمل كيسا مليئًا بالأمعاء؟ 

كان البرد يعض رقبة سترايك وأصابعه بضراوة. أطفاً عقب سيجارته 
في الأرض وطلب من سائق سيّارة الأجرةء الذي كان يراقبه بفضول مشوب 
بالارتياب وهو يتفخّص منزل إليزابيث تاسيلء أن يقلّه إلى هازليت رود في 
كينسنغتون. عندما استراح على المقعد الخلفيْ» ابتلع المسكنات التي 
شتراها من الصيدليّة. 

كانت سيّارة الأجرة تفتقد إلى التهوئة, ما جعلها تعبق بروائح العفونة 
التبغ البائت» والغبارء والجلد القديم. بإيقاع رتيب شبيه بإيقاع ضابط 
الموسيقى, كانت المسّاحتان تضربان الزجاج الأماميّ بلا هوادة. فتمسحان 
بانتظام الغشاوة التي تشوّش معالم شارع هاميرسميث. شارع واسع تحف 
بجانئيه مباني المكاتب الصغيرة وصفوف متلاصقة من المنازل ذات 
الشرفات. من خلف الزجاجء لمح سترايك دار الناصرة للرعاية - قرميد أحمر 
من جديد - ومبانيها التي تشبه الكنائس الصغيرة بهدوثها وأمانهاء وإِنّما أيضًا 


مكتبة دودة الحرير 263 


أسيجتها الأمنيّة ومراقب الحرّاس» وجميعها يرسم حدود فاصلة وواضحة بين 
النزلاء المرضى وباقي العالم. 

أخيرًاء ظهر بلايث هاوس عبر الزجاج المغشّى؛ بناء كبير يشبه القصر 
بمعالمه. مع قبّتيه البيضاوين. بدا ككعكة ميرينغ عملاقة؛ بيضاء مائلة إلى 
الزهريّء تحت السماء الرماديّة الماطرة. تذكر سترايك أنّه بات اليوم مخزنًا 
لأحد المتاحف اللندنيّة الكبيرة. إنعطفت سيّارة الأجرة يمينا إلى هازليت 
رود. 

«إلى أي رقم؟» سأل السائق. 

«لقد وصلت.» أجاب سترايك الذي لم يشأ النزول أمام باب المنزل 
مباشرةً. وما انفك يتذكر أنه يجدر به إعادة تسديد المبلغ الذي كان يبدّده. 
دفع للسائق وهو يستند إلى العصا التي كانت ولحسن الحظ؛ تنتهي بطرف من 
المطاط المضادّ للانزلاق. ودنا بخطى بطيئة من مسكن آل والدغريف. 

كانت المنازل السكنيّة تمتد على طول الشارع؛ ومعظمها مقسّم إلى 
شقق بأربعة طوابق بما فيها الطابق السفليَ؛ واجهات من القرميد الذهبيّء 
مداخل كلاسيكيّة مطليّة بالأبيضء درابزونات من الحديد المحفور» وعند 
النوافذ العلياء أكاليل من الأزهار المنحوتة. ما من حدائق أماميّة. بل فقط 
درجات تفضي إلى المساكن السقليّة. 

كانت أجواء الشارع توحي بمسحة خفيفة من الفوضىء أو حتّى لمسة 
من الغرابة التي تسم الطبقة المتوسّطة من الشعب: مجموعات عشوائية 
وغير متناسقة من النباتات والأزهار على إحدى الشرفات, ودرّاجة هوائيّة 
مسنودة إلى درابزون الثانيةء وملابس رطبة معلّق على حبل الثالثة, سرعان ما 
ستتجمّد إذ نُسيت تحت المطر الثلجيّ. 

كان والدغريف وزوجته يقيمان في أحد البيوت القليلة والتي لم تُحوّل 
إلى شقق. وعندما حدّق سترايك فيه تساءل عن الراتب الذي قد يتقاضاه 
محرّر وناشر بارزء ثم تذكر قول نينا: زوجة والدغريف «من عائلة ثريّة.» على 
شرفة الطبقة الأولى من منزل آل والدغريف (اضطر سترايك إلى عبور الشارع 
لمشاهدتها بوضوح). كرسيّان طويلان للاستلقاء, لل المطر قماشهما المطبّع 


264 روبرت غالبریث t.me/ktabpdf‏ 


بأغلفة كتب بنغوان القديمة, وإلى جانبهما منضدة حديديّة صغيرة من النوع 
الذي نجده في المطاعم الفرنسيّة الصغيرة. 

أشعل سترايك سيجارة أخرى وعبر الشارع ثانيةٌ ليلقي نظرة على الطابق 
السفليٌ حيث تقيم ابنة والدغريفء وهو يفكر: هل ناقش كواين محتويات 
بومبيكس موري مع محرّره قبل أن يسلّم المخطوطة؟ أيمكن أن يكون قد أسرٌ 
له بالمشهد الأخير من الرواية؟ وهل يمكن أن يكون المحرّر اللطيف - بنظارته 
ذات الإطار القرنيّ - قد وافق بحماسة وساعده في إتقان تفاصيل المشهد 
الأخيرء والأكثر دمويةء وهو يعلم بأنّه سيحؤّله إلى حقيقة ذات يوم؟ 

كانت هناك كومة من أكياس القمامة السوداء عند مدخل شقّة الطابق 
السفليّ. وكأنّ جوانا والدغريف قد أجرت تنظيقًا شاملًا. إستدار سترايك نحو 
الخمسين نافذة (أو هكذا قدّر عددها) المطلّة على باي منزل أسرة والدغريف. 
يجدر التمبّع بحظ خارق للدخول والخروج من منزل مكشوف كهذاء من دون 
لفت الانتباه. 

وإتماء ثمَة مشكلة هامّة, فكر سترايك بشيء من القنوط: حتى ولو رأى 
أحد الجيران» والدغريف متسلّلًا إلى منزله في الثانية فجرًا وهو يحمل كيسًا 
منتفحًا ومثيرًا للشبهات, فكيف له أن يُقنع هيئة المحلّفين بأنّ أوين كواين 
لم يكن حيًّا يُرزّق حينذاك؟ ثمّة شكوك كثيرة حول ساعة الوفاة. أضف أنّ 
القاتل حظي حنّى الآن, بحوالى تسعة عشر يومًا للتخلص من الأدلّة الكفيلة 
بإدانته. 

رى أين اختفت أحشاء أوين كواين؟ ماذا يمكن أن يفعل المرء, تساءل 
سترايك» بعدّة كيلوغرامات من أعضاء استُخرجت من جسم إنسان؟ أيدفنها؟ 
أم يلقيها في نهر؟ أم يرميها في مكب قمامة البلديّة؟ لا شك في أنّ الأحشاء 
صعبة الإحراق... 

فجأةٌ, فُتح باب منزل والدغريف وظهرت امرأة ذات شعر أسود 
وخطوط تجاعيد بارزة في جبهتها. كانت ترتدي معطفًا قصيرًا أحمر. هبطت 
سريعًا درجات المدخل الثلاث. وانقضّت كالمجنونة على المُحقّق. 


تة دودة الحرير 265 


«كنت أراقبك من النافذة طوال الوقت». صاحت في وجه سترايك 
الذي سرعان ما أدرك أنّها فينيلًاء زوجة والدغريف. «أيّة لعبة ماكرة هذه؟ 
ولماذا يهمّك منزلي لهذه الدرجة؟» 

«أنتظر الوكيل العقاري», كذب سترايك على الفورء من دون أن يُظهر 
أيّ ارتباك. «الشقّة السفليّة معروضة للإيجار, أليس كذلك؟» 

«أوه»: قالت متفاجئة. «لا... ليس هنا... بل تعد ثلاثة بيوت»», 
وأشارت بانّجاه المبنى المذكور. 

شعر بأنّها كانت توشك أن تعتذر لكنّها قرّرت عدم تكبّد العناء. مشت 
مختالة أمامه وهي تطقطق بحذائها العالي الكعب وغير المناسب البتّة 
للأحوال الجويّة السيّئة. إذ رآها تتّجه نحو سيّارة فولفو كانت مركونة على 
مقربة, لاحظ سترايك الجذور البيضاء في شعرها المصبوغ. كان لقاؤهما وجيرًا 
لكن, ليس ما يكفي ليجتبه أنفاس فينيلًا الكريهة العابقة بالكحول. كان يدرك 
تمامًا أنّها تستطيع مراقبته عبر مرآة السيّارة. لذاء مشى وهو يعرج في الانّجاه 
الذي دلته عليه. إنتظر ريثما ابتعدت الفولفو عن الرصيف وهي تكاد تصطدم 
بالسيتروين المركونة أمامهاء ثمّ سار بخطى حذرة إلى نهاية الشارع؛ لينعطف 
بعدها إلى الممرٌ المحاذي للجهات الخلفيّة من المنازل» حيث يمكن التبيّن 
من فوق أحد الجدران - شرط التمنّع بقامة طويلة - حدائق المنازل الصغيرة 
الخاضة. 

لم يكن هناك ما يُلحظ في حديقة منزل والدغريف سوى سقيفة 
قديمة. كانت المرجة فقيرة وذابلة تميل إلى الأصفر, لا يزيّنها سوى طقم 
من الأثاث الريفي المتهالك. إذ تأمَل سترايك بقطعة الأرض المُهمَلّة هذه, 
فكر بشيء من الاكتئاب» في سائر المكبّات, وكل الزوايا المخفيّة, أو المرائب 
والتي لا يعرف بها حتّى. 

عندما فر في المسيرة الطويلة أمامه. مشيًا تحت المطر المُثلج: تأوّه 
شديدًا في قرارة نفسه. تُرى ما الحل الأنسب؟ محطة كينسنفتون أوليمبيا 
وهي الأقرب» لم تكن لتفتح خط ديستركت الذي يحتاج سلوكه» إلا في عطلات 


266 روبرت غالبریث t.me/ktabpdf‏ 


نهاية الأسبوع. بما أنْ محطّة هاميرسميث موجودة فوق الأرضء فإنّ بلوغها 
سيكون أسهل من محطة بارونز كورت. لذاء قرّر اختيار الرحلة الأطول. 

ما كاد يجتاز شارع بلایث رود غامرًا مع كل خطوة على ساقه اليمنى, 
حتى رنّ هاتفه المحمول. كان أنستيس. 

«ما الذي ترمي إليه يا بوب؟» 

«ماذا تقصد؟» سأله سترايك بدون التوقّف على الرغم من الألم النابض 
في ركبته. 

«ما زلت تتسكع قرب مسرح الجريمة.» 

«ذهبت لألقي نظرة وحسب. للجميع الحق في التجول بحريّة. لم 
أرتكب أي سوء. » 

«كنت تحاول استجواب أحد الجيران...» 

«لم يكن يُفترض أن يفتح بابه», قال سترايك: «ولم أذكر كلمة واحدة 


عن كواين.» 

«إسمع يا سترايك...» 

سْرٌ المحقّق الخاصٌ لسماع أنستيس يناديه باسمه الحقيقيّ. فهو يكره 
اللقب الذي غالبًا ما يُطلقه عليه. 


«أنذرتك. عليك الابتعاد عن طريقنا.» 

«لا أستطيع يا أنستيس». قال سترايك من دون أي انفعال: «لديّ 
موكلة...» 

«إنس أمرها»: ردّ أنستيس, «أقتنع أكثر فأكثر بأنّها المذنبة مع كل 
معلومة جديدة نحصل عليها. إسمع نصيحتي. إنسحب من وكر الأفاعي هذا 
بأسرع ما يمكن وإِلا أثرتَ عداوات كثيرة. لقد أنذرتك وقد أعذر من أنذر...» 

«بالفعل»» قال سترايك» «لقد كنت واضحًا جدَّاء ولن يلومك أحد يا 
أنستيس.» 

«لا أقول هذا لتغطية نفسي»» صاح انستتی. 

واصل سترايك المشي بصمت» وهاتفه مشدود إلى أذنه. ويعد توف 


وجيزء تابع أنستيس: 


مكتبة دودة الحرير 267 


«لقد حصلنا على نتائج تحاليل السموم. ثمّة نسبة ضئيلة من الكحول 
في الدم» ولا شيء آخر.» 

«حستًا.» 

«سنرسل الكلاب إلى ماكينغ مارتشز بعد ظهر اليوم. نحاول أن نستبق 
تفاقم الأحوال الجويّة. يقولون بأننا سنشهد عواصف ثلجيّة.» 

كان سترايك يعرف أنّ ماكينغ مارشز أكبر مطمر للنفايات في المملكة 
المتحدة, وهو يخدم لندن, وتُنقل إليه النفايات المنزليّة والصناعيّة على حدّ 
سواء والتي تعاود الانحدار عبر نهر التايمز في طوفيّات بشعة. 

«أتعتقد أنّ القاتل رمى أحشاء كواين في مستوعب للقمامة؟» 

«بل في حاوية ردم. ثمَة ورشة ترميم على مقربة من تالغارث رود, 
وقد أقيم مستوعبان أمامها منذ الثامن من الشهر. ربّما لا تجتذب الأحشاء 
الذباب في هذا البرد القارس. لقد دفقنا في الأمر وعرفنا أنّ ردم الورش 
ينتهي في ماكينغ مارشز.» 

«أرجو لكم التوفيق إِذَا», قال سترايك. 

«أحاول أن أوفّر عليك الوقت والطاقة فحسبء يا صديقي.» 

«هذا لطف منك.» 

أقفل سترايك الهاتف بعد أن جامل أنستيس بكل رياءء, شاكرًا له ضيافته 
في الليلة الماضية. ثمّ اتكأ إلى جدار ليجري انَصَالًا جديدًا. واضطرّت امرأة 
آسيوية الملامح وقصيرة القامة لم يلاحظها تسير خلفه, إلى الانحراف بعربة 
الطفل التي كانت تجرّهاء لتتجنّب الارتطام به. لكنّها لم تطلق أيّةَ شتيمة, 
خلافًا لذاك الرجل على جسر ويست برومبتون. فالعكازء شأنه شأن البرقع, 
يمنح صاحبه الحماية؛ ابتسمت المرأة له ابتسامة خفيفة, عند مرورها أمامه. 

بعد ثلاث رنّات, أجابت ليونورا كواين. 

«لقد عاود الشرطيّون اللعينون المجيء»», قالت بدلا من إلقاء التحيّة. 

«ماذا يريدون؟» 

«يطلبون تفتيش المنزل بأكمله والحديقة الآن. هل عليّ أن أسمح لهم 


بذلك؟» 


268 روبرت غالبریث t.me/ktabpdf‏ 


تردد سترايك قليلًا. 

«أظنْ أنّه... من الأفضل أن تسمحي لهم. إسمعي يا ليونورا...»» أضاف 
سترايك بدون التردّد في تبني نبرة حازمة, «هل لديك محام؟» 

«لاء لماذا؟ لست قيد التوقيفء ليس بعد.» ّْ 

«أعتقد أنّك بحاجة إلى محام.» 

ساد صمتٌ وجيز. ْ 

«أتعرف محاميًا كفوءًا؟» سألته. 

«نعم»» أجاب سترايك؛ «إِتُصلي بإلسا هربرت. سأرسل لك رقمها الآن.» 

«لا تحب أورلندو رؤية الشرطة تنقّب...» 

«سأرسل لك الرقم في رسالة نصيّة» وأريدك أن تتّصلي بإلسا على الفور. 
مفهوم؟ على الفور.» 

«حسنًا», غمغمت. 

أقفل الخطّ, وبحث في ذاكرة هاتفه عن رقم رفيقته القديمة في الصفّء 
وأرسله إلى ليونورا. ثمّ اتصل بإلسا وشرح لها الموقف, معتذرًا عن إزعاجها. 

«لا أعرف لماذا تعتذر». قالت بحماس, «نحن نهوى الأشخاص 
المطارّدين من قِبَل الشرطة. هم مورد رزقنا.» 

«قد يحقّ لها بالمساعدة القانونيّة.» 

«هذا نادر في أيَامنا», قالت إلساء «فلنأمل بأن تكون معوزة ما يكفي.» 

لم يعد سترايك يشعر بيديه الخدرتين من شدّة البرد. وكان يتضوّر 
جوعًا. دس الهاتف في جيب معطفه ومشى بخطاه العرجاء إلى هامرسميث 
رود. هناك على الرصيف المقابل» وجد حانة أعجبته بواجهتها المطليّة 
بالأسود. كانت لافتتها المعدنيّة والمصنوعة على شكل ميداليّة. تظهر سفينة 
حربيّة باسطةٌ أشرعتها في عرض البحر. توجّه إليها على الفور. لاحظ وهو 
يجتاز الشارع كيف يهبط صبر مفاجىء على سائقي السيّارات متى رأوا أحد 
المارّة يمشي بعكاز. 

حانتان في غضون يومين... لكنّ الطقس سيئ وركبته تبرّحه ألمّا. ما 
نفع التباخل والحالة هذه؟ كانت صالة ألبيون الضيّقة والطويلة مريحة حمًاء 


مكتبة دودة الحرير 269 


تمامًا كما توحي واجهتها؛ وكانت النار تشتعل في المدفأة وفيها شرفة صغيرة 
ذات درابزون ترتفع على منتصف علو القاعة. كانت الجدران كافة ملبّسة 
بالخشب اللامع؛ وتحت السلّم المعدنيّ اللولبيَ الأسود المفضي إلى الطابق 
الأؤل» وضع مضخُّما صوت وحاملة ميكروفون. ووسط جدار قشدي اللون, 
صور فوتوغرافية بالأسود والأبيض لكبار الموسيقيين. 

كانت المقاعد القريبة من المدفأة مشغولة. طلب سترايك كوبًا من 
الجعة, وأخذ قائمة الطعام وتوجّه إلى الطاولة الطويلة المحاطة بكراسي البار 
العالية» على مقربة من النافذة المطلّة على الشارع. عندما جلس» لاحظ بين 
صورئي ديوك إيلينغتون وروبرت بلانت, صورة لوالده وهو يختتم أحد عروضه. 
كان شعره الطويل متلبّدًا جرّاء العرق المتصبّب منه. بدا روكبي وكأنّه يتشارك 
نكتة مع عازف الباس» والذي حاول النجم الشهير خنقه بيديه ذات يوم وفمًا 
لما روته والدة سترايك. 

(«لم يكن جوني ليحتمل تأثير المخدّرات»» أسرّت ليدا لابنها البالغ 
تسع سنوات والذي كان ينظر إليها دون أن يفقه شيئًا.) 

رنّ هاتفه المحمول ثانيةً. أجاب وعيناه على صورة والده. 

«مرحبًا»» قالت روبن» «لقد عدت إلى المكتب. أين أنت؟» 

«في حانة ألبيون. في هامرسميث رود.» 

«تلقيت مكالمة غريبة. وجدث الرسالة عندما عدث.» 

«تابعي.» 

«دانيال تشارد يريد الاجتماع بك.» 

قطب سترايك حاجبيه, وانتقل ببصره من بذلة والده الجلديّة الضيّقة 
إلى الصالة التي تنيرها ألسنة النار المرتعشة. «دانيال تشارد يريد الاجتماع 
بي؟ كيف عرف دانيال تشارد بأنني موجود أصلا؟» 

«بالله عليك يا سترايك: أنتَ من وجد الجنّة! ونشر الخبر في كل 
الصحف.» 

«أوه» أجل. هل قال لماذا؟» 

«يقول إنّ لديه اقتراحًا يقدّمه تك.» 


270 روبرت غالبریٹث t.me/ktabpdf‏ 


إلتمع في ذهن سترايك مشهد واضح للرجل الأصلع العاريء ذي 
القضيب المنتصب والمتقيّح» كصورة نُدسٌ في آلة عرض الأفلام» ثم عاد 
فامّحى مجدّدًا. 

«ظئنته لجأ إلى ديفون بسبب ساقه المُصابة.» 

«ما زال هناك. ويتساءل إذا لم يكن لديك من مانع في التوجّه إلى 
هناك لمقابلته.» 

«أوه, حقًا؟» 

تأَمّل سترايك في الاقتراح. قارنه بكميّة مهمّاته. وبأسبوعه المليء 
بالمواعيد المتتالية. وقال أخيرًا: 

«يمكنني القيام بذلك يوم الجمعة إذا ما أَجُلتُ موعد بورنيت. ثرى ما 
الذي يريده؟ علي أن أستأجر سيّارة... سيّارة أوتوماتيكية». ثم أضاف إذ شعر 
بركبته تنبض ألمًا: «أيمكنك أن تجدي لي واحدة؟» 

«لا عليك»» قالت روبن. کان يسمع وبوضوح صوت خربشة قلمها على 
الورق وهي تدوّن. 

«لدي أمور كثيرة أطلعكِ عليها. ما رأيك لو توافيني إلى هنا لتناول 
الغداء؟ لديهم قائمة طعام لا بأس بهاء ولن تستغرقي أكثر من عشرين دقيقة 
إذا استقليت سيّارة أجرة.» 

«يومان على التوالي؟ لا يمكننا الاستمرار في ركوب سيّارات الأجرة 
وتناول الغداء في المطاعم»» قالت روبنء مع أنّ الفكرة أفرحتها حقًا. 

«لا بأس في ذلك. فبورنيت تحب أن تنفق أموال زوجها السابق. 


سأضيف التكلفة إلى حسابها.» 
أقفل سترايك الهاتف ثم اختار شريحة لحم وفطيرة وتوجّه إلى البار 
لتقديم طلبه. 


عندما عاد إلى مقعده. سرحت عيناه في صورة والده بلباسه الجلديّ 
الضيّقء وشعره المتلبّد حول وجهه المنحوت القسماتء وملامحه الضاحكة. 

تعرف الزوجة بأمري ولكنها تتظاهر بالعكس... بل ترفض إطلاق 
سراحه حتى ولو كان ذلك أفضل للجميع... 


مكتبة دودة الحرير 271 


أعرف إلى أين ستذهب يا أوين! 

تابع سترايك تحديقه في صور النجوم بالأسود والأبيض المعلقة على 
الجدار. 

هل أنا واهم؟ سأل بصمت جون لينونء الذي كان يرمقه من أعلى 
صورته, عبر نظارته الدائريّة بنظرة ساخرة وأنف متعال. 

لماذا يصرٌ على التسليم ببراءة ليونورا في حين أنّ كل الأدلّة - عليه 
الاعتراف بذلك - تجتمع ضدّها لتؤكّد ضلوعها في الجريمة؟ لِم لا يزال مقتنعًا 
بأنّها لم تلجأ إليه لتغطية نفسهاء بل لأنّها كانت غاضبة حقًا من فرار كواين 
كطفل حرد؟ يمكنه أن يقسم اليمين بأنْ ليونورا لم تتخيّل ولو للحظة أنّ زوجها 
ميت... غارقًا في سيل آفکاره» آنهی سترايك کوبه من دون أن یلاحظ حتّی. 

«مرحبًا»» بادرته روبن. 

«وصلت بسرعة!» قال سترايك متفاجئًا. 

«لا»» قالت روبن. «كانت حركة السير كثيفة إلى حدَ ما. هل أطلب 
الطعام؟» 

إلتفتت رؤوس العديد من الرجال إليها عندما توجُّهت نحو البارء لكن 
سترايك لم يتنبّه للأمر. كان غارقًا في التفكير في ليونورا كواين, تلك السيّدة 
النحيلة والهشّة والبسيطة الشيباء والمذعورة. 

عادت روبن بكوب آخر من الجعة لسترايك وبعصير طماطم لها. ثم 
أطلعته على الصور التي كانت قد التقطتها بهاتفها صباحًا. كان منزل دانيال 
تشارد في لندن عبارة عن فيلا كبيرة مطليّة بالجصٌ الأبيضء ومحاطة بدرابزون 
طويل؛ وتبرز أعمدة جميلة على جانبّي بابها الأسود اللامع. 

«لمحبٌ حديقة صغيرة غريبة, مخفيّة عن الأنظار»» قالت روبن مشيرةٌ 
إلى الصورة التي ظهرت على الشاشة. جرار يونانيّة كبيرة منتفخة تنمو فيها 
شجيرات متنوعة. «قد يخبّىء تشارد الأحشاء في أي منها». قالت بخفّة, 
«يكفي اقتلاع النبتة وطمر الأحشاء في التراب.» 

«لا أتصور تشارد يقوم بنشاط متعب ومُلوّث بهذا القدر»» قال سترايك 
وهو يتذكر بذلة مالك روبر تشارد النظيفة وربطة عنقه الأنيقةء «لكنء علينا 


272 روبرت غالبریث t.me/ktabpdf‏ 


النظر في كل الاحتمالات. وماذا عن ناحية كليم أتلي كورت؟ المخابئ عديدة 
هناك» على ما أذكر.» 

«بالفعل: هناك الكثير منها», قالت روبن» وعرضت عليه مجموعة 
من الصورة الجديدةء «مستوعبات قمامة؛ وأجمات مها لذ وطاب. المشكلة 
الوحيدة هي أنني لا أتصؤر كيف قد يستعملها القاتل بعيدًا عن أنظار المارّة 
أو بدون أن يكتشف أحدهم ما رماه فيهاء في غضون ساعة من الوقت. 
الناس يجوبون تلك المحلّة بلا انقطاع, ولا يمكنك أن تخطو ثلاث خطوات 
بدون أن يتجسّس الجيران عليك من خلف ستائر نوافذهم. ربما تفعل فعلتك 
في منتصف الليل؛ لكن. هناك كاميرات مراقبة أيضًا. رغم ذلك ثمّة ما يثير 
تساؤلي. إِنّها... مجرّد فكرة.» 


«تابعي.» 
«هناك مركز طبّي قبالة المبنى مباشرةً. في هذا النوع من الأمكنة, قد 
يتم رمي بعض...» 


«... الفضلات البشريّة!» صاح سترايك وقد توقّف عن الشرب. «يا 
إلهي! هذا ممكن.» 

«هل تريدني أن أذهب للتقضي؟» سألت روبن, محاولةً أن تخفي 
فرحها وفخرها إذ رمقها سترايك بنظرات مُفعمة بالإعجاب. «لأحاول معرفة 
كيف ومتى...؟» 

«بالتأكيد!» قال سترايك: «ذلك أفضل بكثير من قرائن أنستيس.» 
وأوضح إجابةٌ على نظرتها الاستفساريّة: «يعتقد أنّ الأمعاء ألقيت في حاوية 
ردم على مقربة من تالغارث رود» يخال أنّ القاتل نقلها إلى ناصية الشارع 
فحسب.» 

«حستًاء ولم لا؟...», بدأت روبن قبل أن تصمت فجأةً إذ رأت سترايك 
يقطّب حاجبيه تمامًا مثلما يفعل مائيو حين تذكر إحدى أفكار سترايك أمامه. 

«تمّ التحضير لهذه الجريمة بدقّة وعناية. نحن لا نتعامل مع قاتل 
مغفّل يمكن أن يلقي كيسًا مليئًا بالأحشاء البشريّة في مستوعب قمامة؛ على 
مقربة مئة متر من الجنّة.» 


مگثزة دودة الحرير 273 


جلسا صامتين لوقت وجيزء فاستغلت روبن الفرصة لتفكر بسخرية 
وإنّما بشيء من المرح في أنّ عدائيّة سترايك حيال نظريّات أنستيس ربّما 
كانت قائمة على التنافس بين الرجلين» أكثر منه على أيّ تحليل منطقيّ 
وموضوعي. قد تروي مجلّدات ومجلّدات عن العجرفة الذكورية, فلديها إلى 
جانب ماثيو ثلاثة أشقّاء. 

«إِذَّاء كيف يبدو منزلا إليزابيث تاسيل وجيري والدغريف؟» 

أخبرها سترايك عن لقائه مع زوجة والدغريف. 

« کان رد فعلها سلبيًا للغاية.» 

«غريب»». قالت روبن» «إن رأيث أحدًا يحدّق في منزلي... فلن... 
حسئاء لن أقفز إلى الاستنتاج بأنّه يراقبه.» 

«إنّها مدمنة كحول كزوجها»» قال سترايك «إستشعرت ذلك من 
خلال نّفسِها. أمَا منزل إليزابيث تاسيل فلن يجد القاتل مخبًا أفضل منه» كما 
تبيّنتٌ.» 

«ماذا تعني؟» سألت روبن بين المرح والتوجّس. 

«هو شديد الخصوصيّة, ولا بيوت مجاورة له أو مُطلَّة عليه.» 

«حسئاء لكن, لا أظنّ بأنَّ...» 

«بأنّ القاتل امرأة. لقد قلت ذلك من قبل.» 

شرب سترايك الجعة صامئًا لدقيقة أو اثنتين. كان يفكّر في مبادرة لا 
بڌ من أن تزعج أنستيس إلى أقصى حدّ. لم يكن من حقّه استجواب المشتبه 
بهم. وقد تلقى الأوامر بعدم إعاقة طريق الشرطة. 

رفع هاتفه المحمول وتأمّل فيه لحظة» ثم اتصل بدار روبر تشارد وطلب 
التحدّث إلى جيري والدغريف. 

«لقد طلب منك أنستيس عدم التدخل!» قالت روبن مذعورة. 

«نعم», أجاب سترايكء بينما ساد الصمت عند الطرف الآخر من الخط 
«وقد كرّر لي ذلك للتوء لكتني لم أخبرك بنصف ما اكتشفث حتّى. أثناء 
استطلاعي...» 

«مرحبًا؟» قال جيري والدغريف عبر الهاتف. 


274 روبرت غالبریٹث t.me/ktaebpdf‏ 


«سيّد والدغريف»» بادره سترايك قبل أن يقدّم نفسه مع أنه كان قد 
أفصح عن اسمه للشخص الذي استلم الاتّصال «لقد التقينا لمدّة وجيزة صباح 
امس في منزل السيّدة كواين.» 

«نعم» بالتأكيد»» قال والدغريف بنبرة مهذّبة فيها شيء من الحيرة. 

«أعتقد أنّ السيّدة كواين أبلغتك بأنّها استخدمتني لأنّها تخشى اشتباه 
الشرطة بها.» 

«وائق من أنه خطأ فادح»» قال والدغريف على الفور. 

«أن يشتبهوا بها أو أنّها قد قتلت زوجها؟» 5 

«الاثنان مكًا»: أجاب والدغريف. مكتبة 

«غالبًا ما تخضع الزوجة لتحقيق مكتّف عندما يُقتل زوجها». قال 
سترايك. 

«بالطبع» لكن. لا أستطيع... حسئاء لا أصدّق شيئًا من ذلك. في الواقع, 
المسألة برمّتها غير معقولة. بل فظيعة»» قال والدغريف. 

«نعم»» رد سترايك: «أتساءل إذا كان من الممكن أن نلتقي... أودّ أن 
أطرح عليك بعض الأسئلة.» ثمّ أضاف وهو يطرف بعينه لروين: «أستطيع 
المجيء إلى بيتك - بعد العمل - وفق ما يناسبك.» 

لم يجب والدغريف على الفور. 

«أودّ أن أفعل أي شيء لمساعدة ليونورا بطبيعة الحال؛ لكن» ليس 
لدي ما أقوله لك.» 

«بومبيكس موري هي ما يهمُني»», قال سترايك, «لقد أورد السيّد 
كواين كثيرًا من الأوصاف المُسيئة والشخصيّات الهابطة في كتابه.» 

«أجل», قال والدغريف. «لقد فعل ذلك.» 

تساءل سترايك إذا كانت الشرطة قد استجوبت والدغريفء وإذا طلبت 
منه شرحًا للأكياس الملطّخة بالدم: ورمزيّة القزمة التي غرقت في الرواية. 

«حسئًا». استرسل والدغريفء «لا مانع في لقائك. لكنّ جدول أعمالي 
مزدحم هذا الأسبوع. أيمكن أن نلتقي... دعني أتأكد... على الغداء يوم 
الاثنين؟» 


مكتبة دودة الحرير 275 


«عظيم»» قال سترايك بخيبة أمل واضحة. ذلك يعني بأته سيتحمّل 
الفاتورةء أضف أنه كان يفصّل أن يقابل والدغريف في منزله. «أين بالتحديد؟» 

«أفضّل البقاء على مقربة من المكتبء؛ فلديّ مشاغل كثيرة طوال فترة 
ما بعد الظهر. أيناسبك سميسونز إن-ذا-ستراند؟» 

وجد سترايك بأنّه خيار مستغرّب لكنّه وافق» وعيناه على روين. «عند 
الواحدة إِذَا؟ سأطلب من سكرتيرتي أن تحجز لنا طاولة. أراك يوم الاثنين إذَا.» 

«سيقابلك؟» همست روبن حالما أقفل سترايك الهاتف. 

«نعم», قال سترايك» «أمر مريب.» 


هرّت رأسها باسمة. 
«لم يبد متشوَقًا للاجتماع بك, كما فهمت. هل أراد أن يثبت لك بأنّه 
مرتاح الضمير؟» 


«لا»» أجاب سترايك» «كما قلت لك في السابق؛ يشعر الناس بفضول 
تجاه المحققين. يتوقون لمعرفة سير التحقيق. هذا أقوى منهم» هم بحاجة 
دومًا إلى شرح موقفهم. 

«سأعود على الفور... انتظريني... أريد أن أخبرك المزيد...» 

شربت روبن عصير الطماطم على مهلء بينما ابتعد سترايك مستندًا 
على عكازه الجديد. 

مسحت دفقة مفاجئة من الثلج النافذة لتعود وتتبخّر. نظرت روبن 
إلى الصور الفوتوغرافية غير الملوّنة قبالتها وإذا بها تنتفض مندهشةً لرؤيتها 
جوني روكبيء والد سترايك. ما عدا قامتهما المشيقة التي تزيد عن 190 
سنتمترًاء لم يكونا متشابهين على الإطلاق. بالفعلء قد لز م إجراء فحص الحمض 
النووي لإثبات الأبوّة. في الصفحة الخاضّة بروكبي على موقع ويكيبيدياء يرد 
اسم سترايك كأحد أولاد نجم الروك. لكنّ الأب وابنه لم يلتقيا سوى مرّتين 
فقطء كما أخبر سترايك روبن. بعد تحديقها في البنطال الجلديّ الضيّق الذي 
يبرز رجوليّة النجم, أجبرت روبن نفسها على الاستدارة نحو النافذة, خشيةٌ أن 
يمسك بها سترايك وهي تحدّق في والده. 

وصل طعامهما بينما كان سترايك يهم بالعودة إلى مقعده. 


276 روبرت غالبریث t.me/ktabpdf‏ 


«الشرطة تفتّش بيت ليونورا بأكمله الآن»» قال سترايك وهو يلتقط 
سكينه وشوكته. 

«لماذا؟» سألت روبن وشوكتها مرفوعة في الهواء. 

«لماذا برأيك؟ يبحثون عن ملابس ملطخة بالدماء. يتحقّقون إذا ما 
كانت أحشاء زوجها مطمورة في الحديقة. تحت طبقة من التربة المنبوشة 
حديئًا. لقد عرّفتٌها بمحامية. ليس لديهم ما يكفي من الأدلّة لتوقيفها بعد, 
لكنهم مصرّون على المضى في ذلك.» 

«صدقًاء أنت مقتنع حقًا بأنّها لم تقتله؟» 

«أجل, مقتنع كلَّيًا.» 

أفرغ سترايك طبقه قبل أن يعاود التكلم. 

«أودّ التحدّث إلى فانكورت. أريد أن أعرف لماذا وقّع عقد تعامل 
مع دار روبر تشارد وكواين لا يزال من زبائنهم. من المفترض أنه يكرهه لكنّه 
جازف بمصادفته هناك في أيَة لحظة.» 

«أتعتقد أنّ فانكورت قتل كواين كي لا يلتقي به في حفلات الدار؟» 

«سبب وجيه»» قال سترايك بسخرية. 

أفرغ كوب الجعة» والتقط هاتفه ثانيةً. طلب استعلامات الدليلء 
وبعد ذلك بقليلء تمّ وصله بمؤسّسة إليزابيث تاسيل الأدبية. 

أجاب مساعدها رالف. عندما عرف سترايك عن تفسه» بدا الشاب 
خائقًا ومتحمّسًا في آن معًا. 

«أوهء لا أعرف... سأسأل. من فضلك الانتظار على الخطً.» 

لكنّ رالف لم يكن ماهرًا كما يبدو في استخدام أجهزة المقسّمات 
الهاتفيّة. سمع سترايك نقرة واضحة لكنّ الخط ظلّ مفتوحًاء فتمكّن من سماع 
صوت رالف من بعيد» وهو يبلغ ربّة عمله أنّ سترايك على الهاتف» وهي ترد 
متأقفةٌ بصوت مرتفع: 

«تبًا! ما الذي يريده مني الآن؟» 

«لم يقل.» 

شمع وقع أقدام ثقيلة ومن ثم صوت التقاط السمّاعة عن المكتب. 


مكتبة دودة الحرير 27 


«مرحبًا؟» 

«إليزابيث»» قال سترايك بلطف, «هذا أناء كورموران سترايك.» 

«نعم» أبلغني رالف للتو. ما الأمر؟» 

«أتساءل إن كان بوسعنا أن نلتقي. ما زلت أعمل لصالح ليونورا كواين. 
وهي مقتنعة بأنّ الشرطة تشتبه بها في مقتل زوجها.» 

«ولماذا تريد التحدّث إِلىَ؟ لا أستطيع أن أَوَكَد لك إذا كانت الفاعلة 
أم لا 

كان في وسع سترايك أن يتخيّل ملامح رالف وسالي المذعورةء وهما 
يستمعان إلى المكالمة في المكتب القديم والكريه الرائحة. 

«لديّ بعض الأسئلة الإضافية عن كواين.» 

«أوه» بالله عليك»: زمجرت إليزابيث» «حسئًاء ما رأيك لو نتناول الغداء 
معًا غدًاء إذا كان ذلك ليناسبك. بخلاف ذلك, سأكون منشغلة حبّى...» 

«غدًا يناسبني جدًا»» قال سترايك. «لكن. لا ضرورة لأن نتقابل في 
المطعم» يمكنني أن...» 

«لكتني أفصّل المطعم.» 

«عظيم»» رذ سترايك على الفور. 

«في بسكاتوري» شارع شارلوت, عند الثانية عشرة والنصفء هذا ما 
لم يطرأ أي تغيير.» 

وأقفلت الهاتف. 

«يهوى الناشرون والمحرّرون وجبات الغداء في المطاعم»» قال 
سترايك, «هل أنا واهم أمّ أنهم لا يريدون استضافتي في البيت كي لا أكتشف 
أحشاء كواين محفوظة في ثلاجاتهم؟» 

إختفت ابتسامة روبن. 

«تعرف؟ يمكن أن تخسر صديقًا بسبب ذلك»» قالت وهي ترتدي 
معطفهاء «جرّاء إصرارك على الاتصال بالناس واستجوابهم.» 

غمغم سترايك. 


278 روبرت غالبریث t.me/ktabpdf‏ 


«ألا تهتم؟» سألت وهما يغادران الدفء إلى البرد القارس وندف الثلج 
التي تلسع الوجوه. 

«لديّ كثير من الأصدقاء الآخرين». قال سترايك من دون أي انفعال. 

«علينا شرب الجعة عند كل غداء»» أضاف وهو يتّكئ بشدّة على 
العكاز بينما كانا يتوجّهان معًا إلى المتروء وهما يحنيان رأسيهما انّقاءَ من 
الثلج, «ذلك يوجز يوم العمل.» 

إبتسمت روبن التي كانت قد عدّلت مشيتها لتتلاءم مع مشيته. فقد 
استمتعت بيومها أكثر من أي يوم تقريبًا منذ أن بدأت العمل لدى سترايك. 
لكن» يجب ألا يعرف ماثيو - الذي لا يزال في يوركشاير لإنجاز ترتيبات جنازة 
والدته - أنّها تناولت الطعام في الحانة برفقة سترايك مرّتين على التوالي في 
غضون يومين. 


27 


وهل أثق بشخص خان صديقه؟ 
ويليام كونغريف, «المخادع» 


كان بساط هائل من الثلج قد غزا بريطانيا. وقد عرضت أخبار الصباح مشاهد 
من شمال شرق إنكلترا الغارق تحت غطاء أبيض: سيّارات عالقة في الطرقات 
مثل قطيع من الغنم الشارد. ومصابيحها الأماميّة تومض وميضًا خافًاء محاولةٌ 
شق الستار الأبيض الناصع. كانت لندن تنتظر دورها تحت سماء متلبّدة تنذر 
بالشرٌ. راح سترايك يرمق خارطة الطقس على تلفازه بين الفينة والأخرى, فيما 
يرتدي ثيابه, متسائلًا إذا كانت رحلته بالسيّارة إلى ديفون في الغد ممكنة. 
هذا إن كانت طريق ال165 سالكة. ومع أنّه عازم على لقاء دانيال تشارد, الذي 
أثارت دعوته المفاجئة فضوله» فقد كان يخشى قيادة سيّارة» ولو أوتوماتيكية, 
وساقه على هذه الحال. 

لعل الكلاب لا تزال تنقّب 00 مارشز. تخيّلها وهو يُركُب 
ساقه البديلة؛ خطمها الحساس المرتعش يشتمّ النفايات المرميّة مؤْحَرّاء في 
ظلّ السحب المكفهّرة المهدّدة بالتفجّر سيولًا جارفة ما فوق رؤوسهاء تحت 
أنظار طيور النورس المحؤمة حول المكان. بما أنّ الليل بات يهبط باكرا فلعلّها 
بدأت عملها منذ الآن. تصوّرها سترايك تشدّ على رسنها وهي تجرّ ساستها 
عبر القمامة المتجمّدة. في إثر أحشاء أوين كواين. كان سترايك قد عمل في 


280 روبرت غالبریث t.me/ktabpdf‏ 


السابق إلى جانب الكلاب الشمّامة؛ مؤخّرتها المهترّة حماسًا وذيلها المتأرجح 
بإيقاع منتظم» لطالما أضفيا شيئًا من المرح الغريب, على حملات البحث 
الكئيبة. 

واجه صعوبة فائقة في النزول على السلّم. في الأحوال العاديّةء كان 
ليقضي النهار السابق بأكملهء رافعًا ساقه ليريحهاء وجعبة من المكعبات 
الثلجيّة على الطرف المبتور منها. ولكنء لا! فضّل المشي في كل أنحاء لندن 
فقط ليكف عن التفكير في شارلوت وزفافها القريب الذي ستقام مراسمه في 
الكنيسة المرمّمة من قصر دو كروي... وليس في قصر كرويء لأنّ ذلك بمثابة 
إهانة للعائلة اللعينة! بقيت تسعة أيّام فقط... 

رنّ هاتف مكتب روبن وهو يفئّح الباب الزجاجيّ. فأسرع وهو يعرج 
للإجابة. كان العاشق الشكّاك ورئيس الآنسة بروكلهيرست يرغب في إبلاغ 
سترايك بأنّ سكرتيرته طريحة الفراش بسبب زكام شديد, لذاء فهو يعفيه من 
مهمّة تعقّبها إلى أن تتعافى. ما كاد سترايك يضع السمّاعة حتى رن الهاتف 
انيةٌ: بصوت مرتعشء أعلنت زبونته الأخرى, كارولين إينغلز, أنّها تصالحت 
مع زوجها الخائن. كان سترايك يعرب لها عن تهانيه غير الصادقة عندما 
وصلت روبن» متورّدة الوجنتين من شدّة البرد. 

«الأحوال الجويّة تزداد سوءًا». قالت عندما أقفل الهاتف» «مع مَن 
كنت تتحدّث؟» 

«كارولين إينغلز. لقد سوّت نزاعها مع روبرت.» 

«ماذا؟» قالت روبن مصدومة» «بعد کل ما جری بینهما؟» 

«يريدان إصلاح زواجهما من أجل الأولاد.» 

رفعت روبن حاجبيها تعبيرًا عن ذهولها. 

«يبدو أنّ الثلج كثيف في يوركشاير». قال سترايك. إذا أردت أن 
تأخذي إجازة غدًا لتذهبي باكرًا...» 

«لاء لا بأس», قالت روبن. «لقد حجزت مقعدًا ليوم الجمعة. في 
أحد القطارات الليليّة. بما أنّنا خسرنا إينغلزء يمكنني الاتّصال بأحد زبائننا 
الواردين في لائحة الانتظار...؟» 


مگثزة دودة الحرير 281 


«ليس بعد»» قال سترايك وهو يرتمي على الكنبة. تلك الحركة السريعة 
آلمت ساقه للغاية, فامتدّت يده تلقائيًا تتحسّس ركبته المتورّمة. 
«هل ما زالت تؤلمك؟» سألت روبن؛ متظاهرةً بأنّها لم تر أمارات الألم 


التي ارتسمت على وجهه. 

«أجل»» أجاب سترايك» «لكتني لم أرفض قبول زبون آخر لهذا 
السبب»» أضاف بجفاء. 

«أعرف ذلك.» قالت روبن مديرةٌ ظهرها وهي تشفّل الغلايةء «تريد 
التركيز على قضيّة كواين.» 


تبيّن سترايك نبرة تأنيبيّة في كلامها. 

«ستدفع لي المال»» قال مُطَمئئًاء «لدى كواين بوليصة تأمين على 
الحياةء دفعته هي لشرائها. لذاء سيكون المال متوقّرًا.» 

لم تعجب ملاحظته الأخيرة روبن. ما زال يفترض أنّ المال أولويّتها. 
أولم تثبت له العكس عندما رفضت وظائف أعلى أجرًا بكثيرء وفضّلت العمل 
لديه؟ ألم يلاحظ كم كانت مُصرّة هي أيضًا على إثبات براءة ليونورا كواين؟ 

وضعت إلى جانبه فنجان شاي» وكوب ماءء وأقراص باراسيتامول. 

«شكرًا»» قال صارًا على أسنانه. منزعجًا من رؤية المسكّنات مع أنه 
يعتزم تناول جرعة مضاعفة. 

سأحجز سيّارة أجرة تقلّك إلى بسكاتوري. في الثانية عشرة. أيناسبك؟» 

«لكته عند ناصية الشارع»»؛ قال سترايك. 

«أتعرف؟ هناك فارق كبير بين عرّة النفس وبين الحماقة», صاحت 
روبن في أل نوبة غضب حقيقيّة يراها حتّى الآن. 

«حسنًا». أذعَنَ بشيء من الذهول» «سأستقلهاء سيّارة أجرتك اللعينة.» 

في الواقع» بعد ثلاث ساعات لاحقة» عندما مشى متكّئًا بشدّة على 
عصاه الرخيصة التي أخذت تلتوي تحت وزنه»ء نحو سيّارة الأجرة في آخر شارع 
الدانمارك» لم يشعر بندم البنّة إذ أذعن لقرار روبن. ما كان يجب أن يركب 
الساق البديلة حتّى. فقد وجد صعوبة فائقة في الترجّل من السيّارة عند بلوغ 


282 روبرت غالبریث t.me/ktabpdf‏ 


شارلوت ستريت» خاضصَةٌ وأنّْ السائق کان يرمقه بنفاد صبر. وأخيرًاء تنقس 
سترايك الصعداء حينما لجأ إلى دفء بسكاتوري وضوضائه. 

لم تكن إليزابيث قد وصلت بعدء لكنها حجزت باسمها. فاقتيد 
سترايك إلى طاولة لشخصين بمحاذاة جدار ذي حجارة ناتئة كلسيّة بيضاء. 
كانت روافد صلبة من السنديان القديم تسند السقفء وقد عُلّق مجسّم قارب 
فوق البار. على طول الجدار المقابل. اصطفّت مقاعد جلديّة برتقاليّة زاهية. 
بحُكم العادة. طلب سترايك كوبًا من الجعة. وجلس يستمتع بالألوان الجميلة 
وبإشراقة الديكور المتوسّطي الرائع والمتنافرة مع برودة الخارج. 

لم تتأخّر الوكيلة الأدبيّة في الوصول. حاول الوقوف عندما اقترّت من 
الطاولة لكنّه سرعان ما هوى على مقعده. بيد أنّ إليزابيث لم تلاحظ الأمر. 

بدت وكأنّها خسرت بعض الكيلوغرامات. منذ أن رآها في المرّة 
الأخيرة؛ البذلة السوداء المنشقة بدقة» وأحمر الشفاه القرمزيّء والشعر 
الرماديّ المقصوص بعناية بشكل مربّعء لم تنجح في تحسين طلّتهاء بل ظهرت 
اليوم وكأنّها ترتدي زيّا تنكّريًا تافهًا. كان وجهها شاحبًا وبدا مترّهلًا. 

«كيف حالك؟» سألها سترايك. 

«وكيف ترى حالي؟» قالت بصوت أجشٌ. «ماذا؟» صاحت بنادل 
يحوم حول الطاولةء «أوه. ماء فقط؛ وعاديّ.» 

إلتقطت قائمة الطعام وقد ظهرت كشخص باح بالكثير حتّى اللحظة. 
أدرك سترايك أن أي تعبير عن شفقة أو قلق, لن يكون موضع ترحاب. 

«حساء فقط»» أبلغت النادل عندما عاد لتدوين طلباتهما. 

«أشكرك لأنّك وافقت على لقائي ثانيةً», قال سترايك عندما ابتعد 
النادل. 

«حسئًا. الله وحده يعلم كم ليونورا بحاجة إلى كل المساعدة التي 
يمكن أن نوفّْرها لها», قالت. 

«لم تقولين ذلك؟» 

نظرت إليه من خلال جفنيها شبه المغمضين. 


مكتبة دودة الحرير 253 


«لا تتظاهر بالغباء. أخبرثني بأنّها أصرّت على أن يُقلّوها إلى سكوتلاند 
يارد لرؤيتك» حالما عرفت خبر وفاة زوجها.» 

«نعم, فعلت ذلك.» 

«وبرأيك؟ كيف ترجمت الشرطة مبادرتها هذه؟ لا بدّ من أنّهم كانوا 
يتوقعون أن تنهار باكيةٌ. لكن... كل ما أرادت... أرادته حينذاك هو رؤية 
صديقها المحقّق.» 

كبتت نوبة سعال بصعوبة. 

«لا أعتقد أنّ ليونورا تولي أي اهتمام بالانطباع التي قد تتركه لدى 
الآخرين»», قال سترايك. 

«أجل... بهذا... أنت مُحقٌ. لم تكن حذقة يومًا.» 

تساءل سترايك إن كانت إليزابيث تاسيل على علم بآراء الآخرين بها. 
هل تدرك أنّ الناس لم يكونوا يحبّوها؟ إذ تغلب السعال عليهاء أطلقت له 
العنان. إنتظر سترايك ريثما تنتهي من النباح كالفقمة» قبل أن يسأل: 

«أتعتقدين أنّه كان يجدر بها تصنّع الحزن؟» 

«لن أذهب إلى هذا الحذّ»». ردت إليزابيثء «أنا واثقة من أنّها 
تشعر بالحزن بالقدر الذي تستطيعه. إِنّما لا ضير في أن تُظهر صورة الأرملة 
المفجوعة. هذا ما ينتظره الناس.» 

«أفترض أنّك تحدّثت إلى الشرطة؟» 

«بالطبع. واستعرضنا الشجار في ريفر كافيه. وقد أضطررتٌ أن أشرح 
لهم للمرّة الألف لماذا لم أقرأ الكتاب اللعين بانتباه كامل. أرادوا معرفة 
تحرّكاتي وتحديدًا في الأيام الثلاثة التي أعقبت رؤيتي أوين للمرّة الأخيرة.» 

نظرت نظرة استجوابية إلى سترايك؛ لكته لم ثُبدِ أي تأثّر. 

«هل عليّ الاستنتاج أنه توفي بعد ثلاثة أيّام أو أقلّ من شجارنا؟» 

«ليست لديّ أدنى فكرة»» كذب سترايك» «وماذا قلت لهم إذَا؟» 

«إنْني عدث إلى البيت مباشرة بعد أن تركني أوين في المطعم, 
واستيقظت في السادسة من صباح اليوم التالي» وركبث سيّارة أجرة وتوجّهت 
إلى محطّة قطارات بادينغتون» حيث استقليت القطار إلى منزل دوركوس.» 


284 روبرت غالبریٹث t.me/ktabpdf‏ 


«أي إحدى كاتباتك, كما قلت على ما أعتقد.» 

«أجل دوركوس بينغيليء إِنّها...» 

لاحظت إليزابيث تكشيرة سترايك الضاحكة. ولأوّل مرّة منذ تعارفهماء 
استرخت ملامحها لتكشف عن ابتسامة وجيزة. 

«إِنّه اسمها الحقيقيء وليس مستعارًاء أقسم لك. هي تكتب قصصًا 
إباحية في قالب رومنسيٌ تاريخيّ. كان أوين يحتقر كتبهاء لكنّه قد يرتكب 
جريمة ليحدّق نسبة المبيعات التي تصل إليها. ثباع كالكعك الساخن.» 

«متى عدت من منزل دوركوس؟» 

«في وقت متأَخّر من بعد ظهر الاثنين. كان يُفترض أن أمضي عطلة 
نهاية أسبوع طويلة ممتعةء وإتما...»» قالت إليزابيث بحدّة. «كانت كل 
شيء إل هادئة. وذلك بفضل بومبيكس موري.» 

وتابعت: «أعيش بمفرديء ولا يمكنني أن أثبت أّني عد ثُ إلى البيت, 
وأنّني لم أقتل أوين فور عودتي إلى لندن. لكثّني أعترف أنّني رغبت شديدًا 
في ذلك!...» 

شربت بعض الماء وتابعت: 

«إهتمام الشرطة منصبّ على الكتاب. يعتقدون بأنّه وفر دافعًا لكثير 
من الأشخاصء كما يبدو.» 

كانت تلك محاولتها المكشوفة الأولى لاستقاء معلومات منه. 

«كثير من الأشخاص؟». قال سترايك. «أجلء في البداية ظنوا بأنّهم 
كُثْرء لكن, إذا كانت الشرطة مُحقّة وقد توفي كواين فعلًا خلال ثلاثة أيَّام من 
شجاركما في ريفر كافيه., يتقلّص عدد المشتبه بهم نوعًا ما.» 

«وكيف ذلك؟» سألت إليزابيث بحدّة, فذكرته بأحد أكثر معلميه 
خبنًا في أكسفورد. كان يستخدم هذا السؤال المكوّن من كلمتينء بمثابة إبرة 
عملاقة لتنفيس النظريّات الهشّة وإحباط طارحيها. 

«أخشى ألا أستطيع إخبارك»» أجاب سترايك بلطف «فهذا قد يعيق 
سير التحقيق.» 


مكتبة دودة الحرير 285 


كان سترايك الجالس قبالتها إلى تلك الطاولة الصغيرة» يرى بشكل 
واضح ومكبّر بشرتها الشاحبة السميكة ومسامها المتوسّعة. كانت ترمقه 
بعينيها السوداوين المحملقتين كحبّتين من الزيتون الناضج. 

«أرادوا أن يعرفوا على مَن عرضتٌ المخطوطة في الأيّام القليلة التي 
كانت بحوزتي قبل إرسالها إلى جيري وكريستيان. أجبتهم: لا أحد. وسألوني 
مع مَن يناقش أوين مخطوطاته في أثناء كتابتها. لا أعرف سبب هذا السؤال», 
قالت وعيناها لا تزالان مسكرتين على سترايك. «برأيك» هل يظتون أن هناك 
من أثّر عليه؟» 

«لا أعرف», كذب سترايك ثانيةٌ. «هل اعتاد أوين مناقشة رواياته وهي 
قيد الكتابة؟» 

«ربما أسرّ ببعض مقاطعها إلى جيري والدغريف. أمَا أناء فيكاد لا 
يتكرّم عليّ بإبلاغي عن عناوينها حنّى.» 

«حقًا؟ ألا يطلب رأيك البئّة؟ هل قلت إِنّك درست الإنكليزية في 
أكسفورد...؟» 

«نلتٌ تقدير جيّد جدًا» ردت غاضبة» «لكنّ ذلك لا يُعدٌ بشيء بالنسبة 
إلى وين وهو بالمناسبة» طرد من لافبورو أو معهد آخر من هذا النوع» ولم 
يحصل على أي شهادة. ذات مرّة أسرّ مايكل فانكورت - بلطفه المعهود - إلى 
أوين بأنّني أكتب بأسلوب جد تقليديّ, عندما كنت مجرّد طالبة. وقد لاقت 
أقواله هذه آذانًا صاغية, صدقًا.» إحمرّت وجنتاها الشاحبتان إذ تذكرت تلك 
الإهانة القديمة. «كان أوين يشارك مايكل تحامله على النساء الأديبات. لكنّ 
ذلك لم يمنعهما قط من الابتهاج إذا ما عمدت امرأة إلى مديحهماء بالطبع...» 
راحت تسعل في منديلهاء وعندما سكنت, كان وجهها يشتعل بغضب صادق. 
«أوين كان دائم الظماً إلى المديح» أكثر من أيّ مؤلّف آخرء وقد التقيثٌ بعض 
المعتدّين» صدّقني.» 

وصل طعامهما: حساء الطماطم والحبق لإليزابيث» وسمك القدّ 
والبطاطس المقليّة لسترايك. 


286 روبرت غالبریث t.me/ktabpdf‏ 


«عندما اجتمعنا مؤخَرّاء قلتِ لي...»» بدأ سترايك بعدما ابتلع لقمة 
كبيرة من طبقه» «إِنّك أجبرتِ في إحدى المراحل؛ على الاختيار بين فانكورت 
وكواين. لماذا اخترت كواين؟» 

نفخت على ملعقتها المليئة بالحساء وتظاهرت بأنها تفكر مليًا قبل 
الإجابة. 

«شعرث... في ذلك الوقت... أنّ الناس تجنّوا عليه أكثر مما تجنّى 
عليهم.» 

«هل لذلك علاقة بالمحاكاة التي كتبها أحدهم للاستهزاء برواية زوجة 
فانكورت؟» 

«لم يكتبها أحدهم»» قالت بهدوءء «بل أوين مَن كتبها.» 

«هل أنت متأكدة من ذلك؟» 

«أطلعني على النصّ قبل أن يُرسله إلى المجلّة. وأخشى أن أقول إِنّه 
أضحكني»» أوضحت وهي تتحدّى سترايك بنظراتهاء «كانت دقيقة إلى حدّ 
الإيلام ومضحكة جدًا. لطالما أتقن أوين المعارضة الأدبيّة.» 

«لكنّ زوجة فانكورت انتحرت بعد ذلك.» 

«كانت تلك مأساة حقيقيّة بالطبع». قالت إليزابيث من دون أيّ 
انفعال ملحوظ, «مع أنّ أحدًا لم يتوقع حدوث ذلك. بصراحة. كل من يُقدم 
على قتل نفسه بسب مراجعة مسيئة أو انتقاد جارح لا يصلح ككاتب أو 
مؤلّف أساسًا. لكن. كان من الطبيعيّ أن يغضب مايكل حتّى الموت من أوين, 
خاضةًٌ وأنّ هذا الأخير» عندما علم بانتحار إلسبيثء لم يجد ما يفعله سوى 
أن يتمص وينكر أنه صاحب المقالة. موقف جبان بشكل مستغرب من رجل 
يحب الظهور بمظهر المتمرّد الذي لا يهاب القانون ولا يخضع له. طلب مني 
مايكل أن أتخلّى عن أوين كزبون» فرفضت. منذ ذلك الحينء لم يعد مايكل 
يكلمني على الإطلاق.» 

«هل كان كواين يدرٌ عليك مالا أكثر من مايكل آنذاك؟» سأل سترايك. 

«بالطبع لا! من الناحية الماليّة» لم يكن من مصلحتي أن أتمسّك 
بأوين.» 


مكتبة دودة الحرير 287 


«لماذا إذا...؟» 

«قلت لك للتوّ», قالت بنفاد صبرء «أؤمن بحرّية التعبير, حنّى لزارعي 
الشقاق وشديدي الإزعاج. على أي حالء بعد أيّامِ على انتحار إلسبيث, 
أنجبت ليونورا توأمين قبل موعد ولادتهما. وقد حدثت مضاعفاتء فمات 
الصبيّ وأمًا أورلندو... أعتقد أنّك قابلتهاء لا؟» 

عندما هر سترايك رأسه إيجاباء عاوده حلم تلك الليلة: الطفل الذي 
ولدته شارلوت» لکتها لم تسمح له برؤیته... 

«أصيبت بعطب في الدماغ»» تابعت إليزابيث», «لذاء كان أوين يعاني 
من مأساته الشخصيّة في ذلك الوقت, وخلافًا لمايكل لم يكن هو المسؤول 
عمًا حدث له...» 

إنتابها السعال من جديد, وأمام نظرة استغراب سترايك؛ أومأت بيدها 
أن ينتظرهاء ريثما تهدأ النوبة. أخيرًاء بعد تناول جرعة من الماء. قالت بصوت 
أجش: 

«لم يشجّع مايكل إلسبيث على الكتابة إِلّا تصرفها عنه بينما يعمل. لم 
يكن بينهما أيّ قاسم مشترك. مايكل يعاني من عقدة جرّاء أصوله المتواضعة 
وقد تزوّج بها فقط لأنّها ابنة أحد الكونتات. أمَا هي فظنت أنّ مايكل سيقدّم 
لها حياة رغيدة مليئة بالتشويق» ويصطحبها إلى حفلات ومناقشات رجال 
الفكرء ويجعلها ترتاد الأوساط الأدبيّة المرموقة. لم تدرك أنّها ستبقى بمفردها 
معظم الوقت بينما ينكبٌ هو على الكتابة. لقد كانت...»» تابعت إليزابيث 
باحتقار واضح. «... امرأة محدودة. لكنّها تحمّست لفكرة أن تكون كاتبة. 
هل لديك فكرة عن عدد الأشخاص الذين يعتقدون بِأَنّْهم مؤهّلون للكتابة؟ 
لا يمكنك أن تتصوّر كميّة الهراء التي تُرسل إليّ يوميًا. كانت رواية إلسبيث 
لتفض على الفور في الظروف العاديّة, فقد كانت شديدة التفاخر والسخافة, 
لكنّ الظروف كانت استثنائيّة آنذاك بالفعل. بعد أن شجّعها مايكل على 
إنتاج ذلك العمل المُريع؛ لم تكن لديه الشجاعة ليخبرها بالحقيقة. بل مرّر 
المخطوطة إلى ناشره الذي قبلها فقط لإرضائه. كان قد مضى على نشرها 
أسبوع كامل» عندما صدرت المحاكاة المستهرئة بروايتها.» 


288 روبرت غالبریث t.me/ktabpdf‏ 


«يشير كواين ضمئًا في بومبيكس موري إلى أنّ فانكورت هو من كتب 
المحاكاة», قال سترايك. 

«أعرف ذلك - لو کنٹ مکانه لما استفرّيته»» أضافت بصوت خافت 
- وكأنّها تكلم نفسها - وإِنْما واضح ما يكفي ليسمع سترايك ما تقوله. 

«ماذا تعنين؟» 

ساد صمت قصير لاحظ خلاله أنّ إليزابيث كانت تدرس ما تهمّ بقوله. 

«إلتقيت بمايكل»»؛ قالت ببطء, «في حلقات حواريّة وتطبيقيّة تتناول 
مسرح التراجيديا اليعقوبيّة الانتقاميّة. ولنكتفٍ بالقول فقط إِنّ ذلك محيطه 
الطبيعيّ. يعشق هذا النوع من الكتّاب الدراميين؛ ساديّتهم. وشهوتهم 
للانتقام... والاغتصاب وأكل لحوم البشرء والهياكل العظمية المسمومة 
الممؤهة بثياب نساء... القصاص الساديّ والطفيان القاسيء هاجس 


فانكورت.» 
نظرت نظرة سريعة إلى سترايك الذي كان يرقبها. 
«ماذا؟» قالت بجفاء. 


تساءل سترايك متى ستنفجر تفاصيل مقتل كواين في الصحف. بدأ 
السدّ بالتصدّع, منذ أن علم كالبيبر بالقضيّة. 

«أيّ عقاب أوقعه فانكورت بك عندما فضّلت كواين عليه؟» 

ألقت نظرة على وعاء السائل الأحمر الموضوع أمامها ودفعته بعيدًا 
عنها فجأةٌ. 

«كنا صديقّين مقرّبين جدّاء لكنه لم يتحدّث إلى بكلمة واحدة منذ 
اليوم الذي رفضت فيه أن أطرد أوين. بذل كل ما في وسعه ليحدّر الكتتاب 
الآخرين من التعامل معيء بحجّة أنّني امرأة تفتقر إلى الشرف والمبادىء.» 

«لکٽني أتمسّك بمبدأ مقدّس وهو يعرفه جيّدًا». قالت بحزم, «لم 
يفعل أوين في كتابة تلك المحاكاة ما لم يفعله مايكل مئات المرّات بكتّاب 
آخرين. بالطبع أحزنني ما حدث في أعقاب ذلكء لكنّها كانت من المرّات 
القليلة التي شعرت فيها بأنّ أوين غير مذنب إلى هذا الحدّ.» 


مگثزة دودة الحرير 289 


«لا بد أنّ ذلك الجفاء كان مؤلمًا». قال سترايك. «فأنت على معرفة 
بفانكورت قبل كواين.» 

«إذا قمنا بالحساب, زادت مذّة عداوتنا الآن على مدّة صداقتنا.» 

لم يكن سترايك ليتوقّع تلك الإجابة. 

«فلتعلم على أي حال... أن أوين لم يكن دائمًا... لم يكن شُرّيرًا 
للغاية»» قالت إليزابيث باضطراب» «أنتٌ تعلم... لطالما استحوذت فكرة 
الرجولة على عقلهء في حياته وفي أعماله. وكانت تارةٌ تعبيرًا مجازيًا للعبقريّة 
الخلاقةء وطورًا عائقًا أمام استكمال الإنجاز الفئّي. في خطيئة هوبارت» تضطرٌ 
الشخصيّة الأساسيّة. وهي ذكر وأنثى على حدٌّ سواء, إلى الاختيار بين إنجاب 
الأولاد وبين متابعة طموحاتها الأدبيّة. مع وجوب التخلّي أو الانفصال في 
الحالتين: إجهاض وليدهاء أو التخلّي عن وليد فكرها. 

لكن» عندما أصبح كواين والدًا في الحياة الحقيقيّة - أنت تدرك أنّ 
أورلندو لم تكن... أنت لا تختار أن يكون لديك طفلة مثل... لكتّه كان يحيّها 
وهي تبادله بالمثل.» 

«باستثناء الأوقات التي يهجر فيها أسرته لمخالطة عشيقاته أو تبديد 
مدخول العائلة في الفنادق الفخمة», قال سترايك. 

«لم يكن ليفوز بجائزة أفضل أب»» صاحت إليزابيث؛ «لكنّ المحبّة 
کانت موجودة.» 

خيّم الصمت على الطاولة وقرّر سترايك ألا يخرقه. كان واثقًا من أن 
إليزابيث تاسيل وافقت على هذا الاجتماع؛ - كما في المرّة الأخيرة - لأسباب 
خاضة بها وكان يتوق إلى سماعها. لذاء واصل تناول سمكته ريثما تقرّر متابعة 


الكلام. 

«سألتني الشرطة». قالت أخيرًا بعدما فرغ طبقه تقريبًاء «إذا كان أوين 
يبتزني بطريقة ما.» 

«حقًا؟» قال سترايك. 


كان ضجيج الأحاديث والصحون والأواني يملأ أرجاء المطعم» والثلج 
يتساقط في الخارج بكثافة متزايدة. في هذه الأثناء. بدأت الظاهرة المألوفة 


290 روبرت غالبریٹث t.me/ktabpdf‏ 


التي أخبر سترايك روبن عنها: المشتبه به الذي يرغب في التفسير والشرح 
بإسهاب مجدّدًاء مخافةٌ أن يكون أداؤه الأوّل قد فشل. 

«لقد لاحظوا انتقال مبالغ كبيرة من حسابي إلى حساب أوين على مرّ 
السنين»» قالت إليزابيث. 

لزم سترايك الصمت, فخلال لقائهما السابق» كان قد فوجىء حين علم 
بأنها تسدّد فواتير إقامة كواين في الفنادق, ما لا ينسجم عادةً مع طباعها. 

«لسث أفهم لِمَا قد يبترّني أحدهم!» صاحت وهي تلوي فمها القرمزيٰء 
«حياتي المهنيّة مستقيمة جدًا. وليس لدي فن حياة تشخصية تذكرء آنا 
التعريف عينه للعانسء أليس كذلك؟» 

لم يقل سترايك شيئًاء إذ أدرك أنّه من المتعذّر الإجابة على مثل هذا 
السؤالء حتى ولو بطريقة بلاغيّة. من دون أن يبدو قليل التهذيب. 

«بداً ذلك عندما ؤلدت أورلندو»» تابعت إليزابيث», «بدّد أوين كل 
الأموال التي جناهاء ومكثت ليونورا أسبوعين في العناية الفائقة بعد الولادة, 
وكان مايكل فانكورت يصيح أمام كل من يستمع إليه بأنَّ أوين قتل زوجته. 
كان أوين من الأشخاص المنبوذين في المجتمع. هو وليونورا مقطوعان من 
شجرة. أقرضئُّه بعض النقود. بصفتي صديقة, لتأمين احتياجات الطفلة. ثم 
قدَّمتٌ له سلفة ليدفع أجر الاختصاصيين الذين حاولوا معالجة أورلندو عندما 
اتضح أنْها تواجه مشاكل في النمو. ومن ثمّ وجب علىّ تسديد تكاليف علماء 
النفس. وسرعان ما أدركتٌ أثني أصبحت بمنزلة المصرف الشخصي للعائلة. 
كلّما وردت حقوق نشرء كان أوين يقسم عاليًا بأَنّه سيوفي لي ديونه, وكنت 
في بعض الأحيان أنجح في استعادة بضعة آلاف.» 

ثم استرسلت بإسهاب, «في قرارة نفسه. كان أوين لا يزال طفلًا غير 
ناضج» ما يمكن أن يجعله ثقيلًا لا يُطاق أو لطيقًا ساحرًا. كان عديم المسؤولية, 
متهؤرًاء مغروراء منعدم الضميرء ولا أمر يهمّه أو يردعه. كان ذلك غير معقول. 
لكن» إن شاءء يستطيع أن يكون مرحاء متحمّسًاء ومحبوبًا. بصرف النظر عن 
سوء سلوكه. ثمَّةَ ما كان يثير الشفقة لديه؛ هشاشة شاعريّة ورهافةء ما يجعلك 
راغبًا في حمايته. قد شعر والدغريف بذلكء والجنس اللطيف أيضّاء وأنا كذلك 


مكتبة دودة الحرير 291 


الأمر. والحقيقة أنني ظللت آملء بل أعتقد. أنه سينتج خطيئة هوبارت أخرى, 
ذات يوم. في كل رواياته المبتذلة, كانت هناك دائمًا لمسة صغيرة تستحقٌ 
العناء.» 

جاء النادل ليرفع الأطباق. عندما استفسر باهتمام عمًا إذا كان هناك 
من خطب في حساء إليزابيث, تجاهلت سؤاله بإيماءة لا مبالية وطلبت 
القهوة. أمَا سترايك فقبل بأن يؤتى إليه بقائمة التحليات. 

«غير أنّ أورلندو فتاة لطيفة». أضافت إليزابيث بصوت أجشّء «لطيفة 
جدًا.» 

«نعم...»» قال سترايك وهو يراقبها عن كثبء «هي تعتقد أُنّها رأتك 
تدخلين مكتب كواين في ذلك اليوم» عندما كانت ليونورا في المرحاض.» 

من الواضح أنها لم تكن تتوقّع تلك الملاحظة كما ولم تُعجبها قط. 

«خبر مثير!» 

شربت جرعة من الماءء ثم تردّدت بعض الشيء وأضافت: 

«مكاني» أيّ من الأشخاص الذين رُسموا بشكل ساخر في بومبيكس 
موري - مع العلم بأنّ أوين ربّما كان ليخبّىء لهم مفاجآت سيّئة أخرى - كان 
ليحذو حذوي» ويدخل المكتب ليلقي نظرة.» 

«وهل وجدت أي شيء؟» 

«له لأنّ المكان كان في فوضى عارمة. عرفتٌ على الفور أنّ البحث 
سيستغرق ساعات طويلة»» ثم رفعت ذقنها بتحدٌ وتابعت» «بصراحة, لم آشأ 
أن أترك بصمات. لذاء غادرت بسرعة مثلما دخلت. ربّما كان ذلك دنيئًاء 
لكئني تصرّفت بدافع العفويّة, ليس إِلا.» 

بدا لسترايك أنّها أفرغت كل ما في جعبتها من معلومات. بعد أن طلب 
فطيرة بالتفاح والفراولة» عاود إطلاق عجلة الحديث واستلم زمام المبادرة. 

«دانيال تشارد يريد أن يراني»» أبلغها سترايك, فانّسعت عيناها 
السوداوان من هول المفاجأة. 

«لماذا؟» 


292 روبرت غالبریث t.me/ktabpdf‏ 


«لا أعرف. سأذهب لزيارته في ديفون غدّاء ما لم يمنعني الثلج من 
ذلك. ولكن, قبل أن أقابله, أودّ أن أعرف لماذا رسمه كواين بملامح قاتل 
الشاب الأشقر في بومبيكس موري.» 

«لا تتكل علي لأساعدك في فك رموز ذلك الكتاب الرديء»» أجابت 
إليزابيث بحدّة وقد استعادت سلوكها العدائيّ والارتيابي, «لا» مستحيل.» 

«مؤسف»», قال سترايك. «لأنّ الناس يتداولون الشائعات في هذه 
الأثناء.» 

«لقد ارتكبتُ خطًا فادحًا بنشر الرواية اللعينة في أرجاء المدينة. فهل 
أضيف إليه بالثرثرة عنها؟» 

«سرك في أمان»» طمأنها سترايك «لا داعي لأن يعرف أحد من أين 
استقيتٌ معلوماتي.» 

لكنّها اكتفت برميه بنظراتها الحانقة بدون التفؤه بكلمة. 

«وماذا عن كاثرين كينت؟» 

«ماذا عنها؟» 

«لماذا كان الكهف الذي تسكن فيه في بومبيكس موري.ء مليئًا 
بجماجم الجرذان؟» 

لم تفتح إليزابيث فاها. 

«أعرف أنّ كاثرين كينت هي شخصيّة شرّيرة في الرواية» فقد التقيتُ 
بها»» تابع سترايك متسلّحًا بالصبرء «إن شرحت لي» وفْرتِ علي الوقت, ليس 
إلا. وأفترض أنّك تريدين أن نقبض على قاتل كواين, لا؟» 

«أنت شقاف جدًا», قالت بازدراءء «هل ينجح ذلك عادةً مع الآخرين؟» 

«نعم, نوعًا ما.», قال من دون أن يظهر عليها أي انفعال. 

تجهّمت قسماتهاء وفجأةٌ. حصل ما كان يتمنّاه في سرّه: 

«في النهاية؛ لا يهمّني أمر كاثرين كينت, كما لا أدين لها بشيء. وإذا 
أردت أن تعلم, فإنَ أوين كان يلمح إلى أنّها تعمل في مختبر يجري أبحانًا 
على الحيوانات: جرذان, كلاب, وقردة. يمارسون بحقّها أعمالّا فظيعة. لم 
تنفك تسقمني بالموضوع في إحدى الحفلات التي اصطحبها أوين إليها. كان 


مكقرة دودة الحرير 293 
فستانها مكشوف التقويرة وقد حاولت جاهدةً أن تؤثّر فيَّ». قالت إليزابيث 
باحتقار. «لقد رأيت كتابتها. إنها تجعل روايات دوركوس بينغيلي الإباحيّة 
تبدو مثل قصص أيريس ميردوخ. أعمالها هراء... هراء...» 

تناول سترايك عدّة لقمات من فطيرته بينما أخذت تسعل بشدّة في 
منديلها. 

«... حثالات مما يقدّمه لنا الإنترنت»», أنهت جملتها بعينين دامعتين 
من فرط السعالء «والأسوأ من ذلك أنَّها توفّعت أن أساندها ضدّ الطلّاب 
الجامحين الذين هاجموا المختبرات التي تعمل فيها. أنا ابنة طبيب بيطريٰء 
وقد نشأت برفقة الحيوانات وأحبّها أكثر مما أحبٌ الناس. لقد وجدثٌ 
كاثرين كينت امرأة مُريعة حقًا.» 

«هل لديك أيّة فكرة عن الشخص الذي تمثّله إبيسين ابنة شرّيرة؟» 
سأل سترايك. 

«لا»» أجابت إليزابيث. 

«والقزمة في كيس قاطع؟» 

«لن أتفوّه بكلمة واحدة عن هذا الكتاب البائس.» 

«هل تعرفين إذا كان كواين يعرف امرأة تدعى بيبا؟» 

«لم ألتق بواحدة تدعى بيبا. لكنّه كان يعطي دروسًا في الكتابة الخلاقة 
- لنساء في أواسط العمر يبحثنَ عن سبب للعيش. وهناكء وقع على كاثرين 
كينت.» 

إرتشفت قهوتها وألقت نظرة على ساعتها. 

«وماذا تستطيعين إخباري عن جو نورث؟» سأل سترايك. 

نظرت إليه بارتياب. 

«لماذا؟» 

«مجرّد فضول.» 

ذهل سترايك حين قرّرت أن تجيبء ربّما لأنّ نورث توفي منذ وقت 
طويل» أو بسبب تلك المسحة العاطفية التي استشفها لديها في مكتبها 
المكتظء في ذلك اليوم. 


294 روبرت غالبریث t.me/ktabpdf‏ 


« كان من كاليفورنيا. وقد جاء إلى لندن للعودة إلى جذوره الإنكليزية. 
كان مثلیًاء یصغرنا آنا ومايكل وأوين ببضع سنوات, وکان يكتب بأسلوب صريح 
أولى رواياته عن الحياة التي عاشها في سان فرنسيسكو. عرّفه مايكل بي. كان 
يجد عمله من الطراز الأؤلء لكنّ جو لم يكن ليكتب بسرعة. بل كان يهدر 
معظم وقته في اللهو والحفلات الساهرة, وإلى جانب ذلك - لكتّنا لم نعرف 
بالأمر إلا بعد سنتين - كان يحمل فيروس الإيدز ويرفض الخضوع لأيّ علاج. 
عندما تطؤّر مرضه...» تنحنحت إليزابيث وتابعتء «تذكر حتمًا الهستيريا 
الشعبيّة عند ظهور الفيروس المذكور.» 

لطالما اعتاد سترايك أن يعتبره الناس أكبر من عمره بعشر سنوات على 
الأقل, لكنّه لم يكن لينزعج من ذلك. في الواقع, كان قد سمع أمّه (التي لم تكن 
تتردّد في التكلم بكل شيء أمام أطفالها غير آبهة بأن يصدمهم الموضوع) تذكر 
المرض القاتل الذي يلاحق الذين يقيمون علاقات بدون ضوابط ويتشاركون 
الحمّن الملؤثة. 

«حين انهار جو وأصبح مجرّد طيف هزيلء اختفى فجأةٌ كل الذين 
كانوا يتشوّقون للدنوٌ منه عندما كان في زهرة شبابه» جميلًا وواعدًا. كلهم 
باستثناء مايكل وأوين - ولا بدّ من الاعتراف لهما بذلك. فقد قدّما له الدعم 
والمساندة, لكنه توفي من دون أن يُكمل روايته. 

كان مايكل مريضًا حينذاكء فلم يتمكّن من حضور الجنازة» لكنّ 
أوين حمل النعش. وعرفانًا من جو بالجميل إذ اعتنيا به. ترك لكل منهما 
ذلك المنزل الجميلء حيث كانوا يحتفلون ويجلسون طوال الليل يتسامرون 
ويناقشون الكتب. وقد حضرثتٌ بعض تلك الأمسيات. لقد كانت... أوقانًا 
سعيدة»» قالت إليزابيث. 

«هل استخدما المنزل بعد وفاة نورث؟» 

«لا أستطيع الإجابة عن مايكل, لكثني لا أظنّه قصده منذ خلافه مع 
أوين - خلاف وقع بعد الجنازة بوقت قصير»» قالت إليزابيت وهي تهرٌ 
كتفيها. «لم يعُد أوين يزور المكان إذ كان يخشى أن يلتقي صدفةً بمايكل. 
كانت شروط وصيّة جو غريبة بعض الشيء: أعتقد أنّهم يسمّون ذلك بندًا 


تة دودة الحرير 255 


مقيّدًا. فقد اشترط جو الحفاظ على المنزل كما هو وأن يخدم كملاذ أو خلوة 
للفتانين. وهكذاء نجح مايكل في منع بيع المنزل طوال تلك السنين. لم يتمكن 
آل كواين من إيجاد فتّان يرغب بشرائه. لقد استأجره نحّات لمدّة من الزمن, 
لكنّ الأمر لم ينجح. كان مايكل شديد التدقيق بشأن المستأجرين وذلك لمنع 
أوين من الاستفادة ماليًا. هناك دومًا مجموعة من المحامين في تصرّفه ورهن 
إشارته, لتنفيذ نزواته كافّة.» 

«وماذا حدث لكتاب نورث الذي لم يكتمل؟» سأل سترايك. 

«أوه» تخلّى مايكل عن روايته الخاصّة ليكمل تحرير رواية جو بعد وفاة 
هذا الأخير. عنوانها نحو الهدفء وقد نشرها هارولد ويفر. منذ ذلك الحين, 
تحوّلت إلى أشهر رواية» ولا ينفكون يعيدون طبع نسخ منها.» 


نظرت إلى ساعتها ثانيةٌ. 
«علي الذهاب. لديّ اجتماع عند الثالثة. معطفي رجاءً». نادت على 
نادل كان مارًا من هناك. 


«أخبرني أحد الأشخاص...». قال سترايك مع أنّه يذكر تمامًا أنّ 
أنستيس مَن أخبره بذلك ولكتّه لم يشأ ذكر اسمه. «أُنّكِ أشرفت على أعمال 
ترميم في تالغارث رود قبل مدّة.» 

«أجل»» أجابت من دون اكتراث؛ «إحدى المهمّات الإضافيّة غير 
المألوفة بالنسبة إلى وكيلة أدبيّة ولكنّ كواين كان هكذا. كان علي تنسيق 
أعمال الترميم وإيجاد العممال. وقد أرسلتٌ إلى مايكل فاتورة بنصف التكاليف 
فسدّدها عبر محاميه.» 

«أكان لديك مفتاح؟» 

«وقد أعطيئه لمدير الورشة»», قالت بيرودة: «ثمّ أعدثه إلى آل كواين.» 

«أولم تراقبي الأعمال بنفسك؟» 

«بلى بالطبع. كان عليّ أن أتحقّق من النتيجة. وأعتقد أنّني ذهبت 
مرّتين.» 

«هل كانت تلك الأعمال تستلزم استعمال حمض الهيدروكلوريك؟» 

«سألتني الشرطة عن حمض الهيدروكلوريك أيضًا. لماذا؟» 


296 روبرت غالبريث t.me/ktabpdf‏ 


«لا أستطيع القول.» 

إنزعجت تاسيل. فمن الواضح أنّها لم تعد أن يكتم أحدهم المعلومات 
عنها. 

«إذَّاء سأكرّر لك ما قلبّه للشرطة: ربّما تركه تود هاركنيس هناكء على 
الأرجح.» 

«ممن؟» 

«النحّات الذي أخبرتك عنه. ذاك الذي استأجر المُحتّرف. أوين مَن 
أتى به ولم يستطع محامو مايكل إيجاد أي مبرّر للاعتراض. لكن. ما لم يدركه 
أحد هو أنّ هاركنيس غالبًا ما كان يعمل بالمعادن الصدئة ويستخدم مواد 
كيميائية أكالة. ألحق كثيرًا من الأضرار في المُحتَرف قبل أن يُطلب منه 
المغادرة. وقد قامت جهة فانكورت بعمليّة التنظيف وأرسلت لنا الفاتورة. 

أحضر النادل معطفها الذي كان بعض وبر الكلاب عالقًا به. سمع 
سترايك أزيرًا خافنًا صادرًا عن صدرها المُجهد وهي تقف. ثم غادرت إليزابيث 
تاسيل بعد مصافحة حازمة. 

إستقلٌ سترايك سيّارة أجرة إلى المكتب وهو ينوي في قرارة نفسه أن 
يتصالح مع روبن. فقد حدث بينهما سوء تفاهم هذا الصباح» ولم يكن واثقا 
من السبب. لكنء عندما نجح أخيرًا في ولوج المكتب الخارجيٌّ, وَقَتَحَ الباب 
الزجاجيّ وهو يتصبّب عرَقًا من ألم ركبته. محت كلمات روبن الأولى. كل 


نواياه واستعداداته الحسنة. 
«إتصلت شركة إيجار السيّارات للتو. ليس لديهم من سيّارة أوتوماتيكية. 
لكن يمكن أن يعطوك...» 


«إِما أوتوماتيكية أو لا شيء!». صاح سترايك؛ وألقى بثقله على الكنبة 
فأصدرت تنفيستها المعتادة وكأنها تُفرغ ما في جوفها من غازات, ما زاد من 
استيائه. «لا أستطيع قيادة سيّارة عاديّة وأنافي هذه الحالة! هل انُصلت...؟» 

«بالطبع اتَصلتُ بمكاتب أخرى». قالت روبن بجفاء. «حاولت مع 
الجميع. ليس هناك مَن يستطيع تأمين سيّارة أوتوماتيكية غدًا. كما أن 
توفّعات الطقس كارثيّة على أي حال. أعتقد أنه من الأفضل أن ت...» 


مكتبة دودة الحرير 257 


«سأذهب لاستجواب تشارد», أصرّ سترايك بعناد. 

كان الألم والخوف يغذّيان غضبه: الخوف من وجوب التخلّي عن 
الساق البديلة والعودة إلى العكازات ثانيةٌء ورفع ساق بنطاله إلى أعلى بواسطة 
دټوس» ومواجهة الشفقة في عيون مَن يراه. كان يكره الكراسي البلاستيكيّة 
القاسية في الممرّات المعقّمة؛ يكره رؤية الأطبّاء ينكبّون على ملقه الصحيّ 
السميك. وهم يتهامسون بشأن تعديل جهاز ساقه البديلة؛ يكره نصائحهم 
الهادئة: يجب أن يستريح, ويدلّل ساقه وكأنّها طفل مريض عليه أن يحمله 
معه أينما ذهب. في أحلامه لا يظهر مبتور الساق؛ في أحلامه يظهر كاملا 
وسليمًا. 

بالنسبة إليه» كانت دعوة تشارد فرصة غير متوقّعة, وهو يعتزم 
الاستفادة منها. كان يريد طرح أسئلة كثيرة على ناشر كواين, فالدعوة بحدّ 
ذاتها مستغربة جدّاء وكان سترايك متشوّفًا لمعرفة سبب هذه الدعوة. 

«هل سمعتّني؟» سألت روبن. 

«ماذا؟» 

«قلت, يمكنني أن أقلّك إلى هناك بنفسي.» 

«لا لا بمكنك»» قال سترايك بخشونة. 

«ولم لا؟» 

«يجب أن تكوني في يوركشاير.» 

«يجب أن أكون في محطة كينغز كروس في الحادية عشرة من مساء 
الغد.» 

«ستزدحم الطرقات بسيب تراكم الثلوج.» 

«سننطلق في الصباح الباكرء أو...»» أضافت روبن وهي تهڙ کتفيهاء 
«يمكنك أن تلغي موعد تشارد. لكنْ توقعات الطقس للأسبوع المقبل ليست 
بأفضل.» 

كان من الصعب للغاية أن يرجع إلى الوراء. أو ينقلب من الجحود 
إلى نقيضه؛ بينما تحدّق روبن فيه بعينيها الزرقاوين المائلتين إلى الرماديّ 
والملتمعتين بشرارة جريئة. فغمغم على الرغم منه: 


298 روبرت غالبریٹث t.me/ktabpdf‏ 


«حسناًء شكرًا لك.» 

«في هذه الحالء علىّ أن أجلب السيّارة», قالت روبن. 

«صحيح»» قال سترايك صارا أسنانه. 

كان أوين كواين مقتنعًا بأنّ المرأة لا مكان لها في المجال الأدبي؛ أما 
سترايك فلديه أيضًا أحكامه المسبقة في المسألة ولو لم يكن ليعترف بذلك 
- لكنء بدون سيّارة أوتوماتيكية ومع ركبة متفتّتة ألما هل كان ليملك من 
خيار؟ 


- 


28 


كان العمل البطوليَ الأشدّ فتكًا وخطورةٌ 
الذي أنجزه» منذ أن رفعت السلاح في وجه 
العدق:: 
بن جونسون, «لكلّ شخص مزاجه» 
في الخامسة من صباح اليوم التالي» ركبت روبنء مرتديةٌ وشاحًا وقفازاتء 
أبكر قطارات المترو. كان شعرها يلتمع بندف الثلج» وحقيبة ظهر صغيرة 
معلّقة على كتفهاء وفي يدها حقيبة أخرى وضّبت فيها الفستان الأسود 
والمعطف والحذاء التي تحتاجها لحضور جنازة السيّدة كانليف. لم يكن في 
وسعها العودة إلى البيت بعد الرحلة إلى ديفون لتعتني بهندامهاء بل كانت 
تعتزم التوجُه مباشرةً إلى محطة كينغز كروس بعد أن تعيد السيّارة إلى شركة 
الإيجار. 
جلست في المقصورة شبه الفارغة وحاولت استجماع أفكارها بشأن 
اليوم الذي ينتظرهاء على الرغم من الحماسة التي كانت تعتريهاء وذلك لأنّها 
كانت مقتنعة بأنّ سترايك يملك سببًا وجيهًا لاستجواب تشارد بأسرع ما 
يمكن. منذ بدأت تعمل لديه, قد تعلّمت روبن أن تثق بحكم رئيسها وحدسه 
الصائب, ما كان يثير انزعاج ماثيو. 


300 روبرت غالبریٹث t.me/ktabpdf‏ 


ماثيو... اشتدّت قبضة أصابع روبن المقفزة على مقبض الحقيبة 
بجانبها. هي لا تنفك تكذب عليه. لطالما كانت صادقة بطبعها ولم تكذب 
كذبة واحدة في سنوات علاقتهما التسعء أو أقله. لم تفعل ذلك إِلّا مؤحُرًا: هي 
الآن تكذب أحيانًا بإغفال الأمور. حين سألها ماثيو عبر الهاتف ليلة الأربعاء 
عمًا فعلته أثناء العمل في ذلك اليوم, لم تخبره بالتفاصيل. لم يكن من الوارد 
أن تعلمه بأنّها عادت مع سترايك إلى تالغارث رود إلى ساحة الجريمة» ولا 
بشأن الغداء في ألبيون. وكذلك الأمرء بالنسبة إلى حادثة محطّة ويست 
برومبتون» حيث اضطرٌ سترايك إلى الائكاء على كتفها بغية عبور الجسر الذي 
يعلو السكك. 

لكنّها قد تعمّدت الكذب أيضًا. في الليلة الماضية حين اقترح عليها 
ماثيو - شأنه شأن سترايك - أن تأخذ يوم إجازة» وتركب قطارًا مبكرّاء قالت 
وقد انزلقت الكذبة من بين شفتيها بسهولة قبل أن تفر فيها حنّى «حاولتُ 
لكنّ كلّ المقاعد كانت محجوزة. لعلّ الثلج هو السببء أليس كذلك؟ أعتقد 
أن معظم الناس قرروا ركوب القطار بدلا من المخاطرة بركوب سيّاراتهم. لا 
بأسء قطار الليل سيفي بالغرض.» 

وما عساي أقول سوى ذلك؟ فكّرت روبن فيما راحت تنظر إلى انعكاس 
ملامحها المشدودة على الزجاج الداكن. لانفجر غضبًا. 

الحقيقة أنّها كانت تريد مرافقة سترايك إلى ديفون. كانت ترغب 
في الابتعاد عن حاسوبها - بصرف النظر عن الرضى الذي تمنحه لها إدارتها 
الكفوءة للمكتب - والمشاركة في التحقيق ميدانيًا. فهل كانت تطلب الكثير؟ 
هذا ما كان ماثيو يظنه؛ لم يكن طموحها الخاصٌ ليدخل ضمن حساباته. بل 
كان يريدها أن تعمل في قسم الموارد البشريةء لدى شركة الإعلانات تلك التي 
عرضت عليها راتبًا يبلغ ضعفي ما تتقاضاه تقريبًا. فالحياة في لندن مكلفة 
جدّاء وماثيو يريد شقّة أكبر. لا بد من أنه كان يتوقّع منها... 

ثم كان هناك سترايك وتلك العبارة المخيبة التي تصيبها بتشئج في 
المعدة كلما فكرت فيها: علينا التفكير جدَّيًا بتوظيف شخص إضافيّ. من 
كثرة ذكر سترايك لهذا الشريك المحتملء انّخذ هذا الأخير شكلًا خرافيًا في 


مكتبة دودة الحرير 301 


ذهن روبن: امرأة ذات شعر قصير ووجه عبوسء نسخة مطابقة عن الشرطيّة 
التي كانت تحرس مسرح الجريمة في تالغارث رود. ستكون كفوءة ومدرّبة 
وتتمّع بكلّ ما تفتقر إليه روبن» وغير مثقلة بعبء خطيب مثل مائيو (لم تجرؤ 
روبن يومًا على التلفظ بهذه العبارة التي تجلّت لها الآن بوضوح» تحت أضواء 
المقصورة الساطعة. التي كانت تشقّ طريقها وسط الليل الحالك. بضجيج 
أصمّ). 

لكنّ ماثيو محور حياتها ومركزها الثابت. إِنّها تحبّه, ولطالما أحبّته. 
وقف إلى جانبها في أسوأ فترات حياتهاء بينما كان غيره من الشبّان ليهجرها. 
هي تريد أن تتزوج به وستفعل حقًا. المسألة أنّهما لم يختلفا اختلافًا جذريًا 
البئّةَ من قبل. بل ثمّة ذرّة دخيلة تتعلّق بعملهاء وقرارها البقاء مع سترايك, 
وتتعلّق بسترايك نفسه, قد أفسدت توازن علاقتهماء ذرّة جديدة ومُقلقة... 

كانت التويوتا لاند كروزير التي استأجَرتها روبن» تنتظرها منذ البارحة 
في كيو-بارك في تشاينا تاون» وهو من أقرب مواقف السيّارات إلى شارع 
الدانمارك, حيث لا مكان لركن سيارة. إنُجهت روبن بخطى منتظمةء وحقيبة 
السفر الصغيرة تتأرجح في يدها اليمنى» نحو الموقف المتعدّد الطبقات. 
الحذاء الذي اختارته مسطَكًا وإِّما أنيقًا بالقدر الكافيء لم يكن يحول دون 
انزلاق قدمها على الثلج المتراكم. وهي تجتاز الشوارع المظلمةء حاولت منع 
نفسها من التفكير في ماثيو. أو في ما يمكن أن يفكر به أو يظئّه. لو رآها 
في هذه الأثناء وهي تستعدٌ لتمضية ستّ ساعات في السيّارة لوحدها برفقة 
سترايك. بعد أن وضعت الحقيبة في صندوق السيّارة. جلست على مقعد 
السائق. وأعدّت جهاز ال 675. وعدّلت التدفئة» وشكّلت المحرّك لإضفاء 
بعض الدفء داخل السيّارة. 

تأخّر سترايك في الوصول» على غير عادته. فاغتتمت روبن الفرصة 
لتتعرّف إلى أجهزة التحكّم بالسيّارة. كانت تحب السيّارات ولطالما أحبّت 
قيادتها. منذ سنّ العاشرة, كانت تُجيد قيادة جرّار في مزرعة عمّها شرط أن 
يساعدها أحدهم بحل المكبح اليدويّ. وقد نجحت في اختبار القيادة من 


302 روبرت غالبریث t.me/ktabpdf‏ 


المرّة الأولى, خلافًا لماثيو. لكنّها تعلّمت ألا تناكفه بهذا الشأن نظرًا لحساسيته 
المفرطة في المجال. 

لمحت روبن طيقًا عبر مرآة السيّارة فدققت النظر. كان سترايك 
يتقدّم نحو السيّارة بجهد على عكازين, مرتديًا بدلة داكنة» ورجل البنطال 
اليمنى مرفوعة ومشبوكة بدبّوس. 

شعرت روبن بانقباض في معدتهاء لا بسبب ساقه المبتورة والتي 
كانت قد رأتها من قبل وفي ظروف أكثر إيلامًاء بل لأنّها المرّة الأولى التي ترى 
فيها سترايك يخرج في العلن بدون ساقه البديلة. 

خرجت من السيّارة لتساعده» ثمّ تمنّت لو أنّها لم تفعل عندما لمحت 


تعابيره المتجهمة. 
«أحسنت التفكير بإيجار سيّارة دفع رباعيّ», قال سترايك بنبرة ردعتها 
عن ذكر ساقه. 


«نعم» فكرث في أتها قد تصلح أكثر في هذا الطقس»» قالت روبن. 

إلتف سترايك حول السيّارة إلى المقعد المجاور للسائق. وأدركت روبن 
أنّه لا يجدر بها أن تعرض المساعدة. شعرت بوجود منطقة حظر حوله كما لو 
أنه يرفض بقوّته الذهنيّة وحسبء, كل عروض المساعدة أو تعابير التعاطف. 
لكنء هل سيتمكن من دخول السيّارة بمفرده؟ رمى سترايك العكازين على 
المقعد الخلفي ووقف برهةٌ غير متوازن تمامًاء ثمّ رفع نفسه بسلاسة إلى 
داخل السيّارة في عرض لقوى الجزء العلوق من جسده. لم تر مثيلًا له من 
قبل. 

قفزت روبن إلى داخل السيّارة على عجل. أغلقت بابهاء ووضعت حزام 
الأمان» ثم رجعت بالسيّارة إلى الخلف خارجةً من الموقف. كان صدّ سترايك 
العنيف لها قد أحبطها وأقام نوعًا من الجدار بينهما. بيد أنّها لم تتدخّل في 
أموره يومًا ولم تحاول قط رعايته كالطفل, بل أقصى ما فعلته هو أن تقدّم له 
أقراص باراسيتامول... 

كان سترايك يعرف تمامًا بأنه يتصئف كالأحمقء ما زاد من تضايقه. 
عندما استيقظ صباحًاء أدرك أن محاولة تركيب الساق البديلة بينما ركبته 


مكتبة دودة الحرير 303 


متورّمة وتؤلمه ألما شديدًاء ضرب من الحماقة. وقد أجبر على هبوط السلّم 
المعدني» على قفاه. كطفل صغير . عندما عبر شايرينغ كروس رود بالعكازات 
على الجليد. حدّق به مشاة الصباح الباكر والقليلون الذين تحدّوا الصقيع 
القطبيّء وكأنّه من الكائنات الفضائيّة. العودة إلى العكازين كان تقهقرًا بالنسبة 
إليه, وإِنّما كان عليه مواجهة الواقع: لقد استنفد قواه وظنّ أن سترايك الذي 
يمشي كاملا وسليمًا في أحلامه موجود في الحقيقة. 

لحسن الحظ أنّ روبن تحسن القيادة على الأقل, فكر سترايك في قرارة 
نفسه. فأخته لوسي تقود مشئّتة الفكر, ولا يُعتمد عليها الببّة خلف المقود. 
أمَا شارلوت فكانت تقود سيّارتها اللكسوس بطريقة تسيب لسترايك ألما بدنيًا: 
تتجاوز الإشارات الحمراء. وتسير عكس السير في 7 ع ذات انّجاه واحد, 
تدحّن وتتحدَّث بالهاتف, وتكاد تصدم الدرّاجين أو أبواب السيّارات المتوقفة 
إذا ما كانت مفتوحة... منذ انفجار مدرّعة الفايكنغ على تلك الدرب الرمليّة 
الصفراءء لم يكن سترايك ليحتمل الركوب إلى جانب سائق ما لم يكن محترفًا. 

بعد صمت طويلء قالت روبن: 

«هناك قهوة في حقيبة الظهر.» 

«ماذا؟» 

«في حقيبة الظهر... ثمّة ترموس قهوة. لا أعتقد أنّ علينا التوقف إلا 
في حالة الضرورة القصوى. وهناك بعض البسكويت أيضًا.» 

كانت المسّاحتان تجهدان لإزالة ندف الثلج المتكدّسة على الزجاج 
الأماميّ. 

«أنت جوهرة حقيقيّة»: قال سترايك الذي أخذ تحفّظه يتراجع. فهو لم 
يتناول الفطور إذ استغرق تهيّؤه ضعفي الوقت الذي قدَّره: محاولات فاشلة 
في تركيب الساق البديلة» وإيجاد دبّوس يشبك به رجل البنطال» واستعادة 
عكازيه ثم النزول على السلالم. إرتسمت على وجه روبن ابتسامة صغيرة. 

صب سترايك القهوة لنفسه وتناول قطعة من السابليه. كلما هداً 
جوعه» تزايد إعجابه ببراعة روبن في قيادة سيّارة لم تخبرها من قبل. 


304 روبرت غالبریٹ t.me/ktabpdf‏ 


«ما نوع السيّارة التي يقودها ماثيو؟» سألها عندما تجاوزا جسر 
بوسطن مانور. 

«ليس لدينا من سيّارة في لندن»: أجابت روبن. 

«أجل؛ لا داعي»» قال سترايك وهو يفكّر في سرّه بأنّ روين قد تتمكن 
من شراء سيّارة إذا منحها الراتب الذي تستحق. 

«ما الأسئلة التي تعتزم طرحها على دانيال تشارد؟» سألته روبن. 

«الكثير منها»» أجاب سترايك وهو ينفض فتات الحلوى عن سترته 
الداكنةء «أَوَلّه إذا كان قد تشاجر مع كواين» وإن نعم» فما سبب الشجار. لا 
أفهم لماذا قرّر كواين - حتّى ولو كان بالإزعاج الذي يزعمون - مهاجمة رجل 
يتحكّم بلقمة عيشه ولديه النقود التي تتيح له مقاضاته وزجّه في غياهب 
السجن.» 

مضغ سترايك السابليه ثمّ أضاف: 

«هذا ما لم يكن جيري والدغريف مُصيبًا في أنّ كواين كان يعاني 
من انهيار حقيقيَ عندما شرع بتأليف كتابه. ما قد يفسّر لِمَا هاجم كل من 
اعتبرهم مسؤولين عن فشله.» 

كانت روبن قد أكملت قراءة بومبيكس موريء فيما كان سترايك 
يتناول الغداء مع إليزابيث تاسيل في اليوم السابق» فسألت: 

«أليس الأسلوب شديد التماشك بالنسبة إلى شخص مُصاب بانهيار؟» 

«ربّما يكون التركيب اللغويّ سليمًاء لكن. عليك الاعتراف بأنّ هذه 
الرواية ثمرة ذهن مخبول.» 

«رواياته الأخرى مشابهة لها.» 

«لكنّ أنّا منها ليس بجنون بومبيكس موري»» قال سترايك. «ثمَة حبكة 
مقنعة في خطيئة هوبارت والإخوة بلزاك.» 

«وفي هذه أيضًا.» 

«هل من حبكة حقًا؟ برأيي, رحلة تجوال بومبيكس مجرّد طريقة لقذف 
الأشخاص المقصودين بسيل من الفظائع.» 


مگثزة دودة الحرير 305 


كان الثلج يتساقط بكثافة متزايدة عندما عبرا المخرج إلى هيثرو, 
وهما يتحدّثان عن مختلف غرائب الرواية وطرائفهاء ويهزآن باستطراداتها 
المتواصلة وغيرها من السخافات. كانت الأشجار على جانبي الطريق السريع» 
تبدو وكأنّها محمّلة بأطنان من السكر الناعم. 

«ربّما ولد كواين متأخَرًا أربعمئة سنة». قال سترايك» وهو لا يزال يأكل 
السابليه. «أخبرتني إليزابيث تاسيل عن تراجيديا يعقوبيّة بطلها هيكل عظميّ 
مسموم متنكر بثياب امرأة. أفترض أنّ أحدهم مارس الجنس معها وقضى 
فورًا. هذا يشبه كثيرًا ما عمد فالوس أمبوديكوس إلى...» 

«لا تكمل», قاطعته روبن وهي تضحك ضحكة مرتعدة. 

لكنّ سترايك أذعن ليس بسبب احتجاجهاء أو بسبب الحشمة. بل 
ثمَة ما التمع عميقًا في لا وعيه بينما كان يتكلم. أخبره أحدهم... بل قال 
أحدهم... لكنّ الذكرى العابرة تلاشت كومضة سريعة» كسمكة صغيرة تختبىء 
تحت باقة من الطحالب في قعر البحيرة. 

«هيكل عظميّ مسموم»؛ همهم سترايك منقَبًا في دماغه. لكنّ الأوان 
كان قد فات. 

«وأكملت خطيئة هوبارت ليلة أمس أيضًا». قالت روبن وهي تتجاوز 
سيّارة بريوس متباطئة. 

«أنت لا تشبعين»», قال سترايك وهو يمدّ يده لتناول قطعة سادسة من 
البسكويت, «لم أكن أعرف أنّ نثر كواين يمتعك لهذا الحدّ.» 

«أجده ما دون الصفرء ولن أبدّل رأيي. في خطيئة هوبارت, البطل 


هو...» 
«خنثى حامل وقد أجهضت لأنّ الطفل يعيق طموحاتها الأدبيّة»؛ أكمل 
سترايك. 
«هل قرأتها؟» 


«لا؛ أخبرتني إليزابيث تاسيل بذلك.» 
«نقرأ فيها عن كيس ملطّخ بالدم»» قالت روبن. 


306 روبرت غالبریث t.me/ktabpdf‏ 


أدار سترايك رأسه ليتأمّل جانبيًا وجهها الشاحب والجادّ. كانت تقود 
وهي تراقب الطريق أمامها بانتظام» وتنظر إلى مرآة الرؤية الخلفيّة بين الفينة 
والأخرى. 

«وماذا يوجد في داخل الكيس؟» سأل المُحقّق. 

«الطفل المولود ميئًا», قالت روبن» «هذا فظيع.» 

فكّر سترايك في هذه المعلومة وهما يتجاوزان المنعطف إلى مايدينهاد. 

«غريب»». قال أخيرًا. 

«بل هزليّة بشعة»» قالت روبن. 

«له إِنّه أمر غريب»»: أصرٌ سترايك. «كواين يكدّر نفسه. ذلك هو العنصر 
السَرَّديّ الثاني الذي يأخذه من خطيئة هوبارت ليضعه في بومبيكس موري؛ 
خنثيان» وكيسان ملطّخان بالدم. لماذا؟» 

«لكنء مع بعض الفروقات», قالت روبن» «في بومبيكس موريء الكيس 
الملطّخ بالدم ليس للخنثى ولا يحتوي على طفل جهيض... ربّما جمّت مخيّلة 
كواين آنذاك. ربّما كانت يومبيكس موري أشبه بوصيّته الأدبيّة الأخيرة. 
فضيحة كبرى أخيرة.» 

«أو محرقة جنازة مسيرته المهنيّة.» 

إستغرق سترايك عميقًا في التفكير فلم يلاحظ تتالي المشاهد الطبيعيّة 
في الخارج والتي راحت معالم الريف تغلب عليها تدريجيًا. كانت الفجوات 
بين الأشجار تكشف عن مساحات واسعة من الثلج؛ بياض على بياض» تحت 
سماء رماديّة داكنة. كان الثلج لا يزال يتساقط بالكثافة والإيقاع عينهما أمام 
السيّارة. 

«ثمّة شرحان هنا على ما أظنّ»: قال سترايك أخيرّاء «إمَا أنّ كواين كان 
يعاني من انهيار فعليّ فكتب أي شيء وكيفما انّفق, ظنًا منه بأنّه ببتدع تحفة 
رائعة - وإمًا أنه قصد إلحاق أكبر قدر من الأضرارء ولتكراراته سبب معيّن 
هنا.» 

«ما هو؟» 


مكعتبة دودة الحرير 307 


«ربّما استعملها كمفاتيح»»: قال سترايكء «بالإشارة إلى كتبه الأخرى, 
أراد مساعدة القارىء في فهم مغزى بومبيكس موري. مع تفادي تحمل 
المسؤولية القانونيّة عن التشهير.» 

لم تُبعد روبن نظرها عن الطريق المغطاة بالثلج, لكنها أمالت وجهها 
نحوه مقطبة الحاجبين. 

«أتعتقد أنّه تعمّد فعل ذلك؟ وأنّه أراد أن يثير فضيحة كبرى كهذه؟» 

«إذا ما فكرت مليًا في الأمر». قال سترايك, «تجدين أنّها ليست بخطة 
سيّئة لكاتب مغرور يواجه صعوبة في تصريف كتبه. يرمي بكتاب - فضيحة 
في السوقء فيطال العديد من كبار الشخصيّات, بما فيهم كاتب شهير يقوم 
بشتمه وإِنّما بشكل مستتر. كل المدينة لا تعود لتتحدّث إِلَّا عنه وعن 
كتابه. تطلق التهديدات بملاحقته قانونيًاء ويتلقّى القرّاء صدمة هامّة... وإذا 
به يختفي هروبًا من العدالة» وقبل أن يتمكّنوا من منعه, ينشر كتابه عبر 


الإنترنت.» 
«لكنّه استشاط غضيًا عندما أبلغته إليزابيث تاسيل بأنّها لن تنشر 
الرواية.» 


«هل كان غاضبًا فعلا؟» فكر سترايك مليًاء «أو كان يتصنّع ذلك؟ هل 
ظل يلح عليها بقراءة الكتاب لأنه كان يستعدٌ لاصطناع شجار علنيّ مُقنع؟ 
يبدو لي ذا ميول استعراضيّة مَهولة. ولع كل ذلك جزء من خطة للترويج 
لكتابه. كان كواين يعتبر أنّ دار روبر تشارد لم تكن لتمنحه الدعاية الكافية - 
ليونورا مَن أخبرني بذلك.» 

«إذاء تعتقد أنّه خطّط للخروج غاضبًا من المطعم عندما اجتمع 
باليزابيث تاسيل؟» 

«ذلك ممكن»» قال سترايك. 

«ومن ثم الذهاب للاختباء في تالغارث رود؟» 

«ربّما.» 

كانت الشمس قد بزغت تمامًا الآن» بحيث تلألأت قمم الأشجار 
المتجمّدة بالومضات الملوّنة. 


308 روبرت غالبریث t.me/ktabpdf‏ 


«وقد حصل على ما أراد. أليس كذلك؟» قال سترايك شبه مغمض 
العينين وهو ينظر إلى آلاف ندف الثلج البأوريّة تلتمع على زجاج السيّارة 
الأمامي» «ما كان في وسعه أن يدبّر دعاية أفضل لكتابه ولو حاول ذلك. لكنّه 
للأسفء لم يعش ليشاهد نفسه في أخبار البي بي سي .» 

«أوه: تًا»؛ أضاف بصوت منخفض. 

«ما الأمر؟» 

«آسف... أكلت كل البسكويت»» قال سترايك بملامح طفل نادم. 

«لا بأس»» قالت روبن باسمة «لقد تناولتُ فطوري هذا الصباح.» 

«أما أنا فلا»» اعترف سترايك. 

القهوة الساخنةء وحديثهما الممتع» والتسهيلات العمليّة التي أتُخذَّتها 
تأميئًا لراحته. جعلت نفوره من مناقشة أمر ساقه يتلاشى بكامله. 

«لم أستطع تركيب الساق البديلة اللعينة. فركبتي متورّمة كما لم تكن 
يومًا: علي أن أقصد طبييًا. سيستغرق تماثلي للشفاء وقنًا طويلًا.» 

كانت روبن قد خمّنت الوضع مسبقاء لكنّها قدّرت ثقته بها. 

تجاوزا ميدانًا كبيرًا للغولف مزروعًا بأعلام تبرز هنا وهناك من طبقة 
الثلج. ثمّ عبرا كسّارات تذكر خنادقها المليئة بالماء. بصفائح من سبيكة لامعة 
سفعتها شمس الشتاء الخجولة. إذ اقتربا من سويندون, رنّ هاتف سترايك. 
تحقّق سترايك من الرقم (كان يشك في أن تكون مكالمة أخرى من نينا لاسيلز) 
فرأى أنّ المتّصلة إلساء صديقته القديمة. قبل أن يجيب» لمح على لائحة 
الاتصالات التي فاتته» مكالمة من ليونورا كواين في السادسة والنصف. لا بد 
نها اتصلت وهو يجهد في اجتیاز شايرينغ كروس رود» علی عکازیه. 

«مرحبًاء يا إلسا. ماذا يجري؟» 

«يجري الكثير في الواقع». قالت إلسا وتبيّن له من صوتها البعيد 
المصحوب بطنين أنّها تتحدّث من سيّارتها. 

«هل اتّصلت بك ليونورا كواين يوم الأربعاء؟» 

«نعم, والتقينا عصر ذلك اليوم. وقد تحدّثت إليها مجذدّدًا للتو. 
أبلغتني أنّها حاولت الاتّصال بك هذا الصباح ولكنّك لم ُجب.» 


مكتبة دودة الحرير 309 


«أجلء بدأتٌ عملي باكراء فلم أنتبه لاتصالها.» 

«منحتني الإذن لإبلاغك...» 

«ماذا؟ ما الذي يحدث؟» 

«لقد أخذوها للاستجواب. وأنا في طريقي إلى المخفر الآن.» 

«اللعنة, اللعنة, ماذا لديهم ضدّها؟» 

«أخبرتني بأنّهم عثروا على صور فوتوغرافية في غرفة نومهما. يبدو أنّ 
كواين كان يحب أن يُقيّد وأن يُصوّر في هذه الوضعيّة», قالت إلسا من دون 
أي انفعالء «أبلغتني كلّ ذلك وكأنّها تتحدَّث عن الاعتناء بالحديقة.» 

كان في وسعه أن يتبيّن عبر الهاتف ضجيج حركة المرور الكثيفة في 
وسط لندن. أمَا هنا على الطريق السريع؛ فلم يكن ليسمع أيّ صوت. ما خلا 
الإيقاع الرتيب لمسّاحتي زجاج السيّارة الأماميّء والخرخرة المستمرّة للمحرّك 
وأزيز العربات التي كانت لتتجاوزهما بتهؤر بين الحين والآخر تحت العصف 
الثلجيّ. 

«كان يجدر بها التذاكي والتخلص من تلك الصور»» تمتم سترايك. 

«سأتظاهر بأنّني لم أسمعك تقترح إتلاف الأدلّة». قالت إلسا ممازحة. 

«هذه الصور ليست دليلا», قال سترايك؛ «لا بد أن يتمتّعا بحياة 
جنسيّة خارجة عن المألوف! وإِلّا فكيف استطاعت ليونورا الاحتفاظ برجل 
مثل كواين؟ المشكلة أنّ أنستيس شديد التزمّتء فهو يعتقد أنّ الحياة 
الجنسيّة غير التقليديّة تشي بميول إجراميّة.» 

«ماذا تعرف عن العادات الجنسيّة للضابط المكلّف بالتحقيق؟» سألت 
إلسا متندّرة. 

«إته الرجل الذي أصيب معي في أفغانستان»» غمغم سترايك. 

«أوه...»» قالت إلسا. 

«وهو مصمّم على تجريم ليونورا. إن كان هذا كل ما لديهم, صور 
فاحشة...» 

«لاء هذا ليس کل شيء. هل كنت تعرف أنّ آل كواين يملكان مستودع 
مهملات؟» 


310 روبرت غالبریث t.me/ktabpdf‏ 


تشنّج سترايك فجأةً. أيمكن أن يكون مخطئًاء مخطنًا تمامًا طيلة 
الوقت...؟ 

«إِذَاء أكنت تعرف ذلك؟» ألحّت إلسا. 

«وماذا وجدوا فيها؟» سأل سترايك وقد هَجّرته اللامبالاة «ليس 
الأحشاء؟» 

«ماذا قلتَ؟ كأئني سمعت ليس الأحشاء!» 

«ماذا وجدوا؟» صحّح سترايك سؤاله. 

«لا أعرف» لكتّني أنوي اكتشاف ذلك عندما أصل إلى هناك.» 

«ليست قيد التوقيف؟» 

«لاء هذا مجرّد استجواب. لكنّهم مقتنعون بأنّها القاتلة» أستشعر ذلك. 
ولا أظنّها تدرك خطورة الموقف. عندما انُصلت بيء, لم تتحدّث إلا عن ابنتها 
التي تركتها مع الجارة» وعن اضطراب ابنتها...» 

«إبنتها في الرابعة والعشرين وهي متخلّفة بعض الشيء.» 

«أوه»» قالت إلساء «إِنّه أمر محزن... إسمع» أكاد أصل إلى هناك علي 
أن أقفل.» 

«أطلعيني على المستجدّات.» 

«لا تكن على عجل. أشعر بأنّ الأمر سيطول.» 

«اللعنة»» ردد سترايك ثانية وهو يقفل الخط. 

«ماذا حصل؟» 

فجأةً خرجت شاحنة-صهريج ضخمة من الخطّ البطيء, لتتجاوز هوندا 
سيفيك تحمل علامة «طفل في الداخل» على زجاجها الخلفيّ. إذ رأى سترايك 
الصاروخ الفضّي الهائل يتمايل على الطريق الجليديّة وسرعته تزداد اطرادًاء 
شكر بصمت ردّ فعل روبن الارتكاسيّ والتي بطّأت سرعتها عن حذرء تاركة 
مزيدًا من المسافة في حال اضطرّت إلى استعمال المكابح. 

«ليونورا في مخفر الشرطة الآن. هي تخضع للاستجواب.» 

شهقت روبن. 


مكتبة دودة الحرير 31 


«عثروا على صور لكواين مقيّدًا في غرفة نومهماء وعلى أشياء أخرى في 
مستودع مهملاتء لكنّ إلسا لا تعرف ماذا...» 

كان سترايك قد أحسّ بشعور مماثل من قبل: إنتقال مفاجئ من الهدوء 
إلى العاصفة, الزمن وقد تعلّق فجأةٌ. إدراك ثاقب وحادٌّ للحقيقة والمُجريات. 
حواسّه الخمس في استنفار كامل. 

إنزلق الصهريج منحرفًا عن مساره ليعترض الطريق العام بشكل 
مفاجىء. 

سمع سترايك نفسه يصرخ بأعلى صوته «توقفي!» مثلما فعل في المرّة 
الأخيرة, في المدرّعة. وهو يحاول طرد شبح الموت... 

عوضًا عن الإذعان لأوامره. زادت روبن من سرعة السيّارة التي هدرت 
واثبةٌ إلى الأمام. لكن: لم يكن هناك من مجال للمرور. إنقلب الصهريج على 
الطبقة الجليديّة. ودار حول نفسه. فاصطدمت به الهوندا وانقلبت بدورها 
منزلقة على سقفهاء نحو حافّة الطريق. إرتطمت سيّارتا غولف ومرسيدس 
الواحدة بالأخرىء وراحتا تنزلقان معًا بسرعة فائقة, نحو قاطرة الصهريج... 

أمَا روبن وسترايك فكانا يسيران بسرعة باتّجاه الهوندا المنقلبة. 
لكنّ روبن تمككنت من تفادي الاصطدامء بفارق سنتيمترات قليلة. تشبّث 
سترايك بمقبض الباب عندما شعر باللاند كروزير ترتطم بحافة الطريق - 
هل سيسقطان في الخندق؟ هل تنقلب السيّارة بهما؟ كانت روبن تزيد من 
سرعتها أكثر فأكثر في حين واصلت الشاحنة الانزلاق. كان مؤْخّر الصهريج 
ينتصب أمامهما كحاجز مميت. لكنّ التويوتا كانت تتقدّم بسرعة فائقة, 
بحيث تفادت الصهريج بمقدار شعرة. في ارتجاج عنيف - إصطدم رأس 
سترايك بسقف السيّارة - عادت ثانيةً إلى الطريق المعبّدء وابتعدت بهما عن 
مكان الاصطدام, سالمةٌ من دون أيّ ضرر. 

«يا إلهي...» 

حينذاك فقطء ضغطت روبن على المكابح. فاستجابت السيّارة على 
الفور وبكل أمان. لكنء عندما ركنتها أخيرًا على كتف الطريقء كان وجهها 
أبيض كالثلج المتساقط على زجاج السيّارة الأمامي. 


312 روبرت غالبریٹث t.me/ktabpdf‏ 


«ثمّة طفل في سيّارة الهوندا.» 

قبل أن يتمكن سترايك من الإجابة, كانت قد خرجت من السيّارة 
صافقةٌ الباب وراءها. 

مال فوق المقعد محاولًا الإمساك بعكازيه. لم يشعر بعجزه يومًا 
كما في تلك اللحظة. عندما تمكن أخيرًا من جذب العكازين» سمع صوت 
الصفارات. نظر بعينين نصف مغمضتين عبر زجاج السيّارة الخلفي؛ فشاهد 
الأضواء الزرقاء الوامضة في البعيد. لقد وصلت الشرطة, أمَا هو فمجرّد عاجز 
مبتور. رمى العكّازين على المقعد الخلفيّ وهو يلعن ويشتم من شدّة غيظه. 

بعد مضي عشر دقائق؛ عادت روبن إلى السيّارة. 

«لا شيء خطير»»؛ قالت لاهثة. «الطفل بخيرء كان جالسًا في مقعد 
السلامة الخاصٌ بالأطفال. سائق الشاحنة مضرّج بالدماء لكته لم يفقد 
الوعي...» 

«هل أنت بخير؟» 

كانت ترتجف قليلًا. لكنّها ابتسمت للسؤال. 

«أجلء أنا بخير. كنت أخشى أن أشاهد طفلًا ميئًا.» 

«حسئًا إِذّاء» قال سترايك وهو يأخذ نفسًا عميفًا. «أين تعلّمت القيادة 
هكذا؟» 

«أوه, تابعتٌ دورتين في القيادة المتقدّمة». قالت روبن وهي تهڙ 
كتفيها وتدفع شعرها المبلل بعيدًا عن عينيها. 

حدّق فيها سترايك مشدوهًا. 

«ومتى كان ذلك؟» 

«بعد أن تركثٌ الجامعة بقليل. كنت... أمرّ في أوقات عصيبة» ولم 
أكن لأخرج كثيرًا. إقترح والدي تلك الفكرة. فلطالما أحببتُ السيّارات. كانت 
مجرد هواية لتمرير الوقت». أضافت وهي تحكم حزام الأمان قبل أن تعاود 
تشغيل المحرّك. «في بعض الأحيان, عندما أزور والديء أتوجّه إلى المزرعة 
للتمرّن في ميدان يمتلكه عمّي.» 

إستمرٌ سترايك في التحديق بها. 


مكتبة دودة الحرير 213 


«هل أنت واثقة؟ ألا تريدين الانتظار قليلًا قبل أن...؟» 

«لاء لقد أعطيتهم اسمي وعنواني. لم يعد علينا سوى مواصلة الرحلة.» 

ما لبثت أن أقلعت بهدوء وتقدّمت بسلاسة على الطريق. أمَا سترايك 
فما انفك يندهش لهدوئثها ورباطة جأشها: لقد استعادت موقعها الأساسيّ 
ويداها تمسكان بالمقود بثقة وارتياح وأنظارها مركزة على الطريق أمامها. 

«في الجيشء. صادفتٌ سائقين متمرّسين ما بين الرتباء. لكتهم لا 
يملكون موهبتك في القيادة», أبلغها سترايك. «تعرفين؟ السائقون المدرّبون 
على شق طريقهم تحت النيران...». إلتفت إلى الوراء ونظر إلى المركبات 
المنقلبة التي تسدّ الطريق. «ما زلت لا أفهم كيف أخرجتنا من هذه الورطة.» 

لم تغالب الدموع روبن بعد تفادي الاصطدام المُحنَّم» لكن» مع 
سماعها مديح سترايك وإطراءاته. شعرت فجأةٌ بغصّة في حلقها. بذلت جهدًا 
كبيرًا لاحتواء انفعالها وقالت ضاحكةٌ: 

«أثدرك الآن؟ لو دست على المكبح, لانزلقنا واصطدمنا بالصهريج 
مباشرةً. » 

«نعم», أجاب سترايك وضحك بدوره. ثمّ قال كاذباء «لا أدري لماذا 
قلت ذلك.» 


t.me/ktabpdfF 


29 


ثمّة درب إلى جانبك الأيسر» 
تقوةامن الضمير البعذتب 
إلى غابة من اليأس والخوف - 
توماس كيد, «المأساة الإسبانيّة» 


على الرغم من شبه الاصطدام, بلغ سترايك وروبن بلدة تيفرتون في ديفونشاير 
بعد الثانية عشرة ظهرًا بقليل. مُتَّبعةَ إرشادات جهاز ال 655 بحذافيرهاء 
سارت روبن أمام صفْ من المزارع الهادئةء تعلو سطوح بيوتها طبقات كثيفة 
من الثلج الأبيض المتلألى. ثمّ عبرت جسرًا صغيرًا فوق نهر داكن التمؤجات, 
وتجاوزت كنيسة شامخة تعود إلى القرن السادس عشر. كانت على وشك 
الخروج من البلدةء حينما لمحا البوّابة الكهربائية بمنأى عن الطريق. 

كان شاب فيلبينيَ وسيم يحاول فتحها يدويًا. كان ينتعل حذاءً بنعل 
مطاطي ويرتدي معطفًا فضفاصضًا. عندما شاهد اللاند كروزيرء أومأ إلى روبن 
بفتح النافذة. 

«إنّها متجمّدة»؛ قال باختصارء «أرجو منكما الانتظار لحظة.» 

إنتظرا خمس دقائق إلى أن نجح أخيرًا في كسر جمود البوابة وإزالة 
الثلج المتراكم أمامها للتمكّن من فتحهاء بينما كان الثلج لا يزال يتساقط. 

«هل نقلّك إلى المنزل؟» سألته روبن. 


مكتبة دودة الحرير 315 


دخل السيّارة وجلس على المقعد الخلفيّ قرب عكازي سترايك. 

«أأنتما صديقان للسيّد تشارد؟» 

«إِنّه ينتظرنا»» أجاب سترايك متهرّبًا من السؤال. 

تقدّموا عبر ممرّ خاصٌ طويل وملتفء وكانت اللاند كروزير تشقٌ 
طريقها بسهولة وانسياب على الثلج المتراكم منذ ليلة أمس. كانت أوراق 
أجمات الرودودندرون التي تحفْ بجانبي الطريق» خضراء داكنة ولامعة, 
وملساء لدرجة لا تعلق عليها ندف الثلج, ما جعل المشهد يبدو كفيلم بالأسود 
والأبيض: جدران من أوراق الأشجار الكثيفة المحتشدة تحاصر الدرب 
المكسوة بالثلج الناعم. بدأت نقاط ضوئيّة صغيرة تتراءى أمام عيئي روبن 
والتي أنهكها التعب. فقد مضى وقت طويل منذ أن تناولت الفطورء وقد أتى 
سترايك على كل البسكويت. 

حين ترجّلت من التويوتاء كانت روبن تشعر بالغثيان وبخَّدّر في 
ساقّيها. غمرها إحساس بعدم الواقعيّة عندما نظرت إلى تايثبارن هاوس؛ 
مسكن ضخم شبه مستطيل ومنخفض العلوٌ ملتصق بغاب داكن صغير. كان 
المهندس المعماريّ المغامر قد أطلق العنان لإبداعه» فأضفى لمسة عصريّة 
على الهيكليّة الأساسيّةء فاستبدل نصف السقف بزجاجِيَة كبيرة» فيما غطى 
النصف الآخر بألواح شمسيّة. عندما رأت روبن القبّة الزجاجيّة التي كانت 
عارضاتها وركائزها تتقاطع مرتفعةً كهيكل عظميَّ صوب السماء الرماديّة, 
ظنّت بأنّه سيغمى عليها. لقد ذكرها المشهد بالصورة الرهيبة في هاتف 
سترايك: النافذة الزجاجية المقنطرة التي يتسلّل منها نور النهار لينعكس على 
جنّة كواين المشؤّهة. 

«هل أنت بخير؟»: سأل سترايك قلقًا إذ رآها تشحب فجأةٌ. 

«أنا بأفضل حال»»؛ تبجّحت روبن رغبةٌ منها في المحافظة على صورتها 
البطوليّة في عينيه. عبّت الهواء البارد ملء رئتيهاء وتبعت مديرها الذي كان 
يستعمل عكازيه ببراعة فائقة ودقّة استثنائيّة. كان الشابٌ الذي رافقهما قد 
انسحب بلباقة» من دون أن يتفوه بكلمة. 


36 روبرت غالبریث t.me/ktabpdf‏ 


فتح دانيال تشارد الباب بنفسه. كان يرتدي قميصًا فضفاصًا من 
الحرير الأخضر, بياقة عسكريّة, وبنطالا كانيًا مريحًا. شأنه شأن سترايك؛ كان 
مستندًا على عكّازين أيضًاء وكانت جبيرة راتنجيّة سميكة وأربطة تلف قدمه 
وربلة ساقه. حين نظر تشارد إلى رجل بنطال سترايك الفارغة المتدليةء لبث 
جامدًا لعدّة ثوان. 

«وكنت تظنّ أنّك من يعاني من مشاكل؟»» قال سترايك مادا يده. 

لم ُحدث نكتة سترايك أثرًا في نفس تشارد, ولم يبتسم حتّى. كان 
يبدو منزعجًا وغير مرتاح, تمامًا كما كان في حفل الاستقبال الذي أقيم في 
دار النشر خاصّته. صافح سترايك من دون أن ينظر في عينيه. وكانت كلماته 
الترحيبيّة: 

«ظننتك لن تأتي.» 

«لا لقد تمكنًا من العبور». قال سترايك, «إليك معاونتي» روبن» التي 
قادت بي السيّارة إلى هنا 0 أن...) 

«لا بالطبع لن تبقى في ا تحت الثلج», رد تشارد من دون أيّة 
مودّة, «تفضّلا بالدخول.» 

تراجع إلى الوراء متأرجحًا بعض الشيء على عكازيه ليفسح لهما 
المجال. كانت أرضيّة المنزل مكسؤة بألواح خشبيّة مبرنقة» بلون العسل. 

«هلا خلعتما أحذيتكما؟» 

ذلك السؤال والذي بدا أشبه بأمر, صدر من امرأة فيلبينيّة ذات شعر 
بئّي معقوص إلى الوراءء قويّة البنية وفي متوسّط العمر. كانت قد أطلت 
عليهم من غرفة إلى اليمين ذات باب صفاق» خلف جدار طوبيّ. كانت ترتدي 
ملابس سوداء بالكامل وتحمل كيسين من الكتّان الأبيض ليضع فيهما سترايك 
وروبن أحذيتهما. سلّمت روبن حذاءهاء وحين أحسّت بالألواح الخشبيّة تحت 
قدميهاء انتابها شعور غريب بالوهن والهشاشة. أمَا سترايك فبقي واققًا مكانه 
على ساق واحدة. 

«أوه», اعتذر تشارد وهو يحدّق ثانيةٌ في بنطال زائره. «ربّما من 
الأفضل أن يحتفظ السيّد سترايك بحذائه؛ يا نينيتا.» 


مكقرة دودة الحرير 317 


فانسحبت المرأة إلى المطبخ بصمت. 

على عكس كل التوقّعات, زاد ديكور المنزل من دوار روين. لم يكن 
هناك من فواصل أو تقسيمات في المساحة الداخليّة الواسعة. لولوج الطابق 
الأؤلء كان يجدر صعود سلّم لولبيّ من الفولاذ والزجاج. معلق بأسلاك معدنيّة 
غليظة مثبتة في السقف. بفضل شفافيّة المكان» كان من الممكن رؤية سرير 
تشارد الضخم والمزدوج» يكسوه الجلد الأسود. وما فوقه صليب ضخم من 
السلك الشائك معلّق على جدار الطوب. أشاحت روبن نظرها على عجل وهي 
تشعر بغثيان أشدّ من ذي قبل. 

كان معظم الأثاث في الطابق الأرضيّ مكوّنًا من مكعبات من الجلد 
الأبيض أو الأسود. أجهزة تدفئة عموديّة تنتصب بين مكتبات ذات تصاميم 
أنيقة إِنّما بسيطة. مازجةً بين الخشب والمعدن. أمَا المَعلم البارز في القاعة 
القليلة الأثاث. فمنحوتة من الرخام الأبيض بالحجم الطبيعي: إمرأة-ملاك 
جائمة على صخرة. جسمها الممزّق جزئيًا يكشف عن نصف جمجمتهاء وقسم 
من أحشائهاء وشيء من عظم فخذها. أمَا صدرها فبمثابة كُرئين من الذّهن, 
مستقرّتين على دائرة عضليّة تذكر بشرائح من الفطر. 

لم تستطع روبن أن تبعد نظرها عن ذلك الجسم المُسْرّح. كان من 
الحماقة حفًا أن تسمح لحجر أبيض أصمْ بالتأثير فيهاء فكرت روبن في قرارة 
نفسها. فلا صلة له بصورة الجنّة المتعفنة المحفوظة في هاتف سترايك... 
كفي عن التفكير بذلك... كان يجدر بسترايك أن يترك لها قطعة واحدة 
من البسكويت على الأقل... شعرت بالعرق ينضح من شفتها العلياء وفروة 
رأسها... 

«هل أنتِ بخير يا روبن؟» سأل سترايك بإلحاح. من النظرة التي علت 
وجهّي الرجلينء عرفت أنّ لونها تبدّل. أضيف إلى خوفها من الإغماء. شعورها 
بالحرج أمام رب عملها. 

«آسفة», قالت عبر شفتيها الخدرتين» « كانت الرحلة طويلة... هل لى 
بكوب من الماء...؟» ۰ 

«أه... أجلء طبعًا»؛ قال تشارد وكأنٌ الماء خاضع للتقنينء «نينيتا؟» 


318 روبرت غالبریث t.me/ktabpdf‏ 


ظهرت ذات الملابس السوداء ثانية. 

«الآنسة بحاجة إلى كوب ماء»», قال تشارد. 

أومأت نينيتا لروبن بأن تتبعها. عندما دخلت المطبخ» سمعت روبن 
خلفها وقع عكاز الناشر الخافت, يقرع الأرضيّة الخشبيّة. لَمَحَتَ مساحات 
فولاذيّة وجدرانًا بيضاء. وخالت بأنّها رأت الشابّ الذي أقلته بالسيّارة يرفع 
غطاء قدر كبيرة» وسرعان ما وجدت نفسها جالسةً على كرسيّ خفيض. 

إفترضت روبن بأنّ ربٌ المنزل قد تبعها ليطمئنَ إلى وضعهاء لكن, لا! 
عندما ناولتها نينيتا كوب الماءء سمعته يتحدّث إلى شخص آخر. 

«شكرًا لك لأنّك أصلحت البوّابة يا ماني.» 

لم يُجب الشابٌ. ثم سمعت روبن صوت عكَارّي تشارد, تلاه ضجيج 
تأرجح باب المطبخ. 

«أنا المخطىء»» قال سترايك للناشر بعد أن عاود الانضمام إليه. وكان 
يشعر بالذنب بحق» «لقد أكلث كل الطعام الذي جَلَبَنْهُ للرحلة.» 

«ستقدّم لها نينيتا طعامًا» ردَّ تشارد. «أيمكن أن نجلس؟» 

مر الرجلان وهما يعرجان على عكازاتهما أمام منحوتة الملاك الرخاميّة 
التي انعكس ظلها على الأرضيَة اللامعة. في أقصى القاعة» كانت مدفأة من 
الحديد الأسود تضفي جرا من الدفء المستحت. 

«مكان رائع»» قال سترايك وهو يجلس على أحد المكعّبات الكبيرة 
ذات الجلد الأسود ويلقي عكازيه إلى جانبه. كانت مجاملته هذه غير صادقة, 
لأنه لطالما فضّل التصاميم العمليّة المريحة بينما بدا منزل تشارد متباهيًا 
ومتكلفًاء كمتحف يعرض تحفه. 

«نعم» لقد شاركتٌ المهندسين العمل عن كثب»» قال تشارد بشيء 
من الحماسة. «هناك أيضًا مُحتَرف (أشار إلى باب مزدوج خفيّ)... وحوض 
سباحة.» 

ثم جلس هو أيضًا على مكعقب جلديء مادًا ساقه المُجبرة أمامه. 

«ما الذي جرى لك؟» سأل سترايك مومئًا بذقنه إلى ساق تشارد 
المكسورة. 


مكقرة دودة الحرير 319 


أشار تشارد بطرف عكازه إلى السلّم اللولبي. 

«مؤلم!» قال سترايك وهو يتخيّل السقطة. 

«تردّد صدى الفرقعة في سائر أرجاء المنزل»» قال تشارد وكأنّه يستمتع 
بالأمرء «لم أكن أدرك أنّ العظام قد تصدر فرقعة شديدة كهذه. أتريد الشاي 
أو القهوة؟ «الشاي من فضلك.» 

وضع تشارد قدمه السليمة على لوحة نحاسيّة صغيرة إلى جوار مقعده. 
وبعد أن ضغط عليها برفق» ظهر ماني ثانيةٌ. 

«نريد الشايء رجاءً يا ماني». قال تشارد بلطف نادر لا يتكرّم به إلا 
على خادمه الشاب العبوسء والذي استدار بدون أن تنفرج أساريره. 

«أهذا جبل سان مايكل؟» سأل سترايك مشيرًا إلى لوحة صغيرة معلّقة 
قرب المدفأة. رسم بدائيّ منقّذ على الخشب. 

«إنّها لوحة لألفريد واليس». قال تشارد بحماسة معتدلة, «بساطة 
الأشكال... فنّ بدائيّ وساذج. كان من معارف والدي. لم يأخذ واليس فنّ 
الرسم على محمل الجدّ إِلّا حين بلغ السبعين من العمر. أتعرف منطقة 
كورنوال؟» 

«نشأتٌ فيها», أجاب سترايك. 

لكنّ تشارد كان مهتمًا أكثر بالحديث عن ألفريد واليس. مجدّدًا. ذكر 
أن الفتان اكتشف رسالته الحقيقيّة في الحياة. في مرحلة متأخّرة من العمر. 
ثم استرسل في خطاب يليق بأستاذ مُحاضرء من دون أن أن يلاحظ أنّ مستمعه 
يكاد يغفو من شدّة الملل. من الواضح أنّ تشارد لم يكن بارعًا في قراءة العينين 
ولا تعابير اللغة الجسديّة. كان نظره يجول في أرجاء القاعة ليعود إلى اللوحة, 
ليغيب مجدّدًا وأحيانًا يستقرٌ على سترايك عَرَضًا. 

«لقد عدت من نيويورك مِوْحرًاء أليس كذلك؟» سأل سترايك مغتنمًا 
الفرصة حالما صمت تشارد ليتنفّس الصعداء. 

«نعم» حضرثٌ مؤتمرًا لمدّة ثلاثة أيَام», قال تشارد وقد تلاشى وهج 
الحماسة عن وجهه. ثمّ أتحفه بخطاب نموذجيّ مألوف: «الأوقات صعبة. منذ 


320 روبرت غالبريث t.me/ktabpdf‏ 


ظهور أجهزة القراءة الإلكترونية وغيرها من التقنيّات الحديثةء تغيّرت اللعبة. 
هل تُطالع؟» سأل سترايك مباشرة. 

«أحيانًا». أجاب سترايك. كان يعتزم منذ أربعة أسابيع إنهاء نسخة 
قديمة متشقّقة من رواية جيمس إيلرويء ولكنّه غالبًا ما يعود منهكًا من العمل 
في المساءء فيعجز عن التركيز. أمَا كتابه المفضّل فمطمور في أحد الصناديق 
المتكدّسة على بسطة الدرج مع باقي أمتعته. كان قد صدر منذ عشرين سنةء 
ولم يفتحه سترايك منذ مدّة طويلة. 

«نحن بحاجة إلى قرّاء», غمغم تشارد. «مزيد من القرّاء. وعدد أقلّ من 
الكتاب.» 

حاول سترايك جاهدً! ألا يرد عليه: حسئاء لقد خلصوك من واحد» على 
الأقل. 

ظهر ماني ثانيةٌ ووضع منضدة متحرّكة صغيرة من البيرسبيكس 
الشفّاف أمام رب عمله. إنحنى تشارد إلى الأمام لصب الشاي في فنجانين 
عاليين من الخزف الأبيض. لاحظ سترايك أنّ مكعبّه الجلديّ لا يصدر الأصوات 
المزعجة التي تصدرها كنبته العتيقة في المكتبء لكنّ كلفته على الأرجح 
تبلغ عشرة أضعاف. بدا ظاهر كفي تشارد محمرًا وملتهبًا بالقدر الذي كان 
عليه في حفل الشركة كما ظهرت ملامحه تحت المصباح المعلّق من السقف 
الزجاجيء أكثر هرمًا. ربّما كان في السئّين من العمر» فكر سترايك. ومع ذلك 
حافظت عيناه الداكنتان الغائرتان» وأنفه الصقري, وفمه الرقيق على شيء من 


الوسامة على الرغم من حدّتها. 

«لقد نسي الحليب»» قال تشارد وهو يتفځص المنضدة, «هل تشربه 
بالحليب؟» 

«نعم», أجاب سترايك. 


تنهّد تشارد» لكنء بدلا من الضغط على اللوحة النحاسيّة, تناول عكازيه 
وتوجّه جاهدًا إلى المطبخ مستندًا إلى قدمه السليمة. راح سترايك يفكر 
ويتأمل. 


مكتبة دودة الحرير 321 


كان معاونو دانیال تشارد يجدونه غريب الأطوارء على الرغم من أنّ نينا 
وصفته بأنّه حذق. نوبات غضبه المسعورة بشأن بومبيكس موري تكشف عن 
طبع مفرط الحساسية, الأمر الذي قد يؤثّر في أحكامه. تذكر سترايك همسات 
الحضور المرتبكة بينما كان تشارد يلقي كلمته باضطراب جليّ. في احتفال 
الذكرى السنويّة لدار النشر. إِنّه رجل غريب» تصعب قراءته... 

تحوّلت عينا سترايك إلى أعلى. كان الثلج يتساقط بهدوء على الزجاجيّة 
الشفافة. على علو عدّة أمتار من منحوتة الملاك الرخامية. واستنتج سترايك 
أن الزجاجيّة مزؤّدة على الأرجح بنظام تدفئة» يحول دون تراكم الثلج. فجأةٌ, 
استعاد مشهد جنّة كواين: جسم متحلّل > محروق» منزوع الأحشاء كطائر 
داجن وممدّد تحت نافذة مقنطرة كبيرة. على غرار روبن تبيّن سترايك شبهًا 
مزعجًا بين زجاجيّة منزل تايثبارن هاوس و... 

في هذه الأثناء. عاد تشارد من المطبخ وهو يتأرجح على عكازيه. كان 
يمسك بإحدى يديه وبعناية شديدة إبريقًا صغيرًا من الحليب. 

«ربما تتساءل لما طلبث منك المجيء»» قال تشارد أخيرًا وهو يجلس. 
بعدما أمسك سترايك بفنجان الشايء حاول أن يبدو متجاوبًا. 

«أنا بحاجة إلى شخص أستطيع الوثوق به»» قال تشارد من دون أن 
ينتظر إجابة سترايك. «شخص من خارج دار النشر.» 

نظر إلى سترايك نظرة سريعة ثم ثبت عينيه على تحفة ألفريد واليس 
من جديد. 

«أظئّني الشخص الوحيد الذي فهم أنّ أوين كواين لا يعمل بمفرده. بل 
كان لديه شريك.» 

«شريك؟» كرّر سترايك مذهولا. 

«أجل». أجاب تشارد بحماسة. «أترى؟ أسلوب بومبيكس موري هو 
أسلوب كواين, لكن. ثمّة لمسة أخرى أيضًا.» 

بدأت بشرة تشارد الشاحبة تتورّد. أمسك بمقبض أحد العكازين إلى 
جانبه وأخذ يمرّر يده عليه. 


322 روبرت غالبريث t.me/ktabpdf‏ 


«إذا استطعنا إثبات ذلك أعتقد أنه قد يثير اهتمام الشرطةء لا؟» قال 
تشارد وقد نجح أخيرًا في النظر إلى سترايك مباشرة. «إذا فقتل أوين بسبب 
بومبيكس موريء ألا يكون ذلك يك هو المذنب؟» 

«المذنب؟» كرّر سترايك» «أتعتقد أنّ ذلك الشريك أقنع كواين بإقحام 
بعض الأمور المخزية في كتابهء على أمل أن ينتقم طرف ثالث بقتله؟» 

«أنا... حسئًا» لسٹ على يقین...»» قال تشارد مقطبًا حاجبيه. «ربّما 
لم يتوقع أن يذهب الأمر إلى هذا الحدّ لكن... لا بد من أنّه كان ينتظر ردود 
فعل انتقاميّة.» 

إِبيضّت براجم يده لكثرة ما شدّ على مقبض العكاز. 

«ما الذي يجعلك تعتقد أنّ كواين حصل على مساعدة من أحدهم؟» 

«لم يكن بإمكان أوين معرفة بعض التفاصيل التي دُسَّت في بومبيكس 
موريء ما لم يكن قد حصل على معلومات»»؛ قال تشارد وقد راح يحدّق في 
خاصرة الملاك الحجري. 

«وجود شريك محتمل لن يثير اهتمام الشرطة...»» قال سترايك ببطء 
«إلا إذا كان يقودهم إلى القاتل.» 

بإعلانه ذلك كان سترايك يريد تذكير تشارد بأنّ ثمّة رجل فُتل» وفي 
ظروف غريبة. بيد أنّ اكتشاف هويّة القاتل لم يكن ليشوّق رب المنزلء على 
مايبدو. 

«أهكذا ثُقارب المسألة؟» سأله تشارد وقد بردت حماسته فجأةٌ. 

«أجل»» رد سترايك. «وسيهتمون أكثر إذا تمكنوا من فهم بعض 
المقاطع المموّهة بشدّة في الرواية. يظنْ المحقّقون بأنّ كواين قد قُتل ليُمِنَع 
من فضح سر ما. في بومبيكس موريء لم يفعل سوى ترك أدلّة من هنا وهناك.» 

كان دانيال تشارد يحدّق في سترايك بتعابير مذعورة. 

«نعم... أنا لم... أجلء بالطبع.» 

فوجئ سترايك عندما نهض الناشر على عكازيه وبدأ يجوب القاعة 
ذهابًا وإيابًاء وكأنّه يمارس تمارين إعادة التأهيل. تنقّلاته ذكرت سترايك 
بجلسات المداواة الحركيّة التي كان قد خضع لها هو نفسه, قبل سنواتء في 


مكتبة دودة الحرير 323 


مستشفى سيلي أوك. لاحظ سترايك وهو يراقب حركات تشارد بنيته القويّة 
وعضلات ساعديه المفتولة تحت الكمّين الحريريين. 

«بهذه الحال القاتل إِذا...» بدأ تشارد قبل أن يصيح فجأةٌ وهو يحدّق 
بشيء ما خلف سترايك. «ماذا؟! ما الأمر؟» 

كانت روبن قد غادرت المطبخ وسحنتها أكثر تورُدًا. 

«المعذرة»» قالت وقد توفّفت فجأةً. 

«هذا حوار خاصض»» صرخ تشارد. «هل يمكن أن تعودي إلى المطبخ. 
رجاء؟» 

«أنا... حسئاء ما من مشكلة»؛, تمتمت روبن متفاجئة. لاحظ سترايك 
أنّها شعرت بالإساءة. رمته بنظرة متوسّلة. على أمل أن يتدخّلء لكنه ظلّ 
صامتًا. 

عندما أغلق الباب الصفّاق خلف روبن, تذمّر تشارد غاضبًا: 

«فقدث الآن حبل أفكاري. نسيتٌ تمامًا ما...» 

« كنت تتحدّث عن القاتل.» 

«أجلء أجل»» قال تشارد» واستأنف جولته على عكازيه. «إذا كان 
القاتل يعرف الشريك إذَاء ربّما يحاول قتله أيضّاء لا؟ وربّما يعرفه مسبقًا», 
قال تشارد, موجّهًا حديثه لنفسه أكثر من سترايك؛ وعيناه تحملقان في عروق 
الأرضيّة الفخمة. «ربّما يفسر ذلك... نعم.» 

كانت الكوّة المحفورة في الجدار الأقرب إلى سترايك تطلّ على الغاب 
الصغير المحاذي للمنزل. كانت أشجاره ونبتاته داكنة إلى حدّ بدت ندف 
الثلج البيضاء وكأنّها تتساقط من العدم. 

«الخيانة»» قال تشارد فجأةً. «هي أكثر ما يجرحني.» 

توفّف عن التحرّك ذهايًا وإيابًا والتفت نحو سترايك. 

«إذا أفصحث لك عن اسم الذي أشتبه بأنّه ساعد أوين» وطلبث منك 
أن تأتيني بالدليل الدامغ» هل ستجد نفسك مجبرًا على إخطار الشرطة؟» 

كان سؤالًا دقيفًاء فكر سترايك وهو يمرّر يده على ذقنه. كان قد حَلَمَّها 
على عجل قبل الخروج هذا الصباح. 


324 روبرت غالبریث t.me/ktabpdf‏ 


«إذا كنت تطلب متي أن أثبت صحّة شكوكك...» قال سترايك ببطء. 

«نعم»» رد تشارد» «نعم أريد أن أتأكد من ذلك.» 

«إذًا له لا مُلرّمًا بإبلاغ الشرطة. لكن بالمقابلء إذا اكتشفث 
هويّة ذلك الشريك واستشعرت أنّه قد يكون أيضًا قاتل كواين - أو يعرف مَن 
قتله - فمن واجبي إبلاغ الشرطة.» 

عاود تشارد الجلوس على مقعده الجلدي, مسقطًا عكازيه فجأةٌ على 
الأرضء ما أحدث قعقعة شديدة. 

«اللعنة!»» صاح مستاءً وتردّد صدى شتيمته عبر الجدرانء بينما 
انحنى للتحقّق من أنه لم يخدش برنيق الأرضيّة الفخمة. 

«أنت تعلم حتمًا بأنّ زوجة كواين لجأت إلى خدماتي للعثور على قاتل 
زوجها.» قال سترايك. 

«سمعتٌ شيئًا من هذا القبيل». ردّ تشارد وهو لا يزال يتفخص خشب 
الأرضيّة. «لكنّ ذلك لن يشوّش على قضيّتناء لا؟» 

هذا الرجل كان على قدر لا يُصدَّق من الأنانية, فكر سترايك وهو يتذكر 
كتابته الأنيقة على البطاقة ذات الأزهار البنفسجيّة: إذا كان هناك من شيء 
نستطيع أن نفعله يا ليونوراء أيّ شيء كان...» 

رما أملت عليه سكرتيرته ذلك النصّ. 

«أيمكنك إبلاغي من هو ذلك الشريك المزعوم الذي تفكّر فيه؟» سأله 


سترايك 

«هذا شاق للغاية»» تمتم تشارد؛ وعيناه تسرحان من ألفريد واليس إلى 
الملاك الحجريّ فالسلم اللولبيّ. 

لم ينبس سترايك ببنت شفة. 


«إنه جيري والدغريف»» قال تشارد» وهو يرمق سترايك ثمّ يشيح 
بنظره ثانيةٌ. «وسأقول لك لماذا أشتبه به... وكيف عرفت. منذ أسابيع وأنا 
أجد سلوكه غريبًا. لاحظث ذلك أوَلَا عندما انُصل بي بشأن بومبيكس موري 
ليخبرني ماذا فعل كواين. لم أتبيّن أي إحراج لديه, حنّى أنه لم يعتذر.» 
«وهل تنتظر من والدغريف أن يعتذر عمًا كتبه سواه؟» 


مكتبة دودة الحرير 325 


بدا وكأنّ السؤال فاجأ تشارد. 

«حستًا... کان أوين من المؤلفين المتعاملين مع جيري. لذاء نعم 
كنت أنتظر بعض الأسف من قبّله إذ صوّرني أوين بتلك... بتلك الطريقة...» 

على الرغم منه, تخيّل سترايك فالوس أمبوديكوس العاري واققًا إلى 
جانب جئّة الفتى بومبيكس الذي يرسل ضوءًا خارقًا. 

«هل أنت على خلاف مع والدغريف؟» 

«أبديتٌ كثيرًا من رحابة الصدر تجاه جيري والدغريف»» قال تشارد 
متجاهلًا الإجابة المباشرة, «وأمَنتُ له كامل راتبه عندما أودع مركز إعادة 
تأهيل المدمنين» منذ سنة. رما يعتبر نفسه مغبونًاء لكثني وقفتٌُ إلى 
جانبه» أجل وفي مناسبات قد يؤثر فيها معظم الرجال الآخرين, الرجال الأكثر 
تبصّرًاء الوقوف على الحياد. مصائب جيري ليست من صنعي. يعاني من حقد 
مبيّت. نعم؛ حقد شديد. لكنه غير مبرّر على الإطلاق.» 

«ولماذا هذا الحقد؟» سأل سترايك. 

«جيري لا يحب مايكل فانكورت»». تمتم تشارد وعيناه سارحتان في 
ألسنة نار المدفأة. «منذ زمن طويلء أقام مايكل علاقة عابرة مع فينيلاء زوجة 
جيري. وقد نبَهثُ مايكل إلى الكف عن ذلك باسم صداقتي لجيري. نعم!» 
قال تشارد هارًا رأسه بزهوء وكأنّ ذكرى صنيعه الحسن تُحرّك عمق أعماقه. 
«أبلغث مايكل حينذاك بأنه يتصرف بقساوة» من دون التفكير في العواقب» 
حتّى ولو كان... حسئًاء باختصار» كان مايكل قد فقدّ زوجته الأولى» قبل فترة. 
لم يقدّر مايكل نصحي ولا تدخّلي. بل استاء مني وانتقل إلى ناشر آخر. أثار 
ذلك استياءً عارمًا لدى مجلس الإدارة. وقد استغرقنا أمر إعادة مايكل إلى 
الحظيرة. نحو عشرين سنة. لكن, بعد كل هذا الوقت...»» تابع تشاردء وقد بدا 
رأسه الأصلع مجرّد سطح آخر يعكس النور, ما بين الزجاج والخشب المصقول 
والفولاذء والبرنيق... «على جيري طيّ الصفحة. لكنّه يصرّ على الاعتقاد بأنّ 
سياسة الدار يجب أن تأخذ عداواته الشخصيّة بعين الاعتبار. منذ أن وافق 
مايكل على العودة إلى روبر تشارد» أخذ جيري على عاتقه أن يضعفنيء ببراعة 
وعلى مهلء بمئة حيلة وحيلة.» 


326 روبرت غالبریٹ t.me/ktabpdf‏ 


«ما حدث في اعتقادي هو الآتي»» قال تشارد وهو ينظر إلى سترايك 
من حين إلى آخر لتبيّن ردّ فعله. «أسرٌ جيري إلى أوين بشأن الاتفاق الذي 
كنا ننوي عقده مع مايكلء وهو ما حاولنا إبقاءه طىّ الكتمان. وبما أنّ أوين 
عدو فانكورت منذ الأزلء قرّر هو وجيري إعداد هذا... هذا الكتاب الرهيب,. 
حيث نتعرّض مايكل وأناء لافتراءات مثيرة للاشمئزاز. كلّ ذلك بهدف احتكار 
انتباه الجميع» وإفساد عودة مايكل إلى روبر تشارد والانتقام من أعدائهما 
المزعومين ومن الدار. 

«والأمر الأشدّ دلالة...»؛ أضاف تشارد, فتردّد صوته في المكان الخاوي, 
«أنْني بعدما طلبتُ من جيري صراحةٌ حفظ المخطوطة بأمان والإقفال عليها 
بالمفتاح» تَرَكها في متناول الأيدي فاطلع عليها الجميع. والآن» بعد وقوع 
المحظور, وتناقل القيل والقال عنا في كل أنحاء لندن؛ قدَّم استقالته وتركني 
أتمرّغ في وحول ال...» 

«جيري استقال؟ متى؟» قاطعه سترايك. 

«أوّل من أمس». قال تشارد, قبل أن يتابع خطبته اللاذعة, «وأجبرني 
على توبيخه بشدّة ليقبل برفع دعوى ضدّ كواين. وذلك بحدّ ذاته, يظهر أنّْ...» 

«لعلّه اعتقد أنّ رفع القضيّة إلى العدالة لن يفعل سوى لفت الانتباه 
إلى الكتاب أكثر فأكثر؟» اقترح سترايك. «في أي حال؛ بومبيكس موري لم 
تعتق والدغريف, أليس كذلك؟» 

«آه» ذلك!!» قال تشارد بضحكة ماكرة. كانت تلك أوّل إشارة مرح 
يلحظها سترايك لديهء ولم تكن جميلة الببّة, «عليك ألا تأخذ الأمور بالمظهر, 
يا سيّد سترايك. لم يكن أوين على علم بذلك.» 

«على علم بماذا؟» 1 

«شخصيّة قاطع هي نتاج مخيّلة جيري - أدركتٌ ذلك بعد قراءتي 
الرواية للمرّة الثالثة», قال تشارد. «ذلك ينم عن ذكاء شديد: يبدو وكأنّه 
كاريكاتور ساخر وشرّير عن جيري نفسه. لكنه طريقة خبيثة لإيلام زوجته, 
فينيلا. لا يزالان متزوّجين؛ لكنّ زواجهما في حال مزرية. بل تعيسة جدًا. نعم, 
أدركت ذلك كله عند إعادة القراءة», كر تشارد وهو يهرٌ رأسه. فانعكست 


مكتبة دودة الحرير 327 


أضواء السقف الكاشفة تماوجات على جمجمته الصلعاء. «لم يبتدع أوين 
شخصيّة قاطع. فهو لا يكاد يعرف فينيلا. ولا يعلم شيئًا عن تلك الحكاية 
القديمة.» 

«إذاء ما الذي يفترض أن يعنيه الكبس الملطّخ بالدم والقزمة...؟» 

«إستّفهم عن ذلك من جيري»» قال تشارد, «دعه يكشف لك بنفسه 
عن البو العظيم. فلم أساعده في نشر الافتراءات؟» 

«إِنّني أتساءل...»: قال سترايك مُغيِّرًا الموضوع بحذاقة, «لِمَ وافق 
مايكل فانكورت على العودة إلى روبر تشارد بينما كان يدرك تمامًا أن كواين 
ما زال ينشر كتبه هناك؛ وقد كانا آنذاك على خلاف شديد؟» 

ساد صمت قصير. 

«قانونيّاء لم نكن مجبرين على نشر كتاب أوين التالي»»: قال تشارد. 
«كان لدينا الحقّ بإلقاء أوّل نظرة. وهذا كل شيء.» 

«إِذّا تعتقد أنّ جيري والدغريف أبلغ كواين بأنكم توشكون على 
الاستغناء عنه؛ إرضاءً لفانكورت؟» 

«نعم»» قال تشارد وهو يحدّق في أظافره. «كما أنْ أوين غادر الدار 
مستاءٌ آخر مرَةء لذاء أفترض بأنّه عندما علم بأّني أنوي صرفه» تخلّى عمّا تبقّى 
لديه من ولاء لي کوني قد استقبلته عندما تخلّی عنه كڵ الناشرين الآخرين 


في بريطانيا...» 
«ولم غادر مستاءً؟» 
«أوه» كان ذلك عندما جاء آخر مرّة إلى المكتب. برفقة ابنته.» 
«أورلندو؟» 


«أسماهاء كما أخبرنيء تيمُّنًا ببطلة قصّة فيرجينيا وولف.» تردّد تشارد 
بعض الشيء, وراحت عيناه تجولان من سترايك إلى أظافره وبالعكس. «إنّ 
ابنته... ليست... سويّة.» 

«حقًا؟» قال سترايك. «من ية ناحية؟» 

«عقليًا» تمتم تشارد. «كنتُ في قسم الرسم والتصوير عندما وصلا. 
أخبرني أوين بأنّه سيصطحبها في جولة لتعريفها بالمكان - وهو أمر لا يحقّ له 


328 روبرت غالبريث t.me/ktabpdf‏ 


به. لكنّ أوين يتصرّف دائمًا وكأنّه في بيته... كان لديه حبٌ التملّك... رأیٹ 
ابنته تتناول نموذج غلاف - بيديها المتسختين - فأمسكت برسغها لمنعها 
من إفساده...» قلّد الحركة أمام سترايك. وعندما تذكر فعلتها المُدنّسة هذه 
تشئجت قسماته نفورًا واشمئزارًا. «وإِنّما تصرّفتُ حينذاك بدافع غريزيء رغبةٌ 
في حماية النموذج, لكنها انزعجت كثيرّاء وبل ثارت ثائرتها. كان وضعًا شديد 
الإحراج»» تمتم تشارد» وبدا كأتما يعاني ثانيةٌ بمفعول ارتدادي. «أصابها ما 
يشبه الهستيريا. وغضب أوين غضبًا شديدًا. كانت تلك جريمتي من دون 
شكء إلى جانب إعادة مايكل فانكورت إلى روبر تشارد.» 

«مَن برأيك...». سأل سترايك, «لديه سبب وجيه للشعور بالمهانة أكثر 
منه جميع الذين وردوا في بومبيكس موري؟» 

«لا أعرف حقًا», أجاب تشارد. بعد توقّف قصير أضاف, «أشك في أنّ 
إليزابيث تاسيل قد شرت بتصويرها كطفيليّةء بعدما توت رعاية أوين كل تلك 
السنوات. فكم من مرّة جئّبته الإحراج والفضائح. وذلك بإخراجه من حفلات 
وسهرات لاد يغرق في الثملء لكتّني على الرغم من ذلك...»» تابع ببرودة «لا 
أتعاطف كثيرًا معها. فهي مَن نشر الكتاب من غير أن تقرأه أَوَلًا. وهذا إهمال 
لا يُغفَرء لا بل إهمال إجراميّ.» 

«هل انّصلتٌ بفانكورت بعد أن قرأت المخطوطة؟» سأل سترايك. 

«كان ليعرف عاجلا أم آجلاء بما فعله كواين» ومن الأفضل أن يسمع 
ذلك مئّي. كان قد عاد من باريس للتَو بعد تسلّم جائزة بريفوست. وتلك 
المكالمة كلفتني الكثير.» 

«كيف كانت ردّة فعله؟» 

«مايكل قادر على استيعاب الضربات»», غمغم تشارد» «طلب مني 
ألا أقلق» وقال إِنّ أوين أساء لنفسه أكثر مما أساء إلينا. مايكل يستمتع 
بالعداوات. وقد تلقّى الخبر بهدوء شديد.» 

«هل أبلغته بما ألمحه كواين بشأنه, في الكتاب؟» 

«بالطبع»» أجاب تشارد, «لا أستطيع السماح بأن يسمع ذلك من 


أحد آخر.» 


مكقرة دودة الحرير 329 


«ولم يبدُ مستاءً؟» 

«قال: الكلمة الأخيرة ستكون ليء يا دانيال. ستكون الكلمة الأخيرة 
لي .» 

«وماذا فهمت من ذلك؟» 

«أوه» مايكل مجرم بارع»» قال تشارد بابتسامة صغيرة» «في وسعه 
ذبح أي شخص بخمس كلمات مختارة بعناية»» من ثم عاد وأوضح بقلق 
مفتعل من فكرة الالتباس المحتملء «عندما أقول مجرم فإنّني أقصد بالطبع 


مجرم أدب وتعابير...» 
«طبعًا»» طمأنه سترايك» «هل طلبت من فانكورت الانضمام إليك في 
التقدّم بشكوى ضدّ كواين؟» 


«مايكل يكره اللجوء إلى المحاكم في مسائل كهذه.» 
«كنت على معرفة بالراحل جوزف نورث, أليس كذلك؟» سأل سترايك 


على سبيل التحادث. 
تقأّصت عضلات وجه تشارد فبدا أشبه بقناع. 
«كان ذلك منذ زمن طويل.» 


«كان نورث من أصدقاء كواين, أليس كذلك؟» 

«رفضتٌ رواية جو نورٹ»» تمتم تشارد بين شفتيه الرفيعتين» «هذا 
كل ما فعلت. شأني شأن سنّة ناشرين آخرين. كان ذلك خطأء من الناحية 
التجاريّة. فقد حقّقت الرواية بعض النجاح. بعد وفاة المؤلّف.» ثم أضاف 
باستخفاف: «بالطبع» أعتقد أن مايكل أعاد تحرير معظمها.» 

«هل استاء كواين لأنّك رفضتَ كتاب صديقه؟» 

«نعم» وأثار ضحّة كبيرة حول ذلك.» 

«لكنه وافق على إصدار روايته لدى روبر تشارد.» 

«لم أرفض كتاب جو نورث عن موقف شخصي».: قال تشارد وقد احمرٌ 
وجهه. «تفهُمَ أوين ذلك في النهاية.» 

صمت فجأةًٌ وكأنَّ الموضوع أحرجه. 


330 روبرت غالبریث t.me/ktabpdf‏ 


«إذًا... عندما تُستخدم لاقتفاء أثر... مجرم من هذا النوع»» قال 
تشارد مغيّرًا الموضوع بجهد ملموسء «هل تعمل بالتضامن والتكافل مع 
الشرطةء أو...» 

«أجل»» قال سترايك متأرجكا بين عداواته الأخيرة مع الشرطةء وبين 
الاستمتاع برؤية تشارد بهذه الطواعيّة. «لدي صلات رفيعة بسكوتلنديارد. 
ويبدو أنّ تحرّكاتك لا تقلقهم الببّة». قال مشدّدًا قليلًا على ضمير المخاطب. 

سرعان ما أحدث تعبيره المراوغ الاستفزازي, المفعول المُراد. 


«الشرطة تراقب تحرّكاتي؟» 
بدا تشارد كطفل مذعور ولم يقو على التظاهر برباطة الجأشء ولو 
لإبعاد الشبهات. 


«حسئاء كما تعلم, تهتمٌ الشرطة عن كثب بكل الذين برزوا في بومبيكس 
موري»» قال سترايك بلامبالاة مقصودة» وهو يرشف الشايء «وتحديدًا كل ما 
قام به هؤلاء بعد الخامس من الشهرء يوم ترك كواين زوجته حاملًا الكتاب 
معة.» 

بدأ تشارد على الفور بمراجعة تحرّكاته بصوت عالٍ لطمأنة نفسه على 
الأرجح. ما سرّ سترايك للغاية. 

«لم أكن أعرف شيئًا عن الكتاب حتّى السابع من الشهر». قال تشارد 
محدّقًا في قدمه المجبّرة ثانية. «كنت هنا عندما انّصل جيري بي... فقفلتُ 
عائدًا إلى لندن مباشرة - أوصلني ماني بالسيّارة. أمضيت الليل في البيت, 
ويستطيع ماني ونينيتا توكيد ذلك... وفي يوم الاثنين» اجتمعت بالمحامين 
في مكتبيء وتحدّئتُ إلى جيري... ثمّ حضرت حفل عشاء في تلك الليلة - 
أصدقاء مقرّبون يقيمون في نوتينغ هيل - ثم أقَلّني ماني إلى البيت... نمث 
باكرًا مساء الثلاثاء لأنّني كنت أنوي السفر صباح الأربعاء إلى نيويورك. مكثت 
هناك حنّى الثالث عشر من الشهر... وفي الرابع عشرء قضيت اليوم بأكمله 
في البيت... وفي الخامس عشر...» 

تدريجيًاء تراجعت سرديّة تشارد وتحوّلت إلى صمت. ربّما أدرك أنّه 
لا يدين بأيّ شرح لمحقّق خاصٌ, كما دلّت نظرة الارتياب التي رماه بها. هو 


مكقرة دودة الحرير 331 


الذي كان يريد حليفًاء بدأ يفهم بأنّ الأمور لا تُمتّح مجّانًا. وما همّني؟ فكر 
سترايك. كانت المقابلة مثمرة أكثر مما توفّع. إن طرده تشارد الآنء فلن يخسر 
إلا النقود. 

عاد ماني إليهما وهو يمشي بخطاه الصغيرة الخفيفة. 

«هل تريد تناول الغداء؟» سأل تشارد بجفاء. 

«بعد خمس دقائق»» قال تشارد بابتسامة عريضة؛ «عليّ أن اودع 
السيّد سترايك أَوَلَا.» 

حالما ابتعد ماني بحذائه ذي النعل المطاطيء أطلق تشارد ضحكة 
مرتبكة. 

«إنّه حرد». قال لسترايك, «هما لا يحبّان هذا المكان؛ بل يفضّلان 
لندن.» 

تناول عكازيه عن الأرض, واتّكأ عليهما للنهوض. حذا سترايك حذوه 
وإنّما بمزيد من الجهد. 

«وكيف حال السيّدة كواين؟» سأل تشارد مستعيدًا عاداته الحميدة 
ولكن بشكل متأخْر. كان الرجلان يتجهان إلى المخرج وهما يتأرجحان 
كحيوانين غريبين بثلاثة أرجل. «صهباء مكتنزة على ما أذكر؟» 

«لا»» قال سترايك؛ «بل شيباء نحيفة.» 

«أوه»» قال تشارد دون أن يكترثء «لا بدّ كانت امرأة أخرى.» 

توقف سترايك إلى جانب الباب الصفّاق المُفضي إلى المطبخ. فحذا 
تشارد حذوه وقد بدا متكدًرًا. 

«عليّ أن أتابع عملي» يا سيّد سترايك...» 

«وأنا أيضًا», رد سترايك بلطف, «لكثني لا أعتقد أنْ مساعدتي ستكون 
ممتنّة إذا تركثها هنا.» 

من الواضح أن تشارد نسي وجود روبن» والتي كان قد صرفها بصورة 

«نعم: بالطبع ... ماني!... نينيتا!» 


332 روبرت غالبريث t.me/ktabpdf‏ 


«إنها في الحمّام», قالت المرأة البدينة. وهي تخرج من المطبخ حاملةٌ 
الكيس الكثّاني الذي يحتوي على حذاء روبن. 

بعد بضع دقائق من الانتظار في أجواء متشنجة بعض الشيء» ظهرت 
روبن أخيرًا عابسة الوجه وانتعلت حذاءها ثانية. 

صفع الهواء البارد وجهيهما الدافئين حالما فتح تشارد باب المدخل. 
صافح سترايك فيما هرعت روبن نحو السيّارة مباشرةً من دون التفوّه بكلمة, 
وجلست على مقعد السائق. 

فجأةً ظهر ماني بمعطفه الفضفاض عند درج المدخل. 

«سأرافقكما». قال لسترايك. «للتحقّق من البوّابة.» 

«يمكنهما قرع الجرس إذا علقاء يا ماني»» قال تشارد. لكنْ الشات لم 
يلتفت إلى كلامه. بل دخل التويوتا وجلس على المقعد الخلفيّ. 

عبر الثلاثة الممرّ الأسود والأبيض بصمت» تحت ندف الثلج. ثمّ ضغط 
ماني على جهاز التحكّم من بُعد الذي أحضره معه, ففتحت البؤابة من دون 
صعوبة. 

«شكرًا لك»» قال سترايك ملتفئًا صوب المقعد الخلفيّ؛ «لكئّني أخشى 
أن تعاني البرد الشديد في طريق العودة.» 

تنهّد ماني بصوت مسموع, وخرج من السيّارة وأغلق الباب. لكنّه عاد 
فتمركز أمام نافذة سترايك, حالما همّت روبن بالإقلاع. ضغطت روبن على 
المكبح. 

«ماذا؟» سأل سترايك وهو يُنزل زجاج النافذة. 

«لم أدفعه...», قال ماني بحدّة. 

«المعذرة؟» 

«على السلّم»» قال ماني» «لم أدفعه. إِنّه كاذب.» 

حدّق سترايك وروبن فيه. 

«هل تصدّقني؟» 

«نعم» أصدّقك». أجاب سترايك. 


تة دودة الحرير 33 


«حسئًا إِذا», قال ماني وهو يهرٌ رأسه, «هذا جيّد.» 
وما لبث أن قفل عائدًا إلى المنزل؛ وهو ينزلق بحذائه المطاطي النعل 
على الثلج المتراكم. 


t.me/ktabpdfF 


30 


... عربوتًا للصداقة والثقةء سأطلعك 
على مخططي. لأكون صادقًا وأفصح عن 
مكنونات قلبي... 


ويليام كونغريف, «حبٌ مقابل الحبٌّ» 


ألح سترايك مرارًا ليتوقفا في برغر كينغ, في محطة استراحة تيفرتون. 

«يجب أن تأكلي شيئًا قبل أن تعاودي القيادة.» 

رافقته روبن إلى الداخل من دون أن تتفوّه بكلمة واحدة» ولم شر حتّى 
إلى تأكيد ماني الأخير. لم يفاجىء سترايك دور الضحيّة المظلومة الذي كانت 
تؤديه» لكته أزعجه. بما أنه لم يكن يستطيع حمل الصينية والعكازين معاء 
تولت روبن مهمّة الوقوف في الصف لطلب الهمبرغر. عندما عادت ووضعت 
الصينيّة المليئة بالطعام على طاولة الفورميكاء قرّر سترايك كسر الجليد: 

«أعرف أنّك كنت تتوقّعين أن أوبّخ تشارد لأنّه عاملك كأحد الخدم.» 

«أبدًا!». عارضته روبن تلقائيًا. (سماع سترايك يفصح علئًا عن المشكلة 
جعلها كالطفلة الغاضبة). 

«كما تشائين»» تند سترايك وشرع يلتهم البرغر الأول. 

تناولا طعامهما بصمت مشوب بالاستياء لمدّة دقيقة أو اثنتين, إلى أن 
عاود طبع روبن الطيّب الظهور. 


مگثزة دودة الحرير 35 


«حسئاء كنت أتوقع ذلك منك.» 

إذ لطّف اعترافها الصريح كما والبرغر الغنيّ واللذيذ مزاجه. واصل 
سترايك حديثه: 

«أردثه أن يفشي بسرّه. يا روبن. لا نتشاجر مع الذين نستجوبهم بينما 
يسترسلون بالحديث.» 

«آسفة, ما زلت مجرّد هاوية في المجال»», ردت وهي لا تزال حردة. 

«بالله عليك, من قال إِنّك...؟» 

«بم كنت تفكر عندما وظفتني؟» سألته فجأةًٌ وأعادت البرغر الذي 
كان لا يزال ملفوفًا بورقه, إلى الصينيّة. 

وكأنّ بركانًا من الاستياء الكامن والمتراكم طوال أسابيع عديدة يثور 
فجأةً. لم يعد يهمّها ما قد تسمعه من جواب. هي تريد معرفة الحقيقةء مهما 
كانت. هل هي مجرّد سكرتيرة طابعة أم موظفة استقبال؛ أم أهمّ من ذلك؟ هل 
كانت تستحقٌ أن يُقصيها كالخدم, بعدما ساندته في أحلك الظروف وساعدته 
في حل مشاكله المادّية؟ 

«بم كنت أفكّر؟» كرّر سترايك مُحدّفًا فيها. «ولكنء ماذا تعنين 
بذلك...؟» 

«ظننتٌُ أنك تنوي... تدريبي على مهنة التحقيق»» أجابت روبن 
بصوت مرتجف, وقد اصطبغت وجنتاها بالأحمر القاني» فيما راحت عيناها 
تلتمعان على غير المعتاد. «ذكرت الأمر أمامي أكثر من مرّة, لكنّك تتحدّث 
موْخَرًا عن استخدام شخص آخر. لقد رضيتُ بخفض راتبي...»» قالت وهي 
ترتعش» «ورفضت وظائف أفضل أجرًا. كلّ ذلك لأنّني ظننتك تنوي...» 

لقد كظمت غيظها طويلًا لدرجة أنّها باتت على شفير البكاء. لكن, لا 
لن تستسلم الآن! فالشريكة المثاليّة كما تخيّلتها لا تذرف الدموع البتة, بل 
تبقي على هدوئها وبرودتها ورباطة جأشها في شتَّى الملمّات... 

«أنت تفعلين أكثر من الرد على الهاتف»» قال سترايك الذي كان قد 
أنهى البرغر الأول فيما راح يراقبها من تحت حاجبيه الكثيفين تصارع غضبها. 


336 روبرت غالبریث t.me/ktabpdf‏ 


«لقد رافقتني إلى منازل المشتبه بهم هذا الأسبوع. وقد أنقذت حياتنا للتو 
على الطريق السريع.» 

لكنّ روبن أبت أن تلين. 

«ماذا كنت تتوقّع منّي تحديدًا عندما استبقتيني؟» 

«لم يكن لديّ من خطة محدّدة». كذب سترايكء «لم أكن أعلم أنّ 
الوظيفة هذه تعني لكِ إلى هذا الحدّ... وأنّك تتطلّعين إلى التدرّب...» 

«لكن, هل تعي ما قُلتَهُ الآن؟» صاحت روبن به. 

في إحدى زوايا المطعم الصغير» راحت أسرة من أربعة أشخاص تحملق 
فيهما بذهول. لكنّ روبن لم تعرها أي اهتمام» فقد طفح كيلها وثارت ثائرتها. 
لقد قادت لساعات وساعات في الثلج. وتناول سترايك كل المؤونة التي 
جلبتها تحسبًاء وقد ذهبت به الوقاحة إلى التعجُب من إتقانها القيادة. ثم قام 
تشارد باستبعادها إلى المطبخ مع الخدم... والآن» هذا؟! 

«أنت تعطيني نصف الأجر الذي كنت لأتقاضاه لو قبلتٌ بتلك الوظيفة 
في قسم الموارد البشرية! لماذا تعتقد أنْني بقيت؟ لقد ساعدتك في حل 
قضيّة لولا لاندري...» 

«لا بأس», قاطعها سترايك رافعًا يده الكبيرة الشعراء. «حسئاء سأشرح 
لك. لكن, لا تلوميني لاحقًا على صراحتي.» 

لبثت شديدة الاحمرار» ومستقيمة الظهر إزاء كرسيها البلاستيكيّ, 
تنتظر جوابه من دون أن تمدّ يدها إلى البرغر. 

«عندما وظفتكِ كنت أنوي أن أدرّبك. لم يكن لدي المال الكافي لأوْمَن 
لك دورات تدريبيّة, لكني ظننتكِ ستكتسبين الخبرة تلقائيًا أثناء العمل إلى 
أن تتحسّن أوضاعي الماذية.» 

لم تكن روبن تنوي أن تلين» قبل أن تسمع ما سيلي. فلم تنبس ببنت 


«لديك كثير من المؤهّلات لهذه المهنة», قال سترايك, «لكتك 
ستتزؤّجين من شخص يكره عملك.» 
فتحت روبن فمها مشدوهة. لكنّها عجزت عن التلفّظ بأيّ كلمة. 


مكقرة دودة الحرير 337 


«أنت تخرجين حال انتهاء الدوام كل مساء...» 

«لا أبدًا!» ردّت روبن غاضبة. «ربّما لم تلاحظ ني رفضت أن آخذ 
إجازة اليوم, وهذا لأرافقك وأبقى في خدمتك كسائق خاصٌ لأوصلك إلى 
ديفون...» 

«لأنّ خطيبك ليس هنا»» قال سترايك» «ولاأنه لن يعرف بالآمر.» 

أتى وقع كلماته كالصاعقة. كيف عرف سترايك أنَّها كتمت ذلك عن 
ماثيو؟ 

«حنّى ولو كان صحيحًا - وفي أي حال سواء أكان صحيحًا أم لا؛ لا يحق 
لك أن تتدخّل في حياتي الخاصضة - لا أفهم كيف لماثيو أن...» 

«عشث مع شارلوت ست عشرة سنة»» قال سترايك متناولا البرغر 
الثانيء «مع العديد من المطبّات. كانت تكره عملي. وهذا ما سبّب انفصالنا 
- من بين أمور أخرى»» تابع مصحّحًا لمزيد من الدقّة. «كان مفهوم الرسالة 
المهنيّة أو حنّى المهنة غريبًا كليّا عنها. بعض الأشخاص هكذا. في أفضل 
الأحوال» المهنة ليست سوى وسيلة لكسب العيشء وليس لها أيّ قيمة بحدّ 
ذاتها.» 

بدأ بنزع الغلاف عن البرغر تحت نظرات روبن الحانقة. 

«أنا بحاجة إلى شريك لا يحتسب ساعات العمل»» قال سترايك. 
«شخص لا يمانع بأن يعمل في عطلة نهاية الأسبوع. لسث ألوم ماثيو إذ يقلق 
عليك...» 

«هو لا يقلق عليّ.» 

خرجت الكلمات من فم روبن بدون تفكير. إذ راحت تدحض كل 
ما يقوله سترايك؛ اعترفت له دون أن تعي حتّى, بأنّه محق في وجهة نظره. 
الحقيقة أن خيال ماثيو محدود. فهو لم يلاحظ سترايك مضرّجًا بالدماء بعد 
أن طعنه قاتل لولا لاندري. لشدّة حسده من سترايك والذي أعمى تبضّره. لم 
يسمعها حتّى حين وصفت له جنّة أوين كواين المفرّغة من أحشائها. إن كان 
يكره عملها فليس لأنّه يقلق على سلامتها. فجأةً أدركت ذلك بوضوح. 


338 روبرت غالبریٹث t.me/ktabpdf‏ 


«مهنتي خطرة في بعض الأحيان». قال سترايك وفمه مليء بالبرغرء 
كما لو أنه لم يسمع جوابها. 

«لكثني ساعدتك بالفعل», قالت روبن بلسان ثقيل مع أنّْها لم تكن 
تمضغ أيّ طعام. 

«أعرف ذلك. وما كنث لأصل إلى ما وصلت إليه الآن لو لم تكوني إلى 
جانبي»» قال سترايك, « كل صباح؛ أشكر وكالة التوظيف المؤقَّت التي أرسلتك 
خطأ لتطرقي بابي. لقد كنت رائعةء ولما تمكنث من... أرجوك. بالله عليك لا 
تبكي! تلك الأسرة هناك تتابعنا بالتفاصيل المملّة.» 

«لا يهمّني ذلك البنّة». قالت روبن فيما غرق وجهها تحت كومة من 
المناديل الورقيّة. ضحك سترايك ضحكًا شديدًا لهذا المشهد. 

«إن كان ذلك ما تريدين»» قال سترايك متوجهًا إلى خصلاتها الشقراء 
«بإمكانك الالتحاق بدورة لتلقّن أصول التعقّب متى توفّْر لدي المال الكافي. 
لكن» بصفتك محققة متدرّبة, فستكونين مُلرّمة بالقيام بأمور قد لا تعجب 
ماثيو. هذا كل ما لديّ للقول. يعود إليك أن تدرسي الحسنات والسيئات.» 

«وسأفعل». قالت روبن: وهي تحاول جاهدةًٌ احتواء رغبتها الشديدة 
في الصراخ. «هذا ما أريده. ولهذاء بقيت.» 

«إذًا امسحي دموعك وتناولي طعامك.» 

كانت روبن منهكة وسعيدة في آنء لكنّ غضة الانفعال حالت دون 
تمكنها من ابتلاع البرغر بسهولة... لم تكن مخطئة إِذَا: لقد رأى فيها سترايك 
ما يمتلكه هو بالفعل؛ ليسا من النوع الذي يعمل من أجل كسب لقمة العيش 
وحسب... 
«إذَاء أخبرني عن دانيال تشارد». قالت له. 

بينما شرع يزوّدها بمختصر مفيد عن حواره مع الناشرء جمع أفراد 
الأسرة الفضوليّة أغراضهم وغادروا المطعم وهم ينظرون خلسةٌ إلى الثنائي 
الذي لم يتوصّلوا إلى تحديد مواصفاته (شجار حبيبين؟ أو مشكلة عائليّة؟ 
كيف تصالحا بهذه السرعة؟). 


مكتبة دودة الحرير 339 


«يعاني من ژهاب الاضطهاد. وهوغريب الأطوار» ومهووس بذاته»» 
ختم سترايك حديثه بعد خمس دقائق, «لكنّه أسرٌ إليّ ببعض المعلومات. 
يظنّ أنّ جيري والدغريف تعاون مع كواين في كتابة الرواية. من ناحية أخرى, 
ربّما قدَّم جيري استقالته لأنّه ضاق ذرعًا. لا بدّ من أنّ تشارد رب عمل لا 
يُطاق.» 

«هل تريدين القهوة؟» 

نظرت روبن إلى ساعتها. كان الثلج لا يزال يتساقط. وكانت تخشى 
ازدحامات الطريق السريع؛ ما قد يحول دون أن تلحق بقطار يوركشاير. لكن, 
بعد حديثهما هذاء كانت مصمّمة على إظهار التزامها بالعمل, لذاء قبلت 
عرضه. على أيّ حالء لم تقل كلمتها الأخيرة بعد. ويستحسن أن تكلمه وجهّا 
لوجه وليس وهي تقود السيّارة» حيث لا تستطيع أن تراقب رد فعله. 

«وأنا أيضًاء عرفت المزيد عن تشارد»» قالت عندما عادت مع فنجائي 
قهوة لهما وفطيرة بالتفاح لسترايك. 

«قيل وقال الخدم؟» 

«لا». قالت روبن, «لم يكادا يتحدّثان إليّ في أثناء وجودي في المطبخ. 
كانا في مزاج جدّ سيئ.» 

«لا يحبّان المكوث في ديفون» حسب ما قاله تشارد. يفضّلان لندن. 
هل هما أحَوان؟» 

«أمَّ وابنهاء على ما أعتقد»», أجابت روبن» «ناداها مامو. على أي حال,» 
طلبتُ الذهاب إلى الحمّام, وحمّام الخدم موجود بجوار محترف للرسم. 
دانيال تشارد يعرف الكثير عن علم التشريح»» تابعت روبن» «فهناك نسخ 
مطبوعة لرسوم ليوناردو دا فنشي التشريحيّة على الجدران. وأيضًا نموذج 
تشريحيّ في إحدى الزوايا؛ مادّة شمعيّة أو شيء من هذا - من الأخضر 
الشاحب. وعلى حمّالة اللوحة؛ رسم بالقلم الفحميّ, بأسلوب جدّ طبيعيّ. 
يجسّد الخادم ماني وهو ممدّد عاريًا على الأرض.» 

أنزل سترايك فنجانه من يده. 

«معلومات مشؤقة بالفعل!», هتف بحماسة. 


340 روبرت غالبريث t.me/ktabpdf‏ 


«توقعث أن تعجبك»» قالت روبن مبتسمةٌ بشيء من الفخر. 

«ما يوضح لنا إصرار ماني المُستغرب على إقناعنا بأَنّهِ لم يدفع رئيسه 
عن السلّم.» 

«كانا خائقين منك بعض الشيء»» تابعت روبن» «لكتني المسؤولة 
حتقا. فقد قلث لهما إنّك محقّق خاض, لكنّ نينيتا لم تفهم - لغتها الإنكليزيّة 
أضعف من لغة ماني - لذا اضطررتٌ إلى التوضيح بأنّ المحقّق هو كالشرطيّ.» 

«وقد استنتجا أنّ تشارد استقدمني للتشكي من ماني الذي دفعه عن 
السلّم كما يُزكم.» 

«هل ذكر تشارد ذلك؟» 

«أبدًا», قال سترايك, «كان هاجسه خيانة والدغريف المزعومة.» 

بعد محطة وجيزة في المراحيض, خرجا إلى الصقيع» واجتازا موقف 
السيّارات وهما يرمشان لاثّقاء الثلج الذي عاد يلسع وجهيهما. كانت طبقة 
رقيقة من الجليد قد غطّت سطح التويوتا. 

«هل ستتمكنين من الوصول إلى كينغز كروس في الوقت المناسب؟», 
سأل سترايك وهو ينظر إلى ساعته. 

«ما لم نواجه متاعب أخرى على الطريق السريع»» همست روبن وهي 
تتلمّس دعامة باب السيّارة الخشبيّة. 

لم يكادا يصلان إلى الطريق إم 4 حيث توالت لوحات التحذيرات 
المضاءة والتوصيات بعدم تجاوز سرعة الستّين كيلومترًا في الساعة, حتى رن 


هاتف سترايك. 

«إلسا؟ ما الأمر؟» 

«مرحبًا يا كورم. الوضع أفضل مما توفّعت. لم يوقفوهاء لكنّها خضعت 
لاستجواب صارم.» 


ضبط سترايك الهاتف على المجهار كي تستطيع روبن الاستماع إلى 
المكالمة. أخذا يستمعان إلى تفسيرات المحاميةء وبالتركيز عينهء بينما 
كانت السيّارة تحاول شقٌ طريقها عبر الوابل الثلجيّ الذي انهال فجأةٌ على 
زجاجها الأماميّ. 


مكتبة دودة الحرير 341 


«إنهم مقتنعون بأنّها الفاعلة», قالت إلسا. 

«إلام يستندون؟» 

«الفرصة المؤاتية». ردَّت إلساء «وسلوكها. فلنقل بأنّها لا تتجاوب 
معهم. لا تجيب على أسئلتهم إِلَا باقتضاب وجفاء, ولا تنفك تتكلّم عنك. ما 
يثير غيظهم. تُكرّر أنّك ستعثر على القاتل الحقيقيّ.» 

«تبّا»» قال سترايك متونّواء «وماذا وجدوا في مستودع المهملات؟» 

«آه» مستودع المهملات! مجرّد قطعة قماش محروقة وملطّخة بالدم, 
بين كومة من سَقَط المتاع.» 

«يا للاكتشاف المُهم!»» قال سترايك ساخرًاء «لا بِدّ من أنْها تركت 
تتعفن هناك منذ سنوات.» 

«سيقرّر فريق الطب الشرعيّ هذا الشأن. لكئني أوافقك الرأي. ليس 
بالاكتشاف المهمّ, خاصّةٌ وأنّهم لم يعثروا على الأحشاء بعد.» 

«أنتِ على علم بموضوع الأحشاء؟» 

«الكل بات على علم الآنء يا كورم. لقد ورد الخبر في نشرة الأخبار.» 

تبادل سترايك وروبن نظرة وجيزة. 

«متى؟» 

«عند الظهيرة. أعتقد أنّ الشرطة كانت على علم بأنّ وسائل الإعلام 
ستتناول ذلك. لذاء أرادوا استجواب ليونورا قبل أن يذاع الخبر.» 

«أحد أفراد الشرطة هو من سرب الخبر»» صاح سترايك غاضبًا. 


«هذا اتّهام خطير.» 
«أنا نفسي حصلتٌ على المعلومة من الصحافيّ الذي دفع للشرطيّ 
المذكور.» 


«لديك بعض المعارف الْمُهمَين...» 

«لا مفرٌ من ذلك في مهنتنا. شكرًا على إطلاعي يا إلسا.» 

«على الرحب والسعة. حاول أن تبقيها خارج السجن, يا كورم. هي 
سيّدة لطيفة: ليونورا تلك.» 

«مَن هي؟» سألت روين عندما أقفلت إلسا. 


342 روبرت غالبریث t.me/ktabpdf‏ 


«رفيقة سابقة من المدرسة في كورنوالء ومحامية. هي مترؤجة 
من أحد أصدقائي في لندن». أجاب سترايكء «لقد أوكلتها بليونورا لكي... 


اللعنة!» 
وتوفّفت خلف سيّارة بيجو. 


«اللعنة»؛ كرّر سترايك» ورمق روبن بنظرة خاطفة. 

«حادث آخر»» قالت روبن» «أستطيع أن أرى مصابيح سيّارات 
الشرطة.» 

كانت كارثة حقيقيّة. تخيّلت روبن وجه ماثيو في حال اضطرّت 
للاتصال به والاعتذار عن عدم التمكن من المجيء لأنَّ القطار الليليّ فاتها. 
إّها جنازة آمه... من يفوت جنازة؟ في الواقع» كان يجدر أن تكون هناك منذ 
الآن في منزل والد ماثيوء للمساعدة في الترتيبات» ومؤاساة العائلة: حقيبة 
سفرها الصغيرة في غرفة نومها القديمة في بيت والديّهاء وملابس الجنازة 
مكوية ومعلّقة في خزانتها القديمة. وكل شيء جاهز للمسيرة القصيرة إلى 
الكنيسة في الصباح التالي. إِنّه دفن السيّدة كانليف. حماتها المستقبليّة, 
لكنّها فضّلت أن ترافق سترايك وسط عاصفة ثلجيّة, وها هما الآن عالقان في 
زحمة مرور على بُعد مئتّي ميل من المدافن التي ستوارى فيها والدة ماثيو. 

لن يسامحني البّة. لن يسامحني إذا فاتتني الجنازة بسبب... 

لماذا تبنّت هذا الخيار, واليوم ما بين سائر الأيام؟ ولِمَ الأحوال الجويّة 
كارئيّة هكذا؟ إنقبضت معدة روبن من شدّة القلق ولم يكن الازدحام ليخفٌ. 

شفّل سترايك جهاز الراديو ليستمع إلى أحوال الطرقات. أعلن المذيع 
عن تحسّن في حركة السير لكنّ ذلك لم يكن ملموسًا على الإطلاق. ثمّ ملأت 
موسيقى «636) 1316» السيّارة. فانئزعجت روبن شديدًا من صخبهاء لكنّها لم 

تقدّم صف السيّارات بضعة أمتار» فدعت روبن في سرّها: أرجوك يا 
ربّء يشر لي وصولي إلى كينغز كروس في الوقت الملائم. 


مكتبة دودة الحرير 343 


دّة ثلاثة أرباع الساعة, تقدّمت السيّارة بإيقاع السلحفاة على الثلج 

فيما كان نور النهار يخبو سريعًا. راحت روبن التي كانت تظنّ أنّها تملك متّسعًا 
من الوقتء تشعر أكثر فأكثر بأنَّ هامشها يضيق ويضيق إلى حدّ خنقها. عمّا 
قريبء لن يبقى لديها سوی ثوان معدودة لتتصرّف بها. 

ظهر موقع الحادث أمامهماء على مسافة عشرات الأمتار: الشرطة, 
والأضواء الوامضة: وسيّارة البولو المحطّمة. 

«لا بأس. ستصلين في الوقت المناسب»» قال سترايك الذي لم يتلقظ 
بكلمة منذ أن شفّل الراديو. كانا ينتظران ريثما يشير إليهما الشرطيّ بالتقدّم. 
«لن تملكي هامشًا كبيرًاء لكتك ستصلين.» 

لم تجب روبن» فقد كانت تدرك تماما أنّ الوم يقع عليهاء وليس عليه: 
ألم يعرض عليها أن تأخذ إجازة لليوم؟ لكنّها هي من أصرّت على مرافقته 
إلى ديفون» وهي التي كذبت على ماثيو بشأن عدم توافر مقاعد في قطار 
النهار. كان يجدر بها أن تركب أوّل قطار من لندن إلى هاروغيت» ولو بقيت 
واقفة طوال المسارء بدلا من تفويت جنازة السيّدة كانليف. لقد عاش سترايك 
ست عشرة سنة مع شارلوت» في تواصل وانقطاع» إلى أن حطّمت هذه المهنة 
علاقتهما. أمَا هي فلا تريد أن تخسر ماثيو. لم ارتكبت هذه الحماقة؟ لم 
عرضت أن تقلّه إلى ديفون؟ 

كانت السيّارات تشقٌ طريقها ببطء لا يُطاق. بحلول الساعة الخامسة, 
وصلا ناحية ريدينغ» أي في خضمَ مواقيت الازدحامات. علقا من جديد. 
رفع سترايك صوت الراديو للاستماع إلى موجز الأخبار. حاولت روبن الإصغاء 
في حال قد يتحدّّث المذيع عن كواينء لكنّ ذهنها كان شاردًا؛ سرح صوب 
يوركشاير البعيدة, قافرًا فوق السيّارات المزدحمة وكل النواحي الريفيّة 
الغارقة تحت الثلوج. 

«... هذا وقد أكدت الشرطة اليوم أنّ الكاتب المغدور أوين كواين, 
والذي عُثر على جنّته قبل سئّة أيام في أحد منازل بارونز كورت, في لندن, 
قد قُتل بالطريقة نفسها التي قُتل بها بطل روايته الأخيرة التي لم تُنشر بعد. 


344 روبرت غالبريث t.me/ktabpdf‏ 


ولم تعمد الشرطة إلى توقيف أي مشتبه به حتّى الآن. وكان المفتّش المسؤول 
عن التحقيق؛ ريتشارد أنستيسء قد تحدَّث إلى المراسلين بعد ظهر اليوم...» 
لاحظ سترايك نبرة أنستيس المتوثّرة. مكانه. لما اختار تلك الطريقة 
«نقوم باستجواب كل الذين استطاعوا الاطّلاع مسبقًا على مخطوطة 
رواية السيّد كواين الأخيرة...» 
«أيمكنك أن تروي لنا كيف قتل السيّد كواين» حضرة المفبّش؟» سأله 


أحد الصحافيين. 
«ما زلنا ننتظر التقرير الكامل للطت الشرعيّ»» قال أنستيسء وقاطعته 
إحدى المراسلات: 


«هل تؤكّد أنّ القاتل قد أخذ بعض أجزاء الجنّة؟» 

«في الواقع, اختفى جزءٌ من أمعاء السيّد كواين» من مسرح الجريمة»» 
أجاب أنستيسء «نحن نتابع بعض الخيوط, لكثّنا نناشد عامّة الناس تقديم 
أيّة معلومات قد تتوفر لديهم. إِنّها جريمة مرؤعة ونعتقد أنّ الجاني بغاية 
الخطورة.» 

«آه. ليس مجدَّدًا!», تحسّرت روبن. جدار جديد من الأضواء الحمراء 
اعترض طريقهما. «لا تقل لي أنه حادث آخر...» 

أطفأ سترايك الراديوء أنزل زجاج النافذة وأخرج رأسه من السيّارة تحت 
الثلج المتساقط. 

«لا». صاح لروبن: «بل ثمّة سيّارة عالقة عند حافة الطريق... وسط 
ركام من الثلج... سننظطلق ثانيةٌ خلال دقائق معدودة». قال لطمأنتها. 

لكنّ إزالة العائق استغرقت أربعين دقيقة إضافيّة وكانت المسارات 
الثلاثة مزدحمة بشدّة ما جعل التقدّم بطيئًا وشافًا. 

«لن أصل أبدّ!». راحت روبن تردّد. فيما دخلا لندن. كانت الساعة 
تناهز العاشرة والدقيقة العشرين. 

«بلى» ستصلين»» قال سترايك» «سأطفىء هذا الجهاز اللعين»» قال وهو 
يوقف ال055 «والآن, أنا مَن سيدير القيادة: تابعي إلى الأمام مباشرة...» 


مكتبة دودة الحرير 345 


«لكن, علي أن أوصلك...» 

«إنسي أمري. المنعطف التالي إلى اليسار...» 

«لا يمكنني. هو ذو انّجاه واحد!» 

«إلى اليسار». صاح وهو يجذب المقود. 

«لا تفعل ذلكء, هذا شديد الخطور...» 

«هل تريدين أن تفوتك الجنازة؟ هيّاء المنعطف الأوّل إلى اليمين...» 

«أين نحن؟» 

«أعرف تمامًا ما أقوم به»» قال سترايك» وهو يطرف بعينيه ليتبيّن 
الطريق عبر الغشاء الثلجيّ. «إلى الأمام مباشرةً... كان والد صديقي نك سائق 
سيّارة أجرة. وقد علّمني بعض الحيل - إلى اليمين ثانيةٌ - وتجاهلي إشارة 
ممنوع المرور, مَن قد يسلك الشارع في ليلة كهذه؟ تقدّمي بانّجاه مستقيم 
ثم انعطفي يسارًاء عند الإشارة الضوئيّة!» 

«لا يمكنني أن 3 في كينغز كروس!» قالت وهي تطيع أوامره طاعة 
عمياء. «لن تستطيع أن تقود السيّارة. فماذا ستفعل بها؟» 

«دعك من السيّارة» سأفكر في طريقة ما - اسلكي المنعطف الثاني 
إلن البمين... 

في الساعة الحادية عشرة إلا الدقيقة الخامسة» ظهرت أبراج سان 
بانكراس أمام روبن وكأنّها رؤيا من السماء. 

«أركني السيّارة هناء واخرجي سريعًا»؛ أمرها سترايك. «إتصلي بي إذا 
استطعت ركوب القطار. وسأكون هنا إذا فاتك.» 

«شكرًا لك.» 

رآها سترايك تقفز كالأيل على الثلج وحقيبتها تتدلّى من يدها. حين 
اختفت في العتمة, تخيّلها في ردهة المحطة, تد تتعئّر قليلّا على الأرض الزلقة, 
من غير أن تقع؛ وهي تتلفّت بقلق حولهاء بحئًا عن الرصيف الصحيح... لقد 
تركت السيّارةء بناءً على تعليماته. بمحاذاة صف آخر من السيّارات المركونة. 
إذا أدركت القطار. فسيّترك لحاله في سيّارة مستأجرة لا يستطيع قيادتها 
وسينتهون باحتجازها. 


346 روبرت غالبریث t.me/ktabpdf‏ 


راح عقربا ساعة سان بانكراس الذهبيّان يدنوان من الحادية عشرة. من 
دون شفقة ولا رحمة. تخيّل سترايك أبواب القطار وهي تُقفلء وروبن تركض 
لاهثةٌ على الرصيف وشعرها الذهبيّ يتطاير خلفها... 

مرت دقيقة واحدة. ثيِّت نظره على مدخل المحطة وانتظر. 

لم تظهر مجدّدًا. لبث منتظرًا. متت خمس دقائقء ومن ثمّ ستّ دقائق. 


رن هاتفه. 

«هل أدركته؟» 

«بشىّ الأنفس... كان يوشك أن يغادر... شكرًا لك يا كورموران. شكرًا 
جزيلا...» 


«على الرحب والسعة»» أجاب وهو يتفحص الشارع المعتم البارد. 
والثلج الذي يتزايد كثافةٌ. «رحلة موفقة. علي أن أخرج من هنا الآن. وحظً 
سعيدًا بالنسبة إلى الغد.» 

«شكرًا!» كانت لا تزال تصيح عندما أقفل. 

إّه مدين لها بذلك على الأقل, فكّر سترايك وهو يمدّ يده لتناول 
العكازين. هذا لطيف فعلًا لكنّه لم يكن ليخرجه من مأزقه. فعليه عبور 
المدينة تحت الثلج. على ساق واحدة: وعلاوةٌ على ذلك» دفع غرامة باهظة 
جرّاء ترك سيّارة مستأجرة في وسط الطريق. 


31 


الخطر, محفّز كلّ النفوس العظيمة. 
جورج تشابمان, «ثأر بوسي دامبواز» 


ما كان دانيال تشارد ليُعجَب بالشقة-العلّية الصغيرة التي استأجرها سترايك 
في شارع الدانمارك. ما خلا ربّما سحر محمصة الخبز العتيقة أو أصالة مصباح 
المكتب المُزخرف. بالمقابل» كانت عمليّة جدًّا لرجل بساق واحدة. صباح 
يوم السبتء كانت ركبته لا تزال ملتهبة ولا يمكنه تركيب الساق البديلة» لكن 
كل الأغراض كانت في متناول يده. وكان قادرًا على التنقل عبر قفزات صغيرة 
من حجرة إلى أخرى. كان لديه ما يكفي من الطعام في الثلاجة, ومياه ساخنة, 
وسجائر. كان سترايك يقدّر مسكنه الصغير للغاية. وخاضةً حين يتأمّل في 
طبقة الثلج المتراكم على حاقة النافذة ذات الزجاج المغشّى. 

بعد تناول الفطور, تمذد سترايك على السرير وفي يده سيجارةء وإلى 
جانبه على الصندوق المستخدم بمثابة طاولة» فنجان شاي مُرگز. كان متجهّمًا 
لا بسبب مزاجه العكر ولكن لاستغراقه في التفكير. 

ستّة ام من دون أي نتيجة... 

لا أثر للأحشاء ولا نتائج تحاليل قد تقود إلى القاتل المحتمل (كان 
يكفي العثور على شعيرة أو بصمة واضحة لتجنيب ليونورا استجواب البارحة). 
لم يظهر أي شاهد آخر ليؤكد دخول شخص غامض إلى المنزل قبيل وفاة 


348 روبرت غالبریث t.me/ktabpdf‏ 


كواين (هل كانت الشرطة تش في صحة إدلاء الشاهد ذي النظارة السميكة؟) 
لا أثر لسلاح الجريمةء ولا لقطات فيديو تُظهر زائرين غرباء في تالغارث رود. 
لا أحد من المارّة قد لاحظ مساحات من التربة المنبوشة حديئًاء أو اكتشف 
كومة من الأمعاء ملفوفة في برقع أسود. ولا أثر للحقيبة أو الجراب الذي دس 
كواين ملاحظاته فيه قبل الرحيل. لا شيء على الإطلاق. 

لقد انقضت سنّة أيَّام. حدث له أن قبض على مجرمين في أقلّ من 
ست ساعات. لكنْ هؤلاء قد ارتكبوا فعلتهم بتسرّع, وتحت تأثير الغضب أو 
اليأس. عن ذعر أو عدم خبرة, كانوا يخلّفون كمّيات من الأدلّة وسَيلًا من 
الأكاذيب. 

غير أنّ مقتل كواين مختلف كليًا. أكثر غرابة» وأكثر شرًا. 

عندما رفع سترايك فنجان الشاي إلى شفتيه» تراءت له الجنّة مجدّدًا 
وبوضوح تام كما لو أنّه يشاهد صورها على هاتفه. تلك الجريمة عبارة عن 
مشهد مسرحيّ, أو ديكور مسرحيّ. 

على الرغم من الانتقادات التي كان سترايك يوجّهها لروبن حالما 
تذكر احتمال وجود دافع» راح يتساءل حول العنصر الذي حرّك ذلك الجنون 
الإجرامي: ثأر؟ جُنون مُطلّق؟ هل تصرّف القاتل لكتمان سرّ ما (لكن, أيّ سرٌ؟). 
لقد أزال حمض الهيدروكلوريك الأدلّة وحال دون تحديد ساعة الوفاةء ولم 
ير أحد القاتل يدخل المنزل أو يخرج منه. جريمة مخطّطة ومدروسة بدقّة, 
في كل تفاصيلها. سئّة أَيَام ولم يكشف عن أيّ خيط... كان أنستيس يدّعي 
متابعة عدّة براهين لكنّ سترايك لم يكن ليصدّقه على الإطلاق. في أي حالء 
لن يشاركه صديقه القديم أيَة معلومة الآنء وذلك لأنّ سترايك وعلى الرغم من 
كل التحذيرات» قد عاد إلى مسرح الجريمة. 

نفض سترايك الرماد تلقائيًا عن كنزته القديمة وأشعل سيجارة ثانية 
من عقب الأولى. 

«نعتقد أنْ الجاني بغاية الخطورة»» قال أنستيس للمراسلين. تصريح 
واضح للغاية وإنّما مضل على نحو مستغربء في آن. 


مكتبة دودة الحرير 349 


عندئذ» راودته ذكرى قديمة؛ الذكرى الثامنة عشر لعيد ميلاد دايف 
بولوورثء والذي كان شديد البذخ. 

كان بولوورث من أقدم أصدقاء سترايك؛ وقد عرف أحدهما الآخر منذ 
صف الروضة. خلال مرحلتي الطفولة والمراهقةء غالبًا ما كان سترايك يغادر 
كورنوال ثم يعود إليهاء حسب نزوات والدته» وكانت صداقة الرجلين قد 
تكيّفت مع ذلك الإيقاع. 

كان عمّ دايف قد غادر إلى أوستراليا منذ سنّ المراهقة حيث جمع 
ثروة طائلة. ولمناسبة الذكرى الثامنة عشر لميلاد ابن أخيه؛ دعاه إلى منزله, 
مقترحًا عليه اصطحاب أحد أصدقائه. 

آنذاك؛ جال المراهقان حول العالم على متن الطائرة» وشهدا المغامرة 
الأكثر تشويقًا في سنّهما. إستضافهما العم كيفين, الميليارديرء في الفيلا 
الضخمة المصنوعة من الزجاج والخشب اللامع؛ والمطلّة بنوافذها العريضة 
على شاطئ البحر. كانت سائر التسهيلات في تصرّفهما: بار في الصالون» مياه 
المحيط المتلألئة كالماس تحت أشعَّة الشمس الحادّة, وأسياخ القريدس 
الزهريّ المشوي. بدون ذكر اللكنات الجميلة المختلفة» والجعة الوفيرة, 
والشقراوات الفاتنات صاحبات الشمرة الذهبيّة - نموذج شبه مفقود في 
كورنوال - وفي يوم عيد ميلاد دايف. سمكة القرش. 

«لا تصبح خطيرة إِلَا إذا استُفرّت». قال العم كيفين» الذي كان يعشق 
الغطس. «لا تلمساهاء مفهوم؟ لا مخاطرات» حستا؟» 

لكن المخاطرة بالنسبة إلى دايف بولوورث الذي يهوى البحر والذي 
يمارس رياضة مغاربة الأمواج» وصيد السمك والإبحار في ديارهء بمثابة نمط 

لمحا عينين مسطّحتين جامدتين وصفوف أسنان حادّة, لكنّ القرش 
الضخم ذا الزعانف السوداء لم يكن ليكترث لوجودهما بينما كانا يسبحان ما 
فوقه, مذهولّين بجمال جسمه البرّاق الرشيق. أدرك سترايك أنّه كان ليتابع 
طريقه بانسياب عبر زرقة الأعماق, لو لم يصرّ دايف على لمسه. 


350 روبرت غالبریث t.me/ktabpdf‏ 


ما زال دايف موسومًا بعلامته حتّى اليوم: إنتزع القرش كتلة من 
ساعده» ومنذ ذلك الحين فقد الإحساس بإبهامه الأيمن. لكنّ ذلك لم يؤثّر 
في قدرته على العمل: دايف يعمل حاليًا مهندسًا مدنيًا في بريستول. لطالما 
نادوه بال«صاح» في حانة فيكتوري» حيث ل يزال يلتقي هو وسترايك ليشربا 
جعة دوم بارء متى كانا في زيارة إلى ديارهما. ما زال بولوورث على عهده., 
عنيدًا ومتهورًا ومحبًا للإثارة حتّى النخاع, وما زال يمارس الغطس في أوقات 
الفراغ, مع أنّه أصبح يتجنّب الدنوَ من قروش المحيط الأطلسيّ. 

راح سترايك يُحدّق في شق رفيع في السقف فوق السرير. هل لاحظه 
من قبل؟ تتبّعته عيناه, وإِنّما في ذهنه, استمرٌ طيف القرش ينساب في قاع 
البحر. بقعة الدم الداكن التي ما انفككت تتّسعء وتخبّط جسم دايف وفمه 
المفتوح على صرخة صامتة. 

فكر سترايك في أنّ قاتل أوين كواين شبيه بالقرش ذي الزعانف 
السوداء. فهو ليس من النوع الضاري الهائج الذي يقتل لمتعة القتل فقط. 
حسب علمه» لم يكن لأيّ من المشبوهين سوابق إجراميّة. أحياناء عندما يتم 
العثور على جنّة, يتم كشف القاتل بفضل سجلّه المليء بالارتكابات العنيفة. 
يكفي اقتفاء الآثار الدامية التي يخلّفهاء كجعبة مليئة بالطرائد وعظامها ترمى 
لكلاب الصيد الجائعة. أمَا قاتل كواين فصنف غريب ونادرء وحش ماكر 
لا يكشف عن طبيعته الحقيقيّة إِلَّا مُرعَمًا. أوين كواين» شأنه شأن دايف 
بولوورث, استفرٌ مهاجمه عمدّاء موقظًا لديه غضبًا قاتلاء وجلب الهول على 

«في داخل كل منًا قاتل كامن», أولم يسمع سترايك مرارًا وتكرارًا تلك 
الحكمة والتافهة لا بل غير الصحيحة؟ لا شك في أنّ هناك من يستسهلون 
القتل ويتلذَّذون به. وقد التقى سترايك ببعضهم. في كوكبنا هذاء يتم تدريب 
الملايين بنجاح على إبادة الآخرينء وكان سترايك من عدادهم. قد يقثل بعض 
البشر حسب الظروف لمصالح شخصيّة أو دفاعًا عن النفس. ما لم يتوفّر أيّ 
حل بديل وينذهلون إذ يكتشفون عنفهم الكامن في باطنهم. لكن بالمقابلء 


مكتبة دودة الحرير 351 


هناك أشخاص يتوقفون في اللحظة المناسبة؛ حتّى في أخطر الظروفء غير 
قادرين على اجتياز الخطّ الأحمرء وانتهاك آخر الحرمات وأعظمها. 

لم يكن سترايك ليقلّل من شأن قاتل أوين كواين. لا بد من أنّه يتحلى 
بإرادة حديديّة وعزم شديد ليقيّد الضحيّة» ويضربهء ويبقر بطنه. لقد حقّق 
هدفه من دون أن ينكشفء, ونجح في التخلّص من الأدلّة كافة وبإتقان مُطلق, 
وحاليًا هو لا يُظهر ما يكفي من القلق والخوف أو الندم أو عذاب الضمير 
لينفضح أمره. تلك المواصفات تدلّ على شخص خطيرء وخطير جدًاء لا بل 
مخبول. ما دام يظنّ نفسه بعيدًا عن الشبهاتء من الممكن التعايش معه, 
بكل أمان وسلام. لكن إذا ما عمدنا إلى المسّ به. وتحديدًا في الموقع الذي 
يؤلمه... رما حيث مسّه أوين كواين... 

«اللعنة»» تمتم سترايك» ورمى سيجارته بسرعة في المنفضة إلى 
جانبه, فقد احترقت حنّى بلغت أصابعه من دون أن يلاحظ. 

إِذَاء من أين يبدأ؟ بما أنّ القاتل لم يترك أي أثر في مسرح الجريمة 
وصولًا إلى الخارج» فقد رأى سترايك أنّ عليه اقتفاء الآثار بالاتجاه المعكوس» 
أي من الخارج وصولًا إلى مكان الجريمة. وأيضًا مراجعة الأيّام القليلة الأخيرة 
من حياة المغدورء عن كثب. 

تنهّد سترايك عميقًا وهو يحدّق في هاتفه المحمول. راح يتساءل: 
كيف له بالعثور على أوّل خيط؟ راجع قائمة معارفه الطويلة في ذهنه., 
فسقطت الأسماء واحدًا تلو الآخر. أخيرّاء خلص ومن دون حماسة تُذكر إلى 
خياره الأصليّ. حنّى ولو كان ليفصّل عدم اللجوء إليه. فهو الوحيد الكفيل 
بمنحه المعلومات التي يريد: أخوه غير الشقيق» ألكسندر. 

كانا يتقاسمان والدًا شهيرّاء لكنّهما لم يعيشا تحت سقف واحد قط. 
كان آل يصغر سترايك بتسع سنوات, وكان ابن جوني روكبي الشرعيّء ما يعني 
أنه كان يعيش حياة مميّزة ورغيدة. تابع آل دروسه في سويسراء وقد يكون 
في آي مكان من العالم الآن: في شقّة روكبي في لوس أنجلس, أو في يخت 
أحد مغنّي الراب أو على أحد الشواطئ في أوستراليا - كانت زوجة روكبي 
الثالثة مقيمة في سيدني. 


352 روبرت غالبریٹث t.me/ktabpdf‏ 


مع ذلك فقد أظهر أنّه الأكثر رغبة» من بين سائر إخوته وأخواته غير 
الأشفّاء. في التقرب من أخيه الأكبرء وكان يهتمّ لأمره فعلًا. فقد زاره في 
المستشفى بعد أن بترت ساقه. لا يزال سترايك يتذكر موقفهما الحرج آنذاك 
لكئه مع مرور الوقت, تأثّر لمبادرة أخيه اللطيفة. 

كان آل قد أتى إلى سيلي أوك لرؤيته وهو يحمل رسالة من أبيهماء 
رسالة لا يمكن إرسالها بالبريد: مساعدة مالية لينشئ سترايك شركة التحرّيات 
الخاصضة به. أعلن آل آنذاك عن العرض بفخر واضح. معتيرًا ذلك دليلًا على 
كرم والده واهتمامه. لكنّ سترايك كان واثقًا من العكس. فقد اشتبه بأنّ 
روكبي (أو محاميه) خشي من أن يُقدِم المحارب السابق ذو الساق الواحدة 
والحائز على وسام الشرف» على بيع سيرة بعيانة E‏ وبالتالي» كان عرض 
المنحة المالية مجرّد وسيلة لإقناعه بعدم التكلم. 

رفض سترايك عرض والده. وبعد ذلك رفضت كل المصارف منحه 
القرض الذي طلبه. بعد تردّد شديد, قام مُرعَمًا بالاتصال بأخيه ثانيةٌ ليواجهه 
بعرض معاكس: مستحيل أن يقابل روكبي لكنّه مهتم بمال هذا الأخير» شرط 
أن يعتبره قرضًا. بطبيعة الحال» اعتبر والده الأمر كإساءة شخصيّة له. منذ 
ذلك الحين ومحاميه يلاحق سترايك من أجل تسديد سنداته الشهريّة بكل 
الهمّة التي تبديها أكثر المصارف جشْعًا. 

ولو لم يختر سترايك الاحتفاظ بروبن؛ لكان قد سدّد كامل القرض 
نهائيًا. لكنّه كان مصمّمًا على تسديد المبلغ كلّه قبل عيد الميلاد. وهكذا لن 
يعود مَديئًا لجوني روكبي بأيّ شيء. لهذا السبب تحديدّاء كان يكدّ في الآونة 
الأخيرة حتّى الإجهاد, وصولًا إلى ثماني أو تسع ساعات من العمل يوميّاء وعلى 
مدار الأسبوع. في هذا السياق. يمكن فهم تردّده في الاتّصال بأخيه لطلب 
خدمة. تمامًا كما يمكن أن يُفَهَم ولاء أخيه تجاه والد من الواضح أنه يحبّه. 
لكنء كلّما اندسٌ ذلك الموضوع القديم في الحديث, باتت الأجواء مشحونة 
بين الطرفين. 


مكتبة دودة الحرير 353 


إستمر سترايك يتّصل برقم آل إلى أن حولت مكالمته إلى البريد 
الصوتيّ. شعر بالارتياح بقدر ما شعر بخيبة الأمل. ترك رسالة موجزة يطلب 
فيها من آل الاتّصال به وأقفل الخط. 

أشعل سترايك سيجارة أخرى وكانت الثالثة منذ أن تناول الفطور, ثم 
عاد إلى التأمُل في شق السقف. الآثار المفضية إلى مسرح الجريمة... كل 
شيء أو تقرييًا كل شيء يستند إلى توقيت الأحداث وتسلسلها . من هنا أهميّة 
تحديد الوقت الذي قرأ فيه القاتل المخطوطة. وقرّر اتّباع سيناريو الفصل 
الأخير... 

للمرّة الألف. راجع سترايك أسماء المشتبه بهم؛ وكأنّه يمسكهم بيده 
كسلسلة من أوراق الشدّة. 

إليزابيث تاسيلء التي لم تُخفٍ الغيظ والمتاعب التي سبّبتها لها 
بومبيكس موري. كاثرين كينت», التي زعمت أنّْها لم تقرا قرأها البنّة. بيبا 2011 
التي لا تزال مجهولة, والتي قرأ عليها كواين بعض مقاطع الرواية في أكتوبر. 
جيري والدغريف, الذي حصل على المخطوطة في الخامس من نوفمبر لكنّه 
عرف محتواها من قبل إذا صدق قول تشارد. دانيال تشارد» الذي زعم أنه لم 
يستلمها إلا في السابع من الشهر. وأخيرًا مايكل فانكورت» الذي أخبره تشارد 
بنفسه عنها. صحيح أنّ هناك أيضًا كل الذين أرسل فيشر النصّ إليهم؛ لا بدّ 
من أن هؤلاء اطّلعوا على الرواية بدقّة وانتباه وخاصّةً الفصول الأكثر مجونًا. 
أمَا فيشر بحدّ ذاته, فلم يكن سترايك ليشتبه بتورّطه في الجريمة. وكذلك 
الأمر في ما يتعلّق برالف الشابٌء مُعاون تاسيلء أو بنينا لاسيلزء ولو كانت 
شديدة الغموض, لأنّ أيّا منهم لم يرد في بومبيكس موري كما ولم يكن يعرف 
كواين شخصيًا. 

فكر سترايك بأنّه يحتاج إلى التقرّب من الأشخاص القلائل الذين وقعوا 
ضحيّة سخرية أوين كواين وإهاناتهء ومن يعلم؟ قد ينجح في حتّهم على البوح 
بالمزيد. بحماسة ضئيلة تكاد لا تفوق حماسة انّصاله بأخيه, راح يتصفّح قائمة 
المعارف في هاتفه. إلى أن وقع اختياره على نينا لاسيلز. 


354 روبرت غالبريث t.me/ktabpdf‏ 


كانت المكالمة وجيزة. إذ شرت لسماع صوته» دعته نينا إلى زيارتها 
في المنزل خلال الأمسيةء وأبلغته بأنها ستطهو طبقًا لذيدًا من أجله. 

لم يكن في وسع سترايك التفكير في طريقة أخرى للحصول على مزيد 
من التفاصيل عن حياة جيري والدغريف الخاصّة أو عن سمعة مايكل فانكورت 
ک«مجرم أدب.» من جهة أخرىء كان يخشى إعادة تركيب ساقه البديلة, 
فضلًا عن العناء الذي سيتكبّده للإفلات من قبضة نينا لاسيلز المتلهُفةء في 
صباح اليوم التالي. لمؤاساة نفسه» فكر في مباراة الأرسنال وأستون فيلا التي 
سثبث على التلفزيون بعد الظهر. بانتظار ذلك لم يكن مضطرًا للخروج: لديه 
مسكنات, وسجائر, ولحم مقدّد وبعض الخبز. 

في غمرة انشغال سترايك بتأمين وسائل راحته وبكرة القدم والتحقيق 
في الجريمة, لم يخطر بباله قط إلقاء نظرة على الشارع المغطّى بالثلج فقد 
تحدّى بعض المارّة الصقيع؛ وخرجوا لشراء حاجيّاتهم سواء من متاجر الأشرطة 
والأسطوانات أو الآلات الموسيقيّة, أو لاحتساء كأس من الشراب في المقهى. 
لو فعل ذلك لربّما لمح طيفًا طويلًا يرتدي معطفًا أسود. ويتّكئ إلى الجدار 
بين المنزلّين 6 و8؛ رافعًا نظره صوب شقته. بالمقابل» ما كان ليرى القاطعة 
الكبيرة التي كان الطيف يقلّبها بانتظام بين أصابعه الطويلة والنحيلة. 


32 


إرتفع يا ملاكي الحارس, 
واطرد بابتهالاتك المقدّسة تلك الروح 
الشرّيرة 

توماس ديكيرء «الجندي الإسباني النبيل» 


على الرغم من عجلاتها المُزوّدة بسلاسل مضادّة للانزلاق» واجهت اللاند 
روفر العائليّة القديمة التي تقودها والدة روبن» صعوبة فائقة في سلوك طريق 
العودة» بين محطة يورك وماشام. من خلال القُرجات القليلة التي كانت 
مسّاحات الزجاج تخلّفها على شكل مروحة - وسرعان ما يعود الثلج المنهمر 
لطمسها - كانت معالم الطبيعة التي أحاطت بطفولة روبين تبدو شبه غريبة 
عنها. على مز سنين طوال؛ لم تشهد المنطقة شتاءً بهذه القساوة. كان الثلج 
يتساقط بلا هوادة منذ أيَام عديدة, فاستغرقت الرحلة ما يقارب الثلاث 
ساعات. عوضًا عن ساعة واحدة في الأيّام العاديّة. لوهلة اعتقدت روبن 
أنّها ستفوّت الجنازة. على الأقلّ قد استطاعت التحدّّث إلى ماثيو بالهاتف. 
لتوضح أنّها باتت على مقربة. وقد طمأنها بعض الشيء حين أخبرها بأنّ آخرين 
من أفراد العائلة ما زالوا عالقين في الثلوج وبأنّه يخشى ألا تتمكّن خالته من 
المجيء من كامبريدج أصلا. 


356 روبرت غالبریث t.me/ktabpdf‏ 


لدى وصولها إلى بيت أهلهاء تمصت روبن من الترحيبات الحارّة 
التي راح اللبرادور الأسمر الهرم يغدقها عليهاء فصعدت السلالم بسرعة إلى 
غرفتها. أخرجت الفستان والمعطف الأسودين من دون أن تنّخذ عناء كيّهماء 
تسبّبت في تنشل جوربها اللاصق من فرط استعجالها. ثم نزلت السلالم 
بسرعة عة إلى المدخل حيث كان والداها وأشقّاؤها في انتظارها. 

ساروا معًا ببطء تحت المظلات السوداء التي كانت تقيهم العصف 
الثلجيّ. بعد صعودهم المنحدر الصغير الذي اعتادت روبن سلوكه في 
الماضي» للوصول إلى مدرستهاء عبروا الساحة الكبيرة في قلب البلدة 
القديمة. ما خلفهم, برزت المدخنة العملاقة لمصنع الجعة المحلّي. كانت 
سوق السبت قد ألغيت. بالمقابل» سمحت خنادق محفورة في الثلج للأكثر 
شجاعة بالعبور نحو فناء الكنيسة» فآثار الأقدام لا تزال واضحة في تلك 
الناحية. لمحت روبن حشدًا من أقرباء وأصدقاء الفقيدة, بثيابهم السوداء, 
في ساحة الكنيسة. كانت أشعّة الشمس الباهتة تنعكس على الثلج المتجمّد 
اللامع الذي يكسو سطوح المنازل الجورجيّة المجاورة. إستمرٌ الثلج يتساقط 
ويغمر كمد من الأبيض الناعم. شاهدات القبور الحجريّة المصطفّة على 
أمتداد المدافن. 

إقشعرّت روبن عندما مرّت الأسرة أمام بقايا صليب قديم من القرن 
التاسع - يحمل مظهره شيئًا من الطابع الوثنيَ الغريب - وصولًا إلى أبواب 
كنيسة القديسة مريم العذراء. وأخيرًا شاهدت ماثيو واقفًا تحت السقيفة مع 
والده وشقيقته. بدا شاحبًا للغاية ووسيمًا جدًا ببدلته السوداء. بينما راحت 
روين تحدّق فيه محاولةًٌ أن تجتذب انتباهه عبر صف ا تقدّمت 
نحوه امرأة شابّة وقبلته. عرفت روبن أنّها سارة شادلوك. صديقة ماثيو منذ 
يام الجامعة. ريما كانت معانقتها أكثر شغفًا من اللائق في هذه الظروفء 
لكنْ خطأ روبن في اختيار قطار الليل والذي لم تدركه إلا قبل عشر ثوانٍ 
من انطلاقه, إضافةً إلى عدم رؤيتها ماثيو منذ نحو أسبوع, لا يمنحانها حقّ 
الاستياء من ذلك. 


مكتبة دودة الحرير 357 


«روبن»» صاح بلهفة فاتحًا ذراعيه للترحيب بهاء ما جعله يفؤوت 
مصافحة ثلاثة أشخاص. عندما تعانقاء شعرت روبن بوخز الدموع تحت 
جفنيها. كم جميل أن تستعيد الحياة الواقعية في النهاية. ماثيوء ومنزلها... 

«تعالي اجلسي في المقدّمة».: قال وهو يقودها إلى المقعد المواجه 
للمذبح» بمحاذاة صهر ماثيو الذي كان يلاعب طفلته الجالسة على ركبتهء 
والذي حيّاها بإيماءة كئيبة من رأسه. 

كانت الكنيسة قديمة وجميلة وروبن تعرفها جيّدًا لكثرة ما شاركت 
في قداديس الميلاد والفصح. لا تزال تذكر احتفالات الحصاد مع رفاقها في 
المدرسة. جالت عيناها ببطء على التحف التي كانت تزيّن الكنيسة. عند 
أعلى قوس موقع الكورسء لوحة تُعزى للسير جوشوا رينولدز, لفتت انتباهها. 
حدّقت فيها ريثما تستعيد أنفاسها وترتّب أفكارها: مشهد صوفيّ غارق في 
الضبابيّة؛ ملاك صغير يتأمّل في صليب بعيد تنبعث منه أشْعّة ذهبيّة... 
راحت تتساءل مَن أنجزهاء رينولدز أو أحد تلاميذه؟ وسرعان ما شعرت 
بالذنب لفضولها الدائم» وخاضةٌ في لحظات كهذه.... بدلا من الشعور بالأسى 
لوفاة السيّدة كانليف المسكينة... 

كانت تظنّ أنْها ستحتفل بقرانها هنا بعد بضعة أسابيع. وكان ثوب 
زفافها معلَقًا في خزانة غرفة الضيوف, لكن, بدلًا من موكب العُرسء تقدَّم عبر 
الممرّ تابوت السيّدة كانليفء بلونه الأسود اللامع ومقابضه الفضّية. أمَا أوين 
كواين فلا يزال يرقد في المشرحة... متعفُئًا ومحروقًا ومبقوراء من دون تابوت 
لامع إذ لم يُعثر على أحشائه بعد... 

كفي عن التفكير في ذلك. قالت في قرارة نفسهاء بينما جلس ماڻيو 
إلى جانبهاء والتصقت ساقه الطويلة الدافئة بساقها. 

كانت الأربع والعشرون ساعة الماضية حافلة بالحوادث. بحيث 
وجدت روبن صعوبة في التصديق بأنّها هناء في ديارهاء وليس في المستشفىء 
حيث كان من المحتمل أن تنتهي هي وسترايك بعد أن كادا يصطدمان مباشرةٌ 
بتلك الشاحنة-الصهريج المنقلبة... السائق المضرّج بالدماء... لا بدّ من أن 


3538 روبرت غالبريث t.me/ktabpdf‏ 


جسد السيّدة كاتليف كامل وسالم في تابوتها المبطن بالحرير... كفي عن 
التفكير في ذلك... 

بدا وكأنَّ عينيها جُردتَا من المشاهد الهادئة المريحة. ربّما لكثرة رؤية 
الفظاعات - جثث مقيّدة ومنزوعة الأحشاء - قد تتغيّر طريقة نظرك إلى 
العالم. 

عندما دعا الكاهن الجميع إلى الصلاة ركعت متأخرة بعض الشيء, 
وشعرت بخشونة المجثى المطرّز تحت ركبتيها المتجمّدتين. مسكينة 
السيّدة كانليف... ومع ذلكء فوالدة ماثيو لم تكن تُكنّ لها كثيرًا من المودّة. 
كوني طيّبة, وتّخت روبن نفسها. مع أنّ ذلك صحيح, فالسيّدة كانليف لم تكن 
راضية عن فكرة ارتباط ماثيو بالصديقة عينها لمدّة طويلة. ذات يوم» إذ ظنت 
روبن غير متنبّهة» قالت على مسمع منها إِنّه من المستحسن أن يقيم الشبّان 
علاقات متعدّدة من دون الالتزام بفتاة واحدة, وأن يستمتعوا بأوقاتهم قبل 
الالتزام... ومن جهة أخرى, لم يحسّن أمر تخلّي روبن عن دراستها الجامعيّة 
صورتها في عيئّي حماتها. 

متمدٌّدًا على مقعده الزخاميّ على بُعد ثلاثة أمتار» كان تمثال السير 
مارماديوك ويفيل يحدّق في روبن عندما وقفت للترنيم. بصدرة درعه الضيّقة 
وحجمه الطبيعيّ؛ كان الأرستقراطيّ مستندًا إلى مرفقه للإشراف على جماعة 
المصلين. وكانت زوجته ممدّدة على مقعدها الرخاميّ تحته. في وضعيّة 
مماثلة. كانا يبدوان حقيقيين على نحو غريب» في وضعيّتهما غير اللائقة, 
والوسادتين تحت مرفقيهما لإراحة عظامهما الرخاميّة. فوقهماء في عروات 
العقد. حُفرت أشكال رمزيّة للموت والبقاء. حنّى يفرّق الموت بيننا... 
وسرحت أفكارها ثانيةٌ: هي وماثيو مربوطان معًا إلى الأبد حتّى الموت... لا, لا 
ليس مربوطين بل مرتبطين... لا تفكّري في الرباط والقيود... ماذا دهاكِ؟ 
في الواقع» تلك الرحلة في القطار أنهكتها: كانت المقصورة مفرطة التدفئة 
وكثيرة الاهتزاز. ولم يغمض لها جفن مخافة أن يعلق القطار بالثلج. 

أمسك ماثيو بيدها وشدّ على أصابعها بحنان. 


مكتبة دودة الحرير 359 


تمت مراسم الدفن بالسرعة التي تسمح بها الأصولء إذ كان الثلج 
يتساقط بكثافة حولهم. لم يحدث أي تباطو عند القبر, إذ لم تكن روين 
الوحيدة التي ترتجف من شدّة الصقيع. 

عاد الموكب إلى منزل آل كانليف القرميدي الكبير الدافىء. راح 
السيّد كانليف, الذي كان دائمًا يبالغ في المجاملات, يملا كؤوس الحاضرين 
باستمرار ويرحُب بهم, وكأنّها حفلة اجتماعيّة. 

«إشتقتٌ إليك». قال ماثيو, «كان الجوّ رهيبًا من دونك.» 

«وأنا أيضًا». أجابت روبن» «تمتّيث لو أكون إلى جانبك.» 

كذبة أخرى. 

«ستمكث عمّتي سو هنا الليلة». قال مائيوء «فكرت في أن نذهب 
معًا إلى بيت أهلك. تلك فرصة جيّدة للابتعاد قليلّا عن هذه الأجواء. فقد كان 
الأسبوع حافلا... 

«أجلء فكرة ممتازة»» قالت روبن وهي تضغط على يده» مسرورة لأتها 
لن تضطرٌ للبقاء في منزل آل كانليف. طباع أخت ماثيو لا تطاق» والسيّد 


كانليف متسلّط. 
لكن» كان بإمكانك تحمّلهما لليلة. لامت نفسها بصرامة. ذلك بمثابة 
هروب إلى الأمام. 


كان منزل أسرة إيلاكوت, على مسافة قريبة مشيًا. وكان ماثيو يحب 
أسرة روبن؛ سْرٌ كثيرًا عندما استبدل البذلة بالجينز» وساعد والدة روبن في 
إعداد المائدة للعشاء. كانت السيّدة إيلاكوت, وهي امرأة مكتنزة ورثت عنها 
روبن خصلاتها الصهباء المائلة إلى الذهبي - هذا المساء كانت مرفوعة 
ومعقوصة على شكل كعيكة غير متناسقة - تعامله بلطافة. كانت سيّدة 
متعدّدة الاهتمامات وذات طبع حماسي مرح, وكانت تتابع حاليًا دروسًا في 
الأدب الإنكليزيّ في جامعة مفتوحة للكل. 

«كيف حال الدراسة يا ليندا؟» سألها ماثيو وهو يرفع القدر الثقيلة 
عن الموقد. 

«إننا ندرس ويبستر الآنء دوقة أمالفي: وهذا يفقدني صوابي.» 


360 روبرت غالبریٹث t.me/ktabpdf‏ 


«هذا صعبء أليس كذلك؟» سأل ماثيو. 

«ذلك اقتباس, يا عزيزي. أوه». رمت الملاعق فجأةً فسقطت على 
طرف القدر محدثةٌ قعقعة, «هذا يذكرني... لا بد أنّها فاتتني...» 

خرجت من المطبخ وتناولت نسخة من راديو تايمز المجلّة المتواجدة 
دائمًا في منزلهم. 

«لا يبنّونها في التاسعة. مقابلة مع مايكل فانكورت, أريد أن أتابعها.» 

«مايكل فانكورت؟» سألت روبن, ملتفتةٌ صوبهاء «لماذا؟» 

نه شديد التأثّر بكتّاب الدراما الإنكليزيين القدماء. والذين تدور 
مسرحيّاتهم حول موضوع الثأر». قالت أمَهاء «آمل أن يشرح لماذا يجتذبه 
هذا النوع.» 

«هل رأيتم هذا؟» قال جوناثان» شقيق روبن الأصغر العائد للتَوّ من 
الدكان عند زاوية الشارع حاملًا لتر الحليب الإضافيّ الذي طلبته والدته «إِنّه 
على الصفحة الأولى» يا روب. ذلك الكاتب الذي انتّزعت أحشاؤه...» 

«جون!» زجرته السيّدة إيلاكوت بحذدّة. 

أدركت روبن أنّ والدتها لم توبّخ ابنها لأنّ مائيو لم يكن يستسيغ ذكر 
مهنتهاء بل لأنها كانت تعتبر أنه من غير اللائق مناقشة مواضيع الفضائح في 
أعقاب جنازة. 

«ماذا؟» قال جوناثان, غافلا عن آداب السلوك. ودس صحيفة الدايلي 
إكسبرس تحت أنف روبن. 

لقد ولج كواين العناوين الأولى بعد أن عرفت الصحافة تفاصيل وفاته. 

مؤلّف روايات الرعب يكتب تفاصيل مقتله بنفسه. 

مؤلّف روايات الرعب, فكرت روبنء لا يكاد يكون كذلك... لكنّها صفة 
تشكل عنوانًا رئيسيًا صارحًا. 

«هل تعتقدين أنّ رئيسك سيحل لغز هذه الجريمة؟» سألها جوناثان 
وهو يتصفّح الصحيفة؛ «ويسجّل هدقًا جديدًا في مرمى الشرطة؟» 

بدأت روبن تقرأ الخبر من فوق كتف أخيهاء لكنّها سرعان ما امتنعت 
حين لاحظت نظرة ماثيو. 


مكتبة دودة الحرير 361 


صدر أزيز من حقيبة يدها التي كانت قد تركتها على كرسي مثقوب في 
زاوية المطبخ المبلّط. وهم يتناولون يخنة البطاطس. فتجاهلته متظاهرةٌ بأنّها 
لم تلاحظ ذلك. عندما فرغت من الطعام وفيما أخذ ماثيو يساعد والدتها في 
توضيب المائدة, توجّهت خلسةٌ إلى حقيبتها للتحّق من رسائلها. وكم كانت 
دهشتها شديدة عندما رأت مكالمة فاتتها من سترايك. إسترقت نظرة إلى 
ماثيو الذي كان مشغولًا في تكديس الأطباق في غسّالة الصحون, واستمعت 
إلى الرسالة الصوتيّة بينما كان الآخرون يتحادثون. 

لديك رسالة جديدة. وردت اليوم في الساعة السابعة والدقيقة 
العشرين مساءً. 

شمع صوت خط مفتوح وخشخشة وكأنّ أحدهم ينتظر ليبداً بالتكلم. 

تلت ذلك ضجَة مخنوقة» فصرخة. ميّزت روبن صوت سترايك: 

«لاء توفّف, أيّها ال...» 

صمت وجيز. خشخشة من جديد. ثمّ ضجّة شيء يُسَحقء ويُجرٌ. لهاث 
مرتفع» وصوت خدشء ومن ثمّ... لا شيء. 

وقفت روبن مذعورةء والهاتف مشدود إلى أذنها. 

«ما الأمر؟» سألها والدها الذي كان يعود بالأواني إلى خزانة المطبخ. 
ثمّ جمد مكانه والنظارة متدلية إلى منتصف أنفه. 

«أعتقد... أعتقد أنّ رئيسي تعرّض لحادث...» 

إتصلت برقم سترايك بأصابع مرتجفة, فحُوّلت المكالمة إلى البريد 
الصوتيّ على الفور. وسط المطبخ. وقف ماثيو يرميها بنظرات قاتلة. 


t.me/ktabpdfF 


33 


يا للأقدار الظالمة التي تُجبر النساء على 
المغازلة! 
توماس ديكير وتوماس ميدلتون, «العاهرة النزيهة» 


لم يسمع سترايك اتّصال روبنء لأنّ هاتفه صُبط على الصامت عندما وقع على 
الأرض قبل ربع الساعةء ولم يتنبّه إلى ذلك. كما لم يدرك أنّ إبهامه ضغط 
عَرَضًا على رقم روبن» قبل أن ينزلق الهاتف من بين أصابعه. 

كان قد غادر للتوّ مبنى منزله وهاتفه في يده (كان ينتظر مكالمة من 
سائق سيّارة الأجرة التي انتهى بطلبهاء بعد ترذد وجيز) عندما وقع الحادث. 
حالما انغلقت البؤابة خلفه» انق عليه شخص طويل القامة يرتدي معطقًا 
أسود بقلنسوة. تحت ستار العتمة. لم يلمح سترايك سوى سحنة شاحبة, 
ووشاح» وذراع تشهر شفرة حاذّة نحوه مباشرةء بحركة خرقاء وإِنّْما بعزم شديد. 

إستعدٌ سترايك لتلقّي الضربة. إذ تكوّم على نفسه. كاد أن ينزلق مجدّدًا 
على الثلج لكنّه استعاد توازنه في اللحظة المناسبةء فارتطمت يده بالبؤابة, 
موقعةٌ الهاتف على الأرض. مصدومًا وإِنّْما غاضبًا الأكثر - كان قد لوى ركبته 
بسبب تلك المرأة حين صادفها في المرّة الأخيرة - أطلق سترايك صرخة 
شديدة. توقفت مُهاجِمّته جزءًا من الثانية ثمّ عاودت الانقضاض عليه. 


مكقرة دودة الحرير 363 


كان قد لمح لمعان القاطعة, لكن. حين أراد الإطاحة بها بضربة مُحكمة 
من عصاهء خانته ساقه. أطلق صيحة ألم رهيبةء ما فاجأ المعتدية - التي كانت 
تظنّ بأنّها أخطأت هدفها - وجعلها تقفز متراجعةٌ إلى الخلف. إنتابها هلع 
شديد كما في المرّة السابقةء فلاذت بالفرار. بقي سترايك الغاضب والمحبط 
وسط الرصيفء غير قادر على مطاردتها. لم يبق أمامه سوى التنقيب عن 
هاتفه في كومة الثلج. 

اللعنة على هذه الساق! 

عندما انّصلت به روبن» كان جالسًا يتصبّب عرقًا في سيّارة أجرة تتحرّك 
ببطء السلحفاة. لقد عجزت الشفرة المثلّثة الصغيرة التي شاهدها تلتمع في 
يد مطاردته عن إصابته. يا له من عزاء! بما أنه اضطرٌ إلى تركيب ساقه البديلة, 
قبل التوجّه إلى منزل نيناء راحت ركبته تبرّحه ألما من جديد. أضف إلى ذلك 
أنه كان يحترق غيظًا لعدم قدرته على مطاردة مُهاجمته المجنونة. لم يضرب 
امرأة ولم يؤذ واحدة - على حدّ علمه - من قبل. لكنّ الشفرة المصوّبة نحوه 
في الظلام قد ألغت تحفّظاته كافّة. وممًا أخاف السائقء الذي كان يراقب 
الراكب الضخم الغاضب عبر المرآة, أن سترايك ظل يتلفت ويتململ على 
مقعده. علّه يلمح وسط زحمة ليلة السبت تلك القامة المحدودبةء بمعطفها 
الأسود» وقاطعتها المخفيّة في جيبها. 

كانت السيّارة تتقدّم في شارع أوكسفورد. تحت أضواء وزخارف 
الميلاد المزيّنة بعلب الهدايا الملفوفة بورق فضي وبأشرطة مربوطة على 
شكل فراشات. أمضى سترايك والمتكدّر لفكرة تناول العشاء برفقة نيناء معظم 
المسار في احتواء مزاجه العكر . الحقيقة أنّ روبن كانت تتّصل به مرارًا وتكرارًاء 
لكنه لم يشعر بارتجاج الهاتف كونه في جيب معطفه الملقى إلى جانبه على 
المقعد. 

«مرحبًا»» بادرته نينا بابتسامة متصئعة عندما وصل إلى شقّتها بعد 
نصف ساعة من التأخير. 

«آسف لتأخّري»». قال سترايك وهو يجتاز العتبة بخطى عرجاء 
«تعرّضتٌ لحادث وأنا أغادر المنزل. إِنّها ساقي.» 


364 روبرت غالبريث t.me/ktabpdf‏ 


أدرك فجأةً أنّه لم يحضر أيّ هديّة, وهو واقف قبالتها ورقبته غارقة في 
معطفه. كان يجدر به جلب قئّينة نبيذ أو علبة شوكولاته. شعر بأنّها لاحظت 
ذلك عندما راحت تتفحخص قامته بعينيها الواسعتين. كانت سيّدة مهذَّبة 
وهو مجرّد وغد خسيس. 

«وقد نسيتٌ قئّينة النبيذ التي اشتريتها في المنزل»» قالها بنبرة 
نادمة لتسامحه على هفوته» «أنا أحمق فعلا. يجدر بكِ طردي.» 

ضحكت نينا ضحكة خفيفة على سبيل المجاملة وفي تلك اللحظة 
تحديدًا» شعر سترايك بارتجاج الهاتف في جيبه» فأخرجه تلقائيًا بدون أي 
تفكير. 

ِنْها روبن. ولكن. لم تتصل به يوم سبت؟ 

«المعذرة»» قال لنيناء «عليّ الردّ على هذه المكالمة... أمر طارىء, 
ِنْها معاونتي...» 

إختفت ابتسامتها. ثمّ استدارت وتركته وحيدًا في البهو. 

«روبن؟» 

«هل أنتَ بخير؟ ماذا حدث؟» 

«كيف عرف...؟» 

«حين استمعثٌ إلى رسالتك الصوتيّة. شعرتٌ بأنّك تتعّض لاعتداء!» 

«يا إلهي؛ هل اتصلث بك؟ لا بد أنّني فعلت عن غير قصد عندما 
أوقعتٌ هاتفي. نعم» ذلك ما حدث بالضبط...» 

شرح لها ما حدث وبعد مضيّ خمس دقائق, علّق معطفه في ردهة 
المدخل. ثم تبع حاسّة شمّه إلى غرفة الطعام حيث أعدّت نينا مائدة 
لشخصين. كانت الغرفة مضاءة بشكل جميلء وقد نظفتها نينا ورتّبتها وزيّنتها 
بأزهار نضرة في كل زاوية. وكان الجوّ عابقًا برائحة الثوم المحمّر. 

«آسف»» كدّر الاعتذار عندما عادت حاملةًٌ أحد الأطباق؛ «أتمنّى 
أحيانًا لو أنّ لديّ وظيفة بدوام عاديّ.» 

«تفضّلء, صيّ كأسًا من النبيذ»» قالت ببرودة. 


مكتبة دودة الحرير 365 


كان ذلك الوضع مألوفًا لديه. كم من مرّة جلس أمام امرأة حانقة عليه 
لتأخّره عن مواعيده, وتشثّت اهتمامه. ولا مبالاته؟ لكنّ نينا ما زالت مبتدئة 
في المجال. فلو تأأخّر عن موعد العشاء مع شارلوت وتلقى مكالمة من امرأة 
فور وصولهء لرشقته بالنبيذ وألحقتها بالأواني الخزفيّة. تلك الفكرة جعلته 
يبدي مزيدًا من اللطف نحو نينا. 

«المحققون لا يُعاشّرون»» قال لها وهو يجلس. 

«لا يُعاشَّرونء لن أذهب إلى هذا الحنّ»؛ أجابت وقد لانت قليلا. «بل 
أفترض بأنّك تفر بعملك طوال الوقت.» 

كانت تراقبه بعينيها الواسعتين. قالت: 

«حلمت بك ليلة أمس. كان كابوسًا.» 

«بداية أمسية رائعة!» قال سترايك. 

أجابت وهي تضحك «لاء إطمئنَّ. كنا مكعًا نبحث عن أحشاء أوين 
كواين.» رشفت جرعة طويلة من النبيذ وراحت تحدّق فيه. 

«وهل عثرنا عليها؟» سأل سترايك محاولًا المحافظة على أجواء المرح. 

«نعم.» 

«أين؟ يمكنني أن أفيد من أي خيط في هذه المرحلة.» 

«في الدّرج السفليّ لمكتب جيري والدغريف»», قالت نينا وخيّل إليه 
أنّها تكبت قشعريرة» «كان ذلك رهيبًا في الواقع. شاهدتٌ دماءًء وأعضاءً... 
وبعد ذلك قُمتَ أنت بضرب جيري. ثم استيقظت, بدا ذلك حقيقيًا.» 

شربت مزيدًا من النبيذء من دون أن تمس طعامها. فحاول سترايك» 
الذي كان قد تناول عدّة لقمات من طبقه (مع أنّ نكهة الثوم كانت حادّة, 
لكنه كان يتضوّر جوعًا), التخفيف من إيقاعه لمجاراتها. إبتلع لقمته على مهل 
وأجاب: 

«يبدو ذلك كئيبًا للغاية.» 

«هذا بسبب ما تناقلته الأخبار بالأمس»» قالت وهي تراقبه» «لم 
يدرك أحد... لم يعرف أحد أنه سيُقتل على هذا النحو. كما يرد المشهد في 
بومبيكس موري. لم تخبرني بذلك»» قالت بنفحة انّهامية خلف أبخرة الثوم. 


366 روبرت غالبریث t.me/ktabpdf‏ 


«لم يكن في وسعي»» قال سترايك» «نشر مثل هذه المعلومات يعود 
إلى الشرطة.» 

«الخبر منشور في الصفحة الأولى من الدايلي إكسبرس اليوم. كان 
أوين يحبّ أن يظهر في العناوين الرئيسيّة. لكتّني تمتيثٌ لو لم أقرأه»» قالت 
وهي ترمقه بنظرة خاطفة. 

لقد شهد سترايك مثل هذه التوجُسات من قبل. فبعض الأشخاص 
يشمئرٌون إذ يدركون ما شاهده, أو فعله» أو لمسه في سياق مهنته. وكأنّهم 
يشتمّون لديه رائحة الموت. هناك دائمًا نساء يجتذبهنّ الجنود أو الشرطيّون: 
يرتعشنَ متعةٌ عند ملامستهم» ويعشنَ من خلالهم التشويقات والمواقف 
العنيفة التي شهدها هؤلاء أو ارتكبوها. بالمقابلء ثمَة نساء أخريات ينفرن 
من هذا النوع من الرجال. كان سترايك يتوقّع أن تكون نينا من النوع الأولء 
لكن, الآن وقد فُرضت عليها الحقيقة الفظيعة والمقرفة. مع سلسلة قساواتها 
الساديّة. فهي بدأت تميل إلى المعسكر الثاني. 

«لم تكن أجواء العمل إيجابيّة أمس بعد أن سمعنا ذلك. كان الجميع... 
إذا قُتل بتلك الطريقة حقّاء وقد قلّد القاتل ما ورد في الكتاب... فذلك يحدّ من 
عدد المشتبه بهم, لا؟ لم يعد أحد يضحك عند ذكر بومبيكس موريء هذا ما 
هو أكيد. وكأنّنا في إحدى حبكات مايكل فانكورت القديمة» في الزمن الذي 
كان النقاد يلقبونه فيه بالكاتب المُرعبء كاتب الموت... للمناسبة. جيري 
قدّم استقالته.» 

«سمعت بذلك.» 

«لا أعرف لماذا». قالت مضطربة» «هو يعمل لدی روبر تشارد منذ 
زمن. مؤْخَرّاء لم يعد كما كان البتّة. أصبح غاضبًا ومتجَهمًا طوال الوقت» وقد 
كان في السابق ودودًا وبشوشًا. كما أنّه عاد إلى الشرب, وبإفراط.» 

لم تكن قد تناولت لقمة واحدة بعد. 

«هل كان قريبًا من كواين؟» سأل سترايك. 


مكتبة دودة الحرير 367 


«أعتقد أنه كان أقرب مما يعتقد», قالت نينا على مهلء «لقد عملا 
معًا مدّة طويلة. صحيح أنّ أوين كان يهزأ به ويسقمه بمزاجيّته - أوين يفعل 
ذلك مع الجميع - لكذني أتبيّن جيّدًا أنَّ جيري مضطرب مما جرى.» 

«أتصوّر أنّ كواين لم يكن لِيْسَرٌ بأن يراجع محرّر نصوصه.» 

«صحيح. كان صعب المراس أحيانًا». قالت نيناء «لكنْ جيري لا يطيق 
سماع كلمة واحدة ضدّ كواين الآن. ما زال مقتنعًا بأَنّه كان يعاني من اكتئاب 
شديد. أولم تسمعه في الحفلة ذلك المساء؟ يعتقد أنّ أوين كان مريضًا 
نفسيًا ولا يمكن لومه على تأليف بومبيكس موري. وما زال جيري غاضبًا على 
إليزابيث تاسيل جرّاء هفوتها تلك. لقد زارت الدار مؤْخَرًا في محاولة لإطلاق 
كاتب جديد...» 

«دوركوس بينغيلي؟» سأل سترايك» وشهقت نينا من الضحك. 

«لا تقل بأنّك تقراً ذلك الهراء! فاتنات مكتنزات وسفن غارقة؟» 

«لاء بل علق الاسم بذهني»» قال سترايك ضاحكاء «تابعي الحديث عن 
والدغريف.» 

«شاهد ليز قادمة فخبط باب مكتبه وهي تمر بجانبه. کاد أن يحطمه. 
تصرّف أرعن جعل الجميع يقفز خوفًا. كانت تاسيل شاحبة كالأموات, مُرعبة. 
لو كانت كسابق عهدهاء لاندفعت إلى مكتب جيري وأبلغته ألا يتصرّف 
بفظاظة...» 

«هل هي من هذا النوع؟» 

«هل تمرح؟ ليز تاسيل شهيرة بطبعها السيىء.» 

نظرت نينا إلى ساعتها. 

يجرون مقابلة مع مايكل فانكورت على التلفزيون» هذا المساءء سأقوم 
بتسجيلها»» قالت وهي تعيد ملء كأسيهما. ولكنّها لم تقرب طعامها. 

«لا أمانع أن أشاهده», قال سترايك. 

رمقته بنظرة مُرتابة فعرف سترايك أنّها تتساءل عن أسباب حضوره. 
هل أتى ليستخرج منها المعلومات أو لرغبته في احتضان جسدها النحيل 
الصبيانت؟ 


368 روبرت غالبریٹ t.me/ktabpdf‏ 


رنَّ هاتفه ثانيةٌ. لبضع ثوانِ» وازن بين مدى الإساءة التي ربّما يتسبّب 
بها إن اختار الإجابةء وبين احتمال أن تكون المكالمة أكثر فائدة من آراء نينا 
بجيري والدغريف. 

«المعذرة»» قال وأخرج الهاتف من جيبه. كان أخاه, آل. 

«كورم!» هتف آل وسط خشخشة الخطء «سررتٌ للسماع عنكء يا 
رجل!» 

«وأنا أيضًا. كيف حالك؟» 

«بخير! أنا في نيويورك. وقد وصلتني رسالتك للتوّ. ما الذي تحتاجه؟» 

كان يدرك تمامًا أنّ سترايك لا يتصل إِلَّا إذا أراد شيئًاء لكنء خلاقًا لنيناء 
لم يبدُ آل مستاءً. 

«كنت أنوي أن أقترح عليك تناول العشاء مساء الجمعة»» قال سترايك. 
«لكن» إذا كنت في نيويورك...» 

«سأعود يوم الأربعاء. أجلء سيكون ذلك رائعًا. هل تريدني أن أحجز 
في مطعم معيّن؟» 

«نعم», أجاب سترايك» يستحسن في «ريفير كافيه.» 

«سأتولى الأمرء قال آل من دون أن يسأل عن السبب: ربما افترض أنّ 
سترايك يرغب في تناول أطعمة إيطاليّة وحسبء «سأرسل لك موعد الحجز 
عبر رسالة نضّية, انّفقنا؟ أراك الجمعة إِذا.» 

أقفل سترايك الخطء وكان المقطع الأوّل من الاعتذار على رأس لسانه. 
لكنّ نينا توجّهت إلى المطبخ. المرّة هذه. لا مجال للشك. الأجواء تنذر بعاصفة 
وشيكة. 


34 


يا إلهي! بم تفوهث؟ يا للساني البائس! 
ويليام كونغريف, «حبٌ مقابل الحبٌّ» 


«الحب سراب»» قال مايكل فانكورت على شاشة التلفزيون. «سراب» وخيال» 
ووهم.» 

كانت روبن تجلس محشورة بين ماثيو وأمّها على الكنبة الجوفاء 
والجرداء» بينما تمدّد اللابرادور الأسمر على الأرض أمام الموقد, وأخذ ذيله 
يضرب البساط بإيقاع بطيء ورتيب. كانت روبن مرهقة بعد ليلتين متتاليتين 
من الأرق» وعدّة أيَام من الإجهاد والانفعالات غير المتوفّعة, لكنّها حاولت 
جاهدة التركيز على مايكل فانكورت. كانت السيّدة إيلاكوت والمتفائلة على 
الدوام؛ قد وضعت دفترًا وقلمًا على ركبتيهاء على أمل في أن يقدّم فانكورت 
بعض المفاتيح المفيدة التي يمكن أن تساعدها في تحرير بحثها عن ويبستر. 

«بالطبع...», بدأ المحاور, لكنّ فانكورت قاطعه. 

«نحن لا نحبٌ بعضنا بعضًاء بل نحبّ الفكرة التي نكوّنها عن بعضنا 
بعضًا. لكنَّ قلّة قليلة من البشر تدرك ذلك أو تستطيع تقبّله. معظمهم يؤمن 
إيماًا أعمى بالتوهمات التي تبتدعها مخيّلته. لذا فإنّ كلل حب في النهاية, 


حب للذات.» 


370 روبرت غالبریٹث t.me/ktabpdf‏ 


كان السيّد إيلاكوت مستغرقًا في النوم» ورأسه مستندًا إلى ظهر 
المقعد الأقرب إلى الموقد والكلب. کان يشخر بصوت خفيض,» بينما نظارته 
متدلية إلى منتصف أنفه. كان أشقّاء روبن الثلاثة قد انسلّوا خلسةً من البيت: 
إنّها ليلة السبت وأصدقاؤهم بانتظارهم في حانة باي هورس في الساحة. 
كان جون الذي عاد من الجامعة خضّيصًا لحضور الجنازة» يسلّم بأنّ خطيب 
أخته سيسامحه إن احتسى بضعة أكواب من بلاك شيب برفقة أشقّاءه, حول 
الطاولات النحاسيّة المنقّرة. بمحاذاة المدفأة. 

إشتبهت روبن بأنْ ماثيو تردّد في الانضمام إليهم» لكنّه امتنع فقط 
مراعاةٌ للظروف. والنتيجة؟ ها هو عالق الآن بمشاهدة برنامج أدبيّ. لو كانا 
في البيتء لغيّر المحطّة من دون أن يسألها حتّى, مسلَّمًا بأنّها لن تهتمّ بثرثرة 
هذا الرجل الكريه والممل والمُصطْئّع. كانت طريقته في تقويس شفتيه ورفع 
حاجبيه؛ توحي بأنّه يعتبر نفسه منزّهًا عن باقي البشريّة ويفوقها بأشواط. أمَا 
مقدَّم البرنامج وعلى الرغم من شهرته الإعلاميّة فبدا منزعجًا قبالته. 

«إذًا هذا هو موضوع روايتك الجدي...» 

«أحد المواضيع» أجل. بدلا من أن يعاقب البطل نفسه بنفسه. إذ 
يدرك أنّ حبيبته من نسج خياله وحسبء ها هو يقتصّ من المرأة الحقيقيّة 
- إمرأة من لحم ودم - التي يعتقد أنّها خدعته. رغبته في الانتقام هي التي 
تحرّك الحبكة.» 

«أهاء هكذا تمامًا». همست والدة روبن وهي تمسك بقلمها. 

«كثير منا... وربّما معظمنا...», تدخّل المُحاور, «يعتبر الحبٌ مثالا 
ساميًاء مُطْهَُاء وبذلًّا للذات...» 

«حجّة خذاعة». قال فانكورت» «نحن صنف من الثدييّات» نحتاج 
الجنس والرفقة» ونسعى وراء مسكن يقي الأسرةء فقط للاستمرار والتكاثر. 
نختار ما يسمّى الحبيب وفق معايير بدائية بشكل أساسيّ - مثلًا أن يتعلّق 
بطل روايتي بامرأة سمينة أمر بديهيَ وسهل الفهم. على الشريك (أو الشريكة) 
أن يشبه الأب أو الأمَ التي اعتنت بنا في طفولتنا؛ عليه أن يضحك كما تضحك 
أمّه أو أبوه» وتكون رائحته مثل والدته أو والده... وكل ما تبقّى مجرّد هراء...» 


مكتبة دودة الحرير 31 


«لكنْ الصداقة...» تابع المحاور في محاولة يائسة. 

«لو ترتيتٌُ على معاشرة أصدقائي الذكور فقط, لكانت حياتي أكثر 
سعادةً وأكثر إنتاجيةٌ». أصرٌ فانكورت, «لكتني مبرمج وللأسف, على اشتهاء 
الأنثى» مهما كان الأمر عقيمًا أو عديم النفع. لذاء حين أنظر إلى امرأة معيّنة, 
أفكر بأنّها أكثر سحرّاء وأكثر توافقًا مع احتياجاتي ورغباتي» من امرأة أخرى. أنا 
كائن متشعٌّبء واسع الخيال وشديد التطوّرء ويشعر بأنّه مجبّر, بُعيد الاختبار, 
على تبرير اختيار عاديّ أو عامّي. هذه هي الحقيقة التي ترقد تحت ألف سنة 
من هراء حب الفرسان واللباقات الحمقاء.» 

تساءلت روبن عمًا قد يكون رأي زوجة فانكورت. كانت السيّدة 
إيلاكوت قد دوّنت على عجل بعض الكلمات في دفترها. 

«لا يتحدّث عن الانتقام»» غمغمت روبن. 

أرتها أمَها دفترها. كانت قد كتبت: يا له من وغد حقير. فقهقهت 
روبن. 

مال ماثيو إلى جانبها ليتناول الدايلي إكسبرس التي تركها جوناثان على 
أحد الكراسي. تجاوز الصفحات الثلاث الأولى التي يظهر فيها اسم سترايك 
عدّة مرّات إلى جانب اسم أوين كواين» وبدأ بقراءة مقال مخصّص للرقابة 
التي فرضتها سلسلة من المتاجر الكبرى الشهيرةء على أغاني كليف ريتشاردز 
الميلاديّة. 

«لقد انتقدوك...»» استرسل المُحاور بشجاعة» «على طريقتك في رسم 
الجنس اللطيفء لا سيّما...» 

«بينما نتحذّثء أستطيع سماع وقع أقدام النقاد وهم يهرعون إلى 
أقلامهم كما تهرع كومة من الصراصير إلى القاذورات»» قال فانكورت, 
والتوت شفته في ما يشبه البسمة. «ولا يهمّني البنّة ما قد يقوله النقّاد عنّي 
أو عن أعمالي.» 

قلب ماثيو صفحة في الجريدة. لمحت روبن من طرف عينها صورة 
شاحنة - صهريج منقلبة» وسيّارة هوندا سيفيك مقلوبة رأسَا على عقب» 


وسيّارة مرسيدس مطحونة. 


372 روبرت غالبريث t.me/ktabpdf‏ 


«إنّه الحادث الذي أفلتنا منه!» 


«ماذا؟» صاح ماثيو. 
لقد أفلتت الكلمات من روبن من دون تفكيرء فلم تستطع التراجع. لم 
يعد دماغها ليتجاوب معها. 


«يقولون إِنّ الحادث وقع على طريق 4 36»: قال ماثيو شبه ساخر. وفي 
قرارة نفسه, أضاف: «روبن عاجزة عن تمييز طريق سريع متى رأته.» 

«آه أ... أجل», تمتمت روبن متظاهرة بالنظر عن كثب إلى التعليق 
عند أسفل الصورة. 

كان الأوان قد فات. فقد فهم ماثيو الأمر. 

«هل كدت تتعرّضين لحادث بالأمس؟»» همس لها لعدم إزعاج السيّدة 
إيلاكوت التي كانت ل تزال تتابع المقابلة. 

أي تردد في تلك اللحظة لن يفعل سوى مفاقمة الوضع. قرّرت روبن 
المجازفة. 

«نعم» ولم أشأأن أثير قلقك.» 

حدّق بها. كانت روبن تتبيِّن صوت حفيف قلم أمّها على الورق عند 


الجهة الأخرى من الكنبة. 
«هل هذا هو الحادث؟» ألحّ مشيرًا إلى الصورة, وهرّت رأسها إيجاباء 
«لماذا كنت على طريق إم 4؟» 


«وجب علي أن أقلّ كورموران إلى موعد عمل.» 

«ولكن» نظرتك للمرأة...»» تابع المحاور. 

«وأين كان ذلك الموعد اللعين؟!» 

«في دیفون»» قالت روبن. 

«ديفون؟» 

«لقد آذى ركبته ثانيةً. ولم يكن يستطيع الذهاب بمفرده.» 
«قدت به السيّارة إلى ديفون؟» 

«أجل, يا مات» قدت به السيّارة إلى...» 

«لهذا لم تحضري أمس؟ في حين كنت تستطيعين أن...» 


مكتبة دودة الحرير 373 


«لاء بالطبع لا يا مات.» 

رمى الجريدةء ثمّ نهض وخرج على عجل من الغرفة. 

شعرت روبن بالضيق. نظرت إلى الباب الذي لم يصفقهء بل أغلقه بقوّة 
كافية أيقظت اللابرادور وجعلت والدها يتململ ويتمتم في نومه. 

«أتركيه». نصحتها والدتها وعيناها لا تزالان مركزتين على الشاشة. 

إستدارت روبن نحوها متوسلة. 

«كان على كورموران الذهاب إلى ديفون وليس باستطاعته قيادة 
السيّارة بساق واحدة و...» 

«لا أفهم لماذا تبرّرين نفسك أمامي», قالت السيّدة إيلاكوت. 

«لكنه يعتقد الآن أنّني كذبت بشأن عدم تمكّني من المجيء بالأمس.» 

«وهل كذبت؟» سألتها أمهاء وعيناها مسمّرتان على مايكل فانكورت. 
«اجلس يا راونتري» لست شفَافًا لأرى من خلالك.» 

«حسئاء كان في وسعي المجيء لو اشتريث تذكرة درجة أولى»» 
اعترفت روبن» بينما تثاءب اللابرادورء وتمطّط وتمدّد ثانيةٌ على البساط أمام 
المدفأة «لكثني كنت قد دفعت ثمن مقصورة النوم.» 

«يتحدّث مات دائمًا عن الأموال التي كان يمكن أن تجنيها لو قبلتِ 
وظيفة الموارد البشرية»» قالت أمّهاء وعيناها على شاشة التلفزيون: «عليه 
أن يشكرك لأنْكِ وفرت بعض النقود. أسكتي الآنء أريد أن أستمع إلى حديثه 
عن الانتقام.» 

كان المحاور يحاول جاهدًا صياغة سؤاله. 

«لكن, في ما يتعلّق بالنساء, لم تكن دائمًا على... حسئاء لقد تبدّلت 
العادات والقيم؛ بات مجتمعنا اليوم يطبق ما يسمّى بسياسة الانفتاح... إِنّني 
أفكر على وجه الخصوص في كلامك عن النساء الكاتبات...» 

«مجدّدًا تلك الأسطوانة؟» صرح فانکورت» ضار بًا ركبتيه بكفّيه (وكاد 
المحاور أن يقفز من شدّة تفاجئه)ء «قلت إِنّ أعظم الكاتبات أو الأديبات: وبلا 
استثناء. ليس لديهنّ أولاد. وتلك حقيقة ملموسة. وقلتٌ أيضًا إِنّ النساء على 
العموم» بسبب رغبتهنَ في الإنجاب وشعورهنَّ الأموميّء عاجزات عن التركيز 


374 روبرت غالبریث t.me/ktabpdf‏ 


على غاية واحدةء وهذا التركيز المُطلق» ضروريّ لكل من يريد أن يصنع أدبّاء 
أدبًا حقيقيًا. ولا أتراجع عن أيّ كلمة. لقد قلت الحقيقة ولا شيء غيرها.» 

راحت روبن تفتل خاتم خطبتها حول إصبعهاء ممزّقة بين رغبتها في 
اللحاق بماثيو وإقناعه بأنّها لم ترتكب خطأء وبين الغيظ من اضطرارها إلى 
إقناعه؛ كانت متطلّبات عمله تأتي دائمًا في المرتبة الأولى؛ عندما يمضي 
ساعات طويلة في المكتبء أو يسافر إلى الطرف الآخر من لندن في مهمّات, 
ولا يعود إلى البيت قبل الثامنة ليلًاه لم يكن يقدّم لها أي اعتذار أو تبرير... 

«ما أريد قوله...»» أسرع المُحاور في الحديث مبتسمًا بتودد. «إنّ 
كتابك الأخير ربّما يقطع الطريق على هذا النوع من الانتقادات. أعتقد أك 
تعامل بطلتك بتساهل كبيرء وتعاطّف حقيقي. وبطبيعة الحال...» - ألقى 
نظرة سريعة إلى ملاحظاته ورفع عينيه ثانيةٌ وكان في وسع روبن أن تشعر 
بتوثّره - «يمكن إيجاد بعض التشابهات... في مشهد انتحار امرأة شابّة, 
وأعتقد أك تتوقع أن... أك تعرف...» 

«أن يظنّ بعض الأغبياء أنّني كتبت سيرة ذاتية حيث أذكر انتحار 
زوجتي الأولى؟» 

«حسئاء من الممكن أن يُنظر إليها كذلك... وأن تثير التساؤلات...» 

«إذّا دعني أقول ما يلي», أجاب فانكورت على عجلء وفجأةً تهدّج 
صوته. 

كانا يجلسان أمام نافذة عالية مُطلّة على مرج مشمس يداعبه النسيم. 
تساءلت روبن متى تمَّ تصوير الحلقة - قبل انهمار الثلوج على ما يبدو - لكنها 
لم تذهب إلى أبعد من ذلك في تفكيرهاء فقد كان ماثيو يشغل ذهنها كليًا. 
يجدر بها أن تذهب للتحدّث إليه. ولكنّ شيئًا ما كان يمنعها من النهوض عن 
تلك الكنبة. 

«عندما توفيت إيف... إيللي», بدأ فانكورت, «عندما توفيت...» 

بدت اللقطة المقرّبة بمثابة انتهاك للخصوصيّة. عندما أغلق جفتّيهء 
برزت التجاعيد الدقيقة عند زاويتي عينيه. فأخفى وجهه خلف يده الضخمة. 

وكأنَ مايكل فانكورت كان يبكي. 


مكتبة دودة الحرير 375 


«لستٌ أفهم شيئًا»» تنهدت السيّدة إيلاكوت وهي تضع قلمها جانبًا. 
«ظننت أن الح ليس سوى سراب ووهم بالنسبة إليك. لقد خيَبتَ ظتي يا 
مايكل. كنت أتوقع دمًا ودموعًا ولم أحصل إلا على دموع.» 

لم يعد في وسع روبن أن تقبع هكذاء بدون حراك. نهضت وهمّت 
بالخروج من الصالون. يجدر بها تفهم الظروف الاستثنائيّة. مائيو دفن والدته 
للتوّ. إذاء عليها أن تقوم بالخطوة الأولى. 


t.me/ktabpdfF 


35 


جميعنا عرضة للأخطاء يا سيّدي. وإذا 
اعترفت بأنك مخطئ» فلست بحاجة إلى 
مزيد من الاعتذار. 

ويليام كونغريف, «العجوز العازب» 


في صحف يوم الأحد. واجه الصحافيّون صعوبة فائقة في إيجاد توازن مقبول 
بين حياة وكتاب أوين كواين والخاليين من الشموليّة» وبين الطابع المرعب 
والجنائزي - أو يمكن القول القوطيّء لوفاته الرهيبة. 

«كاتب ومؤلّف ثانويء مثير للاهتمام بين الحين والآخر» كان كواين 
يميل مَوْخُرًا إلى المحاكاة الساخرة من النفسء. وقد تفوّق عليه معاصروه 
لكنّه استمرّ في التفرّد بأسلوبه العتيق بعض الشيء». أوردت صنداي تايمز 
في الصفحة الأولى, مختتمةٌ العمود بالوعد بمزيد من التطوّرات المشؤقة: 
الساديّة في الأدب: أنظر الصفحتين 11-10 مع صورة صغيرة لكينيث 
هاليويلء أشهر قاتل كتّاب: موقع كتب وأدباء: الأدباء القتلة - الصفحة 
الثقافيّة 3. 

«تنتشر حاليًا في الأوساط الأدبيّة في لندنء. شائعات عن المخطوطة 
التي ألهمت مقتل كاتبها»» أكدت بدورها الأوبسرفر. «ولولا ما يمليه الذوق 
السليم» لحصلت دار روير تشارد الآن على أحد أفضل الكتب مبيعًا.» 


مكتبة دودة الحرير 377 


«كاتب غريب الأطوار تُنتزع أحشاؤه في لعبة جنس»» عنونت 
صانداي بيبول. 

إشترى سترايك كڵ الصحف في طريق عودته من منزل نينا لاسيلزء 
رغم صعوبة حملهاء ما بين عصاه والأرصفة الزلقة. وهو يشق دربه بصعوبة 
نحو شارع الدانمارك. ندم لحمله هذا الذي يُثقل حركته. ماذا لو عاودت 
المجنونة الظهور؟ لكنّه لم يلمح أحدًا. 

في وقت لاحق من مساء ذلك اليوم» راح سترايك يتصفّح الأخبار بينما 
يأكل رقائق البطاطسء وهو ممدّد على السرير وقد تخلّص من الساق البديلة 
المضنية. 

شكلت قراءة الوقائع على ضوء التسليط الإعلاميّ, حافرًا لأفكاره. كان 
قد احتفظ بمقالة كالبيبر في نيوز أوف ذا وورلدء للختام («مصادر قريبة من 
الشرطة تؤكّد أنّ كواين كان يهوى أن تقيّده زوجته. والتي تزعم أنّها لم تكن 
على علم بأنّ الكاتب الغريب الأطوار قد استقرٌ في منزلهما الثاني»). أسقط 
كومة الجرائد عن السريرء وتناول مفكرته التي كان يحتفظ بها إلى جانب 
سريره. دوّن قائمة بالملاحظات التذكيريّة والمهمّات لليوم التالي. لم ثُضف 
أحرف اسم أنستيس إلى أيٌّ من المهامَ أو الأسئلة, بل كتبّ بائع الكتب وتاريخ 
مقابلة م. ف» وتلا كلاهما حرف «ب.» بعد ذلك» بعث برسالة نضية إلى روبن 
يوصيها بوجوب توخي الحذر الشديد في الصباح التالي؛ إمرأة طويلة ترتدي 
معطفًا أسود, تتسكع في الجوار. من الأفضل عدم سلوك شارع الدانمارك إن 
كانت لا تزال هناك. 

لم تشاهد روبن أحدًا بتلك المواصفات في خلال مسيرتها القصيرة من 
المترو إلى المكتب, والذي فتحت بابه في تمام التاسعة من صباح الاثنينء 
لتجد سترايك جالسًا إلى مكتبها قبالة حاسوبها. 

«صباح الخير. ألم تقعي على أي مجانين في الخارج؟» 

«لا أحد», أجابت روبن وهي تعلق معطفها. 

«كيف حال ماثيو؟» 

«لا بأس»» کذبت روبن. 


378 روبرت غالبريث tme/ktabpdf‏ 


فقد لازمتها عواقب خلافهما البارحة مثلما تعلق الأبخرة ذات الروائح 
النقّاذة بالملابس. خاصّةً وأنّ الشجار تواصل في السيّارة وتفاقم طوال الرحلة 
ما بين ماشام وكلابهام. كانت عيناها لا تزالان منتفختين من البكاء وقلة 
النوم. 

«لا شك في أنّ الأمر شاق عليه»» غمغم سترايك وهو لا يزال يحدّق في 
الشاشة, «إنّها جنازة والدته.» 

«أجل». قالت روين وذهبت لتملاً الغلاية منزعجةً من سترايك لأنّه 
اختار التعاطف مع ماثيو اليوم. كانت تتمنى لو يساندها ويؤكّد لها بأنّ 
خطيبها أحمق وغير عقلانيّ. 

«علام تبحث؟» سألت روبن وهي تضع فنجان شاي قرب مرفق 
سترايك» فشكرها بغمغمة. 

«أحاول أن أعرف متى صوّرت المقابلة مع مايكل فانكورت. ظهر على 
الشاشة ليلة السبت.» 

«شاهدته»» قالت روبن. 

«وأنا أيضًا.» 

«أحمق متعجرف»» قالت روبن وهي تجلس على الكنبة ذات الجلد 
الزائف, والتي لم تصدر هذه المرّة أصوات التنفيس المعهودة. ربّما لأنّ وزنها 
أخفّ من وزنه» فكر سترايك. 

«هل لاحظت أي شيء مُستغرب عندما تحدّث عن زوجته؟» سألها 
سترايك. 

«كان في دموع التماسيح التي ذرفها بعض المبالغة»» قالت روبنء 
«بعد كل الترهات التي تتفوّه بها عن الحبٌ الواهم وكل ذلك الهراء.» 

رفع سترايك رأسه لينظر إليها. كانت بشرتها الفاتحة والرقيقة تميل 
إلى الاحمرار عند أيّ فرط انفعال. يكفي أن يرى عينيها المحمرّتين ليفهم كل 
الأمر. كان جزء من عدائيّتها تجاه مايكل فانكورت موجَّهًا في الحقيقة إلى 
شخص آخرء يستحق ذلك أكثر على الأرجح. 

«تعتقدين أنّه كان يتصنّع ذلك, لا؟» سأل سترايك. «وأنا أيضًا.» 


مكتبة دودة الحرير 379 


نظر إلى ساعته. 

«ستصل كارولين إينغلر خلال نصف الساعة.» 

«ظننتها تصالحت مع زوجها؟» 

«تلك أخبار قديمة. تريد رؤيتي بشأن رسالة نصيّة وجدتها في هاتفه 
خلال الأسبوع الماضي. لذا...»» قال سترايك وهو ينهض عن مكتبهاء «أريدك 
أن تواصلي البحث عن تاريخ تصوير المقابلة بينما ألقي نظرة على ملف 
قضيّتها لئلا أبدو جاهلًا تمامًا متى وصلتُ. ثمّ لدي موعد غداء مع محرّر 
كواين.» 

«بالمناسبة. بشأن المركز الطبيّ قبالة شقّة كاثرين كينت. علمت 
كيف يتصرّفون بالنفايات الطبية»» قالت روبن. 

«تابعي.» 

«ثمَة شركة متخصصة تجمعها كل يوم ثلاثاء. إتصلٹ بهم»» قالت روبن 
واستنتج سترايك من تنهّدها أنّ الخيط الرفيع هذا يوشك أن ينتهي بالفشل, 
«لم يلاحظوا أي شيء غريب أو غير عاديّ في الأكياس التي جمعوها يوم 
الثلاثاء الذي أعقب الجريمة. كنت آمل بأن يعثروا على كيس مليء بأحشاء 
بشرّة. إِنّما يبدو أنهم لم يلاحظوا سوى الحقن والعيّنات المألوفة وجميعها 
موضّب في أكياس خاصّة مغلقة بإحكام.» 

«ومع ذلك تحقّقت من الأمر». قال سترايك مشجعًا. «بهذا الشكل, 
نجري التحقيق - ندرس كل الاحتمالات ونشطب غير الصحيح» الواحد تلو 
الآخر. على أي حال هناك مهمّة أخرى أريد إيكالك بهاء هذا ما لم تخشي 
مواجهة الثلج.» 

«بل يسعدني أن أخرج».: قالت روبن وقد أشرقت سحنتها فجأةً. 

«صاحب المكتبة في بوتني والذي يزعم أنّه شاهد كواين في الثامن 
من الشهر»» قال سترايكء «لا بد أنّه عاد من إجازته.» 

«لا مشكلة في ذلك»» أجابت روبن. 

خلال عطلة نهاية الأسبوع, لم يتسنّ لها أن تناقش مع ماثيو مسألة 
الدورة التدريبيّة التي اقترحها سترايك عليها. لم يكن من الملائم مفاتحته 


380 روبرت غالبریٹث t.me/ktabpdf‏ 


بالموضوع قبل الجنازة. وأمَا بعد شجارهما ليلة السبت. فقد يبدو ذلك 
استفزازيًا. حاليًاء كانت فقط ترغب بالمشي في الشوارع, للتحقيق؛ والبحث 
عن أدلّةء فالعودة إلى البيت لتبلغ ماثيو بكل بساطة وشفافيّة, بما فعلته خلال 
نهارها. يريدها أن تكون صادقة معه» وهذا ما سيحصل عليه. 


أمضت كارولين إينغلز» أكثر من ساعة في مكتب سترايك في ذلك 
الصباح. وعندما غادرت» دامعةٌ ولكن من دون أن تفقد عزيمتهاء كان لدى 
روبن أخبار سارّة تنقلها لسترايك. 

«صوّرت مقابلة فانكورت في السابع من نوفمبرء لقد اتّصلتُ بالبي. 
بي. سي. إستغرق ذلك دهرّاء لكنني حصلت على مبتغاي في النهاية.» 

«السابع من نوفمبر »» كرر سترايك» «كان ذلك يوم أحد. وأين ضُوّرت؟» 

«توجّه طاقم تصوير إلى منزله في تشو ماغنا. ما التفصيل الذي لاحظته 
في المقابلة وأثار اهتمامك إلى هذا الحدّ؟» 

«شاهديها ثانيةٌ» ستجدينها حتمًا على يوتيوب. أنا متفاجئ إذ لم 
تلاحظي ذلك على الفور.» 

شعرثٌ بالاستفزازء وراودها مجددًا ذلك المشهد حيث كانت جالسة 
على كنبة أهلها وماثيو إلى جانبها وهو يستجوبها عن حادث طريق 4 /2. 

«سأغيّر ملابسي للذهاب إلى مطعم سمبسونز»» قال سترايك؛ سنقفل 
المكتب ونغادر معًاء إِنّفقنا؟» 

إفترقا بعد أربعين دقيقة عند مدخل المترو. توجّهت روبن إلى مكتبة 
بريدلينغتون في بوتني» وسترايك إلى المطعم في ستراند» مشيًا. 

«أنفقث الكثير على سيّارات الأجرة مؤخّرًا». أبلغ روبن بصوت أجشء 
غير راغب في أن تعرف كم كلفته عمليّة نقل التويوتا لاند كروزير ليلة الجمعة, 
«ثمَ لديّ متّسع من الوقت.» 

راقبته لبضع ثوانٍ وهو يمشي مبتعدًا عنهاء متّكنًا على العصا. لاحظت 
روبن أنه يعرج بشدّة. كونها قد نشأت فتاه وحيدة بين ثلاثة أشقّاء. كانت 
تفهم تمامًا ميل الذكور إلى معارضة الإناث اللواتي يقلقنَ عليهم: لكنّها 


مگثزة دودة الحرير 381 


تساءلت كم من الوقت بعد يستطيع سترايك أن يُجهد ساقه قبل أن يجد 
نفسه عاجرًا كليّا عن المشي. 

كان وقت الغداء وشيكاء وكانت المرأتان الجالستان مقابل روبن في 
القطار المتوجّه إلى واترلو تتحدّثان بصوت مرتفع, وبين ركبي کل منهما 
أكياس مليئة بحاجيّات وهدايا الميلاد. كانت عتبة المترو مبلّلة وموحلة, 
والجوّ يعبق برائحة الملابس الرطبة والأجساد المُنهّكة. أمضت روبن معظم 
الرحلة وهي تحاول» من دون جدوى» مشاهدة مقاطع من مقابلة مايكل 
فانكورت على هاتفها المحمول. 

كانت مكتبة بريدلينغتون تقع على أحد الطرق الرئيسة في بوتنيء 
وقد امتلأت واجهتها القديمة الطراز من أعلاها إلى أسفلها بمزيج من الكتب 
الجديدة والمستعملة. لحان رنين جرس صغير عندما عبرت روبن العتبة 
لتدخل إلى مكان لطيف وإِنَّما عابق برائحة عفونة. رأت سلمين كبيرين 
مستندين إلى الرفوف المزدحمة بمزيد من الكتب المكوّمة وصولًا إلى 
السقف. كانت المصابيح المعلّقة تنير المكان» وتتدلّى حنّى مستوى منخفض 
بحيث كان رأس سترايك ليصطدم بها لو أتى معها. 

«صباح الخير!» قال رجل مسن يرتدي سترة تويد واسعة. كادت روبن 
تسمع صوت فرقعة عظامه الهرمة وهو يخرج من مكتب ذي باب زجاجيّ 
مغبّش. عندما اقترب, اشتمّت روبن رائحة كريهة بعض الشيء. 

كانت قد أعدّت مسبقًا الطريقة التي ستتبعها في التحقيق؛ فسألت 
على الفور إذا كان لديه من كتب لأوين كواين. 

«أها!»» قال بنبرة تواطؤ نبيهة» «يمكنني أن أحزر سبب هذا الاهتمام 
المفاجئ!» 

شأنه شأن العديد من الأشخاص الوحيدين والمنعزلين في قوقعتهم 
الخاصّة؛ كانت لهجته آمرة. بدون استئذان» استرسل في نقد مفصّل حول 
أسلوب كواين والذي حسب رأيه. قد تراجع من رواية إلى أخرى. واصل العجوز 
خطبته وهو يقودها إلى عمق المكتبة. لم يكن قد مضى سوى ثوان معدودة 
على مجيء روبن: بيد أنّه بدا مقتنعاء بأنّها تسأل عن أحد كتب كواين فقط 


382 روبرت غالبریث t.me/ktabpdf‏ 


لأنه فُتل مؤْحخَرًا وفي ظروف غامضة. لم يكن مخطنًا بذلك؛ لكنّ سلوكه أزعج 
روبن. 

«هل لديك الإخوة بلزاك؟» 

«إذًا أنت أكثر حكمة من أن تسألي عن بومبيكس موري؟ غريب!», 
قال وهو ينقل السلّم بيدين مرتعشتين, «ثلاثة صحافيين أتوا يسألون عنها.» 

«ولم يأتي الصحافيّون إلى هنا؟» سألته روبن ببراءة عندما بدأ بتسلق 
السلّم كاشفًا عن قسم من جوربه الخردلي اللون فوق حذائه العتيق. 

«لقد جاء السيّد كواين إلى مكتبتي هذه قبيل وفاته بوقت قصير», 
أجاب العجوزء وهو يحدّق في كعب الكتب فوق روبن بنحو مترين. «الإخوة 
بلزاك: الإخوة بلزاك... يجب أن يكون هنا... يا عزيزتي. أنا واثق من وجود 
نسخة...» 
«هل جاء إلى مكتبتك بالفعل؟» سألت روبن. 

«أجل. وقد عرفته على الفور. أنا شديد الإعجاب بجوزيف نورث وقد 
ظهرا معًا على لافتة مهرجان هاي.» 

أخذ ينزل وقدماه ترتعشان عند كڵ درجة» إلى حدّ فخشيت روبن أن 

«سأدفق في الحاسوب»». قال وهو يلهث بشدّة, «أنا واثق من وجود 
نسخة من الإخوة بلزاك هنا.» 

تبعته روبن متساءلةً» هل يستطيع تمييز رجل قد رآه للمرّة الأخيرة في 
أواسط الثمانينيّات؟ والحالة هذه, قد تكون مصداقيّته في رؤية الكاتب محل 


تساوؤل. 
«لا أعتقد أنّك قد تخطئ في شكله. فقد رأيثٌ صورًا له. وهو مميّز جدًا 
بعباءته الغجريّة.» 


«وعيناه مختلفتا اللون». صادق العجوز ووجهه يكاد يلتصق بشاشة 
ماكينتوش كلاسيكيّ لا يقل عمره عن عشرين سنة؛ كما قدَّرت روبن: 
صندوقي الشكلء بيج اللون» ذو مفاتيح كبيرة شبيهة بمككبات التوفي. 
«عندما تحدّقين فيهما عن قربء ترين أنّ الأولى بنية والثانية زرقاء. أعتقد أن 


مكقرة دودة الحرير 383 


الشرطيّ قد أعجب بقدرتي على الملاحظة والتذكر. كنت في فرع المخابرات 
أثناء الحرب.» 

ثم التفت إليها مبتسمًا ابتسامة رضى عن النفس. 

«كنتٌ مصيبًاء لدينا نسخة. مستعملة. من هنا.» بخطى متثاقلة, انّجه 
نحو صندوق مليء بكتب متنوعة. 

«هذه معلومة مهمّة جدًا للشرطة»» قالت روبن وهي تقتفي أثره بدقة. 

«طبعًا», أجاب مزهوًا بنفسه. «بفضلي أنا استطاعوا تحديد وقت 
الوفاة. نعم» أستطيع التأكيد بأنّه كان لا يزال حيًا يُرزق في الثامن من الشهر.» 

«أفترض أنّك لم تعد تذكر الكتاب الذي أتى بحدًا عنه», قالت روبن 
بضحكة اعتذار خجولة» «للأسف» كنت أودّ أن أعرف ماذا كان يقرأً.» 

«بل أذكر ذلك تمامًا», ردَّ الرجل على الفور. «إشترى ثلاث روايات: 
الحرّية لجوناثان فرانزين: والقدم الآلِيّة لجوشوا فيريسء و... نسيت اسم 
الثالثة... أخبرني بأنّه ذاهب في عطلة ويريد التزود بما يقرأه. ناقشنا ظاهرة 
الكتب الرقميّة - كان أكثر تسامحًا مع تلك الوسائل الحديثة منئي... إِنّه في 
مكان ما هنا»» غمغم وهو يبحث في الصندوق الكبير. ساعدته روبن في 
البحث وإِنّْما بدون حماسة. 

«الثامن من الشهر»»؛ كرّرت روبن» «كيف يمكن أن تكون واثقًا لهذه 
الدرجة من التاريخ؟» 

فقد فكرت: سبحة الأيّام تكرّ متشابهة, في هذا الجوّ المعتم العابق 
بالعفونة. 

«كان يوم اثنين» وقد أجرينا مناقشة ممتعة حول جوزيف نورث الذي 
يحتفظ بذكريات رائعة معه.» 

مع ذلكء لم تفهم روبن لم يعتقد أنّ ذلك الاثنين بالتحديد كان الثامن 
من الشهر. لكنّه أخرج نسخة قديمة من كتاب جيب ذات غلاف ورقيّ 
من أعماق الصندوق مع صرخة انتصارء قبل أن يتستى لها طلب المزيد من 
التوضيح. 

«ها هوء ها هو! كنت أعرف أنّ لديّ نسخة.» 


384 روبرت غالبریٹث t.me/ktabpdf‏ 


«شخصيًاء لا يمكنني تذكر التواريخ». كذبت روبن عندما عادا 
أدراجهما بالصيد الثمينء «وبما أنّني هناء هل لديك رواية لجوزيف نورث؟» 

«كان لديّ»» قال العجوز. «نحو الهدف. أعرف أنْها موجودة, وهي من 
القصص المفضّلة لديّ...» 

وتوجّه ثانيةٌ نحو السلّم. 

«أميل إلى الخلط بين الأيّام طوال الوقت»», تابعت روبن بعزم بينما 
ظهر الجراب الخردليّ مجدّدًا. 

«تلك حال غالبيّة الأشخاص»», قال بغرور, «لكتني بارع في الاستنتاج 
الاستبنائي» نعم سيّدتي. إذا تذكرث يوم الاثنين, فذلك لأتني أشتري الحليب 
الطازج يوم الاثنين» وكنت قد عدت به للت عندما وصل السيّد كواين إلى 
المكتبة.» 

إنتظرت ريثما ينتهي من تفتيش الرفوف فوق رأسها. 

«أوضحتٌ للشرطة أنّني تمكّنت من تأريخ ذلك الاثنين بدقة, لأنّني 
توجُهث في تلك الليلة إلى منزل صديقي تشارلزء كما أفعل عادةٌ أَيَام الاثنين, 
وأذكر أنّني أخبرته عن مجيء أوين كواين إلى مكتبتي وناقشنا موضوع الأساقفة 
الأنغليكانيين الخمسة الذين انشقّوا وعادوا إلى الكنيسة الكاثوليكيّة. فتشارلز 
واعظ علمانيّ في الكنيسة الأنغليكانية. وقد أَثّر فيه ذلك بشدّة.» 

«فهمث»» قالت روبن» وعقدت العزم على التدقيق لاحقًا في تاريخ 
ذلك الانشقاق. عثر العجوز على كتاب نورث وأخذ يهبط على السلّم ببطء. 

«تعم» تذكرثٌ الآن أمرًا آخر»»؛ قال وقد استعاد حماسه» «أراني تشارلز 
بعض الصور الرائعة لحفرة بالوعيّة ظهرت ليلا في شمالكالدن, في ألمانيا. 
كانوا قد أوفدوا سريّتنا ناحية شمالكالدن أثناء الحرب. أجل... في تلك الليلة» 
أذكر أن صديقي قاطعني وأنا أخبره عن مجيء كواين إلى المكتبة - فاهتمامه 
بالكتّاب شبه معدوم - ألم تكن في شمالكالدن؟ سألني» (إنشغلت يداه 
الضعيفتان المرتجفتان بصندوق المحاسبة) «وعندئذٍ أخبرني عن فوّهة 
ضخمة ظهرت... وقد نشرت الصحف صورًا رائعة عنها في اليوم التالي... 


مكتبة دودة الحرير 385 


الذاكرة أمر رائع», اختتم بفخر وهو يناول روبن كيسًا ورقيًا يحتوي على 
الكتابين ويتسلّم منها ورقة العشرة جنيهات. 

«حفرة بالوعيّة؟ نعم أذكر ذلك». كذبت روبن ثانيةً. أخرجت هاتفها 
من جيبها وضغطت على بضعة أزرار بينما كان يعدّ الفكة بعناية. «نعم» ها 
هي... شمالكالدن... غريبة وعجيبة تلك الحفرة الضخمة التي تكوّنت بين 
ليلة وضحاها. لكنْ ذلك حدث...» تابعت وهي تنظر إليه» «في الأؤل من 
تشرين الثاني /نوفمبرء وليس الثامن» كما يوردون هنا.» 

طرفت عينا العجوز. 

«لاء بل في الثامن»» قال بعناد وكأنّه لا يحتمل فكرة أن يخلط بين 
الأمور. 

«ولکن» انظر هنا»» ردت روبن وأرته الشاشة الصغيرة. رفع نظارته 
إلى جبهته ليحدّق عن كثبء «هل أنت متأكد من أنكما ناقشتما زيارة أوين 
كواين وموضوع الحفرة البالوعيّة في الأمسية عينها؟» 

«ثمّة خطاً ما»» تمتم ولم يوضح مَن المخطىء في ذلك؛ الموقع 
الإلكتروني لجريدة الغارديان» أم هو نفسه» أم روبن. أعاد الهاتف إليها بحركة 
مفاجئة. 

«ألا تذكر...؟» 

«أهذا كلّ ما تحتاجين؟» قاطعها بنبرة استنكار وكأنّه تلقّى إهانة للتق 
«إذّاء طاب يومكء إلى اللقاء.» 

أدركت روبن أنها لن تحصل على معلومة واحدة إضافيّة من العجوز 
العنيد» فغادرت المكتبة يرافقها رنين الجرس. 


t.me/ktabpdfF 


36 


سيد سکاندال» من دواعي سروري أن 

أتداول معك في الأمور التي تفوّه بها - 

فأقواله شديدة الغموض وهيروغليفيّة. 
ويليام كونغريف, «حبٌ مقابل الحبٌّ» 


قبل وصوله حتّی» استغرب سترايك أن يختار جيري والدغريف, سمبسونز-إن- 
ستراند للاجتماع به وازداد فضوله عندما اقترب من واجهة المطعم الحجريّة 
المهيبةء وأبوايه الخشبيّة الدوّارة, ولوحاته النحاسيّة الملمّعة ومصابيحه 
العتيقة. كانت النماذج الشطرنجيّة تزيّن المدخل المبلّط بالسيراميك 
الجميل. لم يزر يومًا تلك المؤسّسة اللندنيّة العريقة, إذ تطالما اعتبرها ملاذ 
رجال الأعمال الأثرياء وغيرهم من الأكابر. 

مع ذلك شعر سترايك وكأنّه في دفء منزله. ما إن وطأت قدماه 
الردهة. في القرن الثامن عشرء كان هواة الشطرنج يتلاقون في هذه الصالونات 
المخصّصة للرجالء والتي لا تزال حنّى اليوم تذكر بالزمن الغابر حيث كانت 
مفاهيم التراتبيّة والنظام هي السائدة. أضف إليها طابع المكان الصارم 
والوقورء الذي أيقظ لدى سترايك شعورًا مألوفًا ومُريحًا. كان يهوى تلك الألوان 
الداكنة والمائلة إلى الأمغرء ميزة النوادي الإنكليزيّة حيث يطلق العنان لذوق 
الرجالء وتلك الأعمدة الرخاميّة السميكة, والمقاعد الجلديّة والمتينة ما 


مكتبة دودة الحرير 387 


يكفي لاستضافة المتأنقين المخمورين. خلف القيّمة على حجرة الثياب» لمح 
سترايك عبر الأبواب الزجاجيّة, المطعم الواسع ذا الجدران المكسؤّة بخشب 
السنديان الداكن, ما ذكره بقاعات الرقباء التي اعتاد ارتيادها في أثناء مسيرته 
العسكريّة. لم يكن ينقص إِلَا رايات الأفواج وصورة جلالة الملكة. 

کراس من الخشب الصلبء وأغطية بيضاء ناصعة للطاولات» وصوانِ 
فضّية تستقبل قطعًا كبيرة من لحم البقر المحمّر الشهيّ. عندما جلس سترايك 
إلى طاولة لشخصين» بمحاذاة الجدار» وجد نفسه يتساءل عن رأي روبن في 
المكان؛ هل يسرّها طابعه التقليديّ والمتحفّظ أو يزعجها؟ 

كان قد مضى على جلوسه عشر دقائق عندما ظهر والدغريف. إذ رآه 
سترايك يطرف بعينيه بسبب قصر بصره. أومأ إليه وراقبه يتقدَّم متثاقلًا نحو 
طاولته. 

«مرحبًاء يسرّني أن أراك مجدّدًا.» 

كان شعره البئي الفاتح شعنًا كالعادة وثمَة لطخة متبقية من معجون 
الأسنان على قَبَة سترته المتغصّنة. إشتَمَ سترايك رائحة خمر خفيفة عندما 
جلس قبالته. 

«شكرًا لأنّك وافقت على مقابلتي»» بادره سترايك. 

«العفو, هذا طبيعيّ إن كان في وسعي تقديم المساعدة. هل يناسبك 
المكان؟ اخترته لأنَّ أحدًّا من معارفي لا يرتاده. والدي مَن جعلني أكتشفه منذ 
سنوات طويلة. لا أظنّهم غيّروا أي شيء فيه.» 

سرحت عينا والدغريف المستديرتان تحيط بهما نظارة الإطار القرني 
السميك» في الزخارف الجضّية الضخمة التي تزيّن أعلى الألواح الخشبيّة 
الداكنة, والتي باتت مصفرّة أكثر فأكثر بفعل سنين طويلة من دخان السجائر. 

«سئمت من رؤية زملاء العمل كل يوم» أليس كذلك؟» سأله سترايك. 

«المشكلة ليست فيهم»» قال والدغريف دافعًا نظارته إلى أعلى أنفه 
وملوّحًا للنادل «لكنّ الجوّ مسموم الآن. كأس من النبيذ الأحمرء رجاءًٌ»: أبلغ 
الشات الذي استفسر عن نوع النبيذ الذي يفصّلهء «لا يهم أي صنف.» 


388 روبرت غالبریث t.me/ktabpdf‏ 


لكنّ النادل الذي كانت سترته تحمل رسمًا مطرّرًا صغيرًا لملك الشطرنج» 
أجاب معتذرًا: 

«سأرسل القيّم على النبيذ» يا سيّدي»» وانسحب. 

«هل رأيت الساعة فوق الأبواب عندما دخلت؟» سأل والدغريف 
سترايك» دافعًا نظارته إلى أعلى أنفه ثانيةٌ. «يقولون إِنّ عقاربها توقفت 
عندما دخلت أوّل امرأة إلى هنا سنة 1984. هذه دُعابة خاصّة بالرؤاد هنا. 
ويستعملون عبارة لائحة الأسعار لأنَّ لفظة قائمة الطعام كانت مرفوضة 
في الماضيء بما أنّها فرنسيّة الأصل. كان والدي يهوى هذه الأجواء وكنتٌ 
قد التحقتٌُ بأكسفورد للتوء ولذلك اصطحبني إلى هنا. كان يكره الأطعمة 
الأجنبيّة.» 

كان في وسع سترايك تبيّن توثّر والدغريف, فقد اعتاد ترك ذلك الآثر 
في الآخرين. لذا رأى أنّه من الأفضل التريُث بعض الشيء قبل سؤاله إذا كان 
قد ساعد كواين في كتابة الفصل الأخير من بومبيكس موريء أي الفصل الذي 
خدم كسيناريو لمقتله. 

«ماذا درست في أكسفورد؟» 

«الأدب الإنكليزي». أجاب والدغريف متنهّدًا. «كان والدي يتمتى أن 
أدخل كليّة الطبّ. لقد خاب ظنّه ولكنّه أخفى ذلك.» 

راحت يد والدغريف اليمنى ترسم زخارف وهميّة على شرشف الطاولة. 

«الأمور متوتّرة في المكتبء أليس كذلك؟» سأل سترايك. 

«يمكن قول ذلك». أجاب والدغريف وهو يتلفّت حوله بحئًا عن نادل 
النبيذء «الآن وقد اتضحت تفاصيل الجريمة» فالجميع تحت وقع الصدمة. 
يلغون رسائلهم الإلكترونيّة كالحمقىء ويتظاهرون بأنّهم لم يلقوا نظرة على 
المخطوطة. وبأنّهم يجهلون نهاية الرواية. لم يعد الأمر مضحكا.» 

«وهل كان مُضحكًا من قبل؟» سأل سترايك. 

«حسئا... أجلء. يمكنك القول. عندما كانوا يعتقدونه هاربًا. يهوى 
الناس الاستهزاء بالأقوياء, أليس كذلك؟ فانكورت وتشارد ليسا محبوتّين.» 

وصل قيّم النبيذ وناول والدغريف القائمة. 


مگثزة دودة الحرير 389 


«سأطلب قَنَينةء أيمكنني ذلك؟» سأل والدغريف سترايك وهو 
يتفكصهاء «أعتقد أنّك ستدفع الحساب؟» 

«أجل», أجاب سترايك بشيء من التوجّس. 

طلب والدغريف قتينة شاتو-ليزونغارء والتي سرعان ما تبيّن سترايك 
سعرها. كانت تكلّف نحو خمسين جنيهًاء مع أنّ هناك أنواعًا أخرى في القائمة 
تقارب المئمّي جنيه. 

«إذا...».: سأل والدغريف بدفعة مفاجئة من النشاط بعدما انسحب 
قيّم النبيذ. «هل تمّ التوصّل إلى أدلّة؟ هل عرفتم مَن الفاعل؟» 

«ليس بعد»» أجاب سترايك. 

خيّم صمت متشنّج. رفع والدغريف نظارته على أنفه المتصبّب عرقًا. 

«أعذر وقاحتي رجاءً»؛ قال متمتمًاء «ردّة فعل دفاعيّة غبيّة. هذا 
لأنّني... لا أستطيع أن أصدّق. لا يمكنني أن أصدّق ما حدث.» 

«وهذا جدّ طبيعيّ في هذا النوع من الحالات»» قال سترايك. 

في نوبة مستجدَّة من الثقة, استرسل والدغريف: 

«لا يسعني أن أتخلّص من تلك الفكرة اللعينة بأنّ أوين مات انتحارًا. 
وهو من أخرج مشهد مقتله بنفسه.» 

«حقًا؟» قال سترايك وهو يراقب والدغريف عن كثب. 

«أعرف أنّ ذلك مستحيل.» قال المحرّر ويداه تتابعان رسم زخارفهما 
حتّى حاقفة الطاولة. «طريقة مقتله مُمَسْرّحة لدرجة... لدرجة... وساخرة 
هزليّة... ولمؤسف وحزين أن أقولهاء ولكنها أفضل دعاية قد حظي بها مؤّف 
حتّى اليوم. يا إلهي, كان أوين يعشق الدعاية! مسكين أوين. أخبرني ذات مرّة 
- وتلك ليست دُعابة - أخبرني بجذّية تامّة أنّه يحب أن تجري حبيبته مقابلة 
معه. قال إِنَّ ذلك يساعده في التفكير. قلت له» وهل تستخدم ميكروفونًا؟ 
أتعرف بما أجابني» ذلك الأحمق؟ لا بل أستعمل أقلام الحبر بمثابة مذياع. أو 
أي غرض في متناول يدي.» 

أطلق والدغريف ضحكات مكبوتة بدت شبيهة بالنحيب. 


390 روبرت غالبریث t.me/ktabpdf‏ 


«المسكينء الأحمق المسكين! فقد صوابه كلَيّا في النهايةء أليس 
كذلك؟ أرجو أن تكون إليزابيث تاسيل سعيدة بفعلتهاء فقد نالت مبتغاها.» 

عاد النادل ومعه دفتر الطلبات. 

«هل اخترت طبقك؟» سأل المحرّر سترايك وهو يحدّق بقائمة الطعام. 

«لحم البقر المُحمّر». أجاب سترايك؛ الذي كان قد لمح عربة الصواني 
المحمّلة باللحوم تدور بين الطاولات. لم يكن قد تناول طبق البودينغ يوركشاير 
منذ سنين, منذ آخر مرّة زار خالته وزوجها في سانت مووز, 

طلب والدغريف سمك موسى, ثم تلفّت باحئًا عن قيّم النبيذ. عندما 
رآه يقترب وهو يحمل القنّينة» بدا عليه الارتياح» واسترخى على كرسيّه. عندما 
مُلئت كأسه» شرب منها عدّة جرعات قبل أن يطلق تنهيدة طويلة مثل شخص 
كان يُحتضر وقد تلقّى فجأةٌ العلاج الشافي. 

«كنت تقول بِأنّ إليزابيث تاسيل نالت مبتغاها»» قال سترايك. 

«ماذا؟» قال والدغريف وكوّر يده اليمنى حول أذنه. 

تذكر سترايك أنّه يعاني من الطرش في إحدى أذنيه. كان المطعم يزداد 
امتلاءً فيما الضوضاء تتزايد صخبًا. فكرّر سترايك السؤال بصوت مرتفع. 

«أجل»؛, أجاب والدغريف, «الموضوع يتعلّق بفانكورت. كاناء أوين 
وهيء يتذمّران باستمرار من إساءات فانكورت في حقّهما.» 

«أيّ إساءات؟» سأل سترايك؛ فيما شرب والدغريف مزيدًا من النبيذ. 

«فانكورت يقدح ويذمَ فيهما منذ سنوات.» شارد الذهن, حك 
والدغريف صدره من فوق قميصه المتغضّن وارتشف مزيدًا من النبيذ. «أوين 
بسبب المحاكاة الساخرة عن رواية زوجته الراحلةء وليز لأنّها ساندت أوين - 
علمًا بأنّ أحدًا لم يلم فانكورت لأنّه غيّر وكيلة أعماله. تلك المرأة حقيرة فعلًا. 
لم يعد لديها سوى زبونين الآن. أفترض بأنْها تمضي لياليها وهي تحتسب 
مقدار خسارتها: خمسة عشر في المئة من حقوق فانكورت, مبلغ لا يُستهان 
به. حفلات العشاء المُترفة. وعروض افتتاح الأفلام السينمائية الشهيرة... 
وبدلًا من كل ذلك ما الذي تبقّى لها الآن؟ كواين الذي يجري مقابلة مع نفسه 
عبر قلم الحبرء والنقانق المحروقة في حديقة دوركوس بينغيلي.» 


مكتبة دودة الحرير 391 


« كيف عرفت بأمر النقانق المحروقة؟» سأله سترايك. 

«أخبرتني دوركوس»» أجاب والدغريف. الذي أنهى كأسه الأولى 
وشرع بصت الثانية. « كانت تريد أن تعرف لماذا غابت ليز عن حفل الشركة 
السنوي. عندما أخبرثها عن بومبيكس موري. أكدت لي دوركوس أَنٌ ليز امرأة 
لطيفةء لطيفة للغاية. ولا يمكن أن تكون على علم بمضمون كتاب أوين. يبدو 
أيضًا أنّها لم تؤذ أحدًا يومًا - وهي عاجزة عن إيذاء ذبابة حتى!» 

«هل تخالفها الرأي؟» 

«بالتأكيد! قابلتٌ العديد من الكتّاب الذين بدأوا مسيرتهم في مكتب 
تاسيل. يتحدّثون وكأنّهم ضحايا اختُطفوا مقابل فدية. إِنّها متوحّشة وذات 
مزاج مخيف.» 

«أتظئّها دفعت كواين إلى تأليف الكتاب؟» 

«ليس بطريقة مباشرة»» قال والدغريف. «لكن, اختر مثلًا كاتبًا 
ساخطًا يريد أن يقنع نفسه بأنّ فشله عائد إلى حسد الآخرين أو عدم كفاءتهم 
وإهمالهم؛ واحبسه مع ليز التي ثُمضي حياتها في التذمّر والغضب وفي قذف 
سمومها وإفراغ مرارتها على كڵ مَن تصادف, وهي تخبر الجميع بأنّ فانكورت 
تسبّب بتدميرها وبتحطيم كواينء فهل تتفاجأ إذا فقد صوابه؟ بل إِنّها لم 
تكلّف نفسها عناء قراءة كتابه كما ينبغي. لو لم يمتء لقلت إِنّها حصدت 
ما زرعته. فذلك المجنون السخيف لم يهاجم فانكورت فحسب» بل هاجمها 
أيضًاء ها ها! وهاجم دانيال اللعين, وهاجمني» وهاجم الجميع بدون استثناء.» 

على غرار مدمني الكحول الآخرين الذين عرفهم سترايك» ثمل جيري 
والدغريف بعد شرب كأسين من النبيذ فقط. أصبحت حركاته خرقاء أكثر, 


وسلوكه أكثر استعراضًا. 
«إِذا تعتقد أن إليزابيث تاسيل حنّت كواين على مهاجمة فانكورت 
في روايته؟» 


«أنا واثق من ذلكء بلا شك.» 
«لکن» عندما قابلت إليزابيث تاسيلء قالت إنّ ما كتبه كواين عن 
فانكورت مجرّد أكاذيب.» 


392 روبرت غالبريث t.me/ktabpdf‏ 


«ماذا؟»» قال والدغریف مُکوْرّا يده حول أذنه مجدّدًا. 

«أخبرتني...»: قال سترايك بصوت مرتفعء «بأنّ ما كتبه كواين في 
بومبيكس موري عن فانكورت خاطئ. وبأنّ فانكورت لم يكتب المحاكاة التي 
دفعت زوجته إلى الانتحار - بل كواين مَّن كتبها.» 

«أنا لا أتحدّث عن ذلك»»: قال والدغريف وهو يهرٌ رأسه بيأسء كما لو 
أن سترايك لم يفقه شيئًا من كل حديثه «ليتني لم أفتح الموضوع... انس 
الأمرء انساه.» 

كان قد ابتلع أكثر من نصف القئّينة. ما جعله يثرثر بإسهاب. آثر 
سترايك عدم الإجابة؛ لعلمه أنّ مواصلة الضغط قد تحتّ المخمور على 
التشيّث بعناده. والحالة هذه» من الأفضل تركه يتحدّث كما يشاءء ليعود 
تلقائيًا إلى الموضوع. 

« كان أوين يحبّني»» أبلغ سترايك. «أجل. كنت أعرف كيف أتعامل 
معه. كان يكفي أن ترضي غرور الرجل لحمله على تنفيذ أي شيء تريده. 
إمتدحه نصف الساعة فيوافق على تغيير مقطع في المخطوطة. ثمّ كرّر نصف 
ساعة أخرى من المديح, فيوافق على تعديل مقطع آخر. كانت تلك الوسيلة 
الوحيدة. لم يكن في نيّته أن يؤذيني. لكنّ ذلك المخبول السخيف لم يكن 
يفكّر تفكيرًا سليمًا. كان يريد العودة إلى شاشات التلفزة بأيّ ثمن. ويعتقد أن 
الجميع ضدّه. لم يدرك أنّه يلعب بالنار. كان مريضًا عقليّاء أؤكد لك.» 

إسترخى والدغريف على مقعده استرخاءً تامًا لدرجة اصطدم مؤحخر 
رأسه بامرأة ضخمة مفرطة التأثق كانت تجلس خلفه. «آسف! آسف حقًا!» 

رمقته السيّدة بنظرة قاسية من فوق كتفهاء ما جعله يقرّب كرسيّه من 
الطاولة ترافقه قعقعة أدوات المائدة التي اهترّت وتأرجحت بشدّة. 

«مَن هي الشخصيّة التي يمثّلها قاطع؟» 

«ماذا؟» سأل والدغريف. 

هذه المرّةء شعر سترايك بأنّه يصطنع ضعف السمع. 

«قاطع...» 


مكتبة دودة الحرير 393 


«قاطع هو المحرّر الذي يقتطع أجزاءً من الرواية - الأمر واضح»» قال 
والدغريف. 

«وماذا عن الكيس الملطّخ بالدم والقزمة التي تحاول أن تُغرقها؟» 

«مجورّد استعارات وتعابير مجازية»» قال والدغريف وهو يلوح بيده 
في الهواء» فكاد أن يطيح بكأس النبيذء «برأيه. اقتطعتٌ جزءًا مهمًا من روايته 
ذات يوم. جزء من النثر الذي صاغ دقائقه بعناية وشغف. وقد أغاظه ذلك 
فحنق عليّ.» 

رأى سترايك الذي كان قد سمع خلال مسيرته المهنيّة آلاف الإجابات 
المحضّرة مسبقًاء أن إجابة والدغريف هذه جدّ ملائمة. وجدّ سهلة, وجدّ 


سريعة. 

«هذا کل شيء؟» 

«حستا»» قال والدغريف بضحكة أشبه بفواق» «لم أغرق أي قزم» إذا 
كان ذلك ما تشير إليه.» 


من الصعب دائمًا إجراء مقابلات مع المخمورين. عندما كان يعمل 
لدى جهاز الأمن الخاصٌء, كان المشبوهون المخمورون نادرين. إِنّما كان يذكر 
ذلك الرائد المُدمن الذي كشفت ابنته وكانت تبلغ من العمر اثنتي عشرة سنة» 
عن تعرّضها للتحرّش الجنسيّ في مدرستها في ألمانيا. عندما وصل سترايك 
إلى منزل الأسرةء هاجمه الرائد والذي كان ثملا بشظيّة قئينة مكسورة, فأفقده 
سترايك وعيه من لكمة واحدة. أمَا هنا في هذا المطعم, وتحت أنظار قيّم 
النبيذ. فليس في استطاعته ردع هذا المحرّر المخمور وإِنّما اللبق, إذا ما قرّر 
الرحيل فجأةٌ. جلّ ما تبقّى أمامه هو ترصّد الفرصة المناسبة للعودة إلى قصّة 
قاطع» وحتٌ والدغريف على البوح بكلّ رفق وعنايةء وبدون إخافته. 

رأى سترايك عربة اللحوم الشهيّة تشقّ طريقها إليه؛ قُطعت له شريحة 
من اللحم المحمّر بما توجبه أصول الاحترام واللباقة, بينما قدّم طبق سمك 
موسى لوالدغريف. 

لن تركب سيّارات الأجرة لثلاثة أشهر متتالية, حدّث سترايك نفسه 
بصرامة. فيما سال لعابه أمام طبقه المليء ببودينغ يوركشاير, والبطاطس, 


394 روبرت غالبریٹ t.me/ktabpdf‏ 


والجزر الأبيض. ثم ابتعدت العربة الشهيّة في جولة جديدة بين الطاولات. 
تأمّل والدغريفء الذي كان قد شرب ثلئّي قَنَينة النبيذ» طبق السمك كما 
لو أنّه لا يفهم كيف وصل أمامه. أمسك قطعة بطاطس صغيرة بين اصبعيه 
ودسّها في فمه. 

«هل يناقش كواين ما يكتبه معك قبل أن يسلَّم المخطوطات؟» سأل 
سترايك. 

«لا يفعل ذلك البتّة»» أجاب والدغريف. «الأمر الوحيد الذي أخبرني 
به عن بومبيكس موري هو أنّ دودة الحرير رمز للكاتب أو المؤلّف الذي يكابد 
العناء والعذاب الشديد لِيَلِدَ مخطوطة جميلة. هذا كل شيء.» 

«ألا يطلب منك النصح أو المساعدة؟» 

«لا لاہ كان يعتقد دائمًا أنه على حقٌّ.» 

«كسائر الكتّاب؟» 

«هذا وقف على نوع الكاتب. لكنّ أوين ينتمي إلى الفريق المتكتّم 
والذي يغذِّي غموض حبكته. كان يهوى عنصر المفاجأة ويح إبهار 
جمهوره... كان يحتفظ بتأثيراته للوقت المناسب.» 

«أفترض أنّ الشرطة سألتك عمًا فعلتَ بعد استلام الكتاب»» سأل 
سترايك من دون تغيير نبرته المُحايدة. 

«نعم, تحدّثنا في كل ذلك». قال والدغريف بلا مبالاة. كان يحاول 
جاهدًا وإِنّما بدون جدوىء» أن يستخرج الحسك من السمك والذي طلبه كاملا 
دون أن يعي. «إستلمث المخطوطة يوم الجمعة» ولم أتفصها حتّى يوم 
الأحد...» 

«كان يفترض بك أن تكون خارج البلد» أليس كذلك؟» 

«في باريس تحديدًا». أجاب والدغريفء «للاحتفاء بذكرى زواجنا 
خلال عطلة نهاية الأسبوع. لكنّ ذلك لم يتم.» 

«هل طرأ أمر ما؟» 

أفرغ والدغريف آخر قطرة نبيذ في كأسه. تناثرت بضع قطرات من 
السائل الداكن على الشرشف الأبيض. 


مكقرة دودة الحرير 395 


«وقع شجارء شجار حادّ في طريقنا إلى هيثروء فعدنا أدراجنا إلى 
البيت.» 

«هذا صعب»» قال سترايك. 

«نواجه الصعوبات منذ سنوات»» قال والدغريف متخليًا عن محاولاته 
المضنية في تطويع السمكة المغلطحة العنيدة. رمى الشوكة والسكين محدثًا 
قعقعة صاخبة جعلت الجالسين على مقربة يتلفتون حولهم. «جوجو باتت 
راشدة. لم يعد من حل سوى الطلاق.» 

«آسف لسماع ذلك»» قال سترايك. 

هز والدغريف كتفيه بحزن وشرب مزيدًا من النبيذ. لاحظ سترايك 
بصمات الأصابع التي كانت تغطي عدسة نظارته وقبّة قميصه المتسخة 
والمتنسّلة. بدا له. وهو الخبير بمثل هذه المسائلء أنّه نام بملابسه. 

«وقد توجّهتَ إلى البيت مباشرةً بعد الشجار, أليس كذلك؟» 

«منزلنا كبير. لا حاجة بنا إلى أن يلمح أحدنا الآخرء ما لم نشأ ذلك.» 

راحت بقع النبيذ تنفرش تدريجًا كأزهار قرمزيّة على الشرشف الأبيض 
الناصع. 

«علامة سوداء هذا يذكرني بالعلامة السوداء في رواية جزيرة 
الكنز... علامة سوداء». قال والدغريف متلعثمًا. تحوم الشكوك حول كلل 
الذين قرأوا ذلك الكتاب اللعين. الكل ينظر إلى الكل بارتياب. وكڵ من اطلع 
على نهاية الرواية مشتبه به. جاءت الشرطة إلى مكتبي, وأخذ الكل يحدّق بي 
ويرقب تحرّكاتي... نعم قرأتها يوم الأحد». أجاب عائدًا إلى سؤال سترايك, 
«وقد أخبرث ليز تاسيل عن رأيي بطباعها - وتابعت الحياة دورتها. لم يكن 
أوين يرد على مكالماته الهاتفيّة. ظننته يعاني من انهيارء وأنا لدي ما يكفي 
من الهموم والانشغالات. ثمّ جنّ جنون تشارد... فليذهب إلى الجحيم! لقد 
قدَّمتُ استقالتي. لم أعد أستطيع الاحتمال. لا مزيد من الانّهامات. لم أعد 
أحتمل مزيدًا من الصراخ في وجهي والتوبيخ أمام المكتب بأكمله.» 

«تحدّثتَ عن اتّهامات...؟» سأل سترايك. 


35%6 روبرت غالبریث tıme/ktabpdf‏ 


بدأ أسلوبه في الاستجواب يذكره بالسوبوتيو؛ وهي لعبة تقضي 
بتحريك بيادق مزؤدة بقاعدة قابلة للدحرجة على شكل لاعبي كرة قدم؛ بغية 
تحريك البيدق والدغريف إلى الأمام, تكفي دفعة خفيفة وإِنّما بغاية الدقّة 
والتصويب. (في أعوام السبعينات» كان سترايك قد تلقّى كهديّة مجموعة 
لاعبي فريق أرسنال. عاوده المشهد: هو في منزل السيّدة بولوورث, متمدّد 
على بطنه وسط السجّاد بجانب دايف الذي كان يملك مجموعة فريق بلايموث 
أرجيلز المطليّة يدويًا.) 

«يعتقد دان أنْني نممت عنه أمام أوين. إِنّه أحمق لعين. يظنَّ أنّ أحدًا 
لايعرف... لكنّ النميمة تتزايد منذ سنوات. لم يكن أوين بحاجة إليّ ليعرف. 
فقد بات الخبر ذائعًا.» 

«أنّ تشارد من المثليّين؟» 

«مثليّ: يا للخبر العظيم!... مثلنٌ مكبوت, مثليّ لا يعترف بمثليّته... 
لكنه يحبّ الشبّان اليافعين» ويحبٌ رسمهم عراة. وتلك معلومة شائعة.» 

«هل عرض عليك أن يرسمك؟» سأل سترايك. 

«يا إلهيء لا!». ردّ والدغريف, «أخبرني جو نورث بالأمرء قبل سنين. 
آه!» 

نجح في لفت انتباه قيّم النبيذ. 

«كأس أخرى من هذا النبيذء رجاءً.» 

حمد سترايك ربّه إذ لم يطلب قئّينة أخرى. 

«آسف» يا سيّديء نحن لا نقدّم ذلك بال...» 

«لايهخ. أي صنف» شرط أن يكون أحمر .» ثمّ واصل والدغريف حديثه: 

«قبل سنوات, أراد دان أن يرسم جوء فطرده جو شر طرد. وتلك معلومة 
شائعة منذ سنوات.» 

مجدّدًاء ترنّح فجأةً إلى الوراءء فاصطدم بظهر المرأة الضخمة الجالسة 
خلفه. وكانت للأسفء تتناول الحساء. لمح سترايك رفيقها يستنكر بشدّة 
ويستدعي نادلا مارًّا. إنحنى النادل على والدغريفء ثمّ استأذنه قائلًا بلهجة 


حازمة: 


مكتبة دودة الحرير 397 


«أرجو أن تقدّم كرسيّك إلى الأمام: يا سيّدي. السيّدة خلفك...» 

«آه» آسف. آسف.» 

قرب والدغريف كرسيّه» وأسند مرفقيه إلى الطاولةء وأزاح شعره 
المتشابك بعيدًا عن عينيه, وقال بصوت مرتفع: 

«إنّه يتصئف كالأحمق.» 

«مَن؟» سأل سترايك وهو يبتلع بأسف شديد آخر لقمة من أفضل وجبة 
يتناولها منذ زمن طويل. 

«دان. لقد تسلم دار النشر تلك على طبق من فضّة... ولد وملعقة 
الذهب في فمه... فليمكث في ريفه وليرسم خادمه إذا أراد... لقد احتملتٌ 
ما فيه الكفاية. سأنشى... دار... دار نشري الخاضة.» 

رن هاتف والدغريف. فاستغرق بعض الوقت لتحديد مكانه. ثمّ حدّق 
من فوق نظارته في الرقم قبل أن يجيب. 

«ما الأمر يا جوجو؟» 

مع أنّ المطعم كان مزدحمّاء سمع سترايك الإجابة: عويل شديد. 
إستولى الذعر على قسمات والدغريف. 

«جوجو؟ هل أنت...؟» 

فجأةٌ انقبضت ملامحه اللطيفة والهادئة لدرجة أنّ سترايك أصيب 
بذهول تامّ. برزت الأوردة في عنقه والتوى فمه في تكشيرة بشعة. 

«اللعنة عليك!»». تقيّأ والدغريف هاتين الكلمتين وتردّد الصدى إلى 
أقصى القاعة, فانتفضت رؤوس خمسين زبونًا إلى أعلىء وتوفّفت الأحاديث. 
«لا تتصلي بي من هاتف جوجو! لا أيتها السكيرة الحقيرة... بل فهمتني 
تمامًا... إن كنت أشرب فلأنني متزوّج منك هذا هو السبب!» 

إستدارت المرأة السمينة الجالسة خلف والدغريفء. وقد بدت عليها 
الصدمة. أمَا النُدُلُ فقد تجمّدوا مكانهم مسمّرين أنظارهم على المشهد؛ 
لشدّة ذهوله. نسي أحدهم نفسه فبقي منحنيًا صوب طبق رجل أعمال يابانيَ» 
وصينيّة البودينغ يوركشاير التي يحملها مرفوعة في الجوّ. على مرّ الأعوام, لا 
شك في أنّ أصداء مشادّات مخمورة قد ارتفعت بين جدران النادي الخاض 


38 روبرت غالبریٹ t.me/ktabpdf‏ 


المحترم والعريق؛ لكنّها لم تولّد هذا القدر من الذهول والاشمئزازء في أجواء 
تقليديّة هادئة وراقية كهذه؛ بريطانيّة بامتياز» ما بين الخشب العتيق الملمّع 
والثريّات البلّورية, ولوائح الأسعار. 

«وإِذًا؟؟ على مَن يقع الذنب في ذلك؟ تبًا!» صاح والدغريف. 

نهض مترنّحًاء فاصطدم بجارته غير المحظوظة مرّة أخرى, لكنّ مرافقها 
لم ثب أي احتجاج. خيّم صمت مُطبّق على المطعم. بعد ابتلاعه قَنْينةٌ وكأسّاء 
شقٌّ والدغريف طريقه إلى الخارج في مشية متعرّجة: وهو يشتم ويلعن زوجته 
على الهاتف. أمَا سترايك والذي ثرك وحيدًا أمام طاولته. فلاحظ وبشيء من 
الاستمتاع أنه ما زال يستهجن وبالقدر عينه الأشخاص سريعي التأثر بالكحول. 

«الفاتورة» من فضلك»» قال سترايك لأقرب نادل مشدوه. شعر بخيبة 
لأه لم يتذوّق الكوغلوف الذي لمحه في قائمة الطعام. لكن كان عليه أن 
يلحق بوالدغريف الآن وبأيّ ثمن. 

دفع سترايك الحساب. ثم نهض عن الطاولة متّكئًا على عصاه. ولحق 
بوالدغريف وسط تمتمات ونظرات رواد الطعام. من تعابير الغضب البادية 
على كبير النُدُل وصياح والدغريف الذي لا يزال مسموعًا خارج البابء 
استنتج سترايك أنّ إقناع والدغريف بمغادرة المكان قد تطلّب بعض الجهد. 

عند خروجه» وجد المحرّر مستندًا على الجدار البارد, إلى يسار الأبواب. 
كان الثلج يتساقط بكثافة من حولهماء ويصدر أزيرًا تحت جزمات المارّة الذين 
تغطوا حنّى آذانهم من شدّة الصقيع. تحت ضوء الشارع الشاحبء لم يعد 
والدغريف شبيهًا بطالب جامعيّ رت المظهر. بل بدا كشخص بائسء متشرّد 
مخبول وثمل حَّى الموت, بثيابه المتجعّدة والمنّسخة. يعوي سبابًا وشتائم 
عبر هاتف صغير في يده الكبيرة. 

«... ليس ذنبيء أيّتها العاهرة اللعينة! هل أنا من كتب ذلك الهراء؟ 
هل أنا مَن كتبه؟... يجدر بك إِذَا التحدّث إليها... وإذا لم تفعلي» فسأفعل... 
لا تهدّديني أيّتها الماجنة القبيحة... لو حفظت شرفك... لقد سمعت جيّدًا 
ما قلت...» 


مگثزة دودة الحرير 399 


رأى والدغريف سترايك. فوقف فاغرًا فمه بضع ثوانِ ثم قطع المكالمة. 
إنزلق الهاتف من بين أصابعه المرتجفة وحط على الثلج. 

«اللعنة»» غمغم جيري والدغريف. 

تحوّل الذئب إلى نعجة. بأصابعه العارية. تحسّس الثلج بحئًا عن 
هاتفه» فسقطت نظارته. إلتقطها سترايك. 

«شكرًا لك» شکرًا. آسف على کل شيء. آسف...» 

شاهد سترايك دموعًا على وجنتي والدغريف المنتفختين عندما أعاد 
المحرّر وضع نظارته. بعدما استعاد والدغريف هاتفه. دسّه في جيبه والتفت 
إلى المحقّق بملامح يائسة. 

«لقد أفسدّ حياتي برمّتها... ذلك الكتاب... أتا الذي ظننت بأنّ 
أوين... الخطّ الأحمر الوحيد بالنسبة إليه... إبنته... الخطّ الأحمر الوحيد...» 

رفع ذراعه وكأنّه يطرد المسألة. ثمّ استدار ومشى مبتعدًا وهو يتمايل 
ويترنّح تحت وابل الثلج. وهو يراقب مشيته المتعرّجة؛ خمّن سترايك بأنّه 
احتسى قئّينة على الأقل قبل أن يلتقيا في المطعم. لا جدوى من اللحاق به. 

فيما امتزج طيفه الطويل بحشود المارّة المحمّلين بهدايا الميلاد, 
استعاد سترايك مشهدًا كان قد عاشه موْخّرًا: يد تمتدّء ذراع تخطّف, وصوت 
رجل صارم» ثم صوت شابّة غاضبة للغاية: أمّي انقضّت عليه؛ فلم لا أفعل 
أيضًا؟ 

رفع سترايك قبّة معطفه. لقد فهم للتوّ ما معنى القزمة في الكيس 
الملطّخ بالدم: والقرون تحت قبّعة قاطع والأسوأ من كل ذلك؟ محاولة الإغراق. 


t.me/ktabpdfF 


37 


.-ء عندها أستفرٌ لدرجة الغضب» لا أستطيع 
التصرّف بتعقّل وصبر. 
ويليام كونغريف, «المُخادع» 


توجّه سترايك إلى مكتبه تحت سماء مكفهّرة» وقدماه تتحرّكان بصعوبة عبر 
الثلج الذي كان يتراكم بسرعة ولا يزال يتساقط بغزارة. مع أنّه لم يشرب سوى 
الماء» كانت الوجبة الدسمة التي تناولها تضفي عليه حالة من السهو والخواء 
الذهنيّء ما منحه شعورًا من الراحة الزائفة؛ شعور خَبره والدغريف حتمًا في 
فترة الصباح وهو يشرب أولى كؤوسه. أي شخص سليم ويتمنّع بلياقة بدنيّة 
لن يستغرق سوى ربع الساعة. لاجتياز المسافة مشيًا بين سمبسونز-إن-ذا- 
ستراند ومكتبه الصغير المعرّض لتيّارات الهواء, في شارع الدانمارك. كانت 
ركبة سترايك لا تزال تؤلمه ولكنّه أنفق للتوَ موازنة الأسبوع بأكملها على وجبة 
واحدة. لذا أشعل سيجارةء أحنى رأسه حنّى كتفيه للاحتماء من الثلج ومشى 
تحت البرد القارس» وهو يتساءل عمّا اكتشفته روبن في مكتبة بريدلينغتون. 
مع دانيال تشارد. كان الأخير مقتنعًا بأنَّ جيري والدغريف ساعد كواين في 
تأليف بومبيكس موريء بينما والدغريف من جهته. يؤكّد أنّ إليزابيث تاسيل 
قد غذّت حقد كواين إلى أن انفجر على شكل رواية. أمام وفاة كواين الفظيعة 


مكقة دودة الحرير 401 


والمفاجئة» هل كان تشارد ووالدغريف يسعيان إلى إيجاد كبش محرقة 
لتصريف إحباطهما وكبتهما؟ أو هما مصيبان في اشتمام تأثير خارجيّ أو يد 
دخيلة في الموضوع؟ 

نادته واجهة حانة كوتش أند هورسيز بألوانها القرمزيّة, عندما بلغ 
شارع ويلينغتون. كان الإغراء شديدًا ليتوفف قليلًا ويستريح: أجواء دافئة. 
جعة لذيذة؛ ومقاعد وثيرة... لكنء ثلاث مرّات متتالية في غضون أسبوع؟ 
لا... فالعادات السيّئة سريعة الاكتساب... وجيري والدغريف خير مثال حيّ 
على ذلك... رغمًا عنه. ألقى سترايك نظرة اشتهاء على نحاس مضحَات الجعة 
الملتمع تحت الثريّات. كان رؤاد الشرب المتّكئون على البار ينعمون بضمير 
أكثر مرونة منه على ما يبدو. 

في تلك اللحظة تحديدًاء رآهاء عند حدود مجاله البصري. طويلة 
القامة. ومحنيّة الرأس تحت قلنسوتها السوداء. ويداها في جيبيها. كانت 
تلحق به على الأرصفة المثلّجة بإيقاع شبه سريع. المخبولة التي هاجمته ليلة 
السيت: 

حافظ سترايك على إيقاعه» ولم يلتفت إلى الوراء حتّى. لن يسمح لها 
بالتلاعب به هذه المرّة. الآنء انتهى وقت المزاح. بدلا من أن يُظهر لها أنّه 
لمحهاء كما حدث في المرّة الأولى بغية التحقّق من ردّ فعلهاء تابع المشي 
بهدوء» من دون تلفت. في الواقع» كان يتابعها بتصويب نظرات خاطفة إلى 
واجهات المتاجر واللوحات النحاسيّة العاكسة» وهو ما لا يستطيع لحظه إلا 
خبراء التحرّي. هؤلاء وحسب قد يرصدون فرط يقظته المُمؤّه تحت قناع جامد 
من عدم المبالاة. 

كان معظم القتلة من الهواة الطائشين والمتهوّرين, ولذلك يتمّ القبض 
عليهم بالجرم المشهود. في هذا الإطار, عناد ومثابرة تلك المرأة يتنافسان مع 
تهوّرها الشديد. وكان سترايك عازمًا على استعمال تلك الصفات كسلاح مضاد. 
وصل إلى آخر شارع ويلينغتون, كأحد المارّة العاديين» غافلًا في الظاهر عن 
المرأة التي تتعقّبه بقاطعة حادّة في جيبها. عندما عبر شارع راسيل ابتعدت 
عن مجال بصره؛ وتظاهرت بالدخول إلى ماركيس أوف أنغلسيء لكنّها سرعان 


402 روبرت غالبریٹث t.me/ktabpdf‏ 


ما عاودت الخروج لتواصل مطاردتهاء تارةٌ مختبئة خلف ركائز مجمّع مكاتب 
وطورًا في ظلّ سقيفة أو مدخل. 

لم يعد سترايك يشعر بألم في ركبته على الإطلاق؛ بل كان كلل جسمه 
مشدودًا بانّجاه هدف أوحد. هذه المرّة, لن تأخذه على حين غرّة. إن كان 
لديها من خطّة أصلاء فلا بدّ من أنها تتلخص بالتالي: الاستفادة من أىْ فرصة 
متاحة. وكان سترايك يتهيّأ لتقديم تلك الفرصة لها. 

تجاوز سترايك دار الأوبرا الملكيّة بواجهة صرحها الكلاسيكيّة, 
وأعمدتها وتماثيلها. وصولًا إلى شارع أنديل رآها تدخل كشكًا هاتفيًا قديمًا 
أحمرء لتستجمع قواها من دون شكء وتتحقّق من أنه لم يكشفها. تابع سترايك 
المشي إلى الأمام مباشرة بلا أي تعديل في إيقاع خطاه. حين اطمأئّتء 
خرجت من ملجأها المؤقّت لتختلط بحشد المارّة المنهكين والمحمّلين 
بأكياس حاجيّاتهم المتأرجحة على إيقاع خطاهم. كلما ضاق الشارع؛ دنت 
منه أكثرء متنقّلةٌ بخفّة من مدخل منزل إلى آخر. 

قبل بلوغه مبنى مکتبه» انعطف يسارًا إلى شارع فليتكروفتء متّجها 
صوب ساحة الدانمارك. حيث كان يعرف ممرًا شبه مهجور, تغزو جدرانه 
ملصقات حفلات الروك. كان ذلك الممرٌ يفضي إلى مسكنه. 


هل ستجرؤ على اللحاق به؟ 
حالما دخل الزقاق الرطب حيث تردّد وقع أقدامه. أبطأ سرعته قليلا. 


إستدار على ساقه اليسرى السليمة» ورفع عصاه ليردع الذراع الممسكة 
بالقاطعة والتي طارت وارتطمت بالجدار ثم ارتدّت وكادت أن تصيب عينه. 
أطلقت المرأة صرخة ألم فأمسك سترايك بها لمنعها من الحركة. أخذت تصيح 
بشِدّة. 

كان سترايك يخشى أن يأتي أحد المارّة-الأبطال لنجدتهاء لكنّ الممرّ 
كان فارغًا. كان عليه الإسراع خاضة وأنّ تلك المرأة كانت أقوى مما توفع 
وأخذت تقاومه بضراوة. تمكن من تفادي بعض الرفسات المصوّبة على موقعه 
الحشاس» وبضعة خدوش في وجهه. لعدم بذل جهود غير ضروريّةء استدار 


مكتبة دودة الحرير 003 


ثانيةٌ وأحكم الإمساك بعنقهاء فأخذت قدماها تنزلقان على أرض الزقاق 
الرطبة. 

بينما كانت تتلوّى كالسمكة بين يديه مكشَّرةً عن أنيابها في محاولة 
لعضّه. انحنى لالتقاط القاطعة. جذبتها حركته إلى أسفل بحيث فقدت توازنها 
تقريبًا. عندما عاود النهوضء اختار سترايك التخلّي عن عصاه مفضَّلًا تدبّر أمر 
طريدته التي جرّها عنوةٌ إلى مكتبه في شارع الدانمارك. 

كان يتحرّك بسرعة فائقة. أمَا هي فقد فقدت أنفاسها إثر المقاومة, 
ولم تعد تقوى على الصراخ. كان الشارع الصغير البارد خاليًا من المتسوّقين 
ولم يلاحظ أحد من المارّة في شارع شايرينغ كروس أي شيء غير اعتيادي. 
ظهرت البوّابة السوداء أخيرًاء مباشرةٌ أمامه. 

«أحتاج إلى الدخول» بسرعة يا روين!» صاح عبر هاتف المبنى 
الداخليّ. حالما سمع صوت الطنين المشير إلى انفتاح البوّابة» دفع المصراع 
بكتفه وراح يصعد السلالم مع طريدته. فجأةً اخترق ساقه ألم. وفي اللحظة 
عينهاء صاحت المرأة صيحة مهولة تردّد صداها من أعلى إلى أسفل السلالم. 
لمح سترايك حركة خفيفة عبر زجاج باب مصمّم الغرافيك الغريب الأطوار 
الذي كان يشغل شقّة الطابق الأول. 

«شجار حبیبین» لیس إلا« صاح سترايك عند الباب وهو يواصل تسلّقه 
الشاق. 

«كورموران؟ ما... يا إلهي!» قالت روبن وهي تحدّق إلى أسفل من 
بسطة الدرج» «لا يمكنك أن... ما الذي ترمي إليه؟ أفلت هذه السيّدة!» 

«حاولتٌ للتوّ... حاولث طعني بالقاطعة مجدّدًا». قال سترايك لاهئاء 
وبذل جهدًا أخيرًا وجبَارًا لقذف طريدته الثقيلة إلى الداخل. «أقفلي الباب!» 
صاح بروبنء التي سرعان ما دخلت منقْذةً الأوامر. 

رمى سترايك المرأة على الكنبة ذات الجلد الزائف. فسقطت القلنسوة 
لتكشف عن وجه طويل شاحب وعينين داکنتين واسعتين» وشعر بني کثيف 
مموّج. كانت أصابعها الطويلة تنتهي بأظافر حمراء حادّة كالمخالب. بدت في 
العشرين من العمرء ليس أكثر. 


404 روبرت غالبريث t.me/ktabpdf‏ 


«مغفّل! أحمق!» 

حاولث النهوضء لكنّ سترايك ردعها بنظرة قاسية ومهدّدة لدرجة 
عدلت وارتمت على الكنبة ثانيةٌ» وهي تدلّك رقبتها. ظهرت رضوض بنفسجيّة 
على بشرتها البيضاء» في المواقع التي كان سترايك قد ضغط عليها. 

«ألا قلت لي لماذا حاولت طعني؟» سألها سترايك. 

«اللعنة عليك!» 

«إجابة جد مبتكرة»» قال سترايك. «إتصلي بالشرطة يا روبن...» 

«لااااا!» ولولت الفتاة ككلب ينبح. ثمّ توجّهت لاهثةٌ إلى روبن: «لقد 
آذاني.» بملامح مشبعة بالبؤس» جذبت ياقة قميصها إلى أسفل لتكشف عن 
ازرقاقات عنقها المرمريّ القوي العضلات» «لقد جيّني على الرصيف, وحملني 
ككيس من ال...» 

راحت روبن تنظر إلى سترايك» ويدها على سمّاعة الهاتف. 

«لماذا تلاحقينني؟» زجرها سترايك وهو لا يزال لاهئًا بعض الشيء. 
كانت قامته الطويلة تشرف عليها بشكل مُخيفء ونبرته تشي بالتهديد. 

تراجعت إلى الخلف» منكمشةً وملتصقةً بأوسدة الكنبة. أمّا روبن 
والتي لم تتحرّك قيد أنملة, فقد رصدت مزيجًا دقيقًا من الخوف والمتعة في 
وضعيّة جلوسهاء وقشعريرة خفيفة من الشهوانيّة. 

«آخر فرصة». زمجر سترايك. «لماذا دُ...؟» 

«ماذا يحدث فوق؟» استفسر المصمّم شاكيًا من الأسفل. 

تبادل سترايك وروبن نظرة خاطفة. أسرعت روبن إلى الباب» فتحت 
القفل وخرجت إلى بسطة الدرج بينما وقف سترايك لحراسة أسيرته. منقبض 
الفكين والقبضتين. خلف عينيها البئّيتين الواسعتين والمظلّلتين بالبنفسجيء 
لمح رغبة الصراخ للاستنجاد تلوح لتعود وتختفي. عندئذٍ راحت تذرف دموعًا 
غزيرة. لكن, نظرًا لصريف أسنانها وارتجاف كتفيهاء فهم سترايك أنّ دموعها 
تنهمر من الغضب والغيظ أكثر من الحزن والأسى. 

«كل شيء على ما يرام يا سيّد کراودي»» صاحت روبن» «مجرد شجار 
بين حبيبّين. آسفة على الإزعاج.» 


مكتبة دودة الحرير 405 


عادت روبن إلى المكتب وأقفلت الباب خلفها ثانية. كانت الفتاة 
متيبّسة على الكنبة, والدموع على خذيهاء وأظافرها الشبيهة بالمخالب 
مغروزة في حافة المقعد. 

«ضقت ذرعًا بك»» قال سترايك, «سأتصل بالشرطة إذا لم تتكلمي.» 

بدت وكأنها صدّقته. فما إن تقدّّم خطوتين نحو الهاتف حتى قالت ما 

«كنت أريد أن أمنعك.» 

«عن ماذا؟» سأل سترايك. 

«وكأتك لا تعرف!» 

«لا تمارسي الألاعيب اللعينة معي!» صاح سترايك: ومال نحوها مهدّدًا 
بقبضته. ذكره ألم جديد في ركبته بأنّها المسؤولة عن أوجاع أربطته. 

«كورموران!» تدخّلت روبن بحزم بينهما فأجبرته على التراجع خطوةٌ 
إلى الوراء. «إسمعي». قالت للشابّة, «إسمعيني. أخبريه لماذا فعلتِ ذلك 
وعندها ربّما يعدل عن الاتّصال بال...» 

«لا بذ أك تمزحين»» استنكر سترايك. «لقد حاولتٌ مرّتين متتاليتين 
أن...» 

«... ربّما يعدل عن الاتصال بالشرطة»» أكملت روبن بصوت واثقء من 
غير أن تضطرب أو تتراجع. 

قفزت المرأة محاولةً إيجاد طريقها نحو الباب. 

«لا؛ لن تهربي». قال سترايك ملتفًا حول روبنء وأمسك بمهاجمته من 
خصرها وأعادها بقسوة على الكنبةء «من أنت؟» 

«لقد آلمتني كثيرًا!» صاحت. «... أضلاعي... سأتشكى عليك, أيّها 
الحقير...» 

«سأناديك بيباء هل يناسبك؟» قال سترايك. 

شهقت مرتعدة ورمته بنظرة خبيثة. 

«أيّها ال... أيّها ال... اللعنة...» 

«نعم نعم, اللعنة عليّ»؛ ردّ سترايك غاضبًا. «ما اسمك؟» 


406 روبرت غالبریث t.me/ktabpdf‏ 


كان صدرها يتحرّك صعودًا ونزولًا على إيقاع قلبها الجفل» تحت 
معطفها السميك. 

«كيف ستعرف إذا كنت أقول الحقيقة» حتَى ولو أخبرئك؟» سألت 
لاهثة. 

«لن تتحرّكي من هنا إلى أن أتحقّق من أقوالك»: قال سترايك. 

«هذا اختطاف!» صاحت, وكان صوتها خشئًا كصوت عامل المرافىء. 

«بل دفاع شرع عن النفس»» قال سترايك. «حاولتٍ قتلي! أقول لك 
الآن وللمرّة الأخيرة...» 

«بيبا ميدغلي»» لفظتها بنبرة ساخطة. 

«وأخيرًا. هل بحوزتك أوراق ثبوتيّة؟» 

بحركة إغراءء دشت يدها في جيبها وأخرجت رخصة ركوب الحافلة, 
ورمتها له. 

«نقراً هنا فيليب ميدغلي.» 

«بلا مزاح!» 

إستغرق سترايك ثانيتين زائدتين. أمام ملامحه المبهوتة» شعرت روبن 
برغبة مفاجئة في الضحك» على الرغم من التوتر السائد في الغرفة. 

«إبيسين»» هتفت بيبا ميدغلي. «هل فهمت أخيرًا؟ أم أنّ هذا يفوق 
استيعابك. أيّها الأحمق؟» 

نظر سترايك إليها. كانت الجوزة في مقدَّم عنقها المخدوش بارزة 
بالفعل. وكانت قد دسّت يديها في جيبيها ثانيةً. 

«سأصبح بيبا في السنة المقبلة.» 

«بيبا». كرّر سترايك. «أأنت من كتب سأوقع به أشدّ العذاب من 
أجلك؟» 

«أوه». قالت روبن وقد فهمت. 

«أوووه» كم أنت ذكيّ يا سيّد ضخم!». قالت بيبا في تقليد خبيث 
للاستهزاء بها. 

«هل تعرفين كاثرين كينت شخصيًاء أو فقط عبر الإنترنت؟» 


مكعتبة دودة الحرير 407 


«لماذا؟ هل معرفة كاث كينت جريمة؟» 

«كيف تعرّفت بأوين كواين؟» 

«لا أريد التحدّث عن ذلك المغفّل». قالت وقد ضاق صدرها. «ما 
فعله بي... ما فعله... كان يتظاهر طوال الوقت... لقد كذب... إِنّه كاذب 
حقير ...» 

إنهمرت الدموع الغزيرة من جديد على خدَّيها وأخذت تبدي مؤشّرات 
هستيريّة: تمرّر أصابعها ذات الأظافر الحمراء في شعرهاء وتنقر بقدميها على 
الأرضء وتتأرجح إلى الأمام والخلف منتحبةً. راقبها سترايك بنفور وبعد ثلاثين 
ثانية, قال: 

«هلا أغلقت فمك...» 

لكنّ روبن هدّأت من ثورته بنظرة عاتبة» وأخرجت عدّة مناديل ورقيّة 
من العلبة الموجودة على مكتبها ودسّتها في يد بيبا. 

«شك... شكر...» 

«أتودّين الشاي أو القهوة؟» سألتها روبن بلطف. 

«قه... وة... رجا... 2َ» 

«ولكن يا روبن» حاولث طعني!» 

«ولم تنجح في ذلك, لا؟». علّقت روبن منشغلةٌ بالغلاية. 

«الرعونة ليست بأسباب تخفيفيّة», تمتم سترايك وهو يكاد لا يصدّق 
ما يسمعه؛ «ليست دفاعًا بموجب القانون.» 

إلتفتٌ ثانيةً إلى بيباء التي كانت تتابع الحديث بينهما فاغرة فمها. 

«لماذا تلاحقينني؟ وما الذي تحاولين ردعي عنه؟ وأحذّرك... ليس 
لأنّ روبن وقعت في أحابيل نحيبك الكاذب...» 

«أنتَ تعمل لصالحها!» صاحت بيبا. «تلك العاهرة الكريهة, أرملته! 
لقد حصلت على ماله الآن» أليس كذلك؟... نحن نعرف تمامًا لما استخدمتک. 
فنحن لا نتّسم بالغباء!» 

«مّن تقصدين بنحن؟.» رمقت عيناها الداكنتان الباب. «أقسم لك», 
زجرها سترايك: الذي كانت ركبته المُجهّدة تضنيه ألما لدرجة أنّه راح يصرف 


408 روبرت غالبريث t.me/ktabpdf‏ 


أسنانه لئلا يصر<, «إذا توجّهت نحو ذلك الباب مرّة أخرى, سأتّصل بالشرطة 
وأشهد ضدّك وأُسِرَ لسجنك بتهمة الشروع في القتل. لن يكون الأمر ممتعًا 
هناك يا بيبا. قبل العمليّة الجراحيّة.» 

«كورموران!» نهرته روبن بحدّة. 

«أذكر حقائق.» أجاب سترايك. 

إنكمشت بيبا على الكنبة ثانيةٌ وأخذت تحدّق في سترايك بهلع صريح. 

«القهوة»»ء قالت روبن بحزم وهي تضع الفنجان في يد بيبا. «أخبريه 
بحقيقة الأمر بالله عليك» يا بيبا. أخبريه.» 

مع أنّ بيبا بدت غير مستقرّة وعدائيّة, فقد أشفقت روبن عليها. من 
الواضح أنْها لم تفكر البتّة في عواقب الاعتداء على محقّق خاصء بواسطة 
قاطعة. وقد افترضت روبن بأنّها تعاني من المشكلة عينها التي عانى منها 
أخوها الأصغر مارتن» المعروف بنزواته المتهوّرة. ما بين سائر أشقّائها. كان هو 
من زار الأ كثر قسم الطوارئ. 

«نحن نعرف أنّها استخدمتك للإيقاع بنا», قالت بيبا بصوت أجش. 

«مَن هي؟ ومن نحن؟»» صاح سترايك. 

«ليونورا كواين!» قالت بيبا. «نحن نعرف طباعهاء وماذا تستطيع أن 
تفعل! إِنّها تكرهناء كاث وأناء وهي قادرة على فعل أي شيء للنيل منا. لقد 
قتلثُ أوين وها هي الآن تحاول إلصاق التهمة بنا! يمكنك الاستمرار ما شئنت 
في التحديق بنظراتك الذابلة!» صاحت بسترايك؛ الذي ارتفع حاجباه إلى 
منتصف جبينه. «إِلَّها عاهرة مجنونة» وشديدة الغيرة... لم تعد تطيق أن 
يقابلنا أوين» وهي الآن تستعين بك للبحث عن دليل تستخدمه ضدّنا! لكك 
لن تجد شيئًا!» 

«لا أعرف إذا كنت تصدّقين كل هذا الهراء حول الذهان الارتيابيّ...» 

«لن تخدعنا!» صرخت بيباء 

«إخرسي! عندما بدأتٍ بتعقّبيء لم يكن أحد يعرف أنّ كواين قضى, ما 
خلا القاتل. لقد لحقت بي يوم عثرتٌ على الجنّة. وأعرف أنّكَ كنت تتعقّبين 


مكتبة دودة الحرير 409 


ليونورا قبل أسبوع من ذلك. لماذا؟» إذ لم ُجبء كرّر: «هذه فرصتك الأخيرة: 
لماذا تعقّبتني عندما غادرث منزل ليونورا؟» 

«ظننتٌ أنّك ربّما تقودني إليه.» 

«ولماذا أردت أن تعرفي مكان وجوده؟» 

«لكي أسلخ جلده عن عظمه!» صاحت بيباء وتأكد انطباع روبن بأنّ 
بيباء شأنها شأن مارتن, لا تفهم معنى الخطر أو المخاطرة. 

«ولماذا؟» سأل سترايكء كما لو أنّها لم تقل شيئًا يخرج على المألوف. 

«بسبب ما قاله عنّا في ذلك الكتاب الرهيب! أنت تعرفء أولم 
تقرأه؟... إبيسين... ذلك الحقيرء ذلك الوغد المخبول...» 

«إهدأي, اللعنة! إِذَاء كنت قد قرأت بومبيكس موري آنذاك؟» 

«أجل, قرأتها بالطبع...» 

«وعندئذٍ بدأتِ تدسّين البراز في صندوق بريد كواين؟» 

«براز لقاء غياط!» صاحت غاضبةً. 

«ظريفة. متى قرأت الكتاب؟» 

«قرأت لي كاث المقاطع التي تعنينا عبر الهاتف ثمّ...» 

«ومتى قرأتها لك؟» 

«عندما عادت إلى البيت ووجدت المخطوطة على ممسحة الأقدام 
عند الباب. المخطوطة بأكملها. لم تكد تتمكن من فتح الباب لكثرة 
الصفحات. كان أوين قد أدخلها أجزاء صغيرة تلو الأخرى عبر فُتحة الباب 
وأرفقها بملاحظة. أرتني كاث إِيّاها.» 

«وماذا جاء في الملاحظة؟» 

«جاء فيها: حان وقت الانتقام لكلينا. آمل بأن تكوني مسرورة! أوين.» 

«حان وقت الانتقام لكلينا؟» كدر سترايك مقطبًا حاجبيه» «هل تعرفين 
ماذا يعني بذلك؟» 

«لم تشأكاث أن تخبرني» لکٽني أدركتٌ أنْها فهمت. كانت م... مذ... 
منهارة»» تنهّدت بيبا وهي على شفير نوبة بكاء جديدة. «إِنّها... إِنّها امرأة 
رائعة. أنت لا تعرفها. لقد كانت بمثابة أ... أمّ لي. إلتقينا في محترف الكتابة 


410 روبرت غالبريث t.me/ktabpdf‏ 


وكنّا مثل... أصبحنا مثل...»» التقطت أنفاسها وقالت ناشجة: «ذلك الرجل 
كان حقيرًا وحسب. كذب علينا بشأن ما كان یکتبه» کذب بشأن کلڵ... کل 
شي ۶...) 

أجهشت بالبكاء من جديد» وراحت تنتحب وتشهق وتئَنْ في آن. 
قلقت روبن بشأن السيّد كراودي» فهمست لها بلطف: 

«بيباء أخبرينا ما الذي كذب بشأنه. كورموران لا يريد إِلّا الحقيقة. لا 
يحاول الإيقاع بأحد...» 

للوهلة الأولى» لم تنبس بيبا ببنت شفة - هل سمعتها؟ هل صدّقتها؟ - 
لكنّها أخذت نفسًا عميقًاء وكَمَن يريد إراحة ضميره المُتعبء تركت الكلمات 
تنساب من فمها: 

«قال إِنّني بمنزلة ابنته» هذا ما قاله لي. وأخبرثه بكل شيء. بأنّ أمي 
هجرتني وكل ما تبقّى. وأطلعته على الك... الكتاب الذي كتبته عن سيرة 
حياتي» وكان لطيقًا ج... جدًّا ومهتمًا للغاية... ووعدني بأنّه سيساعدني في 
نشره» وأ... أبلغ كليناء كاث وأناء بأنّه سيذكرنا في ر...... روايته الجديدة. 
قال إِنّني نفس ج... جميلة تائهة... هذا ما قاله لي»» شهقت بيبا ولوت 
فمها بغيظ. «وذات يوم» قرأ لي مقطعًا عبر الهاتفء وكان... كان جميلاء لكن 
بعدما قرأتُ النصٌ الحقيقيّ وتبيّنتٌُ أنّه كتب ذلك... تحطّم... تحطّمت كاث 
كليًا... الكهف... شرّيرة» وإبيسين...» 

«إذا عادت كاثرين إلى البيت ووجدت المخطوطة على ممسحة 
الأقدام». لخّص سترايك. «كانت عائدة من أين... من العمل؟» 

«من مركز العناية حيث كانت إلى جانب أختها المحتضّرة.» 

«ومتى كان ذلك؟» سأل سترايك للمرّة الثالثة. 

«ومّن يهتمّ متى...؟» 

«أنا أهتمّ!» 

«هل كان في التاسع من الشهر؟» اقترحت روبن. كانت قد عرضت 
مدوّنة كاثرين كينت على حاسوبهاء ووجّهت الشاشة بعيدًا عن الكنبة التي 


مكتبة دودة الحرير 011 


تجلس عليها بيبا. «أيمكن أن يكون يوم الثلاثاء يا بيبا؟» مساء الثلاثاء مباشرةٌ 
بعد الألعاب الناريّة؟» 

«كان... نعم» أعتقد ذلك!» قالت بيبا مبهوتة من تخمين روبن الدقيق. 
«أجلء. ذهبت كاث ليلة الألعاب الناريّة: لأنّ أنجيلا كانت مريضة للغاية...» 

«كيف عرفت بأنّها كانت تلك الليلة تحديدًا؟» سأل سترايك. 

«هذا لأنّ أوين أبلغ كاث بأنّه لن يستطيع مقابلتها في تلك الليلة, 
بحجّة أنّه يود إطلاق المفرقعات مع ابنته». قالت بيباء «أحبطّت كاث كثيرًاء 
لأنّه كان قد وعدها بأنّه سيهجر عائلته لأجلها! لقد وعدهاء وعدها أخيرًا بأنّه 
سيترك زوجته العاهرة» وإذا به يقول إِنّه يريد أن يطلق المفرقعات اللعينة مع 


المعاق...» 
توقّفت فجأةً لكنّ سترايك أكمل عنها. 
«مع المعاقة؟» 


«إنّها مجرّد ذعابة»» غمغمت بيباء وقد بدت خجلة لاستعمال تلك 
اللفظة أكثر مما كانت لمحاولتها طعن سترايك. «بيني وبين كاث: كان أوين 
يتحجّج دائمًا بابنته لئلا يستقرٌ مع كاث...» 

«وماذا فعلت كاثرين في تلك الليلة, بدلا من مقابلة كواين؟» سأل 
سترايك.«وصلتُ إلى منزلها. وعندئذٍ تلقّت اتصالاً بأنّ حالة اختها أنجيلا قد 
تفاقمت. كانت أنجيلا مصابة بالسرطانء وقد أصبح في مرحلة الانبثاث.» 

«أين كانت أنجيلا؟» 

«في مركز كلابهام للرعاية.» 

«وكيف ذهبت كاثرين إلى هناك؟» 

«وما أهمّية ذلك؟» 

«ردّي على السؤال فحسب.» 

«لا أدري... بالمترو على ما أعتقد. مكثت مع أنجيلا ثلاثة أيَام. كانت 
تنام على فراش على الأرض إلى جانب سريرهاء لأنّ أنجيلا قد تموت في أيه 
لحظة. لكنها ظلّت صامدة. لذا اضطرت كاث إلى العودة إلى البيت لجلب 
ملابس نظيفة» وعندئذ وجدت المخطوطة على ممسحة الأقدام.» 


412 روبرت غالبریٹث t.me/ktabpdf‏ 


«لماذا أنت واثقة من أنّها عادت إلى البيت يوم الثلاثاء؟» سألت روبن 
فيما رمقها سترايك متفاجنًاء إذ أوشك على طرح السؤال عينه. لم يكن قد 
عرف عن عجوز المكتبة ولا عن الحفرة البالوعيّة في ألمانيا. 

«لأنّني أعمل في أمسيات الثلاثاء لدى مركز هاتفيّ للإسعاف», أجابت 
بيبا «وكنت هناك عندما انّصلت كاث باكيةٌ لتزف لي الخبر. كانت قد ربت 
صفحات المخطوطة بالتسلسل وقرأت لي المقاطع التي تطالنا هي وأنا...» 

«حسئاء هذا مثير للاهتمام فعلًا», قال سترايك؛ «لأنّ كاثرين أكدت 
للشرطة بأنّها لم تقرأ بومبيكس موري البنّة.» 

ربّما كان تعبير الذعر الذي ارتسم على وجه بيبا ليثير الضحك في 
ظروف أخرى. 

«لقد خدعتني» أيّها الحقير!» 

«أنت عنيدة كالحمار» لا؟»» رد سترايك «لا تفكري في الأمر حتّى», 
أضاف وهو يعترضها عندما حاولت النهوض. 

«لقد كان... حقيرًا قذرًا!» صاحت بيبا وهي تغلي غضباء «مجرّد 
انتهازيّ! تظاهر بأنّه مهتم بعملنا ولكنّه كان يستغلنا طوال الوقت, منذ اللحظة 
الأولى» ذلك الوغد الك... كاذب... ظننته فهم معاناتي الطويلة... كنا نناقش 
مصائبي لساعات طوال وكان يشجّعني على كتابة قصّة حياتي... وأبلغني بأنّه 
سيساعدني في الحصول على عقد للنشر...» 

شعر سترايك بسأم مفاجئ ينتابه. ثُرى ما هذا الهوس؟ لِمَ يسعى كل 
هؤلاء إلى نشر سيرهم الذاتيّة؟ 

«... ولكنّه في الواقع كان يحاول تطويعي فقطء لأخبره عن كل أفكاري 
ومشاعري الخاصّة. وكاث... ما فعله بكاث... لن تتصوّر حنّى... أنا جد 
سعيدة لأنّ زوجته العاهرة ذبحته من الوريد إلى الوريد! لو لم تفعل...» 

«لماذا تكرّرين أنّ زوجته قتلته؟» 

«لأنّ كاث تمتلك الدليل!» 

ساد صمت وجيز. 

«وما هو هذا الدليل؟» سأل سترايك. 


مكتبة دودة الحرير 413 


«وما الفارق بالنسبة إليك؟!» صاحت بيبا وسط قهقهة هستيرية, 
«فأنت لا تأبه بذلك حتّى!» 

«إذا كان لديها الدليلء فلماذا لم تقدّمه للشرطة؟» 

«تعاطفًا!» عوت بيباء «وتلك صفة لا يمكنك أن...» 

«ما هذا الصياح؟!» 

«اللعنة!»» زمجر سترايك عندما اقترب خيال السيّد كراودي من الباب 
الزجاجيّ قادمًا من الأسفلء «هذا ما كان ينقصنا الآن.» 

هرعت روبن لتفتح الباب. 

«آسفة جدّاء يا سيّد كراو...» 

نهضت بيبا على الفور. حاول سترايك ردعها لكنّ ركبته التوت. إنطلقت 
كالسهم خارج المكتبء دفعت السيّد كراودي وهبطت السلّم بصخب شديد. 

«دعيها!» قال سترايك لروبنء التي كانت تستعدّ لمطاردتها. «تركت 
سلاحها هنا على الأقل.» 

«سلاح؟» صاح السيّد كراودي واستغرق إقناعه بعدم الاتّصال بمالك 
العقار خمس عشرة دقيقة (كانت الدعاية التي تلت قضيّة لولا لاندري قد 
أخافت مصمّم الغرافيك. فأصبح يخشى احتمال مجيء قاتل آخر سعيًا وراء 
سترايك؛ وربّما يدخل مكتبه عن طريق الخطأ). 

«يا إلهي!». همس سترايك في تنهيدة ارتياح» عندما عاد السيّد كراودي 
أخيرًا إلى مقرّه. إرتمى على الأريكة؛ فيما جلست روبن على كرسيّ الحاسوب 
ونظر أحدهما إلى الآخر بضع ثوانء قبل أن تنتابهما نوبة من الضحك. 

«تدبّرنا أمرنا جيّدًا, لا؟ أنت في دور الشرطيَ اللطيف وأنا الشرّير». 


قال سترايك. 
«لم أكن أتصنّع ذلك»» قالت روبن» «بل شعرت بقليل من الأسى 
لحالها.» 


«لاحظث ذلك. وماذا عنّي أنا الذي تعرّضت لمحاولة قتل؛ ألا يهمّك 


أمر: ي 


414 روبرت غالبریث t.me/ktabpdf‏ 


«هل كانت تريد طعنك فعلًا. أو كانت مجورّد مناورة؟» سألت روين 

«ربّما راقت لها الفكرة أكثر من الفعلة بحدّ ذاتها». اعترف سترايك» 
«المشكلة أنّ الموت واحد. سواء تلقَيتِ الطعنة من امرأة واهمة تظنّ نفسها 
في فيلم سينمائيَ أو من قاتل محترف. وماذا كانت تظنّ بأنّها قد تجني من 
طعني...؟» 

«حبّ الأمّ». قالت روبن بهدوء. 

حدّق فيها سترايك مذهولًا. 

«أمَها تخت عنها», قالت روبن» «هي تمر في أوقات عصيبة: كما 
أتوفّع. وتتلقّى صدمة تلو الأخرى, وربّما تأخذ هورمونات وغيرها... قبل أن 
تخضع للجراحة. لقد ظنّت بأنّها حظيت بأسرة جديدة, أليس كذلك؟ كانت 
تعتبر كواين وكاثرين كينت والديها الجديدين. أولم تخبرنا بأنّ كواين قال 
إِنَّها بمنزلة ابنته وقد صوّرها في الكتاب على أنّها ابنة كاثرين كينت. إِنّما في 
بومبيكس موريء تبدّلت كل الأمور. رسمها كواين كشخصيّة مزدوجة الجنس 
لا تسعى سوى إلى مضاجعته. والدها الجديد لم يخذلها فحسب وينبذها», 
تابعت روبنء «لكنه خان أمّها الجديدة أيضًاء تلك المرأة الطيّبة والمُحبّة. 
والنتيجةء قرّرت بيبا الانتقام لكلتيهما.» 

لم تستطع أن تمنع نفسها من الابتسام أمام الإعجاب المُطلّق الذي 
ارتسم على وجه سترايك. 

«لماذا تخلّيت عن متابعة دروس علم النفس؟» 

«إنها قصة طويلة». قالت روبن وهي تشيح بنظرها نحو شاشة الحاسوب, 
«بيبا لا تزال يافعة... ربّما في العشرين من العمرء ما رأيك؟» 

«أجلء ليس أكثر»» وافقها سترايك» «من المؤسف أنّنا لم نتمكن من 
سؤالها عن تحرّكاتها في الأيَام التي تلت اختفاء كواين.» 

«ليست الجانية»» ادت روبن وهي تلتفت صوبه. 

«أجلء ربّما تكونين محقّة». قال سترايك متنهّدًاء «لا أتصؤرها قد تدس 
براز كلب في صندوق بريده بعدما انتزعت أحشاءه.» 


مكتبة دودة الحرير 415 


«كما أنّها تبدو خرقاء بعض الشيء لتنفُذ جريمة عن سابق تصوّر 
وتصميم» أليس كذلك؟» 

«هذا أقلّ ما يمكن قوله», وافقها الراف: 

«هل تنوي كشف أمرها للشرطة؟» 

«لا أعرف. ربّما. أوه اللعنة!»» قال صافعًا جبينه» «لم نعرف لماذا 
كانت تغنّي في الرواية!» 

«أظئّني أعرف السبب». ردّت روبن بعد بحث وجيز في مواقع 
الإنترنت. «غناء لتنعيم الصوت... تمارين صوتيّة لمن يريدون تغيير 
جنسهم.» 

«أهذا كل شيء؟»» قال سترايك بحيرة واضحة. 

«ماذا تقول... تعتبرها غير محفّة في غضبها؟» سألت روين: «لكنّ 
كواين قد كشف عن تفاصيل جد حميمة...» 

«ليس هذا ما عنيت»» قال سترايك. 

إلتفتَ مغمومًا صوب النافذة. كان الثلج يتساقط بكثافة. 

وبعد برهة» سأل: 

«وماذا حدث في مكتبة بريدلينغتون؟» 

«أجلء كدت أن أنسى!» 

أخبرته عن صاحب المكتبة وكيف خلط بين الأول والثامن من تشرين 
الثاني /نوفمبر. 

«يا له من عجوز أحمق», قال سترايك. 

«لا تكن شرّيرًا». رذت روبن. 

«كان يتبججح وحسب» أليين كذلك؟ يوم الاثنين» العادة عينهاء يزور 
صديقه تشارلز...» 

«لكن. كيف نعرف إذا كان اثنين الأساقفة الأنغليكانيين أو اثنين 
الحفرة البالوعيّة؟» 

«تقولين إِنّ تشارلز قاطعه ليخبره عن الحفرة البالوعيّة بينما كان 
يحدّثه هو عن مجيء كواين إلى المكتبة؟» 


416 روبرت غالبریٹث t.me/ktabpdf‏ 


«هذا ما قاله.» 

«إذّا على الأرجح, قد زار كواين المكتبة في الأؤل من الشهرء وليس 
في الثامن. هو يربط بين هاتين المعلومتين في ذهنه. لقد أخطأء ذلك 
العجوز الأحمق. أراد أن يكون قد رأى كواين بعد اختفائهء وأراد أن يتمكن 
من المساعدة في تحديد وقت الوفاة. لذاء ركز عقله الباطن تلقائيًا على يوم 
الاثنين المطابق لفترة وقوع الجريمة» بينما الواقع أنّه رأى كواين قبل أسبوع 
منها.» 

«ولکن» ما زال هناك شيء غریب في ما قاله کواین له لا؟» سألت 
روبن. 

«أجل بالفعل»» أجاب سترايك: «شراء كتب للقراءة خلال إجازته... 
إِذّاه قبل أربعة أَيَام من شجاره مع إليزابيث تاسيل. كان قد خطّط للرحيل. هل 
خطط للتوجُه إلى تالغارث رود إلى ذلك المنزل الذي كان يزعم بأنّه يكرهه إلى 
حذدّ لم يطأه منذ سنين عديدة؟» 

«هل ستبلغ أنستيس عن ذلك؟» سألت روبن. 

ضحك سترايك باستهزاء. 

«لاء لن أبلغه. ليس لدينا دليل أكيد ومثبّت على أنّ كواين كان هناك 
في الأول بدلا من الثامن من الشهر. وعلى أيّ حال علاقتي بأنستيس ليست 
في أفضل أحوالها الآن.» 

طرأ صمت طويل. ثمّ جفلت روبن حين سمعت سترايك يقول فجأةٌ: 

«عليّ التحدّث إلى مايكل فاتكورت.» 

«لماذا؟» 

«لكثير من الأسباب. أمور أسرّ بها والدغريف أثناء الغداء. أيمكنك 
الاتتصال بوكيله أو أي من صلاته؟» 

«نعم»» قالت روبن وهي تدؤن ملاحظة تذكيريةء «تعلم؟ لقد شاهدت 
المقابلة مجدّدًا وما زلت لا أستطيع...» 

«تفخَصيها ثانيةً إذَا». قال سترايك, « كوني يقظة. وفكري.» 


مكتبة دودة الحرير 417 


غرق في صمته من جديد, وراح يحدّق في السقف. لم تشأ روبن أن 
تقطع حبل أفكاره. فلجأت إلى حاسوبها بحئًا عن وكيل مايكل فانكورت. 

أخيرًا علا صوت سترايك على ضجيج لوحة المفاتيح. 

«ترى ما الدليل الذي تمتلكه كاثرين كينت ضدٌ ليونورا؟» 

«ربّما لا شيء»», قالت روبن وهي تركز على النتائج التي ظهرت على 
الشاشة. 

«ولم تفصح عنه تعاطفًا...» 

لم تجب روبن. فقد كانت تتابع موقع مؤسّسة فانكورت الأدبية بحنًا 
عن رقم أو شخص قد يصلها به. 

«لنأمل بأن يكون ذلك مجرّد هراء هستيريٌ آخر»» قال سترايك. 

لكنّه كان قلقًاء وللغاية. 


t.me/ktabpdfF 


38 


أن تقرّر ورقة صغيرة 
مصائر العديد... 


جون ويبستر» «الشيطان الأبيض» 


كانت الآنسة بروكلهيرست,. المُساعدة الإداريّة والخائنة المزعومة» لا تزال 
تدّعي أنّ الزكام يُبقيها سجينة المنزل. لكنّ عشيقهاء زبون سترايك» رأى في 
ذلك مبالغة وقد وافقه المحقّق الرأي. في السابعة والنصف من صباح اليوم 
التالي» وجد سترايك نفسه واققًا في فُرجة صغيرة ظليلة مقابل شقّة الآنسة 
بروكلهيرست في باتيرسيء وهو يرتدي معطفًا ومشاحًا وققازات» ويتثاءءب 
ملء شدقيه بينما يخترق البرد أطرافه. كان يستمتع بتناول قطعة المافين 
الثانية من الثلاث التي اشتراها من مكدونالدز في طريقه. 

كانت النشرة قد توفّعت أحوالًا جويّة سيّئة في جنوب شرق إنكلترا. 
وقد غطت طبقة سميكة من الثلج الشارع بأكمله؛ فيما أخذت أولى ندف 
اليوم تتساقط من سماء خالية من النجوم. وهو في حالة ترقّب وجهوزيّة تامّة 
راح سترايك يحرّك أصابع قدميه بين الحين والآخر لتنشيط الدورة الدمويّة. 
بدأ سكان الشقق يغادرون إلى العمل واحدًا تلو الآخرء فيتوجّهون إلى المحطّة 
أو يركبون سيّارات تهدر عوادمها عاليًا في هدأة الصباح. كان اليوم الأخير 
من شهر تشرين الثاني/نوفمبر بيد أنّ سترايك لمح ثلاث أشجار تلتمع بزينة 


مكتبة دودة الحرير 419 


الميلاد. من خلال نوافذ غرف الجلوس قبالته. تلألأت الأضواء البرتقاليّة 
والزمرّدية والزرقاء أمام عيئّيه عندما انّكأ على الجدار, وهو يترصّد شقّة الآنسة 
بروكلهيرست, متراهئًا مع نفسه ما إذا كانت ستخرج من بيتها أم لا في هذا 
الطقس الرديء. كانت ركبته لا تزال تبرّحه ألمّاء لكنّ الثلج أبطأ سرعة المارّة 
لتواكب إيقاعه المتثاقل الخاصّ. أضف أنّه لم يشاهد الآنسة بروكلهيرست 
يومًا تنتعل أحذية بكعوب يقل ارتفاعها عن العشرة سنتيمترات. في هذه 
الظروف, وعلى أرض زلقة؛ ربما تكون أكثر عجرا مما هو عليه. 

في الأسبوع الماضيء كان قد تخلى عن كل قضاياه الأخرى ليركز على 
ملف كواين. إِنّما من الحيويّ الآن أن يعاود استلام القضايا العاديّة ويتابعهاء 
ما لم يشأ إقفال مكتبه نهائيًا. كان عشيق الآنسة بروكلهيرست رجلا ثريًا 
ومن المرجّح أن يور له مزيدًا من القضايا إذا أعجب بتحقيقاته. كان يميل 
إلى الشقراواتء ولكنّ معظمهنّ (كما اعترف لسترايك في أل لقاء) سحبن 
منه مبالغ طائلة وهدايا ثمينة متنوّعة, ليهجرنه بعد ذلك أو يقمن بخيانته. 
وبما أنّه لم يُظهر أي نيّة في تبديل شبُله حتى الآنء فقد توقع سترايك مزيدًا 
من الحسناوات من صنف بروكلهيرست ومزيدًا من العائدات الماليّة. ربّما 
الخيانة بحدّ ذاتها هي ما يثير زبونه الثري, فكّر سترايك بينما كانت أنفاسه 
تتصاعد على شكل سحب بيضاء في الهواء المثلج. لقد صادف رجالا آخرين 
مصابين بهذا المرض النفسيّء والذي يظهر شكله الأخطر عند الذين يقعون 
في غرام العاهرات. 

عند التاسعة إلا الدقيقة العاشرةء ارتعشت الستائر قليلًا. خرج سترايك 
للفور من سهوه الظاهريّ, ليصوّب كاميرا الرؤية الليليّة التي كان يخفيها تحت 
معطفه. 

ظهرت الآنسة بروكلهيرست مدَّة وجيزةء بملابسها الداخليّة وبقوامها 
المصقول. مشى خلفها في عتمة غرفة النوم رجل أ كرش عاري الصدرء وحاول 
مداعبتها قليلاء ما أثار استنكارًا مصحوبًا بقهقهة. ثم توارى كلاهما داخل 
غرفة النوم. 


420 روبرت غالبریث t.me/ktaebpdf‏ 


أنزل سترايك الكاميرا ريثما يتحقّق من نوعيّة الصور. كانت الصورة 
الفاضحة تظهر بوضوح شكل ذراع رجل ويده» ووجه الآنسة بروكلهيرست وهي 
تبتسم ملتفتةٌ إلى شريكها الذي بقيت ملامحه غير واضحة في العتمة. توقع 
سترايك أن يكون هذا الأخير على وشك الخروج إلى عملهء لذا وضع الكاميرا في 
جيبه استعدادًا لمطاردة بطيئة ومزعجة, وبدأ بتناول قطعة المافين الثالثة. 

في التاسعة إِلَا الدقيقة الخامسة, فُتح باب منزل الآنسة بروكلهيرست 
وخرج العشيق. لم يکن يشبه رټ عملها في شيء باستثناء سنه ومظهره 
الأنيق. كان يحمل حقيبة جلديّة رفيعة معلقة بشكل مائل على صدره؛ تنّسع 
لقميص نظيف وفرشاة أسنان. في الآونة الأخيرةء بدأ سترايك يرى هذا النوع 
من الحقائب بكثرة في أنحاء المدينة, حتى أنه لقبها بحقائب بائعي الهوى. 
إستمتع الثنائي بقبلة شغوفة عند عتبة المنزل أوجزها البرد القارس وارتداء 
الآنسة ما قلّ ود من الملابس. بعد ذلك تراجعت هي إلى الداخل ومضى 
الأكرش نحو تقاطع كلابهام؛ وهو يتحدّث على هاتفه المحمول. على الأرجح, 
كان يوضح بأنّه سيتأخّر بسبب الثلوج. أتاح له سترايك التقدّم عشرين مترّا 
قبل أن يخرج من مخبأه؛ متوكا على العصا التي كانت روبن قد استرجعتها من 
ساحة الدانمارك. عصر أمس. 

كان تعقُبًا أكثر من سهلء فالأكرش كان غافلًا عن كل شيء باستثناء 
حديثه عبر الهاتف. تحت ندف الثلج, هبط الواحد تلو الآخر المنحدر 
الخفيف لشارع لافندر هيل؛ يفصل بينهما عشرون مترًا. إنزلق الأكرش عدّة 
مرّات بنعليه الجلديين والمصنوعين يدويًاء ليدخل بعد ذلك محطة المترو 
وهو لا يزال يتحدّث بالهاتف. عندما استقرٌ في المقصورة؛ كان من السهل 
على سترايك الجلوس على مسافة كافية وبدون إثارة شكوكه. حتّى أنّ المحقّق 
تحين الفرصة ليلتقط صورًا وهو يتظاهر بقراءة رسائله النصية. 


بينما كان منهمكًا بذلك, وصلته رسالة نضية حقيقيّة من روبن. 


مكتبة دودة الحرير 421 


إتصل وكيل مايكل فانكورت - م. ف متشؤّق للاجتماع بك! هو حاليًا 
في ألمانيا لكنّه يعود في السادس من الشهر. ويقترح نادي غروتشو وفي أي 
وقت يناسبك. روبن 

راح سترايك يفكّرء بينما كان القطار على مشارف محطة واترلى بأنّ 
رغبة الذين قرأوا بومبيكس موري في مقابلته غير عاديّة. فمتى كان المشتبه 
بهم ليسارعوا بلهفة إلى الجلوس وجهًّا لوجه مع محقّق؟ وماذا يأمل مايكل 
فانكورت الشهير أن يجني من مقابلة محقّق خاصٌ عثر على جنّة أوين كواين؟ 

شأنه شأن مئات الركابء ترجّل الأكرش من القطار في محطة واترلوى 
فيما تبعه سترايك كظلّه. كان السقف الزجاجيّ ذو العوارض القشديّة اللون 
يذكره بتايثبارن هاوس. عند المخرج» كان الأكرش الغافل لا يزال يتحدّث 
على الهاتف. ثم سلك الأرصفة الزلقة متفاديًا كتل الثلج الموجلة التي تح 
بها. بعد ذلك توغل بين مباني المكاتب المربعة الخرسانيَّة الزجاجِيَّةء وبين 
حشود موظّفي المصارف المكسوة بالرمادي والمنهمكة كصفوف النمل 
في اجتياز الإسفلت» إلى أن انعطف أخيرًا إلى موقف سيّارات أحد أكبر 
المباني» وتوجّه نحو ما انُضح أنّها سيّارته. يبدو أنّه اعتبر من الحكمة أن يترك 
سيّارة البي-إم-دابليو في موقف المكتبء بدلا من ركنها خارج شقّة الآنسة 
بروكلهيرست. بينما كان سترايك يراقبه من خلف سيّارة رانج روفر متوقفة 
في الموقع الاستراتيجيّ الأنسبء. شعر باهتزاز الهاتف في جيبه» لكنّه تجاهله 
لعدم لفت الانتباه. كان للأكرش حيّز مخصّص لركن سيّارته ويحمل اسمه. 
بعدما أخذ بعض الأغراض من صندوق السيّارة توجّه إلى داخل المبنى, 
تاركا لسترايك ملء الحرية للمشي ببطء نحو الجدار الذي كُتبت عليه اسماء 
المدراء. بهدف إرضاء فضول زبونه بشكل كاملء؛ قام المحقّق بالتقاط صورة 
لاسم الأكرش ومنصبه. 

بعد ذلك قفل عائدًا إلى مكتبه. عندما جلس في المترو, تفخّص هاتفه 
ورأى أنّ المكالمة التي فاتته كانت من أقدم أصدقائه: دايف بولوورث, مُغامر 
سمك القرش. 


422 روبرت غالبریٹث t.me/ktaebpdf‏ 


لقد اعتاد بولوورث منذ الصغر مناداة سترايك باسم «ديدي.» كان 
معظم الأشخاص يفترض أنّ تلك التسمية وإِنّما هي إشارة ساخرة إلى حجمه 
(في المدرسة الابتدائية كان سترايك أضخم الأولاد بنيةٌ سواء في صفه أو في 
الصف الأعلى؛ ما يذكر بالدبّ-الدمية)؛ لكنها مشتقّة في الواقع من لفظة 
«ديديكوي» والتي تعني «غجري» بلغة كورنوال» وذلك بسبب حياة الرحّالة 
الذي كان كورموران اليافع يعيشها مع أمّه. 

فور خروجه من المتروء عاود سترايك الاتّصال بصديقه. كانا لا يزالان 
يتحدّثان عندما دخل مكتبه, بعد ثلث الساعة. نظرت إليه روبن وأجابت 
بنكتة ظنًا منها بأنّهِ يتوجّه إليها. لكنها ما لبئت أن فهمت هفوتهاء فواصلت 
عملها وهي تبتسم. 

«هل ستعود إلى الديار لعطلة عيد الميلاد؟» سأله بولوورٹ عندما هم 
سترايك بإغلاق باب مكتبه الداخليّ. 

«رتّما», أجاب سترايك. 

«ما رأيك إِذَّا في بضعة أكواب جعة في فيكتوري؟» اقترح عليه 
بولوورث. «ألن يلائمك أن تعاود مواعدة غوينيفر أرسكوت؟» 

«لم يحدث بيننا شيء»» قال سترايك (وكانت تلك ذعابة قديمة).» 

«جرّب حظّك ثانيةٌ يا ديدي. ربّما نعثر على الكنز هذه المرّة.. حان 
الوقت ليقتحم أحدهم حصنها المنيع. للمناسبة. هل تذكر تلك الفتاة 
التي...؟» 

وانحدر الحديث إلى سلسلة من القصص البذيئة والمضحكة والتي 
يتقن بولوورث سردهاء حول حماقات أصدقائهم المشتركين الذين أبوا مغادرة 
سانت موز. راح سترايك يضحك ملء شدقيه بحيث غفل عن إشارة «مكالمة 
قيد الانتظار» ولم يكلف نفسه حتّى عناء التدقيق في رقم المتّصل. 

«ألم تَعُد إلى جلالتها بيرسيرك. يا رجل؟» سأل دايف. ذلك كان اللقب 
الذي أطلقه على شارلوت. 

«لا»» أجاب سترايك. «ستعقد قرانها بعد... أربعة أيَام,» قال بعدما 
أجرى الحساب. 


مكتبة دودة الحرير 423 


«كُن يقظاء يا ديديء فربّما تعود إليك خائبةً. ولن أفاجأ إذا هربت 
مباشرةً قبل كلمة نعم. في أيّ حال, مكانك لفرحتثٌ بالتخلّص منها.» 

«صحيح»» ردّ سترايك, «صحيح.» 

«إِذَا اتفقناء أليس كذلك؟» قال بولوورث» «نلتقي في البلدة في عيد 
الميلاد؟ ونحتسي الجعة في فيكتوري؟» 5 

«نعم» لملا 5 أجاب مكزايك. مكتبة 

بعد سلسلة أخرى من الأحاديث البذيئة المتبادلة عاد دايف إلى 
عمله واستهل سترايك تفحّص هاتفه وهو لا يزال يقهقه من شدّة المرح. لقد 
فوت مكالمة من ليونورا كواين. 

عاد إلى مكتب روبن وهو يستمع إلى رسالتها الصوتيّة. 

«شاهدتٌ مقابلة مايكل فانكورت ثانيةًٌ». بادرت روين متحمّسة, 
«وفهمثٌ ما...» 

قاطعها سترايك بإيماءة من يده إذ بدا صوت ليونورا شديد التوتّر لا 
بل الذّعر. 

«لقد اعتقلوني يا كورموران. ولا أدري لماذا... لم يخبرني أحد 
بشيء... واقتادوني إلى المخفر. يبدو أنهم ينتظرون المحامي أو شيئًا من 
هذا القبيل. لا أعرف ماذا أفعل... بقيت أورلندو مع إدناء لسثُ... على أيّ 
حال» هذا ما حدث لي...» 

وانتهت المكالمة ببضع ثوانٍ من الصمت. 

«اللعنة!»» صاح سترايك بصوت مرتفع أجفل روبن وجعلها تقفز عن 
مكتبهاء «اللعنة!» 

«ما الأمر؟» 

«لقد أوقفوا ليونورا... لماذا اتصلت بي وليس بإلسا؟ اللعنة...» 

نقر على رقم إلسا هيربرت وانتظر. 

«مرحبًا يا كورم...» 

«لقد اعتقلوا ليونورا كواين.» 


424 روبرت غالبریٹ t.me/ktabpdf‏ 


«ماذا؟» صاحت إلسا. «لماذا؟ لا تقل لي بسبب القماش القديم 
الملطّخ بالدم والذي وجدوه في مستودع المنزل؟» 

«ربّما لديهم دليل آخر.» 

(كاث لديها دليل...) 

«أين هي الآن يا كورم؟» 

«في مخفر الشرطة... في كيلبورن على الأرجح, فهو الأقرب.» 

«يا إلهي! لماذا لم تتصل بي؟» 

«الله أعلم. قالت شيئًا من قبيل... إِنْهم يبحثون عن محام لها...» 

«لم ينُصل بي أحد... ولكن يا إلهي! ألا تملك هذه المرأة من دماغ؟ 
لماذا لم تعطهم اسمي؟ سأذهب فورًا يا کورم» وسألقّنهم درسًا...» 

تبيّن سترايك سلسلة من الأصوات الخافتة والبعيدةء ثمّ وقع خطوات 
السا اة 

«إتصلي بي متى عرفت ماذا يجري»» قال سترايك. 

«بالطبع.» 

«أنتظر اتصالك.» 

أقفلت الخط. إلتفت سترايك نحو روبن التي بدت مذعورة. 

«لا أصدّق ولست مقتنعة»» قالت بهدوء. 

«سأتّصل بأنستيس». قال سترايك وهو يتناول هاتفه ثانيةٌ. 

لكن الصديق القديم لم يكن في مزاج متعاون. 

«لقد حذّرتك يا بوب, أخبرتك بما سيجري. إِنْها الجانية. هي مَن قتلته 
يا صديقي.» 

«أيّ دليل تملك؟» سأل سترايك. 

«لا أستطيع إبلاغك يا يوب؛ آسف.» 


«هل حصلت عليه من كاثرين كينت؟» 
«لا تصرّ يا صديقي.» 
أقفل سترايك الخطّ في وجهه. 


«يا له من غبيَ!» غمغم سترايك» «غبيّ!» 


مكتبة دودة الحرير 425 


كانت ليونورا محتجزة في مكان بعيد عن متناوله. وهو يخشى أن يؤدّي 
سلوكها الفظ وعدائيّتها الصريحة تجاه الشرطة إلى مفاقمة وضعها. تخيّل 
نوع خطابها أمامهم وهي تستنكر تدخّلهم في مسار حياتها الرتيب والبائس: 
أورلندو بمفردها؛ عليها العودة إلى منزلها لا محالة... تلك المرأة مجرّدة كليًا 
من حس الاستمرار والبقاء؛ حبّذا لو تصل إلسا بسرعة قبل أن ترتكب ليونورا 
هفوات, وتدلي وببراءتها المعهودة بتعليقات قد تجرّمها عن زوجها المُهمل 
أو عشيقاته؛ وقبل أن تذكر للمرّة الألف بأنّها لا تقرأ روايات زوجها ما لم يكن 
لديها من غلاف - الأمر الشادٌ بحدّ ذاته؛ وقبل أن تحاول أن تشرح لماذا 
نسيت مِؤَقَنًا منزلهما الآخر, منزل بقيت فيه جنّة زوجها تتعفّن لأيام. 

مرّ الوقت وأشارت الساعة إلى الخامسة بعد الظهرء وإلسا لم تتتصل 
بعد. نظر سترايك إلى السماء التي بدأت العتمة تكتنفهاء وإلى الثلج يزداد 
كثافةء فأصر على روبن لتعود إلى البيت. 

«لكنك ستتّصل بي حالما تسمع شيئًا؟» رجته وهي ترتدي معطفها 
وتلفٌ مشلحًا صوفيًا سميكا حول رقبتها. 

«بالطبع»؛ قال سترايك. 

لكنّ إلسا لم تمّصل قبل السادسة والنصف. 

«الوضع أكثر من سيّئ». كانت كلماتها الأولى. وبدت متشنجة 
ومُجهّدة, «لديهم دليل على عمليّة شراء عبر الإنترنت تمت بواسطة بطاقة فيزا 
الزوجين كواين المشتركة: ألبسة واقية خاصّة. وجزمات مطاطيّة, وقفازات, 
وحبال. أوه... كدت أنسى الأفضل: وبرقع أيضًا.» 

«بلا مزاح.» 

«لسث أمزرح البئّة. أعرف أنّك تظنها بريئة...» 

«نعم وأنا واثق من ذلك», أصرٌ سترايك بلهجة لا تقبل المناقشة. 

«حسئًا», قالت إلسا منهكة, «ليكن كما تريدء لكتّني أقول لك ما 
يلي: حالما تفتح فمهاء تغرق أكثر فأكثر. هي تُبدي عدائيّة شديدة, وقد 
جنّ جنونها وهي تؤكد أنّ زوجها قد اشترى هذه الأشياء بنفسه. بُرقع! بالله 
عليك... الحبال التي تمّ ابتياعها عبر الإنترنت؛ مطابقة للّتي قُيّدت الجنّة بها. 


426 روبرت غالبریث t.me/ktabpdf‏ 


حين سألوها لم قد يحتاج كواين إلى برقع أو مآزر بلاستيكيّة واقية ومقاومة 
لرشوش الموادّ الكيميائيةء جل ما وجدت من إجابة: لا أعرف» ومن أين لي أن 
أعرف؟. وبين الجملة والأخرى, لم تنفك تردّد لازمتها الشهيرة: أريد العودة 
إلى البيت لرؤية ابنتي... هي متشبّثة بذلك وبغاية العناد. تمّ ابتياع هذه 
الأشياء وتسليمها إلى تالغارث رود منذ سنّة أشهر - لو عثروا على خطّة 
مكتوبة بخط يدهاء لما كان وضعها أسوأ. ما زالت تنكر أنّها اطّلعت مسبقًا 
على خاتمة رواية كواين, لكنّ صديقك أنستيس...» 

«هو مَن يقود الاستجواب» اليس كذلك؟» 

«أجل. ظلّ يقول لها بأنّها مخطئة في الإصرار على فكرتها تلك» أي بأنْ 
كواين لا يحدّثها البنّة عمًا يكتبه, إلى أن أجابت في لحظة ضعف: لا أنتبه 
كثيرًا. بالطبع» استغلّ صديقك الفرصة ليشن هجومًا مضادًا: إذَاء هو يكلّمك 
عن حبكاته؟ واستمرٌ في ذلك مرارًا وتكرارًاء محاولًا إخضاعها. حنّى انتهت 
بطبيعة الحال؛ بأن ذكرت شيئًا عن حكاية ديدان الحرير التي توضع في الماء 
الغالية. كان ذلك أكثر من كافٍ. أكد أنستيس أنّها كانت تكذب منذ البداية 
وتعرف الحبكة بأكملها. أوه. وقد اكتشفوا أيضًا مساحة من التراب المنبوش 


في حديقة منزلها.» 
«وأراهنك أنهم سيجدون في الحفرة المنبوشة هرا ميئًا يدعى السيّد 
قذر»» صاح سترايك. 


«ذلك لن يردع أنستيس»» أردفت إلسا. «هو واثق تمامًا من أنها الفاعلة 
يا كورم. ولديهم الحق في احتجازها هناك حتّى الحادية عشرة من صباح الغد, 
وأنا أكيدة من أنّهم سيوجّهون لها التهمة بعد ذلك.» 

«ليس لديهم ما يكفي من الأدلّة». رد سترايك بحدّةء «أين عيّنات 
الحمض النووي؟ أين الشهود؟» 

«تلك هي المشكلة يا كورم» ليس هناك أيّ شيء من كل ذلك أما فاتورة 
بطاقة الفيزا تلك فثدينها. إسمع» أنا في صفّك»» قالت إلسا لعدم إجفاله. 
«أتريد معرفة وأبي بتجدد؟ أنستيس يراهن عشوائيًاء على أمل أن ينجح ذلك. 


مكقرة دودة الحرير 427 


أعتقد أنه يعاني من ضغوطات الصحافيين. ودعني أكون صريحة» هو يخشى 
أن تتدخّل أنت بالقضيّة. لذاء عليه استياق الأمر والقيام بالمبادرة أَوَلًا.» 

غمغم سترايك غاضيًا. 

«من أين نبشوا فاتورة بطاقة فيزا صادرة من سنّة أشهر؟ هل احتاجوا 
كل ذلك الوقت لتفخص الوثائق والأوراق التي أخذوها من مكتبه؟» 

«له لم تكن في مكتبه»: أجابت إلساء «بل كانت موجودة خلف أحد 
رسوم ابنته. يبدو أنّ أورلندو قدّمت الرسم لإحدى الصديقاتء قبل بضعة 
أشهر. وقد سلّمته تلك الصديقة للشرطة هذا الصباح, زاعمةٌ أنّها اكتشفت 
للتوّ شيئًا ما خلف الرسم... عفوًاء ماذا قلت للتو؟» 

«لا شيء»» جاب سترايك متنهّدًا. 

«وكأتك قلت طشقند؟» 

«شيء يشبهه. سأتركك الآن يا إلسا... شكرًا لك على كلل شيء.» 

جلس سترايك بضع ثوان يجترٌ أفكاره السوداء. 

«تبًا!»» غمغم فجأةً. 

كان بإمكانه أن يعاين المشهد بكل دقائقه. بعد هروبها من مكتبه, 
أسرعت بيبا ميدغلي إلى كاثرين كينت, مذعورة ومهلوسة» وهي مقتنعة 
تمامًا بأنّ ليونورا استخدمت سترايك لإلصاق الجريمة بشخص غيرها. إعترفت 
لها بها خانت ثقتها عن طيش وبأنّها لن تستطيع بعد الآن التذرُع بأنّها لم 
تقرأً بومبيكس موري قط. حثّتها على استعمال الدليل الذي لديها ضدّ ليونورا. 
لذا أخذت كائرين رسم ابنة عشيقها (تصوّره سترايك معلّقًا على الثلاجة 
بمغنطيس جميل) وأسرعت به إلى مركز الشرطة. 

«اللعنة»» کڙر مزمجرًاء ثم طلب رقم روبن. 


t.me/ktabpdfF 


39 


لقد اعتدث اليأس إلى حدّ 
لم أعد أعرف الأمل... 
توماس ديكير وتوماس ميدلتون» «العاهرة النزيهة» 


كما توقعت المحاميةء جُرّمت ليونورا كواين بمقتل زوجها في الساعة الحادية 
عشرة قبل ظهر اليوم التالي. بعد تلقي الخبر بالهاتف» راح سترايك وروبن 
يتابعان التطؤرات على الإنترنت. بمرور كل دقيقةء كان الخبر ينتشر بسرعة 
تكاثر الجراثيم. وبحلول الساعة الحادية عشرة والنصف» نشر موقع صان 
الإلكتروني مقالة كاملة عن ليونورا بعنوان «شبيهة روز ويست تلقّت تنشئتها 
الإجراميّة في دكان للجزارة.» 

كان الصحافيّون يتسابقون على جمع المعلومات التي تبرهن أنّ كواين 
زوج رديء. وقد ربطوا اختفاءاته المتكرّرة بمغامراته العاطفيّة. وشرّحوا 
المقاطع الجنسيّة من روايته ونسجوا وفرة من الأقاويل والتحاليل حولها. كانوا 
قد حدّدوا مكان كاثرين كينت, وحاصروا مسكنها من كل صوب, وأمطروها 
بوابل من الصور بعدما لقبوها: «عشيقة كواين الصهباء ذات الصدر العارم» 
وكاتبة الروايات الخرافيّة الجنسيّة.» 

قبيل الظهيرة؛ اتصلت إلسا بسترايك ثانية. 

«ستمثل أمام المحكمة غدًا.» 


مكقرة دودة الحرير 429 


«أين؟» 

«وود غرينء في تمام الحادية عشرة. ومن هناك مباشرةٌ إلى سجن 
هولوواي, على ما أتوقّع.» 

في الماضيء كان سترايك قد أقام مع أمّه ولوسي في منزل لا يبعد 
سوى ثلاث دقائق فقط عن سجن النساء المذكور, شمالي لندن. 

«أريد أن اراها.» 

«يمكنك أن تحاولء لكتني لا أتصوّر أنّ الشرطة ستسمح لك بالدنق 
منها. في أي حالء إن أردت سماع نصيحتي بصفتي محاميتهاء أخشى أن...» 

«أنا فرصتها الوحيدة يا إلسا.» 

«شكرًا على الثقة العارمة»» رذت بجفاء. 

«تعرفين ما أقصد.» 

«أفكر فيك أيضًا. هل تريد فعلًا أن تعود الشرطة لمطاردتك...؟» 

« كيف حالها؟» سأل سترايك مُقاطعًا. 

«ليست بخير»» قالت إلساء «فراقها عن أورلندو يعذّبها.» 

تخللت فترة بعد الظهر اتصالات من صحافيين وأشخاص يعرفون 
كواين» وكلتا الفئتين تتحرّق شوقًا إلى معلومات ساخنة. عندما سمع صوت 
إليزابيث تاسيل عبر الهاتف. ظنّ سترايك بأنّ المقصل رجل, لشدّة ما بدا 

«أين أورلندو؟» سألت سترايك, كما لو أنّه موكل بكل أفراد أسرة كواين» 
«مَن يعتني بها؟» 

«هي عند إحدى الجارات؛ على ما أعتقد»» أجاب وهو يستمع إلى أزيز 

«يا إلهي» يا لها من كارثة!»» تحسّرت بصوت أَجسٌ. «ليونورا... اليرقة 
الهشّة انتهت بالتحؤل بعد كل هذه السنين... إِنّه أمر لا يصدّق...» 

لم يتفاجأ سترايك بردّ فعل نينا لاسيلز, فالشابّة لم تستطع إخفاء 
ارتياحها عبر الهاتف: لا ينتمي المجرم إلى دائرة معارفهاء وقد انحسرت 


430 روبرت غالبریث t.me/ktabpdf‏ 


الجريمة إلى مكانها الملائم» عند تخوم الواقع. لن يقضُ طيفها مضجعها بعد 
الآن. 

«زوجته تشبه روز ويست بعض الشيءء أليس كذلك؟» سألت سترايك 
فعرف فورًا أنْها كانت تطّلع على موقع صان الإلكترونيء «إِنّْما بشعر طويل.» 

بدت وكأنها تؤاسيه إذ لم يحل هذه القضيّة بل ترك الشرطة تسبقه 
إلى ذلك. 

«إسمع؛ لقد دعوت بضعة أشخاص لمساء الجمعة: هل تودّ المجيء؟» 

«آسف, لا أستطيع»» قال سترايك؛ «أتناول العشاء مع أخي .» 

لم تصدّقه. من جهة أخرى» تردده الوجيز قبل أن يلفظ كلمة «أخي»» 
كان يوحي بأته رما يبحث عن ذريعة. في الواقع» كانت المرة الأولى التي 
يستعمل سترايك فيها هذه اللفظة للدلالة على آل. فنادرًا ما كان يتكلم عن 
عائلته لجهة والده. 

قبل أن تغادر روبن المكتب في ذلك المساء» وضعت فنجان الشاي 
أمام مديرها الذي لا يزال غارقًا في ملف كواين. كانت تشعر تقريبًا بالغضب 
الذي يعتمل في نفسه حتّى ولو كان يحاول جاهدًا أن يخفيه, وأدركت أنّه 
موجه ضدّ نفسه بقدر ما هو موجّه ضدّ أنستيس. 

«لم ينته الأمر بعد»» قالت وهي تلف مشلحها حول رقبتهاء «سنثبت 
أنّها ليست الفاعلة.» 

كانت قد استعملت صيغة الجمع من قبلء يوم كان إيمان سترايك 
بنفسه في الحضيض. كان يقدّر لها دعمها المعنويء لكنّ شعوره بالعجز 
شل قدرته على التفكير. كان سترايك يكره موقعه الحاليّ: عالقًا عند هامش 
القضيّة, مُجبرًا على الاكتفاء بمراقبة الآخرين يغتذون من الأدلّة والمزيد منهاء 
ومن المعلومات والمؤشرات. 

سهر المحقّق حتّى وقت متأخَر في تلك الليلة يراجع الملاحظات التي 
دؤنها أثناء الاستجوابات» ويتفخص مجدّدًا الصور الفوتوغرافية التي كان 
قد طبعها من ذاكرة هاتفه. بدت جئّة أوين كواين المتحلّلة وكأنّها تومئ له 
في السكون» مثلما تفعل جثث الضحايا في الغالب. كانت تصرخ التماسات 


مكتبة دودة الحرير 431 


مكتومة: طالبةٌ العدالة والرحمة. في بعض الأحيان قد ينقل القتلى رسائلء 
وكأنّ جلاديهم تركوا بين أيديهم الجامدة علامات تشي بارتكاباتهم. حدّق 
سترايك طويلًا في فجوة الجذع الواسعة التي تآكلها الحمضء والحبال 
المشدودة حول الكاحلين والرسغين» والجثة المربوطة والمنزوعة الأحشاء 
مثل ديك حبش عيد الميلاد» لكن وعلى الرغم من حك الدماغ المتواصلء 
لم يستنبط من الصور أَيّة فكرة جديدة. لذا انتهى باطفاء الأنوارء وتوجّه إلى 
فراشه في الأعلى. 


شعر براحة ممزوجة بالأسى لقضاء صباح يوم الثلاثاء في مكاتب 
لينكولن إين فيلدزء برفقة محامي زبونته السيّدة بورنيت؛ وهو اختصاصيّ 
قضايا طلاق؛ ممّن يتقاضون أتعابًا فاحشة. كان سترايك سعيدًا بتلك الفرصة 
التي خوّلته صرف انتباهه عن قضيّة جريمة كواين, لكنّه مع ذلك شعر بأنْ 
زبونته استدرجته بذريعة زائفة في محاولة جديدة لإغرائه. فقد أفهمته 
طالبة الطلاق اللعوب أنّ محاميها يريده أن يشرح شخصيًا كيف جممع الأدلّة 
الدامغة على خداع زوجها. إذ جلس إلى جانبها إلى طاولة مصقولة من خشب 
الماهوغاني تتّسع لعشرة أشخاصء راح يستمع إليها تستفيض بالإطراءات 
حول «ما تمكن كورموران من اكتشافه» و«كما لاحظ كورموران» أليس ذلك 
يا عزيزي؟» فيما راحت تلمس رسغه بين الحين والآخر للتوكيد. لم يستغرق 
سترايك طويلًا ليستنتج من الانزعاج الواضح خلف بسمة محاميها المفتعلة, 
بأنّ فكرة هذا اللقاء الثلاثيّ لم تنبع منه. مع ذلك كان يتسلّح بصبر مطلق. 
وهذا بديهيّ ومفهوم كون أجره يفوق الخمسمئة جنيه في الساعة. 

في طريقه إلى الحمّام» دقق سترايك في هاتفه. كان أحد مواقع الأخبار 
الآنيّة قد نشر صورًا صغيرة لليونورا وهي تصعد إلى عربة الشرطة عند خروجها 
من محكمة وود غرين كراون» حيث تم توجيه التهمة إليها. في الواقعء تجمهر 
حولها عدد من المراسلين الصحافيين لكن لم يكن هناك من عامَة يصيحون 
مطالبين بالثأر منها. جريمة كواين لم تكن تثير اهتمام الجماهير. 

وصلت رسالة نصيّة من روبن بينما كان يوشك أن يعاود دخول قاعة 
الاجتماعات: 


432 روبرت غالبریث t.me/ktabpdf‏ 


هل يمكنك تدبّر أمرك لمقابلة ليونورا في السادسة من مساء اليوم؟ 


أجاب فورًا: بالتأكيد. 

«کنت أفگر...»» قالت زبونته المغناج بعدما جلس ثانيةٌ «بأنّ 
كورموران قد يؤثّر في القاضي إن تقدّم إلى منصّة الشهود.» 

كان سترايك قد عرض على المحامي ملاحظاته الدقيقة والصور 
الفوتوغرافية التي جمعهاء وفيها يفصّل للسيّدة بورنيت كل معاملات زوجها 
السرّية لتحويل المُلكيّة ومحاولة بيع الشقّة, بما في ذلك إخفاء عقد الزمرّد. 
وممّا أثار خيبة أمل واضحة لدى السيّدة بورنيت, أنّ كلا الرجلين لم يجد أي 
ضرورة في مثول سترايك أمام المحكمة. بل وأيضًا لم يستطع المحامي أن 
يخفي استياءه من الثقة التي كانت موكلته توليها للمحقّق الخاصٌ. لا شك في 
أنه كان يفضّل أن توجّه المطلقة الثريّة مداعباتها ودلالها ونظراتها المتيّمة 
إلى رجل من أمثاله هو, ببذلته المقلَّمة الدقيقة التفصيل وما يكفي من لمسة 
الشيب الأنيقةء بدلًا من ذلك الرجل الأعرج الشبيه بملاكم من الوزن الثقيل. 

شعر سترايك بالارتياح لمغادرته الجوّ المشحون. إستقل المترو عائدًا 
إلى مكتبه. سعيدًا لخلع البذلة في شقّته. ومسرورًا لأنه سيتخلص قريبًا 
من تلك القضيَّة الخاضة» ويحصل على شيك بمبلغ طائل كان السبب الأول 
والوحيد الذي دفعه إلى قبولها في الأساس. أصبح الآن حرا في التركيز على 
تلك السيّدة الخمسينية النحيلة. ذات الشعر الأشيب القابعة في زنزانتها 
في هولوواي. تلك المرأة التي وصفتها جريدة إيفنينغ ستاندارد - وكان قد 
اشتراها في طريقه - في صفحتها الثانية؛ بأنّها «الزوجة الخجولة الخبيرة في 


استعمال الساطور.» 
«هل كان محاميها راضيًا؟» سألت روبن عندما عاد سترايك إلى 
المكتب. 


«وهل يُعفّل أن لا؟»., أجابها سترايك» وإذ اكتشف شجرة الميلاد 
المنمنمة والمزيّنة بالبَرَق وأضواء الليد الساطعة» على مكتب روبن المرنّبء 
أضاف: 

«لماذا؟» 


تة دودة الحرير 433 


«إنّه عيد الميلاد». أجابت روبن بابتسامة خافتة من دون تبريرء 
«كنت سأضعها أمس» لكن بعدما انّهمت ليونوراء لم أعد أشعر برغبة في 
الاحتفال. على أي حال» حصلت لك على موعد لمقابلتها في الساعة السادسة. 
لا تنس بطاقة هويّتك وصورة شمسيّة...» 

«أحسنت» شكرًا لك.» 

«... وابتعثُ سندويشات» وأعتقد أنّك قد ترغب في الاطَلاع على هذه 
المقالة. أجرى مايكل فانكورت مقابلة مع صحيفة التايمز يتحدَّث فيها عن 
كواين.» 

مرّرت له سندويشات بالجبن والمخلل. كما والصحيفة, مفتوحة على 
الصفحة المناسبة. جلس سترايك على الأريكة الزافرة. راح يتناول طعامه وهو 
يقرأ المقالة المُرفقة بصورتين: في الجانب الأيسرء صورة لفانكورت واقفًا 
أمام قصر ريفيّ إليزابيثي الطرازء وقد التٌقطت الصورة من أسفلء ما قلّص من 
حجم رأسه الضخم. وفي الجانب الأيمن, كواين غريب الأطوار وشارد العينين, 
بقبّعته المزخرفة بالريشء وهو يخاطب حفنة من المستمعين تحت نوع من 
السرادق. 

وقد شِدّد كاتب المقالة على أنّ فانكورت وكواين كانا على علاقة طيّبة 
ذات يوم» وأنّ النقّاد كانوا يصئفون كليهما في الخانة عينها. 


قليلون يذكرون الرواية التي أطلقت كواين, خطيئة هوبارت, التي لا يزال 
فانكورت يمتدحها كمثال رائع على ما يدعوه وحشيّة كواين الساحرة. على 
الرغم من أن فانكورت اشتهر كرجل يضمر أحقاده, فقد أظهر سخاء مفاجدًا 
في قبوله مناقشة رائعة كواين معنا. 

«مثير للاهتمام دائمًاء ومُقلّل من شأنه غالبًا. أتوقع أن يعامله النقاد في 
المستقبل بلطف أكبر ممّا عامله به معاصروه...», كما يقول فانكورت 
عنه. 

ويبدو هذا الكرم المفاجئ أكثر إثارة للدهشة, عندما يأخذ المرء في 
الحسبان أنه منذ 25 سنة خلت, عمدت زوجة فانكورت الأولى, إيلسبيث 
كيرء إلى الانتحار بعد قراءتها محاكاة أدبيّة ساخرة قاسية حول روايتها 


434 


روبرت غالبریٹ t.me/ktabpdf‏ 


الأولى. وقد نسبت المحاكاة الهازلة بشكل عامٌ, إلى صديق فانكورت الأعز 
وزميله الأديب المتمرّد شأنه: الراحل أوين كواين. 

«ينضج المرء ويلين من دون أن يلاحظ - ذلك ثمن التقدّم في السنّ, ذلك 
لأنّ الغضب شعور مُنهك. في روايتي الأخيرة, حرّرت نفسي من كثير من 
الأحقاد المتعلّقة بوفاة إيلي. لن أصفها بالسيرة الذاتيّة, مع أنّ...» 


تجاوز سترايك الفقرتين التاليتين, اللتين لم تهدفا كما يبدو إلا إلى 


تسويق كتاب فانكورتء ليستأنئف القراءة عند السطر الذي برزت فيه كلمة 


«عنف» امامه. 


حين أرى فانكورت جالسًا أمامي بسترته التويد, أكاد لا أتعرّف على 
الكاتب الذي وصف نفسه ذات يوم بأنه «متمرّد أدبيّ» والذي أثار عنف 
أعماله الأولى بأسلوبه المبتكر والطليق, عاصفة من الحماس والانتقادات 
اللاذعة في آن. 

فقد كتب الناقد هارفي بيرد عن رواية فانكورت الأولى, «إذا كان السيّد 
غراهام غرين مصيبًا بقوله إِنّ الروائيّ يجب أن يحول قلبه إلى قطعة من 
جليد, فلا شك إِذَا في أنّ مايكل فانكورت لديه كلّ المواصفات للنجاح 
في مسيرته المهنيّة. يكفي قراءة مشهد الاغتصاب في بيلافرونت لنفهم 
كم هذا القول صحيح. برأبي, هناك طريقتان لمقاربة بيلافرونت - وهي 
رواية بارعة وشديدة الابتكار بلا ريب. الفرضيّة الأولى أنّ فانكورت الشابٌ 
ولج عتبة النضوج منذ روايته الأولى, على غير المألوف عند المبتدئين 
الذين غالبًا ما يقعون في فخ التمثّل بدور البطل (ونقيضه). وربّما نجفل 
من مشاهدها الشاذة أو لا أخلاقيّتها, لكن, لا يستطيع أحد أن يُنكر جمال 
نثرها أو ا أمَا الفرضيّة الثانية, والأشدّ إحراجًاء فهي أن السيّد 
فانكورت يفتقر أساسًا إلى قلب ليحوّله إلى قطعة جليد., وأنّ روايته 
الوحشيّة غير الإنسانيّة بامتياز, تتوافق مع طبيعته الداخلية. هذا ما 
سيكشفه الزمن والمزيد من المؤلّفات.» 


دودة الحرير 435 


ينحدر فانكورت أصلًا من سلاوء وهو الابن الوحيد لممرّضة عازبة. وما 
زالت أمّه تعيش في المنزل الذي تربّى فيه. 

يقول الكاتب في هذا السياق, «إنّها سعيدة هناك. هي امرأة محظوظة إذ 
يتسنّى لها تقدير الأمور الحياتيّة البسيطة.» 

أمَا منزله الخاصٌ بالمقابل, فليس فيه ما يشبه المسكن العاديّ البسيط. 
لقد استقبلني في صالون واسع مكتظ بتحف من الخزف الرفيع وسجّاد 
أوبوسون, وتشرف نوافذه على مروج إيندسور كورت الفسيحة. 

ويضيف فانكورت بنبرة ضجرة, «هذا كلّه من اختيار زوجتي. ذوقي 
مختلف للغاية... ولنقل, أكثر عمليّة.» في الحديقة, حُفر خندق واسع 
لاستقبال أسس إسمنتيّة لمنحوتة كبيرة من المعدن الصدئ, تمثّل إلهة 
العقاب تيسيفون, والتي يصفها ضاحكًا بأنّها «من المشتريات العفويّة... 
كما تعلم, تلك التي تنتقم من القثَلّة, ... تحفة مشبعة بالمعاني. زوجتي 
تكرهها.» 

ما يعود بنا إلى موضوع حديثنا الأؤل: مصير أوين كواين المروّع. 

يتابع فانكورت بصوت خافت, «لم أتقبّل مقتل أوين بعد. أميل مثل 
معظم الكتّاب إلى اكتشاف مشاعري لحظة تدوينها على الورق. هكذا 
نفشر العالم» ونمحضه معنى.» 

هل يعني ذلك أن نتوقّع رواية قصصية عن مقتل كواين؟ 

«يمكنني أن أسمع منذ الآن الناس ينّهمونني بعدم الذوق والإحساس, 
وبأثني أستغل مصائب الغير »» يقول فانكورت بابتسامة» «أجرؤ على 
القول فقط إنّ بعض المواضيع كالصداقة الضائعة, وآخر فرصة للتبرير قبل 
فوات الأوان, والندم والتكفير عن الذنبء ربّما تغذّي إحدى رواياتي ذات 
يوم. لكنّ أوين قد روى قصّة مقتله.» 

فانكورت من القلائل الذين قرأوا المخطوطة الشهيرة والتي يبدو أنّها 
شكّلت حبكة جريمة قتل مؤلّفها عينه. 

«قرأنها يوم اكثشفت جنّة كواين. فقد حرص ناشري على أن أطّلع عليها 
- أنا وارد فيهاء كما تعلم.» لم يبد فانكورت مكترنًا بالصورة البشعة 


436 روبرت غالبریٹث t.me/ktabpdf‏ 


التي سمت عنه في الروايةء «لم أرغب في الاتصال بالمحامين. أمقت 
الرقابة.» 

وما رأيه في الكتاب» من الناحية الأدبية؟ 

«إنه ما أسماه نابوکوف برائعة مهووس, رد مبتسمًا. «ربّما يتم نشره ذات 
يوم» من يدري؟» 

هل هو جادٌ في ذلك؟ 

«ولِم لا؟ من المفترض أن يكون الفنَ مستفرًا: إذا استندنا إلى هذا المعيار 
فحسب, تكون بومبيكس موري أوفت بأكثر من المطلوب. نعم, ولم لا 
يُنشَر؟» تساءل الكاتب «المتمرّد» السابق وهو يجلس بهدوء في قصره 
الإليزابيثي. 

«مع مقدّمة بقلم مايكل فانكورت؟» 

«حدثت أمور أكثر غرابة»» رد مايكل فانكورت بملامح سمحة. «أغرب 


بكثير.» 

«يا إلهي!», تمتم سترايك. رمى الجريدة على مكتب روبين وكاد أن 
يصيب شجرة الميلاد. 

«هل لاحظت؟ يدّعي أنه قرأ بومبيكس موري يوم عثرت على جنّة 
كواين.» 

«أجل». أجاب سترايك. 

«إنّه كاذب»», قالت روبن. 


«بل نعتقد أنه كاذب»., صحّح سترايك. 

كان سترايك متمسّكًا بقراره القائل بعدم هدر مزيد من النقود على 
سيّارات الأجرةء لكن بسبب تساقط الثلج» ركب الباص رقم 29 في أواخر بعد 
ظهر ذلك اليوم المكفهرٌ. بدأت رحلة العشرين دقيقة باتّجاه الشمال» مع 
الغسق» على طرقات مفروشة حديئًا بالملح. مع بلوغ هامستيد رود صعدت 
إلى الباص امرأة نحيلة يرافقها صب صغير يذرف الدموع. أنبأته حاسته 
السادسة بأنّهما سيترجّلان في المحطة التي كان يقصدهاء وبالفعل, وقفا 


مكتبة دودة الحرير 437 


استعدادًا للخروج عند الدنوّ من كادمين رود. كان الباص يسير بمحاذاة جدار 
سجن هولوواي العاري. 

«سوف ترى أمَك»؛ قالت المرأة للصبي, فخمّن سترايك أنّه حفيدهاء 
مع أنْها كانت تبدو في الأربعين تقريبًا. 

كان حرم السجن المحاط بأشجار عارية وحواف عشبيّة يغطيها الثلج 
الكثيفء يشبه مبنى جامعيًا من الطوب الأحمرء لولا لافتات الإشارات الزرقاء 
والبيضاء» والأبواب التي يبلغ ارتفاعها خمسة أمتارء والمخصّصة لعبور عربات 
المساجين. إنضمّ سترايك إلى صف الزائرين» وكان العديد منهم مصحوبًا 
بأطفال يلهون بتخليف آثار أقدام على الثلج الناصع المكوّم عند جانبي 
الطريق. كان الطابور يسير ببطء على امتداد الجدران الصلصالية المدعّمة 
بالإسمنت. تحت السلال المعلّقة التي حوّلها الثلج إلى كرات بيضاء. كانت 
الغالبية من النساءء وبدا سترايك فريدًا بين الرجال القلائلء ليس لضخامته 
فحسب وبل أيضًا لأنّ نظره لم يكن هامدًا وذاهلًا كأولئك الذين قست عليهم 
الحياة. كان شابٌ مغطى بالأوشام ويرتدي جينرًا متهدّلًه يسير أمامه مترنّحًا 
مع كلّ خطوة. في سيلي أوك» رأى سترايك جنودًا مصابين باضطرابات عصبيّة, 
لكنّه شك في أن يكون هذا الفتى من ضحايا مدافع الهاون. 

تفخصت الشرطيّة البدينة التي تقضي مهمّتها في التدقيق في الأوراق 
الثبوتيّة رخصة قيادته قبل أن تحدجه بنظرة ثاقبة. 

«أعرف مَن أنت»» قالت له. 

إفترض سترايك أنّ أنستيس طلب من السلطات أن تحيطه علمًا في 
حال جاء لمقابلة ليونورا. 

كان قد تعمّد الوصول باكرًا لتلا يهدر دقيقة من الوقت المخصّص 
للزيارة. بالفعل» خوله بُعد نظره هذا شرب كوب قهوة على عجل في قاعة 
الزائرين التي تديرها جمعيّة خيريّة للأطفال. كان المكان المُنير وشبه المُريح 
يتضمّن مساحة للعب. إنقضٌ الأطفال على الشاحنات البلاستيكيّة والدمى 
المنفوشة وكأنّهم يعرفونها منذ زمن بعيد. أخذت راكبة الباص النحيلة ترمق 


438 روبرت غالبریٹث t.me/ktabpdf‏ 


الصبيّ بكآبة وفتور وهو يلعب بدمية أكشن مان حول قدمي سترايك الكبيرتين» 
وكأنّ المحقّق تمثال ضخم (لتيسيفونء تلك التي تنتقم من القتلة...) 

نادوا عليه لدخول ردهة الزيارات في تمام الساعة السادسة. كانت 
الجدران مصنوعة من الإسمنت الثقيلء لكنّ الجداريّات الملوّنة التي رسمتها 
السجينات لطّفت كثيرًا من صرامة المكان؛ حيث امتزج ضجيج وقع الأقدام 
على الأرضيّات اللامعة وصدى قرقعة المعادن والمفاتيح بتمتمات الأحاديث. 
كانت المقاعد البلاستيكيّة مثبّتة بالبراغي عند جانبّي طاولة صغيرة ومنخفضة 
مثبئتة هي أيضًا بالأرضء وذلك لتقليص مساحة الاتّصال بين السجين والزائر, 
وتجثّب تمرير الممنوعات. كان طفل يصيح باكيًا. على امتداد الجدرانء 
وقفت حارسات السجن يراقبن ردهة الزيارات. شعر سترايك الذي لم يتعامل 
يومًا إلا مع مساجين ذكور بالنفور أمام هذا المشهد الغريب: أطفال يحدّقون 
بِنَّهَم في أمَهاتهنَ الهزيلات واللواتي يعاني بعضهنّ من اضطرابات ذهنيّة, 
نظرًا إلى طريقتهنّ في التلويح بأيادٍ مرتجفة ذات أظافر مقضومة» وشبكها 
بتوثر وتململ. أولئك النساء النعسات المشبعات بالمهدّئات, والمرتميات 
كأكوام جامدة على المقاعد البلاستيكيّة, جدّ مختلفات عن شريحة السجناء 
الذكور. 

هزيلة وهشّة كالعصفور الرقيق» كانت ليونورا تنتظره بتوق جدّ مؤثّر . 
كانت ترتدي ملابسها الخاصّة؛ كنزة فضفاضة وبنطال واسع لدرجة بدت وكأنّ 
قامتها انكمشت. 

«جاءت أورلندو إلى هنا», قالت. عند رؤية عينيها الحمراوين كالدم» 
فهم سترايك أنّها تمضي كل وقتها في البكاءء «أبت أن تتركني. جرّوها جرًا إلى 
الخارج. لم يسمحوا لي بتهدئتها.» 

طواعيّتها المُستغربة أذهلت سترايك. كان عليها أن تغضب» تستنكرء 
ولكن لا! لم يتبيّن في نبرتها سوى بوادر الاستسلام. ثمانٍ وأربعون ساعة في 
الزنزانة كانت كافية لإفقادها السيطرة على حياتها. 

«علينا أن نتكلم عن بطاقة الائتمان يا ليونورا.» 


مكتبة دودة الحرير 439 


«لم أحملها البنّة». قالت وشفتاها الشاحبتان ترتجفان» «كانت 
بحوزة أوين على الدوام» ولم يكن ليعيرني إِيَاها إلا إذا احتجت الذهاب إلى 
السوبرماركت. كان يعطيني نقودًا في الأيّام العاديّة.» 

تذكر سترايك أنّها قدمت إليه أساسًا لأنْها لم تعد تملك ما يكفي من 
المال للعيش. 

«تركث أوين يتدبّر كل أمورنا المالية لكنّه كان مهملًا. لم يكن يدقّق 
في فواتيره ولا في كشوف المصرفء بل يكدّسها في مكتبه. كنت أردّد عليه 
دائمًاء حذار! عليك أن تدؤّق, فربّما يخدعك أحدهم. لكنّه لم يكن ليستمع 
إليّ. حين تطلب أورلندو ورقًا للرسم؛ كان يعطيها أيّ شيء وبلا أن يلاحظ 
حتّى» ولذلك قامت برسم تلك الصورة...» 

«دعك من ذلك الرسم. هل من أحد غيرك وغير أوين كان يستطيع 
الوصول إلى البطاقة؟ سنستعرض بعض الاحتمالات معًاء مفهوم؟» 

«حستًا»» غمغمت مذعورة. 

«إليزابيث تاسيل هي من أشرف على أعمال الترميم في منزل تالغارث 
رود» صحيح؟ كيف دفعتما لقاء ذلك؟ هل كان لديها نسخة من بطاقة 
الائتمان؟» 

«لا»» قالت ليونورا. 

«هل أنت متأكدة؟» 

«نعم» أنا متأكدة؛ لأنّنا عرضنا ذلك عليهاء ولكتها قالت إِنّها ستخصم 
المبلغ من حقوق أوين متى استحقّت. رواياته تحقّق مبيعًا جيّدًا في فنلندا؛ لا 
أعرف السبب لكتهم يحبّون هذا النوع من...» 

«ألم تستعمل إليزابيث تاسيل بطاقة الائتمان خاضتك يومًا لتسدّد 
فاتورة ما؟» 

«لا»» أجابت وهي تهرٌ رأسهاء «أبدًا.» 

«حستا»» قال سترايك «والآن. فگري ملياء خذي وقتك, وأخبريني 
إن كان أوين قد سدّد فاتورة مشتريات ما لدى روبر تشارد» بواسطة بطاقة 
ائتمانه؟» 


440 روبرت غالبریث t.me/ktabpdf‏ 


فوجئ تمامًا عندما أجابته ليونوراء «لیس لدی روبر تشارد بالضبطء 
وإنّما أجل. كانوا هناك جميئًا. وكنت أنا هناك أيضًا. حدث ذلك... لا 
أدري... ربّما منذ سنتين؟ وربّما أقل... عشاء كبير لكثير من الناشرين» في 
الدورتشيستر. أجلسونا أوين وأنا إلى طاولة مع اليافعين. بعيدًا عن دانيال 
تشارد وجيري والدغريف. على أي حالء أقاموا نوعًا من المزاد. تعلم, عندما 
تكتب رهانك على ورقة و...» 

«نعم» فهمت»» قال سترايك محاولًا احتواء نفاد صبره. 

«كان الريع يعود إلى جمعيّة خيريّة تسعف الكتّاب المُعتّقلين. راهن 
أوين على عطلة نهاية أسبوع في أحد منازل الضيافة في الريفء وفاز. بالتالي» 
كان عليه أن يبرز بطاقة ائتمانه. كان هناك بعض الشاتّات ممّن يعملنَ لدى 
الناشرين» تعرف, اللواتي يرتدين ملابس مبهرجة تليق بالأميرات. أعطى 
بطاقته لإحداهنّ. أذكر ذلك جيّدًا لأنه كان غاضبًا», أوضحت وقد استعادت 
نبرتها المتململة» «دفع ثمانمئة جنيه مقابل ذلك. نوع من التباهي» فقط 
ليبهر حشد الكتّاب ويتظاهر بأنّه يجني الأموال الطائلة, مثل الآخرين.» 

«سلّم بطاقة الائتمان إلى مضيفة». لخص سترايك. «هل دنت من 
الطاولة لإجراء عمليّة سحب المال أو...؟» 

«لم تنجح في تشغيل آلتها الصغيرة». أجابت ليونوراء «فأخذتها ثم 
أعادتها ثانية.» 

«هل كان هناك من أحد تعرفينه بين المدعوّين؟» 

«كان مايكل فانكورت هناك مع ناشره في الجانب الآخر من القاعة. 
كان ذلك قبل أن يعود إلى روبر تشارد.» 

«هل تحدّث إلى أوين؟» 

«أستبعد ذلك.» 

«حسئاء وماذا عن...؟» بدأ ثمّ تردّد. ليونورا وهو لم يأتيا يومًا على ذكر 
كاثرين كينت. 

«لست تظنّ أنّ صديقته قد سرقت منه البطاقة؟» قالت ليونوراء كما 
لوأتها قرأت أفكاره. 


مكتبة دودة الحرير 441 


«كنت تعرفين بأمرهاء لا؟» سألها بالنبرة ذاتها. 

«أخبرتني الشرطة بذلك». ردت ليونوراء وكانت تعابيرها حزينة, « كانت 
هناك امرأة أخرى دائمًا. تلك طريقته. يختارهنّ من صفوف مُحتّرف الكتابة. 
وكنت أوبّخه. عندما قالوا إنّه... عندما قالوا إِنّه كان... كان مقيّدًا...» 

كانت تذرف الدموع. 

«عرفتٌ أنّ الفاعل امرأة. كان يحبّ أن يُقيّد. ذلك يثيره.» 

«هل كنت تعرفين بأمر كاثرين كينت قبل أن تذكرها الشرطة؟» 

«رأيت اسمها في هاتفه ذات مرّة. كانت قد بعثت برسالة نضيةء لكنه 
قال إِنّها واحدة من طالباته ليس إلا كما يقول دائمّا. وأخبرني بأنّه لن يتركني 
أنا وأورلندو الببّة.» 

مسحت دموعها تحت نظارتها العتيقة» بيد مرتجفة هزيلة. 

«لكتك لم تقابلي كاثرين قط إلى أن جاءت تقرع بابك لتقول إِنَّ أختها 
توفيت؟» 

«هل كانت هي؟» سألت ليونورا وهي تشخر وتجفّف عينيها بكمّهاء 
«تلك السمينة؟ يمكنها أن تأخذ بطاقة ائتمانه في أيّ وقت, صحيح؟ تأخذها 
من جيبه وهو نائم.» 

كان سترايك يعرف أنّه من الصعب استجواب كاثرين كينت. لا بدّ من 
أنها توارت عن شقّتها لتجتّب الصحافيين. 

«تلك الأشياء التي اشتراها القاتل بالبطاقة», قال مغيّرًا تكتيكه. «قد 
طلبت عبر الإنترنت. ليس لديك حاسوب في البيتء أليس كذلك؟» 

«لم يكن أوين يحب الحواسيب. كان يفضّل آلته الكاتبة القد...» 

«هل تسؤّقت من خلال الإنترنت من قبل؟» 

«أجل». أجابت. فشعر سترايك بقلبه يختلج خوفًا. كان يأمل أن تكون 
ليونورا من الكائنات الأسطوريّة المتزمّتة التي لم تمسّ حاسوبًا قط. 

«أين؟» 

«عند إدنا. أعارتني حاسوبها لطلب علبة أقلام تلوين لأورلندو بمناسبة 
عيد ميلادها. هذا جتّبني عناء التوجّه إلى المدينة»», قالت ليونورا. 


442 روبرت غالبربث t.me/ktabpdf‏ 


لا شك في أنّ الشرطة ستصادر قريبًا حاسوب الجارة الطيّبة وتفككه. 

فجأةً عند الطاولة المجاورة. بدأت امرأة حليقة الرأس وموشومة 
الشفة» تطلق سيلًا من الشتائم على حارسة كانت نبّهتها إلى ملازمة مقعدها. 
إنكمشت ليونورا خوفًا عندما تقدّمت الشرطيّة نحوها. 

«هناك أمر أخير يا ليونورا»» قال سترايك بصوت مرتفع عندما بلغ 
صراخ الطاولة المجاورة ذروته. «هل قال لك أوين ما يلمّح إلى أنّه سيرحل؛ أو 
يأخذ استراحةء قبل أن يخرج في الخامس من تشرين الثاني /نوفمبر ؟» 

«لا»» أجابت ليونوراء «بالطبع لا.» 

كانت السجينة الصائحة قد انتهت بالسكوت» مُرعُمَة ومُكرهة. رفعت 
زائرتهاء وهي امرأة موشومة بقدرها وإِنْما أقلّ عدائيّة» إصبعها في حركة بذيئة 
باتجاه الشرطيّة التي أولتها ظهرها. 

«ألا يمكنك التفكير في أي أمر قاله أوين أو فعله قد يوحي بأنّه يخطط 
للابتعاد. مدّة من الوقت؟» ألحّ سترايك بينما كانت ليونورا تراقب جارتيها 

«ماذا؟» تمتمت شاردة. «لا... هو لا يقول البنّة... لم يكن يخبرني... 
بل يذهب فقط... لو كان ينوي أن يطيل الغياب» لقال وداعًاء لا؟» 

أجهشت بالبكاءء واضعةٌ يدها النحيلة على فمها. 

«ماذا سيحل بدودو إذا أبقوني في السجن؟» سألته وهي تنشج «لا 
تستطيع إدنا الاعتناء بها إلى ما لا نهاية. ولا تجيد التعامل معها. حين أتت 
نسيت إحضار تشيكي مانكي والرسوم التي صنعتها دودو لي...» بعد لحظة 
أو اثنتين من الحيرة, أدرك سترايك أنّها تتحدّث عن القرد-الدمية الذي كانت 
أورلندو تحتضنه ذلك اليوم. «إذا أبقوني هنا...» 

«سأخرجك»» وعدها سترايك. لم يكن مقتنعًا البنّة لكن؛ ما الضير في 
منحها شيئًا من الأملء شيئًا يساعدها في تجاوز الساعات الأربع والعشرين 
التالية؟ 

إنتهى الوقت المخصّص للزيارة. ترك سترايك القاعة من دون أن ينظر 
إلى الخلف. مشى وهو يتساءل لماذا تثير لديه تلك المرأة الخمسينية الذابلة 


مكتبة دودة الحرير 443 


وسيّئة الطباع, والدة الابنة المعاقة عقليًا وصاحبة الحياة البائسة, هذا الإصرار 
العنيد» وهذه الرغبة الجامحة في... 

وجاءه الجواب, لأنّها ليست الفاعلة. لأنّها بريئة بكلّ بساطة. 

في الأشهر الثمانية الماضية تدؤق سيل من الزبائن عبر الباب الذي 
حفر اسمه عليه. أمَا أسبابهم فمتشابهة على نحو غريب. جاؤوا جميعهم لأنّهم 
يريدون جاسوسًاء أو سلاحًاء أو وسيلة تعيد التوازن لصالحهم أم تجتبهم بعض 
المآزق والأوضاع الحرجة. جاؤوا لأنهم يسعون وراء أفضليّة. لأنهم يشعرون 
بأنهم يستحقّون مكافأة أو تعويضًا. لأنهم يريدون مزيدًا من المال والثروة في 
الحقيقة. 

لكنّ ليونورا لجأت إليه لأنّها تريد أن يعود زوجها إلى البيت؛ أمنية 
بسيطة ملؤها التعب والحبّء إن لم يكن من أجل كواين الآثم فمن أجل ابنته 
التي تتوق شوقًا إلى والدها. أمام نقاء تلك المشاعر ونبلهاء لم يكن في وسع 
سترايك سوى بذل أفضل ما لديه من مهارات. 
مضى وقت طويل لم يرتد فيه سترايك أي وسط تسير يوميّاته على إيقاع الأوامر 
المُعطاة والمتلقاة. مع عودته إلى محطة انتظار الباص» وهو يتوكأ بشدّة على 
عصاه» شعر بمتعة الحرية تسري في عروقه. 

في مؤخر الباصء كانت ثلاث شاټات شبه ثملات يرتدين عصابات 
للرأس تبرز منها قرون رنّة. ينشدنّ بمرح: 


‘They say it’s unrealistic, 


But I believe in you Saint Nick..." 


الرحمة! إِنّه عيد الميلاد. حدّث سترايك نفسه. سوف يضطرٌ إلى ابتياع 
كوم من الهدايا لأبناء أخته؛ وأبنائه بالعماد الذين لم يعد يذكر سنّ أي منهم. 


٠‏ «يقولون إِنّكَ من محض الخيالء لكتني أؤمن بك يا بابا نويل...». 


444 روبرت غالبریٹث t.me/ktabpdf‏ 


أنّ الباص الثقيل وهو يشق دربه بالاتجاه المعاكس» وسط الشوارع 
الموحلة. فالتمعت الأنوار من كڵ لون أمام ناظري سترايك, عبر النافذة 
المغشّاة. متجهّمًا عبوسًاء راح المحقّق يفكّر في الظلم والعنف والجرائم» فصدَ 
من دون أن يدري كل من ساورته فكرة الجلوس بقربه. 


121 


00 


كن سعيدًا لأنّ اسمك لم يتمّ الإفصاح عنه؛ 
فالعواقب لن تكون حميدة 
فرنسيس بومونت وجون فليتشر, «المُزيّف» 


في اليوم التالي, تتابع تساقط المطر فالثلج بالتناوب على زجاج نافذته. عند 
منتصف النهار تقريبًاء جاء مدير الآنسة بروكلهيرست الخائنة إلى المكتب 
للاطلاع على الأدلّة التي جمعها سترايك. بعد مضيّ بعض الوقت على رحيله: 
اقتحمت كارولين إينغلز المكتب بدورها. كانت متضايقة» وقالت بأنّها توقفت 
في طريقها لاصطحاب أطفالها من المدرسة, لكنّها مصمّمة على إعطائه بطاقة 
الغولدن لايس جنتلمان - حانة للراقصات المتعرّيات افتتحت حديفًا - وقد 
عثرت عليها عرضًا في محفظة زوجها. بيد أنّ السيّد إينغلز كان قد تعهّد 
بالابتعاد عن ذلك النوع من الراقصات وبائعات الهوى» وغيرهنْ من النساء 
شبه العاريات. كان ذلك أحد شروط إتمام المصالحة بينهما. وافق سترايك 
على التسكّع ناحية الغولدن لايس, فقط للتحقّق إن كان السيّد إينغلز قد عاد 
إلى عادته السيئة أم لا. بعدما غادرت كارولين إينغلزء همّ سترايك بالتهام 
السندويشات التي كانت تنتظره على مكتب روبنء لكنه لم يكد يتناول لقمة 


حتى رن هاتقه. 


446 روبرت غالبریث t.me/ktabpdf‏ 


كانت السيّدة بورنيت تدرك أنّ علاقتهما المهنيّة توشك أن تنتهي» 
لذا تخلّت عن تحفّظها كاملا ودعت سترايك إلى العشاء. شعر سترايك بأنّ 
روبن تبتسم وهي تأكل سندويشها قبالة شاشة حاسوبها. حاول الاعتذار 
بلطف متذرّعًا أوَلّا بضغط العمل الكثيف, ثمّ ولتوضيح الأمور, أبلغها بأنّه 
على علاقة بامرأة أخرى. 

«لم أكن على علم»» قالت ببرودة فجائية. 

«هذا لأثني أحبٌ أن أفصل بين حياتي الشخصيّة والمهنيّة.» 

أقفلت الخط من دون أن تتيح له أن يكمل وداعه المهذّب. 

«ربما كان يجدر بك الخروج معها». قالت روبن يبراءة» «لتضمن أن 
تدفع فاتورتك.» 

«ستدفع»» زمجر سترايك» وعوّض عن الوقت الضائع بالتهام نصف 
سندويش مرَةً واحدة. أصدر الهاتف أزيرًا من جديد. تأوّه متَأَفْقًا وألقى نظرة 
للتحفّق من صاحب الرسالة النضية. 

شعر بانقباض في معدته. 

«ليونورا؟» سألته روبن بعدما لاحظت شحوب وجهه. 

كانت الرسالة تتكوّن من كلمتين فقط لا غير: 

تقد كان منك. 


في الواقع» لم يغيّر سترايك رقم هاتفه بعدما انفصل عن شارلوت. 
فتلك العمليّة معقّدة, وعليه والحالة هذه إخطار مثات الأشخاص من معارفه 
المدرجين في ذاكرة الهاتف. كانت تلك المرّة الأولى التي تستعمله في ثمانية 
أشهر. 

سرعان ما تذكر سترايك تنبيه دايف بولوورث: 

كن يقظاء يا ديدي, فربّما تعود إليك خائبةً. ولن أفاجأ إذا هربت 
مباشرةً قبل كلمة نعم. 

كان اليوم الثالث من كانون الأول/ديسمير. ومن المفترض أن تتزوّج 
غدًا. 


مكتبة دودة الحرير 447 


تمئّى سترايك للمرّة الأولى منذ امتلاكه هاتفًا محمولّه أن يكون هذا 
الأخير مُْؤٌّدًا بميزة كشف مكان المتّصل. هل بعثت الرسالة من قصر كروي 
اللعين» ما بين التدقيق في المقبّلات وتنسيق باقات الأزهار في الكنيسة؟ أم 
أنْها تقف عند ناصية شارع الدانمارك: ترقب مكتبه كنسخة مطابقة لبيبا 
ميدغلي؟ ثمّة أمر وحيد أكيد: إذا ما هربت شارلوت عشيّة زواج يحظى 
بدعاية كبيرة كهذه. لتوجّت سيرتها وشهرتها في الأذيّة. 

وضع سترايك الهاتف ثانيةً في جيبه وشرع في تناول السندويش 
الثاني. فاستنتجت روبن أنْها لن تكتشف ما الذي غيّر ملامحه, لذاء طوت 
كيس رقائق البطاطس الفارغ ورمته في السلّة مع بقايا غدائها وقالت: 

«لديك موعد مع أخيك الليلةء ألن تذهب؟» 

«ماذا؟» 

«ألن تلتقي أخاك...؟» 

«أوه» نعم»» غمغم سترايك شاردًاء «نعم.» 

«في ريفير كافيه؟» 

«أجل.» 

لقد كان منك. 

«لماذا؟» سألت روبن. 

مني. لم يكن منّي, هذا إذا كان قد وجد ذات يوم. 

«ماذا؟» سأل سترايك. وهو يخرج أخيرًا من سهوه. 

«هل أنتٌ بخير؟» 

«أجلء أنا بخير», أجاب وهو يستجمع قواه» «ماذا سألتني؟» 

«لماذا تريد الذهاب إلى ريفير كافيه؟» 

«أوه... حسنًا», قال سترايك وتناول كيس رقائق البطاطسء «لا أتوقع 
الكثيرء لكئني أريد أن أتحدّث إلى شهود محتملين تابعوا شجار كواين 
وتاسيل. أحاول أن أعرف إذا كان هو مَن أعدّ المشهد وأخرجه. وإذا ما كان 
يخطّط للاختفاء منذ البداية.» 


448 روبرت غالبریث t.me/ktabpdf‏ 


«تأمل بأن تجد أحد العاملين هناك ممّن كانوا حاضرين في تلك 
الليلة؟» سألته روبن وقد بدت مرتابة. 

«أجل ولذلك أردتٌ أن أصطحب آل»» ردَّ سترايك؛ «هو يعرف كلل ندل 
مطاعم لندن الراقية. شأنه شأن جميع أبناء أبي .» 

عندما أنهى الغداءء حمل فنجان القهوة إلى مكتبه وأغلق الباب. كان 
الثلج الذائب لا يزال ينصبٌ على زجاج النوافذ. لم يستطع أن يقاوم النظر 
إلى الشارع, وكأنّما يتوقّع (أو يتأمّل؟) أن يراها واقفةٌ هناك» وشعرها الداكن 
الطويل الأجعد يتطاير حول وجهها الشاحب الجميل وهي تحدّق فيه متوسّلةٌ 
بعينيها الرائعتين البئّيتين المائلتين إلى الأخضر... لكن لم يكن من أحد في 
الشارع باستثناء حفنة من الغرباء المتلفّعين اتقاءً للصقيع. 

إِنّهِ يهلوس. شارلوت في سكوتلندا وذلك أفضل بكثير, صدقًا. 

لاحقاء بعد مغادرة روبن المكتبء ارتدى البذلة الإيطاليّة التي كانت 
شارلوت قد أهدته إِيَاها قبل عام؛ فمعطفه الخفيفء ثمّ أقفل باب شقّته 
وتوجّه نحو المترو متحدّيًا الصقيع؛ وهو لا يزال يتوكاً على عصاه. 

كان عيد الميلاد يغيظه من كل واجهة وصوب: أنوار ملوّنة برّاقة. 
وأكوام من الدمى والهدايا والألعاب, وثلج زائف مرشوش على الزجاج, 
ومختلف لافتات تخفيضات وحسومات ما قبل الميلاد. كل هذا كان ليضيف 
لمسة كئيبة على الأزمة. كان المترو يقل محتفلي ليلة الجمعة: فتيات بفساتين 
ضيّقة, برّاقة وقصيرة جدَّاء يخاطرن بالمعاناة من انخفاض حرارة الجسم» فقط 
للفت أنظار الفتيان الوسيمين. أمَا سترايك فكان يعاني من التعب والملل. 

بدت المسيرة مشيًا على القدمين انطلاقًا من هامرسميثء أطول مما 
توفّع. بينما راح يتقدّم في شارع فولهام بالاسء أدرك أنّ منزل إليزابيث 
تاسيل على مقربة منه. إِذاء هي من اقترح ذلك المطعم لأنّه أكثر ملاءمة لهاء 
لا سيّما وأنّه يبعد كثيرًا عن منزل آل كواين في لادبروك غروف. 

بعد عشر دقائق» انعطف سترايك يميئا نحو ثايمز وارفء عبر الشوارع 
الخالية والمعتمة التي كانت تردّد صدى خطاه. كانت أنفاسه تتصاعد في 
سحابة بيضاء. كانت الحديقة عند ضفاف نهر الثايمزء والتي عادةٌ ما تزدحم 


مكتبة دودة الحرير 449 


في فصل الصيف بالرواد الجالسين إلى موائد ذات أغطية بيضاءء راقدة 
يغطّيها بياض الثلج المتراكم. خلف البساط الأبيضء كان النهر ينساب 
بمياهه الداكنة, يلق الصقيع والرهبة. حالما دخل منشأة التخزين القديمة 
والتي حولت إلى مطعم عصريّ شهير» غمرته موجات من الأضواءء والضوضاء, 
والدفء. 

كان آل في الداخل مستندًا بمرفقه إلى سطح البار الفولاذيّ اللامع, 
ومستغرقًا في حوار وڏي مع الساقي. 

لم يكن طويلًا مقارنة بأبناء روكبي الآخرين, إذ لا تبلغ قامته سوى 
مئة واثنين وسبعين سنتيمترًا. كان بطنه مكتنرًا بعض الشيءء وشعره البني 
الكامد ممشِّطًا إلى الخلف. كان قد ورث عن والدته فكّه المستدقٌء وعن 
والده ذلك الحَوّل الطفيف, الذي يضفي غرابة جذّابة على وجه روكبي الوسيم 
ويسم آل بأنّه ابن أبيه لا محالة. 

عندما لمح آل سترايك, أطلق صرخة ترحيبيّة واندفع نحوه وعانقه. لم 
يكد سترايك يستجيبء إذ أعاقته العصا والمعطف الذي كان يحاول جاهدًا 
نزعه. فتراجع آل» وبدا عليه الارتباك. 


«كيف حالك يا أخي؟» 
كانت لكنته النيويوركيّة تشهد على السنين التي قضاها ذهابًا وإيابًا 
بين أوروبا وأميركا. 


«لا بأس», أجاب سترايك «وأنت؟» 

«أجلء لا بأس أيضًا». رد آل «قد تكون أسوأ.» 

هز كتفيه هزة مبالغة وكأنّه فرنسيّ. بالفعل» تابع آل دراسته في روزيه, 
المدرسة الداخلية الدولية في سويسراء ولا تزال لغة جسده تحمل آثارًا من 
العادات الأوروبية التي نشأ عليها هناك. غير أنّ ثمّة شيئًا مختلفًا أيضًا في 
موقفه. شيء يستشعره سترايك كلما التقيا: كان آل يشعر بالذنب» ويتبنّى 
سلوا دفاعيًاء وكأنّما يخشى أن يتهمه أخوه الأكبر بأنّه يعيش حياة رغيدة 
وسهلة فيما هو يسعى لاهئًا وراء لقمة عيشه. 

«ماذا تريد أن تشرب؟» سأله آل» «جعة؟ ما رأيك بزجاجة بيروني؟» 


450 روبرت غالبریٹث t.me/ktabpdf‏ 


جلسا جنبًا إلى جنب عند البار المزدحم» في مواجهة الرفوف الزجاجيّة 
المكتظّة بالقنانيء بانتظار تجهيز طاولتهما. جال سترايك بنظره في القاعة 
الطويلة المزدحمة, متفخّصًا الموجات الفولاذيّة المنمنمة التي تزيّن السقف. 
ثمّ سجّاد الموكيت الأزرق السماويّ, فرن الحطب الكبير الشبيه بخليّة نحل 
عملاقة» في قعر القاعة. ما بين الرۆادء لاحظ نحَانًا شهيراء ومهندسة معماريّة 
معروفة؛ وممثّلّا ذائع السمعة. 

«سمعت عمًا حدث بينك وبين شارلوت». قال آلء «إِنَّه أمر مؤسف.» 

تساءل سترايك إذا كان آل يعرف أحد معارفها. بين حشود الطبقات 
المخمليّة في العالم التي يعاشرهاء ربّما يتواجد مَن سيصبح فيكونت دو 
كروي. 

«نعم»» قال سترايك هارا كتفيه بلامبالاة» «وهذا أفضل.» 

(منذ عام وفي تاريخ اليوم ذاته بالتمام والكمال» قد جلس هو 
وشارلوت هناء في هذا المطعم الرائع المطلّ على النهرء واستمتعا بآخر ليلة 
سعيدة معًا. ومن ثمّ. جرف تيّار الحقد كل شيء. قطعا العلاقة بعد أربعة 
أشهر؛ أربعة أشهر من المشادّات, والعدائية المرهقة والبؤس... كان منك.) 

إقتادتهما إلى طاولتهما شابّة جميلة حيّاها آل باسمهاء وناولهما شاب لا 
يقل عنها وسامة قائمتي طعام. إنتظر سترايك ريثما يطلب آل النبيذ ويبتعد 
النْدُلء قبل أن يشرح سبب هذا الموعد. 

«في هذا المطعم بالذات, وقبل أربعة أسابيع من هذه الليلة» تشاجر 
الكاتب المدعوٌ أوين كواين مع وكيلة أعماله. وقد استمتعت الصالة بأكملها 
بذلك المشهد. وفقًا لكل الأقاويل. ثم خرج كواين غاضبًاء وبعد ذلك بمدّة 
قصيرة... ربّما بعد أُيَام أو ربّما في تلك الليلة عينها...» 

«... قتلوه»» أكمل آلء الذي كان يستمع إلى سترايك فاغرًا فمه, «قرأتٌ 
ذلك في الجرائد. وأنتَ من وجد الجنّة.» 

كانت نبرته تشي بشوق لمعرفة التفاصيلء لكن سترايك تجاهل ذلك. 

«ربّما لن نعثر على شيء مثير للاهتمام هناء لكن...» 

«لكنّ زوجته مَن قتله»: قال آل حائرّاء «لقد قبضوا عليها.» 


مكعتبة دودة الحرير 451 


«زوجته بريئة».: قال سترايك, مُغرقًا في قائمة الطعام. كان قد لاحظ 
من قبل أنّ آل» الذي نشأ محاطًا بكثير من المزاعم الصحفيّة غير الدقيقة لا 
بل الخاطئة عن والده وأسرتهء لا يشمل بارتيابه هذا جميع الصحافيين وفي 
شتّى الظروف. 

(كان آل قد استكمل دراسته ما بين ضفاف بحيرة ليمان صيفًا وغشتاد 
شتاءً. حيث كان يمضي فترات بعد الظهر في التزلّج والتزحلق على الجليد. 
نشأ آل متنفْسًا هواء الجبل النفيس, وعاش حصرًا في فلك العالم المخمليّ 
الضيّق مع أولاد المشاهير الآخرين. كان صخب صحف الفضائح مجرّد تمتمة 
خلفيّة في حياته... أو على الأقل هكذا تخيّل سترايك طفولة أخيه الهانئة» بناءً 
على القليل الذي كان آل ليفصح به بين الحين والآخر.) 

«ليست زوجته المذنبة؟» سأل آل سترايك عندما رفع بصره ثانيةً. 

«لا.» 

«واو. سوف تحقّق نجاحًا ساحقًا على غرار قضيّة لولا لاندري؟» سأله 
آل مبتسمًا ابتسامة عريضة أضفت سحرًا على حَوَله الطفيف. 

«شيء من هذا القبيل»» قال سترايك. 

«وتتكل عليّ لاستجواب فريق العمل هنا؟» سأل آل. 

«بالضبط» أجاب سترايك. 

إستمتع سترايك وتأثر في آن أمام حماس وسرور آل لفكرة إسداء خدمة 
لأخيه الأكبر. 

«لا مشكلة؛ لا مشكلة. سأحاول إيجاد مَن يساعدك. أين ذهبت لولو؟ 
هي فتاة حذقة حقًا.» 

بعد أن طلبا الطعام» سار آل نحو المراحيض في محاولة لتحديد مكان 
لولو الفطنة. جلس سترايك بمفرده يحتسي نبيذ تينيانيللو, ويراقب الطهاة 
بردائهم الأبيض وهم منهمكون أمام أفرانهم المكشوفة للعيان. كانوا شبَانًا 
وماهرين ومتمرّسين. نيران تتراقصء سكاكين تومضء وقدر حديديّة ثقيلة 
تتحرّك من هنا وهناك. 


452 روبرت غالبریث t.me/ktabpdf‏ 


لا يعوزه الذكاء. فكر سترايك وهو يراقب أخاه آل عائدًا نحو الطاولة 
بصحبة شابّة سمراء ترتدي مئزرًا أبيض. بل هو فقط... 

«هذه لولو»» قال آل وهو يجلسء «كانت هنا في تلك الليلة.» 

«أتذكرين الشجار؟» سألها سترايك» متفحصًا بأنظاره الفتاة التي كانت 


شديدة الانشغال فلم تجلس. 
«أوه نعم»» أجابت بابتسامةء «كان مشهدًا صاخبًا. كل الأحاديث 
الجانبيّة انقطعت في تلك اللحظة.» 


«أتستطيعين أن تتذكري كيف كان مظهر الرجل؟» سألها سترايك. 
تفاديًا لوقوع سوء تفاهم حول الموضوع. 

«رجل ضخم يعتمر قبّعة» ويصيح في وجه امرأة ذات شعر أشيب. 
أجل كان شجارًا مستعرًا. المعذرة, أنا مضطرّة...» 

وذهبت لتلقّي طلبات طاولة أخرى. 

«سنمسك بها عند عودتها»» طمأنه آل «إيدي يرسل لك تحيّاته. كان 
يتمتى لو استطاع المجيء.» 

« كيف حاله؟» سأل سترايك» متصتَعًا الاهتمام. في حين حرص آل 
على إقامة روابط صداقة معه. لم يكن أخوه الأصغرء إيديء ليبدي اكترانًا. 
في الرابعة والعشرين, ألّف فرقته الخاضة وكان هو المغنّي الأساسيّ فيها. لم 
يتسن لسترايك الاستماع إلى موسيقاه يومًا. 

«إنّه على ما يرام»» قال آل. 

ساد صمت مرتبك بينهما. ثمّ وصلت المقبّلات فتناولاها من دون 
أن يتكلما. كان سترايك على علم بأنّ آل أحرز علامات ممتازة في البكالوريا 
الدوليّة. ذات ليلة في خيمته العسكريّة في أفغانستان» شاهد سترايك على 
الإنترنت صورة لآل وهو في الثامنة عشرة: كان يرتدي سترة أنيقة قشديّة 
اللون ذات شارة مطرّزة على جيبهاء وشعره الطويل المُسرّح على الجانب 
يلتمع كالذهب تحت شمس جنيف الساطعة. كان روكبي يمسك بكتفيه, 
ويش وجهه بالفخر الأبويّ. إن كانت وسائل الإعلام قد نشرت آنذاك تلك 
الصورة العائليّة. فلآنَ نجم الروك لم يظهر يومًا ببذلة وربطة عنق. 


مكتبة دودة الحرير 453 


«مرحبًا يا آل». قال صوت مألوف. 

وكم كانت دهشة سترايك عظيمة عندما رأى دانيال تشارد أمامه 
مستندًا على عكازين, والأضواء الخافتة المثبّتة في السقف تنعكس تموّجات 
برّاقة على رأسه الأصلع. ببذلته الرمادية وقميصه الأحمر الداكن المفتوح 
الياقة, بدا الناشر على قدر من الأناقة يناقض أجواء المطعم العصريّة. 

«أوه»؛ تلعثم آل فأدرك سترايك أنّه يجد صعوبة في تذكر تشارد. 
«أوه... مساء الخير.» 

«دان تشارد». بادره الناشر, «لقد التقينا يوم ناقشنا والدك وأنا 
مشروع كتابة سيرته الذاتيّة.» 

«أوه, أجلء؛ طبعًا!» أجاب آل» ووقف ليصافحه, «أعرّفك بأخي, 
كورموران.» 

لئن كان سترايك فوجئ لرؤية تشارد» فذلك لم يكن بشيء أمام الصدمة 
التي ارتسمت على وجه تشارد حالما وقع بصره على المُحقّق. 

«أخوك؟» 

«أخوه غير الشقيق»»ء قال سترايك مسرورًا في سرّه من ذهول تشارد 
الواضح. كيف يمكن أن يكون المحقّق الخاص المُهرّجٍ هذاء من أقرباء ثري 
مستهتر كآل روكبي؟ 

بدا وكأنَ المجهود الذي بذله تشارد للاقتراب من ابن زبون محتمل 
وجدّ مربح, قد أضناه إلى حدّ خانته الكلمات. 

«هل تحسّنت ساقك؟» سأله سترايك. 

«أوه» أجل». أجاب تشارد. «باتت أفضل... أفضل بكثير. حسئاء 
سوف... سوف أترككما لتتناولا العشاء بهدوء.» 

إبتعد وهو يتأرجح ببراعة بين الطاولات» وعاد ليجلس في مقعده. 
متواريًا عن أنظار سترايك. قد تبدو لندن صغيرة وبل دائرة مقفلة حالما يرتاد 
المرء وسطًا معيّئًاء بعيدًا عن جميع الذين لا يستطيعون ولوج عتبة أفضل 
المطاعم وأشهر النوادي. 

«لم أستطع أن أتذكر من هو». قال آل مبتسمًا بحرج. 


454 روبرت غالبریث t.me/ktabpdf‏ 


«إذّاء هو يفكر في كتابة سيرته الذاتيةء لا؟» سأل سترايك. 

حين يتحدّث عن روكبي» لم يكن سترايك ليستعمل لفظة أبي. بيد أنه 
كان يتفادى تسميته بروكبي أمام آل. 

«أجل»» أجاب آلء «عرضوا عليه مبلقًا كبيرًا. لا أدري إذا كان سيوقع 
مع هذا الرجل أو أحد آخر. على الأرجح» سيجدون له كاتب ظل.» 

تساءل سترايك كيف ينوي روكبي ذكر حمل زوجته العَرَضيّ وولادة 
ابنه البكر المثيرة للجدل واللغط. ربّما يتجنّب ذكره. وهذا ما قد يناسب 
سترايك بالتأكيد. 

«ما زال يتمنّى اللقاء بك». قال آل الذي بدا أنه يصارع جاهدًا لذكر 
الموضوع. «إِنّه فخور بك حقًا... لقد قرأ كل شيء عن قضيّة لولا لاندري.» 

«صحيح؟» قال سترايك وهو يتلفّت حوله بحئًا عن لولو, النادلة التي 
تذكرت كواين. 

«نعم», أجاب آل. 

«إذَا ماذا فعل, قام بجولة على دور النشر؟» سأل سترايك. راح يفكّر في 
كاثرين كينت, وفي كواين نفسه؛ الأولى التي عجزت عن إيجاد ناشرء والثاني 
الذي طرده ناشره؛ وأمَا نجم الروك العجوز هذاء فْلَّهُ ما يحلو له من خيارات. 

«أجل, شيء من هذا القبيل». قال آل «لا أدري إذا كان سيُقدم على 
هذه الخطوة أم لا. أعتقد أنّ أحدهم أوصى بتشارد أمامه.» 

«مّن؟» 

«مايكل فانكورت»», أجاب آل وهو يمسح طبق الريزوتو بقطعة خبز. 

«روكبي على معرفة بفانكورت؟» سأل سترايك؛ ضاربًا بمبادئه عرض 
الحائط. 

«أجل»» رد آل بشيء من التجهّم, ثمّ أضاف: «لنکن صريحين» والدي 
يعرف الجميع بدون استثناء.» 

تذكر سترايك إجابة إليزابيث تاسيل» حين شئلت لماذا لم تعد تمثّل 
فانكورت, «ظننتٌ أنّ الجميع بدون استثناء يعرف ذلك». لكن. مع فارق 
واحد. «الجميع» بالنسبة لآل تعني «حفنة من الناس»: الأثرياء والمشاهيرء 


مكتبة دودة الحرير 455 


وأصحاب السلطة والنفوذ. أمَا الفقراء المغفّلون الذي يشترون أسطوانات 
والده فهم نكرة, تمامًا مثلما كان سترايك نكرة إلى أن برز اسمه بعد اكتشافه 
أحد المجرمين. 

«متى زكى فانكورت روبر تشارد أمام... متى أوصى بتشارد؟» سأل 
سترايك. 

«لا أعرف... منذ بضعة أشهر؟» قال آل بلامبالاة. «قال لوالدي إِنّه 
ينوي هو أيضًا توقيع عقد معهم. وقد حصل على نصف مليون بمثابة دفعة 
مسبقة.» 

«رائع »» قال سترايك. 

«وطلب من والدي أن يبقى على اتّصال, ففي ذلك اليوم الشهيرء 
سيضج العالم بالخبر.» 

ظهرت النادلة لولو ثانيةٌ. نادی عليها آل» فاقتربت تعلو وجهها أمارات 
التعب. 

«أمهلني عشر دقائق من فضلك. سأعود» عشر دقائق فقط.» 

بينما كان سترايك ينهي طبق اللحم» سأله آل عن أحوال العمل بحماسة 
فاجأت سترايك. 

«هل تفتقد إلى الجيش؟» سأله آل. 

أحيانًا». اعترف سترايك. «وأنت؟ ما الذي تفعله في هذه الأيّام؟» 

كان يشعر بنوع من الذنب لأنّه لم يسأل أخاه عن ذلك من قبل. أمّا 
وقد فكر في الأمر الآنء فقد أدرك أنّه لا يعرف كيف يكسب آل معيشته. 

«ربّما أنشىء شركة مع صديق»» أجاب آل. 

هولا يعمل إِذَاء فكّر سترايك. 

«خدمات حسب الطلب... في قطاع الترفيه»» تمتم آل. 

«رائع»» قال سترايك. 

«أجل؛ شرط أن ينجح المشروع»» رد آل. 

طرأ توف قصير. كان سترايك لا يزال يترضّد لولوء وَإِنّما بلا جدوى. 
من الواضح أنّها كانت منهمكة, وتلك حالة لم يخبرها آل في حياته قط. 


456 روبرت غالبريث t.me/ktabpdf‏ 


«أنت على الأقل تتمنّع بالمصداقيّة», قال آل. 

«همم؟» قال سترايك. 

«أعني نك رجل عصاميّ.» 

«ماذا؟» 

أدرك سترايك أنّ أزمة وشيكة قد تلمّ بالشخص الجالس قبالته؛ كان آل 
ينظر إليه بمزيج من الغضب والحسد. 

«حسئًاء نعم...»» قال سترايك هارا كتفيه العريضين. 

لم يستطع التفكير في ردّ آخر ذي مغزى ولا يبدو استعلاءً أو تظَلّمًا ولم 
يشأ أن يشجّع آل على متابعة هذا الحديث. 

«أنت الوحيد بيننا الذي لا يستغل شهرته»» تايع آل «في أي حالء ما 
كان ذلك لينفع في السلك العسكريٌ, لا؟» 

لم يكن من المجدي ادّعاء البراءة أو عدم الفهم. أدرك سترايك تمامًا 
ما يرمي إليه أخوه. 

«أعتقد ذلك»» وافق سترايك (الواقع أنّ زملاءه العسكريين لم يأبهوا 
يومًا بنسبه. وفي المناسبات النادرة التي أثاروا فيها الموضوع» لم يفعلوا 
سوى التساؤل عن قلَة الشبه بينه وبين روكبي). 

برضى وحبورء راح يتخيّل شقّته الصغيرة المكشوفة لتيّارات الهواء, 
بحجرتيها المكتظتين وتدفئتها السيّئة. هذه الليلة» سينام آل على الأرجح في 
مايفيرء في منزل والدهما حيث ينتظره فيلق من الخدم, على قدم وساق. 
ربما عليه أن يبيّن لأخيه حقيقة الاستقلال الذاتيْء فقط ليكبح قليلًا من جماح 
أحلامه الورديّة... 

«أحسبك تعتقد أنّني أتذمّر لاستدرار العطف, لا؟» قال آل. 

يوم شاهد سترايك صورة تخرّج آل على الإنترنت؛ كان قد أجرى مقابلة 
مع عريف مفجوع في التاسعة عشرة من العمر قتل عَرَضّا أفضل أصدقائه. 
وابل من رصاص الرشّاش قد أصابه في صدره. 

«للجميع الحقّ في التذمّر»»؛ قال سترايك. 

بدا آل كَمَن تلقى إهانة مباشرة: لكنّه عاد فابتسم على مضض. 


مكتبة دودة الحرير 457 


فجأة ظهرت لولو إلى جانبهما وهي تمسك كوب ماء بيد» وتنزع 
المئزر ببراعة بيدها الأخرى, قبل أن تجلس إلى طاولتهما. 

«حسئاء لدي خمس دقائق»., قالت لسترايك من دون مقدّمات. «قال 
آل إِنْكَ مهتمّ بذلك الكاتب المغقّل؟» 

«أجل». أجاب سترايك مركرًا انتباهه على الفورء «ما الذي يجعلك 
تقولين إنه مغقل؟» 

« كان يهوى ذلك». قالت وهي تشرب جرعة من الماء. 

«يهوى...؟» 

«إثارة الفضائح. كان يصيح ويشتم, لكن فقط للاستعراضء ذلك واضح 
وضوح الشمس. كان يريد أن يسمعه الجميع» يبحث عن جمهور يصفُق له. 
ولكن. كممثّل؟ كان مُزريًا.» 

«أيمكن أن تتذكري ما قال؟» سألها سترايك وأخرج دفتر ملاحظاته 
تحت نظر آل الملتمع حماسة. 

«ثرثار من الدرجة الأولى. وصف المرأة بالعاهرة, وانّهمها بأنّها كذبت 
عليهء وقال بأنّه سيُصدر الكتاب بنفسه ولتذهب هي إلى الجحيم. لكنّه كان 
يستمتع وللغاية بأقاويله. كان غضبه مصطنعًا.» 

«وماذا عن إليز... المرأة؟» 

«أوه. كانت تستشيط غضبًا». أجابت لولو بنبرة مرحة» «ولم تكن 
تتظاهر بذلك. كلما ازداد فحشًا وهو يلوّح بيديه ويصيح عليهاء ازداد احمرار 
وجهها... كانت ترتجف غيظًاء ولم تكد تستطيع ضبط نفسها. قالت أمرًا عن 
امرأة ساذجة غبيّة ترفض استخدامها. أعتقد أنّه غادر غاضبًا في تلك اللحظة 
تحديدّاء تاركا لها مهمّة تسديد الفاتورة... بدت ذليلة للغاية أمام كل الأنظار 
المحدّقة فيها. شعرث بالأسى لحالها.» 

«هل حاولت اللحاق به؟» 

«لاء دفعت الفاتورة ثم توجّهت إلى الحمّام حيث مكثت لبعض الوقت» 
تبكي على الأرجح. ثم غادرت المطعم.» 

«شكرًا لمساعدتك»» قال سترايك. «ألا تتذكرين أيّ أمر آخر؟» 


458 روبرت غالبریث t.me/ktabpdf‏ 


«بلى»,» همست لولوء «لقد صرح قاتلا كل ذلك بسبب فانکورت 
وعجزه الجنسيّ!» 

نظر سترايك وأخوه إليها بذهول تامّ. 

«كل ذلك بسبب فانكورت وعجزه الجنسيّ»», كرّر سترايك. 

«أجلء وفي تلك اللحظة سكت الجميع في المطعم.» 

«أتخيّل المشهد»., علّق آل ضاحكا. 

«حاولت أن تسكته. كانت مصعوقة, لكنه لم يكن ليأبه. فقد نجح في 
لفت الأنظار. كان في جذل تامَّ. إسمعاء علي أن أذهب»». قالت لولو فجأةً 
«عذرًا.» ثم وقفت على عجل وأعادت ربط مئزرها. «إلى اللقاء يا آل.» 

لم تكن تعرف اسم سترايك؛ لكنّها ابتسمت له وأسرعت متوارية. 

كان دانيال تشارد يهم بمغادرة المطعم. عاود رأسه الأصلع الظهور 
بين مجموعة من الأشخاص الأنيقين من سنّه تقريبًا. خرجوا كلهم معًا وهم 
يتبادلون أطراف الحديث ثمّ يستودعون بعضهم بعضًا بحركة راقية من الرأس. 
راقبهم سترايك يخرجون وهو منهمك في التفكير بأمر آخر. لم يلاحظ النادل 


يرفع صحنه الفارغ عن الطاولة. 
كل ذلك بسبب فانكورت وعجزه الجنسيٌ... 
غريب. 
لا يسعني أن أتخلّص من تلك الفكرة اللعينة بأنّ أوين مات انتحارًا. 
وهو من أخرج مشهد... 


«هل أنت بخير يا أخي؟» سأل آل. 

حان وقت الانتقام لكلينا... 

«أجل؛ أجل». قال سترايك. 

لترات من الدم» استعارات مجازيّة ما ورائيّة... يكفي أن ترضي 
غرور الرجل لحمله على تنفيذ أيّ شيء تريده... خنثوان» وكيسان ملطّخان 
بالدم... نفس جميلة تائهة, هذا ما قاله لي... دودة الحرير رمز للكاتب 
الذي يكابد العناء والعذاب الشديد ليَلِدَ مخطوطة جميلة... 


مكتبة دودة الحرير 459 


كغطاء يقفل على القدر الملائمة بعد محاولات متكرّرة.» ظهرت قطع 
عديدة في ذهن سترايك لتتّخذ تلقائيًا مكانها الصحيح في البازل. قلَب نظريّته 
وأعاد التقليب فيهاء دارسًا إِيّاها من مختلف الزوايا: كانت كاملة متكاملة ولا 
ثغرات. 

لم يبق له سوى العثور على البراهين. 


t.me/ktabpdfF 


41 


أوتظنّ أنّ أفكاري ترّهات حب مجنون؟ 
له بل هي حدائد هرت في أتون أفلاطون.. 
روبرت غرين, «حكاية رولان الغاضب» 


إستيقظ سترايك باكرًا في اليوم التالي بعد ليلة من النوم المتقطع. كان تعِبّاء 
ومحبطًاء ومضطربًا. تحقّق من الرسائل في هاتفه قبل الاستحمام ثم بعد ارتداء 
ملابسه. ونزل أخيرًا إلى مكتبه الفارغ. لن تأتي روبن لأنّه يوم السبت. لكنّ 
غيابها أزعجه. لا بل اعتبره على نحو غير عقلانيْء نقصًا في الالتزام الشخصيّ. 
كان يمكن أن تؤدّي دور المستمع الفاعل هذا الصباح» وأن يأنس برفقتها 
بعد ما اكتشفه في الليلة الماضية. فكر في الاتصال بهاء لكته عاد وتريّث. 
من الأفضل والأمتع بكثير إبلاغها وجها لوجه وليس بالهاتفء» لا سيّما إذا كان 
ماثيو ليسترق السمع. 

أعدّ سترايك الشاي الساخن لكنه سرعان ما برد بينما كان يدقّق في 
00 للمرّة الألف. 
هاتفه كل دة ين لى نور أي رسالة أوخير. ‏ 

كان يم يريد 1 يفعل شيئًاء أي شيء. ولكن كيف وافتقاره إلى الصفة 
الرسميّة يعيقه تمامًا؟ ليس لديه من صلاحيّة للتفتيش في ملكيّات خاصّة أو 


مكتبة دودة الحرير 461 


إجبار الشهود على التعاون. ليس في وسعه اتّخاذ أي خطوة بانتظار مقابلته 
مع مايكل فانكورت يوم الاثنين: إلا إذا... هل يتصل بأنستيس ليعرض عليه 
نظريّته؟ تجهّم سترايك وهو يمرّر أصابعه الغليظة عبر شعره الكثيف, متخيّلًا 
رد فعل صديقه المفتّش والذي لن يخلو من الاستعلاء والتعجرف. هو لا يملك 
أي برهان. كل ما لديه يقوم على الحدس والمصادفات... لكنّني على صواب, 
فكر سترايك, وهو مخطىء تمامًا. كما أنّ أنستيس يفتقر إلى البصيرة والمخيّلة 
ليقدّر نظريّة تلقي الضوء على كل النقاط الغامضة في الجريمة. سيجدها 
مُنافية للعقل لا سيّما إذا ما قارنها بحلّه السهلء ولو كان مليئًا بالتناقضات 
والثغرات. لكن بالنسبة له من الأبسط بكثير انّهام ليونورا. 

لذاء عوضًا عن الاتّصال بأنستيس, راح سترايك يستحضره في ذهنه 
وكأنّه معه في الغرفة. 

فسّر ليء لماذا تُقدم امرأة حذقة ما يكفي لانتزاع أحشاء وأمعاء من 
دون ترك أيّ أثر, على ارتكاب حماقة ابتياع حبال وبرقع ببطاقة ائتمانها 
الخاضة؟ واشرح لي لماذا تخاطر امرأة وحيدة لا أقارب لهاء وهاجسها 
الوحيد في الحياة هو تأمين راحة ورضى ابنتهاء بارتكاب ما يودي بها إلى 
السجن المؤبّد؟ فسّر لي لماذاء وبعد سنين من تحمّل خيانات زوجها 
ونزواته الجنسيّة تفاديًا لتفكيك الأسرة, قد تقرّر فجأةً أن تقتله؟ 

كان سترايك يدرك جيّدًا ما قد يجيب أنستيس به: كواين كان يوشك 
أن يهجرها من أجل كاثرين كينت. ولديه بوليصة تأمين دسمة: ربّما قرّرت 
ليونورا أنّ الترمّل والاستقرار الماليَّ أفضل من حياة التقشف بينما يبدّد 
طليقها عديم المسؤولية النقود على زوجته الثانية. ستقتنع هيئة المحلّفين 
بوجهة النظر هذه لا محالة؛ لا سيّما إذا وقفت كاثرين كينت تحت قوس 
المحكمة وأكدت أنّ كواين وعدها بالزواج. 

في الواقع. خشي سترايك أن يكون قد أطاح بفرصته مع كاثرين كينت, 
عندما فاجأها عند عتبة بيتها - خطوة خرقاء إذا ما فكرنا مليًا بالأمر. لا بد 
أخافها للغاية عندما لاح طيفه في العتمة عند مدخل منزلهاء ما سهّل على 
بيبا ميدغلي تصويره كالشرّير المأجور لدى ليونورا. كان يجدر به أن يقاربها 


462 روبرت غالبریث t.me/ktabpdf‏ 


بهدوء وبراعة» ويكسب ثقتها تدريجيًاء تمامًا مثلما فعل مع مُعاونة اللورد 
باركرء ليستخلص منها الاعترافات بسلاسة بدلا من الانقضاض عليها كمأمور 
قضائي يستردٌ ديونه. 

دفق في هاتفه ثانيةً. ما من رسالة. كم الساعة؟ التاسعة والنصف 
فقط! على الرغم من الجهود الجيّارة التي كان يبذلها للتركيز على الأمر المهم 
الوحيد - قاتل كواين وما قد يقود إلى القبض عليه - لم ينفك ذهنه يسرح 
صوب قصر كروي وكنيسته الصغيرة العائدة إلى القرن السابع عشر... 

لا شك في أنّها تتهيّأ وفستان الزفاف المعلّق بعناية والذي كلف 
الآلاف, ينتظرها. تخيّلها عارية أمام المرآة, تتبرّج وتتزيّن. لقد شاهدها تفعل 
ذلك مئات المرّات. تتلاعب بخقّة بهلوان بأقلام وفراشي التجميل أمام مرآة 
غرفتهاء أو في غرف الفنادقء وهي تدرك جاذبيّتها تمام الإدراك بحيث تحاكي 
حدٌ نسيان الذات. 

هل تدقّق شارلوت في هاتفها كل دقيقة الآنء ولا سيّما أنّها توشك 
صعود الممرّ الطويل الضيّق نحو مذبح الكنيسة, كُمَن يعبر جسرًا هما معلّقًا 
فوق واد سحيق؟ هل ما زالت تنتظر وقلبها يختلج؛ رذ سترايك على الرسالة 
المكوّنة من كلمتين والتي بعثتها أمس؟ 

ماذا لو أرسل جوايًا الآن؟ ماذا يلزم لجعلها تتراجع عن ارتداء فستان 
الزفاف (كان يتخيّله معلّقًا في زاوية غرفتها كالشبح) وترتدي الجينز, وتوضّب 
بضعة أغراض في حقيبة: وتنسلّ من الباب الخلفيّ؟ وتركب سيّارة» مسرعة 
جنوبًا وقدمها على الدوّاسة: إلى أحضان الرجل الذي... 

«كفى! تبًّا!», زمجر سترايك. 

نهض على عجل ودس الهاتف في قعر جيبه. ثم شرب ما بقي من 
الشاي البارد. وارتدى معطفه. الانشغال هو الحلّ الوحيد: طالما كان العمل 
الدواء المفضّل لديه. 

كان واثقًا من أن كاثرين كينت انتقلت للإقامة عند إحدى صديقاتهاء 
هروبًا من الصحافيين الذين يطوقون منزلها. لكنّه فضّل التأكد شخصيًا. عاد 


مكتبة دودة الحرير 463 


إلى كليم أتلي كورت بلا إعلان مسبق. لم يجب أحد عندما طرق الباب. كانت 
الأنوار مطفأة, وبدا كل شيء ساكنًا في الداخل. 

راح تيّار بارد يعصف بممرٌ المدخل. كان سترايك يهم بالمغادرة,. حين 
ظهرت الجارة العبوس عند عتبة بابهاء لكنّها بدت أكثر استعدادًا للحديث 
هذه المرّة. 

«لقد رحلت. أنت صحافيّ, أليس كذلك؟» 

«أجل». أجاب سترايك لعدم تخييب ظنها إذ بدت متحمّسة للفكرة. 
من جهة أخرىء لم يشأ أن تعرف كينت أنّه عاد إلى منزلها من جديد. 

«لقد قرأتٌ الصحف. كتبتم أمورًا فظيعة عنها!». صاحت ولم تكد 
تتمكن من إخفاء استمتاعهاء «لاء هي ليست هنا.» 

«هل تعرفين متى تعود؟» 

«لا». قالت بأسف. كانت فروة رأسها الزهريّة شبه مرئيّة عبر ما تبقّى 
من شعرها الرماديّ الخفيف المتموّج. «يمكنني إبلاغك إذا عاودت الظهور.» 

«هذا لطف منك حقًا», قال سترايك. 

كان اسمه قد ظهر في الصحف حديئًاء فلم یناولها إحدی بطاقاته» بل 
مرق ورقة من دفتر ملاحظاته ودوّن رقم هاتفه عليه. ثمّ أعطاها إِيَاها مرفقة 
بورقة نقديّة من عشرين جنيها. 

«مفهوم», قالت بهمسة تآمريّة» «سنبقى على اتّصال.» 

صادف قطة وهو ينزل الدرج. تلك القطة عينها التي ركلتها كاثرين 
كينت في ذلك اليوم. حدجته بنظرة حذرة وهو يمر . لم تكن العصابة الصغيرة 
التي التقى بها سابقًا على الموعد, فالطقس شديد البرودة لمراهقين بكنزة 

الجهد البدنيّ الذي بذله للمشي على امتداد الأرصفة الموحلة الزلقة, 
وصولًا إلى محطة المتروء ساهم في طرد بعض الأفكار والصور الكئيبة من 
ذهنه. تساءل إذا كان ليجهد هكذا لخدمة مصلحة ليونورا أو لنسيان شارلوت. 
فلتواصل الأخيرة رحلتها نحو سجنها الذهبيَ إن شاءت! أمَا هو فلن يتصل ولن 
يبعث برسالة. 


464 روبرت غالبريث t.me/ktabpdf‏ 


قبل دخوله المتروء أخرج هاتفه واتّصل بجيري والدغريف. منذ 
الإلهام الذي تكشّف له فجأةٌ البارحة في ريفير كافيه, كان سترايك وائقًا من 
أنّ المحرّر يملك الإجابة الشافية. لكنّ والدغريف لم يُجب. لم يتفاجأ سترايك 
بذلك» فالرجل يواجه همومًا أخرى: زواج متداع؛ مهنة مُحتضرة: وابنة تسبّب 
له المتاعب فلماذا يرد فوق ذلك على اتصالات محقق ؟ لماذا يريد من تعقيد 
حياته؟ 

ما بين الصقيع, والأشخاص الذين صمّوا آذانهم والشقق الصامتة التي 
هجرها أصحابهاء راح سترايك يتساءل كيف سيمضي يومه الطويل؟ إشترى 
جريدة وتوجّه إلى حانة توتنهام, وجلس تحت لوحة ريفيّة جميلة من تصميم 
مزوق مسرحيّ من العصر الفيكتوري, تُظهر حوريّة فاتنة مكسوّة بأوشحة 
رقيقة. لازم سترايك شعور غريبء كما لو أنّه يجلس مكتوف اليدين يبدّد 
الساعات في صالات انتظارء الواحدة تلو الأخرى. تواردت الذكريات كشظايا 
مستقرّة في جلده إلى الأبد: كلمات حت وعهود ولحظات من السعادة 
الخالصة... سرعان ما أفسدتها... أكاذيب تليها أكاذيب... كان بصره يتبع 
خطوط المقالات لكنّه لا يراها. 

ذات يوم» صرخت أخته لوسي وقد اعتراها الغضبء «لماذا تحتمل كل 
هذا؟ لماذا؟ ألأنّها جميلة؟» 

وقد أجابها: «ليس هذا فحسب.» 

لكنّ لوسي توقعت بالطبع أن يجيب ب«لا.» مع أنّ الجنس اللطيف 
يمضي معظم الوقت في التجمّل والتزيّنء فلا يفترض بك أن تعترف أمامه بأنّ 
الجمال يهمّك. بالفعلء كانت شارلوت رائعة الجمالء بل من أجمل النساء 
اللواتي صادفهنَ على الإطلاق. في السابق» حينما كانت تتجلّى أمام ناظريه, 
كانت تفتنه وتسحره كليّاه فيشعر بالامتنان عينه, أو حنّى بالفخر للارتباط بها. 

لقد قال مايكل فانكورت: الحبٌ مجرّد وهم. 

قلب سترايك الصفحة بدون تفكيرء فوقع نظره الساهي على وجه وزير 
الخزانة العابس» من دون أن يراه. تُرى هل كان واهمًا منذ البداية؟ هل عزا 
إليها مشاعر غير موجودة لديها؟ هل اخترع فضائل غريبة عنها وإِنّما تناسب 


مكتبة دودة الحرير 465 


جمالها الأخَاذ؟ كان في التاسعة عشرة من عمره عندما التقيا للمرّة الأولى. سنّ 
بدت له اليوم بغاية الهشاشة والبراءة» بينما كان جالسًا في الحانة مع ثلاثة 
عشر كيلوغرامًا زائدًاء وساق ناقصة. 

لعلّه ابتكر صورة مثاليّة لشارلوت؛ غير موجودة خارج خياله الولهان. 
لكن ما أهمّية ذلك الآن؟ لقد أحبّ شارلوت الحقيقيّة أيضّاء المرأة التي تعدّت 
أمامه» وسألته إذا كان ليستمرٌ في حيّها في السرّاء والضرّاء... وعلى الرغم مما 
كان يعرف عنهاء وما أنزلت به من معاناة... قد أحبّها حبّى أنهك حدود الحبٌ. 
لكن عندما سقطت هذه الأخيرة, لم تكفٍ لا الدموع ولا الجمال لاستبقائه. 
فهربت هي إلى أحضان رجل آخر. 

فكّر في أنّ الحبَ قد يكون كذلك وحسبب. مِؤيّدًا وجهة نظر مايكل 
فانكورت ضدّ روبن والتي بدا طيفها الموبّخ والمتسقّط للعيوب حاضرًا أمامه 
وهو يجلس ويحتسي جعته؛ متظاهرًا بقراءة مقال عن أسوأ شتاء شجُل في 
تاريخ المنطقة حتّى اليوم. أنت وماثيو... كان سترايك يدرك تمامًا أمرًا تجهله 
روبن: عليها عاجلًا أم آجلًا الاختيار بين العيش مع ماثيو وبين أن تكون على 

وهل مَن يستطيع التبجّح بأنّه يعرف شريك حياته تمام المعرفة؟ أين 
يمكن التنقيب عن هذه الصفة النادرة؟ في روتين التقاليد البورجوازيّة الذي 
يشكل إسمنت العلاقة المتينة بين لوسي وغريغ؟ أم في التباينات المُسقمّة 
لأوجه الخيانة التي تجلب سيلا لا ينضب من الزبائن إلى مكتبه؟ أو في الولاء 
الأعمى المتعمّد الذي تكته ليونورا كواين لرجل مغفورة له جميع خطاياه «لأنّه 
كاتب؟» أو في العبادة التي كانت كاثرين كينت وبيبا ميدغلي تضمرانها 
للبطل الزائف عينه» والذي انتهى كالديك الروميّ المذبوح لمناسبة الميلاد؟ 

راح سترايك يغرق رويدًا رويدًا في الكآبة. كان قد ابتلع نصف كوب 
الجعة الثالث ويفكر متردّدًا في طلب الرابع» حين أزّ هاتفه على الطاولة حيث 
وضعه مقلوبًا على وجهه. 


466 روبرت غالبریٹث t.me/ktabpdf‏ 


أكمل شرب الجعة ببطء بينما أخذت الحانة تمتلى من حوله. أخذ 
يرمق ظهر هاتفه وهو يطلق المراهنات في سرّه: محاولة أخيرة قبل دخولها 
الكنيسة؟ أم أنّها تزؤجت وتريد أن تزف الخبر؟ 

إرتشف القطرات الأخيرة قبل أن يقلب الهاتف. 


يمكنك أن تهدّئني. السيّدة جاغو روس. 


حدّق سترايك في الكلمات لبضع ثوانء ثم دس الهاتف في جيبهء 
ونهض طاويًا الجريدة تحت ذراعه. وتوجّه إلى بيته. 

بينما كان يسير بمساعدة عصاه نحو شارع الدانماركء, تذكر عبارة من 
كتابه المفضّلء الذي يرقد منذ أشهر عدّة في قعر أحد الصناديق على بسطة 
الدرج. 


35 من الصعب أن تتخلّى فجأةٌ عن حب قديم مُزمن؛ 


تبدّد التململ الذي سكنه طوال اليوم وشعر بالجوع والحاجة إلى 
الاسترخاء. يبتّون مباراة للأرسنال ضدّ فولهام في الثالثة بعد الظهر؛ لديه ما 
يكفي من الوقت لتحضير غداء سريع قبل صفارة الانطلاق. 

بعد ذلك ربّما يذهب ليزور نينا لاسيلز. هو بحاجة إلى رفيقة هذا 
المساء. 


02 


ماتيو:... دمية غريبة. 
جيوليانو: بالطبع» ومصنوعة لتسخر من 
القرد. 


بن جونسون» «لكل شخص مزاجه» 


وصلت روبن إلى المكتب صباح الاثنين» وهي تشعر بالإنهاك كجندي 
بعد خوض معركة» لكنها كانت فخورة بنفسها. 

لقد أمضت هي وماثيو معظم عطلة نهاية الأسبوع في مناقشة مهنتها. 
كان ذلك مستغريًا إذ لا تذكر أَنّها تحاورت معه من قبل بهذا الشكل العميق 
والجدي (وهذا أمر غير عاديّ بالنسبة إلى ثنائيّ عاش معًا لتسع سنوات على 
الأقل). لماذا استغرّت كل هذا الوقت لتعترف له أنّ شغفها السرّي بالعمل 
التحقيقيّ والتحرّيات. أقدم بكثير من فترة لقائها بكورموران سترايك؟ بدا 
ماثيو مصدومًا فعلًا عندما أسرّت له في النهاية بأنّها كانت تطمح للعمل في 
ميدان التحقيقات الجنائيّةء وذلك منذ سنّ المراهقة. 

«ظننتٌ أنّ ذلك آخر أمر يمكن أن...» تمتم ماثيو متلعثمًا. لم يكمل 
جملته؛ لكنّها أدركت أنّه يفكر ضمئًا بدروس علم النفس الجامعيّة, والتي 
تخلّت هي عنها بكلّ طيبة خاطر. 


468 روبرت غالبریث t.me/ktabpdf‏ 


«لم أكن أعرف كيف أفاتحك بالموضوع. ظننتك ستسخر منّي. لذاء 
ليس كورموران مَن يدفعني إلى البقاء في الوظيفة» أو أي اعتبار يتعلّق به 
كشخص (كانت توشك أن تقول كرجلء لكنّها تراجعت في الوقت المناسب). 
«الأمر نابع مني أنا وأنا فقط. هذا ما أريد أن أفعله في الحياة وما أحبّه. 
وعدني بأنّه سيؤمّن لي التدريب المناسب, يا ماثيو. وهذا ما كنت أرغب فيه 
منذ البداية.» 

تواصل النقاش طوال يوم الأحد, وأخذ ماثيو المبهوت يستوعب الخبر 
تدريجًا. 

«وهل تنوين العمل في عطلة نهاية الأسبوع؟» سألها مرتايًا. 

«لا أعرف. ربّماء إن دعت الحاجة. سئمت من التظاهر يا ماثيو. أنا 
أهوى مهنتي, هل تفهم؟ جل ما هو أن أمارسها بنجاح, وأتمثى الحصول على 
دعمك.» 

وفي النهايةء احتضنها بين ذراعيه وقبل خيارها. إفترضت أنّ حداده 
الأخير هو ما ليّن من طبعه وجعله أكثر تسامحًا. لوهلة, كادت أن تشكر والدته 
إذ اختارت الوقت المناسب لترحل عن هذا العالم. 

كانت روبن تتطلّع إلى إبلاغ سترايك عن هذا التحشن الواضح في 
علاقتهاء لكنّه لم يكن في المكتب عندما وصلت. إلى جانب شجرة الميلاد 
الصغيرة على طاولة مكتبهاء لمحت ملاحظة قصيرة مكتوبة بخط يده المميّز 


نفد الحليب. خرجتُ لتناول الفطور. ثم أذهب إلى هامليز لابتياع بعض 
الألعاب, أريد أن أسبق الحشود. ملاحظة: أعرف من قتل كواين. 


شهقت روبن. هرعت إلى الهاتف واتّصلت بسترايك. لتجد خطه 
مشغولا. 

لن يفتح متجر الألعاب قبل العاشرة. لكنّ روين لم تعد تقوى على 

الانتظار. عاودت الانّصال مرارًا وتكرارًا بينما راحت تفتح البريد وتفرزه. بلا 


جدوى. كان الخط لا يزال مشغولًا. لذاء حشرت الهاتف بمحاذاة وجنتها 


مكتبة دودة الحرير 469 


وأخذت تقرأ بريدها الإلكتروني. مرّ نصف الساعة. ثمّ ساعة» ولا جديد. بدأت 
تشعر بالتوثّر والغيظ. لن يستعمل سترايك تلك الحيلة عمدًا لإطالة ترقبها 
وشوقها! 

في العاشرة والنصفء أعلنت رنّة لطيفة عن ورود رسالة إلكترونيّة. 
كان عنوان المُرسل: «دمء.ع10013©117©. أمَا الحيّز المخمّص لكتابة الرسالة 
فكان فارغًا. ولكنّ روين لاحظت ملفًا مُرفقًا مُعَنونًا «لمعلوماتكم.» 

نقرت روبن على المُرفق تلقائيّاء وإشارة انشغال خط هاتف سترايك 
لا تزال تطنّ في أذنها. ظهرت صورة كبيرة بالأسود والأبيض وملأت شاشة 
الحاسوب. كانت الخلفيّة كئيبة: سماء مكفهرّة ومبنى حجري قديم. بدا 
كل الأشخاص في الصورة مُبهمين» باستثناء العروس التي التفتت تنظر إلى 
الكاميرا مباشرة. كانت ترتدي فستانًا أبيض, بسيطً إِنّما ضيّفًاه وخمارًا طويلًا 
يصل إلى الأرض, مثبّئًا بطوق ماسيّ رفيع. كانت خصلاتها البئية الداكنة 
تتطاير بالتزامن مع ثنايا نسيج التول في الريح الشديدة. كانت إحدى يديها 
غارقة في يد رجل غير واضح المعالم يرتدي بذلة رسميّة. بدا وكأنّه يضحك. 
أمَا هي فيعلو وجهها تعبير غريب. لم تر روبن يومًا أي عروس بهذا اليأس 
والحزن: محطّمة, مفجوعة ومسكرنة بالألم» وعيناها الكئيبتان تحدّقان بروبن 
مباشرةً كما لو أنّها صديقتها الوحيدة والوحيدة التي يمكن أن تفهمها. 

أنزلت روبن الهاتف من يدها وحدّقت في الصورة مليًا. لقد شاهدت 
هذا الوجه الفائق الجمال من قبل. وبل تحدّثت إلى صاحبته ذات مرّة على 
الهاتف: تذكرت روبن صوتها الخفيض وبُحّتها الجذابة. إِنّها شارلوت, خطيبة 
سترايك السابقة؛ والمرأة التي رأتها تخرج راكضةً من هذا المبنى بالذات, منذ 
عام تقريبًا. 

كانت جميلة إلى حدّ يفوق الوصف. شعرت روبن بضآلتها مقارنةٌ بهاء 
وبرهبة كبيرة أمام حزنها العميق. ست عشرة سنة مع سترايك - سترايك 
بشعره الأجعد الكثيف, وقوامه الشبيه بقوام الملاكمينء وساقه الناقصة... 
ليس لأنّ تلك الأمور مهمّة, فكرت روبن وهي تتأمّل مشدوهة بهذه العروس 
الساحرة والتعيسة... 


470 روبرت غالبريث t.me/ktabpdf‏ 


فتح الباب» وظهر سترايك فجأةٌ إلى جوارها حاملًا كيسين مليئين 
بالألعاب. كانت روبن مستغرقة في التفكير إلى حدّ لم تسمع وقع قدميه على 
الدرج» فقفزت هلعًا وكأنّها ضُبطت تسرق المال من الصندوق. 

«صباح الخير»» قال لها على عجل. 

مدّت يدها بسرعة إلى فأرة الحاسوب» محاولةٌ إغلاق الصورة قبل أن 
يتمكن من رؤيتهاء لكنّ تسرّعها في إخفاء ما كانت تشاهده. جذب انتباهه 
إلى الشاشة. فجمدت روبن خجلة. 

«أرسلّتها قبل بضع دقائق. لم أكن أعرف ما هي قبل فتحها. أنا... 
آسفة.» 

حدّق سترايك في الصورة بضع ثوانء ثم ابتعد واضعًا كيسّي الألعاب 
على الأرض بجوار مقعد روبن. 

«إحذفيها وانتهى الموضوع»», قال بحزم ولكن من دون أن يبدو عليه 


لا التأثّر ولا الخيبة. 
تردّدت روبنء ثمّ أغلقت الملف. حذفت الرسالةء وأفرغت سلّة 
المحذوفات. 


«شكرًا لك»» قال وهو يقف مجدّدًا. كانت تلك طريقته لإبلاغها بأنّ 
الموضوع أقفل نهائيًا «لا بدّ من أنّ هاتفي سجّل نحو ثلاثين مكالمة منكِ.» 

«وماذا تتوقع؟» ردَّت روبن مستنكرة, «كتبتٌ في ملاحظتك أنّ...» 

«تلقيتُ مكالمة من خالتي», شرح سترايك, «حدّثتني لمدّة ساعة 
وعشر دقائق وتلت عليّ نشرة كل سكان سانت موز الصحيّة, وكلّ ذلك لأنني 
أخبرتها بأنّني أنوي زيارة الديار في عطلة الميلاد.» 

قهقه بمرح أمام خيبتها التي لا تكاد تحتويها. 

«حسئاء لكن. ليس لدينا الكثير من الوقت. أدركت للتوٌ أنّ ثمّة ما 
علينا فعله هذا الصباح قبل أن ألتقي فانكورت.» 

جلس وهو لا يزال مرتديًا معطفه على الكنبة الجلديّة. طوال عشر 
دقائق, عرض نظرّيته بالتفاصيل المملة. 


تة دودة الحرير 471 


عندما فرغ» ساد صمت طويل بقيت روبن خلاله مشدوهة تحدّق 


الضباب. ملاك كنيسة طفولتها. 
«ما الذي يربكك؟» سألها سترايك بلطف. 
«أوه...» 


«إتُفقنا على أنّ اختفاء كواين ربّما لم يكن عفويًا. صحيح؟» سألها 
سترايك. «وإذا أضفنا إلى ذلك فراش تالغارث رود - وهو جدّ ملائم وعمليّ 
في منزل لم يستعمّل منذ خمس وعشرين سنة - وأنّ كواين أبلغ ذلك الرجل 
في المكتبةء قبل أسبوع من اختفائه, بأنّه ينوي الرحيل وأراد شراء ما يقرأه 
في خلوتهء وأخيرًا ما قالته النادلة في ريفير كافيه بأنّ كواين لم يكن غاضبًا 
حقًا وهو يصيح على تاسيلء بل كان مستمتكعًا في الواقع, أعتقد أنّنا نستطيع 
وبدون أي مجازفة: الافتراض بأنّ اختفاءه كان مدبرًا ومجرّد مسرحيّة.» 

«لا بأس»» قالت روبن. كان هذا القسم من نظريّة سترايك هو الأقل 
غرابة. لكنّها لم تعرف من أن أين تبدأ لإبلاغه بأنّ ما تبقّى من التفاصيل غير 
معقول. بالمقابل» سمحت لنفسها بإبداء ملاحظة. «ولم يخبر ليونورا بأيّ 
شيء؟» 3 

«بالطبع لا. هي عاجزة عن التمثيل والتظاهر حتّى ولو كانت سلامتها 
على المحك. بل أرادها أن تقلق. كي تكون مقنعة عندما تبلغ الجميع بأنّه 
اختفى. وربّما تُخطر الشرطة: أو تثير فضيحة عند ناشره» ما يضمن بت الهلع.» 

«لكنّ ذلك لم ينجح البتّة»» قالت روبين؛ «فهو غالبًا ما يعتكف غاضبًا 
من دون أن يهتمّ أحد لأمره. رما كان يعاني من بعض الجنون, ولكنّه كان 
يدرك حتمًا أنه لن يشكل العناوين الرئيسة لمجرّد ابتعاده والاختباء في منزله 
القديم.» 

«نعم» ولكن هذه المرة يترك وراءه رواية يأمل بأن تثير الضجّة في 
أوساط لندن الأدبيّة. أليس كذلك؟ فقد أطلق عجلة حملته الإعلانيّة. عبر 
التشاجر مع وكيلته وسط مطعم مزدحم, فالصياح علنًا بأنّه سينشر روايته 
بنفسه على الإنترنت. ثم توجّه إلى بيته الزوجيّ وأدَى مشهد الخروج الغاضب 


472 روبرت غالبریث t.me/ktabpdf‏ 


أمام ليونوراء وبعد ذلك انسل إلى منزل تالغارث رود. في وقت لاحق من تلك 
الليلةء أتى شريكه يقرع بابه فاستقبله كواين من دون أي شكوك, ظنًا منه 
بأنّهما على اتّفاق ويتبعان خطّة موحّدة.» 

بعد بضع ثوانٍ من الصمت تسلّحت روبن بالشجاعة (لم تعتد مناقشة 
استنتاجات سترايك» والذي بحسب علمها لا يخطى البتّة) وأبدت ملاحظة: 

«لكن» ليس لديك من دليل على وجود شريك, فضلًا عن أنّه... أعني... 
الأمر بأكمله... حسئاء هذا رأيي.» 

راح يكرّر النقاط التي ذكرها من قبلء لكنّها قاطعته بحركة من يدها. 

«فهمتُ كل ذلكء لكتك... تبني استنتاجاتك على أقوال الناس. وليس 
لديك أيّ دليل ملموس.» 

«بل ثمّة دليل بالطبع», 5 سترايك» «ماذا عن بومبيكس موري؟» 

«هي ليست...» 

«إِنّها الدليل الوحيد الذي لدينا. ودليل مهم.» 

«أولست أنت من لا يسلم إِلّا بالوسائل والفرصة؟ وأنت من يزعم دائمًا 
اَن الدافع ليس...» 

«لم آت على ذكر الدافع»» ذكرها سترايك. «في الواقع» لسث واثقًا من 
الدافع» على الرغم من أنْني كوّنتٌ بضع أفكار. وإذا كنت تعتبرين أنّنا نفتقر 
إلى الأدلة الملموسة» فليس عليك سوى مساعدتي في العثور عليها.» 

نظرت إليه بارتياب. فهو لم يطلب منها ولو مرّة واحدة جمع أدلّة 
ملموسة منذ أن استهلّت العمل لديه. 

«أريدكِ أن تساعديني في الدنوَ من أورلندو كواين», قال وهو ينهض 
بتثاقل عن الأريكة الجلديّة. «أفضّل عدم الذهاب بمفرديء فهي... لِتَقْل, 
صعبة المراس» كما لا تحب شعري. هي حاليًا عند الجارةء في لادبروك غروفء 
لذا يجدر بنا أن نذهب الآن.» 

«أهي الابنة التي تعاني من اضطرابات نفسيّة؟» سألت روبن حائرة. 


مكتبة دودة الحرير 413 


«نعم. لديها قرد» نوع من الدمية المنفوشة تعلّقها حول عنقها. 
شاهدتٌ للتوَ أكوامًا منها في هامليز - هي في الواقع جعبة لحفظ بيجاما 
النوم. يدعونها تشيكي مانكي.» 

كانت روبن تحملق فيه كما لو أنّها تخشى على سلامته العقليّة. 

«عندما التقيثٌ بها للمرّة الأولى. كان القرد-الدمية معها ولم تنفك 
تخرج أشياء لا أعرف من أين - صور ورسوم, وأقلام تلوين» وحنّى بطاقة 
اختلستها من طاولة المطبخ. وقد أدركت للتوّ أنّها تحفظ كل تلك الخردة في 
جعبة البيجاما. في الواقع. تسرق كل ما تقع يدها عليه. عندما كان والدها 
على قيد الحياةء كانت تدخل مكتبه ليعطيها ورقًا ترسم عليه.» 

«وتأمل بأن يكون في جعبة البيجاما ما يقودنا إلى قاتل والدها؟» 

«لاء ولكنّها على الأرجح قد جمعت بعض أوراق مخطوطة بومبيكس 
.موري خلال جولات تسلّلها إلى مكتب كواين؛ أو ربّما أعطاها والدها ورقًا 
من مسودة أوليّة للمخطوطة؛ لترسم على ظهرها. أبحث عن قصاصات ورق 
قد دوّن عليها ملاحظات, صفحات مشطوبة؛ أو أيّ شيء. إسمعيء أعرف أنّ 
ذلك قد يبدو جنوئًا مطبقًا». أضاف سترايكء أمام تعابير روبن المصدومة, 
«لكثنا لا نستطيع دخول مكتب كواين. في الواقع, قلبته الشرطة رأسًا على 
عقب ولم تجد أيّ شيء. وأراهن على أنّ دفاتر الملاحظات والمسوّدات التي 
أخذها كواين معه, قد أتلفت. تشيكي مانكي هو ملاذنا الأخيرء و... (نظر إلى 
ساعته)... لم يعد لدينا كثير من الوقت للذهاب إلى لادبروك غروف والعودة 
قبل أن أجتمع بفانکورت. ما يذكرني ب...» 

خرج من المكتب. سمعّت روبن وقع قدميه على السلالم فاعتقدت 
أنّهِ يتوجّه إلى شفّته. لكنها سرعان ما تبيّنت ضجّة غريبة عند منبسط الدرج. 
كان يبحث في صناديقه الكرتونيّة. عندما عاد. كان يحمل علبة ققازات 
لاتيكس من الواضح أنّه اختلسها من خزائن مكتب الأمن البريطانيّ قبل أن 
يغادره نهائيًاء وكيسًا من البلاستيك الشفاف لحفظ الأدلّةء يشبه إلى حدّ كبير 
كيس حفظ أدوات النظافة الشخصيّة في الطائرات. 


474 روبرت غالبریٹث t.me/ktabpdf‏ 


«هناك دليل مادّي حاسم آخر أودّ الحصول عليه»», قال وهو يناول 
زوجين من القفّازات لروبن التي لم تعد تفقه شيئًاء «وقد فگرٹ في أن تتدټري 
ذلك فيما أقابل فانكورت.» 

شرح لها بكلمات موجزة ما يريد منهاء ولماذا. 

لم يندهش البنّة للصمت المطبق الذي أعقب تعليماته. 

«أنت تمزح»» همست روبن. 

«لاء قطعًا.» 

تلقائيًا رفعت يدها نحو فمها بحركة حذرة. 

«لن يكون ذلك خطيرًا». طمأنها سترايك. 

«ليس ذلك ما يقلقني. کورموران» هذا... هذا رهيب! هل أنت جادّ؟» 

«لما طرحت هذا السؤال لو شاهدت ليونورا كواين في هولووايء في 
الأسبوع الماضي»» أجاب سترايك بملامح مكفهرةء «علينا التسلّح بأكبر قدر 
من الحذاقة والحذر لإخراجها من هناك.» 

الحذاقة والحذر؟ فكّرت روبن وهي تتأمّل في القفازين المتدلّيين من 
يدها. جدول أعمال سترايك لليوم كان في غاية الغرابة» وأمَا طلبه الأخير, 
فمقرّز. 

«إسمعي»» قال بجدّية مفاجئة. «جل ما أستطيع أن أقوله لك يا روين 
هو أنني أستشعر ذلك. أستطيع أن أشتَمّه» يا روبن. هناك شخص جد خطيرء 
ومختل عقليًاء لكنّه ماهر بشكل يفوق الوصف. لقد جلب ذلك الأحمق كواين 
إلى حيث يريد» وذلك باللعب على نرجسيّته» ولستٌ الوحيد للتفكير بذلك.» 

رمى سترايك المعطف لروبن التي التقطته. فيما كانت ترتديه؛ راح هو 
يدسٌ أكياس حفظ الأدلّة في جيوبه الداخليّة. 

«لا ينفك الآخرون يؤكدون لي بأنّ ثمّة شخصًا آخر متورّطًا: تشارد يقول 
إنّه والدغريفء ووالدغريف يقول إِنّْها تاسيل. أمَا بيبا ميدغلي فشديدة الغباء 
لتتبيّن ما هو واضح وضوح الشمس أمام أنفهاء وكريستيان فيشرء حسئًاء هو 
على مسافة أبعد لأنّه غير مذكور في الكتاب. وقد اكتشف ذلك بمحض 
الصدفة.» 


مكتبة دودة الحرير 475 


كانت روبن تحاول جاهدةً فهم نصفب ما يقوله سترايكء فيما ساورتها 
الشكوك حول ما تمكّنت من فهمه. لكنها وبكل طيبة خاطرء نزلت خلف 
سترايك على السلّم المعدنيء ومن ثمّ خرجت برفقته إلى الصقيع . 

«هذه الجريمة...»» قال سترايك وهو يُشعل سيجارة بينما كانا يسيران 
صعودًا في شارع الدانمارك «خْطّْط لها قبل أشهرء إن لم يكن سنوات. هي 
صنيعة عبقريٌّ عندما تفكرين مليًا في الأمر. لكنها متقَّنّة التفاصيل وذلك ما 
سيكشف الفاعل. لا يمكنكِ التخطيط لجريمة قتل وكأنّكِ تكتبين حبكة رواية. 
هناك دائمًا تفاصيل غير قابلة للتحديد في الحياة الواقعيّة.» 

كان سترايك يعي تمامًا أنه لم يُقنع روبن, لكنّ ذلك لم يقلقه. فقد عمل 
مع الكثير من المرؤوسين المشككين من قبل. نزلا ما إلى نفق المترو واستقلًا 
الخط المركزي. 

«ماذا اشتريت لأبناء أختك؟» سألته روبن بعد صمت طويل. 

«عدّة تمويه وأسلحة بلاستيكيّة», أجاب سترايك الذي كان يتمنّى 
في قرارة نفسه أن يثير اختياره غيظ صهره؛ «وجلبتُ لتيموثي أنستيس طبلا 
كبيرًا. سيستمتعون للغاية في الخامسة من فجر عيد الميلاد.» 

ضحكت روبن بسخرية على الرغم من انشغال بالها. 

مثله مثل سائر مدينة لندن» كان صف المنازل الهادئة الذي هرب 
كواين من أحدها قبل شهر مغطى بالثلج. ثلج ناصع البياض على السطوح, 
وبِنْيًا متّسخًا تحت النعال. إبتسم رجل الإسكيمو البشوش لهما من أعلى لافتة 
الحانة عندما مرًا تحتهاء وكأنّه ملاك ساهر على الشارع. 

لم يكن سترايك يعرف الشرطيّ الجديد الواقف أمام منزل آل كواين. 
بمحاذاة الرصيف, لاحظ شاحنة بيضاء مركونة وأبوابها الخلفيّة مشرّعة. 

«يحفرون بحئًا عن الأحشاء في الحديقة», همس سترايك لروبن عندما 
اقتربا وشاهدا رفوشًا داخل الشاحنة. «لم يحالفهم الحظّ في ماكينغ مارشز 
كما ولن يعثروا على شيء تحت مزروعات ليونورا.» 

«إن كنت تقول ذلك»», ردَّت روبن بصوت خافت, وقد أرهبها الشرطيّ 
الذي كان يحدّق فيهما. شرطيّ لا تعوزه الوسامة. 


476 روبرت غالبریث t.me/ktabpdf‏ 


«إن كنت لتساعديني في إثبات ذلك بعد الظهر»» رذ سترايك همسًا. 
«صباح الخير»». بادر الشرطي بالتحيّة فلم يجب. 

بدا سترايك مُفعمًا بالنشاط والحيويّة بفعل نظريّته المجنونة. لكن؛ إن 
كان على صواب على الرغم من ضآلة ذلك الاحتمال؛ كما فكرت روبن فالجنّة 
المفرّغة من أحشائها لن تكون العنصر الوحيد البشع في القضيّة... 

توجّها نحو مدخل المنزل المجاور لمنزل آل كواين» فكادا أن يلامسا 
الشرطيّ المُستنفر في طريقهما. رنَّ سترايك الجرس. فُتح الباب بعد برهة 
ليكشف عن امرأة قصيرة في حوالى السئّين من العمر. كانت ترتدي مبذلًا 
وخقين دافئين مُريحين. 

«هل أنت إدنا؟» سأل سترايك. 

«نعم»» أجابت بوجل وهي ترفع نظرها إليه. 

عندما قدّم سترايك نفسه وروبن استرخت إدنا وانفرجت أساريرها. 

«آه» هذا أنت؟ ليونورا أخبرتني الكثير عنك. أنت تساعدهاء وستخرجها 
من السجن, أليس كذلك؟» 

شعرت روبن بالحرج لأنّ الشرطيّ الوسيم كان يسمع كل الحديث 
الدائر. 

«تفضّلا بالدخول». قالت إدنا بنبرة فرحة وهي تتراجع مفسحةٌ لهما 
المجال. 

«سيّدة... آسف ولكتني لا أعرف اسم شهرتك»» قال سترايك وهو 
يمسح حذاءه على ممسحة الأقدام (كان بيتها دافئاء ونظيقًاء ومريحًا أكثر من 
منزل آل كواين مع أنّهما متطابقا التصميم). 

«نادني إدنا»» قالت وهي تبتسم ابتسامة عريضة. 

«شكرًا لك يا إدنا. تعلمين؟ عليك أن تسألي عن أوراق الناس الثبوتيّة 
قبل أن تُدخليهم إلى بيتك.» 

«أوه» لكنّ ليونورا...», بدأت إدنا مرتبكة, «أخبرتني كل شيء عنك...» 

مع ذلكء أصرٌ سترايك على أن يريها رخصة القيادة» ومن ثم تبعها عبر 
الممر إلى المطبخ الأزرق والأبيضء والأكثر إشرافًا من مطبخ ليونورا. 


مكتبة دودة الحرير A477‏ 


«إِنّها فوق»» قالت إدنا عندما شرح سترايك أنّهما قدما لرؤية أورلندو. 
«ليست في أحسن أحوالها اليوم. أتريدان قهوة؟.» بينما كانت تتنقّل برشاقة 
لجلب الفناجين؛ راحت تغدق عليهما سيولًا من الكلمات, كما قد يفعل أيّ 
شخص وحيد ومتوثر. 

«لا تسيئا فهمي. لست منزعجة من وجودها هناء تلك الصغيرة 
المسكينة؛ لكن...» حدجت سترايك وروبن بنظرة يائسة ثم أفلتت منها 
الكلمات «لكن, إلى متى؟ ليس لديهما من عائلة. جاءت مُساعدة اجتماعيّة 
أمس لتفقّد أحوال أورلندو. قالت إن كنتُ عاجزة عن الاعتناء بهاء فسيتمّ 
نقلها إلى دار الأيتام أو شيء من هذا القبيل. حينئذٍ, أجبتُ: لا يمكن أن 
تفعلوا ذلك بهاء فهي لم تفترق عن أمّها البئّة. لاه ليس عليها سوى البقاء معي 
لكن...» 

أشارت إدنا بنظرها إلى السقف. 

«حاليًا هي مضطربةء ومكتئبة جدًا. تريد فقط أن تعود أمّها إلى البيت, 
وماذا عساي أقول لها؟ لا أستطيع أن أخبرها بالحقيقة, لا؟ وهؤلاء على مقربة 
منا! يحفرون الحديقة بأكملهاء وقد نبشوا حتّى السيّد قذر...» 

«هر ميت»» أسرٌ سترايك إلى روبن» بينما طفرت الدموع خلف نظارة 
إدنا وسالت على وجنتيها المكوّرتين. 

«الصغيرة المسكينة»» كزرت ثانية. 

بعدما قدّمت إدنا القهوة لزائريهاء توجّهت إلى أعلى لإحضار أورلندو. 
إستغرقت عشر دقائق كاملة لتُقنع الفتاة بالنزول» لكن» حين رآها سترايك 
تدخل متجهّمة الملامح بلباس رياضيّ متّسخ, سر إذ لاحظ تشيكي مانكي 
معلّقًا حول عنقها. 

«إسمه اسم عملاق»» أعلنت أورلندو لكل من في المطبخ حالما لمحت 
سترايك. 

«هذا صحيح»». هر سترايك رأسه موافقًاء «ذاكرتك ممتازة.» 

جلست أورلندو بخقّة على الكرسيّ الذي سحبته لها إدناء وهي تحتضن 
قردها-الدمية بإحكام. 


478 روبرت غالبریث t.me/ktabpdf‏ 


«أنا روبن»» قالت روبن وهي تبتسم لهاء «وروبن هو اسم أبو الحنّاء, 
العصفور ذو البطن الأحمر بالإنكليزيّة.» 

«عصفور أحمر!», صاحت أورلندو على الفور» «ودودو أيضًا اسم طائر.» 

«إِنّها الكنية التي يناديها بها أمَها وأبوها.» أوضحت إدنا. 

«نحن الاثنتان من الطيور»» قالت روبن. 

حدّقت فيها أورلندوء ثم نهضت وخرجت من المطبخ من دون أن 


تتفوّه بكلمة. 
تنهّدت إدنا تنهيدة طويلة. 


«تغضب من أي شيء. ولا نعلم البتّة إن كانت ل...» 

لكنْ أورلندو ما لبثت أن عادت ومعها أقلام تلوين ودفتر رسم ذي 
سلك لولبيء لا بدّ اشترته إدنا لها لتهدئتهاء كما خمّن سترايك. جلست أورلندو 
إلى طاولة المطبخ وابتسمت لروبن ابتسامة عريضة وعذبة جعلت قلبها 
يعتصر حنانًا. 

«سأرسم لك عصفور أبا الحتاء»» أعلنت أورلندو. 

«يسعدني ذلك»» قالت روبن. 

شرعت أورلندو بالعمل ورأس لسانها يبرز بين أسنانها. لم تقل روبن 
شيئًاء بل راحت تراقب بصمت تطؤر شكل العصفور. حين لاحظ سترايك أنّ 
روبن تتدبّر أمرها مع أورلندو أفضل بكثير مما قد يفعل هوء اغتنم الفرصة 
ليلتهم قطعة بسكويت بالشوكولاته قدّمتها إدنا له وأخذ يتبادل معها أطراف 
الحديث حول آخر العواصف الثلجيّة. 

أنجزت أورلندو الرسم أخيرًا. نزعته من الدفتر ودفعته نحو روبن. 

«إّه جميل»» قالت روبن بابتسامة مشرقة» «أتمنّى لو أستطيع أن أقدّم 
لكِ طائر الدودوء لكتّني لا أحسن الرسم.» كان سترايك يُدرِك أنّها تكذب. لأنّه 
سبق أن لإحظ رسومها المزخرفة الجميلة التي كانت تخطها في هوامش الورق» 
«مع ذلك. سأعطيك شيئًا بالمقابل.» 

بحثت في حقيبتهاء بينما كانت أورلندو تراقبها بلهفة. واستخرجت 
في النهاية مرآة دائريّة صغيرة ظهرها مزيّن بعصفور زهريّ بديع. 


مكقرة دودة الحرير 479 


«ها هو». قالت روبن,» «أنظري. إن طائر التُحام. طائر آخر. يمكنك 


الاحتفاظ بها.» 
إستلمت أورلندو هديّتها فاغرةً فمهاء وحدّقت فيها مطوّلًا. 
«قولي شكرًا للسيّدة», حثّتها إدنا. 


«شكرًا لك». قالت أورلندو ودسّت المرآة داخل جعبة البيجاما. 

«قردك هذا حقيبة-جعبة إِذا؟» سألتها روبن مبدية اهتمامًا شديدًا. 

«قردي»» قالت أورلندو وهي تتش * تتشبّث بدميتهاء «أبي أعطاني إيّاه. وأبي 
قد مات.» 

«آسفة لسماع ذلك»» قالت روبن بهدوء» وقد تمنّت لو لم تخطر ببالها 
صورة كواين» بجذعه الأجوّف كجعبة البيجاما... 

نظر سترايك إلى ساعته خلسةً. موعده مع فانكورت يقترب. رشفت 
روبن بعض القهوة وسألت: 

«هل تحتفظين برسومك داخل قردك؟» 

«أحتٍ شعرك»» قالت أورلندو «إنه لامع وأصفر.» 

«شكرًا لك»» قالت روبن» هل لديك رسوم أخرى هنا؟» 

هرّت أورلندو رأسها. 

«هل أستطيع الحصول على قطعة بسكويت؟» سألت إدنا. 

«هل أستطيع أن أرى رسومك الأخرى؟» سألت روبن أورلندو التي 
كانت تمضغ بعناية. 

وبعد برهة من التفكيرء فتحت أورلندو قردها. 

أخرجت منه حزمة من الرسوم المتغضّنة؛ تشكيلة من الورق مختلفة 
المقاسات والألوان. لم يجرؤ أيّ من سترايك أو روبن على لمسهاء وإِنّما أبديا 
تعليقات إعجاب بينما راحت أورلندو تبسطها على الطاولة. أخذت روبن 
تطرح أسئلة عن نجمة البحر الزاهية وجوقة الملائكة الراقصة التي رسمتها 
أورلندو بقلم رصاص 0 ان سائل. كانت أورلندو تطفح سرورًا بالتقدير 
الذي تحظى به» فراحت تنقّب في جعبتها لتُخرج منها المزيد. حين لمح 
سترايك خرطوشة آلة كاتبة مستعملة طويلة ورماديّة اللون, وذات شريط حبر 


480 روبرت غالبریٹ t.me/ktabpdf‏ 


رفيع يحمل بصمات حروف معكوسة» جاهد ليقاوم رغبة الانقضاض عليها. 
سرعان ما اختفت الخرطوشة تحت علبة أقلام تلوين وعلبة سكاكر بنكهة 
النعناع» لكنّه أبقاها تحت نظره بينما بسطت أورلندو رسمًا لفراشة على ورقة 
شفافة تظهر من خلالها آثار سطور خطّت بيد عصبيّة. 

وبتشجيع من روبنء أخرجت أورلندو المزيد من كنوزها: بطاقات 
لاصقة, وبطاقة بريديّة لتلال مينديب هيلز, ومغنطيس قابل للصق على البرّاد 
كُتب عليه حاذري! وإِلًا انتهيتٍ كأحد أبطال روايتي! أخيرًا عرضت عليهم 
ثلاثة رسوم على ورق ذي نوعيّة أفضل: نسختان أوَليّتان بالألوان عن كتاب 
مصوّر. وغلاف كتاب زائف. 

«عاد بها والدي من مكان عمله وقدّمها لي»., قالت أورلندو. «أردت 
أن آخذها ولمسني دانيلشار». تابعت مشيرةًٌ إلى صورة زاهية الألوان عرفها 
سترايك فورًا: كايلا: الكنغر التي تهوى القفز. كانت أورلندو قد أضافت قبّعة 
وحقيبة يد لكايلا وملآت الفسحة البيضاء برسم ملوّن لأميرة تتحدّث إلى 
ضفدع. ّْ 

سْرّت إدنا لمشاهدة أورلندو منهمكة في الحديث, فأعدّت مزيدًا 
من القهوة. كان سترايك وروبن يدركان أن الوقت يمرّء لكنّهما فضّلا عدم 
استعجال أورلندو. خشيةٌ من أن تجفل فتعيد إخفاء كنوزها لحمايتها. لذا 
اكتفيا بتفحخص الرسوم, واحدًا تلو الآخر» مع تبادل أطراف الحديث بهدوء. 
كلّما وقعت روبن على ورقة قد تثير الاهتمام؛ مرّرتها جانبيًا إلى سترايك. 

كان هناك قائمة بأسماء مدوّنة على ظهر رسم الفراشة: 


سام بريفيل. إدي بوين؟ إدوارد باسكنفيل؟ ستيفن بروك؟ 


كانت البطاقة البريديّة التي تحمل صورة تلال مينديب هيلز قد 
رسلت في يوليو وكتب عليها رسالة قصيرة: 


أ 


الطقس رائع» لكنْ الفندق مخيّب للأمل. أرجو أن يكون الكتاب قيد 
الإتمام! قبلاتي- ف. 


مگثزة دودة الحرير 481 


لم يكن هناك من تدوينات أخرى. تعرّف سترايك على بعض الرسوم 
التي أرته أورلندو إِيّاها خلال زيارته الأخيرة» ومنها رسم على ظهر قائمة طعام 
للأطفال» وآخر على قفا فاتورة غاز. 

«حسئًا. يجدر بنا الذهاب». قال سترايك بنبرة أسف جد مهذّبة. وعلى 
الفورء أنهى ما تبقّى من قهوته وهو يمسك شبه غافل؛ بصورة غلاف كتاب 
دوركوس بينغيللي؛ الصخور الشيطانية. كان الرسم عبارة عن امرأة مستلقية 
على حصى شاطىء رمليَ ضيّق عند أسفل جرف شديد الانحدار, يلوح ما فوق 
صدرها ظلّ رجل. وقد أضافت أورلندو سمكة سوداء ذات خطوط كثيفة وسط 
الأمواج المضطربة. حرص سترايك على إمساك الغلاف بشكل يخبّىء خرطوشة 


الآلة الكاتبة المستعملة. 
«لا أريدك أن تذهبي »» قالت أورلندو لروبنء بنبرة متوسّلة وقد 
اغرورقت عيناها بالدموع. 


«أمضينا وقنًا ممتعًا مكاء أليس كذلك؟» قالت روبن. «أنا واثقة من 
أنَّنا سنلتقي ثانيةٌ. ستحتفظين بمرآة طائر التُحام, وأنا آخذ رسم العصفور 
الأحمر...» 

لكنّ أورلندو أخذت تنتحب وتقرع الأرض بقدميها غاضبةٌ. هي لا تريد 
وداعًا آخر. إغتنم سترايك الفرصة؛ لكي يلف خلسةٌ خرطوشة الآلة الكاتبة 
بصورة الغلاف, لعدم ترك أيَةَ بصمات عليهاء ثمّ دسّها في جيبه. 

بعد مضيّ خمس دقائق, خرج الثنائي إلى الشارع. كانت روبن متأثّرة 
للمشهد المأساوي الذي شهدته للتوّ: تشبّثت أورلندو بها باكيةً لمنعها من 
الل انه اغ لداع الف وها اتر 

«مسكينة»» قالت روبن بصوت خافتء كي لا يسمعها الشرطيّ 
القريبء «يا إلهيء كان ذلك رهيبًا!» 

«رهيب وإِنّما مفيد», أجاب سترايك. 

«هل حصلت على شريط الآلة الكاتبة؟» 


482 روبرت غالبریٹ t.me/ktabpdf‏ 


«أجل»» قال سترايك وهو يتلقت خلفه للتحقّق من أن الشرطيَ بات 
بعيدًا عن النظر قبل أن ُخرج الخرطوشة» التي لا تزال ملفوفة بغلاف كتاب 
دوركوسء ويسقطها في كيس الأدلّة البلاستيكيّ. «وأكثر أيضًا.» 

«حقًا؟» سألت روبن متفاجئة. 

«عثرث على خيط دليلء ربّما لن يكون نافعًا», قال سترايك, «سنرى 
لاحقًا.» 

بعد أن ألقى نظرة أخيرة على ساعته, أراد حثّ الخطى لكنّ ركبته 
استنكرت جهده هذا على الفور. 

«لا أريد أن أتأخّر عن موعدي مع فانكورت»» قال وهو يعبس من شدّة 
الألم. 

بعد عشرين دقيقة, وفي المترو المزدحم الذي كان يعود بهما إلى 
وسط المدينة» قال سترايك: 

«هل فهمت ما عليك القيام به بعد الظهر؟» 

«أجل على ما أظنّ»: قالت روبنء ولكن بنبرة متحقّظة. 

«أعرف أنّه ليس عملا ممتعًا...» 

«ليس هذا ما يقلقني.» 

«وكما قلت لك. لا داعي للقلق؛ فلا شيء خطر»» تابع وهو يعد نفسه 
للوقوف عندما اقتربا من توتنهام كورت رود. «لكن...» 

دعاه شيء ما إلى إعادة التفكيرء فقطب حاجبيه الكثيفين. 

«شعرك!» 

«ما بال شعري؟» سألت روبن ورفعت يدها تتلمّس خصلاتها مرتبكة. 

«من السهل تمييزه»» قال سترايك «أليس لديك من قبّعة؟» 

«يمكن... يمكنني أن أشتري واحدة»» قالت روبن وقد سيطر عليها 
شعور غريب بالانزعاج. 

«إحسمي ثمنها من صندوق المشتريات, فلا ضير في أخذ بعض 
الحيطة.» 


03 


طاب يومك! أي نفحة من الخْيلاء تأتي بك 
إلي؟! 
ويليام شکسبیر» «تيمون الأثينيٌ» 


شق سترايك دربه وسط شارع أكسفورد المزدحم, الصادح بأجواق ترانيم 
العيد وغيرها من الموسيقى الاحتفاليّة» ثمّ انعطف إلى اليسار ليدخل شارع 
دين الأضيق والأكثر هدوءًا. لا متاجر هناء وإِنّما فقط مبانٍ مربّعة. مرصوصة 
بعضها إلى جانب بعض وذات واجهات متنوّعة - بيضاءء, حمراءء أو بنّية 
ضاربة إلى الرماديّ - تحتوي مكاتب أو حانات أو مقاهي أو مطاعم صغيرة. 
توفّف سترايك قليلًا لإتاحة المجال أمام مرور بعض صناديق النبيذ من شاحنة 
تسليم إلى مدخل خدمة أحد المطاعم. هنا في محلّة سوهو. حيث يمتزج 
عالم الفنون؛ والكتاب, والإعلانات, يتمّ الاحتفاء بعيد الميلاد بصورة أكثر 
احتشامًا وأكثر رهافةً. وبالأخصٌ في نادي غروتشو. 

بناء رماديء شبه مجهولء بنوافذه ذات الأطر الخشبيّة الداكنة 
والشجيرات المشذدّبة خلف «رابزونات دائريّة من الحديد المنحوت. لم 
تكن سمعة النادي تكمن في مظهره الخارجيّ وإِنّما في كونه مؤسّسة خاصّة 
تقتصر على نخبة ضئيلة من أهل الفنون. إجتاز سترايك العتبة بخطى عرجاء 


484 روبرت غالبریث t.me/ktabpdf‏ 


ليجد نفسه في ردهة صغيرة حيث استقبلته بلطف شابّة تجلس خلف منضدة 
طويلة: 

«بم أخدمك؟» 

«لديّ موعد مع مايكل فانكورت.» 

«آوه» أجل... أنت السيّد سترايك؟» 

«(صحيح.» 

بحسب إرشاداتهاء سار بمحاذاة صالة البار. حيث جلس أعضاء النادي 
يحتسون الشراب في مقاعد جلديّة مُريحة» ثمّ صعد إلى الطابق الأول وهو 
يستذكر المرحلة التي كان يعمل فيها كمحقّق لدى مكتب الأمن. لم يكن 
التدريب الذي تلقّاه قد هيّأه لإجراء استجوابات رسميّة بناءً إلى دعوة من 
مشتبه به» يتمتّع بكامل الحرّية لإنهاء اللقاء من دون سبب أو اعتذار. كان 
مكتب التحقيقات الأمنيّة يفرض على ضبّاطه تصنيف المعطيات التي 
حصلوا عليها في خانات محدّدة مسبمًا: الأشخاص, والأماكن, والأشياء... 
تلك المنهجيّة الصارمة قد أثبتت فعاليّتها وغالبًا ما كان سترايك يحترمها. 
وإنّما هناء كان يفضّل أن يخفي عن مُحادثيه أنه يخرن إفاداتهم في خانات أو 
علب ذهنية. عند استجواب أشخاص يعتقدون أَنَّهم يسدون خدمة لمجرّد 
التحدّث إليك؛ يجب اعتماد تقنيّات مختلفة. 

لمح هدفه على الفور لدى دخوله صالة ثانية: أرضيّة خشبية تستقبل 
أرائك ذات ألوان أوّلية مرصوفة على امتداد الجدران المزيّنة بلوحات فنيّة 
معاصرة. كان فانكورت جالسًا بشكل مائل» على أريكة حمراء زاهية» وذراعه 
مرخاة على ظهرهاء وإحدى ساقيه مرفوعة بعض الشيء. من الواضح أنّه أراد 
الظهور في وضعيّة استرخاء. كانت لوحة نقطيّة لداميان هيرست معلّقة خلف 
رأسه وكأنما تكلله بهالة وهاجة. 

كان للكاتب شعر كثيف داكن يخالطه الشيبء. وقسمات حادة, 
وخطوط غائرة حول فمه. ما لبث أن ابتسم عندما اقترب سترايك. لم تكن 
بالابتسامة التي قد يقابل بها من يعتبره ندّه (وضعيّته التي تتصنّع الاسترخاء 


مكتبة دودة الحرير 485 


والهدوء» وملامحه المتجهمة خير دليل على ذلك)» بل بادرة للتحسين من 
صورته وتلطيفها. 

«سيّد سترايك.» 

رما فكر لوهلة في النهوض لمصافحتهء لكنّ طول سترايك وضخامته 
غالبًا ما كانا يثنيان الرجال الضئيلي الحجم عن النهوض للوقوف قبالته. بقي 
الكاتب مسمُّرًا على مقعده. فتصافح الرجلان عبر الطاولة الخشبيّة الصغيرة. 
بحث سترايك عن كنبة أو مقعد قريب فلم يجد شيئًا. بما أنّه لم يشأ الجلوس 
على الأريكة بملاصقة فانكورت - وضعيّة حميميّة, لا سيّما أنّ ذراع المؤلف 
ممدودة على ظهرها - انتهى باختيار وسادة منفوخة, صلبة وإِنّما لا تناسب 
لا حجمه ولا ركبته الموجعة. 

عند الطاولة المجاورة لمح سترايك رجلًا حليق الرأس؛ كان نجمًا سابقًا 
للكوميديا التلفزيونيّة. وقد تحوّل مؤْخَّرًا إلى الدراما في دور جنديّ على 
البي بي سي. كان يبوح وبصوت جهور بمكنونات نفسه أمام رجلين آخرين. 
طلب فانكورت وسترايك المشروب, لكتهما اعتذرا عن قائمة الطعام. لم يكن 
فانكورت جائعًاء ما أفرح سترايك الذي لم يكن في وسعه تحمّل كلفة غداء 
آخر. 

«منذ متى أنت من أعضاء النادي؟» سأل سترايك فانكورت عندما 
غادر النادل. 

«منذ افتتاحه. كنتٌ من أوّل المستثمرين»: أجاب فانكورتء «إِنّه 
النادي الوحيد الذي يناسبني. يمكنني حنّى أن أنام هنا إن دعت الحاجة. 
هناك غرف في الأعلى.» 

كان فانكورت يرمق سترايك بنظرة متعمّدة حادّة. 

«كنت أتطلّع إلى اللقاء بك. بطل روايتي التالية محارب قديم في 
ما يُدعى حرب مكافحة الإرهاب. قد أستشيرك بكل سرور بعد أن نفرغ من 
موضوع أوين كواين.» 

كان سترايك يعرف حيل وأحابيل المشاهير عندما يرغبون في التلاعب 
بالغير. على سبيل المثال: كان ريك والد لوسي وعازف الغيتار, والأقلّ شهرة 


486 روبرت غالبریث t.me/ktabpdf‏ 


من والد سترايك أو فانكورت, لكنّه معروف ما يكفي ليميّزه المارّة في الشارع, 
قد روى له ذات يوم أنّ امرأة في منتصف العمر شهقت مرتجفةً عندما رأته 
واقفًا في الصف أمام كشك المثلّجات في سانت موزء وهتفت «يا إلهي! - 
ولكن ماذا تفعل هنا؟» وقد أسرّ ريك ذات مرّة لسترايك المراهق أنّ الطريقة 
الوحيدة المضمونة لاجتذاب امرأة هي أن تخبرها بأنّك تكتب أغنية عنها. إِذَا 
حين يقول فانكورت بأنّه سيستلهم سترايك في روايته المقبلة. فيجب عدم 
اعتبار ذلك سوى نسخة معدّلة عن الحيلة عينها. من الواضح أنّه لم يفهم 
أن المحقّق لا يأبه على الإطلاق لورود اسمه في كتاب - الأمر الذي حدث 
في السابق. لذاء شكره سترايك بحركة صغيرة من رأسه» قبل أن يخرج دفتر 


ملاحظاته. 
«أتمانع في أن أستخدمه؟ هذا يساعدني في تذكر الأسئلة التي أريد 
طرحها. » 


«خذ راحتك»» قال فانكورت, وبدا أنّ الأمر يمتعه. وضع جانبًا صحيفة 
الغارديان التي كان يقرأها. لمح سترايك صورة رجل مسن كثير التجاعيد لكنّ 
مظهره متميّز ومألوف مع أنّ الصحيفة كانت مقلوبة. لم يحتج إلى قراءة 
التعليق: بينكلمان في التسعين, ليتعرّف عليه. 

«عزيزي بينكز...». قال فانكورت ملاحظًا اتجاه نظرات سترايك؛ «نقيم 
له حفلة تكريميّة صغيرة في نادي تشيلسي للفنون, في الأسبوع المقبل.» 

«حقًا؟». قال سترايك وهو يبحث عن قلم. 

«كان يعرف عمّي. أذّيا خدمة العَلّم معًا»» تابع فانكورت» «وعندما 
كتبت روايتي الأولى» بيلافرونت - کنٹ قد تخرّجت للتوَ من أكسفورد - 
أرسل عمّي الذي كان يحاول مساعدتي مخطوطتي إلى بينكلمان؛ الكاتب 
الوحيد الذي يعرفه.» 

كان يتحدّث بعبارات مدروسة. كما لو أنْ سكرتيرًا خفيًا يسجّل 
بالاختزال كل كلمة يقولها. هذه القضة لا تمت بصلة إلى العفويّة, فكر سترايك. 
كما لو أنه كرّرها عدّة مرّات. ربّما يكون قد فعل فهو رجل تجرى معه مقابلات 
كثيرة. 


مكتبة دودة الحرير 487 


«لم يفهم بينكلمان - كان آنذاك قد كتب ساغا مغامرات بونتي 
الرائعة - أيّ كلمة من نثري»» تابع فانكورت, «لكنّه وبهدف إرضاء عمّي قدّم 
الكتاب إلى دار تشارد بوكزء فحط رحاله مصادفة على مكتب الشخص الوحيد 
الذي يمكن أن يقذّره.» 

«ضربة حظ»» قال سترايك. 

عاد النادل حاملًا النبيذ لفانكورت وكوب ماء لسترايك. 

«إذاء هل كنت تردّ الجميل عندما عرّفت بينكلمان إلى وكيلتك؟» سأل 
المحقق. 

«نعم», أجاب فانكورت, وألمحت هرّة رأسه إلى تفصّل أستاذ سعيد 
بالإشارة إلى نباهة تلميذه. «في تلك الأيّام. كان بينكز يتعامل مع أحد الوكلاء 
النضابين والذين ينسون باستمرار تسديد حقوق التأليف. بصرف النظر عن 
رأي الجميع بإليزابيث تاسيلء فهي نزيهة - أقلّه في الشؤون الماليّة». صحّح 
فانكورت قوله» وهو يحتسي النبيذ. 

«ستكون حاضرة هي أيضًا فق حفلة بينكلمان» أليس كذلك؟» سأل 
سترايك مراقبًا فانكورت لرصد رد فعله» «لا تزال تمثّله, أليس كذلك؟» 

«لا يهمّني إذا حضرت ليز الحفلة. هل تتصور أنّني ما زلت أحمل لها 
الضغينة؟» سأل فانكورت مبتسمًا ابتسامة غير ودّية» «قد تمرّ سنة بأكملها 
دون أن تخطر ليز تاسيل على بالي.» 

«لماذا رفصّت التخلّي عن كواين عندما طلبتَ منها ذلك؟» سأله 
سترايك. 

لم يجد سترايك مانعًا في توجيه هجوم مباشر على رجل أعلن عن نيّته 
في الاجتماع به مجدّدًا لتأليف كتابء. بعد عشر ثوان من لقائهما الآوّل. 

«لم أأطلب منها ذلك أبدًا»» قال فانكورت» ا محسوبة لعدم إجفال 
السكرتير -المُدوّن الخفيْ. «أوضحتُ فحسب أنّني لا أستطيع التعامل معها 
طالما كواين ضمن مؤسّستهاء وغادرثٌ.» 

«فهمت»» قال سترايك الذي اعتاد الإجابات المُنمّقة «لماذا برأيك 
تركت ترحل؟ كنت أنت الصيد الأثمن» أليس كذلك؟» 


488 روبرت غالبریث t.me/ktabpdf‏ 


«أعتقد أنّه من العدل القول إنني كنت البراكودا بينما كواين سمكة أبي 
شوكة»» قال فانكورت بابتسامة مصطنعة» «لكن» ليز وكواين كانا عشيقين.» 

«حقًا؟ لم أكن أعرف ذلك». قال سترايك وهو ينقر على رأس قلمه. 

«ذات يوم» وصلت ليز إلى أكسفورد؛ فتاة طويلة وضخمة تساعد 
والدها في إخصاء الثيران وما شابه في مختلف المزارع الشماليّة. كانت تتوق 
إلى مَن يضاجعهاء ولم يكن أحد يميل إلى التكرّس لتلك المهمّة. كانت قد 
عقدت آمالها عليء آمالّا كبرى - كنا نتشارك الوصىيّ عينه, حبكة عاطفيّة 
مشوقة على الطريقة اليعقوبيّة - لكن, لم أكن لأحبّ غيري ما يكفي لتخليصها 
من عذريّتهاء فبقينا صديقين. عندما أنشأت مؤسّستها الأدبيّة عرّفتها إلى 
كواين الذي كان ليكتفي باليسير من الناحية الجنسيّة. وحدث المحتوم.» 

«أمر جدّ مثير للاهتمام»» قال سترايك. «هل ذاع الخبر؟» 

«أشك في ذلك. كان كواين متزوْجًا من... قاتلته, أفترض أنّ علينا 
تسميتها كذلك الآنء لا؟», قال فانكورت وهو مغرق في التفكيرء «أتصوّر أنّ 
صفة قاتلة تتغلب على زوجة في ما يتعلّق بالعلاقات الحميمة؟ حسئاء بإيجاز, 
ربّما هدّدته ليز بالويل والثبور إذا ما ثرثر هنا وهناك كعادته. يجب القول إِنها 
كانت لا تزال تأمل بأن أبادلها الشعور.» 

تساءل سترايك إذا كان ذلك غرورًا أعمى, أو واقعَاء أو مزيجًا من الاثنين؟ 

«لم تنفك ترمقني بعينيها الواسعتين كعيني البقرة منتظرة. 
ومتأمّلة...» تابع فانكورت لاويًا فمه في تكشيرة خبيثة. «بعد وفاة إيللي, 
أدركث أنّني لن أواسيها حنّى ولو عَن حداد ويأس. أتصور أنْها لم تعد تحتمل 
فكرة البقاء عازبة طوال حياتهاء لذا بقيت مع رجُلها.» 

«هل تحدّئتٌ إلى كواين بعد أن تركتٌ الوكالة؟» سأل سترايك. 

«في السنوات القليلة الأولى التي أعقبت وفاة إيلليء كان يتجنّب أيّ 
حانة أرتادها. في النهاية استجمع ما يكفي من الشجاعة لعدم تبديل وجهة 
سيره إذا ما صادفني في الشارع. إن حدث أن تواجدنا في المطعم عينه. لم 
يكن لينهض عن كرسيه لكنّه كان يراقبني خلسةٌ بطرف عينه. له لا أعتقد أنّنا 


5 ١ 


مكقرة دودة الحرير 489 


تحدّثنا ثانيةٌ». قال فانكورت, كما لو أن المسألة قليلة الأهمية. «لقد أصبتَ 
في أفغانستان» على ما أعتقد؟» 

«أجل.» أجاب سترايك. 

فكر سترايك في أنّ نظراته الداكنة والثاقبة ربّما كانت لتنجح مع 
النساء. ربّما استمال أوين كواينء كاثرين كينت وبيبا ميدغلي بتحديق 
نهم متوحّش ممائل عندما أخبرهما بأنّه سيذكرهما في بومبيكس موري... 
وقد ارتعشتا متعةً لفكرة تخليد جزء من نفسيهماء وحياتهماء في جواهر نثر 
الكاتب... 

«وكيف حدث ذلك؟» أصرّ فانكورت وهو ينظر إلى ساقي سترايك. 

«متفجّرة يدويّة الصنع», أجاب سترايك. «ماذا عن تالغارث رود؟ أنث 
وكواين تملكان المنزل معًا. لا بد من أنكما كنتما على تواصل بهذا الشأن. ألم 
تلتق به ولو مصادفة هناك؟» 

«أبدًا.» 

«ألم تذهب إلى هناك لتفقّد المنزل؟ أنت تمتلكه... منذ كم...؟» 

«عشرون أو خمس وعشرون سنة» أو ما شابه»» قال فانكورت بلامبالاة: 
«لا؛ لم أذهب إلى هناك منذ وفاة جو.» 

«أحسب أنّ الشرطة سألتك عن المرأة التي تزعم بأنّها رأتك خارج 
المنزل في الثامن من نوفمبر/تشرين الثاني؟» 

«أجل»» رد فانكورت باقتضاب» «وكانت مخطئة.» 

كان الممثّل الجالس بجوارهما لا يزال مسترسلًا في مونولوجه: 

«... اعتقدث أنني فهمت الحيلةء لكنّني لم أعرف إلى أين يفترض بي 
أن أركض, والرمل يعمي عينيّ...» 

«إذَا لم تذهب إلى ذاك المنزل منذ عام 1986؟» 

«لا», أجاب فاتكورت بنفاد صبرء «لم أكن أنا أو أوين نريده أساسًا.» 

«ولم لا؟» 

«لأنّ صديقنا جو توفي هناك وفي ظروف استثنائية قذرة. كان يكره 
المستشفيات, ويرفض تناول الدواء. عندما دخل الغيبوبةء كان المكان في 


490 روبرت غالبریث t.me/ktabpdf‏ 


حالة مقرفة. وهوء بعدما كان تجسيدًا حيًّا لإله الجمال, تقلّص إلى كتلة من 
العظام» وجلده... كانت نهاية مُريعة, وقد زادها سوءًا دانيال تش...» 

فجأةٌ تصلّبت تعابير فانكورت. ثمَّ قام بحركة مضغ غريبة وكأنّه يلوك 
الكلمات التي لم تخرج بعد من فمه. إنتظر سترايك الباقي بصبر. 

«دان تشارد رجل مثير للاهتمام»»؛ تابع فانكورت محاولًا بوضوح 
الخروج من المأزق الذي دفع نفسه إليه, «وأعتقد أن شخصيّته في بومبيكس 
موري كانت لتستحق مزيدًا من الدقّة, لكنني أشك في أن يبحث جامعيّو 
المستقبل عن براعة الرواية السيكولوجيّة أو دقّة وصفها». أضاف ضاحكًا 
ضحكة قصيرة هازئة. 

«وأنتَ؟ كيف قل ترسم دانيال تشارد؟» سأل سترايك. 

إذ أذهله السؤال؛ اتّخذ فانكورت دقيقة للتفكير: 

«دان هو أكثر الرجال الذين التقيتهم إحباطًا. لديه الكفاءة في مجال 
تسيطر عليه النواهي والعقد والمكبوتات, ما يفسر ردّه غير الحكيم لا بل 
الهستيريّ حيال الصورة الكاريكاتوريّة التي رسمها أوين عنه. كان دان خاضتًا 
لوالدة رهيبة, سيّدة مرموقة في المجتمع أرادت أن يتولّى ابنها الذي يعاني 
من خجل مرضيء إدارة أعمال العائلة. أعتقد أَنّني أستطيع ابتكار نص مُشوّق 
من كل ذلك.» 

«لماذا رفض تشارد كتاب نورث؟» واصل سترايك. 

عاود فانكورت اجترار كلماته؛ ثم قال: 

«أتعلم؟ أحبٍ دانيال تشارد...» 

«كان لدي انطباع بوجود فتور بينكما في مرحلة ما»» قال سترايك. 

«ما الذي أوحى لك بتلك الفكرة؟» 

«قلتَ بنفسك إِنّك لم تكن تتوقع أن تعود إلى روبر تشارد عندما 
تحدّثت في حفل الذكرى السنويّة.» 

«هل كنت حاضرًا؟» سأله فانكورت بذهول. وعندما أومأ سترايك 
برأسه إيجائاء سأل: «لماذا؟» 


مگثزة دودة الحرير 491 


«كنت أبحث عن كواين. فقد استخدمتني زوجته للعثور عليه.» 

«فيما كانت تعرف مكانه تمامًاء كما قد عرفنا مِوْخَرًا.» 

«لا لا أوافقك الرأي.» 

«هل أنت جادّ؟» سأل فانكورتء ومال رأسه الكبير جانبًا. 

«نعم وأكثر من جادّ.» 

رفع فانكورت حاجبيه متأْمَلّا في سترايك بانتباه كما لو أنه تحفة في 
واجهة عرض. 

«إذًا لم تكن أي ضغينة لتشارد إذ رفض كتاب نورث؟» سأل سترايك 
عائدًا إلى صلب الموضوع. 

بعد برهة من الصمت, أجاب فانكورت: 

«بلى» غضبت منه. هو وحده يعرف لمإذا غيّر رأيه بشأن نشر الكتاب 
بعدما وعده بتوقيع عقد معه. أعتقد أنّ السبب يرجع إلى ثرثرة الصحافة عن 
حالة جو, ما أثار اشمئزاز قسم كبير من الرأي العام حيال ذلك الكتاب بدون 
امتياز الذي يوشك دان أن ينشره. لم يكن قد فهم أنّ مرض الإيدز الذي أصاب 
جو بات في مراحله النهائيّة فانتابه الهلع. لم يشأ أن يُقحم اسمه في مسائل 
منحرفة وإيدزء لذا أبلغ جو في النهاية أنه لا يريد إصدار الكتاب. كان تصرّفًا 
ينم عن جبن شديد. أوين وأنا...» 

ساد الصمت مرّة أخرى. كم من الوقت مضى منذ أن فترت الصداقة 
بين فانكورت وكواين؟ 

«اعتبرنا كواين وأنا أنّ ذلك ما شكل الضربة القاضية بالنسبة إلى جو. 
لم يعد يستطيع أن يمسك بالقلم» وقد أأصيب بالعمى الكلي» لكنّه حاول يائسًا 
أن يكمل كتابه قبل أن يموت. كان ذلك الأمر الوحيد الذي يبقيه على قيد 
الحياة. ثم وصلت رسالة تشارد التي تلغي العقد بينهما. توقف جو عن الكتابة 
وتوفي في غضون يومين.» 

«هناك تشابه مع ما حدث لزوجتك الأولى.» 

«لا صلة على الإطلاق»» قال فانكورت من دون إظهار أي تأثّر. 

«ولم لا؟» 


492 روبرت غالبریٹث t.me/ktabpdf‏ 


«كان كتاب جو أفضل بكثير.» 

مع ذلك خيّّم صمت آخره وإِنّما أطول هذه المرّة. 

«هذا إذا نظرنا في المسألة...»» قال فانكورت أخيرًاء «من منظار أدبي 
صرف. بالطبع هناك طرق أخرى للنظر في الأمر.» 

أنهى كأس النبيذ ورفع يده إلى الساقي, طلبًا للمزيد. كان الممئل 
بجوارهما لا ينفك يتحدّث وهو لا يكاد يتوفّف لالتقاط أنفاسه حنّى. 

«... قالها لي وبكل وقاحة؛ تبّا للمصداقيّة. وماذا تريدني أن أفعل, 
أقطع ذراعي؟» 

«لا بذ من أنّها كانت مرحلة عصيبة بالنسبة لك»» قال سترايك. 

«أجل»» رد فانكورت بمرارة» «نعم, أعتقد أنّ بإمكاننا وصفها 


بالعصيبة.» 

«فقدت صديقًا مقرّبًا وزوجة في غضون بضعة... ماذا؟ أشهرء أليس 
كذلك؟» 

«نعم» بضعة أشهر . » 


«ولم تتوقف عن الكتابة؟» 

«لا»» أجاب فانكورت بضحكة هستيريّة مُتعاليةء «لم أتوقف عن 
الكتابة. إِنّهها مهنتي. هل يسألك أحد إذا كنت لا تزال في الجيش بينما تمرّ 
في ظروف شخصيّة صعبة؟» 


«أشك في ذلك»» أجاب سترايك من دون عدائيّة, «وماذا كنت 


تكتب؟» 
«لم يُنشر الببّة. تركتٌ الكتاب الذي كنت أعمل عليه. كي أكمل 
كتاب جو.» 


وضع النادل كأسًا ثانية أمام فانكورت وانسحب بلباقة. 

«هل كان كتاب نورث بحاجة إلى إعادة تحرير؟» 

«لا شيء تقريبًا. كان كاتبًا ألمعيًا. حذفث فقط بعض المفردات 
الثقيلة. وعدّلت في الخاتمة. كان قد ترك ملاحظات تبيّن كيف يريد إنجاز 
العمل. ثمّ أخذت المخطوطة إلى جيري الذي كان يعمل لدى روبر.» 


مكتبة دودة الحرير 053 


تذكر سترايك ما باح به تشارد عن العلاقة الحميمة التي تجمع بين 
فانكورت وزوجة والدغريف, فتسلّح بمزيد من الحذر. 

«هل عملت مع والدغريف من قبل؟» 

«لم أتعاون معه يومًا بشأن كتاباتي, لكثني كنت قد سمعت عنه. كان 
محرّرًا موهوبًاء وكنت أعرف أنّه يقدّر جو. عملنا معًا على كتاب نحو الهدف.» 

«وقد أجاد العمل؛ أليس كذلك؟» 

كانت نوبة المزاج السيّىئ قد زالت عن فانكورت وبدا مستمتعًا بمسار 
أسئلة سترايك. 

«نعم», أجاب وأخذ رشفة من النبيذء «كان عملا متقئًا.» 

«لكتك لم تعد تريد التعاون معه الآن وقد عدت إلى روبر تشارد؟» 

«لاہ لیس على وجه التحدید»» قال وهو لا يزال مبتسمّاء «هو يفرط في 
الشرب في الآونة الأخيرة.» 

«برأيك لم ذكر كواين جيري والدغريف في بومبيكس موري؟» 

«وكيف لي أن أعرف؟» 

«يبدو أنّ والدغريف قد أحسن التصثف مع كواين. لستُ أفهم لماذا 
هاجمه كواين بهذه الشراسة.» 

«حقًا؟» سأل فانكورت وهو يحملق في سترايك. 

«لكلّ من تحدّثتٌ إليهم وجهة نظره عن شخصيّة قاطع.» 

«حقًا؟» 

«ويبدو أنّ معظمهم غاضب ومصدوم بسبب كاريكاتور والدغريف. 
لا يعرفون ماذا فعل ليستحقٌ كل ذلك. يعتقد دانيال تشارد أنّ قاطع هو دليل 
على وجود معاون لكواين.» 

«وممن قد يتعاون مع كواين في بومبيكس موري؟» قهقه فانكورت 
هازنًا. 

«لديه بضع أفكار بهذا الشأن», قال سترايك, «في غضون ذلكء يعتقد 
والدغريف أنّ قاطع هو هجوم على شخصك في الواقع.» 

«لكتني متكبّر»». رد فانكورت مبتسمًا. «والجميع يعرف ذلك.» 


494 روبرت غالبريث t.me/ktabpdf‏ 


«والحالة هذه» لماذا قد يعتقد والدغريف أَنّك قاطع؟» 

«لیس عليك سوی سؤاله»» قال فانکورت وهو لا يزال مبتسمّاء «لكن, 
لدي شعور غريب بأنك تعرف الجواب, يا سيّد سترايك. ودعني أقول لك ما 
يلي: كان كواين مخطنًا تمامًا - كما كان يجدر به التيقن.» 

طريق مسدود. 

«إذاء لم تتمكّنا طوال كل تلك السنين من بيع منزل تالغارث رود؟» 

«من الصعب جدًا العثور على شار يلبّي شروط وصيّة جو. كان جو من 
النوع المُغامر المتهوّر. كان رومانسيًا ومثاليًا. وقد أوردثُ مشاعري حيال 
كل ذلك - الإرث؛ العبء الذي كان يمثّله لناء ومرارة هذه التَركة - في منزل 
الوادي»» تابع فانكورت وكأنّه مُحاضر يوصي بقراءة كتب مكمّلة. ومن جهته 
أدلى كواين برأيه الخاصّ إن استطعتٌ القول» أضاف فانكورت مبديًا مسحة 
من ابتسامة رضىء «في الإخوة بلزاك.» 

«هل يتحدّث عن منزل تالغارث رود في الإخوة بلزاك؟» سأل سترايك 
والذي فاته هذا الجانب في الصفحات الخمسين التي قرأها. 

«تدور أحداث الرواية فيه. لكنّ القصّة تروي في الواقع علاقتنا نحن 
الثلاثة معًا. الجنّة القابعة في إحدى الزوايا هي جو. كواين وأنا الشخصيّتان 
الأخريان العازمتان على تتبّع خطاه» ومحض موته بعض المعنى. تجري 
الأحداث في المُحترف حيث أعتقد - ممّا قرأئه في الصحف - أنّك عثرت 
على جثّة كواين.» 

لم ينبس سترايك ببنت شفة. بل تابع تدوين ملاحظاته. 

«وصف الناقد هارفي بيرد الإخوة بلزاك بأنّها منفرة وتجعل أمعاءك 
تنقبض لشدّة فظاعتها وتتركك مصعوقًا لاهئًا.» 

«أذكر فقط أنّ هناك الكثير من الجنس فيها». قال سترايك وراح 
فانكورت يقهقه بخجل كالفتيات. 

«لقد قرأتهاء اليس كذلك؟ نعم» كان أوين مهووسًا بالجنس.» 

كان الممثّل بجوارهما قد توف عن الكلام ليتنفّس أخيرّاء فصدحت 
كلمات فانكورت بقوّة في الصمت الذي استتبسٌ مِؤْقنًا. إبتسم سترايك عندما 


مكتبة دودة الحرير 495 


حدّق الممثّل ورفيقاه في فانكورت الذي رمقهم بدوره بنظرة شرسة. فعاد 
الرجال الثلاثة إلى حديثهم بسرعة البرق. 

«كانت فكرة ثابتة تستحوذ عليه»» قال فانكورت ملتفًا ثانية إلى 
سترايك» «على طريقة بيكاسو» جنسه هو مصدر قدرته الخلاقة. كان مهووسًا 
طوال حياته ومسيرته المهنيّة بالفخر الذكوريْ» والفحولةء والخصوبة. ربّما 
يقول بعضهم إنّ ذلك لهاجس مستغرب عند رجل يحبّ أن يُقيّد ويُسيطر 
عليه؛ لكتّني أعتبر ذلك نتيجة طبيعيّة... الينغ واليانغ يؤلفان شخصيّة كواين 
الجنسيّة. لعلّك لاحظت التسميات التي أوردها في كتابه؟» 

«فاس وفاريكوسيل»» أجاب سترايك. من جديد» لمح الدهشة في نظرة 
فانكورت الذي يستغرب حتمًا أن يعمد رجل ببنية سترايك ومظهره إلى قراءة 
الكتب أو الاهتمام بمحتواها. 

«الفاس - الاسم المستعار لكواين - هو القناة التي تنقل النطف من 
الخصيتين إلى القضيب - القوّة الخلاقة, النفوذ والصحّة. والفاريكوسيل هو 
توزّم مؤلم للعروق في الخصيتينء يؤذّي إلى العُقم في بعض الحالات. تلك 
طريقة كواين المعهودة في الإشارة إلى أنّني أصبت بالثكاف بُعيد وفاة جو 
وكنت في الواقع شديد الاعتلال فلم أشارك في جنازته, وإلى أنّني - كما 
أشرت أنت منذ قليل - كنت أكتب في ظروف صعبة آنذاك.» 

«كنتما لا تزالان صديقين في ذلك الوقت؟» استفهم سترايك. 

«عندما بدأ الكتابة كنا لا نزال صديقين - نظريًا»» قال فانكورت وهو 
يلوي شفتيه. «لكنْ الكتاب فصيلة متوحّشة. يا سيّد سترايك. إذا كنت تريد 
صداقة تدوم عمرًا ورفقة مجّانية, فالتحق بالجيش وتعلم كيفيّة القتل. أما 
إذا أردت تحالفات أو روابط مؤقّتة مع زملاء يبتهجون كلما أخفقتَ. فاكتب 
روايات.» 

إبتسم سترايك. أضاف فانكورت بمرح فيه شيء من اللامبالاة: 

«حظيت رواية الإخوة بلزاك ببعض أسوأ المقالات اللاذعة التي قرأئها.» 

«هل عمدت إلى تحرير بعضها؟» 

«لا»» أجاب فانكورت. 


496 روبرت غالبريث t.me/ktabpdf‏ 


« كنت متأملا من زوجتك الأولى آنذاك؟» سأل سترايك. 

«هذا صحيح»» قال فانكورت. شاب وجهه نوع من القشعريرة تمامًا 
كما قد يفعل الحصان عندما تحط ذبابة على بطنه. 

«أحاول أن أرتّب الأحداث بالتسلسل الصحيح - لقد فقدتٌ زوجتك 
بعيد وفاة جو؟» 

«كلمات تلطيف الموت مثيرة للاهتمام: أليس كذلك؟» رد فانكورت 
بخقّة. «لم أفقدها. بل على العكس, تعثّرت بجثّتها الهامدة في العتمة؛ على 
أرضيّة مطبخنا. ورأسها في الفرن.» 

«آسف». قال سترايك فقط للمجاملة. 

«نعم...» 

طلب فانكورت كأسًا أخرى. أدرك سترايك أن حديثهما بلغ محورًا 
مفصليًا. ما أن يبوح مُحاوره بمكنوناته أو يصمت إلى الأبد. 

«هل تحدّثت إلى كواين بشأن المحاكاة الساخرة التي تسبّبت في 
انتحار زوجتك؟» 

«لقد أخبرتك بأنْني لم أتحدّث إليه ثانيةٌ بعد وفاة إيللي». أجاب 
فانكورت بهدوءء «لذاء جوابي هو لا.» 

«لكنّك متأكد من أنّه كتبها بنفسه؟» 

«من دون أدنى شك. على غرار كثير من الكتاب الذين ليس لديهم 
الكثير للقولء كان كواين في الواقع مقَلّدَا أدبيًا وهزليًا جيّدًا. أذكر أنّ أسلوبه 
كان طريقًا ومضحكًا عندما كان يعيد العمل على نصوص جو. لكنّه لم يكن 
ليسخر علئا من جوء فقد كان يستفيد من معاشرة كلينا.» 

«هل اعترف أحد بأنّه قرأ المحاكاة قبل نشرها؟» 

«لم يخبرني أحد بأ شيء في هذا الصدد, لكن, لا عجب في ذلك 
بالنظر إلى العواقب. أقسمت ليز تاسيل وهي تنظر مباشرةً في عينيّء بأنَّ 
أوين لم يرها إِيّاهاء لكّني سمعت أقاويل عن أنها قرأت النسخة الأولية قبل 
أن تُنشر. وأنا واثق من أنّها شجّعته على نشرها. كانت ليز تغار بشكل جنونيٌ 
من إيللي.» 


مكتبة دودة الحرير 497 


ساد صمت وجيزهء ثمّ واصل فانكورت متظاهرًا بعدم المبالاة: 

«قد يبدو الأمر غير معقول في أيَامنا هذه. إِنّما حينذاك, كان علينا 
أن تنتظر صدور الصحف لنرى مِؤلّفاتنا تُشرّح بقلم النقّاد. أمَا بعد اختراع 
الإنترنت» ففي وسع أي مختل شبه أميّ أن يظنْ نفسه ميشيكو كاكوتاني.» 

«لكنّ كواين كان ينكر أنّه مَن كتبها.» 

«أجلء. أعرف. ذلك اللقيط كان جبانًا كالدجاجة»» قال فانكورت من 
دون أن يدرك أنّ حديثه بات يحاكي الفظاظة؛ «وعلى غرار معظم الكتّاب 
المشاهير المزعومين. كان كواين حسودًاء ومحبًا للمنافسة» ويتوق إلى 
التملق. وقد خشي أن يصبح منبودًا بعد وفاة إيللي. وبالطبع...» قال فانكورت 
باستمتاع واضح. «هذا ما حدث على أيّ حال. حين كان أوين ضمن فريقنا 
الثلاثيّ» جو هو وأنا > کان يعيش على فُتات مجدنا. عندما توفي جو وابتعدت 
أنا عنه» ظهر على حة حقيقته: رجل ذو خيال قذر وأسلوب لا بأس به. غير أنّه 
لا يملك سوى أفكار إباحية. بعض الكتاب لا يحملون في طيّاتهم سوى كتاب 
واحد جيّد. وهكذا كان أوين. لقد وظّف كل ملكاته الأدبيّة - وهو تعبير كان 
ليروقه - في خطيئة هوبارت. وكل ما تلاها كان عقيمًا ومجرّد إفراغ للقديم 
في قوالب جديدة.» 

«ألم تقل إِنّك تعتقد بأنّ بومبيكس موري رائعة مهووس؟» 

«قرأتَ ذلك في الصحيفة. صحيح؟» قال فانكورت الذي تفاجأ بعض 
الشيء وشعر بالإطراء في آنء «وهي كذلك بالفعل» من الغرائب الأدبيّة. أنا لم 
أنكر قط قدرته على الكتابة» بل قلت إِنّه عاجز عن استخراج أي موضوع عميق 
أو مثير للاهتمام يكتب عنه. تلك ظاهرة شائعة. لكنّه وجد أخيرًا ضالّته في 
بومبيكس موريء أليس كذلك؟ الكل يكرهني, والكل ضدّيء وأنا عبقريء ولا 
يستطيع أحد أن يتبيّن ذلك! جاءت النتيجة كوميديّة هزليّة إلى حدّ الإفراط, 
تنضح منها المرارة والإشفاق على الذات. لكن بعد التفكير المليّ, هذه الرواية 
تتمتّع بسحر لا يُنكر. كما أنّ اللغة...». تابع فانكورت مُظهرًا أكبر قدر من 
الحماسة منذ بداية اللقاءء «مثيرة للإعجاب. وبعض المقاطع هي من أفضل 
ما كتبه على الإطلاق.» 


498 روبرت غالبریث t.me/ktabpdf‏ 


«كل هذا جد مفيد بالنسبة لي»» قال سترايك. 

«كيف؟» سأل فانكورت وبدا كأنّه يتسلّى حقًا. 

«لدي شعور بأنْ بومبيكس موري تلعب دورًا رئيسًا في القضيّة.» 

«القضيّة؟» ردَّد فانكورت حائرًا. من جديد ساد صمت وجيزء «صدقًا. 
لا تقل إِنْك تظنّ بأنّ قاتل أوين كواين لا يزال حرا طليقًا؟» 

«بلى. هذا ما أظنّ», أجاب سترايك. 

«إِذّا...». قال فانكورت وازدادت ابتسامته انّساعًاء «أليس من الأجدى 
تحليل كتابات القاتل بدلا من الضحيّة؟» 

«ربّماء لكثنا لا نعرف إذا كان القاتل يكتب.» 

«أوه» الكل يكتب في هذه الأيّام. العالم بأكمله يكتب روايات» لكن, 
لا أحد يقرأها.» 

«أنا واثق من أنّ الناس سيقرأون بومبيكس موريء وبخاضة إذا كتبتٌ 
أنتَ تمهيدها.» 

«أعتقد أنّك محق»» قال فانكورت بابتسامة عريضة. 

«متى قرات الكتاب للمرَّة الأولى؟» 

«كان ذلك... دعني أتذكر...» 

بدا أنّ فانكورت يجري حسابات ذهنيّة. 

«ليس قبل ال... أوه» حوالى منتصف الأسبوع بعدما أرسله كواين»» 
قال فانكورت» «إتّصل دان تشارد بي» وأبلغني أن كواين يحاول الإيحاء بِأنّني 
من كتب المحاكاة الساخرة حول كتاب إيللي. حاول إقناعي بالانضمام إليه 
في انّخاذ إجراء قانونيَ بحق كواين. لكتّني رفضت.» 

«هل قرأ تشارد أي مقطع منها عليك؟» 

«لا». ردّ فاتكورت مبتسمًا ثانيةٌ «كان يخشى أن يخسر كاتبه النجم. 
لاه لقد ذكر فقط الادّعاءات التي أوردها كواين وعرض على خدمات محاميه.» 

«متى جرت تلك المكالمة الهاتفيّة؟» 

«مساء... السابع من تشرين الثاني/نوفمبر على ما أعتقد. مساء يوم 


الأحد.» 


مكتبة دودة الحرير 409 


«أي» في اليوم نفسه الذي أجريت فيه مقابلة تلفزيونيّة حول روايتك 
الجديدة.» 

«أنت واسع الاطّلاع». قال فانكورت وضاقت عيناه. 

«لقد شاهدث البرنامج.» 

«أتعرف؟» قال فانكورت بشيء من المكرء «لا تبدو ممّن يستمتعون 
بالبرامج الثقافيّة.» 

«لم أقل البنّة إّني أستمتع بها»» أجاب سترايك ولم يندهش البثّة 
عندما لاحظ ملامح فانكورت المستمتعة, «لكثني لاحظتُ أمرًا: تلعثمتَ 
عندما ذكرت اسم زوجتك الأولىء» أمام الكاميرا.» 

لم يقل فانكورت شيئًاء لكنّه اكتفى برمق سترايك من فوق كأس النبيذ. 

«قلت إيف قبل أن تعاود تصحيح نفسك وتقول إيللي»» تابع سترايك. 

«نعم» لقد تلعثمث» كما ذكرت. قد يحدث ذلك لأكثرنا فصاحةٌ.» 

«في بومبيكس موري» زوجتك الراحلة...» 

«... تدعى إيفيجي.» 

«وتلك مصادفة»» قال سترايك. 

«بالطبع» رذ فانكورت. 

«ففي السابع من تشرين الثاني/نوفمبر لم تكن أنت لتعرف أنّ كواين 
أسماها إيفيجي.» 

«بالطبع لا.» 

«وجدت عشيقة كواين نسخة من المخطوطة في صندوق رسائلها فور 
اختفاء الكاتب»» واصل سترايك» «أليس من المحتمل أن تكون قد استلمت 
أنت أيضًا نسخة مبكرة؟» 

كان الصمت الذي تلا أطول من اللازم. وشعر سترايك بأنّ الخيط الهش 
الذي تمكن من نسجه بينهماء يتقطّم. لكنّ ذلك لم يكن ليهم؛ فقد احتفظ 
بهذا السؤال للختام. 

«لا»» رذ فانكورت» «لم أستلم شيئًا.» 


500 روبرت غالبریث t.me/ktabpdf‏ 


ما لبث أن أخرج محفظته. بدا أنه غيّر رأيه» ولم يعد مُهتمًا بسؤال 
مُحادثه عن ذكرياته كمُحارب قديم, الأمر الذي لم يتأسّف سترايك عليه» ولو 
لحظة. إذ همّ المحقّق بإخراج ورقة نقديّة رفع فانكورت يده مُقاطعًا بعدائيّة 
واضحة: 
«له له اسمح لي. المقالات الصحافيّة التي تتحدّث عنك تقول بأنّك 
لا نُحسَد على أوضاعك الماديّة. أتعلم؟ هذا يذكرني في الواقع بجملة لبن 
جونسون: أنا رجل فقير» جنديّ نبيل, لاحتقرث مأموريّاتي لو كنت فقط في 
أحسن أحوالي.» 
«حقًا؟» قال سترايك بنبرة أرادها لطيفة وهو يعيد ماله إلى جيبه. «بل 
هذا يذكرني أكثر بمقطع شهير يقول: 
subrepsti mi, atque intestina pururens‏ 511716 
ei misero eripuisti omnia nostra bona?‏ 


Eripuisti, eheu, nostrae crudele uenenum 
Uitae, eheu nostrae pestis amicitiae.» 


حملق مباشرةً وبكل جدّية في فانكورت المبهوت. لكنّ هذا الأخير 


نجح في استعادة أنفاسه ليقترح: 
«أوفيد؟» 


«كاتولوس»» صحّح سترايك وهو يسند مرفقه إلى الطاولة لينهض 
بتثاقل عن الوسادة المنفوخة والخفيضة. وإليك الترجمة بتصرّف: 


أهكذا توغّلت فيّ. كحمض يأكل أحشائي 

ونزعت مني كل ما أعترٌ به؟ 

أجلء نزعته منّيء للأسفء السمّ الوحشيّ في عروقي 
طاعون الصداقة التي كانت تربطنا ذات يوم. 


«حستاء أتوقع أن نلتقي ثانيةٌ», ختم سترايك مسرورًا. 
ومن ثم تحت أنظار فانكورت المشدوهة. مشى وهو يعرج نحو السلّم. 


44 


كالسيول الجارفة الجامحة انتظم كل حلفائه 
وأصدقائه في فرق مستنفرة. 
توماس ديكير, «الجندي الإسباني النبيل» 


في تلك الليلة» جلس سترايك طويلًا على أريكته في الصالون-المطبخ في شقّته 
الصغيرة. كانت تتناهى إلى مسامعه من بعيد, أصداء هدير حركة المرور في 
شارع شايرينغ كروس وصيحات الفرح المكتومة التي يطلقها المحتفلون 
المبكرون بالميلاد. كان قد نزع ساقه البديلةء ليتمتع بلحظات ثمينة من 
الاسترخاء. كم كان مريحًا وممتعًا أن يجلس بملابسه الداخليّة وجذمة ساقه 
المقطوعة مكشوفة للهواء» مع ما يكفي من المسكّنات في عروقه لتناسي 
الألم لبعض الوقت. كانت بقايا الباستا قد تجمّدت في الطبق الموضوع 
إلى جانبه. وكانت السماء خارج كوّته الصغيرة تميل رويدًا رويدًا إلى الأزرق 
الداكن المخمليّء معلنةٌ حلول الليل. مع ذلك لم يتحرّك سترايك رغم أنّه كان 
شديد اليقظة. 

وكأنّ وقًا طويلًا قد مضى منذ رؤيته صورة شارلوت بفستان الزفاف. 
لم يفكر فيها ولو مرّة واحدة طوال اليوم. ثُرى, هل هي بداية شفاء حقيقي؟ 
لقد تزؤجت هي من جاغو روس وأمًا هو فبقي لوحده في شبه العتمة» يقب 


502 روبرت غالبریٹث t.me/ktabpdf‏ 


في ذهنه تعقيدات جريمة مدروسة بالتفاصيل المملّة ومنفذة عن سابق 
إصرار وتصميم. لعل كلا منهما أصبح أخيرًا حيث ينتمي حفًا. 

في قعر كيس الأدلّة البلاستيكيّ الشفّاف. كانت الخرطوشة الرماديّة 
الداكنة التي اختلسها من أورلندوء والتي لا تزال ملفوفة بغلاف كتاب 
الصخور الشيطانية. تنتظره بهدوء على الطاولة المتزعزعة أمامه. راح سترايك 
يحدّق فيها طوال نصف ساعة على الأقل. كطفل اكتشف صبيحة الميلاد 
هديّة جذابة وغامضة تحت الشجرة. ومع ذلك» عليه ألا يخرجها من الكيس أو 
يلمسها خشيةٌ إتلاف أي دليل. فلدى أدنى شككء قد ترفضها الشرطة العلميّة... 

نظر إلى ساعته. كان قد قطع وعدًا على نفسه بألا يتصل قبل التاسعة 
والنصف. هناك أطفال يجب أن يودعوا الفراشء وزوجة تنتظر بشوق بعد يوم 
طويل من العمل. وكان سترايك يريد انّخاذ الوقت الكافي ليقدّم شركا وافيًا... 

لكن للصبر حدود. نهض بصعوبة, وتناول مفاتيح مكتبه ثم نزل بمشقّة 
على السلالم وهو يتّكئ على الدرابزون, قافرًا على قدم واحدة تارةٌ وجالسًا على 
الدرج طورًا. بعد عشر دقائق عاد مزوّدًا بسكين جيب صغير وبزوجين من 
قفازات اللاتيكس التي كان قد أعطى روبن مثلها من قبل. ما لبث أن استعاد 
موقعه الذي كان لا يزال دافئًا على الأريكة. 

رفع شريط الآلة الكاتبة وصورة الغلاف المتغضّنة بحذر شديد من 
كيس الأدلّة ووضع الخرطوشة التي لا تزال ملفوفة بالورقة على طاولة الفورميكا 
المتداعية. من ثم وبأنفاس شبه محبوسة أخرج رأس سكينه وأقحمه بدقة 
تحت السنتيمترات الأربعة المكشوفة من الشريط الهش. بهدوء ورفق» سحب 
ليخرج المزيد منه. حينئذ ظهرت مجموعة من الكلمات المعكوسة. 


في تنهيدة ارتياح تنقس دفعة الأدرينالين المفاجئة التي سرت 
به. أعاد إحكام الشريط ثانيةٌ برشاقة مقحمًا مفك سكينه الجيبي» في سنّ 
الدولاب في أعلى الخرطوشةء ليعيد لف الشريط من دون أن يمسّه بأصابعه 


مكتبة دودة الحرير 503 


ثم أعاد دسّ كل شيء في كيس الأدلّة. بعدما نفد صبره تناول الهاتف واتتصل 
بدايف بولوورث. 

«هل الوقت غير مناسب؟» سأل عندما أجاب صديقه القديم. 

«لا»» قال بولوورث حائرًا. «ما الأمريا ديدي؟» 

«أنا بحاجة إلى خدمة يا صديقي» خدمة كبيرة.» 

على بعد مئة ميل» إستمع المهندس الجالس فقي صالون بيته في 
بريستول من دون مقاطعة, بينما راح المحقّق يشرح ماذا يريد منه. عندما 
فرغ أخيرًاء ساد صمت وجيز. 

«أعرف أثني أطلب الكثير». قال سترايك وهو يستمع بقلق إلى 
طقطقات الخط «ولا أعرف إن كان ذلك ممكنًا في هذا الطقس الرديء.» 

«بالطبع ممكن»». ردّ بولوورثء «لكنء عليّ أن أتحقّق من جدول 
مواعيديء يا ديدي. لدي إجازة لمدّة يومين عمّا قريب... لا أعرف إن كانت 
بيني ستبدي حماسة إذا...» 

«نعم» توقعت أن يكون هناك مشكلة»» قال سترايك. «وأعرف أنّها 
مهمّة خطيرة.» 

«لا تهني» فقد أقدمت على أسوأ من ذلك»» أجاب بولوورٹ» «لاه هي 
تريدني أن أرافقها وأمّها للتسوّق لمناسبة الميلاد... لكن لا بأس يا ديدي, هل 
قلت إِنّها مسألة حياة أو موت؟» 

«تقريبًا». قال سترايك مغمضًا عينيه وهو يبتسم» «حياة وحرية.» 

«لا لتسؤق الميلادء وهذا ما يناسبني. إعتبر الأمر منتهيّاء وسأتصل بك 
إذا عثرت على أي شيء.» 

«لا تنسّ أخذ الحيطة والحذر وارتداء ملابس دافئة يا صديقي.» 

«أغرب عني!» 

ألقى سترايك الهاتف إلى جانبه على الأريكة وفرك وجهه بيديه. كان 
مغتبطًا إلى أقصى درجة. ما طلبه للتوّ من بولوورث كان أكثر جنونًا وحماقة 
من محاولة لمس قرش سابح., لكنّ صديقه كان يستمتع بالخطر بل يستذوقه. 
وقد حان الوقت للمراهنة على كل شيء. 


504 روبرت غالبریٹث t.me/ktabpdf‏ 


قبل أن يطفئ سترايك الضوء أعاد قراءة الملاحظات التي دوّنها في 
خلال حديثه مع فانكورت وسطر بشدّة وتوتّر تحت كلمة «قاطع» حتّى كاد 
أن يمزق الورقة. 


45 


ألم تلاحظ دُعابة دودة الحرير؟ 


جون ويبستر, «الشيطان الأبيض» 


كان البحث الدقيق مستمرًا على قدم وساق في منزل آل كواين ومنزل 
تالغارث رودء في محاولة لنبش أي دليل شرعيّ. وكانت ليونورا لا تزال قابعة 
في هولوواي. أصبح الأمر بمثابة لعبة انتظار وترقب. 

كان سترايك معتادًا الوقوف لساعات طويلة في البردء وهو يراقب 
نوافذ معتمة ويقتفي غرباء عديمي الوجوه؛ كان قد اعتاد أيضًا ألا يرد الناس 
على المكالمات الهاتفيّة ولا على قرع الأبواب» كما ألف نظراتهم الشاردة, 
حين يقسمون بأنّهم لم يلاحظوا شيئًا؛ في هذه المهنةء يجب التحلي بأقصى 
حدود الصبر. لكنّ هذا الروتين المألوف كان يختلف بعض الشيء هذه المرّة: 
مهما فعل وأينما ذهبء كان سترايك يسمع صونًا خلفيًا يئنّ من شدّة القلق. 

صحيح أن البقاء على مسافة واجبء لكن, هناك دائمًا أشخاص 
يلجأون إليك, ومظالم موجعة تؤثّر فيك وتقضّ مضجعك. ليونورا في السجن, 
شاحبة وباكية» وابنتها مضطربة وضعيفة؛ ومحرومة من والديها. كانت روبن 
قد علقت رسم أورلندو فوق مكتبها فراح العصفور الأحمر يحدّق من عليائه 
بالمحقّق ومعاونته كلّما انشغلا بقضايا أخرىء ليذكرهما بأنّ ثمّة فتاة ذات 
شعر أجعد في لادبروك غروف تنتظر عودة أمّها إلى البيت. 


506 روبرت غالبریث t.me/ktabpdf‏ 


أخيرًا بات لروبن مهمّة حقيقيّةء رغم انطباعها بأنها خيّبت 
سترايك. فقد عادت إلى المكتب بعد يومين من الجهود الحثيثة : من دون 
أن تأتي بشيء مثمر, وكيس أدلّتها ما زال فارغًا. كان المحقّق قد نبّهها إلى 
وجوب توحّي الحذر الشديد. يجب ألا يتم اكتشافها أو التعدف عليها. لكنّه 
أغفل عن إضافة جملة: شابّة جميلة مثلك لن تمرّ مرور الكرام حتّى ولو أخفت 
شعرها الذهبيّ المائل إلى النحاسيّ تحت قبّعة صوفيّة. 

«ولِم كل هذه التدابير الاحترازيّة؟», سألته عند عودتهاء على الرغم 


من اتباعها تعليماته حرفيًا. 
«دعينا لا ننسى نوع الشخص الذي نتعامل معه هناء يا روين»», رد 
سريعًا وقد تشنّجت معدته قلقًا ود تحشبًاء «فكواين لم يمزّق أحشاءه بنفسه.» 


كانت بعض مخاوفه شبه غامضة وغير واضحة» الأمر الذي لم يعهده 
حى الآن. هو قلق بطبيعة الحال من احتمال نجاة الفاعلء وإفلات القاتل من 
ثغرات محتملة في الشباك التي كان يحبكها بعناية حوله. كان تحليله يرتكز 
على أسس نظريّة, وبغياب الأدلّة الماديّة والمترسّخة في الواقع الملموس, لن 
تأخذ الشرطة ولا محامي الدفاع به. لكنّ سترايك كان قلقًا أيضًا لأسباب أخرى. 

فبقدر ما كان سترايك يمقت لقب بوب المتزهد الذي ألصقه به 
أنستيس» كان يشعر باقتراب الخطر الآن تمامًا كما في اللحظة التي عرف 
فيهاء ومن غير شكء بأنّ مدرّعة الفايكينغ توشك أن تنفجر. يسمّونه الحدس, 
لكنّ سترايك كان يعتبره القدرة على قراءة العلامات الدقيقة: والربط باطنيًا 
بين نقاط لا يجمعها سوى خيط خفي. لقد أخذت صورة واضحة للقاتل تظهر 
انطلاقًا من نتف أدلّة عديدة ومتنؤعة؛ صورة كئيبة ومخيفة: صورة قاتل 
مهووس» ساخط يتمتّع بعقل بارع في الحسابء وحادّ الذكاءء, لكنّه مختل 
ويعاني من اضطرابات نفسيّة خطيرة. 

كلما مر الوقت» جهد سترايك أكثر في تضييق الخناق حول هدفهء 
وازدادت أسئلته تركيرًا ودفَة. وعليه. ارتفع احتمال أن يدرك القاتل التهديد 
الذي يحوم فوقه. كان سترايك واثقًا من قدرته على كشف الهجمات وصدّهاء 


مكقرة دودة الحرير 507 


لكن لم يكن في وسعه إِلَا توقّع الأسوأ مع مريض يتقن فنّ الابتكار. ويهوى 
أصول التعذيب الوحشيّ. 

إنتهت إجازة بولوورث القصيرة من دون نتائج محسوسة. 

«لا تفقد الأمل الآنء يا ديدي», أبلغ دايف سترايك على الهاتف. بدا 
أنّ عُقم مساعيه يزيد من عزيمته بدلا من إثباطهاء «سأتمارض يوم الاثنين. 
وسأقوم بمحاولة أخرى.» 

«لا أستطيع أن أطلب منك القيام بذلك»» تمتم سترايك؛ «الطريق...» 

«أنا مَن يعرض ذلك أيّها اللقيط الأعرج الناكر للجميل.» 

«ستقتلك بيني. ماذا عن التسؤّق للميلاد؟» 

«وماذا عنّي أنا؟ هل فكرت بي؟ إِنّها فرصتي في إلحاق العار بالشرطة 
اللندنيّة!» قال بولوورث, والذي كان يكره العاصمة وسكانها فقط من ناحية 
المبداً. 

«أنت صديق حقيقيء يا صاح»». قال سترايك. 

عندما أقفل الهاتف» رأى روبن تبتسم. 

«ما الممضحك؟» 

«لفظة صاح», أجابت روبن. بدت عائدة إلى المراهقة» وبعيدة جدًا 
عن شيمك» يا سترايك. 

«ليس الأمر كما تعتقدين»» قال سترايك. واستهل يروي قصّة القرش. 
كان قد بلغ منتصفها عندما رنّ هاتفه ثانيةٌ: رقم مجهول. أجاب سترايك على 


المكالمة. 

«هل أنتَ كامرون... أوه... سترايك؟» 

«نعم.» 

«أنا جود غراهامء.... أوه. جارة كاث كينت. لقد عادت إلى بيتها», 
صاحت المرأة بفرح. 


«تلك أخبار سارّة». قال سترايك رافعًا إبهامه علامة النصر لروبن. 
«نعم» عادت هذا الصباح. برفقتها شخص. سألئها أين كانت. فلم 


تحب» تابعت الجارة. 


508 روبرت غالبریث t.me/ktabpdf‏ 


تذكر سترايك أنّ جود غراهام تعتقد أنّه صحافيّ. 

«هل الشخص ذكر أم أنثى؟» 

«أنثى»: أجابت بأسف» «شابّة طويلة ونحيلة وسمراء. وهي ليست 
المرّة الأولى التي أراها فيها عند كاث.» 

«لقد ساعدتني للغاية, سيّدة غراهام».: قال سترايك. «سأترك لك... 
غرضًا صغيرًا في صندوق بريدك مكافأة على اهتمامك.» 

«رائع», هتفت الجارة مسرورةء «إلى اللقاء.» 

وأقفلت الخط. 

«عادت كاث كينت إلى بيتها». قال سترايك لروبن: «ويبدو أنَّها أتت 
ببيبا ميدغلي للمكوث معها.» 

«أوه»» ردت روبن بتهكّم, «أحسبك نادمًا على الإمساك بخناقها الآن؟» 

إبتسم سترايك بخيبة واضحة. ثم قال «سترفضان التحدّث إليّ.» 

«نعم», وافقته روبنء «أعتقد ذلك.» 

«وجود ليونورا في السجن يناسبهما تمامًا.» 

«ربّما تتعاونان إذا أخبرتهما عن نظريّتك»» اقترحت روبن. 

تحسّس سترايك ذقنه وهو ينظر إلى روبن من دون أن يراها. 

«لا أستطيع»» قال في النهاية» «يجب تجنّب أيّ تسريبات, وإلا 
فسأنتهي بطعنة خنجر عند ناصية شارع معتم.» 

«هل أنتَ جاد؟» 

«روبن»» تابع سترايك محتدًا بعض الشيء «أنت تنسين أنّ كواين قد 
قُيّد وانثزعت أحشاؤه.» 

دنا من الكنبة وجلس على مسند ذراعهاء فأصدرت صونًا أخفّ مها 
تصدره مقاعدها لكنها ناءءت تحت ثقله بعض الشيء. 

«بيبا ميدغلي تستلطفك»» اقترح سترايك. 

«حستاء سأقوم بذلك»» قالت روبن على الفور. 

«ليس بمفردكء ربّما تستطيعين لعب دور الوسيط لإدخالي؟ ما رأيكِ 
بهذا المساء؟» 


مكتبة دودة الحرير 509 


«بكل سرور»»؛ ردّت متحمّسة. 

ألم تضع هي وماثيو قواعد جديدة؟ كانت المرّة الأولى التي تختبره 
فيها مذ اتّفقاء لكنّها توجّهت إلى الهاتف بثقة. عندما أبلغته بأنّها قد تتأخّر 
في العودة إلى البيت» لم يكن رذ فعله غايةٌ في الحماس والسرور, لكنّه تقبّل 
الخبر من دون اعتراض. 

وهكذاء في الساعة السابعة مساءًء وبعد وضع استراتيجيّة مقاربة, 
خرج سترايك وروبن في الصقيع؛ كلّ على حدة: بائجاه ستافورد كريبس 
هاوسء تفصل بينهما مذّة عشر دقائق. 

كانت زمرة المراهقين قد استعادت موقعها على البسطة الخرسانيّة 
عند مدخل المبنى. عندما أتى سترايك قبل أسبوعين, كانوا قد اكتفوا برمقه 
بنظرات مرتابة وحذرة. أَمَا بالنسبة لروبن» فقد اختلف الأمر بأكمله؛ بدأ 
أحدهم يتراقص أمامها عندما اقتربت من السلّم الداخليَ؛ ودعاها إلى اللهو 
معه مردّدًا لها أنّها جميلة. إذ لم تجبه, راح يضحك ساخرًا من صمتهاء بينما 
قهقه رفاقه الذين بقوا على مسافة» وهم يناقشون مظهرها من الخلف. عندما 
دخلت بئر السلّم الإسمنتيّء تردّدت صدى قهقهات مستفرّها تردُدًا غريبًا. 
خمّنت أنّه في السابعة عشرة على الأكثر. 

«إبتعد»» قالت بحزم فيما استلقى الفتى على الدرج معيقًا مرورها. إِنّه 
مجرّد ولد قالت روبن في قرارة نفسها لكنّها شعرت بقطرات العرق تدغدغ 
فروة رأسها. ثم إنّ سترايك خلفها مباشرة. منحتها الفكرة هذه الشجاعة. 
«إبتعد عن طريقيء رجاءً.» 

تردّد الفتى لوهلة: ثم أدلى بإطراء استهزائيّ أخيرء وابتعد. توفّعت أن 
يُمسك بها عندما مرّت بمحاذاته. لكنّه سرعان ما ركض نحو رفاقه. نعتتها زمرة 
المراهقين بأقذع الأسماء طوال صعودها السلالم: لكن, إذ رأت أنّ أحدًا منهم 
لم يتحرّك, تنفست الصعداء بارتياح عندما خرجت إلى الشرفة المؤدّية إلى 
شقّة كاث كينت. 

كانت الأنوار في الداخل مضاءة. توقّفت روبن قليلًا لتستجمع قواهاء 
ثم رت جرس الباب. 


510 روبرت غالبریث t.me/ktabpdf‏ 


بعد بضع ثوانِ» شق الباب بحذر فائق وظهرت امرأة في منتصف 
العمر» ذات شعر أحمر طويل متشابك. 

«كاثرين؟» 

«نعم», ردّت المرأة بارتياب. 

«لديّ معلومات مهمّة يجب أن تعرفيها», قالت روبن. 

(«لا تقولي أودّ التحدّث إليك»» نبّهها سترايك «أو لدي بعض الأسئلة. 
بل عليك إيقاظ فضولها مع التظاهر بأنّ ما تحملينه سيعود عليها بالفائدة. 
تفادي كشف هويّتك منذ البداية. أفهميها بأنّه خبر عاجل. إجعليه يبدو 
ملاء ودعيها تخشى أن يفوتها شيء منه ما لم تسمح لك بالدخول. وعليك 
أن تدخلي قبل أن يتستى لها التفكير في الأمر. إرفعي الكلفة وناديها باسمها. 
حاولي إقامة صلة شخصيّة. ولا تتركي ثغرات صامتة.») 

«ماذا؟» سألت كاثرين كينت. 

«هل أستطيع الدخول؟» سألت روين. «الطقس بارد جدًا.» 

«من أنت؟» 

«الأمر مهمّ يا كاثرين.» 

«ممن أذ...؟» 

«كاث؟» سأل صوت آت من خلفها. 

«هل أنت صحافيّة؟» 

«أنا صديقة»؛, ارتجلت روبن, فيما تقدّم طرفا قدميها على العتبة, 
«أريد أن أساعدك يا كاثرين.» 

«مهلا!...» 

0 وجه شاحب طويل مألوف وعينان بنّيتان واسعتان. 

«إنّها الفتاة التي حدّثتك عنها!» قالت بيباء «هي تعمل معه...» 

«بيبا»» قالت روبن ونظرت مباشرةً في عيتي الفتاة الطويلة, «أنتِ 
تعرفين لني إلى جانبك... حدث أمر أريد إبلاغكما به مر ملح...» 

لم يتب سوى عقبها في الخارج. وأبدت کل ما استطاعت استجماعه 
من إقناع في ایر وجهها وهي تنظر في عيتي بيبا المذعورتين. 


مكترة دودة الحرير 51 


«ما كنت لآتي يا بيباء لو لم أعتقد أَنّ الأمر مهمّ...» 

«دعيها تدخل»» قالت بيبا لكاثرين وقد بدت خائفة للغاية. 

كان البهو مزدحمًا بالمعاطف والملابس المعلّقة كيفما اتّفق. قادت 
كاثرين روبن إلى غرفة جلوس صغيرة مضاءة بمصباح, وذات جدران بسيطة 
مطليّة بلون قشدي. من خلال الستائر البئّية ذات القماش الرقيقء كان من 
الممكن تبيّن الأنوار الصادرة عن المباني المقابلة ومصابيح السيّارات المارّة. 
كانت بطانية برتقاليّة متّسخة بعض الشيء تخفي جزئيًا كنبة قديمة على 
سجادة ذات نماذج تجريديّة لولبيّة الشكلء وبقايا طعام صينيّ على طاولة 
صغيرة رخيصة مصنوعة من خشب الصنوبر. في الزاوية» حاسوب محمول 
على طاولة مكتب متقلقلة. عندما قرعت روبن الباب» كانت المرأتان تهمّان 
بتزيين شجرة ميلاد اصطناعيّة صغيرة. إعتصر قلبها شفقة حين لمحت شريط 
الأضواء الصغيرة الملوّنة على الأرضء وعددًا ضئيلًا من أدوات الزينة, مبعثرة 
على المقعد الوحيد» بما فيها ملصق صيني صغيرًا كتب عليه أشهر كتّاب 
المستقبل! 

«ما الذي تريدينه؟» سألت كاثرين كينت شابكةٌ ذراعيها ومحملقةٌ في 
روبن بعينين صغيرتين شرستين. 

«أيمكنني أن أجلس؟» سألت روبن وجلست من دون انتظار رد كاثرين,» 
(كان سترايك قد نبّههاء «تصرّفي وكأنّك في بيتك قدر المستطاع وإِنّما من دون 
فظاظة» بشكل يمنعها من طردك.») 

«ماذا تريدين؟» كرّرت كاثرين. 

وقفت بيبا أمام النافذة تحدّق في روبن؛ فيما راحت تنتّف بتوثّر فأرًا- 
دمية يرتدي زي بابا نويل. 

«تعرفين أنّ ليونورا كواين قد أوقفت بتهمة القتل؟» قالت روبن. 

«بالطبع» أنا مَن...»» وأشارت إلى صدرها العارم» «عثرت على بطاقة 
الائتمان التي اشثريت بها الحبالء والبرقع» والملابس الواقية.» 

«أجل»» ردت روبن» «أعرف ذلك.» 


512 روبرت غالبریث t.me/ktabpdf‏ 


«حبال وبرقع!» صاحت کاثرین کینت» «لقد حصل على أكثر ممًا كان 
يأمل؛ أليس كذلك؟ هو الذي كان يظنها مجرّد حمقاء مملّة... وانظري ماذا 
فعلت به!» 

«نعم», قالت روينء «أعرف أنّ المظاهر لا تصب في مصلحتها...» 

«ماذا تعنين بقولك, المظاهر...؟» 

«جئث إلى هنا لأنبئهك يا كاثرين: ليسوا واثقين من أنّها القاتلة.» (كان 
سترايك قد قال لهاء «لا تذكري أمورًا محدّدة, ولا تذكري الشرطة صراحة إذا 
كان في استطاعتك تجتّب ذلك ولا تروي أكاذيب كبرى يمكن فضحهاء بل 
حافظي على الغموض والشموليّة.») 

«ماذا تعنين؟» كرّرت كاثرين بحدّة. «الشرطة لا...؟» 

«بما أنّك كنت تستطيعين الوصول إلى بطاقة الائتمانء يعتقدون بأنّك 
رما استنسختها لاستعمالها... «نقلت كاثرين نظراتها الحادّة من روبن إلى 
بيباء التي بدت شاحبة كالأموات وهي تدعك الفأر-الدمية. 

«لكنْ سترايك لا يعتقد أك الفاعلة»» أضافت روبن. 

«ممن...؟» سألت كاثرين. بدت شديدة الارتباك والخوف وعاجزة عن 
التفكير السليم. 

«ربٌ عملها», همست بيبا. 

«هو؟!» قالت كاثرين وهي تستدير نحو روبنء «إنّه يعمل لصالح 
ليونورا!» 

«لا يعتقد أنّك الفاعلة»» كزرت روبن» «مع أنه يستغرب بعض الشيء 
أن تكون فاتورة بطاقة الائتمان في حوزتك... أعني... هو مقتنع باك وجدتِها 
بمحض الصدف...» 

«هي أعطتني ٳِياها!» قاطعتها کاڻرين وهي تهر ذراعيها وتلوح بهما 
غاضبةء «إبنته... أعطتني إيّاها... طوال أسابيع لم أنظر ما يوجد في الخلف, 
لم أفكر في ذلك حتّى. كنت أودّ إظهار اللطف تجاههاء فقبلتٌ رسمها الرديء 
وتظاهرت بأنّه يعجبني... كنت أجاملها وحسب!» 


مكتبة دودة الحرير 513 


«أدرك ذلك»» قالت روبن. «نحن نصدقك يا كاثرينء أؤكد لك. سترايك 
يريد أن يعثر على القاتل الحقيقيّ؛ ليس كالشرطة.» («تكلمي بالتلميح؛ ولا 
بالتوكيد.») «هو لا يركز فقط على المرأة الأخرى التي ربّما يكون كواين قد... 
حستاء تعرفين ما أعني...» 

لبثت كلمات قد سمح لها بتقييده معلّقة في الهواء من دون أن تُذكر. 

كانت بيبا سهلة القراءة خلافًا لكاثرين» فنظرت بسذاجة ورعب إلى 


كاثرين التي شحبت من شدَّة الغضب. 
«ربّما لا يهمّني أن أعرف مَن قتله!» زمجرت کاڻرين وهي تکڙ على 
أسنانها. 


«لكتك لا تريدين أن يُلقى القبض على...» 

«لم أسمع أنّهم يشكون بأمري إِلَا منك! لم تورد الأخبار أي شيء!» 

«حستا... ولا عجب في ذلك. لا؟» قالت روبن بلطف, «لا تعقد الشرطة 
مؤتمرات صحفيَّة لتعلن أنّها رما قبضت على الشخص الخطأ...» 

«لكنء مَن يملك بطاقة الائتمان؟ هي.» 

«بل كانت دومًا بحوزة كواين»؛ قالت روبن» «ولم تکن زوجته الشخص 
الوحيد الذي استطاع الوصول إليها.» 

«وكيف يمكنك أن تعرفي ما تفكر الشرطة؟» 

«لدى سترايك مصادره في سكوتلنديارد», قالت روبن بهدوء «فقد 
حارب في أفغانستان إلى جانب الضابط المحقّق, ريتشارد أنستيس.» 

حال سماع اسم المفئّش الذي استجوبهاء تغيّرت ملامح كاثرين. من 
جدید» وجُهت نظرها إلى بيبا. 

«ولماذا تخبرينني بذلك؟» سألت. 

«لأننا نريد الحؤول دون رمي امرأة بريئة أخرى في السجن». أجابت 
روبن: «ولأنّنا نعتقد أنّ الشرطة تهدر الوقت في ترصّد الأشخاص غير 
الضالعين, ولأنّه...», («أضيفي جرعة صغيرة من المصلحة الشخصيّة بعدما 
تضعين الطّعم على الصتارة. فذلك يجعل الأمور تبدو معقولة أكثر») «من 


514 روبرت غالبریٹ t.me/ktabpdf‏ 


الواضح... أنّ كورموران سيستفيد شخصيًا إذا نجح مجدّدًا في اعتقال القاتل 
الحقيقيّ»» أكدت روبن مذّعيةٌ أنّها تعترف بنيّة مبيّتة. 
«أجل طبعًاء» صاحت كاثرين: وهي تهرٌ رأسها بقوّة, «يريد الدعاية, 


أليس كذلك؟» 
كونها قد عاشرت أوين كواين مدّة سنتينء فهي على الأرجح جد خبيرة 


«إسمعيء أردنا أن ننبّهك فقط عن الشكوك التي تدور حولك», قالت 
روين» «وأن نطلب مساعدتك. لكن طبعًا إن كنت ترفضين...» 

وهمّت روبن بالنهوض. 

(«متى أفصحت لها عن كل شيء, تصرفي وكأنّك لا تأبهين لمصيرها. 
يجب أن تتوسّل إليك حينئظٍ.») 

«لقد أخبرث الشرطة بكل ما أعرف»» تمتمت كاثرين وهي ترفع بصرها 
إلى روبن» التي كانت تفوقها ببعض السنتيمترات» «وليس لديّ ما أضيفه.» 

«لسنا واثقين من أتهم طرحوا عليك الأسئلة الصحيحة»» قالت روبن 
وجلست على الأريكة ثانيةء «أنت كاتبة و...»» أضافت وهي ترمق الحاسوب 
المحمول في الزاوية. لقد قرّرت الارتجال مبتعدةً فجأة عن المسار الذي 
رسمه سترايك لهاء «... ولديك دقّة الملاحظة. وقد فهمت كواين وروايته, 
أكثر من أي شخص آخر.» 

أدَى الإطراء المفاجئ إلى تلاشي الكلمات الغاضبة التي كانت كاثرين 
تهمّ بالتفوّه بها. فبقيت فاغرة الفم» مشدوهة. 

«وماذا إِذَا؟» قالت كاثرين: وبدا عداؤها مصطنعًا أكثر منه صادقًاء «ما 
الذي تريدين معرفته؟» 

«هل تسمحين لسترايك بالمجيء والاستماع إلى ما تريدين قوله؟ سوف 
يحترم قرارك» ما لم ترغبي في ذلك»» قالت روبن لطمأنتها متجاوزةً أوامر 
رئيسها (لم يقل سترايك شيئًا من هذا القبيل), «لكنّه يود بالفعل الاستماع إلى 
أقوالك مواجهةٌ.» 


مكتبة دودة الحرير 515 


«لا أدري إذا كان لديّ من أقوال مثيرة للاهتمام»» قالت كاثرين وهي 
تشبك ذراعيها ثانيةٌ؛ لكنّها لم تستطع إخفاء نبرة الغرور في صوتها. 

«أعرف أنْني أطلب الكثير», قالت روبن» «لكن, إن ساعدتنا في القبض 
على القاتل الحقيقي يا كاثرين» فستظهرين كبطلة في الصحف هذه المرّة.» 

نزل هذا الوعد بردًا وسلامًا على غرفة الجلوس - أن تجري كاثرين 
مقابلات مع صحافيين متلهّفين ومعجبين» يسألونها عن عملهاء وربّما 
يتوسّلون إليها: أخبرينا عن تضحية ميلينا... 

نظرت كائرين شزرًا إلى بيباء التي صاحت مستنكرة: 

«لقد اختطفني! ذلك الوغد!» 

«لكنّك حاولتٍ أن تهاجميه يا بيبا», قالت كاثرين. ثم التفتت إلى 
روبن بقلق» «لم أطلب منها القيام بذلك البنّة. لقد كانت... بعد أن قرأنا ما 
كتبه في روايته... كان كلانا... وكنًا نعتقد أنّه... أنّ رئيسك قد استُخدم 
للإيقاع بنا.» 

«أتفهم ذلك»» كذبت روبن» التي وجدت هذا التعليل ملتويًا وينم 
عن رهاب الاضطهاد. ربّما باتت كاثرين على هذه الحالء لكثرة معاشرة أوين 
كواين. 

«إنجرفث وتصورّفت بدون تفكير»» لخصت كاثرين, ملقيةٌ نظرة من 
التعاطف الممزوج بالتأنيب إلى الفتاة التي كانت تحميهاء «تصاب بيب 
أحيانًا بنوبات من الغضب.» 

«هذا أمر مفهوم»» رذت روبن كاذبة «أيمكنني الاتصال بكورموران... 
أقصد سترايك؟ لأطلب منه أن يوافيني إلى هنا؟» 

أخرجت هاتفها من جيبها وهي تتكآم. فوجدت رسالة من سترايك: 


أنا على الشرفة. أكاد أتجمّد من البرد. 
فردّت عليه 


أمهلني 5 دقائق. 


516 روبرت غالبريث t.me/ktabpdf‏ 


لم تحتج في الواقع أكثر من ثلاث دقائق. فقد لانت كاثرين أمام رصانة 
روبن وتفهمهاء وسقطت تحفْظات المرأتين في النهاية. عندما طرق سترايك 
الباب» تقدّمت كاثرين لاستقباله بخفة شبه مرحة. 

بدت الغرفة صغيرة لدى دخول سترايك؛ ظهر إلى جانب كاثرين 
كعملاق ضخم بوقفته الرجوليّة والتي بدت مستغربة في هذه الظروف. إذ 
أزاحت كاثرين الزينة جانبًاء تقزّم المقعد الوحيد عندما جلس عليه. تراجعت 
بيبا إلى طرف الأريكة لتجلس على ذراعهاء وهي ترمق سترايك بنظرات تجمع 
بين الحذر والرعب. 

«هل تشرب شيئًا؟» سألت كاثرين المارد الذي كان يدوس لوالب 
سجّادتها. كان لا يزال يرتدي معطفه السميك. 

«فنجان شاي من فضلك.» 

توجهت إلى المطبخ الصغير. عندما وجدت بيبا نفسها بمفردها مع 
سترايك وروبن» أجفلت وأسرعت وراء صديقتها. 

«إجترحت معجزة»» تمتم سترايك لروبن, «لم أتخيّل أنْها قد تقدّم لي 
الشاي.» 

«إنّها فخورة بكونها كاتبة». ردّت روبن بصوت خافت» «وذلك يعني 
بالنسبة لها أنّها كانت الوحيدة لفهمه...» 

لكن بيبا عادت حاملة علبة من البسكويت الرخيصء فسكت سترايك 
وروبن على الفور. إستعادت بيبا موقعها على طرف الأريكة, وأخذت ترمي 
سترايك بنظرات جانبيّة مذعورة تحمل شيئًا من الطابع المسرحيٌ الدراميء 
تمامًا مثلما فعلت عندما جلست منكمشة في مكتبهء بعد حادثة اختطافها 
المزعوم. 

«غمرتني بلطفك يا كاثرين»» قال سترايك عندما وضعت صينيّة الشاي 
على الطاولة. كان أحد الفناجين يحمل جملة حافظ على هدوئك وراجع 
كتاباتك. 

«سنرى»» أجابت كاثرين وهي تغتنم فرصة جلوسه لتحملق فيه من 
فوق. 


مكتبة دودة الحرير 517 


«تعالي اجلسي يا كاث». قالت بيبا بلطف. فجلست كاثرين على 
مضض على الأريكة بين بيبا وروبن. 

كانت أولى أولويّات سترايك تعزيز الثقة الضعيفة التي نجحت روبن في 
إنشائهاء والابتعاد عن أسلوب الهجوم المباشر. لذلك لجأ إلى الخطاب نفسه 
الذي استخدمته روبن» موحيًا أنّ السلطات تعيد النظر في توقيف ليونورا 
وثراجع الأدلّة المتوفرة. بدون ذكر الشرطة مباشرةً» راح يلمّح أن سكوتلنديارد 
توجّه اهتمامها الآن إلى كاثرين كينت. في تلك اللحظة تحديدًا وكما لتوكيد 
أقواله, تردد زعيق صقارة إحدى سيّارات الشرطة في البعيد. وأضاف سترايك 
مطمئئًا بأنه شخصيًا يعتبرها بريئة من كل الشبهات, لكنّها مصدر معلومات 
فشلت الشرطة في فهمه أو الاستفادة منه كما ينبغي. 

«نعم, طبعًاء أنتَ جڏ مصيب في هذا». ردّت من دون أن تؤذي کلماته 
اللطيفة إلى استرخائها تمامًا. أخذت الفنجان حافظ على هدوئك وقالت 
بشيء من الاحتقارء « كل ما أرادوا أن يعرفوه هو حياتنا الجنسيّة معًا.» 

تذكر سترايك طريقة أنستيس في عرض الأمور حين قال بأنّ كاثرين 
باحت بذلك بالتفاصيل المملّة من دون أن يدعوها أحد ومن دون ضغط. 

«لستُ مهتمًا بحياتك الجنسيّة». قال سترايك: «من الواضح - إذا 
توخّينا الصراحة - أنّ كواين لم يكن ليحصل على مُراده في المنزل.» 

«لم يعد يضاجعها منذ سنوات»»: قالت كاثرين. آثرت روبن التحديق 
في فنجان الشاي إذ كانت تتذكر تمامًا الصور الفوتوغرافية التي تظهر كواين 
مُقِيّدًا والتي عثرت الشرطة عليها في غرفة نوم ليونورا. «لم يكن بينهما شيء 
مشترك» تابعت كاثرين» «لم يكن في وسعه التحدّث إليها عن عملهء فلم 
تكن تبالي البنّة. لقد أخبرنا... ليس كذلك يا بيب؟» - نظرت إلى صديقتها 
القابعة على ذراع الأريكة - «أخبرنا بأنّها لم تقرأ كتبه يومًا. كان بحاجة إلى 
مَن يتواصل معه على ذلك المستوى. أمَا أنا فكنت أفهم حين يتحدّث عن 


الأدب.» 


58 روبرت غالبريث t.me/ktabpdf‏ 


«وأنا أيضًا», قالت بيبا خارجة عن صمتها: «كان مُهتمًا بنظريّة الهويّة 
الجنسيّة. وكنًا نتناقش ساعات طوالء عن مشاعري إذ ولدث في جس... 
حسئاء كما أنا...» 

«نعم» كان يشعر بالارتياح عندما يتستى له التحدّث إلى مَن يفهم 
عمله». قالت كاثرين بصوت جهوري ما يكفي لتغطية صوت بيبا. 

«بإمكاني تصوّر ذلك»» ردّ سترايك وهو يهرّ رأسه؛ «لكتّني أفترض أن 
الشرطة لا تهتمّ بهذا الجانب؟» 

«سألوني أين التقينا فأجبتهم: في صقه للكتابة الإبداعيّة». قالت 
كاثرين, «وتطوّرت علاقتنا تدريجيّاء فقد كان یهت بما أكتبه...» 

«... بما نكتبه...» صحّحت بيبا بهدوء. 

تحدّثت كاثرين مطل ولم يحتج سترايك - الذي راح يبيّن اهتمامه 
الشديد بإيماءات متكرّرة من رأسه - الإلحاح لكي تشرح كيف انتقلا كواين 
وهيء من علاقة طالبة-أستاذ إلى روابط أكثر حميميّة. تحت أنظار بيبا الساهرة 
والتي لم تكن لتتركهما إِلّا عند باب غرفة النوم. 

«أكتب روايات خياليّة ذات ألغاز». تابعت كاثرين» ففوجئ سترايك 
واستمع بشيء من الاستمتاع إليها تتحذث على طريقة فانكورت: عبارات 
مدروسة وجاهزة وكأنّها مختلسة من عرض دعائيّ. تساءل كم من الكتّاب 
يتدزبون على إجابات مسبقة في أثناء استراحات القهوةء ما بين جلستين 
من الكتابة الطويلة. ثم تذكر ما قاله والدغريف بأنّ كواين قد اعترف له 
بأنه كان يدعي أداء مقابلات مستخدمًا قلمًا كالمذياع. «في الواقع, أكتب 
روايات خياليّة جنسيّة. ولكن في قالب أدبيّ. ومشكلة دور النشر التقليديّة 
أنّها لا تريد أن تجازف بإصدار أعمال غير مألوفة. كل ما يعنيهم هو ما يلائم 
معايير مبيعاتهم» أمَا إذا مزج الكاتب بين عدد من الفنون الأدبيّة» واستحدث 
عملا جديدًا تمامّاء فهم يخشون المجازفة... أعرف أنّ ليز تاسيل...», ذكرت 
كاثرين الاسم كما لو أنّها تذكر آفة, «أبلغت أوين بأنّ عملي شديد التفد. لكن 
هذه هي روعة النشر المستقل, الحرّية في...» 


مكتبة دودة الحرير 519 


«نعم»» أردفت بيباء ومن الواضح أنّها كانت حريصة على إبداء رأيها 
بصرف النظر عن قيمته, «هذا صحيح.؛ وفي ما يتعلّق بفئة القصص الحرافيّة 
الخياليّة: أظنّ أن شبكات النشر المستقلّة يمكن أن تكون الوسيلة ل...» 

«ما خلا اني لا انتم إلى فئة محدّدة», قاطعتها كاثرين بتقطيبة 
حاجبين» «وتلك هي مشكلتي...» 

«... لكنّ كواين كان يفصّل أن يتبع كتاب سيرة حياتي» الوسائل 
التقليديّة». قالت بيباء «تعرفان؟ كان مهتمًا بمشاكل الهويّة الجنسيّة وقد 
افئّتن باختباري. عرّفني إلى اثنين من أمثالي؛ ووعد بذكري أمام ناشره. كان 
يعتقد أنّه بالترويج الصحيح... وبشهادة حيّة غير مسبوقة...» 

«أحبٌ أوين تضحية ميلينا. كان متشوّقًا لقراءتها لدرجة... كلما 
أنهيتُ فصلا كان ينتزعه من بين يديّ»». عَوّت كاثرينء «وكان يقول لي...» 

توقفت فجأةً قبل أن تكمل جملتها. أمًا بيبا التي أسقمتها مقاطعات 
صديقتها الكثيفة والمتكرّرة, فقد تلاشى حماسها. أدركت روبن أنّ كليهما 
تذكرتا الحقيقة المؤسفة؛ بينما كان كواين يغمرهما بتشجيعه الفيّاضء 
واهتمامه» ومدیحه» كانت شخصيّتا شريرة وإبيسين تتخذان شكلهما على 
طابعة كهربائيّة قديمة. 

«إِذا كان يحدّثك عن عمله؟» سأل سترايك. 

«قليلًا», ردت كاثرين بصوت كئيب. 

«كم استغرق في كتابة بومبيكس موريء هل تعرفين؟» 

«طوال فترة علاقتناء أو تقريبًا.» 

«وماذا كان يقول عنها؟» 

ساد صمت قصير تبادلت كاثرين وبيبا خلاله النظرات. 

«لقد شرحتٌ له». قالت بيبا لكاثرين» وهي تركز نظرها على سترايك, 
«هو يعلم بأنّ أوين كان يقول بأنْها ستكون مختلفة.» 

«بالطبع»» قالت كاثرين بجهد. وشبكت ذراعيها من جديد. «لم 
يخبرنا البنّة أنّها ستكون على ذلك النحو.» 


520 روبرت غالبريث t.me/ktabpdf‏ 


على ذلك النحو... تذكر سترايك المادّة البئية اللزجة التي كانت ترشح 
من صدر شرّيرة. بالنسبة لهء كانت من أكثر الصور المقرّزة في الكتاب. 
خصوصًا وأنّ أخت كاثرين توفيت جرّاء الإصابة بسرطان الثدي. 

«هل قال كيف ستكون القصّة؟» سأل سترايك. 

«لم يتفوّه سوى بالأكاذيب». ردّت كائرين مشمئرّة, «قال إِنّها ستروي 
رحلة كاتب مليئة بالمغامرات أو شيئًا من هذا القبيل. لكنّه قال... لقد أخبرنا 
بأنّنا سنكون...» 

«نفسين جميلتين تائهتين»» أكملت بيباء التي أتّرت فيها تلك العبارة 
بشكل شديد كما يبدو. 

«صحیح»» أكدت كاثرين. 

«هل قرأ عليك أي جزء منها يا كاثرين؟» 

«لاء قال إِنّهِ يريدها مُف... مُفا...» 

«آه. كاث.» صرخت بيبا بنبرة متأسّفة فيما غطّت كاثرين وجهها 
بيديها. 

«هيًا أرجوكِ»؛ قالت روبن بلطف وهي تبحث في حقيبتها عن محارم 
ورقيّة. 

«لا»» قالت كاثرين بخشونة» ونهضت عن الأريكة وتوجّهت إلى 
المطبخ. ثمّ عادت حاملة لفافة أوراق مخصّصة للمسح. 

«قال إنّه يريدها مفاجأة. ذلك اللعين», تابعت وهي تجلس ثانية, 
«اللعين!» 

جففت عينيها وهزت رأسهاء فتمايلت غرتها الحمراء الطويلةء بينما 
ربّتت بيبا على ظهرها بتعاطف. 

«أخبرتني بيبا...»» قال سترايك» «أنّ كواين ترك نسخة من المخطوطة 
في صندوق بريدك.» 

«أجل». قالت كاثرين. 

كان من الواضح أنّ بيبا اعترفت لها بأنْها أفشت السرّ. 


مكتبة دودة الحرير 521 


«رأته جود» جارتي» وهو يقوم بذلك. إِنّها فضوليّة حمقاءء. تراقب 
تحركاتي باستمرار.» 

كان سترايك قد دس للتوّ ورقة نقديّة من فئة العشرين في صندوق 
رسائل الجارة المذكورة ليشكرها على إخطاره بتحرّكات كاثرين: 

«متى؟» 

«في السادس من الشهرء في ساعات الصباح الباكر »» ردت كاثرين. 

كان سترايك يشعر بتوثّر روبن. 

«هل كانت الأضواء عند الباب تعمل في ذلك الوقت؟» 

«اللمبات مكسورة منذ أشهر.» 

«هل تحدّتّت إلى كواين؟» 

«له نظرت من نافذتها فحسب. كانت الثانية فجرًا أو نحو ذلك. لم 
تخرج من بيتها لأنّها كانت بملابس النوم. لكنّها كانت قد شاهدته يأتي 
ويذهب مزات عديدة. وهي تعرف شکله»» قالت كاثرين وهي تنشج «بعباءته 
وقبّعته الغبيّة.» 

«تحدّثت بيبا عن ملاحظة مُدوّنة», قال سترايك. 

«نعم... حان وقت الانتقام لكلينا.» 

«هل لا تزال لديك؟» 

«أحرقتها»» قالت كاثرين. 

«هل كانت موجّهة لك؟ عزيزتي كاثرين؟» 

«لاء تلك الجملة فقط مع قبلة لعينة. ذلك الوغد!» ونشجت من جديد. 

«هل أذهب وأجلب لنا مشروبًا؟» إقترحت روبن في الوقت المناسب. 

«هناك زجاجة في المطبخ», قالت كاثرين. وأتى كلامها مكتومًا من 
تحت المحرمة الورقيّة, «أحضريها يا بيب.» 

«هل أنت واثقة من أنّ الملاحظة كانت منه؟» سألها سترايك بينما 
أسرعت بيبا لجلب المشروب. 

«نعم, كان خطه. أعرفه جيّدًا», أجابت كائرين. 

«وماذا فهمت من الملاحظة؟» 


522 روبرت غالبریٹ t.me/ktabpdf‏ 


«لا آدري»» أت م وهي تمسح عينيها. «الانتقام لي لأنه هاجم 
زوجته؟ الانتقام له لأنه اقتصّ من الجميع... بمن فيهم أنا؟ الوغد! كان جبانًا 
كالدجاجة». قالت مرددة عبارة مايكل فانكورت الخرقاء من دون أن تدري. 
«كان بإمكانه أن يخبرني بأنّه لا يريد... إذا كان يريد أن ينهي علاقتنا... 
لماذا فعل ذلك؟ لماذا؟ ولم يقتصر الأمر عليّ... بيب... لقد تظاهر بأنّه مهتم 
بمعاناتها... لقد واجهت وقنًا عصيبًا وعاشت الفظاعات... أعني... كتاب 
مذكراتها ليس أدبًا عظيمًا أو أيّ شيء, لكن...» 

صمتت إذ عادت بيبا حاملة كؤوسًا زجاجيّة متلاطمة وقئينة براندي. 

«كنا نحتفظ بها من أجل بودينغ الميلاد»» قالت بيبا وهي تنرع 
السدادة ببراعة» «تفضّلي يا كاثرين» هذه لك.» 

أخذت كاثرين الكأس المليء بالبراندي وشربته بأكمله بجرعة واحدة. 
بدا أنّ المشروب حقّق المفعول المنشود. عدّلت جلستها مستنشقة بصوت 
مسموع. أخذت روبن مقدازًا صغيرًا من المشروب, بينما رفض سترايك 
الشرب. 

«متى قرأتٍ المخطوطة؟» سأل كاثرين, وهي تصت مزيدًا من البراندي. 

«يوم وجدتهاء أي في التاسع من الشهرء عندما عدت إلى البيت لجلب 
بعض الملابس. فقد أمضيت ثلاثة أيّام مع أنجيلا في المستشفى» تعرف... لم 
يعد أوين يرد على أيّ من مكالماتي منذ ليلة المفرقعات الناريّةء في حين كان 
يعي تمامًا أن أنجيلا في حالة سيّئة. كنت قد تركتٌ له عدّة رسائل. إِذَّاء عندما 
عدت إلى البيت ووجدت المخطوطة على الأرضء ظئنت أنّ ذلك سبب عدم 
ردّه على المكالمات, وأنّه يريدني أن أقرأ المخطوطة أُوَلًا. أخذتها معي إلى 
المستشفى وقرأتها هناك بينما كنت أسهر على أنجيلا.» 

كان في وسع روبن أن تتخيّل شعورها وهي تقرأ الوصف القذر الذي 
أورده عنها عشيقهاء بينما تجلس إلى جانب أختها المحتضّرة. 

«ثم اتصلت ببيب - أليس كذلك؟ سألت كاثرين ملتفتة إلى بيبا 
فهزت الأخيرة رأسها إيجاباء «وأبلغتُها بما فعله. واصلتُ الاتّصال به, لكنّه لم 
يجب. بعدما توفيت أنجيلاء فكرتُ: «سألقّنك درسًا لن تنساه.» كان البراندي 


مكقرة دودة الحرير 523 


قد أضفى لونًا زهريًا على وجنتي كاثرين الشاحبتين. «هرعتٌ إلى منزلهما 
لكن حين شاهدتها - زوجته - عرفت فورًا أنّها تقول الحقيقة. هو لم يكن 
هناك. لذاء طلبتٌ منها أن تخبره بأنّ أنجيلا توقيت», قالت كاثرين وتغضّن 
وجهها ثانيةً. وضعت بيبا كأسها على الطاولة وأحاطت بذراعيها كتفي كاثرين 
المرتجفين» «ظننت أنّه سيدرك الأذى الذي ألحقه بي. في اللحظة التي كانت 
أختي... كانت أختي ت...» 

لأكثر من دقيقة خلا الجوّ من أي ضجيج ما خلا نشيج كاثرين وصياح 
زمرة الشبّان في الأسفل المتناهي من بعيد. 

«آسف»», قال سترايك بنبرة رسميّة. 

«لا بد أنّه كان موققًا فظيعًا», أكدت روبن. 

في تلك اللحظات, ولد رابط هش من التضامن بين الأربعة. على الأقل, 
كان جميعهم متّفقًا على أمر واحد: أوين كواين ارتكب فعلة شنيعة. 

«ألتمس الآن مواهبك في تحليل النصوص»» قال سترايك لكاثرين 
بعدما جففت عينيها المتورمتين. 

«ماذا تعني؟» سألته كاثرين. لاحظت روبن شيئًا من الاعتداد بالنفس 
خلف نبرتها الجافة. 

«لم أفهم ما كتبه كواين في بومبيكس موري.» 

«لكنْ النصّ ليس صعبًا على الإطلاق»» قالت ثم ردت صدى فانكورت 
ثانيةَ من دون أن تعلم: «لن تكسب الرواية جوائز لدقّة وجمال أسلوبها الأدبيّ؛ 
أليس كذلك؟» 

«لا أعرف»» رد سترايك؛ «ثمّة شخصيّة تُحيّرني للغاية.» 

«شخصيّة متكيّر ؟» سألت. 

كان من الطبيعيّ أن تقفز إلى ذلك الاستنتاج, ففانكورت شخصيّة 
سهيرة. 

«بل أفكر في قاطع.» 


524 روبرت غالبريث t.me/ktabpdf‏ 


«لا أريد التحدّث عن ذلك»., قالت بحدّة فاجأت روبن. رمقت كاثرين 
بيبا بنظرة سريعة فاستشعرت روبن سرًا مشتركا بين المرأتين. سرٌ لم تنجحا 
في تمويهه. 

«كان يريد الظهور بمظهر الرجل الطيّب»». قالت كاثرينء «ويريد إقناع 
الجميع بأنّ هناك أشياء مقدّسة بالنسبة له. من ثم...» 

«ما من أحد يريد مساعدتي في تفسير شخص قاطعء, كما يبدو», ألحّ 
سترايك. 

«ذلك لأنّ بعضنا يتمنّع بذرّة من الحشمة», قالت كاثرين. 

تلاقت عينا سترايك بعيتي روبن فسلمها دفة الحديث بإشارة صامتة. 

«أبلغ جيري والدغريف سترايك بأنّه هو المقصود بشخصيّة قاطع». 
بادرت روبن. 

«جيري والدغريف يعجبني»» قالت كاثرين التي لم تتخلٌ عن حذرها. 

«هل التقيت به؟» سألت روبن. 

«إصطحبني أوين إلى حفلة في الميلاد قبل الأخير. كان والدغريف 
هناك. رجل لطيف. كان قد أفرط في ال...» 

«أفرط في الشرب؟» أكمل سترايك. 

كانت تلك خطوة ناقصة من قِبله. إذا كان قد شجّع روبن على تولّي 
لحديث فلأنّها أقل إثارة للرهبة منه. لكنّ مداخلته جعلت كاثرين تصمت 


ً . 


فجاة. 


on 


«هل كان هناك أحد آخر مثير للاهتمام في الحفلة؟» استدركت روبن 
وهي ترتشف قليلًا من البراندي. 

«كان مايكل فانكورت هناك»» أجابت كاثرين على الفورء «يقول الناس 
إِنّه متعجرف, لكتني وجدته رائعًا.» 

«أوه. هل تحدّثت إليه؟» 

«أراد أوين أن أتحاشاه. لكتني توجّهت إلى حمّام السيّدات وفي طريق 
العودة» بحثت عنه لأخبره عن إعجابي برواية منزل الوادي. ما كان أوين 
ليفرح بذلك»ء قالت برضى يثير الشفقة, «كان دائم الاندهاش من فرط تقدير 


مكتبة دودة الحرير 525 


الجميع لفانكورت. لكتّني أجده رائعًا. على أيّ حال؛ تحدّثنا قليلًا ثمَ جذبه أحد 
الأشخاص بعيدًاء لكن. نعم...». كرّرت بنبرة متحدّية كما لو أنّ طيف أوين 
كواين يحوم في الغرفة ويستطيع أن يسمعها وهي تمتدح خصمه» «وجدته 
ساحرًا. وقد تمنى لي التوفيق في الكتابة». قالت وهي تحتسي البراندي. 

«هل أخبرته أنّك صديقة أوين؟» سألت روين. 

«نعم», قالت كاثرين مبتسمةً ابتسامة ملتوية» «فضحك وقال, أشفق 
عليك. لم يزعجه ذلك. عرفتٌ أنه لم يعد مهتمًا لأمر أوين. أعتقد أنه رجل 
لطيف» وكاتب رائع. ألا يغار الآخرون من الشخص الناجح؟» 

صبّت مزيدًا من البراندي. كانت تتمتّع بقدرة استثنائيّة على احتمال 
الشراب. ما خلا احمرار وجنتيهاء لم تُظهر أي علامة ثمل.» 

«وأعجبك جيري والدغريف أيضًا؟», سألت روبن في محاولة ارتداديّة 
وكأنها تفكر بصوت عالٍ. 

«أوه أجلء إِنّه جدّ لطيف!»», قالت كاثرين التي بدا مزاجها مرحًا لدرجة 
امتداح كل من هاجمهم كواين. «رجل طيّب للغاية. لكته كان ثملاء وللغاية. 
كان لوحده في غرفة جانبيّة وأخذ الآخرون يتفادونه. أتعرفين؟ طلبت منًا تلك 
العاهرة تاسيل أن ندعه وشأنه. قائلةٌ إِنّه يتفوّه بالترهات.» 

«لماذا تصفينها بالعاهرة؟» سألت روبن منذهلة. 

«تلك العجوز المتأئّقة المتكبرة؟!», ردّت كاثرين» «بسبب طريقتها 
المتعالية في مخاطبتي» وفي مخاطبة الجميع. أعرف أنها كانت منزعجة 
لحضور مايكل فانكورت. لذا حين قلت لها - كان أوين قد ذهب ليطمئنَ إلى 
جيري» فهو لن يدعه على الكرسي مغميًا عليه» بصرف النظر عمّا قالته العاهرة 
- بأئني تحدّثث إلى فانكورت للت وقد عاملني باحترام ولباقة» لم يعجبها 
ذلك البتّة. لم يرق لها أن أجده رائعا في حين أنّها كانت تكرهه. وقد أخبرني 
أوين أنّها كانت متيّمة بحب فانكورت ولكته لا يطيق رؤيتها ولا حتّى طيفها.» 

لم يكن الخبر حديث العهد لكنها بدت مسرورة وراضية بنشر هذه 
الشائعة؛ لأمسية واحدة كانت على الأقلّ في قلب الحدث. 


526 روبرت غالبریث t.me/ktabpdf‏ 


«غادرّت بسرعة بعد حديثنا المقتضب»». قالت كاثرين برضى واضح» 
«إنّها امرأة رهيبة.» 

بدأ سترايك «أخبرني مایکل فانکورت...»» فركزت كاثرين وبيبا 
أنظارهما عليه للحالء متلهّفتين لسماع ما قاله الكاتب الشهيرء «أنّ أوين 
كواين وإليزابيث تاسيل كانا على علاقة ذات يوم.» 

سادت لحظة من الصمت الذاهل ثمّ انفجرت كاثرين كينت ضاحكة. 
كان ضحكها حقيقيًا بلا ريب ویستحیل اصطناعه: آجش» شبه فرح» يحاکي 
الصياح. 

«أوين وإليزابيث تاسيل؟» 

«هذا ما قاله.» 

أمام سرور كاثرين غير المنتظرء انفرجت أسارير بيبا. راقبتها بابتسامة 
عريضة صادقة وهي تُرجع رأسها إلى الخلف حنّى لامس مسند الأريكة, وتحاول 
جاهدةٌ أن تلتقط أنفاسها فيما سقطت بضع قطرات من البراندي على بنطالها. 
وسرعان ما انتقلت عدوى المرح إلى بيبا فبدأت تقهقه هي أيضًا. 

«مستحيل»» قالت كاثرين لاهثةء «ولو... بعد... مليون... سنة...» 

«ربّما حدث ذلك قبل وقت طويل»» قال سترايكء لكنّ غرّتها الحمراء 
راحت تهترٌ لشدّة ضحكها الصاخب المتواصل. 

«أوين وليز... لا يمكن الببّة... أنتَ لا تفهم»» قالت وهي تمسح 
دموعهاء «كان يمقتها! كما أنه ما كان ليتورّع عن إخباري لو... كان أوين 
يثرثر عن كل مغامراته العاطفيّة. لم يكن رجلا نبيلًا. أليس كذلك يا بيب؟ 
كنت لأعرف لو حدث ذلك... لا أدري من أين حصل فانكورت على معلوماته. 
هذا مستحيل!»» أضافت كاثرين كينت فيما انتابتها نوبة جديدة من الضحك. 

إذ لاحظت روبن سقوط آخر ذرّة من الحذر والتحفظ لديهاء شتّت 
هجومًا مضادًا. 

«لكنّك تجهلين ما يعنيه قاطع؟» سألتها روبن» ووضعت كأسها الفارغة 
على الطاولة الصغيرة بعزم الضيف الذي يوشك أن يغادر. 


مكتبة دودة الحرير 527 


«لم أقل ذلك قط». أجابت كاثرين: وهي لا تزال منقطعة الأنفاس جرّاء 
نوبات الضحك, «بل أعرف ما يعني. كيف استطاع فعل ذلك بجيري؟ يا له من 
منافق شنيع... يطلب منّي أوين أَلَا أسرٌ بالأمر لأحد ثم يورده هو في بومبيكس 
موري...» 

لم تحتج روبن المرّة هذه إلى نظرة سترايك لحنّها على التزام الصمت 
وترك كاثرين تبوح بكلّ حريّة, يدفعها مفعول البراندي» وفرحها للفت الأنظار 
والاهتمام؛ والفخر الذي تشعر به لضلوعها بأسرار حسّاسة عن الشخصيّات 
الأدبيّة. 

«حسنا». قالت أخيرّاء «حسئاء سأشرح لك... أخبرني أوين بذلك 
عندما كنا نهم بالمغادرة. كان جيري شديد السكر في تلك الليلة وتعرفين أنّه 
يواجه صعوبات في زواجهء وهو على هذه الحال منذ سنوات... كان قد وقع 
شجار هامّ بينه وبين فينيلا مباشرةً قبل الحفلة وأبلغته أنّ ابنتهما ربّما لا 
تكون من صُلبه. وربّما تكون...» 

أدرك سترايك ما سيلي. 

«... إبنة فانكورت»» تابعت كاثرين» بعد توقف وجيز لإضفاء اللمسة 
الدراميّة الملائمةء «القزمة ذات الرأس الكبيرء الجنين الذي كانت تفكر 
في إجهاضه لأنّها لم تكن تعرف من هو والده, أفهمت؟ وقاطع ذو القرنين 
والمخدوع... وقد طلب أوين منّي أن ألتزم الصمت. قال إِنّ الأمر غير مضحك 
على الإطلاق, لأنّ جيري يحب ابنته» وهي أفضل ما حصل عليه في حياته. 
لكنّه على عادته, ثرثر متبجّحًا بالآأمر طوال طريق العودة. تحدّث مرارًا وتكرارًا 
عن فانكورت الذي يمقت الأطفال وقد تكون ردّة فعله سلبيّة للغاية إن عرف 
أنّ لديه ابنة... كل الهراء والترهات التي تفوّه بها عن وجوب حماية جيري! 
كان ليبذل المستحيلء لمضايقة مايكل فانكورتء المستحيل!» 


t.me/ktabpdfF 


46 


صارع لياندر بكل ما أوتي من قوّة والأمواج 
من حوله تتلاطم, 
ومن ثم جُذب إلى القاع المفروش بحبّات 
اللؤلؤ المتناثرة... 

كريستوفر مارلوزء «هيرو ولياندر» 


شعر سترايك بالامتنان لمفعول البراندي الرخيص ولموقف روبن المثاليَ؛ 
مزيج فاعل من رباطة الجأش والدفء الإنسانيَّ. بعد نصف الساعة كان 
يستودعها بعدما شكرها بحرارة. من جهتهاء توجّهت روبن إلى المنزل حيث 
ينتظرها ماثيو وهي تشم بالفخر والسعادة, وتميل أكثر من ذي قبل إلى تقبّل 
تحليل سترايك بشأن قاتل أوين كواين. كانت قد غيّرت رأيهاء أَوَلَا لأنّ إدلاءات 
كاثرين كينت لم تناقض النظريّة التي وجدتها روبن للوهلة الأولى تافهة وغير 
معقولة, وثانيًا وبالأخصٌ, لأنّها كانت ممتنّة إلى أقصى الحدود لسترايك الذي 
منحها دورًا رئيسًا في الاستجواب المشترك. 

إذ لم يشرب سوى الشايء عاد سترايك إلى علّيته بمزاج مختلف بعض 
الشيء. كان لا يزال مقتنعًا بنظريّته. لكتّه لا يملك سوى دليل واحد: خرطوشة 
الآلة الكاتبة. هذا لن يكون كافيًا لتبرئة ليونورا وتحريرها. 


مكتبة دودة الحرير 529 


هبطت الحرارة فجأةً ليل السبت. لكنء في اليوم التالي» كانت 
ومضات من أشعّة الشمس الدافئة تخترق غطاء السحب بين الفينة والأخرى, 
فيما حوّل المطر جزءًا من الثلج المتراكم في الميازيبء إلى كومة موحلة زلقة. 
أمضى سترايك يوم الأحد منفردًا بين شقّته والمكتبء يجترٌ أفكاره. تجاهل 
انصالًا من نينا لاسيلز واعتذر عن تلبية دعوة نك وإلسا للعشاء. متذرّعًا بأنّه 
غارق في المعاملات, والواقع أنّه كان يفضّل العزلة على الأسئلة التي سثُطرح 
عليه لا محالة. 

كان يتصرف وفق مبدأ السريّة التامّة؛ معيار مهنيّ لم يعد مُلزمًا به 
منذ أن ترك مكتب التحقيقات الأمنيّة. ومع ذلك فقد استمرٌ في احترام تلك 
القواعد. ليس لأنه اعتادها وحسب بل تحديدًا لأنه يخشى وللغاية (حنّى ولو 
بدا الأمر سخيقًا) أن يشك القاتل أو يرتاب بأيّ شيء. والحالة هذه التزام 
الصمت خير وسيلة لضمان عدم تسرّب المعلومات. 

يوم الاثنين زاره العاشق الغيور» رب عمل الآنسة بروكلهيرست 
الخائنة. كانت مازوشيّته قد توسّعت إلى حدّ طلب التفتيش عن عشيق 
آخر مختبىء في خزانة الآنسة. إستمع إليه سترايك شارد الذهنء وهو يفكر 
في دايف بولوورث الذي بات أمله الأخير. فقد ظلّت مساعي روبن عديمة 
الجدوىء» على الرغم من الساعات التي كانت تقضيها في البحث عن الدليل 
الذي طلبه منها. 

فجأةٌ وفي السادسة والنصف من تلك الليلة» رنّ هاتفه بينما كان 
جالسًا في بيته يشاهد نشرة الأحوال الجويّة التي أعلنت عودة الصقيع بحلول 
نهاية الأسبوع. 

«إحزر يا ديدي؟» بادره بولوورث عند الطرف الآخر من الخط المشوّش. 

«أنت تمازحني» رد سترايك وتقلّص صدره فجأةٌ من شدّة الترقّب. 

«وجدث الكنزيا صديقي.» 

«لا أصدّق!» قال سترايك متنقّسًا الصعداء. 

كان صاحب تلك النظريّة ومؤلفهاء لكنّه شعر بالخديعة وكأنْ بولوورث 
أنجز الأمر بمفرده دون اللجوء إليه. 


530 روبرت غالبریٹث t.me/ktabpdf‏ 


«إنّها موضّبة هناء بانتظارك...» 

«سأرسل أحدًا ليجلبهاء غدًا في الصباح الباكر.» 

«وسأعود أنا إلى البيت لآخذ حمّامًا ساخنًا», قال بولوورث. 

«يا صديقي» أنت حقًا...» 

«أعرف أنْني كذلك. تشكرني لاحقًا. حاليًا أكاد أتجمّد من البرد يا 
ديدي. إلى اللقاء.» 

على الفور اتّصل سترايك بروبن ليزف الخبر. فقابلت فرحته بفرحة 

«حسئاء إلى الغد إِذًا!» قالت بحماس» «غدًا سأذهب لجلبها. وسأحرص 
على...» 

«إيَاكِ والتهاؤن». قاطعها سترايك, «ليست مباراة.» 

وصلت روبن إلى المكتب في الواحدة بعد الظهر, وما إن سمع خبطة 
الباب الزجاجيّ ثم صوتها وهي تناديه» حتّى عرف. 

«هل...؟» 

«نعم»» أجابت لاهثة. 

ظنّت أنه سيعانقهاء وبالتالي يتجاوز خطًا لم يقترب منه قط من قبل, 
لكنّها سرعان ما فهمت أنَّ اندفاعته لم تكن موجّهة لهاء بل هرع هكذا ليتناول 
هاتفه عن طاولة المكتب. 

«سأتّصل بأنستيس. لقد أنجزنا المهمّة يا روبن.» 

«كورموران» أعتقد...» بدأت روبن. لكنه لم يسمعها. أسرع إلى 
مكتبه وأغلق الباب خلفه. 

جلست روبن على كرسي الحاسوب وهي تشعر بعدم ارتياح. كانت 
تسمع صوت سترايك المكتوم في الغرفة الأخرى. نهضت قلقة ودخلت إلى 
الحمَام» حيث غسلت يديها وهي تتفخص انعكاسها في المرآة المشقوقة 
والمبقّعة فوق المغسلة: لاحظت شعرها الذهبيّ المتموّج المميّز. عندما 
عادت إلى المكتب» كانت مضطربة إلى حدّ لم تستطع القيام بأيّ عمل. ثمّ 


مكتبة دودة الحرير 531 


لاحظت أنّها لم تضئ شجرة الميلاد الصغيرة» ففعلت ذلك. جلست أمامها 
ساكنة وشاردة الذهن وهي تقضم أظافرهاء الأمر الذي لم تفعله منذ سنوات 
عديدة. 

بعد عشرين دقيقة, خرج سترايك من المكتب وهو يكرّ على أسنانه, 
تعلو وجهه تعابير اشمئزاز. 

«الأحمق الغبيّ!» كان أوّل ما قاله. 

«لا»» شهقت روبن. 

«لم يقتنع بأيّ شيء»» تابع سترايك, وكان شديد التوثّر فلم يجلس بل 
أخذ يعرج في المكان الضيّق جيئةٌ وذهابًا. «لقد أرسلّ قطعة القماش اللعينة 
التي عُثر عليها في مستودع المهملات إلى المختبر. وقد تبيّن أنّها تحمل دم 
كواين, يا للاكتشاف! - يمكن أن يكون قد أصيب بجرح بسيط وهو يقوم بأيّ 
شيء» قبل أشهر. أنستيس على يقين من صوابيّة نظريّته اللعينة على الرغم 
من...» 

«هل أعلمته بأنّه يكفي الحصول على مذكرة جل...؟» 

«الأحمق!» صاح سترايك» ولكمَ خزانة الملقّات المعدنيّة بعنف أجفل 
روبين»٠‏ 

«لكنه لا يستطيع أن ينكر كل شيء... بعدما يفرغ خبراء الطب 
الشرعي من...» 

«هنا تكمن المشكلة يا روبن!» قال ساخطًا وقد ارتدٌ غضبه عليهاء 
«يجب أن يفئّش قبل وصول خبراء الطب الشرعيّء وإِلَّا فلن يعود هناك ما 
يمكن فحصه وتحليله!» 

«لكنّك أخبرته عن آلة الطباعة؟» 

«هذا الأحمق لا يميّز ما هو واضح أمامه؛ لذا...» 

لم تقدّم مزيدًا من الاقتراحات لكنها راحت تراقبه وهو يذرع الغرفة 
جيئةٌ وذهابًا. كانت تخشى أن تخبره الآن بما يقلقها. 


532 روبرت غالبريث t.me/ktabpdf‏ 


«اللعنة»» زمجر سترايك وهو يمرّ أمامها للمرّة السادسة. «علينا فعل 
ذلك عنوةٌ. لم يعد لدينا من خيار آخر.», تمتم وهو يخرج الهاتف من جيبه. 
«آل ونك.» 

«من هو نِك؟» سألت روبن وهي تحاول يائسةً مجاراته. 

«إّه زوج محامية ليونورا»» قال سترايك وهو يضغط على أزرار هاتفه 
«صديق قديم... إختصاصي في الجهاز الهضميّ...» 

عاد إلى مكتبه مجدّدًا صافقًا الباب بقوّة. 

لم يكن لدى روبن ما تفعله» فملأت الغلاية بالماء وقلبها يخفق بشدّة. 
أعدّت الشاي الساخن لكليهما. لكنّه كان قد برد عندما خرج سترايك من 
مكتبه بعد خمس عشرة دقيقة»ء وقد استعاد هدوءه. 

«حستًا»» قال وهو يرشف جرعة من فنجان الشاي» «لدى خطة 
وسأحتاج إليك. هل أنت مستعدّة؟» 


«بالطبع!» أجابت روبن. 
قدّم لها موجرًا عمًا يريد أن يفعله. كان الهدف طموحًا ويتطلب قدرًا 
كبيرًا من الحظ. 


«إِذّا؟» سأل سترايك أخيرًا. 

«موافقة». قالت روبن. 

«لا أضمن بأن يكون تدخلكِ ضروريًا. » 
«لا»» ردت روبن. 

«من ناحية أخرى؛ يمكن أن يكون حاسمًا.» 


«نعم»» قالت روبن. 
«هل أنت واثقة من أنَّك تستطيعين القيام بذلك؟» سألها سترايك وهو 
يراقبها عن كثب. 


«لا مشكلة على الإطلاق»» قالت روبن. «أريد القيام بذلك» أريده 
حقا... لكن». تردّدت قليلًاء «أعتقد فقط... أنّ... أنّ...» 
«ماذا؟» سأل سترايك بحدّة. 


«أعتقد أنّه من الأفضل... أن أتدرّب» قالت روبن. 


مكتبة دودة الحرير 533 


«أوه»» قال سترايك وهو يحدّق بها. «نعم» هذا معقول. لديك مهلة 
حتّی يوم الخميس, على ما أعتقد. سأتحمّق من التاريخ...» 

عاد إلى مكتبه للمرة الثالثة. وعادت روبن إلى كرسي الحاسوب. 

كانت متلهّفة لأداء دورها في القبض على قاتل كواين, لكنء ما كانت 
توشك أن تقوله قبل أن يجفلها ردّ سترايك العنيف هو: «أعتقد أنّه ربّما كشف 


أمرى.» 


t.me/ktabpdfF 


47 


هاء هاء لقد أوقعت نفسك في الشباك التي 
صنعتها بيديك تمامًا مثل دودة الحرير. 
جون ويبسترء «الشيطان الأبيض» 


بدت الرسوم الملوّنة التي تغطي واجهة نادي تشيلسي للفنون, خياليّة 
ومخيفة على نحو غريب» في ضوء مصباح الشارع العتيق. كان النادي يتأّف 
من صف طويل من المنازل البيضاء المنخفضة والتي أعيد جمعها في بناء 
واحد» مقدَمًا لناظريه جدرانيّة طويلة بألوان قوس القزح تبرز منها مسوخ 
سيرك شعبي: شقراء بأربع أرجلء وفيل يلتهم حارسه؛ وبهلوان شاحب بملابس 
السجن المخططة يبدو رأسه ملتصقًا بمؤخّرته. كان الثلج قد عاد ليتساقط 
بكثافة مضاعفة, خانقًا الأصوات الضئيلة في الشارع الراقد وسط صفين من 
الأشجار. وكأنّ الشتاء القطبيّ يحقّق انتقامه بمحو آثار الاستراحة الوجيزة 
التي شهدتها الأيّام القليلة الأخيرة. طوال النهار, لم تنفك العاصفة الثلجيّة 
تشتدّ. ومساء يوم الخميس هذاء بدا النادي الوقور بألوانه الباستيل النضرة, 
ديكورًا كرتونيًا واهيّاء أو رسم خيمة خادع للبصرء عبر ستارة الندف الثلجيّة 
المتمؤجة في وهج المصباح. 

في زقاق معتم مطل على شارع أولد تشيرشء وقف سترايك يراقب 
المدعوّين الواصلين إلى الحفل الصغيرء واحدًا تلو الآخر. شاهد بينكلمان 


مكتبة دودة الحرير 535 


العجوز يخرج من سيّارة الأجرة بمساعدة جيري والدغريف الذي خلا وجهه 
من أي تعبير. ثم ظهر دانيال تشارد عند العتبةء معتمرًا قبعة فرويّة ومستندًا 
على عكازيه. رحب بضيوفه على طريقته الخاضة بإيماءة من رأسه مرفقة 
بابتسامة مرتبكة. بعد ذلك وصلت إليزابيث تاسيل بمفردها في سيّارة أجرة, 
وكانت ترتجف من البرد وهي تبحث في حقيبة يدها عن فكّة. أخيرّاء وصل 
مايكل فانكورت في سيّارة يقودها سائق خاصٌ. أخذ كل وقته وهو يترجّل 
منهاء ويرنّب معطفه؛ قبل أن يتقدّم لارتقاء درج المدخل. 

أخرج سترايك الذي غطى الثلج شعره هاتفه وانّصل بأخيه غير الشقيق. 

«مرحبًاء» قال آلء وبدت عليه الحماسة. «جميعهم في قاعة الطعام.» 

«كم عددهم؟» 

«نحو اثني عشر.» 

«سآتي حالا.» 

عرج سترايك عبر الشارع بمساعدة عكازه. حالما ذكر اسمه وأوضح 
أنه ضيف دانكان غيلفيديرء دعوه بحفاوة إلى الدخول. 

حال ولرجه البهوضادف متعرايك أخاه برققة غبلقيديرت مضوز 
فوتوغرافيَ خاصٌ بالمشاهير ونجوم الفنّ يقابله سترايك للمرّة الأولى. بدا 
غيلفيدير مرتبكًا وعلى الأرجح يتساءل مَن هو سترايكء ولماذا يصرٌ آل وهو من 
أعضاء هذا النادي الفريد والساحرء أن يدعوه. 

«أعرّفك بأخي». قال آل وهو يقدّم سترايك بنبرة ملؤها الفخر. 

«أوه», قال غيلفيدير بفتور. كان يضع نظّارة من النوع نفسه الذي 
يضعه كريستيان فیشر» وشعره المقصوص بشكل مربّع يلامس كتفيه, «ظننت 
أنّ أخاك أصغر منك.» 

«تقصد أخي إيدي». أجاب آلء «لا. هذا أخي كورموران. جنديّ سابق. 
يعمل الآن محقّقًا خاضًا.» 

«حقًا؟», قال غيلفيدير فيما ازدادت حيرته واندهاشه. 

«شكرًا على الدعوة».: قال سترايك موجّهًا كلامه إلى الرجلين. «هل 
أقدّم لكما شرابًا؟» 


536 روبرت غالبریث t.me/ktabpdf‏ 


كان النادي صاخبًا وشديد الازدحام بحيث تصعب رؤية الكثير منه 
باستثناء أطراف الكنبات الوثيرة ومدفأة حطب تتراقص فيها النار بفرقعة 
خفيفة. كانت جدران الحيّز المخصّص للبار شبه مغطاة بالرسوم المحفورة, 
واللوحات, والصور الفوتوغرافيّة؛ ديكور كان ليضاعف الطابع الريفيٍ الكنين 
والعتيق بعض الشيء. كالعادة, كان سترايك أطولهم في القاعة. جال نظره 
ما فوق رؤوس الحضورء ليستقرٌ على النوافذ في مؤخّر النادي. من خلالها 
لمح حديقة كبيرة حيث راحت أشعَة المسالط الضوئيّة ترسم بقعًا من نور, 
على الثلج الناصع والناعم, وكأنّه حلوى ملكيّة تغطّي الشجيرات والمنحوتات 


الحجريّة شبه المخفيّة بستار النبات. 
توجّه سترايك إلى البار وطلب نبيدًا لرفيقيه, ملقيًا نظرة سريعة على 
قاعة الطعام. ش 


كان المدعوون يشغلون عدّة طاولات خشبّية طويلة. رصد مجموعة 
روبر تشارد» والتي لم يعرف بعض أفرادها الجالسين أمام أبواب-نوافذ مطلّة 
على الحديقة الشبحيّة. لقد اجتمع أثنا عشر شخصًا لتكريم بينكلمان» ضيف 
الشرف الجالس في الصدارة؛ لمناسبة عيده التسعين. وقد حرص المسؤول 
عن ترتيب المقاعد» على إجلاس مايكل فانكورت وإليزابيث تاسيل في 
مكانين متباعدين. كان فانكورت يتحدَّث بصوت مرتفع في أذن بينكلمان. 
كان تشارد جالسًا في مقابله, وإليزابيث تاسيل بجوار جيري والدغريف. كان 
كلاهما صامنًا. 

قدّم سترايك كأسَي النبيذ إلى آل وغيلفيدير. ثم عاد إلى البار ليطلب 
كأسًا من الويسكي, وتعمّد رمق طاولة روبر تشارد بنظرات ثاقبة. 

«ماذا تفعل هنا؟» رنّ صوت واضح كالجرس على بضعة سنتمترات 
لحنه. 

کانت نينا لاسيلز تقف عند مستوى مرفقه» بالفستان الأسود عينه 
الذي ارتدته في منزل غريغ ولوسي. لم يبد أي أثر لغنجها السابق» بل بدت 
نبرتها جافّة وانّهامية. 

«مرحبًا»» قال سترايك متفاجئًاء «لم أتوقع أن أجدك هنا.» 


مكتبة دودة الحرير 537 


«ولم أتوقّع أن أجدك هنا.» 

في الواقع» لم يعاود الاتصال بها منذ أكثر من أسبوع» منذ الليلة التي 
أمضياها مكاء حينما أراد سترايك صرف أفكاره عن شارلوت يوم زفافها. 

«إذّاء أنتِ على معرفة ببينكلمان»: قال سترايك محاولًا تبديل مجرى 
الحديث إذ استشف عدائيّتها. 

«أتولى بعض كتاب جيري الآن بعدما قدّم استقالته. وبينكس واحد 
منهم. 

«تهانينا»» قال سترايك. لكتها لم تبتسم» «ومع ذلك جاء والدغريف 
إلى الحفلة؟» 

«بينكس مولع بجيري. ماذا تفعل أنت هنا؟» كرّرت السؤال. 

«أمارس مهنتي»» رد سترايك, «أحاول إيجاد قاتل أوين كواين.» 

نظرت نينا إلى السقف بضجرء وكأنّما عناد سترايك بالنسبة لها يحاكي 
حدّ الهزل. 

« كيف دخلت إلى هنا؟ النادي مخصّص فقط لأصحاب العضوية.» 

«لديّ أحد المعارف»» أجاب سترايك. 

«إذاء قزرت عدم استغلالي ثانية؟» 

أخجلته صورته عندما لمحها في عينيها البئيتين الواسعتين. لا مجال 
للإنكار بأنّه استغلّها مرارًا وتكرارًا. كان سلوكه مُشيئًا ورخيصًا. هذه الفتاة 
تستحقٌ ما هو أفضل. 

«لم أشأ المبالغة في استغلالك». قال سترايك. 

«أجل»»؛ قالت نيناء «تفكير صائب.» 

أدارت ظهرها وعادت إلى طاولتهاء لتملاً آخر مقعد شاغر بين موظَّفَين 
لا يعرفهما. 

كان سترايك في مواجهة مجال جيري والدغريف البصري. عندما رآه 
هذا الأخير انسعت عيناه دهشةًٌ خلف نظارته ذات الإطار القرنيّ. تنبّه تشارد 
إلى تحديق والدغريف المبهوتء فالتفت بدوره وتعرّف على سترايك هو أيضًا. 

«كيف تسير الأمور؟» سأل آل بحماسة وهو يقف بجوار سترايك. 


538 روبرت غالبريث t.me/ktabpdf‏ 


«بشكل ممتاز»» ردّ سترايك: «أين هو دانكان غيل... لم أعد أذكر 
ماذا؟» 

«شرب كأسه وغادر متسائلًا عمًا نحيكه». أجاب آل. 

لم يكن آل ليعرف عن الموضوع أكثر من صديقه. لم يخبره سترايك 
بشيء باستثناء أنّه يحتاج إلى دخول نادي تشيلسي للفنون هذه الليلة وربّما 
يحتاج إلى من يقلّه. كانت الألفا روميو سبايدر الحمراء الزاهية الخاضة بآل 
مركونة على مقربة في أسفل الطريق. كانت خفيضة لدرجة أنّ سترايك عانى 
الأمرّين لدخولها فالخروج منها. 

بدا أنّ نصف الجالسين إلى طاولة روبر تشارد قد تبيّنوا وجوده الآن» 
تمامًا مثلما أراد. تمركز سترايك في مكان يستطيع أن يراقب منه انعكاسهم 
الواضح على زجاج الأبواب-النوافذ. كانت نسختان من إليزابيث تاسيل 
تحملقان فيه من فوق قائمة الطعام» واثنتان من نينا لاسيلز مصمّمتين على 
تجاهله, بينما نادى اثنان أصلعان من تشارد على نادلين وتمتما في أذنهما. 

«أليس الرجل الأصلع عينه الذي شاهدناه في ريفر كافيه؟» سأل آل. 

«بلى»»: رد سترايك ضاحكا عندما ابتعد النادل عن الخيال المنعكس 
ليتقدّم نحوهماء«أعتقد أنّنا على وشك أن تُسأل لِمَا نحن هنا.» 

«المعذرة: يا سيّدي»» تمتم النادل متلعثمًا عندما اقترب من سترايك, 
«لکن» هل أستطيع أن أسأل مَن...؟» 

«آل روكبي. أخي وأنا هنا بدعوة من دانكان غيلفيدير »» قال آل بلطف 
قبل أن يتمكن سترايك من الإجابة. كانت نبرة آل مفعمة بالدهشة والاستنكار 
إذ تجرّأ النادل على طرح سؤال كهذا. فقد كان شابًا لبقا يتمتّع بمكانة مرموقة 
وبسمعة نظيفة لا تشوبها شائبة» وعليه, كان مُرحْبًا به في كل مكان. أمَا 
سترايك فقد منحه ربطه المؤفّت بأسرة روكبي الامتيازات عينها. علاوةٌ على 
ذلكء فوحده المصاب بضعف النظر لن يلحظ عينّي جوني روكبي البارزتين 
في وجه آل النحيل. غمغم النادل سلسلة من الاعتذارات الخجلة وانسحب 
على عجل. 

«هل تحاول أن تثير قلقهم؟» سأله آل وهو يحدّق في طاولة الناشر. 


مكتبة دودة الحرير 539 


«لا ضير في ذلك»» رذ سترايك باسمّاء ورشف الويسكي بينما راح 
يراقب دانيال تشارد يلقي ما بدا كلمة منمّقة على شرف بينكلمان. وسرعان 
ما ظهرت بطاقة معايدة وهديّة من تحت الطاولة. كان الجالسون يرفقون كل 
نظرة وابتسامة موجّهة إلى الكاتب العجوز بنظرة خاطفة ومتوثّرة بانّجاه الرجل 
الضخم ذي الشعر الأسود الذي يحدّق بهم من البار. كان مايكل فانكورت 
الوحيد الذي لم يلتفت صوبه. ربّما ظلّ غافلًا عن وجود المحقّق, أو أنّه لم 
يأبه به أساسًا. 

عندما ضعت المقبّلات أمامهم» نهض جيري والدغريف وابتعد عن 
الطاولة متوجّهًا نحو الحمّام. تبعته عيون نينا وإليزابيث. عندما مرٌ بمحاذاة 
سترايك اكتفى والدغريف بتمتمة تحيّة من دون التوفف. لكنه توقف قليلًا 
في طريق العودة. 

«تفاجأتٌ لرؤيتك هنا.» 

«حقًا؟» قال سترايك. 

«نعم»» رد والدغريفء «أنت... تجعلنا... نشعر بالانزعاج.» 

«وما عساي أفعل؟»» سأله سترايك. 

«يمكنك أن تتجتّب التحديق بنا.» 

«هذا أخيء آل»» قال سترايك متجاهلًا الطلب. 

إبتسم آل ومد يده فصافحه جيري وقد بدا مشوَسًا للغاية. 

«أنت تثير انزعاج دانيال», الح جيري وهو ينظر في عينيه مباشرة. 

«كم هذا مؤسف». قال سترايك. 

هر المحرّر شعره الأشعث. 

«حستاء علي القول بأنّ تصرّفك هذا...» 

«أنا مندهش لأنّك مهتم بمشاعر تشارد.» 

«لستٌ مهتمًا بها على وجه التحديد». قال والدغريفء «لكنّه قادر أن 
يفسد متعة الآخرين إذا ما تعكر مزاجه. أريد أن تمضي الليلة على خير. من 
أجل بينكلمان. ثم لست أفهم لماذا أنت هنا.» 


540 روبرت غالبریٹ t.me/ktabpdf‏ 


«عليّ أن أسلّم غرضًا». قال سترايك وأخرج مغلّقًا أبيض من جيبه 
الداخليّ. 

«ما هذا؟» 

«إِنّه لك»» قال سترايك. 

أخذه والدغريفء وبدا مبهونًا تمامًا. 

«ثمّة أمر يجب أن تفكّر فيه». قال سترايك وهو يقترب أكثر ليسمعه 
المحرّر المرتبك وسط ضوضاء البارء «أصيب فانكورت بالنكاف قبل أن تتوفى 
زوجته.» 

«ماذا؟» قال والدغريف ذاهلا. 

«وليس لديه من أبناء. أنا واثق من أنّه عقيم. أظئّك قد تهتمّ بمعرفة 
ذلك.» 

حدّق فيه والدغريف وفغر فمه من دون أن يجد ما يقول, ثمْ ابتعد 
وهو لا يزال ممسكا بالمغلف الأبيض. 

«ما كان كل ذلك؟» سأل آل متلهّفًا. 

«الخطة أ» رد سترايك» «وسنرى.» 

عاد والدغريف للجلوس إلى طاولة روبر تشارد. ظهر انعكاسه من خلال 
النافذة الداكنة وهو يفتح المغلف ويخرج منه مغلَّفًا آخر. كان الأخير يحمل 
اسمًا. 

نظر المحرّر إلى سترايك» الذي رذ عليه برفع حاجبيه. 

تردّد جيري والدغريف بعض الشيء» ثم التفت إلى إليزابيث تاسيل 
ومرّر لها المغلف. قرأت بدورها ما كتب عليه فتغضصّن جبينها. توجّهت 
بنظرها إلى سترايك الذي ابتسم ورفع كأسه نحوها وكأنّه يهم بشرب نخبها. 

تردّدت برهة بشأن ما تفعله» ثم لكزت المرأة الجالسة إلى جانبها 
ومرّرت المغلف لها. 

وهكذا انتقل المغلف على الطاولة حتّى وصل إلى مايكل فانكورت. 

«ها نحن ذا»: قال سترايك, «سأذهب إلى الحديقة لأدحّن سيجارة يا 
آل. إيق هنا وراقب هاتفك.» 


دودة الحرير 541 


«المكالمات غير مس...» 
لكن حالما لمح نظرة أخيه الغاضبة أذعن آل قائلًا: 
«حسئاء سأفعل.» 


t.me/ktabpdfF 


48 


هل تبذل دودة الحرير جهودها اليانعة 
من أجلك؟ وهل من أجلك ثفني نفسها؟ 
توماس ميدلتون, «مأساة المُنتقم» 


كانت الحديقة مهجورة وشديدة البرودة. غاصت قدما سترايك في الثلج حتّى 
الكاحلين» ولم يكد يشعر بالبرد اللاذع المتسرّب عبر ساق بنطاله اليمنى. لقد 
_ ا ا عشب المرجة في المواسم 
الجميلةء الخروج إلى الشارع. حرئت دربه في الثلج ثلمًا طويلًا تحت أنظار 
الأطياف-الشاهدة المتجمّدة التي يلقّها الجمال الساكن, وتوقّف إلى جانب 
بركة دائريّة صغيرة استحالت قرصًا من الجليد الكثيف الرماديّ. كانت تأوي 
في وسطها محارة كبيرة حيث وقف تمثال لكيوبيد وقد كلّل الثلج رأسه. يوجّه 
قوسه وسهمه إلى السماء الداكنة, من دون أن يجازف بإصابة أيّ إنسان مهما 
كان. 

أشعل سترايك سيجارة واستدار لينظر إلى نوافذ النادي المتوهجة. بدا 
المدعوون والنُدُل وكأنهم ظلال قُصاصات ورقيّة تتحرّك مقابل شاشة مضاءة. 

كان سترايك يعرفه حقٌّ المعرفة ويدرك أنه سيخرج إلى الحديقة 
لملاقاته. أليس هذا بوضع لا يقاوم بالنسبة إلى كاتب يسكنه هاجس تحويل 
الواقع إلى كلمات وعبارات. وشغف كل ما هو غريب وجنائزي؟ 


مكقرة دودة الحرير 543 


بعد بضع دقائق سمع سترايك صوت باب يُفتح وأصداء محادثة 
وموسيقى سرعان ما خبت» تلاها صوت وقع أقدام خافت. 

«سيّد سترايك؟» 

بدا رأس فانكورت مفرط الحجم في الظلام. 

«أليس من الأسهل أن نخرج إلى الشارع؟» 

«أفضّل الحديقة»» ردّ سترايك. 

«فهمت.» 

بدا فانكورت مستمتعًا على نحو ملتبس كما لو أنّه يريد أن يمازح 
سترايك. أقلّه على المدى القصير. خمّن المحقّق أنّ إيفاد الكاتب - نيابةٌ عن 
كل الأشخاص القلقين الجالسين إلى الطاولة - للتحدّث إلى الرجل الذي يثير 
توتّرهم الشديد, وإنّما يرضي حسٌ هذا الأخير المسرحيّ. 

«ما الذي ترمي إليه؟» سأل فانكورت. 

«أودٌ معرفة رأيك كخبير بشأن بومبيكس موري»» ردّ سترايك. 

«غدنا من جدید؟» قال فانکورت. 

بدأ حسّه الفكاهيّ يبرد بقدر برودة قدميه. أحكم معطفه حوله والذي 
استحال أبيض بفعل الثلج المتساقط بكثافة وردٌ: 

«لقد قلٹ کل ما لديّ عن ذلك الكتاب.» 

«من أوائل الأمور التي قيلت لي عن بومبيكس موري»» أردف سترايكء 
«إنه يذكر بمؤلّفاتك الأولى؛ لترات من الدم واستعارات مجازيّة ما ورائيّة... 
تلك الكلمات الصحيحة المستعملة على ما أظنّ.» 

«وإن يكن؟» قال فانكورت واضعًا يديه في جيبيه. 

«كلما تحدّثت أكثر إلى الأشخاص الذين كانوا على معرفة بكواين, 
انضح لي أنّ المخطوطة التي قرأها الجميع لا تشبه الرواية التي كان ينوي 
كتابتهاء إِلّا من ناحية بعيدة.» 

تصاعد نَمّس فانكورت مشكلا سحابة بيضاء أمامه. سرعان ما حجبت 
القليل الذي يستطيع سترايك تبيّنه من قسماته الحاذة. 


544 روبرت غالبریٹث t.me/ktabpdf‏ 


«بل التقيت بامرأة تزعم أنّها سمعت ومن كواين نفسه مقاطع لم ترد 
في المخطوطة النهاتية.» 

«غاليًا ما يقتطع الكتّاب أجزاءً من كتابتهم». قال فانكورت قارعًا الثلج 
بقدميه ومقلصًا كتفيه من شدّة الصقيع» «كان يجدر بأوين أن يحذف أكثر 
من ذلك بكثير. وقد أقول: كان من الحريٌ أن يجتّبنا العديد من رواياته.» 

«ثمّة أمر يحيّرني أيضًا: كلّ تلك التكرارات والشخصيّات المقتبسة 
من أعماله السابقة»». تابع سترايك, «خنثوان. وكيسان ملطّخان بالدماء. وكل 
الهراء الجنسيٌ الذي لا لزوم له.» 

«كان رجلًا محدود الخيال يا سيّد سترايك.» 

«كان قد دوّن على عجل أسماء عدّة شخصيّات محتملة, على قصاصة 
وزق: يظه أخه هذه الأسماء عل خرطوشة آله كاقية مستتديلة أخرجحت من 
مكتبه, قبل أن تقفله الشرطة: لكنّه لايرد في أي جزء من المخطوطة النهائية.» 

«إِذَا لا بد أنه قد غيّر رأيه». ردّ فانكورت بانفعال. 

«إِنّه اسم عاديّء شائع. ليس رمزيًا. على عكس الأسماء التي ظهرت في 
المخطوطة النهائية»» قال سترايك. 

سرعان ما اعتادت عينا سترايك الظلمة, فلمح نظرة فضول خافتة على 
وجه فانكورت الحادٌ القسمات. 

«وقد شهد مطعم مليء بالأشخاص ما أظنّه وجبة كواين الأخيرة, 
وظهوره العلنيّ الأخير». واصل سترايك؛ «وثمّة مصدر موثوق» يفيد بأنّ كواين 
صاح بأعلى صوته ليسمعه روّاد المطعم بأكمله بأنّ سبب رفض تاسيل تمثيل 
كتابه هو في الحقيقة, عجز فانكورت الجنسيٌ.» 

كان يشك في أن تتمكّن جماعة روبر تشارد من رؤيته هو وفانكورت 
بوضوح. كان طيفهما يخالط أشكال الأشجار والتماثيلء لكنء إن عمد أحدهم 
إلى مراقبتهما بما يكفي من الانتباهء للاحظ بلا ريب رأس سيجارة سترايك 
المتوهُج: هدف القتاص. 

«المشكلة هي أن بومبيكس موري لا تورد شيئًا عن عجز هذا»» تابع 
سترايك. «ولا شيء عن نقسين جميلتين تائهتينء عبارة استعملها كواين كما 


مكقرة دودة الحرير 545 


يزم لوصف عشيقته وصديقتها الخنثى. كما أنّك لا تصب الحمض على دودة 
الحريرء بل تضعها في الماء الغالي لتحصل على شرنقتها.» 

«وإن يكن؟» كرّر فانكورت القول. 

«لذاء أنا مُجبّر على الاستنتاج بأنّ بومبيكس موري التي قرأها الجميع, 
مختلفة تمامًا عن بومبيكس موري التي كتبها أوين.» 

فجأةٌ توف فانكورت عن تحريك قدميه. وبدا من جموده المؤقّت أنّه 
يفكر جدَيًا في ما قاله سترايك. 

«أنا... لا»» غمغم وكأنّه يحدّث نفسه. «كواين مَن كتب ذلك. إِنّه 
أسلوبه.» 

«من المضحك أن تقول هذاء لأنّ كل من يعرف أسلوب كواين المميّز 
قد تبيّن لمسة يد دخيلة في الكتاب. يظنّ دانيال تشارد أنّها يد والدغريف», 
ووالدغريف يظنّها إليزابيث تاسيل؛ وأمَا كريستيان فيشر فيعزوها إليك.» 

هرّ فانكورت كتفيه بغروره المألوف. 

«على الأرجح كان كواين يحاول تقليد كاتب أفضل منه.» 

«ألا تعتقد أنّه يعامل شخصيّات روايته بقساوة غير متكافئة؟» 

قبل فانكورت السيجارة التي عرضها سترايك عليه وراح يستمع بكثير 
من الاهتمام. 

«يصف زوجته ووكيلة أعماله كطفيليّتين تقتاتان من لحم كتفيه. هو 
وصف كريه. لكنّه انّهام قد يلقيه أي شخص على مَن يمكن القول إِنّه يعتاش 
من أرباحه. ويلمّح ضمئًا أنّ عشيقته لا تحبٌ الحيوانات» ويفبرك حولها 
مشهدًا إِمَا للتأكيد بأنّها لا تجيد الكتابة أو كإشارة فظيعة وسقيمة إلى سرطان 
الثدي. أمَا صديقته الخنثى فتنجو من برائن سخريته بأقل قدر من الأضرار, إذ 
يكتفي بالاستهزاء بتمارينها الصوتيّة - وذلك بعدما أطلعته على سيرة حياتها 
التي كانت تكتبها وأسرّت إليه بأعمق أسرارها. من جهة أخرى. يتّهم تشارد 
بقتل جو نورثء ويقدَّم إيحاء مبتذلًا إلى ما كان يريد تشارد أن يفعله به في 
الحياة الواقعيّة. وأخيراء يتّهمك بأنّك المسؤول عن وفاة زوجتك الأولى. 


546 روبرت غالبریث t.me/ktabpdf‏ 


بإيجازء كل الأمور الواردة في الكتاب» ليست سوى أسرار مكشوفة 
ومتداولةء أو نميمة وشائعات, أو اتّهامات اعتباطيّة.» 

«أجل ولكنك لن تقرأ التهكمات الموجّهة إليك بسرور وحبور» قال 
فانكورت بهدوء. 

«أوافقك الرأي»» رد سترايك» «وقد حمل ذلك الكثيرين على الغضب. 
لكن, إن فكرنا مليّاء المعلومة الوحيدة التي تمّ كشفها هي أنّك والد جوانا 
والدغريف.» 

«لكتني أخبرتك بوضوح عندما التقينا في المرة الأخيرة»» قال 
فانكورت» وبدا متوتّرًاء «ذلك الاتّهام ليس كاذبًا فحسب وإِنّما مستحيل. فأنا 
عقيم» وكواين هو أوّل من يجدر...» 

«... وكواين هو أوّل من يجدر به أن يعرف»». وافقه سترايك؛ «هذا 
لأنكما كنتما لا تزالان على وفاق عندما أصبتَ بالنكاف. كان على علم بالأمر 
إلى حدّ أنه ذكره في الإخوة بلزاك. وذلك يجعل الاتهام أكثر غرابةء أليس 
كذلك؟ كما لوأنّ من كتبه شخص آخر. شخص لا يعرف أنّك عقيم. ألم يخطر 
ببالك أي من ذلك عندما قرأت بومبيكس موري؟» 

كان الثلج يتساقط بكثافة على شعر الرجلين وكتفيهما. 

«برأيي» لم يكن أوين ليأبه إذا كانت الاتّهامات صحيحة أو لا»» قال 
فانكورت على مهل» وهو ينفث الدخان» «الوحل يعلق. کان يتفوه بالقظاعات 
فقط لإثارة الضجَة والفضائح.» 

«ألهذا أرسل إليك نسخة مبكرة من المخطوطة؟» وإذ لم جب 
فانكورتء تابع سترايك: «من السهل التحقّق من ذلك. البريد السريع - خدمة 
البريد - لديهم سجل. ويستحسن أن تخبرني أنتَ شخصيًا.» 

ساد صمت طويل. 

«حسنًا»., قال فانكورت مذعئًا. 

«متى استلمتها؟» 

«صباح السادس من الشهر.» 

«وماذا فعلت بها؟» 


مكتبة دودة الحرير 547 


«أحرقتها». قال فانكورت باقتضابء مثلما فعلت كاثرين كينت 
قبله. « كانت نواياه واضحة: كان يحاول الاستفزاز لإثارة جدل علنيّء وتعظيم 
الدعاية. ذريعة الفاشل الأخيرة - ولم أكن في وارد أن أجاريه.» 

وصل إلى مسامعهما شيء من الصخب الداخليَ عندما فُتح الباب 
المفضي إلى الحديقة وأغلق ثانيةً. ثم شمع وقع أقدام خجولة تتنقّل عبر 
الثلج, وأخيرًا لاح خيال ضخم من قلب العتمة. 

«ما الذي يجري هنا؟» صاحت إليزابيث تاسيل» وكانت ترتدي معطفًا 
سميكًا ذا قبّة فرويّة. 

عندما سمع فانكورت صوتها هم بالرجوع إلى الداخل. تساءل سترايك 
متى كانت المرَة الأخيرة التي التقى فيها الاثنان وجها لوجه في مكان واحدء 
ومع حشد لا يقل عن مئة شخص. 

«أيمكن أن تنتظر دقيقة» من فضلك؟» سأل سترايك الكاتب. 

تردّد فانكورت, فيما أعلنت تاسيل لسترايك بصوتها الأجش: 

«بينكس يطالب بمايكلء اشتاق إليه.» 

«وإليك أيضّاء لا؟», قال سترايك. 

كان الثلج يصدر حفيفًا وهو يستقرٌ على أوراق الشجر وعلى البركة 
المتجمّدة التي يعلوها كيوبيد وسهمه المصوّب نحو السماء. 

«كنت تعتبر كتابة إليزابيث تقليديّة يُرئى لهاء أليس كذلك؟» وجّه 
سترايك سؤاله إلى فانكورت» «رغم ذلك ثمّة تشابه في أسلوبيكماء حتمًا 
لأتكما درستما معًا مسرح التراجيديا اليعقوبيّة. ثم قال المحقّق ملتفنًا إلى 
تاسيل؛ «في أيّ حال؛ أظئّك قادرة على تقليد أسلوب أيّ كان.» 

كان قد فكّر في استدراج فانكورت إلى الحديقة مع العلم بأنّ تاسيل 
ستسرع للانضمام إليهماء لأنها تخشى حنّى الموت ما قد يكشفه المحقّق 
للكاتب. وقفت مستقيمة وساكنة تماما وسط المرجة البيضاءء غير آبهة 
بالثلج الذي راح يتكدّس على قبّتها الفروية وشعرها الأشيب. لم تكن أضواء 
النادي المنبعثة من بعيد كافية لإنارة قسمات وجهها كاملة, لكنّ سترايك 
تفاجأ بنظرتها الحادّة والفارغة في آن. نظرة قرش. 


548 روبرت غالبريث t.me/ktabpdf‏ 


«لقد أتقنت تقليد أسلوب إيلسبيث فانكورت إلى حدّ الكمال؛ مثلًا.» 

فجأةٌ ارتخى فك فانكورت الأسفل. مضت لحظات لم يُسمع فيها إِلَا 
همس الثلج والصفير الخفيض الصادر عن رئتّي إليزابيث تاسيل. 

«منذ البداية» استشعرتٌ أن كواين يملك وسيلة ضغط عليك. ذلك 
لأنّ بعض التفاصيل لم تكن تتناسب مع طبعك. لست من النوع الكريم 
المعطاء الذي يغدق أمواله على الجميع» أو يؤدّي دور الخادمة, أو يضحي 
بكاتب كفانكورت ليحتفظ بواحد ككواين. وكل ذلك الهراء الذي أتحفتني به 
عن حرّية التعبير... أنت من كتبت المحاكاة الساخرة حول كتاب إيلسبيث 
فانكورت» ما جعلها تقتل نفسها. كل تلك السنين جعلت الجميع يظنْ بأنّ 
أوين أطلعك على نصّه. لكنْ العكس كان الصحيح.» 

ساد الصمت من جديد» يقطعه فقط حفيف الندف المتساقطة على 
الأرض المكسؤة بالثلج. وذلك الأنين الغريب والمرعب الخارج من صدر 
إليزابيث تاسيل. فاغر الفم» كان فانكورت يقلّب نظره المشدوه بين زميلته 
القديمة في الجامعة وبين المحفّق. 

«إشتبهت الشرطة بأنّ كواين كان يبترّك. لكنّك خدعتهم بقصضتك 
المؤثّرة عن إقراضه النقود من أجل أورلندو. كم لطيف! والواقع أَنْكِ كنتِ 
تدفعين ثمن سكوت كواين منذ أكثر من ربع قرن» أليس كذلك؟» 

كان سترايك يحاول حثّها على الكلام, لكتها بقيت بكماء. واصلت 
التحديق فيه بعينيها الداكنتين الخاليتين من التعبيرء وكأنّهما فجوتان في 
وجهها الشاحب ذي القسمات القبيحة. 

«كيف وصفت نفسك لي عندما تناولنا الغداء؟» سألها سترايك, 
«التعريف عينه للعانس؟ لكك وجدت منفدًا لتنفيس إحباطاتك. أليس 
كذلك يا إليزابيث؟» 

تحرّكت عيناها الخاويتان فجأةً نحو فانكورت» الذي كان قد غيّر 
موقعه. 

«هل شعرت بالرضى والمتعة وأنتِ تمرّقين وتغتصبين كل الذين 
عاشرتهم يا إليزابيث؟ وأنتِ تطلقين العنان للخبث والسقالة والأفكار 


مكتبة دودة الحرير 549 


السفيهة الفاحشة التي تغلي في باطنك؟ وأخيرّاء استطعت تنفيذ انتقامك. 
كم استمتعت بتليّس دور البطلة-الضحيّة, العبقريّة غير المعترف بهاء فيما 
كنت في السياق توسّخين سمعة كل مَن يتمتّع في محيطك بحياة عاطفيّة 
أكثر نجاحًا وحياة أكثر...» 

إرتفع صوت في الظلام» ضئيل ورقيق لدرجة مضت ثوان تحيّر فيها 
سترايك حول مصدره. کان ناعمًا على نحو غريب» وشبه نائح» وذا طبقة عالية 
مصطنعة وجدّ مزعجة: صوت امرأة مجنونة تقلّد البراءة واللطف؛ مشاعر 
كانت عاجزة عن الشعور بها. 

«لاء يا سيّد سترايك»» ترئُمت كأمَّ تهمس لطفلها النعس كلمات 
مطّمئنة. «أيّها الأحمق المسكين. أشفق عليك.» 

حاولت أن تضحك لكنّها لم تنجح سوى في إصدار صفير مريع تركها 
لاهثة. 

«لقد تعرّض لإصابة بالغة في أفغانستان»» قالت لفانكورت بذلك 
الصوت الهامس الغنج, «أعتقد أنّه يعاني من العغصاب النفسيّ. وقد تضرّر 
عقله. شأنه شأن أورلندو. السيّد سترايك المسكين بحاجة إلى معالجة.» 

أصدرت رثتاها أزيرًا وهي تتنفّس بصعوبة أكبر فأكبر. 

«كان عليك استعمال قناع واق يا إليزابيث» أليس كذلك؟» سأل 
سترايك. 

ظنّ أنّه عاين ملامحها تتبدّل على الأرجح بفعل تدقق الأدرينالين: 
توسّعت عيناها وكبرت حدقتاها وتعتّمت نظرتها. ثمّ تقلصت يداها الكبيرتان 
المرتّعتان فظهرتا كمخالب حادّة. 

«بيد أك فكرت في أدنى تفصيل أليس كذلك؟ الحبالء والزيّ التنكري, 
والملابس الواقية لحماية نفسك من رذاذ الحمض - لكنّك لم تدركي أنّ 
أنسجتك المخاطيّة ستتضرّر من استنشاق الأبخرة.» 

كان الهواء البارد المتغلغل في رئتيها يفاقم حالتها. من شدّة ذعرها 
راحت تلهث وكأنّها في نشوة. 


550 روبرت غالبریث t.me/ktabpdf‏ 


«أعتقد...»: قال سترايك بقساوة مدروسة ومحتسبة بدقّة. «أنّ ذلك 
جعلك مخبولة بكل ما للكلمة من معنى. ما رأيكِ يا إليزابيث؟ آمل أن تأخذ 
هيئة المحلّفين ذلك بعين الاعتبارء وهذا من أجلك. حياتك مجرّد ركام. 
عملك في الحضيضء وليس لديك من قريبء لا حبيب ولا زوج؛ ولا أولاد... 
بالمناسبة» هل حاولتما ممارسة الجنس مكاء أنتما الاثنين؟» سأل سترايك 
بفظاظة وهو يراقب وجهيهما الملتفتين الواحد إلى الآخرء «مسألة العاجز 
جنسيًا... يخيّل إل أن كواين ربّما أراد التلميح في بومبيكس موري الأصليّة, 
إلى محاولتكما العقيمة.» 

كان ظهراهما مواجهين للضوء فلم يستطع سترايك أن يشاهد تعابيرهماء 
لكنّ لغة جسديهما قدّمت له الإجابة: سرعان ما استدار كلاهما لمواجهته 
ودرء هجومه في محاولة مشتركة. 

«متى حدث ذلك؟» تابع سترايك, متوجّهًا إلى طيف إليزابيث» «بعد 
وفاة إيلسبيث؟.» من ثم التفت إلى فانكورت: «لكتك انتقلتَ بعدها إلى 
فينيلا والدغريف, أليس كذلك يا مايكل؟ حسئاء يمكنني المتابعة؟» 

أصدرت إليزابيث صرخة مكتومة. وكأنّه أصابها في الصميم. 

«بالله عليك!», صاح فانكورت الذي ارتدٌ غضبه على سترايك الآن. لكنّ 
سترايك تجاهله. كانت إليزابيث موضع تركيزه. تابع عمله الاستفزازي عليها 
فيما تصاعد إيقاع صفيرها المريع تحت الثلج المتساقط. 

«لا بد أنّك انزعجت للغاية حين راح كواين يصرخ تفاصيل حرجة من 
بومبيكس موري الحقيقيّة أمام رواد ريفر كافيه» أليس كذلك يا إليزابيث؟ 
بعد أن نبّهته إلى عدم التفوّه بكلمة ولأيّ أحد مهما كان» عن محتوياتها؟» 

«مجنون. نت مجنون»» صرت بخبث. لمح سترايك تكشيرة بشعة على 
وجههاء والتماعًا في عيئيها الكاسرتين وومضة صفراء على أسنانها الكبيرة, 
«أفقدتك الحرب ساقك ولكن ليس هذا فحسب...» 

«جميل». علق سترايك, «ها هي الطاغية الفظيعة التي حذّثني عنها 
الجميع...» 


مكقرة دودة الحرير 551 


«أنت مجورّد معاق مسكين مستعدٌ لبذل أي شيء فقط بهدف الظهور 
في الصحف», أسرّت بخبثء ما بين لهثتين. «أنت مثل أوين المغفّلء مثله 
تمامًا... كان يهوى أن تذكر الصحف اسمه. أليس كذلك يا مايكل؟.» إستدارت 
صوب فانكورت ليشهد على كلامها. «ألم يكن أوين يعشق الدعاية؟ ولهذاء 
كان يركض للاختباء كطفل يلعب ال...» 

«أنت من شجّعتٍ كواين على الاختباء في منزل تالغارث رود»» قاطعها 
سترايك» «كانت تلك فكرتك.» 

«كفى. لن أستمع إلى المزيد.» رشفت بصعوبة جرعة من الهواء 
ورفعت صوتها وراحت تصيح: «إِنّني لا أستمع, يا سيّد سترايك, لا أستمع 
إليك. لا أحد يستمع إليك؛ أنت مجرّد سخيف...» 

«كنت تقولين إن كواين يعشق المديح»» صاح سترايك بشدّة لحجب 
صوتها الحادّء «حسئاء سأعرض وجهة نظري الآن؛ أعتقد أنه أطلعك على 
مشروع روايته منذ عدّة أشهرء وأفصح لك عن كل ما يريد كتابته. وأعتقد 
أن شخصيّة مايكل كانت ضالعة فيهاء بشكل ما - ليس على شاكلة متكبّر 
الفظ ولكئّني أفترض أنّ كواين كان ليورد تلميحات ساخرة ومقرّزة حول عجز 
فانكورت الجنسيّ. حان وقت الانتقام لكليكماء ليس كذلك؟» 

وكما كان يتوقع» فعلت كلماته الأخيرة فعلها. إنقطع صياح تاسيل 
المسعورة بشهقة مذهولة. 

«أبلغتٍ کواین أَنْ مشروعه يبدو رائعًاء وأنّ روايته هذه ستكون أفضل 
أعماله وتحقّق نجاحًا مدوّيًاء لكن عليه إبقاء محتوياتها طيّ الكتمان لتجنّب 
الملاحقات القانونيّة. ولترك تأثير عظيم» متى كُشف النقاب عنها. وطوال 
ذلك الوقت» كنت تكتبين نسختك الخاصّة. كانت لديك المهلة الكافية 
لتحريرها كما ينبغي, أليس كذلك يا إليزابيث؟ ستّ وعشرون سنة من العزلة. 
كل تلك الأمسيات الخاوية والتي أمضيتها في اجترار حقدك. كل تلك الكتب 
التي كان بإمكانك تأليفهاء منذ محاولتك الكتابيّة الأولى عندما كنت طالبة 
في أكسفورد... لكن عمّ تكتبين؟ فأنت لم تعيشي أي أمر.» 


552 روبرت غالبریث t.me/ktabpdf‏ 


بات وجه تاسيل مجرّد قناع حاقد؛ كانت تشدّ على قبضتيهاء لكنّها 
بقيت مسيطرة على نفسها. كان سترايك يريدها أن تنكسرء وأن تستسلم, لكنّ 
عيئّي القرش كانتا تترصّدان أي مؤشر ضعفء وأيّ ثغرة في خطابه. 

«صغت رواية كاملة حول خطّة جريمة. لم يكن انتزاع الأحشاء ورش 
الجنّة بالحمض نوعًا من الرموزء بل مجرّد وسيلة لإعاقة عمل الطبّ الشرعيّ 
وتضليل الشرطة. لكنّ الجميع اعتبر ذلك تزييئًا أدبيًا. وقد تلاعبت بذلك 
الأحمق المغرور المسكين إلى حدّ انتهى بأن ساهم هو نفسه في التخطيط 
لمقتله. أقنعته بأنّك وجدت فكرة لامعة لزيادة الدعاية وأرباحه. وبأنّه 
سيصبح من أهمّ الكتّاب وأشهرهم إذا ما عمل بنصائحك. لذلك. يكفي أن 
تتظاهرا بالتشاجر في مكان علنيّ - بحيث ترفضين نشر كتابه بحجّة أنّه مثير 
للجدل - وبعد ذلك» من المفترض أن يختفي هو بانتظار انتشار الشائعة في 
سائر أنحاء المدينةء وذلك بفضلك أنتِ. وأخيرًا يعاود كواين الظهور, بعدما 
تكونين قد أمَنت له عقدًا مُجزيًاء أهمّ عقود حياته.» 

أخذت تهرّ رأسهاء ورئتاها تجهدان بصوت مسموع يذكر بمحرّك 
السيّارة العتيق» لكنّ عينيها الخاويتين لم تفارقا وجه سترايك. 

«سلّمك الكتاب. فأخرته بضعة أيام, حتّى ليلة الألعاب الناريّة (ليل 
الخامس إلى السادس من نوفمبر)» حرصًا منك على أن يحجب ضجيج المفرقعات 
أي أصوات مشبوهة أخرى. ثم أرسلت نسختك المزؤرة من بومبيكس موري 
إلى فيشر - الشخص الأمثل لمن يريد نشر شائعة عن الكتاب - ومن ثم إلى 
والدغريف ومايكل. إفتعلتِ شجاركما العلنيّ في المطعم, ثمّ لحقت خلسةٌ 
بكواين إلى تالغارث رود...» 

«لا», صاح فانكورت, الذي لم يعد قادرًا على تحمّل المزيد. 

«بلى»» قال سترايك بصرامة. «كان كواين الساذج يظنّ أنّه ليس هناك 
ما يدعوه للخوف من إليزابيث - شريكته في المؤامرة للعودة المظفرة. ترى 
هل نسي حينذاك آنه يقوم بابتزازك منذ سنوات؟» قال سترايك موجهًا السؤال 
إلى تاسيل؛ «لقد اعتاد أن يطلب منك النقود ويحصل عليها. حتّى أنّني أشك 


مكتبة دودة الحرير 553 


في أنّكما أثرتما موضوع المحاكاة الساخرة الشهيرة ثانيةٌ تلك المزحة الثقيلة 
التي دمرت حياتك... والآن» سأعرض لك ما حدث عندما فتح لك الباب.» 

على الرغم من اشمئزازه» تذكر سترايك المشهد: النافذة المقبّبة 
الكبيرة, والجثّة الممدّدة وسط المحترف, وكأنّها لوحة جنائزيّة لجمود ساكن. 

«أعتقد أنّك أقنعت ذلك المغقل النرجسي بأن يتّخذ وضعيّة معبّنة 
بهدف التقاط صورة فوتوغرافية دعائيّة. هل ركع من تلقاء نفسه؟ هل توسّل 
إليك كما كان بطل القصّة الحقيقيّة ليفعل؟ أم أنه كان قد قُيّد مسبقًا كما 
في نسختك من بومبيكس؟ لعل كواين وجد وضعيّة المقيّد بالحبال ممتعة, 
أليس كذلك؟ إضافةٌ ذلك كان ليسهّل مهمّتك. لم يكن عليك سوى التقاط 
مصدّ الباب المعدنيّ» ثمّ الوقوف خلفه فتسديد ضربة إلى رأسه. مع كل تلك 
المفرقعات الناريّة في الحيّء لم يكن من داع للقلق بشأن إصدار أي ضجيج. 
یکنت من إفقاده الوعي» وبقرت بطنه. و...» 

أطلق فانكورت أنين رعب مكبوت, لكنّ تاسيل استعادت بسملتها 
المسعورة: 

«عليك استشارة طبيبء يا سيّد سترايك. مسكين أنتء يا سيّد 
سترايك»: وفوجئ المحقّق إذ تقدّمت نحوه. ووضعت يدها الكبيرة على كتفه 
المغطّى بالثلج. فتراجع إلى الخلف غريزيًا متذكرًا ما اقترفته هاتان اليدانء 
فعادت ذراعها للانسدال إلى جانبهاء وكوّرت أصابعها تلقائيًا. 

«وضعت أحشاء أوين والمخطوطة الحقيقيّة في جراب كبير»» قال 
المحقق. كانت تاسيل جدّ قريبة منه بحيث اشتمّ مزيج رائحة العطر ودخان 
السجائر البائت» «ثم ارتديت عباءة كواين وقبّعته. وغادرت المنزل. توجّهت 
لدسٌ نسخة رابعة من بومبيكس موري المزيقة في صندوق رسائل كاثرين 
كينت, وذلك لزيادة عدد المشتبه بهم وتجريم امرأة أخرى كانت لتتمنّع بما 
لم تحصلي أنتِ عليه قط - الجنس, والرفقة, أو صديق واحد على الأقلّ.» 

أرادت الضحك ثانيةً لكنّها لم تصدر سوى صوت أزيز هستيريّ هذه 
المرّة. وكانت أصابعها الغليظة المتوتّرة لا تزال تقبض على الهواء. 


554 روبرت غالبریث t.me/ktabpdf‏ 

«لشکلتما ثنائيًا رائعًا أنت وأوين». غمغمت. «أليس كذلك يا مايكل؟ 
ألن ينسجم مع أوين انسجامًا رائعًا؟ حالمان مريضان... سيسخر الناس منك يا 
سيّد سترايك وتكون أضحوكة الجميع.» أخذت تلهث بشدّة أكثر من ذي قبل, 
وعيناها الكامدتان تكادان تلتهمان وجهها الشاحب» «كسيح مسكين واهم 
ويقوم بأي شيء ليصبح شهيرًا كوالده...» 

«ألديك دليل على أيّ من ذلك؟» سأل فانكورت بصوت أجِشسٌ ما بين 
عصفتي ثلج. كان صوته يحمل شيئًا من الأملء وكان يفضّل أن يكون سترايك 
مخطنًا. فالمأساة التي كان يشاهدها بِأمَ عينيه ليست بحبر على ورق» 
وليست مأخوذة من مشهد مسرحي. إلى جانبه تقف حيّة ترزق» صديقة 
سنواته الجامعيّة. وبصرف النظر عمًا صنعته بهما الأيام لاحفاء فإنَ فكرة تحؤل 
الفتاة الطويلة الخرقاء والولهانة بحبّه, إلى وحش دمويّ قادر على ارتكاب 
أفظع جريمة شاذة, أمر لا يُحتمل. 

«أجلء لديّ دليل»» قال سترايك بهدوء «آلة طباعة كهربائيّة ثانية, من 
النموذج نفسه الذي كان يستخدمه كواين» ملفوفة ببرقع أسود وألبسة واقية 
ملطّخة بحمض الهيدروكلوريك ومثقلة بالحجارة. وقد استخرجها قبل بضعة 
يام من قعر البحر غوّاص هاو انّفق أنه من أصدقائي. كانت موجودة تحت 
جُروف هيلز ماوث الصخريّة الشهيرة في غويثيان» مكان يحمل تسمية تنبّؤية 
فوهة الجحيم. مكان يظهر على غلاف كتاب دوركوس بينغيللي. أعتقد أنّها 
أرتكِ إيّاه عندما زرتها وأمضيت عطلة الأسبوع في بيتها في كورنوال» ألم 
تفعل ذلك يا إليزابيث؟ بعد ذلك وبحجّة بحثك عن إرسال هاتفي أفضل لإجراء 
مكالمة. عدت إلى الجروفء ولكن من دونها هي.» 

أطلقت تاسيل أنّة خفيضة رهيبة» كصوت رجل يتلقّى لكمة على 
معدته. مضت ثانية لم يتحرّك فيها أحد, ثم استدارت تاسيل سريعًا وأخذت 
تركض متعثّرة في الثلج, صوب النادي. إلتمع مستطيل أصفر ساطع من الضوء 
ثم اختفى حالما أغلقت الباب. 


مكتبة دودة الحرير 555 


«لكن... هذا غير ممكن»» قال فاتكورت متلعثمًا. هرع في أثرها وإِنّما 
بعد بضع خطوات مترتحةء توقف والتفت إلى سترايك. «لا يمكنك تركها... 
يجب أن توقفها!» 

«لا أستطيع اللحاق بها حنّى ولو أردت», قال سترايك وهو يرمي عقب 
سيجارته على الثلج. «ركبتي لا تسعفني.» 

«هي قادرة على ارتكاب حماقة...» 

«كأن تقتل نفسها مثلا»» قال سترايك. وأخرج هاتفه من جيبه. 

حدّق فيه الكاتب مبهونًا. 

«أليس لديك من شفقة؟!» 

«لست أؤل من يقول ذلك»» قال سترايك وهو يضغط على أزرار هاتفه. 

«كل شيء جاهز؟» سأل مُحادثه عبر الهاتف. «حسئاء سنياشر.» 


t.me/ktabpdfF 


49 


الأخطار, كالنجوم, تظهر أشدّ سطوعًا وسط 
العتمة. 
توماس ديكيرء «الجندي الإسباني النبيل» 


خرجت المرأة الضخمة إلى الرصيف أمام النادي» وهرعت كالعمياء وقدمها 
تنزلق بعض الشيء على الثلج. كانت تركض في الشارع المظلم بسرعة هائلة, 
ومعطفها ذو القبة الفروية يرفرف خلفها. 

عند الناصية» ظهرت سيّارة أجرة وإشارة «مقعد شاغر» مضاءة على 
سطحها. نادت عليها وهي تلوّح بذراعيها بجنون. توقفت السيّارة ببطء. فشق 
نور مصباحيها الأماميّين ستار الثلج المنهمر بكثافة. 

«فولهام بالاس رود». قالت بصوت أجشٌّ خفيض, يقطعه النشيج. 

إبتعدت السيّارة ببطء عن الرصيف. كانت قديمة وذات فاصل زجاجيّ 
مخدوش ومبقّع بآثار تدخين مالكها على مرّ السنين. بدت إليزابيث تاسيل 
واظعلة ف مرآة الرؤية الخلفيّة. تحت ضوء الشارع المنصبّ عليها. كانت 
تبكي بصمت ووجهها بين يديها الكبيرتين» وتهترٌ مرتجفةٌ بأكملها. 

لم يسل السائق عمًا يجري بل نظر إلى الشارع خلفهاء حيث تمكّن من 
رؤية شكلّي رجلين في البعيد وهما يسرعان عبر الطريق المثلج إلى سيّارة 
سباق حمراء. 


مكتبة دودة الحرير 557 


إلتقت سيّارة الأجرة إلى اليسار عند نهاية الشارع وإليزابيث تاسيل لا 
تزال تبكي مخفيةً وجهها بين يديها. كان السائق يكظم رغبة شديدة في حك 
فروة رأسه تحت قبّعته الصوفيّة الخشنة, لكنها ما أبقاه دافًا في أثناء ساعات 
الانتظار الطويلة. عندما وصلت سيّارة الأجرة إلى كينغز رود. تضاعفت 
سرعتها. على الطريق» كان الثلج الكثيف المتراصٌ والمتكوّم يقاوم عجلات 
السيّارات بشدّة, بينما تدوّم العاصفة الثلجيّة بلا هوادة, رافعةٌ من احتمال 
وقوع حوادث سير. 

«أنت ذاهب في الاتجاه الخاطئ.» 

«ثمَة تحويلة»» كذبت روبن» «بسبب الثلج.» 

إلتقت عيناها بعيتي إليزابيث لمدّة وجيزة في المرآة. إلتفتت تاسيل 
إلى الخلف لكنّ الألفا روميو كانت بعيدة عن مجال رؤيتها. حين راحت 
تتلفت بوجوم وهلع إلى المباني عند جانبي الطريق» لاحظت روبن الأزيز 
العجيب الصادر عن صدرها. 

«نحن نسلك في الانّجاه المعاكس.» 

«سأنعطف بعد قلیل»» قالت روبن. 

لم تشاهد إليزابيث تاسيل وهي تحاول فتح الباب» لكتها سمعتها. 
باءت محاولة الراكبة بالفشلء فقد كانت كل الأبواب مقفلة. 

«دعني أنزل», صاحت بصوت شدید» «قلت أنزلني!» 

«لن تجدي سيّارة أجرة أخرى في هذا الطقس»» ردت روبن. 

كانوا قد راهنوا على أن تكون إليزابيث شديدة الاضطراب إثر المواجهة 
التي حصلت مع سترايكء فلا تلاحظ وجهة السير. شعرت روبن بالانزعاج خاصة 
وأنّها لم تكن قد بلغت ساحة سلون بعد. وثمَة ما يزيد على ميل للوصول إلى 
مخافر نيو سكوتلنديارد. نظرت روبن ثانيةً في المرآة. بدت الألفا روميو مجرّد 
نقطة حمراء صغيرة في البعيد. 

كانت إليزابيث قد نزعت حزام الأمان. 

«أوقف السيّارة!» صاحت, «أوقفها وأنزلني!» 


558 روبرت غالبريث t.me/ktabpdf‏ 


«لا أستطيع أن أتوفّف هنا». قالت روبن بلطف. نجحت في الحفاظ 
على نبرة هادئة على الرغم من هلعها المتصاعد. أخذت تاسيل والتي نهضت 
عن مقعدها تخربش بيديها الكبيرتين على الفاصل. «من فضلك الجلوس. يا 
سيّدتي...» 

سرعان ما انزلق الفاصل. مدّت إليزابيث ذراعها وأمسكت بقبّعة روبن 
وبقليل من شعرها. رأت روبن رأسها يظهر بمحاذاتها تقريبًاء ولمحت نظرتها 
الحاقدة تحدجها. كانت بضع خصلات مبللة بالعرق قد انسدلت على عيبي 
روبن حاجبة عنها الرؤية. 

«أتركيني!» 

«من أنت؟» صاحت تاسيل وهي تهرّ رأس روبن ممسكة بخصلة من 
شعرها. «أخبرني رالف أنّه شاهد فتاة شقراء تبحث في القمامة - من أنتِ؟» 

«دعيني!» صرخت روبن. لكنّ تاسيل رفعت ذراعها لتمسك بخناقها 
بواسطة يدها الأخرى. 

على بعد مئتّي متر خلفهماء صاح سترايك بآل: 

«إضغط على دؤاسة السرعة» الأمور ليست على ما يرام» أنظر إلى...» 

كانت سيّارة الأجرة أمامهما تتقدّم بخط متعرّج على الطريق. 

«طالما كانت سيّارتي رديئة على الجليد»: تذمّر آل محاولًا تصحيح 
مسار الألفا روميو بعدما انزلقت بعض الشيء. لكنّ سيّارة الأجرة ما لبثت أن 

أطلّت تاسيل بجذعها من خلال الكوّة. كانت تصرخ بأشدّ ما تسمح لها 
رئتاها العليلتان. أمَا روبن فراحت تجهد لدفعها إلى الخلف بيدء بينما تمسك 
المقود باليد الأخرى - ما بين شعرها المبعثر» وندف الثلج الغزيرةء وتاسيل 
الممسكة بخناقهاء سرعان ما حُجبّت عنها الرؤية كاملة. أرادت أن تتوقّفء 
لكن؛ عندما قفزت السيّارة إلى الأمام؛ أدركت أنّها أخطأت دوّاسة المكبح. لم 
يعد في وسعها أن تتنفّس. تركت المقود لتردع القبضة المحكمة على عنقها. 
تعالت صيحات مذعورة في الشارع, وبعد مضي ثانية, ارتطمت السيئّارة 
مباشرةً بواجهة أحد المتاجر. سمعت روبن ضجيج تحطّم الزجاج وصوت 


مكتبة دودة الحرير و55 


اصطدام الحديد بجدار الإسمنت. ثمّ طعن قفصها الصدريٌّ ألم حارقء ما 
تحت حزام الأمان الذي ضاق عليها عند ارتطام سيّارة الأجرة. إرتخى جسمها 
واسودّ كل شيء من حولها... 

«اللعنة على السيّارة! هيّا ترجّلء علينا أن ننقذ روين!» صاح سترايك 
بآل. وسط ضجيج صقارة إنذار المتجر وصيحات المارّة المذعورين؛ تلاشت 
الكلمات. كبح آل السيّارة كيفما انّفق. بعد انزلاقها لبضعة أمتارء توقفت 
الألفا روميو وسط الطريق العامّ. على مسافة تسعين مترًا من مكان اصطدام 
سيّارة الأجرة. قفز آل خارجًا بينما كان سترايك يجاهد للنهوض متشبَّئًا بياب 
الألفا. وقفت مجموعة من المحتفلين بعيد الميلاد. بربطات عنقهم السوداء 
- كانوا قد نجحوا في تفادي سيّارة الأجرة التي اعتلت الرصيف - يراقبون آل 
بذهول تامّ وهو يركض على الثلج: ويكاد يقع بعدما انزلق» ويتوجّه نحو مكان 
الاصطدام. 

فتح باب سيّارة الأجرة الخلفيّء وخرجت إليزابيث تاسيل وبدأت 
تركض. 

«أمسك بها يا آل!» صاح سترايك» وهو يمشي متعّرًا على الثلج؛ «أمسك 
بهايا آل!» 

كونه في السابق أحد أعضاء فريق الروغبي الماهر في كليّة روزي» اعتاد 
آل تلقّي الأوامر. فما كان منه إِلَا أن أطاع القائد على الفور. بعد مطاردة قصيرة 
أسقط الفارّة بحركة اعتراضيّة بارعة, ثم أرداها على الثلج وثبّتها بإحكام» وسط 
صيحات احتجاج العديد من النسوة اللواتي كن يراقبن المشهد. لكنّ آل راح 
يصرخ مهدّدًا لردع أيّ بادرة من أي رجل شهم قد يهرع إلى مساعدة الضحيّة. 

أمَا سترايك فقد كان مركرًا على أمر مختلف: شعر بأنّه يركض بسرعة 
مبطأة. وذلك بسبب الجهود الحثيثة التي كان يبذلها لعدم السقوط وقد 
بات على مقربة أمتار من سيّارة الأجرة. بدت ساكنة بالكامل» وشيء لم يكن 
يتحوّك في داخلها. كان الجميع منشغلًا بآل وأسيرته, فلم يفكر البئّة بسائق 
سيّارة الأجرة. 


«روبن...» 


560 روبرت غالبریث t.me/ktabpdf‏ 


كانت مطروحة على جانبهاء ولا تزال مثبّتة بمقعدها بسبب الحزام. 
كان وجهها ملطّخًا بالدم؛ لكن, عندما ناداها باسمها استجابت بأنين مشوّش. 

«الحمد لله... الحمد لله...» 

ملأ زعيق صفارات سيّارات الشرطة الساحة وتعالى فوق جرس إنذار 
المتجرء واحتجاجات المارّة المصدومين. فك سترايك حزام مقعد روبن» وإذ 
همّت بالخروج دفعها بلطف إلى داخل السيّارة قائلًا: 

«إبقي في الداخل.» 

«لقد أدركت أنّنا لا نتّجه إلى منزلها»» غمغمت روبن» «عرفت على 
الفور بأتّني سلكت الطريق الخاطئ.» 

«لا يهمّ». قال سترايك لاهئّاء «لقد سلّمتها إلى سكوتلنديارد على الرغم 
من كل شيء.» 

كانت أضواء زينة الميلاد تلتمع بين الأشجار العارية المحيطة بالساحة, 
والثلج لا ينفك ينهمر بكثافة متزايدة على الحشد المتجمهرء بين سيّارة الأجرة 
التي نتأ مؤخّرها من الواجهة الزجاجية المحطمة: وبين سيّارة السباق المركونة 
وسط الطريق. كان وميض صفارات سيّارات الشرطة ينعكس تموّجات زرقاء 
على الزجاج المتناثر الذي افترش الأرض. وامتزج صياح الصفارات بعويل 
جرس الإنذار الصادر عن المتجر. 

وبينما كان أخوه يصرخ تفسيرات غير مفهومة للشرطة المصعوقة 
أمام مشهد ذلك الرجل الممدّد فوق امرأة في الستّين من العمرء ارتمى 
سترايك منهكًا وإِنّما منفرج الأسارير على مقعد سيّارة الأجرة. نظر إلى شريكته 
الجديدة. وضاربًا عرض الحائط بمبادئه وبأصول الذوق السليم» راح يضحك 


t.me/ktabpdfF 


50 


سينثيا: ما رأيك» يا إنديميون» هل كل هذا 
من أجل الحبٌ وحسب؟ 

إنديميون: رأيي يا سيّدتي, أنّني والحالة 
هذه» أفضّل أن ترسل لي الآلهة كراهية امرأة 


وحقدها. 


جون ليلي» «إنديميون أو الرجل في القمر» 


لم يكن سترايك قد زار شقّة روبن وماثيو في إيلينغ من قبل. كان قد أصرٌ أن 
تأخذ روبن إجازة كافية للتعافي. بالنهاية, كانت تعاني من ارتجاج خفيف في 
الرأس, وقد خلّفت محاولة خنقها بعض الآثار البشعة. 

«روبن»» قد قال لها بصبر على الهاتف» «اضطررت إلى إغلاق مكتبي 
على أي حال. لقد غزا المراسلون شارع الدانمارك... وأنا لجأت إلى منزل نك 
وإلسا.» 

لكنّه لم يستطع أن يتوجّه إلى كورنوال من دون أن يراها. عندما فتحت 
له الباب» سر إذ لاحظ أنّ كدمات عنقها وجبهتها قد خبت لتصبح صفراء 
باهتة. 

«كيف حالك؟» سألها وهو يمسح قدميه على ممسحة الأقدام. 

«عظيمة!» 


564 روبرت غالبريث t.me/ktabpdf‏ 


كانت الشقّة الصغيرة وإِنّما المُبهجة تعبق برائحة عطرها. لم يكن قد 
لاحظه منذ استهلًا العمل معًا. ربّما مرور أسبوع من دونهاء جعله مرهقًا وأكثر 
تقديرًا لهذا النوع من الأشياء. قادته إلى غرفة الجلوس المطلية بلون قشديّ 
على غرار شقّة كاثرين كينت, حيث لفت انتباهه كتاب موضوع على أحد 
الكراسي: الاستجواب التحقيقي: علم النفس والتطبيق. في إحدى الزواياء 
لمح شجرة ميلاد صغيرة مزيّنة بالأبيض والأزرق. ما ذكره بأشجار ساحة سلون 
التي ظهرت في الصور المنشورة في الصحف, خلف حطام سيّارة الأجرة. 

«هل تجاوز ماثيو الأمر؟» سألها سترايك وهو يجلس على الكنبة. 

«لا يسعني القول إِنّه في أسعد حالاته»؛, أجابت مبتسمة» «أتشرب 
الشاي؟» 

كانت تعرف كيف يحبّه: أسود داكن كالفحم. 

«هديّة الميلاد», أبلغها عندما عادت بالصينية. ناولها مغلّمًا عاديا 
أبيض؛ ففتحته بفضولء ثم أخرجت رزمة مدبّسة من الأوراق المطبوعة. 

«تبداً دورتك التدريبيّة في كانون الثاني /يناير»» قال سترايك» «كي لا 
يكشفك أحد وأنت تخرجين كيسًا مليئًا ببراز الكلب من مستوعب القمامةء 
في المرّة المقبلة.» 

ضحكت مسرورة. 

«شكرًا لك. شكرًا جزيلًا!» 

«معظم النساء يفضّل الأزهار.» 

«لستُ معظم النساء.» 

«أجلء لاحظث ذلك»» قال سترايك وهو يأخذ بسكويتة بالشوكولاته. 

«هل حللوا براز الكلب؟» 

«نعم. كان يحتوي على أمعاء بشريّة. كانت تاسيل قد خبّأتها في 
المجمّد وراحت تخرج قطعًا صغيرة منها وتطعمها لكلبها الدوبرمن» كل 
يوم. عثروا على البعض منها في وعاء الكلب والباقي كان لا يزال محفوظًا في 
الثلاجة.» 

«يا إلهي»» قالت روبن وقد تلاشت البسمة عن وجهها. 


مكتبة دودة الحرير 565 


«مجرمة عبقرية»» تابع سترايك. «تسللت إلى مكتب كواين ودسشت 
خلف طاولته شريطين من أشرطة الآلة الكاتبة التي استعملتها... وقد تكرّم 
أنستيس بإرسالهما للفحص. لم يجدوا أي أثر لحمض كواين النووي عليهما. 
لم يلمسهما قط - أي أنّه لم يكتب ولم يطبع ما يوجد عليهما.» 

«أما زال أنستيس يتحدَّث إليك؟» 

«بالكاد. من الصعب عليه أن يقاطعني تمامًا. لقد أنقذت حياته.» 

«يصعب التعامل مع هذا النوع من الأوضاع». وافقته روبن الرأي. «إذًا 
اقتنعوا بنظريّتك بأكملها الآن؟» 

«متى عرفنا ما الذي نبحث عنه؛ يسهل الوصول إلى الحل. إشترت 
تاسيل آلة كاتبة مماثلة قبل سنتين تقريبًا. ثمّ طلبت البرقع والحبال ببطاقة 
ائتمان كواين وأرسلتها في صندوق مقفل إلى منزله عندما كان العمّال يقومون 
بأعمال الترميم هناك. ثمّة فرص كثيرة في متناولها لاختلاس بطاقته: من 
جيب معطفه المعلّق في المكتب بينما يتوجّه لقضاء حاجته... أو من محفظته 
وهو يغط في النوم مخموراء عندما كانت تقلّه إلى البيت من إحدى الحفلات. 
كانت تعرف تمامًا أنه طائش لا يدقّق في أمور مثل الفواتير. وقد حصلت على 
مفتاح منزل تالغارث رود - من السهل أن تصنع نسخة عنه. وقعت صدفةٌ, 
وهي تتفقّد المنزل من قبلء على غالونات حمض الهيدروكلوريك. تخطيط 
بارع, لكنّه مفرط الدقّة والتفاصيل»» ضاف سترايك وهو يرشف الشاي الحادء 
«يبدو أنّها الآن قيد المراقبة في مصحّة أمراض نفسيّة, لمنعها من الانتحار. 
لكنّك لم تسمعي الجزء الأشدّ خبلًا في هذا الأمر.» 

«هل هناك المزيد؟» سألت روبن متوجّسة. 

كانت تتطلّع إلى زيارة سترايك بفارغ الصبرء لكتها ما زالت واهنة بعد 
أحداث الأسبوع الماضي. قوّمت ظهرها ونظرت مباشرةً في عينيه واستعدٌّت 


لتلقّي الصدمة الأخيرة. 
«لقد احتفظّت بالمخطوطة اللعينة.» 
قطبت روبن حاجبيها. 


«ماذا تع...؟» 


566 روبرت غالبریث t.me/ktabpdf‏ 


«كانت في الثلاجة مع طعام الكلب. ملطخة بالدماء بالطبع؛ لأنها 
حملتها في الجراب عينه الذي نقلت فيه الأمعاء. المخطوطة الأصليّة. 
بومبيكس موري التي كتبها كواين بنفسه.» 

«لكن لماذا...؟» 

«الله وحده يعلم. يقول فانكورت...» 

«هل قابلته؟» 

«لمدّة وجيزة. زعم أنّه اكتشف كل المسألة منذ البداية. أراهنك أنّ 
هذه القصّة ستشكل موضوع روايته التالية. على أي حال؛ قال إِنّها أعجز من 
أن تقدم على إتلاف مخطوطة أصليّة.» 

«بالله عليك - في حين أنّها لم تجد مشكلة في قتل مؤْلّفها!» 

«نعم» لكنّ ذلك أدب يا روبن»؛ قال سترايك مبتسمًا. وإليك ما يلي: 
روبر تشارد مهتمّة جدًا بنشر الرواية الحقيقيّة. وسيكتب فانكورت التمهيد.» 

«أنت تمزح؟» 

«لا. أخيرًا سيصبح كواين من أكثر المؤلّفين مبيعًا. لا تنظري إليّ 
هكذا»» قال سترايك وهو يبتسم أمام حيرتها. «على العكس» عليك أن تفرحي» 
فهناك أشياء كثيرة تسحق عناء الاحتفاء. ستصبح ليونورا وأورلندو ثريّتين 
جدًا عندما تعتلي بومبيكس موري رفوف المكتبات. وذلك يذكرني بشيء 
آخر.» 

دس يده في جيب معطفه الداخليّ الموضوع إلى جانبه على الكنبة 
وناولها رسمًا ملفوفًا كان يحتفظ به. فتحته روبن وابتسمت, ثم اغرورقت 
عيناها بالدموع. كان رسم يظهر ملاكين صغيرين أجعدّي الشعر يرقصان معًا 
وقد خط تحته بعناية وبقلم الرصاص: إلى روبن-دودو التي تحبّكِ. 

«كيف حالهما؟» 

«في أفضل حال»» قال سترايك. 

كان قد زارهما في ساوذرن روء بدعوة من ليونورا. إستقبلته الأم 
وابنتها يدا بيدء عند الباب. وكان تشيكي مانكي حاضرًا أيضًاء معلّقًا حول 
رقبة أورلندو كالمعتاد. 


مكتبة دودة الحرير 5 


«أين روبن؟» قد سألته أورلندو, «أردث أن تأتي روبن إلى هنا. لقد 
رسمت لها صورة.» 

«تعرّضت السيّدة لحادثة»؛ ذكرت ليونورا ابنتهاء وهي تفسح الطريق 
ليدخل كواين» وتُمسك بيد أورلندو بقوّة, مخافةً أن يفرّق بينهما أحد ثانية. 
«أخبرتك يا دودوء أن السيّدة أقدمت على عمل جريء وتعرّضت لحادث 
سيّارة.» 

«العمّة ليز كانت شرّيرة». أخبرت أورلندو سترايك» وهي تتراجع إلى 
الخلف في الرواق» ولا تزال يدها ممسكة بيد أمهاء فيما تحدّق في سترايك 
بعينيها الخضراوين الصافيتين» «هي من جعلت والدي يموت.» 

«(نعم»... أ... أعرف»» قد أجاب سترايك متلعثمًا ومتأترًا كالعادة 


وفور دخوله المطبخ وجد جارتهما إدنا جالسة إلى الطاولة. 

«آه. لقد كنت بغاية الفطنة»» راحت تردّد مرارًا وتكرارّاء «ألم يكن ذلك 
رهيبًا؟ وكيف حال شريكتك المسكينة؟ لكن... لا بن أنه كان فظيعًا!» 

«هما رائعتان بالفعل»» قالت روبن بعد أن وصف هذا المشهد بشيء 
من التفصيل. بسطت رسم أورلندو على الطاولة الصغيرة بينهماء إلى جانب 
أوراق دورة التدريب» بحيث يمكنها أن تتأمّل مبتهجة بالاثنين معًا. «وكيف 
حال آل؟» 

«يكاد يفقد صوابه من شدّة الحماسة». قال سترايك بمرح» «أعطيتاه 
انطباعًا زائقًا عن متعة العمل.» 

«لقد أحببته حقًا»» قالت روبن باسمة. 

«أجل» حسئاء ذلك بسبب تداعيات الكدمة على الرأس»» مازحها 
سترايك. «أمَا بولوورث ففي سابع سماء. إذ نجح في إلحاق العار بشرطة 
العاصمة.» 

«لديك أصدقاء مثيرون للاهتمام»» قالت روبن» « كم ستدفع لإصلاح 
سيّارة والد نك؟» 


568 روبرت غالبریٹث t.me/ktabpdf‏ 


«لم أحصل على الفاتورة بعد»» قال متنهُدًاء لاحقًا وبعد بضع قطع من 
البسكويت, استقرّت عيناه على هديّته لروبن؛ «أظنَ... أنه علي طلب موظفة 
مؤفّتة أخرى في أثناء خضوعك للدورة.» 

«أجل» أعتقد ذلك»» وافقته روبن. ثم أضافت بعد قليل من التردّد. 
«وأرجو أن تكون رديئة.» 

ضحك سترايك وهو ينهض ويتناول معطفه. 

«لا داعي للقلق. فالصاعقة لا تضرب مرّتين.» 

«ألم يدغك أحد بهذا اللقب. إلى جانب ألقابك الأخرى؟» تساءلت 
وهما يسيران عبر الرواق. 

«أي لقب؟» 

«سترايك الصاعقة؟» 

«أيمتعك التكلّم عن الصواعق والكوارث أمامي؟» سأل مشيرًا إلى 
ساقه. «ميلادًا مجيدًا يا شريكتي.» 

حامت فكرة العناق مدّة وجيزة في الجوّ, لكنّها مدت يدها لمصافحته 
على طريقة الرفاق القدامى, فصافحها بدوره. 

«أتمئّى لك أوقانًا ممتعة في كورنوال.» 

«ولك أيضّاء في ماشام.» 

أرادت سحب يدها ولكئّه كان متمسَكًا بها. وقبل أن تعي ما يحدث, 
رفعها بسرعة وطبع قبلة على ظاهرها. ثمّ غادرها وهو يبتسم ملوَحًا بيده. 





روبرت 


غالبريث 


000 ELE 


t.me/ktabpdfF 


شكر 


لقد كان من دواعي سروري ومتعتي أن أكتب تحت اسم طانهءطلدت غأرعمم] 
المستعار. متعة استطعت مشاركتها مع الأشخاص الأعرّاء الواردة أسمائهم 
أدناه. 

بفائق الامتنان والاحترام؛ أتقدّم بالشكر من: 

Deeby .SOBE‏ وال .Back Door Man‏ لولاکم» لما استطعت استكمال 
روايتي. نحدّد موعدًا لاحمًا للاحتفاء. 

/16اعط5 David‏ ناشري الاستثنائيَّ. شكرًا لدعمك الدائم: لموهبتك 
ومهاراتك. شكرًا لأننك عالجتٌ التفاصيل المهمّة بدقّة وجديّة فيما استمتعتٌ 
بالباقي. 

3 ۸111 وكيلي» الذي رفع التحدّي بسرور وساعدني في أن أصبح 
كاتبة مبتدئة. أنتَ حقًا شخص لا يُقدّر بثمن. 

جميع المتعاونين لدى 85083 ,1.116 الذين عملوا بکد وحماس على 
رواية +506561 الأولى وذلك بدون أن يعرفوا من أين تأتي حتّى. شكر خاصٌ أيضًا 
لفريق الكتب الصوتيّة والذي جعل الرواية هذه على رأس المبيعات قبل أن 

Steve Barnes Lorna‏ من ال 56:ه21 9د8, اللذان قدّما لي الشراب 
ورافقاني في زيارة إلى مدفن 90111/الآ ع1]3:0320101 :51. بفضلهماء اكتشفتٌ 


IS‏ روبرت غالبريث 


أنَّ اسم المدينة. مسقط رأس «ذطه8 وإِنَّما يُلفظ «ددن-1/]255» وليس «-2/]358 
دع.» وهذا ما جعلني أتفادى الخلط بين التسميتين. 

Fiona «Christine Collingwood 51007 Henderson 
لولاھم لما‎ .Simom Brownو‎ Alison Kelly «Angela Milne «Shapcott 
تسئّى لي الوقت لكتابة ««مه:5111»: ولا أي رواية أخرى بالنهاية.‎ 

Rebecca Salt «Nicky Stonehill «Mark Hutchinson‏ الذین 
بفضلهم لم أفقد أعصابي ولم أصب بالجنون في نهاية المطاف. 

أخيرًا وليس آخرّاء أشكر عائلتي. و7161 على وجه التحديد, لأمور 
عديدة لن أستطيع ذكرها هناء ولا سيّما لدعمك الحاضر دائمًا أبدّا على مسرح 


الجريمة الدامية هذه. 


t.me/ktabpdf 


ERE IE CI EES CEE CC REFIT] 
EEE OEE ICT EA E CEE 
CIEE CUE AC ا ا‎ 
أن اختفاء الكاتب ليس نزوة عابرة ولا مصادفة. فقبيل ذلك كان كواين‎ 
قد استكمل مخطوطة روايته الأخيرة؛ حبكة فضائحيَة تجرّح ريشته‎ 
بالعديد من معارفه وتمرّغهم بسموم وحولهاء الأمر الذي يبتَ القلق‎ 
عند كثير من الشخصتات المرموقة...‎ 

تتأكد شكوك سترايك حين يكتشف جنّة كواين في منزل مهجور, 
مشوهة بأقذع الأساليب. آثار الجريمة مطموسة والمشتبه بهم أكثر من أن 
REARS CC CCST CELE FORE‏ 
OIC CEE NCTC CE KE SEES‏ 
ومتمرس في آداب التعذيب؛ أسوأً صنف يصادقه المحقق وأخطرهم.. 


ا ا ا EEO EEE‏ 
وقع مفاجآت مجنونة عند كل منعطف وصفحة. «دودة الحرير» 
هي الرواية الثانية من سلسلة مغامرات المحقق كورموران 
سترايك ومعاونته الشايّة الجميلة والجريثة» روبن إيلاكوت. 


6 رواية تشويق مُتقن...‎ 
SE RT CE 


Sunday Mirror 


١51١ مكتبة‎ 


نوفل هي دمغة الناشر ا 
1 


| 


ا 44 


! 


98